محمد إبراهيم البهات
:: متابع ::
- إنضم
- 4 يوليو 2016
- المشاركات
- 31
- الكنية
- أبو عبدالرحمن
- التخصص
- كلية اللغات والترجمة
- المدينة
- المنصورة
- المذهب الفقهي
- الشافعي
أصول الفقه
تعريف أصول الفقه
دَرَجَ العلماءُ على تعريفين له ، الأول بإعتباره مركبا إضافيا من كلمتين ، والتعريف الثانى بإعتباره لقباً وعلماً من علوم الشريعة .
.
التعريف الأول
تعريف كلمة " أصول ، وكلمة " فقه " كل على حده :
قال الشوكانى فى كتابه " إرشاد الفحول " :" فَالْأُصُولُ: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: يُقَالُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَالْمُسْتَصْحِبِ، وَالْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ وَالدَّلِيلِ وَالْأَوْفَقُ بِالْمَقَامِ الرَّابِعُ ". انتهى كلامه .
من خلال هذا التعريف يتبين لنا أن الأصل فى الإصطلاح يطلق على عدة معان ، منها :
المعنى الأول : الدليل ، مثل قولهم : الأصل فى إيجاب الصلاة الكتاب والسنة والإجماع .
المعنى الثانى : الراجح ، كقولهم الأصل فى الكلام الحقيقة ، أى الراجح عند السامع هو المعنى الحقيقى دون المجازى لعدم القرينة الدالة عليه ، مثل سماعنا لقول الله " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " ، فأول ما يورد فى الذهن أن البقرة هنا هو الحيوان المعروف ، لا كما قال الروافض قبحهم الله أن المراد بالبقرة هنا عائشة رضى الله عنها .
المعنى الثالث : القاعدة الكلية المستمرة المطردة ، ومنه قولهم ، الأصل فى الأمر الوجوب ، والأصل فى الفاعل أنه مرفوع ، والأصل فى المفعول به أنه منصوب ، فلن يأتى أحد يقول يوما أن الفاعل منصوب .
المعنى الرابع : الإستصحاب أو المُستصحَب ، فيُقال أن الأصل فى الأشياء الإباحة ، والأصل فى الإنسانِ البراءةُ حتى تثبتَ إدانتُه ، يعنى الواجب علينا أن نثبُتَ للمُسلم البراءة من كل ما تُشغَل به ذمتُه حتى يثبت دليلٌ على أنه مُدان أو مشغول الذمة ، فلا يصح أن يقول شخص لغيره : عليك مائة جنيه لى دون ما يأتى ببينة و يثبت هذا الحق عند أخيه ، ولا يصح أن نقول له : احلف بالله أنك غير مُدان لى ، لأن المُدعِى لم يقم البينة على دعواه ، والأصل أن البينةُ على من ادعَى واليمينُ على من أنكر ، فالأصل أولا إقامة البينة ، فإن لم تقم البينة فالأصل براءة الآخر ، ويقال لمن كان متيقنا من الطهارة وشك فى الحدث ، فالأصل الطهارة ، أى تُستصحب الطهارة حتى يثبتَ حدوثُ نقيضِها ، وكذلك يقولون " الأصل فى الأشياء الإباحة " ، لأن الله امتن على عباده بأنه سخر لهم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه ، والله سبحانه لا يمتن على العباد إلا بما هو مباح لهم ، فلا يأتى شخص ويقول : ما الدليل على حل البرتقال ؟! ، فنقول انه ضمن الأشياء المباحة ، والأصل أن النبى من وظيفته أنه يُحل لنا الطيبات ويُحرم علينا الخبائث ، وطالما لم يأتى نصٌ بتحريمها ، ودائرة المُباح أوسعُ بكثير من دائرة الحرام ، ومن هنا يُعرِّف الأصوليون الإستصحاب بأنه " الحُكم على الشئ بالحال التى كان عليها من قبل حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال" .
المعنى الخامس : المقيس عليه ، كقول الفقهاء " الخمر أصل النبيذ " بمعنى أن الخمر مقيس عليه النبيذ بجامع على الإسكار ، فالخمر أصلٌ يُقاس عليه ، والنبيذ فرع مَقِيس .
المعنى السادس : المخرج ، وهذا خاص بمسألة الميراث ، فيقول الفرضيون أهل الفرائض : أصل المسألة كذا ، فمثلاً: رجل تُوفى عن زوجة وبنت ، فالزوجة نصيبُها الثمن ، والبنتُ نصيبهُا النصف ، فيقولون أصل المسألة ثمانية .
والمقصود من كلمة الأصل عند الإطلاق فى الفقه أو أصول الفقه هو المعنى الاول ، ويراد به الدليل .
.
والفقه لغة يطلق ويراد به على المشهور : الفهم ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} ، " (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي)" ، (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول) ، لكن القاضى أبو يعلى وإمام الحرمين الجوينى قالا أن المراد بالفقه لغة هو: العلم، أي: إذا كان الشخص عالماَ بأشياء لا يعلمها غيره من الناس فهو الفقيه، وإن لم يفهم ما يعلمه .
وفى الإصطلاح عُرِف بتعريفات كثيرة ، أضبطها تعريف الإسنوى ، فقال هو " العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة بأدلتها التفصيلية " ، والعلم منه ما هو مقطوع به وما هو مظنون به ، سواء أكانا فى الثبوت أو الدلالة ، و المظنون هو غالب الظن الراجح لدى المجتهد الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد، وليس ظن كل أحد من العوام ، أو طلاب العلم الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ، ويتبين من التعريف ان الفقه يتناول الأحكام الشرعية لا العقلية ولا اللغوية ولا العادية كالتى تعرف بالعادة والتجربة كمثلاً السم قاتل ، ومعنى المكتسبة أى المستفادة بطريق الإستدلال او النظر ، والمراد بالأدلة التفصيلية أى الأدلة التى تختص بمسألة معينة ، فقد نستفيد من الدليل الواحد عدة أحكام .
.
التعريف الثانى لأصول الفقه بإعتباره عِلم مخصوص من علوم الشريعة " هو العلم بالقواعد والأدلة العامة الكلية التى يُتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ".
ولما كان الحكم الفرعى بحاجة إلى دليل لإثباته ، إذ لا يثبت حكم إلا بدليل شرعى ، فإن القاعدة الكلية الشرعية أحوج إلى الدليل ، فلا يجوز إثبات القاعدة الأصولية بغير دليل أو بدليل ضعيف ، لأنها ينبى عليها مجموعة كبيرة من الأحكام الفرعية ، حتى تحصل الطمأنينة ، وقد وصل الأمر بالعزالى وبعض الأصوليين إلى أن الأدلة على القواعد الأولية لابد أن تكون قطعية الدليل ، وفى الحقيقة هذا أمر غير لازم ، لأنها مهما كانت أهمية القواعد لا تخرج عن كونها عملية يكفى فيها غلبة الظن ، لأن الأدلة الظنية أو كما يُطلق عليها أحاديث الأحاد يُعمل بها فى العقيدة ، فلأن يُعمل بها فى الفروع التشرعية أولى .
وباستقراء وتتبع صنيع العلماء يتبين أن أدلة القواعد الأصولية مختلفة ، أهمها الكتاب والسنة واللغة والعقل ، ولا مانع أن تجتمع هذه الأدلة كلها فى إثبات قاعدة واحدة .
فمثلا قاعدة " لا تكليف إلا بمقدور " دليلها من الكتاب " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "
وقاعدة " الأمر يقتضى الوجوب " دليلها من الكتاب " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " ، وقول الله " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " ومن السنة " قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ "
وقاعدة " الأمر يقتضى الفورية فى الإمتثال " دليلها اللغة العربية ، فإذا قال السيد لغلامه " اسقنى ماءا " وتأخرالغلام ، فإنه يُلام .
قاعدة " إذا اختلف مجتهدان فى حكم مسألة واحدة على قولين نقيضين ، فأحدهما باطل " دليلها العقل ، لأن العقل يحكم باستحالة صدق النقيضين ، والحق واحد ولا يتعدد .
.
أهم الفروق بين القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية، :
الفرق الأول: إن القواعد الأصولية كلية تنطبق على جميع جزئياتها، دون أى استثناء ، فمثلا قولنا " النهى يقتضى التحريم " ، فكل مهى لم تصرفه قرينة عن التحريم إلى غيره يفيد التحريم مطلقا ، بخلاف القواعد الفقهية؛ حيث إنها أغلبية لا مطردة ، أى يكون الحكم فيها لأغلب الجزئيات ، ويكون لها مستثنيات ، فمثلا مسألة الكافر إذا أسلم ، هل تُكتب حسناته حال كفره أم لا ؟ ، الجواب : عندنا قاعدة فقهية " الأمور بمقاصدها " والكافر إذا كانت له نية حال كفره فنيتُهُ باطلة ، لكن تُكتب حسناته بفضل من الله ونعمة ، ولحديث أبى سعيد الخدرى فى سنن النسائى " إ ذا أسلم العبد ، فحسن إسلامه ، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها ، و محيت عنه كل سيئة كان أزلفها ، ثم كان بعد ذلك القصاص ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ، و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها " وهذا قول الجمهور ، بل نقل بعضهم الإجماع .
الفرق الثاني: أن القواعد الأصولية أداة أو وسيلة يهتدى بها المجتهد لإستخراج الأحكام من أدلتها ، بخلاف القواعد الفقهية، فإن موضوعها هو فهل المكلَّف ، وهى عبارة عن جملة جامعة لجزئيات كثيرة كلها من باب واحد وموضوع واحد ،فهى بمنزلة النصوص الجوامع ، والغرض منها هو تسهيل المسائل الفقهية فقط.
الثالث: إن القواعد الأصولية قد وُجدت قبل الفروع، لأن مبناها الأدلة ، بخلاف القواعد الفقهية فإنها قد وجدت بعد وجود الفروع ، لأن مبناها الفروع العملية .
حسابى على الفيسبوك
https://www.facebook.com/moham.baqe.za
تعريف أصول الفقه
دَرَجَ العلماءُ على تعريفين له ، الأول بإعتباره مركبا إضافيا من كلمتين ، والتعريف الثانى بإعتباره لقباً وعلماً من علوم الشريعة .
.
التعريف الأول
تعريف كلمة " أصول ، وكلمة " فقه " كل على حده :
قال الشوكانى فى كتابه " إرشاد الفحول " :" فَالْأُصُولُ: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: يُقَالُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَالْمُسْتَصْحِبِ، وَالْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ وَالدَّلِيلِ وَالْأَوْفَقُ بِالْمَقَامِ الرَّابِعُ ". انتهى كلامه .
من خلال هذا التعريف يتبين لنا أن الأصل فى الإصطلاح يطلق على عدة معان ، منها :
المعنى الأول : الدليل ، مثل قولهم : الأصل فى إيجاب الصلاة الكتاب والسنة والإجماع .
المعنى الثانى : الراجح ، كقولهم الأصل فى الكلام الحقيقة ، أى الراجح عند السامع هو المعنى الحقيقى دون المجازى لعدم القرينة الدالة عليه ، مثل سماعنا لقول الله " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة " ، فأول ما يورد فى الذهن أن البقرة هنا هو الحيوان المعروف ، لا كما قال الروافض قبحهم الله أن المراد بالبقرة هنا عائشة رضى الله عنها .
المعنى الثالث : القاعدة الكلية المستمرة المطردة ، ومنه قولهم ، الأصل فى الأمر الوجوب ، والأصل فى الفاعل أنه مرفوع ، والأصل فى المفعول به أنه منصوب ، فلن يأتى أحد يقول يوما أن الفاعل منصوب .
المعنى الرابع : الإستصحاب أو المُستصحَب ، فيُقال أن الأصل فى الأشياء الإباحة ، والأصل فى الإنسانِ البراءةُ حتى تثبتَ إدانتُه ، يعنى الواجب علينا أن نثبُتَ للمُسلم البراءة من كل ما تُشغَل به ذمتُه حتى يثبت دليلٌ على أنه مُدان أو مشغول الذمة ، فلا يصح أن يقول شخص لغيره : عليك مائة جنيه لى دون ما يأتى ببينة و يثبت هذا الحق عند أخيه ، ولا يصح أن نقول له : احلف بالله أنك غير مُدان لى ، لأن المُدعِى لم يقم البينة على دعواه ، والأصل أن البينةُ على من ادعَى واليمينُ على من أنكر ، فالأصل أولا إقامة البينة ، فإن لم تقم البينة فالأصل براءة الآخر ، ويقال لمن كان متيقنا من الطهارة وشك فى الحدث ، فالأصل الطهارة ، أى تُستصحب الطهارة حتى يثبتَ حدوثُ نقيضِها ، وكذلك يقولون " الأصل فى الأشياء الإباحة " ، لأن الله امتن على عباده بأنه سخر لهم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه ، والله سبحانه لا يمتن على العباد إلا بما هو مباح لهم ، فلا يأتى شخص ويقول : ما الدليل على حل البرتقال ؟! ، فنقول انه ضمن الأشياء المباحة ، والأصل أن النبى من وظيفته أنه يُحل لنا الطيبات ويُحرم علينا الخبائث ، وطالما لم يأتى نصٌ بتحريمها ، ودائرة المُباح أوسعُ بكثير من دائرة الحرام ، ومن هنا يُعرِّف الأصوليون الإستصحاب بأنه " الحُكم على الشئ بالحال التى كان عليها من قبل حتى يقوم دليل على تغير تلك الحال" .
المعنى الخامس : المقيس عليه ، كقول الفقهاء " الخمر أصل النبيذ " بمعنى أن الخمر مقيس عليه النبيذ بجامع على الإسكار ، فالخمر أصلٌ يُقاس عليه ، والنبيذ فرع مَقِيس .
المعنى السادس : المخرج ، وهذا خاص بمسألة الميراث ، فيقول الفرضيون أهل الفرائض : أصل المسألة كذا ، فمثلاً: رجل تُوفى عن زوجة وبنت ، فالزوجة نصيبُها الثمن ، والبنتُ نصيبهُا النصف ، فيقولون أصل المسألة ثمانية .
والمقصود من كلمة الأصل عند الإطلاق فى الفقه أو أصول الفقه هو المعنى الاول ، ويراد به الدليل .
.
والفقه لغة يطلق ويراد به على المشهور : الفهم ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} ، " (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي)" ، (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول) ، لكن القاضى أبو يعلى وإمام الحرمين الجوينى قالا أن المراد بالفقه لغة هو: العلم، أي: إذا كان الشخص عالماَ بأشياء لا يعلمها غيره من الناس فهو الفقيه، وإن لم يفهم ما يعلمه .
وفى الإصطلاح عُرِف بتعريفات كثيرة ، أضبطها تعريف الإسنوى ، فقال هو " العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة بأدلتها التفصيلية " ، والعلم منه ما هو مقطوع به وما هو مظنون به ، سواء أكانا فى الثبوت أو الدلالة ، و المظنون هو غالب الظن الراجح لدى المجتهد الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد، وليس ظن كل أحد من العوام ، أو طلاب العلم الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ، ويتبين من التعريف ان الفقه يتناول الأحكام الشرعية لا العقلية ولا اللغوية ولا العادية كالتى تعرف بالعادة والتجربة كمثلاً السم قاتل ، ومعنى المكتسبة أى المستفادة بطريق الإستدلال او النظر ، والمراد بالأدلة التفصيلية أى الأدلة التى تختص بمسألة معينة ، فقد نستفيد من الدليل الواحد عدة أحكام .
.
التعريف الثانى لأصول الفقه بإعتباره عِلم مخصوص من علوم الشريعة " هو العلم بالقواعد والأدلة العامة الكلية التى يُتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ".
ولما كان الحكم الفرعى بحاجة إلى دليل لإثباته ، إذ لا يثبت حكم إلا بدليل شرعى ، فإن القاعدة الكلية الشرعية أحوج إلى الدليل ، فلا يجوز إثبات القاعدة الأصولية بغير دليل أو بدليل ضعيف ، لأنها ينبى عليها مجموعة كبيرة من الأحكام الفرعية ، حتى تحصل الطمأنينة ، وقد وصل الأمر بالعزالى وبعض الأصوليين إلى أن الأدلة على القواعد الأولية لابد أن تكون قطعية الدليل ، وفى الحقيقة هذا أمر غير لازم ، لأنها مهما كانت أهمية القواعد لا تخرج عن كونها عملية يكفى فيها غلبة الظن ، لأن الأدلة الظنية أو كما يُطلق عليها أحاديث الأحاد يُعمل بها فى العقيدة ، فلأن يُعمل بها فى الفروع التشرعية أولى .
وباستقراء وتتبع صنيع العلماء يتبين أن أدلة القواعد الأصولية مختلفة ، أهمها الكتاب والسنة واللغة والعقل ، ولا مانع أن تجتمع هذه الأدلة كلها فى إثبات قاعدة واحدة .
فمثلا قاعدة " لا تكليف إلا بمقدور " دليلها من الكتاب " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "
وقاعدة " الأمر يقتضى الوجوب " دليلها من الكتاب " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " ، وقول الله " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " ومن السنة " قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ "
وقاعدة " الأمر يقتضى الفورية فى الإمتثال " دليلها اللغة العربية ، فإذا قال السيد لغلامه " اسقنى ماءا " وتأخرالغلام ، فإنه يُلام .
قاعدة " إذا اختلف مجتهدان فى حكم مسألة واحدة على قولين نقيضين ، فأحدهما باطل " دليلها العقل ، لأن العقل يحكم باستحالة صدق النقيضين ، والحق واحد ولا يتعدد .
.
أهم الفروق بين القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية، :
الفرق الأول: إن القواعد الأصولية كلية تنطبق على جميع جزئياتها، دون أى استثناء ، فمثلا قولنا " النهى يقتضى التحريم " ، فكل مهى لم تصرفه قرينة عن التحريم إلى غيره يفيد التحريم مطلقا ، بخلاف القواعد الفقهية؛ حيث إنها أغلبية لا مطردة ، أى يكون الحكم فيها لأغلب الجزئيات ، ويكون لها مستثنيات ، فمثلا مسألة الكافر إذا أسلم ، هل تُكتب حسناته حال كفره أم لا ؟ ، الجواب : عندنا قاعدة فقهية " الأمور بمقاصدها " والكافر إذا كانت له نية حال كفره فنيتُهُ باطلة ، لكن تُكتب حسناته بفضل من الله ونعمة ، ولحديث أبى سعيد الخدرى فى سنن النسائى " إ ذا أسلم العبد ، فحسن إسلامه ، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها ، و محيت عنه كل سيئة كان أزلفها ، ثم كان بعد ذلك القصاص ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ، و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها " وهذا قول الجمهور ، بل نقل بعضهم الإجماع .
الفرق الثاني: أن القواعد الأصولية أداة أو وسيلة يهتدى بها المجتهد لإستخراج الأحكام من أدلتها ، بخلاف القواعد الفقهية، فإن موضوعها هو فهل المكلَّف ، وهى عبارة عن جملة جامعة لجزئيات كثيرة كلها من باب واحد وموضوع واحد ،فهى بمنزلة النصوص الجوامع ، والغرض منها هو تسهيل المسائل الفقهية فقط.
الثالث: إن القواعد الأصولية قد وُجدت قبل الفروع، لأن مبناها الأدلة ، بخلاف القواعد الفقهية فإنها قد وجدت بعد وجود الفروع ، لأن مبناها الفروع العملية .
حسابى على الفيسبوك
https://www.facebook.com/moham.baqe.za