العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

بحث // في الشهادات ...جواب عن سؤال

صلاح بن خميس الغامدي

قاضي بوزارة العدل السعودية
إنضم
27 أبريل 2008
المشاركات
103
الإقامة
الدمام - المنطقة الشرقية
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أحمد
التخصص
الفقه
الدولة
السعودية
المدينة
الدمام حرسها الله
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده وبعد ..

س/ لإثبات الحقوق في الشريعة الإسلامية وسائل منه الشهادة. فما الذي يشترط لإثباته شهادة أربعة رجال عدول، وما الذي يشترط لإثباته ثلاثة رجال، وما الذي يشترط لإثباته رجلان، وما الذي يكفي لإثباته رجل وامرأتان، وما الذي يكفي لإثباته رجل واحد، وما الذي يكفي لإثباته امرأة واحدة. وضِّح ذلك بالمثال.

=============================================


سبق أن تحدثت في موضوع سابق عن الطرق التي قررها الشارع الحكيم لإثبات الحقوق وهي متعددة ومن هذه الطرق الشهادة .
والأصل في الشهادة الكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}(1)، وسئل عليه الصلاة والسلام عن الشهادة، فقال للسائل: ترى الشمس؟ قال: نعم، فقال: على مثلها فاشهد، أو دع»(2) .
وهي في المرتبة الأولى في الإثبات في الفقه الإسلامي حيث أن لها حجية مطلقة أمام القضاء في جميع الوقائع والحوادث ولم تقيد بمجال معين ، ويجب على القاضي القضاء بموجبها بعد توافر شروطها .
وللشهادة كما هو معلوم شروط ، كما أن لها مراتب في كل موطن بحسبه فمنها ما يشترط فيها شهادة رجلين ومنها رجل وامرأتان ومنها أربعة شهود وهناك شاهد ويمين ، ومنها ما تصح فيه شهادة النساء منفردات في حالات معينة .
وإجابة عن السؤال الذي طرح فهذا بحث مختصر في ذلك ، أسأل الله السداد .

قبل الكلام عن مراتب الشهادة ، نتعرض بإيجاز لخلاف الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ في قبول شهادة الرجل الواحد العدل في القضاء ، فالفقهاء ـ رحمهم الله ـ في هذه المسألة على رأيين ، رأي بعدم اشتراط العدد والاكتفاء بالشاهد الواحد العدل وهو الرأي الذي نصره ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
يقول ابن القيم(3): " ( فَصْلٌ ) وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ إذَا عَرَفَ صِدْقَهُ ، فِي غَيْرِ الْحُدُودِ ، وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَلَّا يَحْكُمُوا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا أُمِرَ صَاحِبُ الْحَقِّ أَنْ يَحْفَظَ حَقَّهُ بِشَاهِدَيْنِ ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ قَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ، وَبِالشَّاهِدِ فَقَطْ ...الخ " .
والجمهور(4) على اشتراط النصاب في الشهادة ، وقصة خزيمة الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " من شهد له خزيمة فهو حسبه "خاصة به بدلالة أنه جاء في الحديث " فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين"(5) حتى إنه أثر عن بعضهم أن خزيمة كان يدعى " ذا الشهادتين "(6)، ورأي الجمهور هو الرأي الراجح ، للأحاديث الواردة في كل حال بحسبه فقد جاء ( شاهداك أو يمينه )(7)، كما جاء قوله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ...) الآية(8)، والنبي عليه الصلاة والسلام قضى بالشاهد واليمين(9)، وغير ذلك مما يدل على اعتبار العدد في الشهادة كما أن الشاهد الواحد يقبل في بعض الحالات وسيأتي بيان ذلك ، والله أعلم .
مراتب الشهادة

أولا:ما يشترط لإثباته أربعة رجال :

وهو الزنا فإنه يشترط لإثباته أربعة رجال عدول ، ودليل ذلك قوله تعالى : " لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء .." الآية(10) ، وهناك من ألحق به اللواط.
وهو مما اتفق عليه الفقهاء ـ رحمهم الله تعالى ـ
جاء في البحر الرائق (11): "وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا لَا بِالْوَطْءِ ، وَالْجِمَاعِ ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِم ظَاهِرًا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الرِّجَالِ يَشْهَدُونَ بِلَفْظِ الزِّنَا لَا بِلَفْظِ الْوَطْءِ ، وَالْجِمَاعِ " .
جاء في حاشية الدسوقي (12) :" ( وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ ) أَيْ لِلشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِهِمَا ( أَرْبَعَةٌ ) مِنْ الْعُدُولِ ".
جاء في نهاية المحتاج (13) : " ( وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا ) وَاللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْمَيْتَةِ وَالْبَهِيمَةِ ( أَرْبَعَةُ رِجَالٍ ) فَلَا يَثْبُتُ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ فِي ذَلِكَ بِدُونِهِمْ " .
جاء في شرح منتهى الإرادات (14): " الصُّورَةُ ( الثَّانِيَةُ ) لِثُبُوتِ الزِّنَا ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ ) أَيْ الزَّانِي ( فِي مَجْلِسٍ ) وَاحِدٍ ( أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عُدُولٍ وَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ " .

ثانياً: ما يشترط لإثباته ثلاثة رجال :

يشترط في رجل غني ادعى أنه فقير أن يحضر ثلاثة رجال يشهدون بإعساره وهو ما يسمى بينة الإعسار وهو رأي الإمام أحمد(15) خلافاً للجمهور(16) ، ويحتج الإمام أحمد لذلك بحديث { قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ : تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ ، فَقَالَ : يَا قَبِيصَةُ أَقِمْ عِنْدَنَا حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ ، فَنَأْمُرَ لَك بِهَا ثُمَّ قَالَ : يَا قَبِيصَةُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ : رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ ، حَتَّى يَقُومَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ : لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ : سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا }(17) ، والجمهور حملوا الحديث على الاستحباب.

ثالثاً: ما يشترط لإثباته رجلان:

هذه الشهادة كما قال بعض أهل العلم حجة كاملة ، فتثبت بها جميع الحقوق سواء المالية أو غيرها كالهبة والوصية والنكاح والطلاق وغيرها ، وكذلك العقوبات كالحدود والقصاص فلا يقبل سوى رجلين ، ماعدا ما ورد فيه نص خاص كالزنا وقد سبق.
والأمثلة كثيرة جدا ، وأذكر منها : كمن ادعى على شخص بقرض وأحضر لإثبات ذلك شاهدان مع تعديلهما ، فهنا يثبت له الحق بذلك ، قال تعالى : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " الآية .
وهناك كلام كثير للفقهاء في هذه المسألة فهناك من يفرق بين كل حالة على حدة فليراجع في مظانه(18).

رابعاً : ما يكفي لإثباته رجل وامرأتان :

سبق ذكر الآية الكريمة وهي آية الدين وفيها " ...فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان .." الآية .
وهذه الشهادة تجوز في المال وما يؤول إلى المال ويكتفى برجل واحد إذا انظمّت معه امرأتان ، ولا تقبل في الحدود والقصاص على خلاف بين الفقهاء(19)، وكل واحدة من هذه المسائل تحتاج لبحث مستقل.
والمثال في ذلك كمثالنا السابق فلو أحضر رجل وامرأتان ليشهدا بالمبلغ المدعى به فإنه يثبت له الحق بذلك ، ويلزم القاضي الحكم به ، وكذلك في الرهن والإجارة ونحو ذلك .

خامسأ: ما يكفي لإثباته رجل واحد :

سبق بيان الخلاف بين الجمهور وبعض المحققين في قبول شهادة الرجل الواحد العدل في جميع الأمور وذكرنا كلام ابن القيم في ذلك ، وبينّا القول الأظهر في ذلك .
والرجل الواحد العدل يقبل قوله برؤية هلال رمضان .
جاء في المبسوط(20) : " وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَاحِدٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا ".
كما جاء في مغني المحتاج(21): " ( وَثُبُوتُ رُؤْيَتِهِ ) يَحْصُلُ ( بِعَدْلٍ ) سَوَاءٌ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً أَمْ لَا".
وجاء في كشاف القناع(22): "( وَيُقْبَلُ فِيهِ ) أَيْ : فِي هِلَالِ رَمَضَانَ ( قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ ) ".

سادساً : ما يكفي لإثباته امرأة واحدة :

وهذه المسألة سبق وأن تحدثت عنها بالتفصيل في مسألة / شهادة النساء، وقد ذكرت فيها أقوال الفقهاء فلمن أراد الإطلاع الرجوع إليها .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .

وكتبه الفقير على عفو ربه ومولاه
صلاح بن خميس الغامدي

---------------------------------------------------------
(1) سورة البقرة:282/2
(2) رواه البيهقي والحاكم وصحح إسناده وتعقبه الذهبي، فقال: « بل هو حديث واه » وأخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف عن ابن عباس (سبل السلام: 130/4، نصب الراية: 82/4) .
(3) الطرق الحكمية 1/96
(4) المبسوط 19/123 ، والتاج والإكليل 11/178 ، و المجموع 20/225 ، 244 ، ومغني المحتاج 19/407 ، والمغني 20/273،473 ، المحلى 11/390
(5) انظر عون المعبود رقم 3130
(6) أخرجه أحمد في مسنده برقم 20665
(7) انظر البخاري 7/471 برقم 2332 ، ومسلم بشرح النووي 1/259 برقم 197
(8) البقرة 282
(9) انظر مسلم بشرح النووي 6/138 برقم 3230
(10) سورة النور آية 13
(11) انظر 13/12
(12) انظر 17/279
(13) انظر 28/338
(14) 11/138
(15) شرح منتهى الإرادات 3/268 ، والإنصاف 12/61 ، وأنظر أيضا الطرق الحكمية 1/223
(16) البحر الرائق 17/425 ، ومواهب الجليل 5/181 ، وروضة الطالبين 3/373
(17) أخرجه مسلم برقم 1730 ، انظر شرح النووي لمسلم 3/496
(18) انظر حاشية الدسوقي17/284 ، و المغني 23/137،138
(19)انظر في هذا الخلاف المبسوط 6/110 ، و6/381 ، وفتح القدير 17/50 ، التاج والإكليل 11/184 ، ومغني المحتاج 16/237 ، وكشاف القناع 23/140 وما بعدها
(20) 4/239
(21) 5/162 وانظر نهاية المحتاج 28/335
(22) 5/454
 
أعلى