د. رأفت محمد رائف المصري
:: متخصص ::
- إنضم
- 28 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 677
- التخصص
- التفسير وعلوم القرآن
- المدينة
- عمان
- المذهب الفقهي
- حنبلي
انتفاضة اليقظة "1"
نعم؛ ليس ذلك بغريب على أحدنا، فإن للنفوس إقبالا وإدبارا، وإن للقلب تقلبا في الأحوال والمقامات، وكما أن للبحر – وهو البحر – مدّا وجزرا؛ فإن للقلب كذلك مدا وجزرا .
أما مده فهو إقباله على الطاعة، وانشراحه لها، ونشاطه في توجهه إلى ربه، وأنسه بالقرب منه، والتذاذه بحلاوة المناجاة بين يديه، ومن ثم فإنه ينطلق في العمل لله؛ الذي هو – في الحقيقة - أثر من آثار حرارة الحب لجناب الحق سبحانه، يأتيه العمل كأطيب ما يكون، وأسهله على نفسه، يتّسق مع توجه القلب، وإقباله على مولاه، فترى المؤمنَ حينئذ وقد تدفّق العمل منه تدفقا، وانساب منه انسيابا، وكأنه النتيجة الطبيعية لحسن العلاقة، وتمام العبادة، وفهم الرسالة .
وأما جزره؛ فهو ما تراه من نفسك وأراه من نفسي - أحيانا - من هدوء الإقبال، وجفاف الروح، والشعور بالحاجة الملحّة إلى غيث العبودية، الذي ينزل من سماء الرحمات؛ ليسقيَ أرض القلوب، فينبت زرع الأنس، ويحيي موات الإقبال .
شعور يجري في مسالك النفس المؤمنة؛ يحملها على طلب التخلص من مرهِقات الغفلات، فإما أن يجيب داعية الإيمان في نفسه، فيسلك ما به تكون انتفاضتها، وثورتها على فترتها؛ فينجو "فمن كانت فترته على سنتي فقد اهتدى" .. وإما أن يوغل في فتوره، ويبحر في غفلته، فيقع في براثن الشياطين التي تدعوه إلى عذاب السعير ..
إن أهم ما يقدح شرارة اليقظة هذه في ليل الغفلة تذكّر نعم الله عليك؛ ودوام ستره عليك، مع استمرار معصيتك له، وإصرارك على لزوم أعتاب الذنوب، وتفريطك فيما جاءك عنه ... إنه الحليم الرحيم الكريم؛ سبحانه لا إله إلا هو .
هذا؛ ونظرك في مآل كل حيّ في دنياه حقيق بأن يؤزّك إلى الطاعة، ويحركك إلى مواصلة السير إلى الله، وهذا من المعاني التي أرادها الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ إذ يرشدك إلى الإكثار من ذكر هادم اللذات، وسبحان الحي الذي لا يموت .
ولا تنس – أُخيّ – أن إقبالك على كتاب ربك تلاوة وتدبرا لهو الدواء الحاسم لمرض الفتور، وقد قال الله تعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" [FONT=QCF_BSML][/FONT]يونس: ٥٧، انتبه إلى أنه جعله "الشفاء" لما في الصدور؛ فالزمه تجد داء صدرك قد غادره، وعُدت بصحبة هذا الكتاب إلى تنسُّم نسائم الإيمان؛ وتذوّق حلاوة العرفان؛ ولتسبّح - فديتك - ربا هاديا ونصيرا ..
اعزم على مغادرة قيعان الغفلة والركود، وحرك الماء الآسن بوابل الهمم الأخروية، وعزمات النهوض الإيمانية .. وامض كيحيى نبي الله : "خذ الكتاب بقوة"، يؤتيك الحكمة كما آتاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله .