العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

بحث: اشتراط الولي في عقد النكاح

إنضم
4 يناير 2010
المشاركات
16
التخصص
عقيدة
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
حنبلي

بحث: اشتراط الولي في عقد النكاح

الولي لغة: قال ابن فارس: الواو واللام والياء: أصل صحيح يدل على قرب. من ذلك الوَلْيُ: القرب. يقال تباعد بعد وَلْي: أي قُرْب. وجلس مما يليني: أي يقاربني. معجم مقاييس اللغة لابن فارس (6/141)، مادة "ولى".
وذكر الزبيدي أن الولي له معان كثيرة منها: الذي يلي أمرك، والمحب ضد العدو، ومنها الصديق، ومنها النصير، والناصر، والرب لتوليه أمور العالم بتدبيره وقدرته، والمنعم، والمنعم عليه، والمحب، والتابع، والصهر. وأن الولاية لها معان منها: الخطة والإمارة والسلطان. وأن المولى له معان منها: المالك، والعبد، والمُعتِق، والمُعتَق، والصاحب، والقريب، والجار، والحليف، والنزيل، والشريك. تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي (40/241 – 245)، مادة "ولي"، وانظر: لسان العرب لابن منظور (15/406 وما بعدها)، مادة "ولي"، والمصباح المنير (258)، مادة "ولي".
الولي اصطلاحاً: أولا: المذهب الحنفي: عرف صاحب الدر المختار الولي بأنه: البالغ العاقل الوارث ولو فاسقاً على المذهب، ما لم يكن متهتكا. وعرف الولاية بأنها: تنفيذ القول على الغير شاء أو أبى. حاشية ابن عابدين (3/55)، وانظر: البحر الرائق (3/117).
ثانياً: المذهب المالكي: قال ابن عرفة: الولي: من له على المرأة ملك، أو أبوة، أو تعصيب، أو إيصاء، أو كفالة، أو سلطنة، أو ذو إسلام. شرح حدود ابن عرفة (1/241).
ثالثاً: المذهب الشافعي: لم أجد – بحسب اطلاعي – من عرف الولي من فقهاء الشافعية، إلا أنه يفهم من عباراتهم أنهم يقصدون بالولي: من يتولى أمر المرأة وهو: المسلم العاقل البالغ العدل الذكر الرشيد. انظر: الحاوي للماوردي (9/61 – 64)، روضة الطالبين للنووي (5/408 – 412)، ومغني المحتاج للشربيني الخطيب (3/154).
رابعاً: المذهب الحنبلي: عرف ابن المبرد الولي بأنه: من له ولاية على المرأة. الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي (3/616).
ولم ينص – فيما اطلعت عليه – غيره من فقهاء الحنابلة على تعريف الولي إلا أنه يفهم من عباراتهم أنهم يقصدون بالولي: من يلي أمر المرأة وهو المسلم العاقل البالغ العدل الذكر الرشيد. انظر: الإنصاف للمرداوي (8/72 – 73)، وكشاف القناع للبهوتي (5/53 – 54)، والمغني لابن قدامة (7/16 – 17).
ومن أحسن التعريفات لولاية النكاح ما عرفها بعض المعاصرين بأنها: سلطة شرعية لعصبة نفس، أو من يقوم مقامهم، يتوقف عليها تزويج من لم يكن أهلا لعقده. وهو تعريف د. عوض بن رجاء العوفي في رسالة: الولاية في النكاح (1/29).
والنكاح في اللغة: الضم، يقال تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض. المصباح المنير (2/624)
ونكح الرجل والمرأة أيضاً، ينكح نكاحاً من باب ضرب. قال ابن فارس: النون والكاف والحاء أصل واحد، وهو البِضاع. معجم مقاييس اللغة (5/475).
ونكح فلان امرأة ينكحها نكاحاً إذا تزوجها؛ ونكحها ينكحها باضعها أيضاً، فيطلق على الوطء وعلى العقد دون الوطء.
قال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب الوطء، وقيل للتزوج نكاحاً؛ لأنه سبب للوطء المباح. لسان العرب (14/279).
وقال الجوهري: النكاح الوطء وقد يكون العقد، تقول نكحتها، ونكحت أي: تزوجت. الصحاح (1/362).
ثم اختلف أهل اللغة هل هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر.. قال صاحب المصباح: النكاح مجازاً في العقد والوطء جميعاً؛ لأنه مأخوذ من غيره فلا يستقيم بأنه حقيقة لا فيهما ولا في أحدهما ويؤيده أنه لا يُفهم العقد إلا بقرينة، نحو (نكح) في بني فلان؛ ولا يفهم الوطء إلا بقرينة، نحو (نكح) زوجته؛ وذلك من علامات المجاز. وإن قيل: غير مأخوذ من شيء، فيترجح الاشتراك؛ لأنه لا يُفهم واحد من قسميه إلا بقرينة. المصباح المنير (2/624).
والنكاح اصطلاحاً: عرفه الحنفية بأنه عقد يفيد ملك المتعة قصدا. البحر الرائق (3/85)
أو هو عقد يفيد ملك المتعة أي حل استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي. الدر المختار (3/3- 4)
وعرفه المالكية: النكاح عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقده حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على الآخر. ينظر: مواهب الجليل (3/403)، الفواكه الدواني (2/3)، منح الجليل (3/254).
وعرفه الشافعية: بأنه عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج وترجمته. مغني المحتاج(3/ 123)، أسنى المطالب (3/ 98).
وعرفه الحنابلة بأنه عقد التزويج. المغني (7/ 3).
أو هو عقد يعتبر فيه لفظ إنكاح أو تزويج في الجملة والمعقود عليه منفعة الاستمتاع. الروض المربع (380).

اختلف العلماء في اشتراط الولي في نكاح المرأة على أقوال سنبسطها ونعرض لأدلة كل قول ومناقشاته:
القول الأول: اشتراط الولي في النكاح، فلا يصح أن تباشر المرأة بنفسها عقد النكاح، فلا تزوج نفسها ولا تزوج غيرها. وهو قول جمهور الفقهاء:
المالكية: قال أبو عمر: (فقد صرح الكتاب والسنة بأن لا نكاح إلا بولي فلا معنى لما خالفهما) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/90).
والشافعية: قال الماوردي: (أن الولي شرط في نكاحها لا يصح العقد إلا به وليس لها أن تنفرد بالعقد على نفسها ، وإن أذن لها وليها سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، شريفة أو دنية ، بكراً أو ثيباً). الحاوي الكبير(9/38)0
والحنابلة: قال ابن قدامة: (شرائط النكاح خمسة أحدها الولي فإن عقدته المرأة لنفسها أو لغيرها بإذن وليها أو بغير إذنه لم يصح)الكافي في فقه الإمام أحمد (3/10)
والظاهرية: قال ابن حزم: (وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحٌ ثَيِّبًا كانت أو بِكْرًا إِلاَّ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا)المحلى لابن حزم (9/451)..
أدلة هذا القول: استدل أصحاب هذا القول بأدلة من القرآن والسنة والآثار والمعقول:
أولا: أدلتهم من القرآن الكريم:
1 - قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف" (البقرة:232).
وجه الدلالة من الآية:
وذلك أن الله تعالى ذكره منع الولي من عضل المرأة إن أرادت النكاح ونهاه عن ذلك فلو كان للمرأة إنكاح نفسها بغير إنكاح وليها إياها أو كان لها تولية من أرادت توليته في إنكاحها لم يكن لنهي وليها عن عضلها معنى مفهوم إذ كان لا سبيل له إلى عضلها وذلك أنها إن كانت متى أرادت النكاح جاز لها إنكاح نفسها أو إنكاح من توكله إنكاحها فلا عضل هنالك لها من أحد فينهى عاضلها عن عضلها. تفسير الطبري.(2/ 488)
نوقش الاستدلال بهذه الآية من أوجه:
الوجه الأول: فظاهر الآية يقتضي أن يكون ذلك خطابا للأزواج لأنه قال وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن فقوله تعالى فلا تعضلوهن إنما هو خطاب لمن طلق وإذا كان كذلك كان معناه عضلها عن الأزواج بتطويل العدة عليها كما قال ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. أحكام القرآن للجصاص (/103).
أن الخطاب للازواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما ولا يتركونهن يتزوجهن من شئن من الأزواج سموا أزواجا باسم ما يؤول إليه. تفسير النسفي ج 1 ص 112
وهذا هو المختار ، الذي يدل عليه أن قوله تعالى :{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ( جملة واحدة مركبة من شرط وجزاء ، فالشرط قوله : ) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ( والجزاء قوله : ) فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ( ولا شك أن الشرط وهو قوله : ) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَاء ( خطاب مع الأزواج ، فوجب أن يكون الجزاء وهو قوله : ) فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ( خطاباً معهم أيضاً ، إذ لو لم يكن كذلك لصار تقدير الآية : إذا طلقتم النساء أيها الأزواج فلا تعضلوهن أيها الأولياء وحيئنذٍ لا يكون بين الشرط وبين الجزاء مناسبة أصلاً وذلك يوجب تفكك نظم الكلام وتنزيه كلام الله عن مثله واجب. مفاتيح الغيب (6/96).
أجيب عن هذه المناقشة من وجوه:
بأن هذا التفسير غير صحيح، والصحيح أن الخطاب للأولياء بدليل أن الآية الكريمة نزلت في الأولياء كما ذكر ابن جرير وغيره. جامع البيان (6/484)، أحكام القرآن لابن العربي (1/272).
وأنه لا يجوز توجيه النهي إلى الأزواج ، لأنه إن عضل الزوج قبل العدة فحق لا يجوز أن ينهى عنه ، وإن عضل بعد العدة فهو غير مؤثر. الحاوي (9/39).
الوجه الثاني : أن ما روي من سبب نزولها في معقل بن يسار في أشهر القولين أو جابر في
أضعفهما يوجب حمله على الأولياء دون الأزواج ، وليس ينكر أن يعود الخطاب إليهم وإن لم يتقدم لهم ذكر إذاً دل الخطاب عليه كما قال: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} (العاديات: 6،7) يعني الله تعالى {وَإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (العاديات : 8 ). والحاوي (9/39).
الوجه الثالث: السبب الذي رويتم يبطل نظم الآية لأن الولي إذا كان هو المنكح فكيف يقال له لا تمتنع من فعل نفسك وهذا محال. أحكام القرآن لابن العربي (1/272)
أجيب عن هذه المناقشة:
ليس كما ذكرتم للمرأة حق الطلب للنكاح وللولي حق المباشرة للعقد فإذا أرادت من يرضى حاله وأبى الولي من العقد فقد منعها مرادها وهذا بين. أحكام القرآن لابن العربي (1/272).
الوجه الثالث: أننا إن سلمنا أن الخطاب في الآية موجه للأولياء فلا نسلم أن هذا الخطاب يثبت اشتراطا لمباشرة عقد النكاح، بل كل ما في الخطاب هو نهي الأولياء عن العضل بداية المجتهد (2/12).
لأن النهي يمنع أن يكون له حق فيما نهى عنه فكيف يستدل به على إثبات الحق وأيضا فإن الولي يمكنه أن يمنعها من الخروج والمراسلة في عقد النكاح فجائز أن يكون النهي عن العضل منصرفا إلى هذا الضرب من المنع لأنها في الأغلب تكون في يد الولي بحيث يمكنه منعها من ذلك. أحكام القرآن للجصاص (2/100).
أجيب عن هذه المناقشة:
أنه بسبب نزول الآية يعرف ضعف قول الرازي إن الضمير للأزواج وضعف قول صاحب نهاية المجتهد إنه ليس في الآية إلا نهيهم عن العضل ولا يفهم منه اشتراط إذنهم في صحة العقد لا حقيقة ولا مجازا بل قد يفهم منه ضد هذا وهو أن الأولياء ليس لهم سبيل على من يلونهم. ويقال عليه قد فهم السلف شرط إذنهم في عصره صلى الله عليه وسلم وبادر من نزلت فيه إلى التكفير عن يمينه والعقد ولو كان لا سبيل للأولياء لأبان الله تعالى غاية البيان بل كرر تعالى كون الأمر إلى الأولياء في عدة آيات ولم يأت حرف واحد أن للمرأة إنكاح نفسها. سبل السلام (3/120).
1 - قوله تعالى: "ولاتنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" (البقرة:221).
وجه الدلالة من الآية:
أن هذا خطاب للأولياء بأن لا ينكحوا المسلمات المشركين ولو فرض أنه يجوز لها إنكاح نفسها لما كانت الآية دالة على تحريم ذلك عليهن لأن القائل بأنها تنكح نفسها يقول بأنه ينكحها وليها أيضا فيلزم أن الآية لم تف بالدلالة على تحريم إنكاح المشركين للمسلمات لأنها إنما دلت على نهي الأولياء عن إنكاح المشركين لا على نهي المسلمات أن ينكحن أنفسهن منهم وقد علم تحريم نكاح المشركين المسلمات فالأمر للأولياء دال على أنه ليس للمرأة ولاية في النكاح. سبل السلام (3/120)
قال القرطبي: في هذه الآية دليل بالنص على أن لا نكاح إلا بولي. تفسير القرطبي (3/72).
نوقش الاستدلال بهذه الآية:
هو أن يكون خطابا لأولي الأمر من المسلمين أو لجميع المسلمين أحرى منه أن يكون خطابا للأولياء. بداية المجتهد (2/8)
وأجيب عن هذه المناقشة: أن المراد بهذه الآية على عمومها صنفان:
الأول: الأولياء، أي: لا ينكحهن من إليه الإنكاح وهم الأولياء.
الثاني: الأمراء عند فقد الأولياء أو عضلهم، بدليل حديث "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"، فالخطاب يشمل هذين الصنفين. سبل السلام (3/120).
2 - قوله تعالى: "وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم" (النور:32).
وجه الاستدلال من الآية:
أن هذا خطاب موجه للرجال دون النساء، فالله سبحانه أمر في هذه الآية أولياء المرأة أن يقوموا بتزويجها، والأمر يدل على الوجوب، مما يدل على أنهم هم المكلفون بتزويجهن. المقدمات الممهدات لابن رشد (1/471)، وفتح الباري (9/184).
نوقش الاستدلال بهذه الآية من وجهين:
الوجه الأول: بأننا لا نسلم بأن الخطاب في الآية للأولياء بل خطاب للأزواج أن يتزوجوا الأيامى عند الحاجة . النكت والعيون (4/98).
إذ لا وجه للاستدلال به لمن قال : لا نكاح إلاَّ بولي ، والأيامى جمع أيم وهو أعم من المرأة كما ذكرنا لتناوله الرجل ، فلا يصح أن يراد بالمخاطبين الأولياء وإلاَّ كان للرجل ولي. عمدة القاري (20/121).
أجيب عن هذه المناقشة:
الخطاب للأولياء إذ لو أراد الأزواج لقال {وانكحوا} بغير همز وكانت الألف للوصل. تفسير القرطبي (12/239).
والصحيح أنهم الأولياء لأنه قال: {أنكحوا} بالهمزة ولو أراد الأزواج لقال ذلك بغير همزة وكانت الألف للوصل وإن كان بالهمزة في الأزواج له وجه فالظاهر أولى فلا يعدل إلى غيره إلا بدليل. أحكام القرآن لابن العربي (3/391)
الوجه الثاني: إننا إذا سلمنا أن الخطاب ليس موجها للأزواج، فهو موجه لعموم المسلمين لأن الآية لم تخص الأولياء بهذا الأمر دون غيرهم وعمومه يقتضي ترغيب سائر الناس في العقد على الأيامى ألا ترى أن اسم الأيامى ينتظم الرجال والنساء. أحكام القرآن للجصاص (5/178)
أجيب عن هذه المناقشة:
بأننا لا نسلم بأن الخطاب لعموم المسلمين بل أن الخطاب للأولياء والسادات وأن المراد من الإنكاح المعاونة والتوسط في النكاح أو التمكين منه وتوقف صحته في بعض الصور على الولي يعلم من دليل آخر. روح المعاني (18/148)
ثانيا: أدلتهم من السنة:
1 – عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".
وجه الدلالة من الحديث:
أنه يدل بمنطوقه على نفي النكاح بدون ولي، ويدل بمفهومه على عدم جواز مباشرة المرأة لعقد النكاح لنفسها أو لغيرها. قال الخطابي: فيه نفي ثبوت النكاح على معمومه ومخصوصه إلا بولي. معالم السنن (2/568).
فإن عقدته المرأة لنفسها أو لغيرها بإذن وليها أو بغير إذنه لم يصح. الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل (3/10)
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهوه:
الوجه الأول: الحديث مضطرب في إسناده في وصله وانقطاعه وإرساله قال الترمذي هذا حديث فيه اختلاف وسمي جماعة منهم إسرائيل وشريك رووه عن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم وراه أسباط بن محمد وزيد بن حبان عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ورواه أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبي اسحاق عن أبي بردة ولم يذكر فيه عن أبي اسحاق فقد اضطرب في وصله وانقطاعه وقد روى شعبة وسفيان الثوري عن يونس بن أبي اسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اضطراب في إرساله لأن أبا بردة لم يره النبي صلى الله عليه وسلم. شرح فتح القدير (3/259).
أجيب عن هذه المناقشة:
بأن الحديث ثبتت صحته متصلاً مرفوعاً من أوجه كثيرة، وقد صححه جمع من الأئمة كالبخاري، وعلي بن المديني، والترمذي. سنن الترمذي (3/400). وابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم المستدرك (2/169 – 172). والبيهقي السنن الكبرى (9/107). وابن حزم المحلى (9/452). وأفاض ابن القيم في تهذيب السنن في ذكر طرق الحديث وثبوت صحته. تهذيب السنن (3/26 – 31).
الوجه الثاني:
لما قلتم أنه نكاح بلا ولي، فقوله لا نكاح إلا بولي لا يعترض على موضع الخلاف لأن هذا عندنا نكاح بولي لأن المرأة ولي نفسها كما أن الرجل ولي نفسه لأن الولي هو الذي يستحق الولاية على من يلي عليه والمرأة تستحق الولاية والتصرف على نفسها في مالها فكذلك في بعضها. بدائع الصنائع (2/249)، أحكام القرآن للجصاص (/103).
أجيب عن هذه المناقشة جوابان:
الأول: أنه خطاب لا يفيد ، لعلمنا أنه لا نكاح إلا بمنكوحة ولا يتميز عن سائر العقود ، وقد خص النكاح به.
والثاني: أن قوله : ' لا نكاح إلا بولي ' يقتضي أن يكون الولي رجلاً ، ولو كانت هي المراد لقال : لا نكاح إلا بولية. الحاوي الكبير (9/40).
أن من يعقد النكاح لنفسه لا يسمى وليا – كما ذكر الخطابي – ولو جاز هذا في الولاية لجاز مثله في الشهادة على نفسها، فلما كان في الشاهد فاسدا كان في الولي مثله. معالم السنن (2/568)..
ويبطل هذا الوجه حديث عائشة "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل"، وهو نص صريح على أنه لا ولاية للمرأة في النكاح كبيرة كانت أو صغيرة، فإن لفظ "أيما" لفظ عام فيفيد سلب الولاية عن النساء من غير تخصيص. عون المعبود (6/98)، وتحفة الأحوذي (4/228).
الوجه الثالث: لو سلمنا بصحته فلا دلالة على اشتراط الولي في النكاح لأمرين:
الأول: أن النفي للكمال لا للصحة. حاشية ابن عابدين (3/56)، البحر الرائق (3/117).
وعليه يحمل قوله : (لا نكاح إلا بولي) على الندب والاستحباب لا الوجوب. المبسوط (5/12)، بدائع الصنائع (2/249).
الثاني: أن لفظ الولي يحتمل أن يُراد به من يتوقف على إذنه، أي: لا نكاح إلا بمن له ولاية، لينفي نكاح الكافر للمسلمة والمعتوهة والعبد والأمة. شرح فتح القدير (3/247)، حاشية ابن عابدين (3/56).
وكل ذلك سائغ في إطلاقات النصوص ويجب ارتكابه لدفع المعارضة وتمام الكلام. حاشية ابن عابدين (3/56).
أجيب عن هذه المناقشة :
أنا لا نسلم أن النفي في حديث "لا نكاح إلا بولي" للكمال، وحمله على الكمال والاستحباب خلاف الأصل في النصوص الشرعية، إذ الأصل فيها نفي الحقيقة الشرعية فيكون النكاح بغير ولي غير صحيح شرعاً.
قال الخطابي: قوله "لا نكاح إلا بولي" فيه نفي ثبوت النكاح على معمومه ومخصوصه إلا بولي. وقد تأوله بعضهم على نفي الفضيلة والكمال، وهذا تأويل فاسد، لأن العموم يأتي على أصله جوازا أو كمالا، والنفي في المعاملات يوجب الفساد لأنه ليس لها إلا جهة واحدة، وليس كالعبادات والقُرَب التي لها جهتان من جواز ناقص وكامل، وكذلك تأويل من زعم أنها وليه لنفسها، وتأويل معنى الحديث على أنها إذا عقدت على نفسها فقد حصل نكاحها بولي، وذلك أن الولي هو الذي يلي غيره، ولو جاز هذا في الولاية لجاز مثله في الشهادة، فتكون هي الشاهدة على نفسها، فلما كان في الشاهد فاسدا كان في الولي مثله. معالم السنن (2/568).
وأكد على هذا الشوكاني بقوله: قَوْلُهُ لا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ هذا النَّفْيُ يَتَوَجَّهُ إمَّا إلَى الذَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الذَّاتَ الْمَوْجُودَةَ - أَعْنِي صُورَةَ الْعَقْدِ بِدُونِ وَلِيٍّ- لَيْسَتْ بِشَرْعِيَّةٍ أو يَتَوَجَّهُ إلَى الصِّحَّةِ التي هِيَ أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ إلَى الذَّاتِ فَيَكُونُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بَاطِلًا كما هو مُصَرَّحٌ بِذَلِكَ في حديث عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَكَمَا يَدُلُّ عليه حَدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ على الْفَسَادِ الْمُرَادِفِ لِلْبُطْلانِ. نيل الأوطار (6/251).
2 – حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له".
وجه الدلالة من الحديث:
هذا نص في إبطال النكاح بغير ولي من غير تخصيص ولا تمييز. الحاوي الكبير (9/40)
وهذا حديث جليل وعليه الاعتماد في إبطال النكاح بغير ولي. نصب الراية (3/186).
وجه الدلالة منه أنه حكم بالبطلان وأكده بالتكرار وأوجب المهر بالدخول ولو كان النكاح صحيحا لوجب بالعقد. حاشية الرملي (3/125)
وفي هذا يقول الخطابي: (فيه بيان أن العقد إذا وقع بلا إذن الأولياء كان باطلا، وإذا وقع باطلا لم يصححه إجازة الأولياء، وفي إبطاله هذا النكاح وتكراره القول ثلاثا تأكيد لفسخه ورفعه من أصله) معالم السنن (2/566).
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الحديث ضعيف لا يصح الاستدلال به لوجود راو ضعيف وهو سليمان بن موسى، ولإنكار الزهري له مع أنه أحد رواة الحديث. شرح معاني الآثار (3/7 – 8)، وحاشية ابن عابدين (2/296)، والاختيار للموصلي (2/123).
وأجيب عن هذا الوجه بثلاثة أجوبة :
أحدها : أنه قد رواه عن الزهري أربعة : سليمان بن موسى ، ومحمد بن إسحاق ، وجعفر بن ربيعة ، والحجاج بن أرطأة ، ورواه عن عروة ثلاثة : الزهري وهشام بن عروة وأبو الغصن ثابت بن قيس فلم يصح إضافة إنكاره إلى الزهري مع العدد الذي رووه عنه ، ولو صح إنكاره له لما أثر فيه من رواية غير الزهري له عن عروة . الحاوي الكبير (9/40).
ثم إن الحديث جاء من عدة طرق صحيحة، وصححه جمع من الأئمة، أما سليمان بن موسى فوثقه جمع من أئمة الحديث كالترمذي في الجامع الصحيح للترمذي (3/400)، ويحيى بن معين، وابن عدي في تهذيب التهذيب (4/227)، والذهبي في ميزان الاعتدال (2/225)، وغيرهم.
والثاني : ما قاله بعض أصحاب الحديث : أن الزهري أنكر سليمان بن موسى وقال لا أعرفه وإلا فالحديث أشهر من أن ينكره الزهري ولا يعرفه وليس جهل المحدث بالراوي عنه مانعاً من قبول روايته عنه ، ولا معرفته شرطاً في صحة حديثه . الحاوي الكبير (9/40).
والثالث : أنه لا اعتبار بإنكار المحدث للحديث بعد روايته عنه ، وليس استدامة ذكر المحدث شرطاً في صحة حديثه. الحاوي الكبير (9/40-41).
قال ابن حجر: وأجابوا عنها على تقدير الصحة بأنه لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه، وقد تكلم على هذا الحديث الدارقطني في جزء من حَدّث ونسي، والخطيب بعده، وأطال الكلام عليه البيهقي في السنن والخلافيات، وابن الجوزي في التحقيق. تلخيص الحبير (3/156).
قال هذا الحديث صحيح ، ورجاله رجال الصحيح ، وقد أخرجه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك على الصحيحين. تنقيح تحقيق أحاديث التعليق (3/255)
وقال الزيلعي: قال بن حبان في صحيحه وقد أوهم هذا الخبر من لم يحكم صناعة هذا الحديث أنه منقطع بحكاية حكاها بن علية عن بن جريج أنه قال ثم لقيت الزهري فسألته عن ذلك فلم يعرفه قال وليس هذا مما يقدح في صحة الخبر لأن الضابط من أهل العلم قد يحدث بالحديث ثم ينساه فإذا سئل عنه لم يعرفه فلا يكون نسيانه دالا على بطلان الخبر وهذا المصطفى صلى الله عليه وسلم خير البشر صلى فسها فقيل له أقصرت الصلاة أم نسيت فقال كل ذلك لم يكن فلما جاز على من اصطفاه الله لرسالته في أعم أمور المسلمين الذي هو الصلاة حين نسي فلما سألوه أنكر ذلك ولم يكن نسيانه دالا على بطلان الحكم الذي نسيه كان جواز النسيان على من دونه من أمته الذين لم يكونوا بمعصومين أولى انتهى قال الحاكم بعد أن أخرجه عن جماعة عن بن جريج وقد صحت الروايات عن الأئمة الأثبات بسماع الرواة بعضهم من بعض فلا تعلل هذه الروايات بحديث بن علية وقول بن جريج سألت الزهري عنه فلم يعرفه فقد ينسى.. وقال بن الجوزي في التحقيق وإنكار الزهري الحديث لا يطعن في روايته لأن الثقة قد يروي وينسى قال أحمد بن حنبل كان بن عييبة يحدث ناسا ثم يقول ليس هذا من حديثي ولا أعرفه وروى عن سهيل بن أبي صالح أنه ذكر له حديث فأنكره فقال له ربيعة أنت حدثتني به عن أبيك فكان سهيل يقول حدثني ربيعة عني وقد جمع الدارقطني جزء فيمن حدث ونسي. نصب الراية (3/186).
وكل ذلك يدل على ضعف هذه المناقشة وسلامة الحديث من الضعف. المحلى (9/457).
الوجه الثاني: أن عائشة رضي الله تعالى عنها زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبد الرحمن من المنذر بن الزبير وهو غائب فلما رجع قال أو مثلى بفتات عليه في بناته فقالت عائشة رضي الله تعالى عنها أو ترغب عن المنذر والله لتملكنه أمرها وبهذا تبين أن مارووا من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها غير صحيح فإن فتوي الراوي بخلاف الحديث دليل وهن الحديث. المبسوط للسرخسي ج 5 ص 11
أجيب عن هذا الوجه بأمرين:
أ – أن القاعدة المتبعة في الشريعة هي: أن العبرة في الراوي بما روى لا بما رأى، لأن الرواية معصومة فهي حجة، أما رأي الراوي فغير معصوم وقابل للخطأ والصواب بمقتضى البشرية، فخلاف عائشة رضي الله عنها والزهري رحمه الله – إن ثبت – ليس دليلا على إبطال العمل بموجب الحديث. وهذا الرد ذكره ابن حزم، بل وأبطل المناقشة بقوله: (ثم نعكس عليهم أصلهم هذا الفاسد فنقول: إذا صح أن أم المؤمنين رضي الله عنها والزهري رحمه الله رويا هذا الخبر، وروي عنهما أنهما خالفاه فهذا دليل على سقوط الرواية بأنهما خالفاه، بل الظن بهما أنهما لا يخالفان ما روياه، وهذا أولى، لأن تركنا ما لا يلزمنا من قولهما لما يلزمنا من روايتهما هو الواجب، لا ترك ما يلزمنا مما روياه لما لا يلزمنا من رأيهما .. فَكَيْفَ وقد رُوي عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أنها أَنْكَحَتْ رَجُلاً من بَنِي أَخِيهَا جَارِيَةً من بَنِي أَخِيهَا فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ سِتْرًا ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حتى إذَا لم يَبْقَ إِلاَّ النِّكَاحُ أَمَرَتْ رَجُلاً فَأَنْكَحَ ثُمَّ قالت ليس إلَى النِّسَاءِ النِّكَاحُ فَصَحَّ يَقِينًا بهذا رُجُوعُهَا عن الْعَمَلِ الأَوَّلِ إلَى ما نَبَّهَتْ عليه من أَنَّ نِكَاحَ النِّسَاءِ لاَ يَجُوزُ ). المحلى (9/453-454).
ب – لو سلمنا بصحة الرواية عن عائشة رضي الله عنها فإنها غير صريحة في أن عائشة رضي الله عنها هي التي باشرت العقد، حيث نحمل قوله زوجت أي مهدت أسباب التزويج وأضيف النكاح إليها لاختيارها ذلك وإذنها فيه ثم أشارت على من ولي أمرها عند غيبة أبيها حتى عقد النكاح قال ويدل على صحة هذا التأويل ما أخبرنا وأسند عن عبد الرحمن بن القاسم قال كنت عند عائشة يخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح وفي لفظ فإن النساء لا ينكحن قال إذا كان مذهبها ما روى من حديث عبد الرحمن بن القاسم علمنا أن المراد بقوله زوجت ما ذكرناه فلا يخالف ما روته عن النبي صلى الله عليه وسلم. نصب الراية (3/186).
لأنه جائز أن تكون في الأول أيضا أمرت رجلا بالتزويج فكان مضافا إليها لأمرها به. مختصر اختلاف العلماء (2/249)
وقد ذكر ابن حزم نحوا من هذا الرد مستدلا برواية قريبة من هذه الرواية. المحلى (9/453 – 454).
الوجه الثالث: أن الحديث – إن سلمنا بصحته محمول على الأمة إذا زوجت نفسها بغير أذن مولاها أو على الصغيرة أو على المجنونة وكذلك سائر الأخبار التي رووا على هذا تحمل. المبسوط (5/12)، البحر الرائق (3/117).
وقد روي في بعض الألفاظ أيما امرأة تزوجت بغير إذن مواليها وهذا عندنا على الأمة تزوج نفسها بغير إذن مولاها. أحكام القرآن للجصاص (/104).
والجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أن على جميع النساء في النكاح ولاية ، لجواز اعتراض الأولياء على جميعهن .
والثاني : أن حمله على الصغير لا يجوز من وجهين :
أحدهما : لاستواء الصغير والصغيرة فيه ، ولانتفاء تخصيص النساء بالذكر تأثير
والثاني : لاستواء النكاح وغيره من العقود فلا يبقى لتخصيص النكاح بالذكر تأثير، وحمله على الأمة لا يجوز من وجهين:
أحدهما : لاستواء العبد والأمة فيه لم يكن لتخصيص الأمة تأثير .
والثاني : لقوله في آخر الخبر : ' فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ' والسلطان لا يكون ولياً للأمة ، وإن عضلها مواليها ، وروايتهم أنه قال : ' أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ' . والمولى ينطلق على الولي كما قال تعالى :{وَإنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} (مريم : 5 ) . يعني الأولياء ، لأنه لم يكن عليه رق فيكون له مولى ، على أننا نستعمل الروايتين فتكون روايتنا مستعملة في الحرة ، وروايتهم مستعملة في الأمة فلا يتعارضان ، ويدل عليه ما رواه ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي ] أنه قال : ' لا تنكح المرأة المرأةَ ولا تنكح المرأة نفسها ' والتي تنكح نفسها هي الزانية. الحاوي الكبير (9/41-42).
3 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها".
وجه الدلالة من الحديث:
فيه دليل على أن المرأة ليس لها ولاية في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها فلا عبرة لها في النكاح ولا تصح عبارة المرأة في النكاح إيجابا ولا قبولا فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيره ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة ولا تقبل النكاح بولاية ولا وكالة. سبل السلام (3/120)، كفاية الأخيار (1/356).
والنهي دليل الفساد. شرح الزركشي ج (2/328)
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الأول: تفرد به جميل بن الحسن عنه . قلت : قال عبدان الأهوازي : جميل كاذب فاسق . وقد رواه موسى بن هارون ، ثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي ، نا مخلد بن الحسين ، عن هشام بن حسان . مسلم لا يعرف . تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق للذهبي. (2/171)
أنه حديث ضعيف لا يثبت، ففيه راو متهم بالكذب والفسق، وهو جميل بن الحسن الجهضمي، ووجود راو متهم بالكذب سبب في ضعف الحديث. تهذيب التهذيب (2/113).
أجيب عن هذه المناقشة:
الحديث في طريقه جميل بن الحسن الأزدي الأهواري مشهور، روى عنه ابن خزيمة. وروى عنه ابن ماجة، ووثقه ابن حبان. وفيه أيضاً سالم هو ابن عبد الرحمن. وقد روي عن الحسن بن سفيان قال: سألت يحيى بن معين عن رواية مخلد بن حسين عن هشام ابن حسان فقال: ثقة، فذكرت له هذا الحديث فقال: نعم، قد كان شيخ عندنا يرفعه عن مخلد . وقال ابن أبي حاتم : مسلم بن عبد الرحمن من الغزاة ، قال : قتل من الروم مائة ألف يعني مسلم هذا . تنقيح تحقيق أحاديث التعليق لابن عبد الهادي الحنبلي (3/148)، البدر المنير (7/563).
الثاني: ذكر أن قوله: (الزانية هي التي تنكح نفسها) من قول أبي هريرة وقد روي في حديث آخر عن أبي هريرة هذا الحديث وذكر فيه أن أبا هريرة قال: كان يقال الزانية هي التي تنكح نفسها. أحكام القرآن للجصاص (/104).
قال الْحَافِظُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ هذه الزِّيَادَةَ من قَوْلِ أبي هُرَيْرَةَ. نيل الأوطار (6/251)
أجيب عن هذه المناقشة:
الحديث له طرق متعددة منها ما هو مرفوع ومنها ما هو موقوف، وكلها طرق صحيحة معتبرة كما مر.
وَكَذَلِكَ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفَةً في طَرِيقٍ وَرَوَاهَا مَرْفُوعَةً في أُخْرَى. نيل الأوطار (6/251).
على أن بعض العلماء ذكر بأن الموقوف هو الجملة الأخيرة من الحديث وهو قوله: "فإن الزانية هي التي تزوج نفسها"، مع أنها زيادة مقبولة رواها عن أبي هريرة ثقة وهو عبد السلام بن حرب. تهذيب التهذيب (6/316 – 317).
ثم أن هذه الزيادة من أبي هريرة فإن لها حكم المرفوع، لأن مسألة الولاية في النكاح مسألة لا مجال للرأي فيها، بل يحكمها نصوص الكتاب والسنة، ولا يمكن لأبي هريرة أن يدعيها من نفسه دون علم من النبي صلى الله عليه وسلم. تهذيب التهذيب (2/114)، وسنن البيهقي (7/110).
ثالثاً: أدلتهم من الآثار:
استدل الجمهور لقولهم بآثار كثيرة مروية عن الصحابة في إثبات اشتراط الولي في النكاح، وأن هذا كان معروفا في عهدهم من غير نكير، حتى أن ابن المنذر لما نقل أقوال الفقهاء في هذه المسألة قال بعد ذكره لرأي الجمهور: (إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك) فتح الباري (9/187).
وهذه بعض الآثار المروية عن الصحابة على سبيل الاختصار:
1 – ما رواه عبد الرحمن بن معبد بن محمد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد نكاح امرأة نكحت بغير ولي.
نوقش الاستدلال بهذا الأثر:
بأنه ضعيف، ولا يصح الاستدلال به، لأن فيه انقطاعا، فالراوي وهو عبد الرحمن بن معبد تكلم فيه أهل الحديث بالضعف بسبب الانقطاع بينه وبين عمر ابن الخطاب. إرواء الغليل (6/249 – 250).
أجيب عن هذه المناقشة:
أن عبد الرحمن بن معبد قد وثقه جمع من أهل الحديث كابن حبان. الثقات لابن حبان (2/324)، وانظر إرواء الغليل (6/249).
كما أن الأثر يقويه روايات أخرى رواها الشافعي عن عكرمة بن خالد: (جمعت الطريق رفقة منهم امرأة ثيب فولت رجلاً منهم أمرها فزوجها رجلاً فجلد عمر بن الخطاب الناكح والمنكح ورد نكاحهما) . ورواه الزعفراني عن الشافعي في القديم فقال : عن ابن جريج عن عبد المجيد بن جبير عن عكرمة عن خالد وهو أصح. معرفة السنن والآثار (5/236).
2 – ما رواه سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان.
نوقش الاستدلال بهذا الأثر:
بأن فيه انقطاعا بين سعيد بن المسيب وعمر بن الخطاب، فيكون الأثر منقطعا، والمنقطع من أقسام الضعيف فلا يصح الاستدلال به. إرواء الغليل (6/250).
أجيب عن هذه المناقشة من ثلاثة وجوهين:
الوجه الأول: أن سعيد بن المسيب أدرك عمر  روى ابن أبي حاتم عن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل: سعيد عن عمر ثقة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع عنه، إذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/61).
الوجه الثاني: أن أهل الحديث قد اعتنوا بمراسيل سعيد بن المسيب وتلقوها بالقبول فيكون الأثر من طريقه صحيح. قال الذهبي: ومراسيل سعيد محتج بها. سير أعلام النبلاء (4/221)
3- ما رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كانت عائشة رضي الله عنها تخطب إلى المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقدة النكاح.
نوقش الاستدلال بهذا الأثر:
بأنه ضعيف بسبب الجهالة والإرسال. مختصر اختلاف العلماء لأبي بكر الجصاص الرازي (2/249).
أجيب عن هذه المناقشة:
ليس هناك إرسال فالسند متصل كما رواه ابن حزم المحلى (9/353 – 354).
كما أنه لا جهالة في السند، لأن في السند قول الشافعي: حدثني الثقة، وهذه ليست جهالة، فإن الشافعي إذا قال: حدثني الثقة فإنه يعني: مسلم بن خالد الزنجي، كما ذكر ذلك السخاوي. فتح المغيث (1/289).
واستدلوا أيضاً:
4- عن الشعبي أنه قال : لم يكن في الصحابة أشد في النكاح بغير ولي من علي بن أبي طالب.
5- عن عكرمة عن بن عباس أنه كان يقول: (لاتلي امرأة عقدة النكاح). مصنف عبد الرزاق (6/200)
6- وروي عن عمر بن الخطاب  أنه قال : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان وفيه تأويلان :
أحدهما : إلا بإذن وليها إن كان واحداً ، أو ذي الرأي من أهلها إن كانوا جماعة ، أو
السلطان إن لم يكن لها ولي .
الثاني : بإذن وليها إن لم كان لها ولي ، فإن كان لم يكن لها ولي زوجها السلطان بمشورة ذي الرأي من أهلها وذوي أرحامها ، فهذا قول من ذكرنا من الصحابة ، وليس في التابعين مخالف فثبت أنه إجماع .
رابعاً: أدلتهم من المعقول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من المعقول ذكرها الماوردي بقوله:
o أن كل من كان من زوائد عقد النكاح كان شرطاً فيه كالشهود ، ولأن ما اختص من بين جنسه بزيادة عدد كانت الزيادة شرطاً فيه كالشهادة في الزنا.
o أن كل عقد صارت به المرأة فراشاً لم يملكه المفترشة كالأمة.
o أن من عقد على نفسه واعترض عليه غيره في فسخه دل على فساد عقده كالأمة والعبد إذا زوجا أنفسهما ، ولأن من منع من الوفاء معقود العقد خرج من العقد كالمحجور عليه ، ولأنه أحد طرفي الاستباحة فلم تملكه المرأة كالطلاق.
o أن لولي المرأة قبل بلوغها حقين : حقاً في طلب الكفاءة ، وحقاً في طلب العقد ، فلما كان بلوغها غير مسقط لحقه في طلب الكفاءة كان غير مسقط لحقه في مباشرة العقد . ويتحرر من اعتلاله قياسان :
أحدها : أنه أحد حقي الولي فلم يسقط بلوغها كطلب الكفاءة .
والثاني : أن كل من ثبت عليها حق الولي في طلب الكفاءة ثبت عليه حقه في مباشرة العقد كالصغيرة. الحاوي الكبير (9/42).
ولأن المرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال. الكافي في فقه الإمام أحمد (3/11).
القول الثاني: لا يشترط الولي في النكاح، فيصح أن تباشر المرأة عقد النكاح بنفسها، إلا أنه خلاف المستحب، وللأولياء حق الاعتراض إذا لم يكن الزوج كفؤاً لها. وهو قول أبي حنيفة في المشهور عنه. بدائع الصنائع (2/247)، والاختيار لتعليل المختار (3/103)، وحاشية ابن عابدين (2/296)، وذكر ابن الهمام: أنه قول أبي حنيفة وزفر، وعن أبي يوسف ثلاث روايات، وعن محمد روايتان. فتح القدير (3/255 – 256).
أدلة هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من الكتاب والسنة والآثار والمعقول:
أولا: أدلتهم من القرآن:
1 – قوله تعالى: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف".
الاستدلال بهذه الآية من وجهين:
الوجه الأول: انه أضاف النكاح إليهن فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي. بدائع الصنائع (2/248)، أحكام القرآن للجصاص (2/100).
نوقش هذا الوجه:
بأن أضافة النكاح إليها لأنها محل له. المغني (7/6).
ثم إن عضلها الامتناع عن تزويجها وهذا يدل على أن نكاحها إلى الولي ويدل عليه أنها نزلت في شأن معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته فدعاه النبي فزوجها. المغني (7/6).
ثم إن المراد بنكاحهن في الآية هو ما يعقده لهن أولياؤهن لا ما تعقده المرأة نفسها بدليل سبب نزول الآية في حديث معقل بن يسار كما سبق بيانه.
ولذلك قال الشافعي بأن هذه الآية أبين آية في كتاب الله عز وجل دلالة على أنه ليس للمرأة الحرة أن تنكح نفسها.
الثاني: أن الله سبحانه نهى الأولياء عن العضل، وهذا يدل على إبطال ولايتهم. بدائع الصنائع (2/248)، أحكام القرآن للجصاص (2/100).
نوقش هذا الوجه:
بأن العضل يتصرف على وجوه مرجعها إلى المنع وهو المراد هاهنا فنهى الله تعالى أولياء المرأة من منعها عن نكاح من ترضاه وهذا دليل قاطع على أن المرأة لا حق لها في مباشرة النكاح وإنما هو حق الولي خلافا لأبي حنيفة ولولا ذلك لما نهاه الله عن منعها وقد صح أن معقل بن يسار كانت له أخت فطلقها زوجها فلما انقضت عدتها خطبها فأبى معقل فأنزل الله تعالى هذه الآية ولو لم يكن له حق لقال الله تعالى لنبيه عليه السلام لا كلام لمعقل في ذلك. أحكام القرآن لابن العربي (1/271-272)
ولولا أن الولي يملك منعها عن النكاح لما نهاه عنه كما لا ينهى الأجنبي الذي لا ولاية له عنه. أحكام القرآن للجصاص (2/100)
وأجيب: بأن النهي يمنع أن يكون له حق فيما نهى عنه فكيف يستدل به على إثبات الحق وأيضا فإن الولي يمكنه أن يمنعها من الخروج والمراسلة في عقد النكاح فجائز أن يكون النهي عن العضل منصرفا إلى هذا الضرب من المنع لأنها في الأغلب تكون في يد الولي بحيث يمكنه منعها من ذلك. أحكام القرآن للجصاص (2/100)
2 – قوله تعالى: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره" (البقرة :230).
الاستدلال بهذه الآية من وجهين:
الوجه الأول: أنه أضاف النكاح إلى المرأة، وهذا يقتضي تصور النكاح منها مما يدل على صحة النكاح بلا ولي.
الوجه الثاني: أنه جعل نكاح المرأة غاية الحرمة، فيقتضي انتهاء الحرمة عند نكاحها نفسها. بدائع الصنائع (2/248).
نوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: أن المقصود بالنكاح في قوله تعالى: "حتى تنكح" ما يعقده لها وليها، لا أن تباشره المرأة بنفسها، وإنما أضيف إليها النكاح لأنها محل ذلك وسببه.
الوجه الثاني: أن النكاح الذي تنتهي به هذه الحرمة ليس هو العقد بدليل قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) فوجب أن يكون المراد منه هو الوطء وثانيها : قوله عليه الصلاة والسلام : ( ناكح اليد ملعون وناكح البهيمة ملعون ) أثبت النكاح مع عدم العقد وثالثها : أن النكاح في اللغة عبارة عن الضم والوطء ، يقال : نكح المطر الأرض إذا وصل إليها ، ونكح النعاس عينه ، وفي المثل أنكحنا الفرا فسترى، ومعلوم أن معنى الضم والوطء في المباشرة أتم منه في العقد ، فوجب حمله عليه. التفسير الكبير (6/47-48)
3 – قوله تعالى: "وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين" (الأحزاب:50).
وجه الاستدلال من الآية:
أنها نص على انعقاد النكاح بعبارة المرأة وانعقادها بلفظ الهبة. بدائع الصنائع (2/248).
ويدل عليه قول لنبي صلى الله عليه وسلم: مالي في النساء من أرب فقام رجل فسأله أن يزوجها فزوجها ولم يسألها هل لها ولي أم لا ولم يشترط الولي في جواز عقدها. أحكام القرآن للجصاص (2/102-103).
نوقش هذا الاستدلال:
بأنه لا دليل في الآية على صحة إنكاح المرأة نفسها لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أن التي وهبت نفسها خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم بدون مهر ولا ولي، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وهو النكاح بغير ولي. وقد نقل ابن كثير في تفسيره عن قتادة قوله: ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم. تفسير ابن كثير (6/445).
4- قوله تعالى : {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة : 234)0
وجه الاستدلال:
أنه جاز فعلها في نفسها من غير شرط الولي وفي إثبات شرط الولي في صحة العقد نفي الموجب الآية.أحكام القرآن للجصاص (2/101).
نوقش هذا الاستدلال من وجهين :
أحدهما : أن المراد برفع الجناح عنهن أن لا يمنعن من النكاح فإذا أردنه ، فلا يدل على تفردهن بغير ولي كما لم يدل على تفردهن بغير شهود .
والثاني : أن قوله:{فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (البقرة: 234) . يقتضي فعله على ما جرى به العرف من المعروف الحسن ، وليس من المعروف الحسن أن تنكح نفسها بغير ولي. الحاوي الكبير ج (9/43).
ثانياً: أدلتهم من السنة:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من السنة منها:
1 – حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها".
وجه الاستدلال من الحديث:
أن الْأَيِّمُ: هِيَ من لَا زَوْجَ لها بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا فَأَفَادَ أَنَّ فيه حَقَّيْنِ حَقَّهُ وهو مُبَاشَرَتُهُ عَقْدَ النِّكَاحِ بِرِضَاهَا وقد جَعَلَهَا أَحَقَّ منه وَلَنْ تَكُونَ أَحَقَّ إلَّا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ. البحر الرائق (3/117)، شرح فتح القدير (3/259).
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من أربعة وجوه:
الوجه الأول: أن لأهل اللغة في الأيم قولين :
أحدهما : التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً ، وإن لم تنكح قط يقال : امرأة أيم ، إذا كانت خلية من زوج ورجل أيم إذا كان خلياً من زوجة .
والقول الثاني : أنها لا يقال لها أيم إلا إذا نكحت ثم حلت بموت أو طلاق بكراً كانت أو ثيباً.
فأما الأيم في هذا الخبر فالمراد بها الثيب من الخاليات الأيامى دون الأبكار لأمرين :
أحدهما : أنه قد روي : ' الثيب أحق بنفسها من وليها ' .
الوجه الثاني: أنه لما قابل الأيم بالبكر اقتضى أن تكون البكر غير الأيم ، لأن المعطوف غير المعطوف عليه ، وليس غير البكر إلا الثيب فلهذا عدل بالأيم عن حقيقة اللغة إلى موجب الخبر .
فإذا تقررت هذه المقدمة فعن الخبر ثلاثة أجوبة :
والثاني : أنها أحق بنفسها في أنها لا تجبر إن أبت ولا تمنع إن طلبت تدل تفردها بالعقد من غير شهود .
الوجه الثالث: أنه جعل لها ولياً في الموضع الذي جعلها أحق بنفسها موجب أن لا يسقط ولايته عن عقدها ليكون حقها في نفسها وحق الولي في عقدها فيجمع بين هذا الخبر وبين قوله ' لا نكاح إلا بولي ' في العقد .
الوجه الرابع : أن لفظه ' أحق ' موضوعة في اللغة للاشتراك في المستحق إذا كان حق
أحدها فيه أغلب كما يقال زيد أعلم من عمرو إذا كانا عالمين ، وأحدهما أفضل وأعلم ، ولو كان زيد عالماً ، وعمرو جاهلاً لكان كلاماً مردوداً ، لأنه لا يصير بمثابة قوله العالم أعلم من الجاهل ، وهذا الفرد إذا كان ذلك موجباً لكل واحد منهما حق وحق الثيب أغلب ، فالأغلب أن يكون من جهتها الإذن والاختيار من جهة قبول الإذن في مباشرة العقد . الحاوي الكبير (9/43).
2 – حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبي سلمة فخطبني إلى نفسي فقلت: يا رسول الله إنه ليس أحد من أوليائي شاهداً، فقال: "إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك"، قالت: قم يا عمر فزوج النبي صلى الله عليه وسلم، فتزوجها.
وجه الدلالة من الحديث:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم خَطَبَهَا إلَى نَفْسِهَا فَفِي ذلك دَلِيلٌ أَنَّ الأَمْرَ في التَّزْوِيجِ إلَيْهَا دُونَ أَوْلِيَائِهَا فَإِنَّمَا قالت له إنَّهُ ليس أَحَدٌ من أَوْلِيَائِي شَاهِدًا قال إنَّهُ ليس منهم شَاهِدٌ وَلاَ غَائِبٌ يَكْرَهُ ذلك فقالت قُمْ يا عُمَرُ فَزَوِّجْ النبي عليه السلام وَعُمَرُ هذا ابْنُهَا وهو يَوْمئِذٍ طِفْلٌ صَغِيرٌ غَيْرُ بَالِغٍ لِأَنَّهَا قد قالت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم في هذا الحديث إنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ أَيْتَامٍ يَعْنِي عُمَرَ ابْنَهَا وَزَيْنَبَ بِنْتَهَا وَالطِّفْلُ لاَ وِلاَيَةَ له فَوَلَّتْهُ هِيَ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عليها فَفَعَلَ فَرَآهُ النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم جَائِزًا وكان عُمَرُ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ قام مَقَامَ من وَكَّلَهُ فَصَارَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها كَأَنَّهَا عَقَدَتْ النِّكَاحَ على نَفْسِهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمَّا لم يَنْتَظِرْ النبي صلى الله عليه وسلم حُضُورَ أَوْلِيَائِهَا دَلَّ ذلك أَنَّ بُضْعَهَا إلَيْهَا دُونَهُمْ وَلَوْ كان لهم في ذلك حَقٌّ أو أَمْرٌ لَمَا أَقْدَمَ النبي صلى الله عليه وسلم على حَقٍّ هو لهم قبل إبَاحَتِهِمْ ذلك له. شرح معاني الآثار (3/12)
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: بأنه ليس فيه حجة لأنه لو كان جائزا بغير ولي لأوجبت العقد بنفسها ولم تأمر غيرها فلما أمرت به غيرها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ما جاء في بعض الروايات دل على أنها لا تلي عقد النكاح. نصب الراية (3/186). الدراية في تخريج أحاديث الهداية (2/60) .
الوجه الأول: أن الشاهد من الحديث وهو قولها: (قم يا عمر) لا يصح، فهذه الجملة غير صحيحة لأنها من رواية ابن عمر بن أبي سلمة، وهو مجهول. ذكر ذلك ابن حزم. المحلى (9/457).
الوجه الثاني: على فرض صحة الرواية فإنا لا نسلم بدلالة القصة على عدم وجود الولي في عقد النكاح، بل الصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة بولي. وهناك خلاف بين الفقهاء فيمن هو هذا الولي الذي تولى عقد نكاح أم سلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أ – فقيل: إن الذي زوجها هو ابنها عمر كما جاء في الرواية السابقة، وليس هناك دليل صريح على أنه كان صغيرا، ورد الأمام أحمد ذلك وانكر على من قاله ويدل على صحة قوله ما روى مسلم في صحيحه أن عمر بن أبي سلمة ابنها سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فقال سل هذه يعني أم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما والله أني اتقاكم لله واخشاكم له أو كما قال ومثل هذا لا يقال لصغير جدا وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة وقال البيهقي وقول من زعم انه كان صغيرا دعوى ولم يثبت صغره بإسناد صحيح. جلاء الأفهام (1/253-254).

واعترض على هذا القول: أن ابنها عمر كان صغير السن لانه قد صح عنه قال كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وهذا يدل على صغر سنه حين كان ربيب النبي صلى الله عليه وسلم. جلاء الأفهام (1/255).
ب – وقيل: أن الذي زوجها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا ابنها لان في غالب الروايات قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب هو كان الخاطب.
واعترض على هذا القول: بأن في النسائي فقالت لابنها عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصحيح في هذا (قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم) واما لفظ ابنها فوقعت من بعض الرواة لانه لما كان اسم ابنها عمر وفي الحديث قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن الراوي انه ابنها واكثر الروايات في المسند وغيره قم يا عمر من غير ذكر ابنها. جلاء الأفهام (1/254).
ج – وقيل: أن الذى ولى عقدها عليه ابنها سلمة بن أبى سلمة، وهو أكبر ولدها. وساغ هذا لان أباه ابن عمها، فللابن ولاية أمه إذا كان سببا لها من غير جهة البنوة بالاجماع، وكذا إذا كان معتقا أو حاكما. السيرة النبوية لابن كثير (3/253).
د – وقيل: إن الذي تولى نكاحها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لا يفتقر إلى ولي وتزويج زينب بنت جحش يدل على ذلك. نصب الراية (3/186).
واعترض على هذا القول: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كان أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ من نَفْسِهِ يُطِيعُهُ في أَكْثَرِ مِمَّا يُطِيعُ فيه نَفْسَهُ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هو أَوْلَى بِهِ من نَفْسِهِ في أَنْ يَعْقِدَ عليه عَقْدًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ من بَيْعٍ أو نِكَاحٍ أو غَيْرِ ذلك فَلاَ وَإِنَّمَا كان سَبِيلُهُ في ذلك صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كَسَبِيلِ الْحُكَّامِ من بَعْدِهِ. فدَلَّ ذلك على أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم إنَّمَا كان مَلَّكَ ذلك الْبُضْعَ بِتَمْلِيكِ أُمِّ سَلَمَةَ إيَّاهُ لاَ بِحَقِّ وِلاَيَةٍ كانت له في بُضْعِهَا أَوَ لاَ تَرَى أنها قد قالت إنَّهُ ليس أَحَدٌ من أَوْلِيَائِي شَاهِدًا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم إنَّهُ ليس أَحَدٌ منهم شَاهِدٌ وَلاَ غَائِبٌ يَكْرَهُ ذلك وَلَوْ كان هو أَوْلَى بها منهم لم يَقُلْ لها ذلك وَلَقَالَ لها أنا وَلِيُّك دُونَهُمْ وَلَكِنَّهُ لم يُنْكِرْ ما قالت وقال لها إنَّهُمْ لاَ يَكْرَهُونَ ذلك. شرح معاني الآثار (3/12)، أحكام القرآن للجصاص (2/102-103).
ولو كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولاية في تزويجها لقال لها أنا من أوليائك ولم يكن يقول ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك. مختصر اختلاف العلماء (2/250).
3 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها".
وجه الدلالة من الحديث:
أن الحديث صريح في إثبات حق المرأة في تزويج نفسها بغير ولي، وأن الولي ليس له اعتبار في العقد، فالمرأة تتولاه بنفسها. بدائع الصنائع (2/248)، والمبسوط (5/12).
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الأول: أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف لا يصح وقد وهم أحد رواته – وهو معمر بن راشد – في متنه وإسناده كما ذكر ذلك الدارقطني. سنن الدارقطني (3/239).
الثاني: أنه على فرض صحته فالأمر هو الإجبار والإلزام وليس للولي إجبار الثيب وإلزامها ولا يقتضي ذلك أن ينفرد بالعقد دون وليها كما لا تنفرد به دون الشهود. الحاوي (9/40).
4- أن امرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع خسيسته وأنا كارهة فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى أبيها، فجعل الأمر إليها. فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي وإنما أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.
الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الأول: أنه يفيد بعمومه أن ليس لوليها حقا ثابتا في عقد نكاحها بل استحباب.
الثاني: فيه دليل من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم قولها ذلك أيضا. شرح فتح القدير (3/263).
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: أن حديث المرأة التي زوجها أبوها ، فرواية عكرمة بن فلان ، فإن كان مولى ابن عباس فهو مرسل الحديث ، لأنه تابعي ولم يسنده والمرسل ليس بحجة؛ وإن كان غيره فهو مجهول وجهالة الراوي تمنع من قبول حديثه.
الوجه الثاني: لا حجة فيه لو صح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد نكاحاً انفرد به الولي ، وإنما يكون حجة لو أجاز نكاحاً تفردت به المرأة . الحاوي الكبير (9/40).
وأجيب عن ذلك: بأن المرسل حجة، وبعد التسليم فإن سند النسائي ليس مرسلا، قال حدثنا زياد بن أيوب عن علي بن عراب عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة ورواه ابن ماجه حدثنا هناد بن السرى حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه قال جاءت فتاة.. شرح فتح القدير (3/263).
ثالثاً: أدلتهم من الآثار:
استدل القائلون بعدم اشتراط الولي في النكاح بآثار عن الصحابة منها:
1 – ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها زوجت حفصة بنت عبدالرحمن: المنذر بن الزبير، وعبدالرحمن غائب بالشام، فلما قدم عبدالرحمن قال: أمثلي يصنع به هذا ويفتات عليه؟ فكلمت عائشة عن المنذر فقال المنذر: إن ذلك بيد عبدالرحمن، فقال عبدالرحمن: ما كنت أرد أمرا قضيتيه، فقرت حفصة عنده ولم يكن ذلك طلاقا.
وجه الدلالة من الأثر: أن عائشة زوجت بنت عبد الرحمن بغير أمره مما يدل على صحة مباشرة المرأة عقد النكاح بنفسها. شرح معاني الآثار (3/8).
نوقش الاستدلال بهذا الأثر من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أنه لم يثبت في الأثر أن عائشة رضي الله عنها هي التي باشرت العقد، حيث نحمل قوله زوجت أي مهدت أسباب التزويج وأضيف النكاح إليها لاختيارها ذلك وإذنها فيه ثم أشارت على من ولي أمرها عند غيبة أبيها حتى عقد النكاح قال ويدل على صحة هذا التأويل ما أخبرنا وأسند عن عبد الرحمن بن القاسم قال كنت عند عائشة يخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد فإذا بقيت عقدة النكاح قالت لبعض أهلها زوج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح وفي لفظ فإن النساء لا ينكحن قال إذا كان مذهبها ما روى من حديث عبد الرحمن بن القاسم علمنا أن المراد بقوله زوجت ما ذكرناه فلا يخالف ما روته عن النبي صلى الله عليه وسلم. نصب الراية (3/186).
لأنه جائز أن تكون في الأول أيضا أمرت رجلا بالتزويج فكان مضافا إليها لأمرها به. مختصر اختلاف العلماء (2/249)
الوجه الثاني: أن عائشة رضي الله عنها روت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اشتراط الولي في النكاح، وعدم جواز تولية المرأة نفسها في النكاح كما مر، مما يدل على أن مذهبها اشتراط الولي في النكاح.
الوجه الثالث: أن قول الصحابي لا يعتبر إن خالف نصا شرعيا.
3 – ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن امرأة زوجت ابنتها برضاها فجاء أولياؤها فخاصموها إلى علي رضي الله عنه فأجاز النكاح.
وجه الدلالة من الأثر:
وهذا دليل الانعقاد بعبارة النساء ، وأنه أجاز النكاح بغير ولي؛ لأنهم كانوا غائبين؛ لأنها تصرفت في خالص حقها ولا ضرر فيه لغيرها ، فينفذ كتصرفها في مالها والولاية في النكاح أسرع ثبوتا منها في المال. الاختيار لتعليل المختار (3/104).
نوقش الاستدلال بهذا الأثر من وجهين:
الوجه الأول: أنه أثر ضعيف، فهو مختلف في متنه وإسناده كما ذكر ذلك البيهقي السنن الكبرى (7/112).
الوجه الثاني: أنه مخالف لما ثبت عن علي رضي الله عنه، فقد رُوي عن الشعبي أنه قال : لم يكن في الصحابة أشد في النكاح بغير ولي من علي بن أبي طالب. الحاوي الكبير (9/42).
رابعاً: دليلهم من المعقول:
الِاسْتِدْلَال فَهُوَ أنها لَمَّا بَلَغَتْ عن عَقْلٍ وَحُرِّيَّةٍ فَقَدْ صَارَتْ وَلِيَّةَ نَفْسِهَا في النِّكَاحِ فَلَا تَبْقَى مُولَيًا عليها كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إذَا بَلَغَ وَالْجَامِعُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِنْكَاحِ إنَّمَا ثَبَتَتْ لِلْأَبِ على الصَّغِيرَةِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عنها شَرْعًا لِكَوْنِ النِّكَاحِ تَصَرُّفًا نَافِعًا مُتَضَمِّنًا مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَحَاجَتَهَا إلَيْهِ حَالًا وَمَآلًا وَكَوْنِهَا عَاجِزَةً عن إحْرَازِ ذلك بِنَفْسِهَا وَكَوْنِ الْأَبِ قَادِرًا عليه بالبلوغ ( ( ( وبالبلوغ ) ) ) عن عَقْلٍ زَالَ الْعَجْزُ حَقِيقَةً وَقَدَرَتْ على التَّصَرُّفِ في نَفْسِهَا حَقِيقَةً فَتَزُولُ وِلَايَةُ الْغَيْرِ عنها وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لها لِأَنَّ النِّيَابَةَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ نَظَرًا فَتَزُولُ بِزَوَالِ الضَّرُورَةِ مع أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُنَافِيَةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِلْحُرِّ على الْحُرِّ وَثُبُوتُ الشَّيْءِ مع الْمُنَافِي لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى زَالَتْ الْوِلَايَةُ عن إنْكَاحِ الصَّغِيرِ الْعَاقِلِ إذَا بَلَغَ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ له وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ في الْفَرْعِ وَلِهَذَا زَالَتْ وِلَايَةُ الْأَبِ عن التَّصَرُّفِ في مَالِهَا وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ لها كَذَا هذا.
وإذا صَارَتْ وَلِيَّ نَفْسِهَا في النِّكَاحِ لَا تَبْقَى مُولَيًا عليها بِالضَّرُورَةِ لِمَا فيه من الِاسْتِحَالَةِ. بدائع الصنائع (2/247).
وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ كُلَّ من يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ في مَالِهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ يَجُوزُ نِكَاحُهُ على نَفْسِهِ وَكُلُّ من لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ في مَالِهِ بِوِلَايَةِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ على نَفْسِهِ. البحر الرائق (3/117)
ويدل عليه اتفاق الجميع على جواز نكاح الرجل إذا كان جائز التصرف في ماله كذلك المرأة لما كانت جائزة التصرف في مالها وجب جواز عقد نكاحها والدليل على أن العلة في جواز نكاح الرجل ما وصفنا أن الرجل إذا كان مجنونا غير جائز التصرف في ماله لم يجز نكاحه فدل على صحة ما وصفنا. أحكام القرآن للجصاص (2/102-103).
واعترض على هذا الدليل العقلي: بأنه لا يصح القياس على الرجل لأن المرأة غير مأمونة على البضع لنقص عقلها وسرعة انخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال. الكافي في فقه الإمام أحمد. (3/10).
وأجيب : بأن المعتبر في باب الولاية مطلق العقل والبلوغ دون الزيادة والنقصان ، فإن الناس يتفاوتون في الرأي والعقل تفاوتا فاحشا ، ولا اعتبار به في باب الولاية ، فإن كامل العقل والرأي ولايته على نفسه وماله كولاية ناقصهما ، وكم من النساء من يكون أوفر عقلا وأشد رأيا من كثير من الرجال ، ولأن في اعتبار ذلك حرجا عظيما وهو حرج التمييز بين الناس ، فعلم أن المعتبر أصل البلوغ والعقل وقد وجدا في المرأة ، فيترتب عليهما ما يترتب عليهما في الرجل قياسا على المال . الاختيار لتعليل المختار (3/105).
القول الثالث: أن عقد النكاح يصح بلا ولي موقوفا على إجازة الولي وهو قول محمد بن الحسن ورواية عن أبي يوسف. بدائع الصنائع (2/247)، ,المبسوط (5/10).
استدل أصحاب هذا القول بالسنة والمعقول على النحو التالي:
أولاً: أدلتهم من السنة:
1 – حديث عَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنها أن رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال: أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ "
وجه الدلالة من الحديث:
وَالْبَاطِلُ من التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ما لَا حُكْمَ له شَرْعًا كَالْبَيْعِ الْبَاطِلِ وَنَحْوِهِ وَلِأَنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقًّا في النِّكَاحِ بِدَلِيلِ أَنَّ لهم حَقَّ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ وَمَنْ لَا حَقَّ له في عَقْدٍ كَيْفَ يَمْلِكُ فَسْخَهُ وَالتَّصَرُّفُ في حَقِّ الْإِنْسَانِ يَقِفُ جَوَازُهُ على جَوَازِ صَاحِبِ الْحَقِّ كَالْأَمَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا. بدائع الصنائع (2/247).
نوقش الاستدلال بهذا الحديث:
بأنه لا دلالة فيه على صحة العقد موقوفا على إجازة الولي، بل الحديث صريح في بطلان العقد، وإذا كان العقد باطلا فلا يكون صحيحا بإجازة الولي، بل لابد لتصحيحه من عقد جديد. المغني (7/6).
2 – حديث عائشة رضي الله عنها أنها زوجت ابنة أخيها حفصة بنت عبدالرحمن: المنذر بن الزبير، وعبدالرحمن كان غائبا بالشام، فلما قدم قال: ومثلي يصنع به هذا ويفتات عليه، فكلمت عائشة المنذر بن الزبير فقال المنذر: ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت أرد أمرا قضيتيه، فقرت حفصة عند المنذر ولم يكن ذلك طلاقاً.
وجه الدلالة من الحديث:
أن عائشة رضي الله عنها هي التي باشرت عقد النكاح بنفسها، ثم لما جاء ولي حفصة وهو أبوها عبد الرحمن أجاز هذا العقد، فدل على صحته موقوفا على إجازة الولي.
نوقش الاستدلال بهذا الحديث:
بأن المقصود من تزويج عائشة: تمهيد النكاح وأحواله، وأن هذا المقصود موافق للأحاديث التي روتها عائشة رضي الله عنها نفسها في اشتراط الولي في النكاح مطلقا، بل ثبت عن عائشة رضي الله عنها القول: (ليس إلى النساء نكاح). وقد سبقت هذه المناقشة بشيء من التفصيل.
ثانياً: دليلهم من المعقول:
أن للأولياء حقا في النكاح بدليل أن لهم حق الاعتراض والفسخ، ومن لا حق له في عقد كيف يملك فسخه، والتصرف في حق الإنسان يقف جوازه على جواز صاحب الحق كالأمة إذا زوجت نفسها بغير إذن وليها. بدائع الصنائع (2/247).
نوقش الاستدلال بهذا الدليل:
بأنه تعليل يخالف النصوص الصحيحة الصريحة في اشتراط الولي لصحة النكاح مطلقا وعدم صحته موقوفا على إجازة الولي. المحلى (9/456).
وهذا فاسد من وجهين : أحدهما : هو أنها إن كانت مالكة للعقد لم تحتج إلى الاستنابة ، وإن كانت غير مالكة لم يصح منها الاستنابة .
والثاني : أنه إن كانت الاستنابة شرطاً لم تحتج إلى إجازة ، وإن لم تكن شرطاً لم تحتج إليها فصار مذهبه فاسد من هذين الوجهين . الحاوي (9/45).
القول الرابع: يصح عقد النكاح بلا ولي إن كان الزوج كفؤا، ولا يصح إن لم يكن كفؤا، وهذا القول رواية الحسن عن أبي حنيفة ورواية عن أبي يوسف، وقيل: إن أبا يوسف قد رجع عنه. المبسوط (5/10)، وشرح معاني الآثار (3/13)، وفتح القدير (3/255 - 256).
دليل أصحاب هذا القول:
أنها إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا من كُفْءٍ يَنْفُذُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَوْلِيَاءِ في النِّكَاحِ من حَيْثُ صِيَانَتُهُمْ عَمَّا يُوجِبُ لُحُوقَ الْعَارِ وَالشَّيْنِ بِهِمْ بِنِسْبَةِ من لَا يُكَافِئُهُمْ بِالصِّهْرِيَّةِ إلَيْهِمْ وقد بَطَلَ هذا الْمَعْنَى بِالتَّزْوِيجِ من كُفْءٍ يُحَقِّقُهُ أنها لو وَجَدَتْ كفأ وَطَلَبَتْ من الْمَوْلَى الْإِنْكَاحَ منه لَا يَحِلُّ له الِامْتِنَاعُ وَلَوْ امْتَنَعَ يَصِيرُ عَاضِلًا فَصَارَ عَقْدُهَا وَالْحَالَةُ هذه بِمَنْزِلَةِ عَقْدِهِ بِنَفْسِهِ. بدائع الصنائع ( 2/247- 248).
نوقش الاستدلال بهذا التعليل:
أن تقييد صحة النكاح بلا ولي بوجود الكفاءة ليس له مستند شرعي، بل هو مخالف مخالفة صريحة للأحاديث الصحيحة الصريحة في إثبات اشتراط الولي لصحة النكاح مطلقا من غير ذكر الكفاءة أو عدمها. المحلى (9/456).
القول الخامس: أن عقد النكاح يصح بلا ولي إذا كانت المرأة شريفة، أما إذا كانت دنيئة فيصح إن جعلت أمرها إلى رجل صالح من المسلمين.
وشرط هذا القول هو ألا يوجد للدنيئة ولي خاص مجبر، وإلا تتولى النكاح بنفسها بل يتولاه رجل من المسلمين وهو قول مالك. المقدمات الممهدات لابن رشد (1/473)، حاشية العدوي (2/59-60)، وحاشية الدسوقي (2/226).
والمقصود بالشريفة – كما ذكر الدردير– ذات القدر من حسب وعلو نسب وجمال ومال. الشرح الكبير (2/226).
والمقصود بالدنيئة بِالْهَمْزِ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ لِلدَّنَاءَةِ وَالدَّنِيئَةُ غَيْرُ الشَّرِيفَةِ وَهِيَ التي لَا يُرْغَبُ فيها لِعَدَمِ مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا. الفواكه الدواني (2/8).
دليل أصحاب هذا القول:
هو ما ذكره الباجي بقوله: ووجه رواية الإجازة أن الدنيئة يتعذر عليها رفع أمرها إلى الحاكم، فلو كلفت ذلك لأضر بها وتعذر نكاحها. المنتقى للباجي (3/270).
ولذلك جاز أن تجعل أمرها إلى أحد المسلمين.
نوقش الاستدلال بهذا التعليل من أوجه:
الوجه الأول: أنه لا دليل على التفريق بين الدنيئة والشريفة، بل هو مخالف للأدلة الصريحة في اشتراط الولي مطلقا دون تفريق. المحلى (9/456).
الوجه الثاني: أن هذا القول غير صحيح ، لأنه ليس من دنية إلا وقد يجوز أن يكون في الرجال من هو أدنى منها فاحتيج إلى احتياط الولي فيها.
الوجه الثالث: ثم لو غلب عليه فرقة فقبل الشريفة يمنعها كرم أصلها من وضع نفسها في غير كفء فلم يحتج إلى احتياط الولي ، والدنية يمنعها لؤم أصلها على وضع نفسها في غير كفء لكان مساوياً لقوله ، فوجب إسقاط الفرق بينهما.
الوجه الرابع: قد يقال له لما لم يكن هذا الفرق مانعاً من استوائهما في الشهادة فهلا كان غير مانع من استوائهما في الولي مع كون النصوص في الولي عامة لا تخص بمثل هذا الفرق . الحاوي (9/44).
القول السادس: لا يصح نكاح المرأة بلا ولي إذا كانت بكرا ويصح إذا كانت ثيبا على أن تفوض رجلا من المسلمين لمباشرة العقد. وهو قول داود الظاهري. المحلى (9/455)، والحاوي (9/44).
دليل أصحاب هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس للولي مع الثيب أمر "
وجه الدلالة من الحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خص الثيب بالولاية دون البكر فتستطيع تزويج نفسها دون ولي الحاوي (9/44).
واستدلوا بالْخَبَرِ الثَّابِتِ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من قَوْلِهِ الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا. المحلى (9/457).
نوقش الاستدلال بهذين الحديثين من وجهين:
الوجه الأول: أنه معارض بقَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) وهو عُمُومٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أبو بِكْرٍ.
الوجه الثاني: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ عليها أَمْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلاَ تَنْكِحُ إِلاَّ من شَاءَتْ فإذا أَرَادَتْ النِّكَاحَ لم يَجُزْ لها إِلاَّ بِإِذْنِ وليها فَإِنْ أَبَى أنكحها السُّلْطَانُ على رَغْمِ أَنْفِ الْوَلِيِّ الْآبِيِّ. المحلى (9/457).
واستدل من المعقول :
بأن هناك فرق بين البكر والثيب وذلك بأن الثيب قد خبرت الرجال فاكتفت بخبرتها عن اختيار وليها والبكر لم تخبر فافتقرت إلى اختيار وليها. الحاوي الكبير (9/44).
نوقش الاستدلال بهذا التعليل:
بأن هذا فرق فاسد وعكسه عليه أولى ، لأن خبرة الثيب بالرجال تبعثها على فرط الشهوة في وضع نفسها ، فمن قويت فيه شهوتها والبكر لعدم الخبرة أقل شهوة فكانت لنفسها أحفظ على أن الشهوة مذكورة في طباع النساء قال النبي : ' خلقت المرأة من الرجل فهما في الرجل ' فغلب حكم الشهوة في جميعهن ثيباً وأبكاراً حتى يمنعن من العقد إلا بولي يحتاط لئلا تغلبها فرط الشهوة على وضع نفسها في غير كفء فيدخل به العار على أهلها. الحاوي الكبير (9/44-45).
القول السابع: لا يصح نكاح المرأة بلا ولي إلا إذا أذن لها وليها بمباشرة العقد فيصح. وهو قول أبي ثور. الحاوي الكبير (9/45).
دليل أصحاب هذا القول:
استدل أصحاب هذا القول بالسنة والمعقول:
أولاً: من السنة: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل".
وجه الدلالة من الحديث:
أن الحديث نص على أن يراعى إذن وليها دون عقده. الحاوي الكبير (9/45).
فإذا أذن لها الولي ثم باشرت العقد بنفسها فنكاحها صحيح، وإن لم يأذن لها فنكاحها باطل.
نوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: أن صريح الخبر يقتضي بطلان النكاح لعدم إذن الولي ودليل خطأئه نقيض صحة النكاح بوجود إذنه ، وهو متروك لأمرين : أحدهما : لما رواه معاذ بن معاذ عن ابن جريج بإسناده المتقدم ذكره أن النبي قال لهما : ' أيما امرأة لم ينكحها وليها فنكاحها باطل ' .
الوجه الثاني: أن إذن الولي الذي يصح به النكاح هو إذن لمن ينوب عنه ، وهو الوكيل ، والمرأة لا تصح أن تكون نائباً عنه ، لأن الحق عليها فلم تكن هي النائبة فيه لاختلاف القرضين فجرى مجرى الوكيل في البيع الذي لا يجوز أن يبيع على نفسه لاختلاف عرضه وعرض موكله.
الوجه الثالث: أن المراد بالإذن بالحديث هو مباشرة الولي العقد بنفسه أو بوكيله فيكون المعنى: أيما امرأة نكحت بغير مباشرة وليها أو وكيله فنكاحها باطل.
ثانيا: دليلهم من المعقول:
تقاس ولاية المرأة على ولاية السفيه، كما يراعى في نكاح السفيه إذن الولي دون عقده كذلك هذا فيراعى في نكاح المرأة إذن الولي دون عقده.
نوقش الاستدلال بهذا التعليل:
بأنه ليس لاعتباره بالإذن للسفيه وجه ، لأن الحجر على السفيه في حق نفسه ، والحجر على المرأة في حقوق الأولياء فافترقا . الحاوي (9/45).

نص الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذالِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاٌّ خِرِ ذالِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ( البقرة : 232).
ومعنى قوله إذا تراضوا بينهم بالمعروف إذا تراضى الأزواج والنساء بما يحل ويجوز أن يكون عوضا من أبضاعهن من المهور ونكاح جديد مستأنف. تفسير الطبري (2/488).

نص الآية: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَفِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } (النساء : 34).
والمراد: يقومون عليهن قيام الولاة على الرعية وعلل ذلك بأمرين وهبي وكسبي. تفسير البيضاوي (2/184).
نص الآية: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَات غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النساء : 25)
والمراد من الآية أي بولاية أربابهن المالكين وإذنهم، وهو دليل على أن المملوكة لا تنكح إلا بإذن أهلها، وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيده لأن العبد مملوك لا أمر له وبدنه كله مستغرق لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد إبن المسيب وشريح والشعبي والأمة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد لأن نقصان الأنوثة في الأمة يمنع من إنعقاد النكاح البتة وقالت طائفة : إذا نكح العبد بغير إذن سيده فسخ نكاحه هذا قول الشافعي والأوزاعي وداؤد بن علي قالوا : لا تجوز إجازة المولى إن لم يحضره لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته .. وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده وقد كان إبن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويرى عليه الحد. تفسير القرطبي (5/141)، أحكام القرآن لابن العربي (1/511).
يقول البيضاوي: {فانكحوهن بإذن أهلهن} يريد أربابهن واعتبار إذنهم مطلقا لا إشعار له على أن لهن أن يباشرن العقد بأنفسهم. تفسير البيضاوي (2/173).
 

أحلام

:: متميز ::
إنضم
23 ديسمبر 2009
المشاركات
1,046
التخصص
أصول فقه
المدينة
........
المذهب الفقهي
.......
ما شاء الله عليكِ ,,,,,, وتبارك الرحمن في علمكِ
قد أجتمع فيك الحسنيين
علم عقيدة وفقه مقارن
وفقكِ الرحمن لما يحب ويرضى
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
 

مجتهدة

:: متميز ::
إنضم
25 أبريل 2008
المشاركات
931
التخصص
فقه وأصول..
المدينة
000000
المذهب الفقهي
حنبلية على اختيارات الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله-.
في رأيي عدم اشتراط الولي قوي جدااااا..وقد بحثته سابقاً..
إلا أن الخير مع الجماعة.. وعلى اعتبار قوة الحديث الآمر بذلك..
 
إنضم
4 يناير 2010
المشاركات
16
التخصص
عقيدة
المدينة
الطائف
المذهب الفقهي
حنبلي
الأخوة الأفاضل:

"فدوى بنت العود"
"أبو بكر بن سالم باجنيد"
"السيد خالد بن الطيب العزاوي"
"مجتهدة"

شرفني كثيراً مروركم الغالي
واعتذر عن التأخير فقد شُغلت بالاختبارت

نفعني الله ونفعكم ونفع بي وبكم
وجزاكم الله خيراً
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
في رأيي عدم اشتراط الولي قوي جدااااا..وقد بحثته سابقاً..
إلا أن الخير مع الجماعة.. وعلى اعتبار قوة الحديث الآمر بذلك..

بل ليس قوياً، ومشكلة الباحث الذي لا يرجع المسائل لأصولها أنه يضيع بزخرف القول في مهب الريح.
 

رائد الرائد

:: متابع ::
إنضم
23 أبريل 2010
المشاركات
77
التخصص
ادارة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
شافعي
يا اختي ليلى كلامك وبحثك جميل لكن لم لم تذكري مراجع الحديث مثلا الحديث رواه الحاكم او رواه ابن حبان او مسلم او ونحو ذالك فهذا افقد جزء كبير من اهميته .
وارجو ان تعيدي هذه الاحاديث النبوية وحتى الموقوفة وتذكري مرجعها وتقبلي مروري .
 
أعلى