العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد بحث محكم: مقاصد العلم الشرعي وتوظيفها في طرق تعليمه

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
لتنزيل البحث كاملا بصيغة Pdf على هذا الرابط:
https://www.mediafire.com/?m7hxzuptza2ay0x

مقاصد العلم الشّرعي وتوظيفها في طرق تعليمه
د. أيمن صالح
كلية الشريعة - جامعة قطر
المؤتمر العالمي للتعليم الشرعي وسبل ترقيته
نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
الدوحة
8 - 10 رجب 1437هـ الموافق 15-17 ابريل 2016م

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه وبعد:

ففضل العلم عامّةً لا يُنكر، وفضل العلم الشرعي منه على وجه الخصوص هو في المحلّ الأسمى والطبقة الأعلى. ولكن لهذا العلم - كما هو الشأن في كلّ مطلوب في الشريعة ومحبوب - مقاصدُ وضعها الشارع لتُنتحى في طلبه، وتُستهدف من تحصيله. والوقوف على هذه المقاصد من شأنه أن يسير بالمتعلّم نحو الغاية الصّحيحة التي رسمها الشارع لطلب هذا العلم فلا يزلّ ولا يضلّ، كالّذين زلّوا وضلّوا من الأمم من قبلِنا حين ابتغوا بعلوم الشرع ما لم تُوضع له أصلًا، كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}[آل عمران:187]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة:34]، وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة:5].

فدلّت هذه الآيات أنّه، سبحانه، آتاهم الكتاب، واستحفظهم إيّاه؛ ليُحكّموه بينهم، ويعملوا به، ويبلِّغوه، فأعرضوا عن ذلك كلِّه، وعطلّوه، وكتموا منه ما كتموا، وعِوَضًا عن جعله سببًا للآخرة جعلوه سببًا للدُّنيا التي ركنوا إليها، فأكلوا به أموال النّاس بالباطل، فأصابهم من جرَّاء ذلك ما أصاب صاحبهم الذي قصَّ الله، سبحانه وتعالى، نبأه علينا، وطلب منّا أن نتفكّر في شأنه، وذلك في قوله، عزَّ من قائل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الأعراف:175-176]. قال ابن عبّاس، رضي الله عنهما: «أُوتي كتابًا، فأخلد إلى شهوات الأرض ولذّتها وأموالها، لم ينتفع بما جاء به الكتاب»([1])، وقال مجاهد (ت104هـ)، رحمه الله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}: «هو مَثَلُ الذي يقرأ الكتاب ولا يعمل به»([2]). قال الواحدي (ت468هـ)، رحمه الله: «هذه الآية هي أشدّ الآي على ذوي العلم، وذلك أنّ الله، تعالى، أخبر أنّه آتاه آياته: من اسمه الأعظم، والدّعوات المستجابة، والعلم، والحكمة، فاستوجب بالسُّكون إلى الدّنيا، واتّباع الهوى، تغييرَ النّعمة عليه والانسلاخَ منها، ومَن الذي يسلم من هاتين الخَلّتين إلا من عصمه الله!»([3]). وعن زياد بن لبيد، رضي الله عنه، قال: «ذَكَر النبيُّ، صلَّى الله عليه وسلَّم، شيئًا، فقال: وذاك عند أوان ذهاب العلم. قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم، ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويُقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟! قال: ثكلتك أمّك يا ابن أمّ لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجلٍ بالمدينة، أوليسَ هذه اليهود والنّصارى يقرؤون التّوراة والإنجيل لا ينتفعون مِمّا فيهما بشيء؟!»([4])، فدلّ هذا على أنّ داء الأُمم من قبلنا سيصيبنا، وهو الاكتفاء برسوم العلم دون حقائقه، وألفاظه دون معانيه، ومادّته دون مقاصده، ومعارفه دون تطبيقاته، والعلمُ - بهذه الصِّفة - كالجهل سواء، بل الجهل خيرٌ منه.

ومن هنا حثّ العلماء كثيرًا على تصحيح النيّة في طلب العلم، وربطوا حصول أجر العلم بصحّة النّيّة، إرشادًا لطالب العلم أن يقصد بطلبه ما وضعه الشارع له، لا أن يذهب في قصده ذات اليمين وذات الشمال، قال الشاطبي (790ه)، رحمه الله: «كلُّ من ابتغى في تكاليف الشريعة غيرَ ما شُرعت له؛ فقد ناقض الشريعة، وكلّ ما ناقضها؛ فعمله في المناقضة باطل»([5])، ومن هنا فقد جعلوا تصحيح النّيّة أوَّلَ شيءٍ يبدؤون به آداب طالب العلم.

ومن أقوالهم في ذلك:
سُئل الثوري (ت161هـ)، رحمه الله: «العلم أفضل أم الجهاد؟ فقال: ما أعلم شيئًا أفضل من العلم إذا صحّت فيه النّيّة، فقيل: يا أبا عبد الله، ما النّيّة في العلم؟ قال: يريد الله ربّه والدّار الآخرة»([6]). وعن الحسن البصري (ت110هـ)، رحمه الله، قال: «يُبقي الله لهذا العلم قومًا يطلبونه، ولا يطلبونه خشيةً، وليست لهم نيّة، يبعثهم الله، تعالى، كي لا يضيع العلم فيبقى عليهم حُجَّة»([7]). وعن مالك (ت179هـ)، رحمه الله: «إنّ طلب العلم لحسن، وإنّ نشره لحسن، إذا صحَّت فيه النّيَّة»([8]). وقال ابن وهب (ت197هـ)، رحمه الله: «كنتُ بين يدي مالك أكتب فأذَّن المؤذِّن وبين يديه كتبٌ منشورة، فبادرت لأجمعها، فقال لي: على رسلك؛ فليس ما تقدُم إليه بأفضل مِمَّا أنت فيه، إذا صحَّت فيه النّيّة»([9]). وقال الشّافعي (ت204هـ)، رحمه الله: «أخشى أنّ من طلب العلم بغير نيَّة أن لا ينتفع به»([10]). وقال مهنَّا، رحمه الله: «قلت لأحمد (ت241هـ): حَدِّثنا ما أفضل الأعمال؟ قال: طلب العلم، قلت: لمن؟ قال: لمن صحَّت نيّته، قلت: وأيُّ شيء يصحِّح النيّة؟ قال ينوي يتواضع فيه وينفي عنه الجهل»([11]). وقال بِشْرٌ الحافي (ت227هـ)، رحمه الله: «لا أعلم على وجه الأرض عَمَلًا أفضل من طلب العلم والحديث لمن اتّقى الله وحسُنت نيّته»([12]). وعن ابن المبارك (ت181هـ)، رحمه الله، قال: «ما من شيء أفضل من طلب العلم لله، وما من شيءٍ أبغض إلى الله من طلب العلم لغير الله»([13]). وقال القرافي (ت684هـ)، رحمه الله، في آداب طالب العلم: «اعلم أنّ أعظمَها الإخلاص لله، سبحانه وتعالى، فإنّه إذا فُقد انتقل العلم من أفضل الطّاعات إلى أقبح المخالفات»([14]).

أهداف البحث:


وهذا البحث الذي أقدِّمه لمؤتمر ترقية العلوم الشرعية الذي ينظّمه الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين يهدف إلى هدفين جليلين:
أحدهما: بيان مقاصد العلم الشرعي الأوليَّة والنهائيَّة، وتمييزها عمّا قد يلتبس بها ممّا هو ليس بمقصدٍ مشروع.
والثاني: بيان ما يترتب على توظيف هذه المقاصد في تعليم العلوم الشّرعية على اختلاف درجاتها وأصنافها من علوم أصليّة وعلوم تَبعيّة: آليّة أو مُلحقة.

الدّراسات السابقة:


لم يقف الباحث على مصنّف مستقلٍّ في خصوص مقاصد العلوم الشرعية، لا في القديم ولا في الحديث، وإنّما جاء حديث أهل العلم في ذلك في ضمن الكتب التي خَصَّصوها للحديث عن العلم جملةً أو عن جانب من جوانبه، ومن ذلك مثلًا: «العلم» لأبي خَيثمة (ت234هـ)، و«أخلاق العلماء» للآجُرِّي (ت360هـ)، «وجامع بيان العلم وفضله» لابن عبد البر (ت463هـ)، و«اقتضاء العلم العمل» للخطيب البغدادي (ت463هـ)، «وذمّ من لا يعمل بعلمه» لابن عساكر (ت571هـ)، و«كتاب العلم» للغزالي (ت505هـ)، وهو أوّل الكُتب في موسوعته «إحياء علوم الدين».
ولعلّ أفضل من فصَّل في الموضوع، وأشبعه بحثًا، من جهةٍ مقاصديّة، الإمام الشاطبي (ت790هـ)، رحمه الله، في مقدّمات كتابه «الموافقات»، فذكر أنّ العلوم الشرعية إنّما شُرعت للعمل، واستدل لذلك من أربعة وجوه، ثم ذكر بعض المقاصد التابعة التي قد تُطلب بالعلم الشرعي وفرّق فيها بين ما كان خادمًا للمقصد الأصلي فأجازه وما لا فلم يجزه.

الإضافة العلميّة في البحث:


ممّا أحسب أنّي قدّمته جديدًا في هذا البحث:
1. تقسيم مقاصد العلوم الشرعيّة وتفصيل القول فيها على نحو لا تجده في تصنيف قبل هذا.
2. مناقشة بعض المواطن المشكلة في تحديد هذه المقاصد وتصنيفها عند الإمام الشاطبي رحمه الله وغيره.
3. استثمار هذه المقاصد وتوظيفها وتفعيلها في الخروج بتوصيات في شأن تعليم العلوم الشرعيّة. أي بيان انعكاس مقاصد العلم الشرعي على مقاصد تعليمه ووسائلها.

خطة البحث:


جاء هذا البحث في هذه المقدّمة وثلاثة مباحث وخاتمة.
المبحث الأول: العلم: تعريفه وتقسيماته عند المسلمين. وهو مبحث تمهيدي بيّن فيه الباحث، بإيجاز، ما يُطلق عليه لفظ العلم في استعمال علماء المسلمين وتطرّق إلى أهم التقسيمات التي قسّموا بها العلوم عمومًا.
والمبحث الثاني: مقاصد العلم في الفكر الوضعي. وهو مبحث هدف إلى إلقاء نظرة سريعة على تاريخ مقاصد العلم والبحث العلمي في نظر غير المسلمين، وما استقرّ عليه حال هذه المقاصد في العصر الرّاهن.
والمبحث الثالث، وهو صُلب البحث: مقاصد العلم في الإسلام. وقد اشتمل على مطلبين: المطلب الأول: مقاصد العلوم غير الشّرعيّة، والمطلب الثاني: مقاصد العلوم الشّرعيّة. وفي هذا المطلب الأخير وضّح الباحث المراد بالعلم الشّرعي على وجه الدّقّة ومنزلته ومقاصده، ثم قسَّم هذه المقاصد بحسب العلوم الشرعية إلى قسمين: مقاصد العلوم الشّرعيّة الأصليّة، ومقاصد العلوم الشّرعيّة التّبعيّة. وبعد بسط القول في كلّ نوع من هذه المقاصد وضع الباحث بعض التّقريرات والتّوصيات التي تنبني على تفعيل هذه المقاصد في تعليم العلوم الشّرعيّة.
وأمّا الخاتمة فقد اشتملت على أهمّ نتائج البحث وتوصياته.


([1]) تفسير الطبري (13/ 269).

([2]) تفسير الطبري (13/ 272).

([3]) التفسير الوسيط للواحدي (2/ 427).

([4]) رواه ابن أبي شيبة وأحمد وغيرهم. قال الأرناؤوط: حديث صحيح رجاله ثقات. يُنظر: مسند أحمد ط الرسالة (29/ 17).

([5]) الموافقات (3/ 27).

([6]) ربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزمخشري (4/ 33).

([7]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 38).

([8]) إحياء علوم الدين (1/ 64).

([9]) ترتيب المدارك وتقريب المسالك (3/ 235).

([10]) المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي، ص325.

([11]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 37).

([12]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 37).

([13]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 38).

([14]) الذخيرة للقرافي (1/ 47).
 
التعديل الأخير:
أعلى