عمرو بن الحسن المصري
:: نشيط ::
- إنضم
- 30 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 685
- التخصص
- طالب جامعي
- المدينة
- القاهرة
- المذهب الفقهي
- حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن الإجماع من الأدلة التبعية النقلية عند علماء الأصول عامة، والحنفية والشافعية خاصة من حيث الحجة، وفيه مجموعة قواعد أصولية مختلف فيها، منها هذه.
[ملخّصًا من مطلب في مبحث تأصيل القواعد الأصولية المختلف فيها في الأدلة التبعية، من كتاب ((تأصيل القواعد الأصولية المختلف فيها بين الحنفية والشافعية)) للدكتور "صلاح حميد عبدالعيساوي".]
*توطئة:
الإجماع لغةً: العزم والاتفاق، يقال: فلان أجمع على كذا إذا عزم عليه، وتارة يراد به الاتفاق، فيقال: أجمع القول على كذا، أي: اتفقوا، هذا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عليه، أَيْ: مُتَّفَقٌ عليه.
وقيل: إنَّ المعنى الأصلي له هو العزم، أي: تصميم العزم، والاتفاق لازم ضروري إذا وقع من جماعة [ينظر: لسان العرب، لابن منظور (8/ 58)، مادة (جمع)، والمغرب في ترتيب المعرب، للمطرزي (1/ 159)، والمعجم الوسيط (ص 135)]. قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس: 71]، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته حفصة رضي الله عنها: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه الترمذي في سننه برقم (730)، وقال عنه (3/ 108): "حديث حفصة لا نعرفه مرفوعًا إلّا من هذا الوجه".
الإجماع اصطلاحًا: هو اتفاق مجتهدي عصرٍ من أُمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر شرعيّ أو ديني. المختصر في أصول الفقه، لابن اللحام الحنبلي (74).
قولهم: اتفاق مجتهدي عصر: استغراقية تفيد اتفاق جميعهم والعلم به، إذ لا عبرة بمخالفة غير المجتهد، كما هو الحال باتفاق غير المجتهدين.
والإجماع حجة عند جمهور العلماء إلّا النَّظَّام والخوارج والإمامية الذين قالوا باستحالته وقيدوه بالمعصوم لديهم. ينظر: نهاية السّول شرح منهاج الوصول في علم الأصول، للأسنوي (ص 283)، وتيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 224-227)، والمطلع على أبواب الفقه، للبعلي الحنبلي (1/ 399)، ومبادئ الوصول، للحلي (ص 190)، وتمهيد القواعد، للشهيد الثاني العاملي (ص 251-252)، وإرشاد الفحول، للشوكاني (ص 71-73).
وعرّفه الشافعية: هو اتفاق أهل الحل والعقد من أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر من الأعصار على أمْرٍ من الأمور. نهاية السول شرح منهاج الوصول في علم الأصول، للأسنوي (ص 281).
قولهم: (اتفاق): يعم الأقوال والأفعال والسكوت والتقرير، وقولهم: (أهل الحل والعقد): احتراز عن اتفاق بعض أهل الحل والعقد أو العوم، وقولهم: (من أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم): احتراز عن اتفاق أهل الحل والعقد من أرباب الشرائع السالفة، وقولهم: (عصر من الأعصار): ليندرج فيه إجماع كل عصر، وإلّا أوهم ذلك أنّ الإجماع لا يتمُّ إلّا باتفاق أهل الحل والعقد في جميع الأعصار إلى يوم القيامة. ينظر: المصدر نفسه (ص 281)، والإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (مج1: 1/ 167).
(أصل بناء القاعدة):
وبنى بعض الحنفية هذه القاعدة على أنَّ خلاف الواحد والاثنين لا يقدح في الإجماع. [البحر المحيط، للزركشي (6/ 452).فإجماع الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم الذين قسموا الخمس على ثلاثة أسهم، لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل، ولهذا يقول الإمام عبدالعزيز البخاري: (ولا مَعْدِلَ عن إجماع الخلفاء الراشدين من غير إنكار أحدٍ عليهم). كشف الأسرار عن أصول البزدوي، للبخاري (4/ 147).
وقال المخالفون: ولأجل هذا المذهب: لم يُعْتَدَّ بزيد بن ثابت خلافًا في توريث ذوي الأرحام، وحكم برد أموال قد كانت حصلت في بيت مال المعتضد بالله: على أن بيت المال من ذوي الأرحام. فردها إلى ذوي الأرحام، وقبل المعتضد الفتيا وأنفذ القضاء بذلك، وكتب به إلى الآفاق.
فقال أبو حازم من الحنفية: "لا أعد زيدًا خلافًا على الخلفاء الأربعة، وإذا لم أعده خلافًا فقد حكمت برد المال إلى ذوي الأرحام. فقد نفذ قضاي به". أصول الجصاص (2/ 172).
-آراء العلماء:
_رأي الحنفية: انقسم الحنفية إلى رأيين:
1- ينعقد الإجماع بالخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم مع مخالفة غيرهم، وبه قال أبو حازم القاضي. وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى. ينظر: أصول الجصاص (2/ 172 - وما بعدها)، وتيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 242)، وروضة الناظر، لابن قدامة (ص 110)، والقواعد والفوائد الأصولية، للبعلي (ص 295).
2- موافقة رأي الشافعية وجمهور العلماء، وبه قال أكثر الحنفية. ينظر: أصول الجصاص (2/ 172 - وما بعدها)، وتيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 242).
_رأي الشافعية: لا ينعقد الإجماع بالخلفاء الأربعة رضي الله عنهم مع مخالفة غيرهم، أو توقفهم عن سماعهم الحكم. وبه قال أكثر العلماء، والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى. ينظر: الإبهاج في شرح المنهاج، للسبكي (5/ 2068)، ونهاية السول، للأسنوي (ص 290)، وروضة الناظر، لابن قدامة (ص 110).
(تحرير محل الخلاف):
لا خلاف بين العلماء أن الصحابة ومنهم الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم إذا أجمعوا فإجماعهم حجة، لا يعتد بخلاف التابعي في زمان الصحابة مهما بلغ التابعي رتبة الاجتهاد قبل تمام الإجماع. ينظر: المستصفى، للغزالي (ص 148).
يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: (إذا اجتمعت الصحابة على شيء سلمنا لهم، وإذا اجتمع التابعون زاحمناهم). أصول الجصاص (2/ 274).
وأما إذا خالف الخلفاء الأربعة مجتهد صحابي آخر، هذا هو محل الخلاف.
-الأدلة ومناقشتها:
سوف نعرض حجة مخالفي الجمهور، ومن خلاله نستدل على رأي الجمهور:
1- عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ). رواه أبو داود في سننه (2/ 610) برقم (4607)، والترمذي في سننه برقم (2676)، وقال (5/ 44): حديث صحيح. والحاكم في المستدرك على الصحيحين برقم (329)، وقال (1/ 174): هذا صحيح ليس له علة، وقد احتج البخاري بعبدالرحمن بن عمرو.
وجه الدلالة: إنَّ هذا الحديث الشريف عام في كلّ الخلفاء الراشدين، وإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين، كما أمر باتباع سنته، والخلفاء الراشدون هم الخلفاء الأربعة، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، فلما ألزم النبي صلى الله عليه وسلم التمسك بسنتهم على أنَّ الخطأ منتف عنهم. تيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 243)، وينظر: نهاية السول، للأسنوي (ص 290).
وقد أجيب من عدة وجوه:
أ- إنَّ المراد من الحديث الشريف بيان أهلية الخلفاء الراشدين؛ لاتباع المقلدين لهم إلا أنَّ إجماعهم حجة.
وقد رد: إنَّ أهلية الاقتداء بهم مع إيجاب الاقتداء يفيد منع الاجتهاد لغيرهم، ولزوم الاقتداء بهم فيكون قولهم حجة على غيرهم، وهذا هو المطلوب. تيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 243).
ب- إنَّ الحديث الشريف معارض بقوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا شطر دينكم عن الحميراء)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، رواه ابن منده في الفوائد (1/ 29)، والتبريزي في مشكاة المصابيح (3/ 310)، برقم (6009).
وقد رد: إنّ هذه الروايات لم يصح منها شيء، فأمّا الحديث الأول: لا يعرف له إسناد ولا هو في شيء من كتب الحديث، فهو مختلق. ينظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للشوكاني (ص 399)، وكشف الخفاء (2/ 178).
وقد أجيب: إنَّ هذا الحديث قد روي من طرق عدة، من رواية عمر وجابر وابن عباس وأنس رضي الله عنهم وبألفاظ مختلفة. تيسير التحرير، لأمير بادشاه (3/ 243).
وأما الحديث الثاني: قال ابن منده في الفوائد (ص 29): "حديث جابر رضي الله عنه إسناده ساقط والحديث موضوع، ومن طريق ابن عمر رضي الله عنهما". قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (4/ 190): "لا يعرف، ولا أصل له".
2- عن حذيفة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)، رواه الترمذي في سننه برقم (3662)، وقال (5/ 609): "حديث حسن".
وجه الدلالة: دلّ الحديث على أنّ الصحابة متفاضلون فيما بينهم، وأفضلهم الخلفاء الأربعة بإجماع الأمة، لذلك سوّغوا الاجتهاد لمن دونهم معهم، ومخالفتهم مثل ابن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهم. ينظر: أصول الجصاص (2/ 335).
وقد رد: بأننا نسلم أنَّ الحديثين اللذين استدللتم بهما صحيحان، ولكنهما يدلان على أنَّ الخلفاء الأربعة أهل للاقتداء بهم لا على أن قولهم حجة على غيرهم، فإن المجتهد متعبّد بالبحث عن الدليل حتى يظهر له ما يظنه حقًا، ولو كان مثل ذلك يفيد حجية قول الخلفاء أو بعضهم لكان الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه (3/ 359) برقم (3589) بسند صحيح على شرط الشيخين: (رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد) يفيد حجية قول ابن مسعود رضي الله عنه وغيره [ينظر: إرشاد الفحول، للشوكاني (ص 83)].
هذا من جانب، ومن جانب آخر: أنَّ المعتبر في الإجماع إجماع كل الأمة لا بعضها، والخلفاء الأربعة بعض الأمة لا كلها، وهذا هو مذهب الجمهور، قالوا: والمخالفين أرادوا الترجيح لقولهم على قول غيرهم، لفضل سبق الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وتعددهم، وطول صحبتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: وأمّا الترجيح عندنا فإنِّما يطلب به غلبة الظن لا العلم. ينظر: البحر المحيط، للزركشي (6/ 453).
ولهذا تفرعت عن هذه القاعدة قاعدة أخرى تقول:
حكم إجماع الصحابة إذا خالفهم التابعي المجتهد:
فإذا أدرك التابعي عصر الصحابة رضي الله عنهم وهو من أهل الاجتهاد هل ينعقد إجماعهم بدونه أو لا؟
وسوف أعرض المذاهب والآراء فقد، دون الخوض في الأدلة لعدم الإطالة.
_الرأي الأول: لم ينعقد إجماع الصحابة إلّا بالتابعي المجتهد.
كما حكاه جماعة منهم القاضي أبو الطيب الطبري، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وابن الصباغ، وابن السمعاني، وأبو الحسن السهيلي، وقال القاضي عبدالوهاب: إنّه الصحيح، ونقله السرخسي من الحنفية عن أكثر أصحابنا.
والوجه في هذا القول أن الصحابة عند إدراك بعض مجتهدي التابعين فيهم هم بعض الأمة لا كلها، وقد سئل ابن عمر عن فريضة فقال: اسألوا ابن جبير فإنه أعلم بها، وكان أنس يسأل فيقول: سلو مولانا الحسن فإنه سمع وسمعنا وحفظ ونسينا.
_الرأي الثاني: إنه لا يعتبر المجتهد التابعي الذي أدرك عصر الصحابة في إجماعهم.
وهو مروي عن إسماعيل بن علية، ونفاة القياس، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد.
_الرأي الثالث: إن بلغ التابعي رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة ثم وقعت حادثة فأجمعوا عليها وخالفهم لم ينعقد إجماعهم، وإن أجمعوا قبل بلوغه رتبة الاجتهاد، فمن اعتبر انقراض العصر اعتد بخلافه، ومن لم يعتبره لم يعتد بخلافه.
وقال القفال: "إذا عاصرهم وهو غير مجتهد ثم اجتهد ففيه وجهان: يعتبر، ولا يعتبر، قال بعضهم: أنه إذا تقدم الصحابة على اجتهاد التابعي فهو محجوج بإجماعهم قطعًا".
قال الآمدي: "القائلون بأنه لا ينعقد إجماعهم دونه اختلفوا، فمن لم يشترط انقراض العصر قال: إن كان من أهل الاجتهاد قبل إجماع الصحابة لم ينعقد إجماعهم وإلا لم يعتد بخلافه".
وهذا مذهب الشافعي وأكثر المتكلمين وأصحاب أبي حنيفة، وهي رواية عن الإمام أحمد، ومن اشترط انقراض العصر قال: لا ينعقد إجماع الصحابة به مع مخالفته وإن بلغ الاجتهاد حال انعقاد إجماعهم أو بعد ذلك في عصرهم.
الرأي الرابع: لا عبرة بمخالفته أصلًا.
وهو مذهب بعض المتكلمين والإمام أحمد بن حنبل في الرواية الأخرى.
[ينظر: أصول الجصاص (2/ 142)، والمستصفى، للغزالي (ص 147)، وروضة الناظر، لابن قدامة (ص 99)، والبحر المحيط، للزركشي (6/ 438)، والتقرير والتحبير، لابن أمير الحاج (3/ 2)، وشرح الكوكب المنير، للفتوحي، إرشاد الفحول، للشوكاني (ص 81)، وحاشية العطار (2/ 213)].
هذا، والله أعلم.