العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كتاب (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
(تكوين الملكة الفقهية)
لقد قام أحد الإخوة الأكارم بافتتاح موضوع بعنوان:
هل نجحت الجامعات الإسلامية في تكوين الملكة الفقهية ؟
ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال اقترح قراءة كتاب (تكوين الملكة الفقهية) للدكتور محمد شبير أو عرضه في موضوعات متعددة مقسماً إلى فصول ومباحث لتسهل مناقشته بالتفصيل
واستجابة لهذه الدعوة، ونظراً لأهمية هذا الموضوع لطالب العلم أحببت أن أبادر بعرض الكتاب المقترح بترتيبه وبفصوله ومباحثه
سائلة المولى القدير أن يجزي كاتبه خير الجزاء
وأن ينفعنا جميعا بما علمنا
إنه سميع مجيب

-------------
رابط مباشر للكتاب على الشبكة الفقهية
https://feqhup.com/uploads/1375039761371.pdf

 

المرفقات

  • تكوبن الملكة ال&#1.rar
    144 KB · المشاهدات: 0
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

خامسًا: معرفة علوم اللغة العربية:
ينبغي لطالب العلم الشرعي معرفة علوم اللسان العربي من نحو وصرف وبيان وأدب; ليتمكن من فهم نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية حق الفهم. فالفقيه يحتاج إلى اللغة العربية ليتمكن من استنباط الأحكام الشرعية ومعرفة مقاصد الكتاب والسنة ومعانيهما، وما كان عامًا أريد به العموم أو عامًا أريد به الخصوص، وليــعــرف المشترك والنـــص والظــاهر والمترادف وغير ذلك.. يقول ابن تيمية: (إن تعلم اللغة العربية من الدين، وإنه فرض واجب لفهم مقاصد الكتاب والسنة ومراد الشارع من خطابه، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)(28).
وقـال الشـــاطبي: (إن الشــريعة عربيـــة، وإذا كــانت عربــيــة فـــلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم; لأنهما سيان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز. فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا فهو متوسط في فهم الشريعة. والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فيها حجة، كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمه لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولاً)(29).
وقال ابن خلــدون: (ومعرفتـــها ضــروريــة على أهــل الشريـــعة، إذ مآخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة، وهي بلغة العرب، ونقلتها من الصحابة والتــابعــين عــرب، وشرح مشكلاتها من لغاتهم، فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة)(30).

وقد اتفق الأصوليون على اشتراط معرفة اللغة العربية في المجتهد; لكنهم اختلفوا في القدر الذي يطلب منه على قولين:

القول الأول: ذهب كثير من الأصوليين، منهم الغزالي والزركشي، إلى أن القدر المطلوب من الفقيه هو القدر الذي يتمكن به من فهم الكتاب والسنة، فيعرف غالب المستعمل، ولا يشترط التبحر فيها، كعلم سيبويه والأصمعي والخليل بن أحمد والأخفش. قال الغزالي: (القدر الذي يفهم به كلام العرب وعادتهم في الاستعمال، إلى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه ومقيـــده، ونصــه وفحــواه، ولحنه ومفهومه.. والتخفيــف فيــه أنــه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وأن يعرف جميع اللغة، ويتعمق في التأويل القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة، ويستولي به على مواقع الخطاب، ودرك حقائق المقاصد منه)(31).
والقول الثاني: ذهب الشاطبي إلى أن القدر المطلوب من الفقيه هو التبحر في هذا العلم، حيث قال: (فلا بد أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة كالخليل وسيبويه والأخفش والجرمي والمازني ومن سواهم، وقد قال الجرمي: أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس من كتاب سيبويه. وفسروا ذلك بعد الاعتراف به بأنه كان صاحب حديث، وكتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفتيش. والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في النحو، فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يبين في كل باب ما يليق به، حتى إنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني)(32).

والحقيقة أن الفقيه الذي يريد أن يكون الفقه سجية عنده لا بد أن تكون اللغة العربية عنده ملكة، بحيث يفهم نصوص الشريعة من غير تكلف ولا توقف.


وينبغي لطالب الفقه أن يشرع بدراسة متن من متون النحو: كالألفية لابن مالك وشروحها، ثم ينتقل إلى كافية ابن الحاجب وشروحها، ومغني اللبيب وشروحه حتى تحصل له الملكة في النحو. وينبغي أن يطلع على مختصر من مختصرات المنطق ليفهم ما يورده مصنفو النحو. ثم ينتقل إلى دراسة الصرف، فيحفظ الشافية وشروحها ولامية الأفعال. ثم بعد ذلك ينتقل إلى دراسة كتب المعاني والبيان، فيحفظ متنًا من المتون وشرحه. ثم بعد ذلك يطلع على مؤلفات اللغة المشتملة على بيان المفردات كالقاموس واللسان(33).


فينبغي للجامعات التي تدرس الشريعة الإسلامية، والتي تخرج الفقهاء والمفتين والقضاة والمدرسين، أن لا تستهين بعلوم اللغة العربية، ولا يجوز الاقتصار فيها على مستوى ضعيف أو مجرد مشاركة أو إلمام، قال الشاطبي: (فالحاصل أنه لا غنى بالمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب، بحيث يصير فهم خطابها له وصفًا غير متكلف ولا متوقف فيه في الغالب إلا بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب)(34).

وقال الشوكاني: (وأن يثبت له من كل فن، النحو والصرف والمعاني والبيان، من هذه ملكة يستحضر بها كل ما يحتاج إليه عند وروده عليه، فإنه عند ذلك ينظر في الدليل نظرًا صحيحًا، ويستخرج منه الأحكام استخراجًا قويًا.. ومن جعل المقدار المحتاج إليه من هذه الفنون هو معرفة مختصراتها أو كتاب متوسط من المؤلفات الموضوعة فيها، فقد أبعد. بل الاستكثار من الممارسة لها، والتوسع في الاطلاع على مطولاتها، مما يزيد المجتهد قوة في البحث وبصرًا في الاستخراج وبصيـــرة في حصول مطلـــوبه.. والحاصل أنــه لا بد أن تثبت له الملكة القوية في هذه العلوم، وإنما تثبت هذه الملكة بطول الممارسة وكثرة الملازمة لشيوخ هذا الفن)(35).

يتبين مما سبق أن الفقيه يحتاج إلى دراسة المواد التالية: النحو، والصرف، والبلاغة.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

سادسًا: معرفة مقاصد الشريعة الإسلامية:
اشترط الشاطبي في الفقيه المجتهد معرفة مقاصد الشريعة الإسلامية، والإلمام بها، وأن يكون ذلك ملكة عنده، حيث قال: (إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها)(36).. والمقاصد هي: (المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية والمتــرتبــة عليها، سواء أكانــت تلك المعاني حِكَمًا جزئيــة أم مصالح كلية أم سمات إجمالية، وهي تتجمع ضمن هدف واحد هو تقرير عبودية الله أو مصلحة الإنسان في الدارين)(37).

وينقل السيوطي عن الغزالي: (مقاصد الشــرع قبلة المجتــهدين، من توجه إلى جهة منها أصاب الحــق، ولهذا كان مذهب أبي بكر رضي الله عنـــه التســوية بين المسلــمين في العــطـــاء من غيــر زيــــادة ولا نقصان ولا تفضيل بزيادة علم ولا سابقة في الإسلام، وراجعه عمر رضي الله عنه في ذلك فقال: إنما الدنيا بلاغ وإنما فضلهم في أجورهم، فلما رجعت الخلافة إلى عمر كان يقسم على التفاوت)(38).


ومما لا شك فيه أن المقاصد تعين الفقيه على فهم نصوص الشريعة الإسلامية، وكيفية استنباط الأحكام منها، كما تعينه على الترجيح بين الأدلة المتعارضة والجمع بينها، كما تمكنه من تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع، بما فيه من ظروف زمانية ومكانية، وهو الذي يسمى (تحقيق المناط).. كما أن المقاصد تجعل من تفكير الفقيه كليًا شموليًا بحيث يستحضر مجموعة أهداف الشريعة، ويستوعب جوانب المطلب الفقهي بحيث لا يمنعه التعمق في جزئيات الفقه عن رؤية كلياته.


وليعلم الفقيه أن هذه الشريعة مبنية على جلب المصالح ودفع المفاسد، ومن تتبع الوقائع الكائنة من الأنبياء والقصص المحكية في كتب الله المنزلة، علم ذلك علمًا لا يشوبه شك ولا تخالطه شبهة.. ومما يزيد فهم مقاصد الشريعة، دراسة كتاب الموافقات للشاطبي، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

سابعًا: معرفة فروع الفقه:
اختلف الأصوليون في اشتراط معرفة فروع الفقه للمجتهد. فذهب غالبية الأصوليين إلى عدم اشتراطه; لئلا يؤدي إلى الدور; إذ كيف نشترط في المجتهد العلم بفروع الفقه وهو الذي يولدها ويستنبطها(39) ؟! وذهب أبو إسحق الاسفراييني وأبو منصور الماتريدي إلى اشتراط العلم بفروع الفقه(40). ونسبه الشوكاني إلى الغزالي، حيث قال: (واختاره الغزالي، وقال: إنما يحصل الاجتهاد في زماننا بممارسته، فهو طريق لتحصيل الدربة في هذا الزمان)(41).

والحقيـــقة أن ما نسبـــه الشوكـاني إلى الغـــــزالي غيـــر صحــــيح; لأن نقله عن المستصفى كان مجتزأ، فقد نقل آخر قول الغزالي، ففهم كأن الغزالي يشترط ذلك. والصحيح أنه لم يشترط ذلك. وهذا نص الغزالي في المستصفى: (فأما الكلام -علم الكلام- وتفاريع الفقه فلا حاجة إليهما، وكيف يحتاج إلى تفاريع الفقه وهذه التفاريع يولدها المجتهدون، ويحكمون فيها بعد حيازة منصب الاجتهاد ؟ فكيف تكون شرطًا في منصب الاجتهاد وتقدم الاجتهاد عليها شرط ؟ نعم، إنما يحصل منصب الاجتهاد في زماننا بممارسته، فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان، ولم يكن الطريق في زمان الصحابة ذلك. ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضًا)(42).


فإذا كان علم الفقه ليس شرطًا من شروط الاجتهاد المطلق، فإنه شرط لبقية أنواع الاجتهاد وتكوين الملكة الفقهية لدى الفقيه، ليكمل ما قد حازه من شرف العلم، ويتم له ما قد ظفر به من بلوغ الغاية، فإن الفقيه يزداد بذلك علمًا إلى علمه، وبصيرة إلى بصيرته، وقوة في الاستدلال إلى قوته.


قال ابن حمـــدان: (وأما المجتـــهد في مــذهب إمــامه، فنــظــره في بعض نصوص إمامه وتقريرها والتصـــرف فيها كاجــتهاد إمــامه في الكتاب والســــنة... ثم اعـــــلم أن لـــه أربــع حالات، الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتوى ودعا إلى مذهبه وقرأ كثيرًا منه على أهله، فوجده صوابًا وأولى من غيره وأشد موافقة فيه وفي طريقه... والثـــانية: أن يكون مجتهدًا في مذهب إمامه مستقلاً بتقريره بالدلـــيل، لكن لا يتعدى أصوله وقواعده مع إتقانه للفقه وأصوله وأدلة مسائل الفقه، عارفًا بالقياس ونحوه، تام الرياضة، قادرًا على التخريج والاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول التي لإمامه... والحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق غير أنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريره ونصرته، يصور ويحرر ويمهد ويرجح.. والحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه...)(43).


ولا يقتصر طالب الفقه في دراسته على أبواب الفقه الموجودة في الكتب الفقهية القديمة من عبادات ومعاملات وأحوال شخصية، وحدود وقصاص وأقضية وغير ذلك، وإنما يتعدى ذلك إلى دراسة أحكام القضايا المعاصرة التي تتعلق بجميع شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والطبية، فيدرس المعاملات المعاصرة التي تتعلق بالمصارف الإسلامية وشركات التأمين، والقضايا الطبية المتعلقة بالتلقيح الاصطناعي والاستنساخ وغير ذلك. وقد تولى مجمع الفقه الإسلامي دراسة هذه القضايا وغيرها، وأصدر فيها قرارات وفتاوى شرعية، يمكن الرجوع إليها في مجلة مجمع الفقه الإسلامي. هذا بالإضافة إلى صدور كثير من الكتب التي تتناول هذه القضايا.


مما سبق يتبين أن طالب الفقه يحتاج إلى المواد التالية: العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، والحدود والجنايات، والجهاد، والقضاء، وطرق الإثبات، والحلال والحرام، والمعاملات المالية المعاصرة، والقضايا الطبية المعاصرة، والسياسة الشرعية، وغيرذلك.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

ثامنًا: معرفة القواعد الفقهية:
القاعدة الفقهيــة هي: (قضــية شرعية عملية كلية، يتعرف منها أحكام جزئياتها)(44).. ودليل شرعيتها أن معظم القواعد الفقهية مستنبطة من نصوص الشريعة الإ سلامية في الكتاب والسنة، كقاعدة: (المشقة تجلب التيــسير) مستنبطة من قــوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )(البقرة:185). وقــاعــدة: (الأمـور بمقـاصدها) مستنبـــطة مــن حــديث: (إنمــا الأعــمال بالنيات)(45).

والقواعد الفقهية ضرورية لتكوين الملكة الفقهية لدى الفقيه:

1- فهي تساعد الفقيه على فهم مناهج الاجتهاد، وتطلعه على حقائق الفقه ومآخذه، وتمكنه من تخريج الفروع على الأصول بطريقة سليمة، وتعينه على استنباط الأحكام للقضايا المستجدة. قال السيوطي: (إن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على مر الزمان)(46).
2- وهي تساعد على إدراك مقاصد الشريعة كما ذكر ابن عاشور أن القواعد الفقهية مشتقة من الفروع والجزئيات المتعددة بمعرفة الربط بينها، ومعرفة المقاصد التي دعت إليها(47).
3- وهي تسهل حفظ وضبط المسائل الفقهية; لأن القاعدة صيغت بعبارة سهلة جامعة تبين محتواها، كما قال القرافي: (ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات)(48).

وقد ترك لنا الفقهاء مجموعة من كتب القواعد الفقهية التي تعين الفقيه على أداء مهمته، منها الأشباه والنظائر لابن نجيم، والأشباه والنظائر للسيوطي، والمنثور في القواعد للزركشي، والمجموع المذهب في قواعد المذهب للعلائي، والفروق للقرافي، وغيرها.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

تاسعًا: فهم الواقع المعاصر:
لا بـــد للفقيه أن يكون مـــلمًا بواقـــعـــه المعــاصر بمــا فيه من علوم عصرية، وتغيرات اجتماعية وسياسية وغيرها، وضرورات يقتضيها العصر.

1- إلمام الفقيه بعلوم العصر:
ظهرت في هذا العصر علوم ومعارف ومعلومات جديدة تتعلق بالطب والتشريح والفلك والطبيعة والكيمياء وغير ذلك مما لم تكن معروفة من قبل، فعلى الفقيه الإلمام بها والاطلاع عليها، ولا يجوز له بحال من الأحوال تجاهلها والاجتهاد بمعزل عنها.. ولفقهاء العصر في ابن رشد الحفيد قدوة، فقد انتفع بعلوم عصره الطبية والطبيعية والفلكية في الترجيح والاختيار للأقوال والمذاهب، وبناء الفقه على النظر العلمي الصحيح، ومن ذلك تعقيبه على مسألة استمرار العادة الشهرية مع الحمل عند النساء، ومسألة العمل بالحساب الفلكي(49).

فهذه العلوم تمنح الفقيه القدرة على أن يحكم على بعض الأقوال الفقهية الموروثة بالضعف أو الصحة والرجحان، ومن الأمثلة على ذلك: أن الفقهاء اختلفوا في أقصى مدة الحمل فقال الزهري: تحمل المرأة ست سنين وسبع سنين. وقال عبادة بن العوام: خمس سنين، وقال الليث: ثلاث سنين. وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمشهور في مذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أنه سنتان(50). وذهب ابن حزم إلى أنه لا يجوز أن يكون حمل أكثر من تسعة أشهر(51). وقد أثبت الطب الحديث القائم على الملاحظة والتجربة قول ابن حزم، وأنه لا يمكن أن يتأخر الحمل أكثر من شهر زيادة على التسعة أشهر، أما أن يمكث سنة أو سنتين أو ثلاث أو خمس أو سبع فلا يصح علميًا، ولأن أقوال الفقهاء لا تستند إلى دليل صريح من الكتاب أو السنة، وإنما هي مبينة على الأخبار المنقولة عن الناس في حمل النساء، وربما كان حملاً كاذبًا في بداية المدة(52).

ويقترح الشيخ أبو الحسن الندوي لتحقيق الإلمام بعلوم العصر أن يكون مجمع علمي إسلامي يؤلف في هذه العلوم كتبًا تجمع بين حدة الاطلاع وغزارة المادة ومتانة البحث، وبين إثبات العقيدة والتوفيق بين العلم والدين(53).
وأرى أن هذا الاقتراح صعب التنفيذ في ظل التقدم المستمر والتطور الدائم لتلك العلوم، فهي تتسابق مع الزمن، وكل يوم يأتي العلم بنظريات جديدة، ولكن يمكن أن يوجه الفقيه إلى دراسة اللغة الإنجليزية، وكيفية استعمال الحاسوب و(الإنترنت)، فإذا احتاج إلى دراسة قضية من القضايا المعاصرة: كالاستنساخ أو بطاقات الائتمان رجع إلى (الإنترنت) واستخرج منه آخر ما توصل إليه العلم; ليستعين به في تصوير المسألة التي يريد بحثها.
لكن قد يقال: إن هذه الطريقة لا توجد فقهاء قادرين على مجاراة المتخصصين في العلوم المعاصرة في فهم كثير من الأمور العلمية الدقيقة والمصطلحات المتعلقة بكل علم من العلوم، وبالتالي تصدر عن هؤلاء الفقهاء آراء فقهية غير ناضجة; لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
أقول: إن هذا التخوف في محله إذا لم يكن الفقيه مؤسسًا من الناحية العلمية المتعلقة بتلك العلوم، ولم يكن مستوعبًا للمفاهيم العلمية المعاصرة، وهذه هي الصفة الغالبة لكثير من الفقهاء في هذا العصر، ولذلك أرى أنه لا بد من اجتماع الفقهاء مع المتخصصين في العلوم المعاصرة عند بحث القضايا الفقهية المعينة، فإذا كانت القضية المراد بحثها تتعلق بالاقتصاد، كبطاقات الائتمان أو الإجارة المنتهية بالتمليك أو المشاركة المنتهية بالتمليك، فلا بد من اجتماع الفقهاء مع الاقتصاديــين، فيبدأ الاقتصاديون بشــرح القضية بكــل ما يحيط بها من ظروف، ويترك المجال للفقهاء للاستفسار والمناقشة ليتحقق التصور الكامل عن القضية، ثم يحاول الفقهاء استنباط الحكم الشرعي لتلك القضية، وفق أصول الاستنباط المقررة في أصول الفقه.
وإذا كانت القضية المراد بحثها تتعلق بالطب، كالإجهاض أو التلقيح الاصطناعي، اجتمع الفقهاء مع الأطباء، وتولى الأطباء شرح القضية بكل ما يحيط بها من ظروف، ويترك المجال للفقهاء للاستفسار ليتمكنوا من استنباط الحكم الشرعي لتلك القضية، هذا ما يجري في مؤسسات الاجتهاد الجماعي، كمجمع الفقه الإسلامي، والمؤتمرات والندوات العلمية. وتعتبر هذه الوسيلة من أجدى الوسائل لتحقيق الاجتهاد المعاصر.

2- الاطلاع على التغيرات الاجتماعية والسياسية وغيرها:
ظهرت في هذا العصر تغيرات كثيرة وخطيرة في مجال الاجتماع والسياسة والاقتصاد وغير ذلك. فعلى الفقيه مراعاة تلك التغيرات عند استنباط الأحكام الشرعية أو النظر في أقوال الفقهاء السابقــين، لأن الفقيه الذي يعيــش عصــره لا بــد له من الإلمام بكل ما يقــدم في المجتــمع من ضلالات ومـؤامـرات تحاك ضد المسلمين، فلا بد للفقيه من الاطلاع على الديمقراطية والعولمة والنظام العالمي الجديد. ولفقهاء هذا العصر قدوة في شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد كان ملمًا بكل ما في عصره من تغيرات وضلالات. وقد مر هو وتلاميذه مرة على مجموعة من جنود التتار، وهم يشربون الخمر، فأراد بعض التلاميذ أن ينهــاهم عن شــرب الخمر، فقــال له: دعهم يشــربـون فإن في شربهم دفع الأذى عن المسلمين. وقد كتب عن الفرق الضالة في عصره.
فهذه التغيرات تساعد الفقيه المعاصر على اختيار بعض الأقوال الفقهية القديمة التي تلائم هذا العصر، والإعراض عن بعض الأقوال التي لم تعد تلائم الأوضاع الجديدة بحال(54).
ومن الأمثلة على ذلك:
أ- في المجال الاجتماعي، أفتى الفقهاء المتأخرون أن المرأة الشابة تمنع من الذهاب إلى المسجد للصلاة فيه، فتصلي في بيتها، وعلى أبيها أو زوجها أن يعلمها أمور دينها.
فهذا إن قيل به في العصور الماضية يوم أن كانت المرأة حبيسة بيتها، فلا يجوز أن يقال به اليوم بعد أن خرجت المرأة إلى المدرسة والجامعة والسوق والعمل، وأصبح المكان الوحيد المحرم عليها هو المسجد. فالمسجد ليس دارًا للعبادة فحسب، بل هو جامع للعبادة وجامع للعلم ومنتدى للتعارف ومركز للنشاط، يلتقي فيه أبناء البلد أو الحي فيتفقهون ويتأدبون ويتعارفون ويتآلفون.
وإذا كان الفقهاء السابقون قد وكلوا الأب والزوج في تعليم المرأة، وتفقيهها في دينها، فالواقع يقول: إن الآباء والأزواج لم يقوموا بمهماتهم; إما لانشغالهم أو لعدم قدرتهم على ذلك، فلا بد أن يسمح للمرأة أن تذهب إلى المسجد(55). والحديث الصحيح يؤيد ذلك، قال صلى الله عليه و سلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )(56).
ب- وفي مجال التغيرات السياسية، طرأ على النظام السياسي تنظيم حق الشعوب في اختيار حكامها ومحاسبتهم وتقييد سلطتهم وعزلهم إذا خانوا دستور البلاد. وهذا يجعل الفقيه يرجح القول الذي يدعم هذا المبدأ. ففي اختلاف الفقهاء في كون الشورى ملزمة أو معلمة يمكن ترجيح كونها ملزمة، فلا يجوز للحاكم المسلم أن يستشير أهل الحل والعقد ويضرب بآرائهم عرض الحائط وينفذ ما يراه(57).
جـ- وفي مجال التغيرات الدولية، فإن العالم قد تقارب حتى غدا كأنه مدينة واحدة أو قرية كبيرة، وقد ربطت جملة من المواثيق والمعاهدات الدولية السياسية والثقافية والاقتصادية بين دول العالم بعضــها ببــعض، وأصبح الجميع أعضاء في هيــئــة الأمم المتـــحدة، وما يتفرع عنها من مؤسسات.
وهذا يجعل الفقيه المعاصر يرجح القول الذي يدعم هذا المبدأ، ومن ذلك اختلاف الفقهاء في علاقة المسلمين بغيرهم; هل هي السلم أو الحرب ? فيرجح الفقيه أن الأصل في العلاقة السلم(58).
د- وفي مجال التغيرات الاقتصادية، شد أزر الفئات المسحوقة و الضعيفة في المجتمع. وهذا يجعل الفقيه المعاصر يرجح القول الفقهي الذي يدعم ذلك المبدأ، ومن ذلك اختلاف الفقهاء في مقدار ما يدفع للفقير من الزكاة. فقيل: يعطى أقل النصاب، وقيل: يعطى ما يكفيه لمدة سنة، وقيل: ما يغنيه طول العمر.. فيرجح الفقيه قول الشافعي ويعطي الفقير ما يغنيه طول العمر(59) لكن بشرط أن تتسع حصيلة الزكاة لذلك. كما أن الفقهاء اختلفوا في مجال الاحتكار. هل هو بالأقوات أو في كل ما يضر الناس ? فيرجح الفقيه قول أبي يوسف: إن مجال الاحتكار كل ما يضر الناس حبسه فهو احتكار(60).

3- مراعاة ضرورات العصر وحاجاته:
على الفقيه الذي يجتهد لعموم الناس أن يراعي ضروراتهم وحاجاتهم، فييسر عليهم، ويخفف عنهم في الأحكام العملية، عملاً بقوله تعالى: {يريـــــــد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (البقرة:185)، وقوله صلى الله عليه و سلم لأبي موسى الأشعري ومعـاذ ابن جبل حينما بعثهما إلى اليمن: (يسرا ولا تعسرا )(61).
فهذه الضرورات هي التي جعلت الفقهاء المتأخرين يجيزون أخذ الأجرة على تعليم القرآن والأذان والإقامة، وهي التي جعلت العلماء المعاصرين يجيزون بيع المصحف لحاجة الناس إلى ذلك. وهي التي جعلت العلماء يجيزون للمرأة الحائض طواف الإفاضة بعد تحفظها واحتياطها من نزول شيء من الدم. كما جعلتهم يجيزون رمي الجمرات في اليوم الأخير قبل الزوال نظرًا لضرورات الزحام الهائل(62).

مما سبق يتبين أن طالب الفقه يحتاج إلى دراسة: اللغة الإنجليزية، والحاسوب، وعلم الأحياء، وعلم الإنسان، والمدخل إلى العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وغير ذلك.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

المبحث الرابع:
الطريقة المثلى في تدريس الفقه


اتبع المسلمون في تدريس العلوم الشرعية في العصور الماضية طريقة أصيلة، تقوم على أساس تحفيظ الطالب منذ الصغر متونًا في علوم الشريعة: من عقيدة وأصول فقه ومصطلح حديث وفقه ونحو وصرف وغير ذلك، مما يشتمل على مبادئ العلوم وأساسياتها، بالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم وبعض الأحاديث السهلة. ثم تدرجوا بالطالب في تعليم العلوم الشرعية إلى أن تتحقق له الملكات العلمية المطلوبة. وهذه هي الطريقة المثلى في تكوين الملكات العلمية للطالب وتقوية الذاكرة عنده.

والطريقة التي كان يتبعها المدرسون للفقه في جميع المذاهب الفقهية:
أن يبدأ المدرس مع الطالب بتحفيظه مختصرًا في فقه المذهب: مثل العمدة في المذهب الحنبلي لابن قدامة، أو المنهاج في الفقه الشافعي للنووي أو مختصر خليل، أو بداية المبتدي للقدوري.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى كتاب أوسع يحكي اختلاف الفقهاء في المذهب مثل: المقنع لابن قدامة، أو المهذب للشيرازي.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى دراسة الكتب التي تبين أدلة الآراء المختلفة في المذهب: كالكافي لابن قدامة.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى دراسة الكتب التي تحكي مذاهب السلف والمدارس الفقهية المشهورة، وتذكر أدلتهم
وما دار بينهم من منـاظرات ومحــاورات: كالمغني لابن قدامة، ومؤلفات ابن المنذر، وابن حزم، وابن تيمية، وغير ذلك من مؤلفات أهل الإنصـــاف الذين لا يتعصــبون لمـذهب من المذاهــب ولا يقصدون إلا تقرير الحق وتبني الصواب. فإن المجتهد الطالب للحق ينتفع بها، ويستعين بأهلها، فينظر فيما قد حرروه من الأدلة وقدروه من المباحث، ويعمل فكره في ذلك، فيأخذ ما يرتضيه ويزيد عليه ما بلغت إليه قدرته ووصلت إليه ملكته(1). ولهذا قيل: (من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه)(2). كما قيل في حفظ المتون: (من حفظ المتون حاز الفنون).


ولكن هذه الطريقة انتقدت من العلماء من عدة وجوه:

الوجه الأول:انتقد الشوكاني التمذهب بمذهب واحد، ودعا المتفقهين إلى التفقه بعيدًا عن هذه المذاهب الأربعة(3).
والذي يدقق النظر في كلام الشوكاني يجد أن انتقاده هذا كان رد فعل وقتي على التعصب المذهبي الذي استفحل في عصره في القرن الثالث عشر الهجري في اليمن، فأراد أن يكسر حدة هذا الداء بهذه الدعوة.
والحقيقة أنه لا مانع من دراسة الفقه على مذهب معين في بداية التحصيل العلمي، بحيث يكون الطالب بعيدًا عن التعصب المذهبي; وذلك لضرورة التأصيل والتأسيس في الفقه.

الوجه الثاني: انتقد ابن خلدون اشتغال طلبة العلم بالمختصرات الفقهية، ورأى أن الملكة الناشئة عن تلك المختصرات تكون قاصرة عن الملكات التي تحصــل من الموضــوعات البسيــطة المطولة، بكثــرة ما يقع في المطولات من التكرار والأصالة المفيدين لحصول الملكة التامة، وأما المختصرات فهي تشتمل على العيوب التالية(4):
1- الإخلال بالفصاحة والبلاغة نتيجة إغراق المؤلفين في الاختصار.
2- صعوبة فهم تلك المختصرات، فعباراتها أشبه ما تكون بالألغاز.
3- ضياع وقت المدرس والطالب في حل المقفل وبيان المجمل.
4- عدم مراعـاة عقــل الطالب، فهي تشتـــمل على غــايات العــلم، مما يصعب على الطالب المبتدئ فهمها، لأنه لم يعرف مبادئ العلم وأولياته.
5- لما كثر الإغلاق في اللفظ لجأ العلماء إلى الشروح والحواشي، ففات المقصود الذي لأجله اختصرت المختصرات، وهو تسهيل الحفظ على الطلبة.
والذي يدقق النظر في انتقاد ابن خلدون يجد أنه منصب على بعض المختصرات المشتملة على التعقيدات اللفظية في عصره: كمختصر ابن عرفة، ومختصر ابن الحاجب وغيرهما مما يصعب على الطالب المبتدئ فهمها واستيعابها. أما المختصرات الواضحة الميسرة التي تؤسس الطالب في الفقه، وتبين له مقاصد العلم ورؤوس مسائله فلا يشملها الانتقاد.

ومما يؤيد ذلك أن ابن خلدون نفسه ذكر التدرج في التعليم حيث قال:

(اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدًا إذا كان على التدريج، شيئًا فشيئًا، وقليلاً فقليلاً، يلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب، ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال، ويراعى في ذلك عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه، حتى ينتهي إلى آخر الفن، وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم إلا أنها جزئية وضعيفة، وغايتها أنها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله، ثم يرجع به إلى الفن ثانية، فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها، ويستوفي الشرح والبيان، ويخرج عن الإجمال، ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه، إلى أن ينتهي إلى آخر الفن، فتجود ملكته. ثم يرجع به وقد شذا، فلا يترك عويصًا ولا مهمًا ولا مغلقًا إلا وضحه، وفتح له مقفله، فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته. هذا وجه التعليم المفيد، وهو كما رأيت إنما يحصل في ثلاث من تكرارات، وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه.. وقد شاهدنا كثيرًا من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته، ويحضرون المتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم، ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها، ويحسبون ذلك مرانًا على التعليم وصـوابًا فيــــه، ويكلفــونه رعـــي ذلك وتحصيله، ويخلـــطون عليـــه ما يلقون له من غايات الفنون في مباديها، وقبل أن يستعد لفهمها; فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيًا، ويكون المتعلم أول الأمر عاجزًا عن الفهم بالجملة إلا في الأقل، وعلى سبيل التقريب والإجمال وبالأمثال الحسية، ثم لا يزال الاستعداد فيه يتدرج قليلاً قليلاً بمخالفة مسائل ذلك الفن وتكرارها عليه، والانتقال فيها من التقريب إلى الاستيعاب الذي فوقه حتى تتم الملكة في الاستعداد ثم في التحصيل، ويحيط هو بمسائل الفن. وإذا ألقيت عليه الغايات في البدايات، وهو حينئذ عاجز عن الفهم والوعي وبعيد عن الاستعداد له، كلَّ ذهنه عنها، وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه، فتكاسل عنه وانحرف في قبوله، وتمادى في هجرانه، وإنما أتى ذلك من سوء التعليم)(5).

بعد هذا البيان الواضح من ابن خلدون، لا يجوز أن نقول: إنه ينتقد طريقة المختصرات أو المتون في التدريس، وإنما ينتقد طريقة التأليف وعدم قدرة المؤلفين على تضمينها مبادئ العلوم ومقاصدها الأساسية التي يتطلبها عقل المبتدئ.

الوجه الثالث:
انتقد بعض المعاصرين دراسة الاختلافات الفقهية، واعتبرها من الأمور التي تطمس معالم الدين الحق، وتخفي الشرائع المنزلة أو تكاد تخفيها، حتى لم يبق من الدين إلا بعض الرسوم البالية، والصور المزيفة النابية. وذكر بعض الأمثلة الفقهية من اختلافات الفقهاء(6).
والحقيقة أن اختلاف الفقهاء سعة في الشريعة، ومرونة في الفقه، وثروة فكرية وتشريعية لا يعرف قيمتها إلا من عايشهـــا، وهو ليس اختلافًا بين حق وباطل، إنما هو وجهات نظر مختلفة ناشئة عن اجتهــاد في النصـــوص الظنيـــة، يؤجـــر صاحبه عليه، ســـواء أصاب أم أخطأ. وهو يختلف عن الاختلاف في العقيدة من حيث الجدل والمناظرة، فأجمع العلماء على جواز الجدال في الفقه والتناظر فيه; لأنه يحتاج إلى رد الفروع إلى الأصول(7)، وتصحيح الأدلة ووجهات النظر، أما الجدال في العقيدة فلا يجوز; لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين(8).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

الفــــــــــصل الثالث
رعاية الملكة الفقهية
الملكة الفقهية الناشئة في النفس الإنسانية تحتاج إلى رعاية بالتنمية والوقاية وإبعاد الآفات والمعوقات عنها. وسيشتمل هذا الفصل على مبحثين هما:
1- تنمية الملكة الفقهية.
2- آفات الملكة الفقهية ومعوقاتها.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

المبحث الأول: تنمية الملكة الفقهية
إن تنمية الملكة الفقهية وحصولها على أتم وجه في النفس، يحتاج من الطالب والمدرس إلى تدريب عملي وممارسة دائمة للفقه.. فلا يكتفى في تحصيل الملكة الفقهية الراسخة على دراسة الفقه وأصوله دراسة نظرية، بل لا بد من الممارسة العملية في عدة مجالات: كالترجيح بين الآراء، والتخريج على مذاهب الفقهاء، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والاشتراك في المحاورات والمناظرات، والرحلة في طلب العلم. وفيما يلي بيان لهذه المجالات.


أولاً: الترجيح بين الآراء الفقهية (الفقه المقارن):
إن دراسة المسائل المقارنة، وتكليف الطلاب ببحوث في مسائل فقهية من مسائل الخلاف، وذلك بالبحث عن آراء الفقهاء والوقوف على أسباب اختلافهم، وبيان الأدلة ووجه الاستدلال ومــآخذ الأئمة، ومناقشة الأدلة بقصد الوصول إلى الرأي الراجح، يقوي الملـــكة وينمـــيها عند الفــقيه. قال ابن خــلدون في بيـــان أهمية علم الاختلاف: (وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال فيما يرمون الاستدلال عليه)(1).
وقال النووي: (اعلم أن معرفة مذاهب السلف بأدلتها من أهم ما يحتاج إليه; لأن اختلافهم في الفروع رحمة، وبذكر مذاهبهم بأدلتها يعرف المتمكن المذاهب على وجهها، والراجح من المرجوح، ويتضح له ولغيره المشكلات، وتظهر الفوائد النفيسات، ويتدرب الناظر فيها بالسؤال والجواب، ويتفتح ذهنه، ويتميز عند ذوي البصائر والألباب، ويعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، والدلائل الراجحة من المرجوحة، ويقوم بالجمع بين الأحاديث المتعارضات والمعمول بظاهـــرها مـــن المـــؤولات، ولا يشكــل عليــه إلا أفراد من النادر)(2).
مما سبق يتبين أن طالب الفقه يحتاج إلى دراسة مادة الفقه المقارن.

ثانيًا: التخريج على مذاهب العلماء:

التخريج في اصطلاح الفقهاء والأصوليين يطلق على معنيين:
الأول: تخريج الفروع على الأصول والقواعد العامة المنسوبة للإمام وهو: (العلم الذي يبحث عن علل ومآخذ الأحكام الشرعية لرد الفروع إليها، بيانًا لأسباب الاختلاف، أو لبيان حكم لم يرد بشأنه نص عن الأئمة بإدخاله ضمن قواعدهم وأصولهم)(3).
الثاني: تخريج الفروع من فروع أئمة المذاهب، وهو: (نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه)(4).

فالفقيه عندما يقوم بالتخريج على مذاهب الأئمة يتدرب على اكتشاف علل الأحكام ومآخـذها، وإلحــاق الفـرع بالأصــل. و هـذا مما يعمل على تنمية الملكة الفقهية عنده. يقول الأسنوي: (وقد مهدت بكتابي هذا -التمهيد في تخريج الفروع- طريق التخريج لكل ذي مذهب، وفتحت به باب التفريع لكل ذي مطلب، فلتستحضر أرباب المذاهب قواعدها الأصولية، وتفاريعها، ثم تسلك ما سلكته، فيحصل به إن شاء الله تعالى لجميعهم التمرن على تحرير الأدلة وتهذيبها)(5).


ومن الكتب في تخريج الفروع على الأصول:
1- تأسيس النظر، لعبيد الله بن عمر الدبوسي (ت 430هـ).
2- تخريج الفروع على الأصول، لشهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني (656هـ).
3- مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، لأبي عبد الله محمد بن أحمد التلمساني (771هـ).
4- التمهيد في تخريــج الفروع على الأصـــول، لجمـــال الديـــن عبــد الرحيم بن الحسن الأسنوي (772هـ).
5- القواعد والفوائد الأصولية وما يتعـــلق بها من الأحكام الفرعيـــة، لأبي الحسن عـلي بن عبـــاس البــعلي المــعـــروف بابـن اللحام (803هـ).
مما سبق يتبين أن طالب الفقه يحتاج إلى دراسة مادة تخريج الفروع على الأصول.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

ثالثًا: الموازنة بين المصالح والمفاسد:
الموازنة بين المصالح والمفاسد تتنوع إلى ثلاثة أنواع وهي:
1- الموازنة بين المصالح المتعارضـــة، ومثالها قوله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين )(النحل:126). فالمعاقبة بالمثل مصلحة حسنة، والصبر مصلحة أحسن، فيقدم الأحسن على الحسن.
والفقيه يقوم بالموازنة بين المصالح المتعارضة وفق ميزان دقيق وهو:
أ- إذا اختلـــفت رتــب المصالح وجب تقـــديم الضرورية على الحاجية وعلى التحسيـــنية، ولزم تقديم الحاجية على التحسيــنية، كما تقدم المصالح الأصلية على مكملاتها.
ب- إذا كانت المصالح في رتبة واحدة.. كالضروريات; يقدم حفظ الدين على حفظ النفس وما بعدها، وحفـــظ النفس يقدم على حفظ العقل وما بعده، وحفظ العقل يقدم على حفظ النسل وما بعده، وحفظ النسل يقدم على حفظ المال. ومصالح الإنسان أولى من مصالح الأموال.
جـ- إذا كانت المصالح في رتبة واحدة وتعلقت بكلي واحد كحفظ الدين، وجب تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، والكلية على الجزئية(6).

2- الموازنة بين المفاسد المتعارضة، ومثالها قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل )(البــــقــرة:217). فالقتال في الشهر الحرام مفسدة، والفتنة عن الإسلام مفسدة أعظم، فيرتكب أخف الضررين إذا لم يكن بد من فعل أحدهما.
والفقيه يقوم بالموازنة بين المفاسد المتعارضة وفق ميزان دقيق وهو:
أ- عند اختلاف رتب المفاسد، ترتكب المفاسد المتعلقة بالتحسينات دفعًا لمفاسد الحاجيات والضروريات، وترتكب مفاسد الحاجيات دفعًا لمفاسد الضروريات.
ب- عند اتحاد رتب المفاسد، كمفاسد الضروريات; ترتكب المفاسد المتعلقة بالمال دفعًا لمفاسد النسل وما قبلها. وترتكب مفاسد النسل دفعًا لمفاسد الثلاثة الأخرى وهكذا.
جـ- عند اتحاد الرتبة والكلي ترتكب المفسدة الخاصة دفعًا للمفسدة العامة، وترتكب المفسدة الجزئية دفعًا للمفسدة الكلية.

3- الموازنة بين المصالح والمفاسد: ومثالها قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )(البـــقـرة:219). فالآيـــة تبــين أن في الخمــر والميــــسر مفـــاســد ومصالح، ولكن جانب المفسدة أكبــر إذا ما قيس بالمصلحة.
ويراعي الفقيه عند الموازنة بين المصالح والمفاسد، الميزان التالي:
أ- يراعي الحكم العام الغالب من المصالح والمفاسد، فإن غلبت المصالح على المفاسد قدمت المصالح، وإن غلبت المفاسد على المصالح اعتبرت المفاسد.
ب- عند التساوي بين المصالح والمفاسد; فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. ويراعي في هذا الميزان أيضًا مراتب المصالح والمفاسد، من حيث الضروريات والحاجيات والتحسينات: فتقدم المصالح الضرورية على المفاسد الحاجية والتحسينية والعكس بالعكس، كما يراعي أيضًا التفريق بين الكليات الخمس; وذلك بتقديم مصالح الدين على مفاسد النفس، وتقديم مصالح النفس على مفاسد العقل وهكذا. كما يراعي أن المصلحة العامة مقدمة على المفسدة الخاصة، والمصلحة الكلية على المفسدة الجزئية(7).
والحقيقة أن موضوع الموازنة بين المصالح والمفاسد ليس بسيطًا وسهلاً، وإنما فيه كد واجتهاد وممارسة عملية، يعمل على ترسيخ الملكة الفقهية. قال الشاطبي: (وهو مجال للمجتهد صعب الورود، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب (العاقبة)، جار على مقاصد الشريعة)(8).

 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رابعًا: المشاركة في المحاورات والمناظرات الفقهية:
إن مشاركة المتفقه في المحاورات والمناظرات الفقهية يقوي الملكة عنده، كما يقول ابن خلدون: (أيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرامها)(9). فلا يجوز للمتفقه أن يكون خاملاً غير مشارك في المناظرات العلمية. يقول ابن خلدون في انتقاد الطلبة الخاملين: (تجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية سكوتًا لا ينطقون ولا يفاوضون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة، فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم. ثم تحصيل من يرى منهم أنه قد حصل تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علّم)(10).
وينبغي على طلبة العلــم الشــرعي أن يتأدبــوا بآداب المنـــاظرة إذا شاركـــوا في النــدوات والمؤتمــرات العلمية، ومن هـــذه الآداب: إذا سأل، سأل عما لا يدري، وإذا راجع في مسألة، راجع مراجعة التلميذ لشيــخه، لا مراجعة العالم لنظيره، كما قـــال ابن حــــزم: (إذا حضرت مجلس العلم فلا يكن إلا حضور مستزيد علمًا وأجرًا، لا حضور مستغن بما عندك، طالبًا عثرة تشنعها أو غريبة تشيعها. فإذا حضرت فالتزم أحد ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: إما أن تسكت سكوت الجهال، فتحصل على: أجر النية في المشاهدة، وعلى الثناء عليك بقلة الفضول، وعلى كرم المجالسة، ومودة من تجالس.
الوجه الثاني: فإن لم تفعل ذلك فاسأل سؤال المتعلم، فتحصل على هذه الأربع محاسن، وعلى خامسة: وهي استزادة العلم. وصفة سؤال المتعلم: أن تسأل عما لا تدري، فالسؤال عما تدري سخف، وقلة عقل، وشغل لكلامك، وقطع لزمانك بما لا فائدة فيه، لا لك ولا لغيرك، وربما أدى إلى اكتساب العداوات، وهو بعد عين الفضول.
الوجه الثالــث: وإيــاك أن تراجع مراجعة العالم. وصفة ذلك أن تعارض جوابه بما ينقضه نقضًا بينًا، فإن لم يكن ذلك عندك، ولم يكن عندك إلا تكرار قول أو المعارضة بما لا يراه خصمك معارضة فأمســك، فإنك لا تحصــل بتكــرار ذلك على أجــر زائــد، ولا على تعليم ولا تعلم، بل على الغيظ لك ولخصمك والعداوة التي ربما أدت إلى المضرات)(11).
وهذا مما يكرس في نفس الفقيه أهمية الاجتهاد الجماعي في الاجتهاد المعاصر، فهو السبيل الأمثل لمعالجة قضايا العصر المتسم بالتشابك والتعقيد.

خامسًا: الرحلة في طلب الفقه:

كانت الرحلة العلمية من أهم ما يحرص عليه طلبة العلم الشرعي، وذلك لأنها تزيد من مدارك الطالب بسبب كثرة الالتقاء بالشيوخ، وتنوع الأخذ عنهم، فهم لا ينتمون إلى مذهب واحد، وإنما ينتمون إلى مذاهب متنوعة.. كما أن الرحلة تعمل على صقل الملكات وتقويتها، بسبب كثرة العلوم وتنوعها، وبخاصة في البلاد التي تكثر فيها العمران والحضارة، كما قال ابن خلدون: (العلوم إنما تكثر حيث تكثر العمران وتعظم الحضارة... وذلك لأن تعليم العلم من جملة الصنائع، والصنائع إنما تكثر في الأمصار. وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف، وتكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة، لأنه أمر زائد على المعاش، فمتى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان وهي العلوم و الصنائع، ومن تشوف بفطرته إلى العلم. فمن نشأ في القرى والأمصار غير المتمدنة فلا يجد فيها التعــــليم الذي هو صنـــاعي لفقــدان الصنائع من أهل البدو... ولا بد له من الرحلة في طلبه إلى الأمصار المستبحرة...).
وزاد الأمر توضيحًا بضرب مثال على ذلك ببغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة حيث قال: (لما كثر عمرانها في صدر الإسلام واستوت فيها الحضارة زخرت فيها بحار العلم، وتفننوا في اصطلاحات التعليم وأصناف العلوم واستنباط المسائل والفنون. حتى أربوا على المتقدمين وفاتوا المتأخرين. ولما تناقص عمرانها انطوى ذلك البساط بما عليه جملة، وفقد العلم بها والتعليم، وانتقل إلى غيرها من أمصار الإسلام. ونحن لهذا العهد نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة)(12).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

المبحث الثاني: آفات الملكة الفقهية ومعوقاتها
إذا وهب الله تعالى الفقيه الملكة الفقهية وجب عليه أن يحافظ عليها، ويوفر سبل الوقاية لها; وذلك بإبعاد الآفات والمعوقات عنها. ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
1- الآفات الخلقية والنفسية للملكة الفقهية.
2- المعوقات المنهجية للملكة الفقهية.

المطلب الأول: الآفات الخلقية والنفسية للملكة الفقهية:
من الآفات الخلقية والنفسية التي تتعلق بأخلاق العلماء والمتعلمين غير العاملين، والتي لها الأثر الكبير في شل الملكة الفقهية لدى الفقهاء: الكبر والعجب والغرور والحسد.
وفيما يلي بيان لهذه الآفات. وآثارها السلبية على الملكة الفقهية.

أولاً: الكِبْر:
الكبر من أعظم الآفات التي ندد بها القرآن الكريم والسنة النبوية، وخاصة إذا كان من يتصف بها من أهل العلم، حيث يعتبر ذلك من أكبر الفتن، لأن العالم يضل بضلاله خلق كثير. كما قال حذيفة: (اتقوا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل)(1).
وحقيقة الكبر: جهل الإنسان بنفسه، وإنزالها فوق منزلتها(2)، فيراها أرفع من نفس غيره وأعظم شأنًا. فالفقيه المتكبر هو الذي يرى فقهه وملكته الفقهية أعظم شأنًا مما هو عند غيره. ويترتب على ذلك تحقير غيره وازدرائه وإقصائه وإبعاده وانتهاره وإذلاله، والامتنان على من علمه، والتعاظم على عامة الخلق، والسخرية منهم، والغضب عليهم إن قصروا بحقه ولم يقضوا له حاجة من حوائجه; وإن ناظر أحدًا من العلماء رد الحق على علم(3). قال سعيد بن جبير: (لا يزال الرجل عالمًا ما تعلم، فإن ترك العلم وأمن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده، فهو أجهل ما يكون)(4).
ومن مظاهر الكبر عند المتكبر في العلم أن يجتهد في المناظرة أن يَغلب ولا يُغلب، ويسهر طوال الليل والنهار في تحصيل علوم يتجمل بها في المحافل; كالمناظرة والجدل وتحسين العبارة وتسجيع الألفاظ وحفظ العلوم الغريبة ليغرب بها على الأقران ويتعظم عليهم. ويحفـــظ الأحاديث بألفــاظها وأسانيــدها، حتى يرد على من أخطأ فيها; فيظهر فضـــله ونقصــان أقـــرانه، ويفرح كلما أخطأ واحد منهم، ويسوء إذا أصاب وأحسن; خيفة من أن يـــرى أنه أعظم منه(5).
وللكبر آثار سلبية على الملكة العلمية منها:
1- إضاعة العلم واندثاره، وبالتالي تأثيره على الملكة الفقهية.
2- انتشار الكره بين العالم والمتعلم، لأن المتعلم يشعر بتعالي المعلم وعجرفته، وهذا يؤدي إلى عدم استثمار ملكته ونقصانها.
3- إثارة الجدل والخلاف في الأوساط العلمية; لأن المتكبر لا يحترم الرأي الآخر، فيشغل وقته فيما لا ينفعه.
فليحذر الفقيه كل الحذر من الكبر، ويتحلى بالتواضع.

ثانيًا: العُجْبُ:
العجب هو تصور استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقًا لها(6). فهو يعظم نفسه ويعتبرها سبب العلم الذي وصل إليه، دون أن يسند الفضل في ذلك العلم إلى الله تعالى الذي وهبه العقل والذاكرة والعلم. قال صلى الله عليه و سلم: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجــاب المــرء بنــفسه )(7). فإعجـاب المـــرء بنـــفســــه: هــو ملاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله(8). وقال علي ابن عيسى: (العجب: عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها، وليست هي لها)(9).
والعجب بكل أحد قبيح وبالعلماء أقبح; لأن الناس بهم يقتدون. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم، تواضعوا لمن تتعلمون منه ليتواضع لكم من تعلمونه، ولا تكونوا من جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم)(10).
ومن الآثار السلبية للعجب على الملكة العلمية(11):
- الاستبداد بالرأي وعدم مشاورة غيره.
- الاستنكاف عن طلب العلم وقلة الإصغاء إلى العلماء بحجة الاكتفاء بالعقل والرأي عند من اتصف بالعجب.
- استجهال الناس المخالفين له.
- التعامي عن الأخطاء الصادرة منه.
فليحذر الفقيه كل الحذر من العجب ويتحلى بالحلم والتواضع.

ثالثًا: الغُرور:
الغُرور: هو سكون النفــس إلى ما يوافـــق الهوى ويميــل إليه الطبع عن شبهة وخدعة شيطانية(12)، فالمغرور هو الذي يرى أنه مصيب في كل ما يصدر عنه من أحكام وآراء. وقد حذر الله تعالى من هذه الآفة في قوله تعالى: (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور )(لقمان:33).
ومن أصناف المغترين، العلماء الذين أحكموا العلوم الشرعية والعقلية، وتعمقوا فيها واشتغلوا بها، وأهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطاعات، واغتروا بعلمهم وظنوا أنهم عند الله بمكان، وأنهم بلغوا من العلم مبلغًا لا يعذب الله مثلهم(13). وترى المغرور دائمًا يحدث عن شخصيته. ولا يقف غرور العالم عند نفسه، بل يتعداها إلى الغير بإظهار عيوب أقرانه; لرؤيته نفسه أعلم منهم وأفضل وأعلى مقامًا عند الله، ولعل الحقيقة بخلاف ذلك.
وللغرور آثار تربوية سلبية على الملكة العلمية:
1- الغرور يحجب طالب العلم عن الزيادة في العلم; لأنه يظن أنه قد وصل إلى منتهى العلم.
2- الغرور يمنع صاحبه من الاستماع إلى أهل العلم والإصغاء إليهم.
3- المعاصي التي تتولد عن الغرور تؤثر تأثيرًا سلبيًا في الملكة الفقهية.
4- الغرور يولد العداوة بين العلماء، لأن المغرور يكثر الاتهام لأقرانه، وخاصة من كانوا في تخصصه وأعلى منه علمًا.

رابعًا: الحَسَد:
الحسد: تمني زوال النعمة عن الغير، ممن هو مستحق لها. وعرفه الجرجاني بأنه: (تمنى زوال نعمة المحسود إلى الحاسد)(14). وهو خلق ذميم مع إضراره بالبدن وإفساده للدين، حتى لقد أمر الله بالاستعاذة من شره فقال تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد )(الفلق:5). وهو داء قديم في الناس; كما أخبر النبي صلى الله عليه و سلم: (دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين )(15).
والحسد يدب بين الأقران من علماء الدنيا الذي يتشوقون إلى الرياسة، ويحبون جمع المال والثناء، ويحبون ذواتهم مع ضعف في الإيمان بكمال حكمة الله تعالى، الأمر الذي يفضي إلى الاعتراض عــلى اللـــه تعــالى في حكمتــه التي وزع على مقتضاها عــطـــاءه بــين خلقه. أما علماء الآخــرة فهم بمعزل عن ذلك، لا يتحاسدون ولا يتباغضون، بل يتوادون ويدعون لبعضهم بعضًا، ويستفيدون من بعضهم بعضًا. فقد كان الإمام أحمد بن حنبل يقــول لولد الإمــام الشافــعي: (أبــوك من الستـــة الذي أدعــو لــهم كل ليلة وقــت السحر)(16).
ومن الآثار السلبية للحسد على الملكة العلمية(17):
1- انخفاض مرتبة الحاسد العلمية، لانحراف الناس عنه، ونفورهم منه، وقد قيل: (الحسود لا يسود).
2- انشغال الحاسد عن العلم بحسرات الحسد وسقام الجسد، حتى لا يجد لحسراته انتهاءً ولا لسقامه شفاءً.
3- إسخاط الله تعالى في الاعتراض عليه، وارتكاب المعاصي في مخالفته مما يؤثر على ملكته العلمية.
4- معاداة الناس له ومقتهم له، حتى لا يرى وليًا محبًا، فيعيش في عزلة عن الناس، فلا يفيد ولا يستفيد.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

المطلب الثاني: المعوقات المنهجية للملكة الفقهية:
من المعوقات المنهجية التي تؤثر في الملكة الفقهية، فتعطل حركتها وتوقف نموها:
إخلال الفقيه بالنصوص الثابتة، والتقليد الذي ينطوي على الجمود والتعصب، والتمسك بحرفية النصوص، والتشدد والتضييق، والغــلو في اعتبار المصلحة، وتبرير الواقع. وفيما يلي بيان لتلك المعوقات.

أولاً: الإخلال بالنصوص الثابتة:
الفقه الإسلامي يتميز عن غيره من القوانين بأنه ملتزم بمصادره الأساسية من القرآن والسنة والإجماع اليقيني، فلا يجوز للفقيه صاحب الملكة الفقهية تجاوز تلك النصوص أو التنكر لها، وإلا كان ما يصدر عن ذلك الفقيه من آراء فقهية بعيدًا عن الفقه الإسلامي. ويتمثل ذلك في الأمور التالية:
1- الغفلة عن النصوص الشرعية عند الاجتهاد:
لا يجوز للفقيه تجاوز النصوص الثابتة في القرآن والسنة إلى الاجتهاد; عملاً بالقاعدة الفقهية: (لا اجتهاد في مورد النص). ومن الأمثلة على ذلك: أن محكمة شرعية عليا في بعض بلاد المسلمين، أجازت لكل أحد أن يستلحق اللقيط ويضمه إلى نسبه، ويصبح بذلك ابنًا له، وعليه كل حقوق البنوة وواجباتها. فمقتضى هذه الفتوى أن: (التبني -مباح وإن سمي: الاستلحاق- فمدار الحكم على المسميات لا على الأسماء)(18).
ومن الواضح أن هــذا الحكم مخـــالف للنصـوص الشرعيــة الثابتة التي حرمت التبنّي وأبطلته، وأجمــع على ذلك العلمـــاء. ومن النصــوص التي تحـــرم ذلك قــوله تعـالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم )(الأحزاب:4-5).

2- التفسير السيئ للنصوص الشرعية:
لا يجوز للفقيه تفسير النصوص الشرعية بعيدًا عن القواعد المقررة في أصول الفقه، الأمر الذي يؤدي إلى حرف النصوص عن مضمونــها، كأن يخصصــها وهي عــامة، أو يقيــدها وهي مطلــقــة أو العكس. ومن القواعد المقررة في توضيح دلالة النص(19):
أ- الالتزام بالمعنى اللغوي الذي قرره علماء اللغة العربية، مع مراعاة المصطلحات الشرعية التي أخرجها المشرع من معناها اللغوي إلى معنى خاص دل عليه النص عن طريق أدلة قطعية.
ب- مراعاة قواعد الدلالات الأصولية في تحديد علاقة اللفظ بالمعنى المستفاد منه; بحيث يكون استعمال اللفظ معبرًا عن معنى إرادة الشرع. وكلما كانت العلاقة واضحة وظاهرة بين اللفظ والمعنى كانت مهمة الفقيه أيسر.
ومن الأمثلة على سوء فهم النصوص الشرعية ما أورده بعض المعاصرين حول آيات تحريم الخمر: (هل الخمر محرمة أم مأمور باجتنابها ؟ والفرق بين التحريم والاجتناب. ومجال نصوص تحريم الخمر مع مجال الآية: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس )(الأنعام:145). وهي من أواخر الآيات نزولاً في القرآن. كل هذا مما يحتاج الرأي فيه إلى مجال آخر يرجأ إليه)(20).
فهــــو يشكك في قطعـــية تحريم الخمر التي وردت في آيات الخمر ومنها: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )(المــــائدة:90). وهذا التشكيك مبني على عدم معرفته بالمعنى الدقيق لكل من (التحريم) و(الاجتناب)، وهو يتوهم أن الأمر بالاجتناب أخف من التحريم، ولو تتبع موارد الكلمة في القرآن لعلم أنها لا تقترن إلا بالشرك وكبائر الإثم والفواحش، كما في قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان )(الحج:30)، فهل الأمر باجتناب الرجس من الأوثان أقل من تحريمه ؟ وآية: (قل لا أجد في ما أوحي إليّ )، التي حاول أن يتوكأ عليها في المطعومات لا في المشروبات، وهي تحمل الرد عليه; لأنها عللت تحريم الخمر بقوله: (فإنه رجس )، كما عللت آية تحريم الخمر بأنها: (رجس من عمل الشيطن )، فكيف يحــرم الله الرجــس المجــرد في المطعـوم، ولا يحرمه في المشروب مع وصفه بأنه: (من عمل الشيطان) ؟ فهو رجس وزيادة(21).

2- الغفلة عن الإجماع اليقيني عند الاجتهاد:
لا يجـــوز للفقــيه تجــــاوز الإجماع اليقــيني إلى الاجتــهاد. ومــن الأمثلة على ذلك ما قيل من جواز زواج المسلمة بالكتابي، كما جاز زواج المسلم بالكتابية. هذا مع أن الفرق واضح .فالمسلم يعترف بأصل دين الكتابية، فهو يحترمها ويرعى حقها ولا يصادر عقيـــدتها. أما الكتابي فــلا يعتـــرف بديــــن المسلمة ولا بكتـــابها ولا برسولها; فكيف تعيش في ظل رجل لا يرى لها أي حق باعتبارها مسلمة(22)؟

ثانياً: التقليد الذي ينطوي على الجمود والتعصب:

التقليد هو اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقدًا للحقيقة فيه، من غير نظر وتأمل في الدليل. وبعبارة أخرى هو: اتباع قول الغير بلا حجة ولا دليل(23).
يرى ابن حزم أن التقليد حرام في سائر أنواع العلم. وعموم الناس، كالعبد المجلوب من بلده، والعامي، والعذراء المخدرة، والراعي في شعب الجبال، والعالم المتبحر في العلم; يجب عليهم الاجتهاد في طلب الحكم الشرعي في كل ما يخصهم من الدين(24).
في حين يرى البعض الآخر أن التقليد واجب بعد عصور الاجتهاد الأولى المفضلة، حتى ليصبح اتباع إمام بمنزلة اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم، فيقول أحد المقلدين: (الحمد لله الذي جبلني على التعصب لمجتهد كان من قرون شهد النبي صلى الله عليه و سلم بخيرها وعدالتها)(25). ويصل الحال ببعض المقلدين أن يزعم بأن كل نص من النصوص الشرعية خالف المذهب فهو إما منسوخ أو مؤول(26).
ومما لا شك فيه أن القولين فيهما مغالاة. فالقول الأول يؤدي إلى الفوضى التي لا تقف عند حد; لأن هذا القول لا يشترط حدًا أدنى من المعرفة لمن أراد الاجتهاد، وإنما يلزم كل واحد من عامة الناس بمن فيهم العالم والمتعلم وراعي الغنم وغيرهم بالاجتهاد. كما أن هذا القول يؤدي إلى زوال هيبة العالم وكرامته وفضله، فهو يستوي مع العبد المجلوب، والراعي في شعب الجبال. وأما القول الآخر فيؤدي إلى التعصب والجمود كما يؤدي إلى عدم احترام النصوص الشرعية، وفتح الباب على مصراعيه للطعن فيها.
والقول الوسط: أن التقليد للمبتدئين ضــروري للتــأسيس -كما بينا سابقًا- فيحفظ المبتدئ متنًا في مذهب من المذاهب الفقهية. ثم ينتقل بعد ذلك إلى معرفة الدليل من القرآن والسنة، ولا يجوز أن يستمر في حفظ الآراء الفقهية بدون دليل; لأن الملكة الفقهية لا تنمو بالآراء المجردة عن أدلتها الشرعية وعللها ومآخذها; ولأن هذا يؤدي إلى التعصب الذميم. يقول ابن تيمية: (إذا تفقه الرجل وتأدب بطريق قوم من المؤمنين، مثل أتباع الأئمة والمشايخ; فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم المعيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم. فينبغي للإنسان أن يعوّد نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به، فهذا زاجر، وكمائن القلوب تظهر عند المحن، وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها تحول أصحابه، ولا يناجز عليها، بل لأجل أنها مما أمر الله به رسوله أو أخبر الله به ورسوله، لكون ذلك طاعة الله ورسوله)(27).

ثالثًا: الالتزام بحرفية النصوص وعدم تعليل الأحكام:

يوجد في هذا العصر بعض المنتسبين للعلم ممن يحيـيون ذكر ابن حزم الظاهري في الالتزام بحرفية النص وعدم تعليل الأحكام. وهم ممن لم يتمرسوا بالفقه وأصوله، ولم يطلعوا على اختلاف الفقهاء ومداركهم في الاستنباط، ولا يهتمون بمقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يقرون بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.
فنجد منهم من يقول: إن السفر الشرعي هو ما كان على بعد ثلاثة فراسخ عملاً بحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين )(28).
فمن سافر ثلاثة فراسخ وهي تعادل (16) كيلو مترًا تقريبًا يعتبر مسافرًا، يفطر في رمضان، ويقصر الصلاة، وهذا غير معقول، فالعـــرف لا يعتـــبر تلك المســافة مسافة سفر. ومنهم من يقول: بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة، مع أن أغلب ثروة الأمــة اليوم في عروض التجارة. ومنــهم من يقـــول: إن النـــقود الشرعيـــة ما كان من قبيـــل الذهــب والفضـــة التي وردت فيها الأحـــاديث. أما النقود الورقية فلا تعتبر نقودًا شرعية. وعلى هذا لا يجري فيها الربا ولا تجب فيها الزكاة(29).
والأصل الذي ينبغي أن يستقر في أذهان الفقهاء أن غالبية العبادات تعبدية غير معقولة المعنى، أو غير معللة بعلة معينة، وإنما يطلب من المكلف الالتزام بها ولو لم يدرك لها علة كتقبيل الحجر الأسود. وأما المعاملات فإن غالبيتها غير تعبدية، أو معقولة المعنى، أو معللة بعلة معينة يدركها المجتهد. يقول الشاطبي: (الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات (المعاملات) الالتفات إلى المعاني)(30).
ويستدل لهذا الأصل باستقراء نصوص الشــريعة الإسلامية، فقـــد جــاءت لمراعــــاة العلل والمصالـــح، ومن ذلك قوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )(النساء:29)، وقوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العدواة والبغضاء في الخمر والميسر )(المائدة:91). قال الشاطبي: (فإنا وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معه حيثما دار، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز، كالدراهم بالدراهم إلى أجل يمنع في المبايعة ويجوز في القرض)(31).
والمصالح التي قصدها الشارع في تشريع المعاملات هي مراعاة الضروريات والحاجيات والتحسينيات.

رابعًا: التشديد والتضييق:
هناك من العلماء من يرى أن المسائل المستجدة ينبغي أن ينظر فيها من خلال النصوص السابقة، سواء في القرآن أو السنة أو أقوال الفقهاء، فإذا لم يجدوا نصًا خاصًا بتلك المسألة المستجدة أفتوا بالمنع وعدم الجواز، سواء أكانت المسألة تتعلق بالمعاملات أم بالعبادات، وكأن الأصل في الأحكام العملية الحظر إلا ما أفتى السابقون بإباحته. وقد وجدنا من الفقهاء من أفتى بعدم جواز خلو الأوقاف الذي يدفع للناظر على الوقف مقابل تأبيد الإجارة، حيث ادعى المانعون عدم وجود نص في المسألة، ولا يوجد قول لإمام تخرج عليه. حيث قال الشيخ ميارة: (فلم أقف على نص فيها ولا أظنه يوجد; لأنها محض اصطلاح من المتأخرين)(32).
والحقيقة أن المعاملات تختلف عن العبادات، فإذا كان الأصل في العبــادات الحظر، فإن الأصــل في المعــاملات الإبــاحــة، بحيـــث لا تخالف المعاملة نصًا أو قاعدة كلية. قال ابن تيمية: (الأصل في هذا أنـــه لا يحـــرم على النـــاس من المعامــــلات التي يحـــتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه. كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه. إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله، حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله، وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانًا، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن الله(33).

خامسًا: الغلو في اعتبار المصلحة:
يوجد في هذا العصر بعض المنتسبين للعلم ممن يحييون ذكر نجم الدين الطوفي الذي بالغ في تقدير المصالح، حتى قدمها على النصوص الشرعية والإجماع اليقيني، وخالف بهذا كل من أخذ بالمصلحة قبله ممن اعتبرها أصلاً ودليلاً من المالكية ومن وافقهم. فهم لم يعتبروها إلا بشرط عدم معارضتها للنصوص الشرعية والقواعد الكلية. وهذا الذي يُعرف في أصول الفقه بالمصلحة المرسلة. أما المصلحة المعارضة للنصوص الشرعية فهي غير معتبرة، وهي ليست مصلحة حقيقية، وإنما هي موهومة، زينها لصاحبها الهوى والغفلة. ولذلك لا تؤخذ عبارة: (حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله) على إطلاقها، وإنما تقيد بعدم معارضتها للنصوص الشرعية والقواعد الكلية.
ومن الأمثلة على الغلو في المصلحة، إباحة الربا بحجة أن الاقتصاد عصب الحياة، والبنوك عصب الاقتصاد، والفوائد الربوية عصب البنوك. ومن الأمثــلة أيضًا تحــريم الــزواج بأكثر من واحــدة; لما يترتب على التعدد من مفاسد أسرية ومضار اجتماعية; واحتج المحرم بأن من حق ولي الأمر أن يمنع بعــض المباحــات جلــبًا لمصــلحة أو درءًا لمفسدة(34).
فعلى الفقيه المعاصر عند بحث القضايا الفقهية، والنظر في النصوص الشرعية، الوقوف عند النصوص القطعية وعدم تجاوزها بحجة تغير المصلحة; لأن تلك النصوص ليست محلاً للاجــتهاد، ولا يجوز له أن ينساق وراء المتلاعبين بالدين باسم المصلحة، فيحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله. يقول الشاطبي في بيان المصلحة التي بنى الشارع عليها الحكم: (إن كون المصلحة مصلحة تقصد بالحكم، والمفسدة مفسدة كذلك مما يختص بالشارع، لا مجال للعقل فيه بناء على قاعدة التحسين والتقبيح، فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة ما فهو الواضــع لها مصـلحة، وإلا يمكن عقــلاً ألا تكون كذلك، إذ الأشياء كلها بالنسبة إلى وضعها الأول متساوية، لا قضاء للعقل فيها بحسن ولا قبح. فإذا كون المصلحة هو من قبل الشارع بحيث يصدقه العقل، وتطمئن إليه النفس. فالمصالح من حيث هي مصالح قد آل النظر فيها إلى أنها تعبديات)(35).
هذا المفهوم للمصلحة يضع حدًا للعقل عند النظر في النصوص الشرعية، وهو أن العقل تابع للشرع، ومقيد به، وليس العكس. فيجوز للعقل أن ينظر في النصوص الظنية والأحكام المبنية على المصالح المرسلة، ولا يجوز له أن ينظر في النصوص القطعية.

سادسًا: تبرير الواقع:
المراد بتبرير الواقع، إضفاء الشرعية على الواقع السيئ الذي صنعه غير المسلمين، بقصد إرضاء عامة الناس أو السلطان، أو لوقوع الفقيه تحت ما يسمى بالهزيمة النفسية أو انبهاره بالحضارة الغربية.
وينبغي أن نفرق بين تبرير الواقع، والتيسير على الناس في أمر دينهم القائم على الاجتهاد العلمي المنضبط بقواعد سليمة واستنباط صحيح، لأن التيسير على الناس مقصد شرعي دلت عليه الآيات والأحاديث بخلاف تبرير الواقع، فإنه تأويل لنصوص الشريعة تأويلاً يتلائم مع أهواء العامة أو السلطان أو القائمين على الحضارة الغربية، وهذا ما يخدش الملكة الفقهية عند الفقيه.. والأمثلة على ذلك كثيرة
فلا بد للفقيه المعاصر عند بحث القضايا الفقهية أن يكون موضوعيًا في بحثه، غايته الوصول إلى الحكم الشرعي الذي تؤيده النصوص الشرعية، ويدخل لبحث المسألة الفقهية بذهنية فارغة من كل المسبقات والفروض والضغوط السياسية، وإلا أصبح الفقه تبعًا للسياسة، وكانت مهمة الفقيه هي تبرير المواقف والآراء السياسية.
لهذا يجب استبعاد هذا النوع من الفتـــاوى وعدم الاعتـــداد بها في الفقه المعاصر، لأن الغاية منها تبرير الواقع السيء الذي صـنـــعه غير المسلمين وإضفـــاء الشرعية عليه، ولأنها صــادرة ممن مــورست عليهم الضغوط السياسية، ولم يستطيعوا التحرر من الخوف وضغوط الواقع السيئ.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

الخاتمة
بعد عرض حقيقة الملكة الفقهية ومقومات تكوينها ورعايتها، نستطيع أن نوجز أهم ما انتهينا إليه في النقاط التالية:
1- الملكة الفقهية هي: (صفة راسخة في النفس، تحقق الفهم لمقاصد الكلام الذي يسهم في إعطاء الحكم الشرعي للقضية المطروحة: إما برده إلى مظانه في مخزون الفقه، أو بالاستنباط من الأدلة الشرعية والقواعد الكلية).
2- تطلق على الملكة الفقهية ألفاظ كثيرة منها: البصيرة، والحكمة، والاجتهاد.
3- الملكة الفقهية تتنوع إلى عدة أنواع، وهي:
أ- ملكة تقرير القواعد الأصولية والاستنباط الفقهي المستقل.
ب- ملكة الاستنباط الفقهي المبني على أصول الغير.
ج- ملكة التخريج الفقهي في المذهب.
د- ملكة الترجيح الفقهي في المذهب.
هـ- ملكة استحضار المذهب (القول المعتمد).
و- ملكة الترجيح بين المذاهب.
4- تكوين الملكة الفقهية فرض كفاية، بحيث يجب على المجتمع توفير فقهاء ذوي ملكات فقهية راسخة لسد حاجاته.
5- الملكة الفقهية ضرورية للفقيه، لتحقيق النضوج العقلي والفكري وما ينتج عن ذلك من أحكام فقهية، والحذق في الفقه والاستيلاء عليه.
6- الملكة الفقهية ضرورية للمجتمع، لسد حاجاته: كمعالجة قضايا العصر ومشكلاته ووقائعه المستجدة، وترشيد مسيرة كل من الدعوة الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية، وتذليل طريق استئناف الحياة الإسلامية.
7- تكوين الملكة الفقهية يحتاج إلى انتقاء خاص للدارسين للفقه الإسلامي، بحيث يتوفر فيهم: الذكاء والفطنة، والسيرة الحسنة، والالتزام بالواجبات الإسلامية، والهمة في طلب العلم. لذلك لا بد من توجيه الأذكيــاء وأوائـــل الطلـــبة إلى دراسة الفقه الإسلامي.
8- تكوين الملكة الفقهية يحتاج إلى انتقاء خاص للمدرسين للفقه الإسلامي، بحيث يتوفر فيهم: التمكن من الفقه والاستيلاء عليه، والنصح، والأمانة، والتحلي بآداب العلم، ومعرفة طرق التدريس.
9- تكوين الملكة الفقهية يحتاج إلى منهج دراسي أصيل، يتضمن العلوم والمعارف التالية: القرآن الكريم والسنة النبوية وعلومهما، والإجماع اليقيني، وأصول الفقه المتضمن قواعد الاستنباط، وعلوم اللغة العربية من نحو وصرف ولغة وبيان وأدب، ومقاصد الشريعة، والفقه الإسلامي، والقواعد الفقهية. هذا بالإضافة إلى فهم الواقع المعاصر بما فيه من علوم معاصرة، وتغيرات سياسية واجتماعية وغير ذلك، وضرورات العصر وحاجاته. ويتحقق ذلك بدراسة اللغة الأجنبية ومداخل العلوم الحياتية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحاسوب وغير ذلك.
10- تكوين الملكة الفقهية يحتاج إلى اتباع طريقة أصيلة في التدريس تقوم على أساس حفظ القرآن والسنة، وحفظ متن من المتون المختصرة في مذهب من المذاهب الفقهية من الصغر، لضرورة التأسيس. كما تقوم على أساس التدرج في التعليم، بحيث ينتقل المدرس بالطالب من مرحلة المختصرات إلى الكتب المتوسطة، ومن ثم إلى الكتب المطولة، التي تعرض آراء الفقهاء في جميع المذاهب.
11- الملكة الفقهية تنمو وتترسخ في النفس بالترجيح بين الآراء الفقهية في المذاهب، والتخريج الفقهي في المذهب، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والمشاركة في المحاورات والمناظرات الفقهية، والرحلة في طلب الفقه.
12- الملكة الفقهية تتأثر بالآفات النفسية والأخلاقية، وهي: الكِبْر، والعُجْب، والغُرور، والحسد بين العلماء. فليحذر الفقهاء من هذه الآفات.
13- الملكة الفقهية تتأثر بالمعوقات المنهجية، وهي: الإخلال بالنصوص الثابتة، والقول بحرفية النصوص وعدم تعليل الأحكام، والتشديد والتضييق في المسائل الجديدة بعدم جوازهـــا لعدم وجود نص من الكتــاب أو السنــة يقــاس عليه أو قول لفقيه سابق يخرج عليه، والغلو في اعتبار المصلحة على حساب النصوص الثابتة القطعية الدلالة، وتبرير الواقع السيئ الذي صنعه غير المسلمين بإضفاء الشرعية عليه إرضاء لعامة الناس أو السلطان، أو لوقوع الفقيه تحت تأثير ما يسمى بالهزيمة النفسية.. فليحذر الفقهاء من هذه المعوقات.
---------------------

تم بعون الله
 

لعيايدة هاجر

:: متابع ::
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
39
الكنية
أم أيمن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
سطيف
المذهب الفقهي
المذهب المالكي
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

جزاك الله خيرا
لم أنجذب لقراءة موضوع مثل هذا من قبل ، حقا هو ممتع و مفيد .
 
إنضم
21 ديسمبر 2009
المشاركات
52
الجنس
ذكر
التخصص
شريعة وقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
البويرة
المذهب الفقهي
المالكي
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

بارك الله فيكم على هذا العمل الذي قمتم به فجزاكم الله خيرا
 
أعلى