العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كتاب (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
(تكوين الملكة الفقهية)
لقد قام أحد الإخوة الأكارم بافتتاح موضوع بعنوان:
هل نجحت الجامعات الإسلامية في تكوين الملكة الفقهية ؟
ولمحاولة الإجابة عن هذا السؤال اقترح قراءة كتاب (تكوين الملكة الفقهية) للدكتور محمد شبير أو عرضه في موضوعات متعددة مقسماً إلى فصول ومباحث لتسهل مناقشته بالتفصيل
واستجابة لهذه الدعوة، ونظراً لأهمية هذا الموضوع لطالب العلم أحببت أن أبادر بعرض الكتاب المقترح بترتيبه وبفصوله ومباحثه
سائلة المولى القدير أن يجزي كاتبه خير الجزاء
وأن ينفعنا جميعا بما علمنا
إنه سميع مجيب

-------------
رابط مباشر للكتاب على الشبكة الفقهية
https://feqhup.com/uploads/1375039761371.pdf

 

المرفقات

  • تكوبن الملكة ال&#1.rar
    144 KB · المشاهدات: 0
التعديل الأخير:

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،

مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
وبعد.. فإن تكوين الملكة الفقهية لدى الدارسين للفقه الإسلامي من الموضوعات المهمة في تدريس علم الفقه، لأنه الهدف الأساس من ذلك التدريس، ولأن الفقهاء ذوي الملكات الفقهية الراسخة هم غرس الله الذين يغرسهم في الأمة الإسلامية لضبط مسيرتها ووضع السياسات العامة التي توجه طريقها في الحياة. وقد أصبحت عودة هؤلاء الفقهاء مما يشغل بال قادة الفكر والتربية والدعوة الإسلامية في هذا العصر، لما ينتظر هؤلاء الفقهاء من دور كبير في نهضة الأمة الإسلامية واستئناف الحياة الإسلامية في المجتمع، هذا بالإضافة لترشيد الصحوة الإسلامية، وترشيد المؤسسات المالية الإسلامية من مصارف وشركات تأمين، والتي يزيد عددها على مائتي مؤسسة.
ومما يزيد هذا الموضوع أهمية أن مؤتمر (علم الفقه الإسلامي في الجامعات.. الواقع والطموح)، الذي دعت إليه جامعة الزرقاء الأهلية في الأردن، بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي وجمعية الدراسات والبحوث الإسلامية، في ربيع الآخر 1420هـ الموافق آب/أغسطس 1999م، جعل هذا الموضوع ضمن المحور الأول من محاور المؤتمر، حيث نص على: (إيجاد الملكة الفقهية الاجتهادية القادرة على التوصل للأحكام الشرعية ومواجهة المستجدات والنوازل التي لم تكن من قبل).
فما حقيقة هذه الملكة ? وما مقومات تكوينها لدى الفقيه ? وكيف نعمل على رعايتها وتقويتها وترسيخها ? للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها كتبت هذا البحث وسميته: (تكوين الملكة الفقهية).
وقد اعتمدت في إعداد هذا البحث على كتب ومراجع أصيـلة في الفقه وأصوله وكتب العلوم الشرعية وطريقة تدريسها، وغير ذلك مما له علاقة بموضوع البحث.
وقسمت البحث إلى ثلاثة فصول وخاتمة، وهي:
الفصل الأول: حقيقة الملكة الفقهية.
الفصل الثاني: مقومات الملكة الفقهية.
الفصل الثالث: رعاية الملكة الفقهية.
الخاتمة: لخصت فيها أهم نتائج البحث.
والله أسأل أن يتقبل مني هذا الجهد المتواضع، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وهو سبحانه ولي التوفيق، عليه توكلت وإليه أنيب.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

الفــــــــــصل الأول
حقيقة الملكة الفقهية
قبل تحديد المقومات التي تتكون منها الملكة الفقهية، لا بد من بيان معنى الملكة الفقهية، والألفاظ ذات الصلة بها، وأنواعها، والحكم التكليفي لتكوينها، وفضلها، وأهميتها، لأن بيان هذه الأمور يعين الباحث على تحديد مكوناتها. ولذا سيشتمل هذا الفصل على المباحث التالية:
1- معنى الملكة الفقهية والألفاظ ذات الصلة.
2- أنواع الملكة الفقهية.
3- الحكم التكليفي لتكوين الملكة الفقهية وفضلها وأهميتها.

وفيما يلي بيان تلك المباحث:
المبحث الأول:
معنى الملكة الفقهية والألفاظ ذات الصلة.
يشتمل هذا المبحث على مطلبين، الأول: في معنى الملكة الفقهية، والثاني: في الألفاظ ذات الصلة.
المطلب الأول: معنى الملكة الفقهية:
قبل بيان معنى الملكة الفقهيـة باعتبارها لقبًا على صفة معيــنة، لا بد من بيان جزأيها اللذين تركبت منهما، وهما (الملكة) و(الفقهية)، لأن معناها اللقبي ليس بمعزل عن معاني ما تركبت منه.
أولاً: تعريف الملكة الفقهية باعتبارها مركبًا إضافيًا:
1- تعريف الملكة:
الملكة في اللغة: مأخوذة من ملك، وهو -كما قال ابن فارس- أصل صحيح يدل على قوة في الشيء وصحة، فيقال: ملك الشيء ملكًا: حازه وانفرد بالتصرف فيه، فهو مالك.. ويقال: أملك العجين ملكًا: قوى عجنه وشده.. ويقال: هو يملك نفسه عند شهوتها: أي يقدر على حبسها.. وهو أملك لنفسه: أي أقدر على منعها من السقوط في شهواتها(1).
والملكة في الاصطلاح: (صفة راسخة في النفس)(2)، وبعبارة أخرى: (الهيئة الراسخة في النفس)(3)حيث تحصل في النفس هيئة بسبب فعل من الأفعال، يقال لها (كيفية) أو (حالة)، فإذا كانت تلك الهيئة سريعة الزوال سميت كيفية أو حالة، أما إذا تكررت تلك الهيئة ومارستها النفس حتى رسخت فيها، وصارت متعذرة الزوال، أصبحت ملكة: كملكة الحساب، وملكة اللغة، وملكة الكتابة وغير ذلك(4).

يظهر مما سبق أن الملكة تختص بثلاث خصائص، هي:
الخاصية الأولى : الملكة صفة في النفس، تطلق على مقابلة العدم(5). وهي تعين الشخص على سرعة البديهة في فهم الموضوع وإعطاء الحكم الخاص به، والتمييز بين المتشابهات بإبداء الفروق والموانع، والجمع بينها بالعلل والأشباه والنظائر وغير ذلك.
الخاصية الثانية : الملكة صفة مكتسبة وموهوبة، تتحقق للشخص بالاكتساب والموهبة، فاكتسابها يتحقق بالإحاطة بمبادئ العلم وقواعده، كما يرى ابن خلدون، حيث قال: (إن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله، وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن)(6). في حين يــــرى بعضــهم أنـــها ليســت مكتســـــبة، وإنمــا هي هــــبـة مــوروثــة لا تكتسب ولا تعلم، فمن وهبه الله ملكة الحفظ كان حافظًا، ومن وهبه الله ملكة التخيل كان شاعرًا. والحقيقة أن الملكة تجمع بين الأمرين، فهي هبة من الله تعالى: تنمو وتزداد بالاكتساب، فقد روي عن الإمام مالك أنه قال: (ليس الفقه بكثرة المسائل ولكن الفقه نور يؤتيه الله من يشاء من خلقه)(7)، وقال الإمام مالك للإمام الشافعي وهو غلام يطلب العلم: (إن الله ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بالمعصية)(8).
الخاصية الثالثة: الملكة صفة راسخة كالنبتة التي تظهر في الأرض تنمو وتتجذر بالرعاية والعناية، وكذلك الملكة تبدأ ضعيفة، ثم تتقوى وتترسخ في النفس، فإذا ألقى المدرس على التلميذ أصول مسائل العلم وقواعده العامة حصلت له ملكة لكنها ضعيفة. فإذا توسع في الشرح وذكر الآراء المختلفة تجود ملكته وتقوى، فإذا أصبح قادرًا على إدراك العويص المستغلق، وأصبح المدرس لا يترك خفيًا إلا وضحه وفتح مغلقه وأعانه على إدراكه، فقد تهيأت لطالب العلم ملكة راسخة، يقول ابن خلدون: (اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدًا إذا كان على التدريج شيئًا فشيئًا وقليلاً فقليلاً، يلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن، هي أصول ذلك الباب، ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال، ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهي إلى آخر الفن، وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم إلا أنها جزئية ضعيفة، وغايتها أنها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله، ثم يرجع به إلى الفن ثانية، فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها، ويستوفي الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال، ويذكر له ما هنالك من الخلاف.. فتجود ملكته، ثم يرجــع به وقد شــذا فلا يترك عويصًا ولا مهمًا ولا مغلقًا إلا وضحه، وفتح له مقفله، فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته...)(9).

2- تعريف الفقهية:
الفقهية قيد في الملكة لإخراج ما ليس بفقهية: كالملكة النحوية، والملكة الحسابية، والملكة الكتابية. والفقهية في اللغة: نسبة إلى الفقه وهو مأخوذ من فقه، وهو يطلق على الفهم والعلم والفطانة(10). وقيل: إن الفقه مشتق من (الفقء) وهو الشق والفتح، كما ذكر ابن الأثير(11)لأن الهمزة تتعاقب مع الهاء لاتحاد مخرجهما، وقد أيد هذا الحكيم الترمذي، وقرر أن الفقه هو معرفة بواطن الأمور والوصول إلى أعماقها، فمن لم يعرف من الأمور إلا ظواهرها لا يسمى فقيهًا، حيث قال: (والفقه مشتق من تفقؤ الشيء، يقال في اللغة: فقأ الشيء إذا انفتح، وفقأ الجرح إذا انفرج عمّا اندمل، والاسم فقئ والهاء والهمزة تبدلان، تجزي إحداهما عن الأخرى، فقيل: فقيء وفقيه.. والفهم هو العارض الذي يعرض في القلب من النور، فإذا عرض انفتح بصر القلب فرأى صورة ذلك الشيء. فالانفتاح هو الفقه، والعارض هو الفهم)(12). ولا مانع من اعتبار الاشتقاقين لما في الثاني من أثر في الالتزام بالأحكام الشرعية. فقد بين الحكيم الترمذي أثر ذلك الاشتقاق على التزام المسلم بالأحكام الشرعية; حيث قال: (... إن الذي يؤمر بالشيء فلا يرى زين ذلك الأمر، ويُنهى عن الشيء فلا يرى شينه، هو في عمى من أمره.. فإذا رأى زين ما أمر به وشين ما نهي عنه عمل على بصيرة، وكان قلبه عليه أقوى، ونفسه به أسخى، وحمد على ذلك وشكر.. والذي يعمى عن ذلك فهو جامد القلب، كسلان الجوارح، ثقيل النفس، بطيء التصرف)(13).. وقال في موضع آخر: (... فمن فقه أسباب هذه الأمور التي أمر ونهي، بماذا أمر ونهي، ورأى زين ما أمر وبهاءه، وشين ما نهي، تعاظم ذلك عنده، وكبر في صدره شأنه، فكان أشد تسارعًا فيما أمر، وأشد هربًا وامتناعًا مما نهي.. فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد الله تعالى به أهل اليقين، الذين عاينوا محاسن الأمور ومشاينها، ومقدار الأشياء وحسن تدبير الله عز وجل لهم من ذلك بنور يقينهم ليعبدوه على يسر.. ومن حُرِم ذلك عبده على مكابدة وعسر; لأن القلب -وإن أطاع وانقاد لأمر الله عز وجل- فالنفس إنما تخف وتنقاد إذا رأى نفع شيء أو ضرر شيء، والنفس جندها الشهوات وصاحبها محتاج إلى أضدادها من الجنود حتى يقهرها، وهي الفقه)(14). ومما يؤيد الأخذ بالاشتقاقين أن عمل الفقيه لا يقتصر على العلم بالأحكام الفقهية وفهمها، وإنما يتعدى ذلك إلى الكشف عن علل الأحكام ومآخذها ومقاصدها، وغير ذلك مما يساعد في عملية استنباط الأحكام الشرعية، ولذلك عرف الفقه بأنه: (الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي تعلق به الحكم)(15). والفقه في الاصطلاح: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية)(16) وزاده ابن خلدون توضيحًا حين قال: (معرفة أحكام الله في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والندب والكراهية والإباحة، وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة، فإذا استخرجت تلك الأحكام من الأدلة قيل لها فقه)(17). ولم يرتض الآمدي إطلاق الفقه على العلم. فقال: (الأشبه أن الفهم مغاير للعلم; إذ الفهم عبارة عن جودة الذهن من جهة تهيئه لاقتناص كل ما يرد عليه من المطالب، وإن لم يكن المتصف بها عالمًا، كالعامي الفطن)(18). ولا مانع من إطلاق الفقه على العلم والفهم والفطنة، والكشف عن المعاني الخفية.. والفقيه هو من اتصف بعلم الفقه أو بالاجتهاد، وعرفه البغدادي بأنه: (الضابط لما روى، الفاهم للمعاني، المحسن لرد ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة)(19).

ثانيًا: تعريف الملكة الفقهية باعتبارها لقبًا:
الملكة الفقهية:
(صفة يقتدر بها على استنتاج الأحكام من مآخذها)(20).. وعرفها ابن النجار الفتوحي بقوله: (أن يكون الفقه عنده سجية وقوة يقتدر بها على التصرف بالجمع والتفريق والترتيب والتصحيح والإفساد)، ثم قال: (فإن ذلك ملاك الفقه)(21).. وقد فصل القول فيها بعض المعاصرين حينما قال: (القدرة على النظر في الأدلة، وكيفية استنباط الأحكام منها، حتى لا تكاد تعرض عليه حادثة من الحوادث إلا أمكن أن يعطيها ما يليق بها من الأحكام، فضــلاً عن أنه بعد ذلك تطمــئن نفسه إلى ما يعــمل به من أحكام أو يفتي به غيـــره، أو يقضي به بين النــاس، إذ لا يقـــدم على ذلك إلا وهو يعلم الدليل على ما أقدم عليه)(22).
يلاحظ على التعريف الثاني أنه غير شامل، لأنه يقتصر على تخريج الأحكام على الأصول، والترجيح بين الأقوال في المذهب. ويلاحظ على التعريف الثالث أنه شرح تفصيلي لبعض مفردات الملكة الفقهية.. وأما التعريف الأول فهو غير شامل لجميع مفردات الملكة الفقهية، لأنه يقتصر على استنباط الأحكام من الأدلة.
وأما مفردات الملكة الفقهية فهي:
1- فقه النفس: وهي صفة في النفس جبلية تحقق لصاحبها شدة الفهم لمقاصد الكلام(23)، كالتفريق بين المنطوق والمفهوم، قال السيوطي: (وفقه النفس لا بد منه، وهو غريزة لا تتعلق بالاكتساب)(24).
2- القدرة على استحضار الأحكام الشرعية العملية في مظانها الفقهية، وذلك بالإحاطة بمبادئ الفقه وقواعده والوقوف على مسائله، قال ابن خلدون: (الملكة: الإحاطة بمبادئ العلم وقواعده، والوقوف على مسائله، واستنباط فروعه من أصوله)(25).
3- القدرة على استنباط الأحكام العملية من الأدلة التفصيلية، وهي صفة مكتسبة تحصل في النفس بالتضلع بالعلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية وغير ذلك مما هو ضروري للاجتهاد.
4- القدرة على تخريج الفروع على الأصول وتخريج الفروع من الفروع، والترجيح في المذهب.
5- القدرة على الترجيح إذا اختلف الفقهاء في مسألة من المسائل، لأن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، فهذه صفة الفقهاء الراسخين في الفقه كما ذكر أبو يوسف(26).
6- القدرة على التعبير عن مقصود الفقه، ودفع الشبهات الواردة عليه، قال ابن الأزرق: (الشروط الدالة على حصول الملكة في العلم: المعرفة بحصول أي علم كان، وما بني عليه ذلك العلم، وما يلزم عنه، والقدرة على التعبير عن مقصوده، والقدرة على دفع الشبه الواردة عليه فيه)(27).

وبناء على ما سبق يمكن وضـــع تعريــــف للمـــلكة الفقهية، وهو أنها: (صفة راسخة في النفس، تحقق الفهم لمقاصد الكلام الذي يسهم في التمكن من إعطاء الحكم الشرعي للقضية المطروحة، إما برده إلى مظانه في مخزون الفقه، أو بالاستنباط من الأدلة الشرعية أو القواعد الكلية).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

المطلب الثاني: الألفاظ ذات الصلة بالملكة الفقهية:
من الألفـــاظ ذات الصـــلة بالملكة الفقهية: البصيرة، والحكمة، والاجتهاد.
1- البصيرة:
البصيرة لغة: من بصر وهو العلم بالشيء، ويقال: بصرت بالشيء بصرًا علمت. ويقال: هو بصير به، وجمع بصيرة بصائر(28).
والبصيــرة في الاصطــلاح: (قـــوة للقــلب المنوَّر بنور القدس، يــرى بها حقـــائق الأشيــاء وبواطنـــها)، فهي بمثــابة البصر للنفس يرى به صور الأشياء وظواهـــرها(29).
وبعبارة موجزة هي: (قوة القلب المدركة)(30)
وعرفها العسكــري بأنها: (تكامـــل العــلم والمعرفة بالشيء)(31).

فالبصيرة تأتي بمعنى الملكة العلمية، فهي أعم من الملكة الفقهية. وقد أشــــــار القــــــرآن إلى ذلك، قـــال تعـالى: (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ )(الأنعام:104).

2- الحكمة:
الحكمة لغة: من الحكم وهو المنع. سميت الحكمة بذلك، لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال(32).
والحكمة في الاصطلاح: تطلق على عدة معان منها: العدل، والعلم، والحلم، والنبوة، والقرآن، والإنجيل، والسنة، والفقه بالدين، والعمل به(33). وقد رجح الإمام مالك أن الحكمة هي الفقه في الدين، حيث قــال: (الذي يقــع في قلبي أن الحــكمة هي الفقه، ومما يتـــبين ذلك أن الرجل تجــده عاقلاً في أمر الدنيا ذا نظر فيها وبصر بها ولا علم له بدينه، وتجــد آخر ضعيــفًا في أمر الدنيا عالمًا بأمر دينه بصيرًا به، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة الفقه في دين الله)(34).
والفقه في الدين هو معرفة أسرار الأمور وفقه الأحكام، وبيان المصلحة فيها، والطريق إلى العمل بها، وهو يبعث على العمل والالتزام، كما أن العمل يوصل إلى الفقه في الدين، أو طرق الاستدلال، ومعرفة الحقائق ببراهينها، وهي طريقة القرآن(35).
فالحكمة تأتي بمعنى الملكة الفقهية، لأنها تنشأ عند الإنسان بأمرين، هما:
الأول: نــور يقذفـه الله في قلب العـالم المسلم، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (ومن يؤت الحكمـــة فقــــد أوتــــي خيرًا كثيرًا ) (البقرة:269).
والثاني: بالاكتســـاب، ويؤيـــد ذلك مـــا روي عن عبـــد الله ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها )(36).
فالحكمة تكتـــسب بالعــــلم، قال ابن مسعود: (نعـــم المجلس مجـــلس تنـــشر فيـــه الحكمة، وترجى فيه الرحمة)(37).

3- الاجتهاد:
الاجتـــهاد لغة: من الجهد، أصــــله المشـــقة، ثم يحمـــل علــيه ما يقاربه، يقال: جهدت نفسي وأجهدت.. والجهد الطاقة.
والاجتهاد في الاصطلاح(38): (استفراغ الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعي)(39).
فالاجتهاد الفقهي عملية عقلية، يقصد منها تحصيل الحكم الشرعي، سواء عن طريق النظر في الأدلة التفصيلية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أو عن طريق النظر في نصوص إمام المذهب، فيرجح ويخرج وينقل المذهب كما قال الدهلوي: (حقيقة الاجتهاد هو استفراغ الجهد في إدراك الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية الراجعة كلياتها إلى أربعة أقسام: الكتاب والسنة والإجماع والقياس. ويفهم من هذا أنه أعم من أن يكون استفراغًا في إدراك حكم ما سبق التكلم فيه من العلماء السابقين أولاً، وافقهم في ذلك أو خالف، ومن أن يكون ذلك بإعانة البعض في التنبيه على صور المسائل، والتنبيه على مآخذ الأحكام من الأدلة التفصيلية، أو بغير إعانة منه.. فما يظن فيمن كان موافقًا لشيخه في أكثر المسائل، لكنه يعرف لكل حكم دليلاً ويطمئن قلبه بذلك الدليل، وهو على بصيرة من أمره، أنه ليس بمجتهدٍ ظنٌ فاسد)(40).
والاجتهاد هو معرفة الحكم الشرعي بدليله ولو كان متبعًا لغيره في الحكم، فإذا وصل الفقيه لهذه المرحلة كان ذا ملكة فقهية..
فالاجتهـــاد والملكة الفقهية متقـــاربان، ويؤيد ذلك أنه يشــــترط لهما أن يكون الشخص فقـــيه النفس بأن يكون شــديد الفهم لمقاصد الكـــلام. ولأن الفقيه من اتصف بعلم الفقه أو بالاجتهاد، فلا يتصور فقيه غير مجتهد ولا مجتهد غير فقيه على الإطلاق، كما أشار التفتازاني(41).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

جزاك الله خيرا على قبول الدعوة وجهودك الطيبة ، وأعانك الله على إكماله ، وليته يتم التكرم بإضافة الكتاب هنا كمرفق لتعم الفائدة أكثر .
وجزاكم خيرا على المبادارة
والدال على الخير كفاعله
تمت إضافة الكتاب للفائدة
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

أصناف المجتهدين وبعض الأدلة على ذلك التصنيف:
1) الفقيه ( المجتهد ) :
...................
2) المتبع على بصيرة :
..................
كيف يكون المتبع مجتهدا؟
أليس الأولى به أن يكون مقلداً؟
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

المبحث الثاني:
أنواع الملكة الفقهية
إذا كان الاجتهاد مقاربًا للملكة الفقهية فيمكن أن نستخلص أنواع الملكة الفقهية من خلال قراءة متأنية في طبقات المجتهدين ومراتبهم(1).
وفيما يلي بيان لتلك الأنواع:

أولاً: ملكة تقرير القواعد الأصولية والاستنباط الفقهي المستقل:
وهي تتحقق في الفقيه الذي يستقل بإدراك الأحكام الفقهية من الأدلة الشرعية من غير تقليد لغيره في الغالب، لا في الأصول ولا في الفروع، كعلماء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط الفروع.. ويختص صاحب هذه الملكة بالأمور التالية(2):
1- كونه فقيه النفس، ليتسنى له استنباط الأحكام الشرعية.
2- التصرف في الأصول التي يبني عليها اجتهاداته الفقهية بتقرير قواعد للاستنباط خاصة به، فلا يقلد فيها غيره.
3- النظر في الآيات والأحاديث والآثار لاستنباط الأحكام للفروع الفقهية، ولو كان مسبوقًا فيها، فينظر في الأدلة المتعارضة، ويختار بعضها على بعض، وينـــبه على مـــآخذ الأحكام في تلك الأدلة.
4- القدرة على استنباط الأحكام الفقهية للقضــايا المستجدة التي لم ينــزل فيها نص شرعي، فيقيس الأشبــاه بالأشــبــاه منها والنظائر بالنظائر.
5- القدرة على إنزال الأحكام المجردة في النصوص الشرعية على الوقائع الحياتية التي تحدث للناس، وهو يتطلب دراسة الواقعة المعروضة دراسة وافية تشتمل على تحليل دقيق لعناصرها وظروفها وملابساتها، زمانًا ومكانًا، كما يتطلب النظر في مآلات الأفعال المتوقعة; لأن النظر إلى نتائج التطبيق ومآلاته أصل معتبر مقصود شرعًا كما قرر الإمام الشاطبي(3).

ثانيًا: ملكة الاستنباط الفقهي المبني على أصول الغير:
وهي تتحقق في الفقيه القادر على استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية بناء على قواعد الاستنباط التي قررها إمامه. وقد تكون اجتهاداته موافقة لاجتهادات إمامه، وقد تكون مخالفة لها، ومن هؤلاء الفقهاء: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري (182هـ)، وأبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني (189هـ) من الحنفية، وعبد الرحمن بن القاسم (126هـ)، وأشهب بن عبد العزيز القيسي العامري (204هـ) من المالكية، وإسماعيل بن يحيى المزني (264هـ)، والربيع بن سليــمان المرادي (270هـ) من الشافعية، وأبو بكر أحمد بن محمد الخلال (311هـ) من الحنابلة.
ويختص صاحب هذه الملكة بالأمور التالية:
1- كونه فقيه النفس.
2- القدرة على النظر في كتاب الله والسنة والإجماع والقياس.
3- القدرة على استنباط الأحكام للمستجدات الفقهية.
4- اتباع إمامه في الأصول.
5- التمكن من تنزيل الأحكام على الواقع.

ثالثًا: ملكة التخريج الفقهي:
وهي تتحقــق في الفقيه المتمكن من تخريج الوجوه الفقهية على قواعد إمامه الكلية ونصوصه الفرعية.. فهو متمكن من إلحاق الفروع بالقواعد الكلية، وإلحاق الشبيــه بالشبــيه من الفروع، والتمييز بين المتشابهات بإبداء الفروق والموانع. وهو يحيط بقواعد الاستنباط في المذهب، ويعرف تقييدات مطلقات المذهب، ومخصصات عمومه، ويدرك مآخذ الأحكام التي نص عليها الإمام، ويعرف عللها ومعانيها.
ومن هؤلاء الفقهاء: الحسن بن زياد اللؤلؤي (ت 204هـ) من الحنفية، وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن (ابن أبي زيد) القيرواني المالكي (386هـ)، ومحمد بن نصر المروزي (294هـ) الشافعي، والقاضي أبو يعلى محمد بن الحسين (458هـ) الحنبلي.
ويختص صاحب هذه الملكة بالأمور التالية:
1- كونه فقيه النفس.
2- القدرة على معرفة أدلة الأحكام التي نص عليها الإمام، ومعرفة تقييدات مطلقاتها، ومخصصات عمومياتها، ومآخذ الأحكام وعللها ومعانيها ومقاصدها.
3- القدرة على تخريج الأحكام على قواعد الإمام وفروعه.
4- معرفة أصول الاستنباط في المذهب.
5- حفظ أقوال الإمام وأصحابه.

رابعًا: ملكة الترجيح في المذهب:
وهي تتحقق في الفقيه المتمكن من الترجيح بين أقوال الإمام وبعض أصحابه، فيقررها ويرجح قولاً على قول آخر، ويميز أصح الأقوال من غيرها ويرتبها، ويحررها، ويكتب المؤلفات والتصانيف فيها، ويستند في ذلك إلى معرفة أدلة الأحكام ومرجحاتها، وأصول الإمام، ومعرفة علل الأحكام المنصوص عليها في المذهب ومآخذها.
ومن هؤلاء الفقهاء: أبو الحسن بن أبي بكر القدوري (428هـ) من الحنــــفــية، وأبــو الـــوليـــد محمد بن رشـــد القــرطبي، الجــــد (ت 520هـ) من المالكية، وإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني (478هـ) من الشافعية، وعمر بن الحسين الخرقي (334هـ) من الحنابلة.
ويختص صاحب هذه الملكة بالأمور التالية:
1- كونه فقيه النفس.
2- حفظ أقوال الإمام وأصحابه.
3- الإلمام بقواعد الاستنباط في المذهب.
4- إدراك علل الأحكام ومآخذها.
5- القدرة على الترجيح بين الأقوال في المذهب.

خامسًا: ملكة استحضار المذهب (القول المعتمد):
وهي تتحقق في الفقيه بالتمكن من حفظ الأقوال المعتمدة في المذهب، وذلك بفهم واضحات المسائل ومشكلاتها، ومعرفة تقييدات المطلقات، ومخصصات عمومات الأحكام، ولكنه لم يدرك مدارك إمام المذهب ومستنداته في فروعه الفقهية إدراكًا متقنًا، بل سمعها من حيث الجملة من غيره من الفقهاء.
فإذا عرضت له واقعة لا يوجد فيها نص، لا يستطيع أن يخرجها على نصوص إمامه إلا إذا كانت واضحة الشبه بالمسألة المنصوص عليها، بحـــيث يدرك وجه الشبــه بالبــداهة من غير جهد، وذلك لأن إدراك الشبه الخفي يحتاج إلى الإحاطة بمدارك إمام المذهب ومآخذ الأحكام.
ومن هؤلاء الفقهاء: عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (710هـ) الحنفي صاحب كنز الدقائق، وخليل بن إسحق (776هـ) المالكي صاحب مختصر خليل، وإبراهيم بن يوسف الشيرازي (467هـ) الشافعي، صاحب المهذب، وموسى بن أحمد المقدسي الحجاوي (968هـ) الحنبلي صاحب الإقناع.
ويختص صاحب هذه الملكة بالأمور التالية:
1- كونه فقيه النفس.
2- حفظ المعتمد في المذهب وعدم نقل الأقوال المردودة.
3- معرفة تقييدات المطلقات وتخصيص العمومات.
4- تصنيف الكتب التي تعبر عن المذهب وصياغتها صياغة علمية.

سادسًا: ملكة الترجيح بين المذاهب:
وهي تتحقق في الفقيه الذي يتمكن من دراسة آراء الفقهاء في المذاهب المختلفة دراسة مقارنة، بحيث يصور المسألة تصويرًا دقيقًا، ويعرض آراء المذاهب عرضًا صحيحًا، بحيث يعتمد في تقريرها على الكتب المعتمدة في كل مذهب، ويبين أسباب اختلاف الفقهاء فيها، ويذكر الأدلة التي استند إليها كل مذهب، ثم يقوم بتمحيصها وعركها سندًا ومتنًا ودلالة، ويقارن بعضها ببعض، بهدف الوصول إلى الرأي الذي تقويه الأدلة.
وممن قام بهذا العمل من الفقهاء: محمد بن جرير الطبري (310هـ) في كتاب اختلاف الفقهاء، وأبو عبد الله محمد بن نصر المروزي (294هـ) في كتاب اختلاف العلماء، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر (318هـ) في كتاب الإشراف على مذاهب العلماء، والأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، وأبو الحسن علي ابن محمد المـــاوردي (450هـ) في الحاوي الكبير، وأبو محــمد عبد الله بن أحمد بن قدامة (620هـ) في كتاب المغني، وغير ذلك.
ويختص صاحب هذه الملكة بالأمور التالية:
1- فقيه النفس.
2- القدرة على تمحيص الأدلة، سندًا ومتنًا ودلالة.
3- معرفة أسباب اختلاف الفقهاء.
4- الأمانة العلمية، بحيث ينقل الآراء الفقهية من الكتب المعتمدة في كل مذهب.
5- معرفة تقييدات المطلقات ومخصصات العمومات في جميع المذاهب.
6- معرفة وجوه الترجيح في أصول الفقه.
7- الموضوعية، بحيث يبحث في المسائل الفقهية دون أن يتعصب لرأي من الآراء.
 
إنضم
21 نوفمبر 2010
المشاركات
298
التخصص
الفقه المالكي وأصوله
المدينة
وهران
المذهب الفقهي
المالكي
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

حفظ الله الأخوات الفضليات على على البسط في الشرح والتنقيح والضبط.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

هذا مايسر الله بعد الاستخارة وأسأل الرحمن أن أكون قد وفقت في التوضيح وإزالة اللبس ،
جزاك الله خيرا أخيتي ونفعنا بك وبعلمك
شرح موفق أزال اللبس ووضح المقصود


وأرجو من المشرفين تثبيت هذا الموضوع نظرا لأهميته وديمومة حاجة المؤسسات العلمية والجامعيين من أساتذة وطلبة ، وكذا طلبة العلم غير الدارسين في الجامعات .
سوف يتم التثبيت بحول الله للفائدة




كنت أود ترشيح هذا الموضوع كأفضل موضوع ولكن لاتوجد تلك الخانة فهل من إفادة ؟
الخانة المخصصة لترشيح أي موضوع موجودة في أسفل المشاركة الأولى إلى اليسار
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

وليت أحد الأفاضل يقبل دعوتي ويتكرم ينقل باب ((مراتب الفقهاء )) من ذلك الكتاب كموضوع مستقل ،
فكرة جيدة بارك الله فيك
سوف يتم ذلك
كما أنني أفكر بعد عرض الكتاب كاملا بنقل أغلب مباحثه وفصوله إلى موضوعات مستقلة كما أراد أخونا الأستاذ سند البيضاني ابتداء عند دعوته لقراءة الكتاب
وبهذا تتم مناقشة كل فصل أو مبحث بصورة مستقلة
كما يمكن للباحث مستقبلا أن يصل للمبحث الخاص الذي يحتاج بسهولة
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

المبحث الثالث:
الحكم التكليفي لتكوين الملكة الفقهية وفضلها وأهميتها
يقصد من هذا المبحث إيجاد الدافعية لتعلم الفقه وتحصيل الملكة الفقهية، وذلك ببيان حكم تكوينها التكليفي، وفضل تحصيلها، وأهمية وجودها.. وفيما يلي بيان لهذه الأمور:

المطلب الأول:
الحكم التكليفي لتكوين الملكة الفقهية:
نص الفقهاء على أن طلب العلم الشرعي بما فيه الفقه، وتحصيل الملكة فيه، فرض كفاية إلا فيما يتعين طلبه، مثل ما هو مطلوب من المسلم لأداء ما وجب عليه: كتعلم صفة الوضوء والصلاة والصوم، وأحكام الزكاة إذا كان يملك مالاً، وأحكام المعاملات إذا كان تاجرًا، فــإن تعـــلم هذه الأحكـــام يكـــون فــرض عــين، أمــا ما عـــدا ذلك من التخصص في الفقه وتكوين الملكة فيه فهو فرض كفاية، إذا قام به البعض الذي يسد حاجة المجتمع من قضاة ومفتين ومدرسين ومجتهدين، سقط الإثم عن أفراد المجتمع، وإلا لحق الإثم الجميع..
فقد ذكر ابن عـــابدين أن تعــلم الفــقه ممـــا زاد على ما يحتاج إليه في دينه فرض كفاية(1).
وقال ابن رشد: (طلب العلم والتفقه في الدين من فروض الكفاية كالجهاد)(2)..
وقال الخطيب الشربيني: (ومن فروض الكفايات القيام بعلوم الشرع: كتفسير وحديث والفروع الفقهية الزائدة على ما لا بد منه)(3)..
وقال ابن تيمية: (طلب العلــم الشـــرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمـــره الله به ونهاه عنه، فــإن هـــذا فـــرض على الأعيان)(4).


ومما يدل على اعتبار تكــوين الملـــكة الفقهية فرض كفاية، الأدلة التالية:

1- قال تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )(التوبة:122).
الآية تدل على وجوب تعميم التفقه في الدين والاستعداد لتعليمه في مواطن الإقامة، وتفقيه الناس فيه على الوجه الذي يصلح به حالهم، ويكونون به هداة لغيرهم.. وأن المتخصصين لهذا الفقه بهذه النية لا يقلون في الدرجة عند الله عن المجاهدين بالمال والنفس لإعلاء كلمة الله والدفاع عن الملة والأمة، بل هم أفضل منهم في غير الحال التي يكون فيها الدفاع فرضًا عينيًا(5).
2- وقال تعالى: (ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )(النساء:83).
قال النـــووي: (الاعــتنــاء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة; لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، وإذا أهمــل الاستنــباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو بعضها)(6).
3- وروي عن ثوبان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك )(7).
فسر البخاري الطائفة الظاهرة بأهل العلم من الفقهاء; لأنه أيد ذلك بذكر حديث: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطي الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله )(8).
وقد اختلف العلماء في المراد بالطائفة، فقيل: أهل العلم. وقال أحمد: أهل الحديث.. وقال النووي: (يجوز أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع من المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين من أقطار الأرض)(9).
فالحديث يدل على أنه لا يجوز أن يخلو الزمان من فقهاء مجتهدين مما تحتاج لهم الأمة كما قال الإمام علي رضي الله عنه: (لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، لكيلا تبطل حجج الله وبيناته، أولئك هم الأقلون عددًا، الأعظمون عند الله قدرًا)(10).
4- ولأنه بتكوين الملكة الفقهية دفع لحاجة المجتمع إلى الوظائف العامة من قضاء وفتيا وحسبة وتدريس وغير ذلك.
----------------------
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

المطلب الثاني:
فضل تحصيل الملكة الفقهية:
بيَّن الإسلام فضل العلماء عامة والفقهاء خاصة في عدة نصوص من القرآن والسنة، نذكر منها:
1- قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أتُوا العلم درجات )(المجادلة:11).
2- قوله تعالى: (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )(آل عمران:79).
3- ما روي عن حميد بن عبد الرحمن قال: سمعت معاوية رضي الله عنه خطيبًا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ...)(11).
4- عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضًا: فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به )(12).
فنقية بمعنى: طيبة.. وقد دل الحديث على فضل الفقه والفقيه، فالفقـــه كالغـــيث يحيي القلوب الميتة، والفقيه العامل بمنزلة الأرض الطيبة التي شربت الماء فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها(13).
5- وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (فقيه (واحد) أشد على الشيطان من ألف عابد )(14).
قال ابن العـــربي في فضــل الفـــقيه الفاهم للمعاني، المحسن لرد ما اختلف فيه إلى الكتاب والسنة: (إذا كان رجل متماديًا على العمل لا يفتر، وآخر حسن الفهم والتدبر في الشريعة لما يتذكر به ويذكر، كان عمل هذا أضعاف ذلك، لأن فعله وافر ونظره صادق، يقدر بفهمه مواقع التلبيس عليه في تلبيس إبليس، فيكون عمله وافرًا مخلصًا آمنًا)(15).
6- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.. إن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) (16).
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

المطلب الثالث:
أهمية وجود الملكة الفقهية:
يمكن إدراك أهمية وجود الملكة الفقهية من خلال تلمس فوائدها لكل من الفقيه والمجتمع الذي يعيش فيه.
أولاً: فوائد الملكة الفقهية للفقيه:
إن المستفيد الأول من وجود الملكة الفقهية هو الفقيه، حيث تحصل له عدة فوائد عملية منها:
1- النضوج العقلي والفكري:
إن الملكة الفقهية بما تشتمل عليه من أنواع الملكات تزيد الفقيه ذكاء في عقله وإضاءة في فكره; لأن النفس تزداد كَيَسًا بالعلوم والملكات التي توجد فيها، قال ابن خلدون: (حسن الملكات في التعليم والصنائع وسائر الأحوال العادية يزيد الإنسان ذكاءً في عقله وإضاءة في فكره، بكثرة الملكات الحاصلة للنفس، إذ قدمنا أن النفس إنما تنشأ بالإدراكات وما يُرجع إليها من الملكات، فيزدادون بذلك كَيَسًا لما يرجع إلى النفس من الآثار العلمية، فيظنه (أي الذكاء) العامي تفاوتًا في الحقيقة الإنسانية وليس كذلك)(17).
سئل أحد المبدعين المعاصرين الغربيين، وأظنه (نيوتن)، عن سبب إبداعه فقال: (إن 97% منه يرجع إلى الجد والمثابرة في التحصيل، و3% يرجع إلى الذكاء).

2- الحذق في الفقه والتفنن فيه والاستيلاء عليه:
إن الملكة الفقهية تجعل الفقيه حاذقًا في علم الفقه، متمكنًا منه، قادرًا على الإبداع فيه والعطاء، بالتأليف وتصوير المسائل تصويرًا دقيقًا ورد الشبهات عنه، يقــول ابن خلدون: (إن الحـــذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده، والوقوف على مسائله، واستنباط فروعه من أصوله.. ما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلاً)(18). وذكر الفيروزآبادي: (إن المصنفين المعتبرة تصانيفهم فريقان:
الأول: من له في العلم ملكة تامة ودربة كافية، وتجارب دقيقة، وحدس ثاقب صائب، واستحضار قريب.. وتصانيفهم عن قوة تبصرة ونفاذ فكر وسداد رأي، تجمع إلى تحرير المعاني تهذيب الألفاظ، وهذه لا يستغني عنها أحد من العلماء، فإن نتائج الأفكار لا تقف عند حد، بل لكل عالم ومتعلم منها حظ، وهؤلاء أحسنوا إلى الناس كما أحسن الله إليهم، زكاة لعلومهم، وإبقاء للذكر الجميل في الدنيا والأجر الجزيل في الأخرى.
الثاني: من له ذهن ثاقب، وعبارة طلقة، ووقعت له كتب جيدة جمة الفوائد لكنها غير رائقة في التأليف والنظم فاستخرج دررها وأحسن نضدها ونظمها.. وهذه ينتفع بها المبتدئون والمتوسطون، وهؤلاء مشكورون على ذلك محمودون)(19).
وقد مثل صديق حسن خان للفريق الأول بتصانيف العضد الإيجي، والسعد التفتازاني والجلال الدواني(20).. ويضاف إلى ذلك تصانيف شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني، فإن تصانيفهم مما ينفع العلماء عامة والفقهاء خاصة.

3- الوصول إلى آراء فقهية ناضجة:
إن الفقيه صاحب الملكة الفقهية الراسخة يتمكن من الوصول إلى آراء فقهية ناضجة مبنية على أصول الاستنباط وعلل الأحكام ومآخذها. وقد تجلى ذلك في كثير من العلماء، مثل الإمام أبي عبد الله محمد المقري (759هـ) صاحب كتاب القواعد الفقهية، حيث يقول الدكتور محمد أبو الأجفان: (وبالملكة الفقهية الحاصلة للمقري كانت له أنظار اجتهادية تجلت في الترجيح بين الأقوال، وتوجيه الآراء، وتعليل الأحكام، والرجوع إلى المدارك الأصلية، للدعم أحيانًا وللاستنتاج أحيانًا أخرى)(21).

4- القدرة على استخراج الأحكام الخفية من الأدلة البعيدة:
إن الذي يميز الفقيه صاحب الملكة الفقهية الراسخة عن غيره من الفقهاء، القدرة على استخراج واستنباط الأحكام الخفية من الأدلة البعيدة أو غير المباشرة، كأن يستنبط الأحكام العقائدية والفقهية من الآيات التي تتعلق بقصص القرآن وغيرها مما ليس له علاقة بالعقيدة أو الفقه، قال الشهرستاني: (بأي شيء يعرف العامي أن العالم قد وصل إلى حد الاجتهاد ؟ وكذلك المجتهد نفسه من يعلم أنه استكمل شرائط الاجتهاد ؟ يظهر أن العالم يعرف ذلك من نفسه، بأن يعلم أنه أتقن آلاته كل الإتقان، ووجد له ملكة وقدرة على الاستنباط واستخراج الأحكام الخفية من الأدلة البعيدة)(22).
ومثل الشهرستاني لذلك بإمام الحرمـــين الجـــويني حينما سئل ما الدليل على أن الباري تعالى ليس له جهة ؟ فقال: (الدليل عليه قوله صلى الله عليه و سلم: (لا تفضلوني على يونس بن متى )، فخفي وجه الدلالة على الحاضرين، فقرره لهم بطريقه)(23).
وقد عقب الشهرستاني على ذلك بقوله: (فمثـــل هذا الاستنــباط الدقيـــــق إنما يدركه مجتهد بخلاف الأحكام الظـــاهرة من الأدلة القريبة، فإن ذلك يقدر عليه كل عالم، وإن لم يبـــلغ درجة الاجتهاد)(24).
وقد استنبط الشافعي من قوله تعالى: (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ً)(مريم:92)، أن من ملك ولده عتق عليه(25).

5- شدة الحذر في الفتوى:
إن نظر الفقيه صاحب الملكة الفقهية الراسخة في القضية الفقهية المطروحة عليه يكون أتم وأشمل، حيث إنه عند وضع تصور لتلك القضية يضع كل الاحتمالات ويورد كل الإشكالات والمعضلات التي تتعلق بتلك القضية، ويعمل عقله في إيجاد الحلول المناسبة لتلك الإشكالات والمعضلات، وهذا مما يجعله يتوقف فيها أحيانًا، ويتردد فيها أحيانًا أخرى.
وهذه مزية في الفقيـــه كما يقول المناوي: (إن المجتهد كلما ازداد عـــلمًا وتدقيـــقًا وكان نظـــره أتم انفـــتاحًا وتحقــيقًا تكـــاثرت عليه الإشكالات الموجــبة للتوقـــف لديه، وتزاحــمت المعضـــلات بين يديه)(26).
وقد رد المناوي على من اتهم الإمام الشافعي بقلة العلم للتردد في بعض المسائل الفقهية، وذكر وجهين فيها بقوله: (وقد نقل عن بعض العلماء أنه ذكرت عنده هذه المسألة فقال: لو لم يكن للشافعي على غيره مزية ورجحان إلا بتردد أقواله لكفانا كفاية ومقنعًا، فإنه ما نشأ تردد أقواله إلا لفائض نظره ودقيق فكره لهذه الخبايا والخفايا. نعوذ بالله من حسد يعمي الأبصار والبصائر)(27).

ثانيًا: فوائد الملكة الفقهية للمجتمع:
إن عودة الفقهاء ذوي الملكات الفقهية حاجة اجتماعية ملحة، تحقق للمجتمع الاستقرار، وتمنحه القدرة على النمو ومواكبة المستجدات. وفيما يلي بعض الفوائد التي تتحقق للمجتمع الإسلامي من وجود الفقهاء ذوي الملكات الفقهية الراسخة:
1- معالجة قضايا العصر ومشكلاته ووقائعه المستجدة:
إن لكل عصـــر قضــاياه ومشكلاته ووقـــــائعـــه المتجـــددة التي لم يتكلم عنها الفقهاء السابقون. فلا بد من الفقهاء ذوي الملكات الفقهية الراسخة للاجتهاد في تلك القضايا والمشكلات والوقائع، وإلا أدى ذلك إلى عزل المجتمع وتجميـــده، ومن ثم أن يلــهث المجتـــمع الإسلامي وراء السراب في البلاد الغربية، فيستعير منها قوانينها المخالفة لعقيدة الأمة وشريعتها، ويستورد منها حلول مشكلاتها ليطبقها كما هي على مشكلاته، فيقع في التخبط والهوان والضنك.
إن عودة الفقهاء ذوي الملكات الفقهية حاجة اجتماعية لمواجهة الحقائق التي ظهرت في هذا العصر، وبيان الحكم الشرعي في استعمال جميع ما استحدث مثل: الاستنساخ والتلقيح الاصطناعي وغير ذلك.

2- ترشيد الصحوة الإسلامية:
لم تقف الصحوة الإسلامية المعاصرة عند حدود الدعوة الفردية وتربية الأفراد، وإنما خاضت غمار السياسة، فشاركت في الوزارة لبعض الدول المعاصرة، وعقدت عدة تحالفات مع بعض الأحزاب السياسية غير الإسلامية، وشاركت في الانتخابات النيابية والبلدية وغير ذلك.
وقد تحمس بعض المخلصين لهذه الأعمال واعتبروها من المصالح المرسلة، في حين منع فريق آخر من المخلصين بعض الأعمال السياسية واعتبروها من الأضرار التي تؤدي إلى ضياع العملية التربوية، وتناحر الطرفان إلى حد المنازعة والمشادة الكلامية والمعاداة; مما قد يترتب عليه انقسام الجماعة الواحدة إلى أقسام، ومن ثم ضياع جهود سنوات طويلة من الإعداد والتربية وهداية الناس.
فلا بد من الفقهاء ذوي الملكات الفقهية لحسم هذا الاختلاف وبيان الرأي الراجح، الذي يستند إلى النصوص الشرعية وواقع المسلمين اليوم ومصلحة الأمة الإسلامية، ويستعين هؤلاء الفقهاء في معرفة تلك المصلحة بأهل الخبرة في الشؤون السياسية، وذلك لضمان وحدة الجماعة الإسلامية وعدم تشرذمها.

3- ترشيد المؤسسات المالية الإسلامية:
ظهر في هذا العصر كثير من المؤسسات المالية الإسلامية كالمصارف الإسلامية، وشركات التأمين الإسلامية، وقد زاد عددها على المائتين. وأظهرت هذه المؤسسات العديد من القضايا الاقتصادية التي تحتاج إلى اجتهاد فقهي مثل: المرابحة للآمر بالشراء، والإجارة المنتهية بالتمليك، وبطاقات الائتمان، وغير ذلك. هذا بالإضافة إلى أن أغلب القائمين على تنفيذ الصيغ الإسلامية في تلك المؤسسات هم من خريجي كليات التجارة المعاصرة التي يغلب على مقرراتها الاقتصاد الوضعي، ويقعون في أخطاء شرعية عند التنفيذ.
فلا بد من عودة الفقهاء ذوي الملكات الفقهية الراسخة للاجتهاد في القضايا الاقتصادية المعاصرة، ووضع المعايير الشرعية الواضحة للالتزام بها، ولا بد من مراقبة دائمة لأعمال المؤسسات الإسلامية من قبل لجان رقابة شرعية دائمة تتكون من الفقهاء العامـــلين المخلــصين، وإلا أصبـــــحت تــلك المـــؤسسات الإســــلاميـــة لا تختلف كثيرًا عن المؤسسات غير الإسلامية.

4- تذليل طريق العودة لقيام المجتمع الإسلامي:
المجتمع الإسلامي يتطلع بشوق للعودة للإسلام، وهذه العودة تحتاج إلى الفقيه صاحب الملكة الفقهية القادر على تقنين الفقه الإسلامي، وتقديم النظريات والنظم الإسلامية التي نعتز بها; لتكون دستورًا هاديًا ومنقذًا للمجتمع مما يعاني من تخبط وشقاء في أنظمته وشرائعه وسائر علاقاته في ميادين الحياة المختلفة.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

الفــــــــــصل الثاني

مقومات الملكة الفقهية
الملكة الفقهية تحصل لطالب الفقه بوجود مقوماتها، حيث يغرسها المدرس الحاذق في نفس الطالب المستعد لذلك، وفق منهاج دراسي أصيل.
وسيشتمل هذا الفصل على المباحث التالية:
1- الاستعداد العقلي والروحي والشخصي للمتفقه.
2- المدرس الحاذق والقدوة.
3- المنهاج الدراسي الأصيل.
4- الطريقة المثلى في تدريس الفقه.
المبحث الأول:
الاستعداد العقلي والروحي والشخصي للمتفقه
مثّل الرسول صلى الله عليه و سلم لطالب العلم بالأرض التي تستقبل الماء، وتنبت الزرع، فإذا كانت الأرض صالحة انتفعت بالماء في نفسها، وأنبتت، فنفعت غيرها، وكذلك طالب العلم إذا كان مستعدًا لتلقي العلم عقليًا وروحيًا وشخصيًا. وفيما يلي تفصيل ذلك الاستعداد.
المطلب الأول: الاستعداد العقلي للمتفقه:
لا تحصل الملكة الفقهية لطالب العلم الشرعي إلا إذا كان قوي المدارك، يعرف مقتضى الكلام ومعناه، فيدرك ما إذا كان اللفظ مجردًا عن القرائن، أو أن له قرينة تصرفه عن ظاهره، سمعية كانت أو لفظية، وهو الذي عبر عنه صاحب جمع الجوامع بقوله: (فقه النفس)(1) وشرحه الجلال المحلي بقول: (شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلام)(2)، ووضحه الماوردي بقوله: (الفطنة والذكاء ما يصل به إلى معرفة المسكوت عنه من أمارات المنطوق، وإن قلّت فيه الفطنة والذكاء لم يصح منه الاجتهاد)(3).
وعبر عنه المحلي بالعقل. والعقل غريزة لا تتعلق بالاكتساب. وكلما كان العقل أقرب إلى حالته الطبيعية كلما انطبعت فيه الملكات، كما يعتقد ابن خلدون(4).
وقد جعل الله العقول معادن الحكمة، ومقتبس الآراء، ومستنبط الفهم، ومعقل العقل، ونـــور الأبصار، بها يســـتدل على ما أخبر به من علم الغيوب، فيها يقدرون الأعمال قبل كونها، ويعرفون عواقبها قبل وجودها، وعنها تصدر الجوارح بالفعال بأمرها، فتسارع إلى طاعتها، أو تزجرها فتمسك عن مكروهها(5).
وقد اختلف في تحديد ماهية العقل تبعًا لكثرة وظائفه، فنقل عن كل من أحمد بن حنبل والمحاسبي أنه غريزة. وروي عن المحاسبي أنه نور في القلب، وقيل: جوهر روحاني خلقه الله تعالى متعلقًا ببدن الإنسان، وقيل: قوة للنفس الناطقة، وقيل: قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات(6).
والتحقيق -كما قال ابن الجوزي- (أن يقال: العقل ينطق بالاشتراك على أربعة معان. أحدها: الوصف الذي يفارق به الإنسان البهائم، وهو الذي استعد لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية. وهو الذي أراده من قال: غريزة، وكأنه نور يقذف في القلب يستعد به لإدراك الأشياء. والثاني: ما وضع في الطباع من العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات. والثالث: علوم تستفاد من التجارب تسمى عقلاً. والرابع: أنه منتهى قوته الغريزية إلى أن يقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة)(7).
ومن الواضح أن العقول متفــاوتة في الاستعداد لتلقي العلوم، فلا بد من اختبار أعلى المستويات العقلية والذهنية لدراسة الفقه الإسلامي. فقد كانت الأمة الإسلامية توجه أبناءها الأذكياء لدراسة الفقه، أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم.
ولذلك كان على الأمة إيجاد محاضن للأذكياء وتوجيههم نحو دراسة الشريعة الإسلامية منذ المراحل الأولى للدراسة، والتركيز عليهم من الناحية الأخلاقية والعلمية ومتابعتهم حتى تحصل لهم الملكة الفقهية.
ويراعى في اختيار هؤلاء الأذكياء أن يكونوا ذوي عزائم قوية، ومواهب فطرية تتعلق بدراسة الفقه الإسلامي. ولا يكتفى في اختيارهم على شهاداتهم التي تثبت درجاتهم في المـــواد التي يدرسونها، بل لا بد من اختبار لقياس القدرات والإمكانات والمواهب.
وتتم متابعة هؤلاء الأذكياء وتوجيههم باحترام شخصية الطلاب، وتقوية عزيمتهم وبعثها لنيل الدرجات العليا، وتقديم الحوافز المادية والمعنوية لهم. كما ينبغي على الموجهين الابتعاد عن أساليب التحقير والتقنيط والتشديد، وغير ذلك. ولا بد من أن نخص هؤلاء الأذكياء بدروس إضافية تتلائم مع ما يمتلكون من مواهب وقدرات. يقول الشيخ عبد الحميد بن باديس في رعاية هؤلاء الأذكياء: (رأيت أن لهم الحق أن يأخذوا حظهم من التربية والتعليم على وجـــه ينــاسبهم، فأسست لهم درسًا يوم الأحد من كل أسبوع...)(8).

المطلب الثاني: الاستعداد الروحي والخلقي للمتفقه:
إذا كان العلم الشرعي نورًا يقذفه الله في قلوب المؤمنين الطائعين المخلصين، فلا بد في المتفقه أن يكون صافي النفس من أدران الدنيا وشوائبها، مخلصًا في طلب الحق والمعرفة، لا يقصد بذلك إلا وجه الله تعالى، وأن يكون عدلاً في دينه، يلتزم الطاعات ويجتنب المعاصي(9). وقد دلت على ذلك الآيات والأحاديث وآثار الصحابة والسلف الصالح.. ومن ذلك:
1- قوله تعالى: (... ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا، وإذاً لآتيناهم من لدنا أجرًا عظيمًا، ولهديناهم صراطًا مستقيمًا ) (النساء:66-68).
2- قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا وما يذكر إلا أولوا الألباب )(البقرة:269).
3- قوله صلى الله عليه و سلم: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين )(10).
4- وقد كان السلف الصالح لا يقدمون على درس أو مطالعة إلا إذا تطهروا، وكانوا على جانب كبير من الاستعداد الروحي حتى يكونوا أقرب إلى الله تعالى، وإذا أعوزهم البحث توجهوا إلى الله تعالى بالدعاء والذكر أن يفتح عليهم فتوح العارفين فيما لم تهيئه لهم عقليتهم الضعيفة.
5- وقد بين الشافعي رضي الله عنه أن العلم نور يقذفه الله في قلوب الطائعين ويحجبه عن العاصين، فقال:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبـــــرني بـــــأن العــــلم نـــور ونور الله لا يهـــدى لعاصي(11)
بهذا يتبين أن الملكة الفقهية تحتاج من الفقيه إلى استعداد روحي; لأنها هبة من الله تعالى، وهبة الله تعالى لا تهدى إلى عاص، بل لا بد أن تصادف قلبًا مخلصًا ونفسًا زكية، كما قال الصنعاني: (إن الاجتهاد موهبة من الله يهبه لمن يشاء من العباد)(12).
وكانت الأوائل يختبرون المتعلم أولاً، فإن وجدوا فيه خلقًا رديئًا منعـــــوه، لئــلا يصــير آلة الفســاد، وإن وجــــدوه مهـــذبًا علمــــوه، ولا يطلقونه قبل الاستكمال خوفًا على فساد دينه ودين غيره(13).
فعلى القائمين على كليات الشريعة اليوم إجراء المقابلات الشخصية للطلبة المتقدمين لدراسة العلوم الشرعية للتأكد من سلامة قلوبهم وعدم خبث طويتهم. كما ينبغي عليهم متابعة الطلبة الذين التحقوا بكليات الشريعة، ليطبقوا ما يدرسون من علوم شرعية، ويلتزموا بالإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، ويتحلوا بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وينشروا العلم الذي تعلموه بين أقوامهم.

المطلب الثالث: الاستعداد الشخصي للمتفقه:
الملكة الفقهية تحتاج من المتفقه إلى استعداد شخصي يتمثل في الجد والهمة في طلب العلم، فإن الإنسان يطير بهما إلى الدرجات الشاهقة في العلم، وأنه مهما بلغ الإنسان من درجات في العلم يبقى بحاجة إلى المزيد، فلا بد من أن يبذل الوسع في الطلب والتحصيل والتدقيق والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراه الناس واقفًا إلا على أبواب العلم، ولا باسطًا يديه إلا لمهمات الأمور.
فطالب الفقه يستكثر من ميراث النبوة، ويذاكره باستمرار، ويتعاهده بالحفظ لأن العلم ما ثبت في الخواطر لا ما أودع في الدفاتر. فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إنما مثلُ صاحبِ القرآن كمثل صاحب الإبل المُعَقَّلةِ، إن عَاهَد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت )(14).
فالحديث يدل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه. فإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد، فإن العلوم الأخرى من فقه وحديث تذهب من باب أولى بعدم التعاهد.
وطالب الفقه ينبغي له أن يبذل جهده في تقييد العلم وكتابته لأن تقييد العلم بالكتابة أمان له من الضياع. كما ينبغي عليه أن يجعل دفترًا لتقييد ما يسمع من الفوائد ويستنبطه من الزوائد; فإن العلم صيد والكتابة قيد.
وطالب الفقه ينبــغي له أن يبحـث عن العــلم في أي مكـان، ولا يقتصر على ما يتلقاه من بعض المدرسين، بل يرحل إلى من يفيده في العلم ويدرس عليه بعض العلوم الضرورية لتكوين الملكة الفقهية. فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

المبحث الثاني:
المدرس الحاذق القدوة
الأصل في تكوين الملكة الفقهية أن تتم تحت إشراف أساتذة متمكنين في علمهم، وقدوة في سلوكهم، لأن من شأن الأستاذ المرشد الأمين الناصح أن يقوم ببناء شخصية الطالب، ويعمل على تنمية عقله وتهذيب سلوكه وإعداده للتفاعل مع المجتمع وقضاياه الحية، وأن يراعي في تدريسه مرحلة الطالب، فيقصد إفهام المبتدئ تصــور المســائل وأحكـــامها فقط، وأن يثــبتها بالأدلة إن كان العلم مما يحتجُّ له عند من يستحضر المقدمات. وأما إيراد الشبه إن كانت، وحلها فإلى المتوسطين والمحققين(1).
ويعتبر ابن خلدون حصول الملكات عن طريق التلقين والمشافهة والمباشرة أشد استحكامًا وأقوى رسوخًا من التلقي من الكتب; وذلك لأن التعليم صناعة، والصناعة لا بد لها من صانع ماهر، والصانع الماهر في ميدان العلم والتعلم هو المدرس الحاذق، ولذلك يقول ابن خلدون: (إن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكامًا وأقوى رسوخًا، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها، والاصطلاحات أيضًا في تعليم العلوم مخلطة على المتعــلم، حتى لقــد يظـــن كثــير منـــهم أنها جـزء من العلم، ولا يدفع عنه ذلك إلا مباشرته لاختلاف الطرق فيها من المعلمين، فلقاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز المصطلحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها، فيجرد العلم عنها، ويعلم أنها أنحاء تعليم وطرق توصيل، وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات، ويصحح معارفه وغيرها عن سواها، مع تقوية ملكته بالمباشرة والتلقين وكثرتها من المشيخة عند تعددهم وتنوعهم)(2).
كما يعتبر ابن خلدون اتصال السند في التعليم من أهم الأمور التي تعين على حذق المدرس ومهارته في التعليم لأنه تجتمع فيه خبرات السابقين، فهو يقول: (كان السند في التعليم في كل علم أو صناعة إلى مشاهير المعلمين فيها معتبر عند كل أهل أفق وجيل... ثم اعلم أن سند التعليم لهذا العهد قد كاد أن ينقطع عن أهل المغرب باختلال عمرانه وتناقص الدول فيه، وما يحدث عن ذلك من نقص الصنائع وفقدانها كما مر، وذلك أن القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستجر عمرانها، وكان فيها للعلوم والصنائع أسواق نافقة وبحور زاخرة، ورسخ فيها التعليم لامتداد عصورهما وما كان فيها من الحضارة، فلما خربتا انقطع التعليم من الغرب إلا قليلاً...)(3).
ومما يعين على تكوين الملكة الفقهية عند طالب الفقه أن يقصد من الفقهاء من اشتهر بالديانة وعرف بالستر والصيانة، بأن يكون قدوة لغيره. فقد روي عن محمد بن سيرين أنه قال: (إنما العلم دين فانظروا عمن تأخذون)(4).. والمدرس القدوة هو الذي رسم نفسه بآداب العلم، من استعمال الصبر والحلم، والتواضع للطالبين، والرفق بالمتعلمين، ولين الجانب، ومداراة الصاحب، وقول الحق، والنصيحة للخلق، وغير ذلك من الأوصاف(5).
وبالرغم من اتفاق العلماء على أن العلم الشرعي لا بد له من التلقي عن الشيوخ، إلا أننا وجدنا أن مثل علي بن رضوان المصري (453هـ) الذي اشتغل بالأخذ عن الكتب مباشرة، يدعو إلى تحصيل العلم عن الكتب مباشرة، وأنها أوفق من التلقي عن الشيوخ، وألف في ذلك كتابًا(6).
ولا يسلم لا بن رضوان هذا الادعاء، وقد رد عليه كثير من العلماء مثل: الذهبي في سير أعلام النبلاء، والصفدي في الوافي، والزبيدي في شرح الإحياء.. ويمكن تلخيص ردودهم فيما يلي:
1- إن الذي يعتمد على الكتاب لم يسلم من التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ. فهذا أبو علي ابن سينا مـع حــدة ذهــنه وما كــان علــيه من الذكـاء المفـرط والحـذق البـالغ، لما اتكل على نفسه وثوقًا بذهنه، لم يسلم من التصحيفات.
ومن الأمثلة على التصــحيف ما ذكره الحاكم، قال: (حدثــنا أبو بكر بن إسحاق الإمام، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن الوليد قال: حدثـــنا صفــوان بن صــالح، قـال: حدثـــنا الوليـــد ابن مسلم قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن لله تسعًا وتسعين اسمًا... وذكر فيه الأسامي وفيه: الحفيظ والمقيت ).
وقال أبو عبد الله: وهكذا أخرجه أبو بكر بن خزيمة في المأثور (المقيت)، فحدثنا أبو زكريا العنبري قال: حدثنا أبو عبد الله البوشيخي قال: حدثنا موسى بن أيوب النصيبي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم ذكر الحديث بنحوه وقال: (الحفيظ المغيث ) ومن قال: (المقيت ) فقد صحف(7).
وقد اتخذ العلماء موقفًا من الفقهاء الذين يأخـــذون علمهم من الكتب لا من الشيوخ. فقال أبو زرعة: (لا يفــتي الناس صحـــفي، ولا يقرئـــهم مصحفي)(8)، وكان ثور بن يزيد يقـــول: (لا يفتي الناسَ الصحفيون)(9).
2- إن الذي يقتصر في علمه على الكتب يفتقد عنصر الاقتداء والتأثر بأخلاق العلماء وآدابهم، وبالتالي لا يتورع عن القدح في العلماء والطعن فيهم، فقد قيل في سبب سلاطة لسان ابن حزم: إنه لا يلازم الأخذ من الشيوخ ولم يتأدب بآدابهم(10)، حتى قيل في لسانه: (كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين)(11).
3- ترى آلاف التراجم والسير على اختلاف الأزمان مشحونة بتسمية الشيوخ والتلاميذ. وهذا دليل مادي ملموس يدل على بطلان ادعاء ابن صفوان.
والحقيــقــة أن الاعتمــاد الكلي في تلقي العـــلم على الشيــوخ لا يصـــح، كما أن الاعتمـــاد الكلي في تلقي العــلم عـــلى الكــتب لا يصح، ولكن ينبغي لطالب العلم أن يبدأ تلقيه عن الشيوخ إلى أن يصل مرحلة الإحاطة بمبادئ العلم وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله، ومن ثم فلا مانع بعد ذلك من الاطلاع بنفسه على كتب العلم; لأنه مهما اتسع وقت الشيخ لتلميذه فلن يحـيط معــه بأكثر من أجـزاء معـــدودة. وقد كان ذلك شأن كثــير من العلمــاء مثل الجــويني حينما درس علم الأصـــول على شيخه أبي القاسم الإسفراييني حيث قال: (كنت قد علقت عليه في الأصول أجزاء معدودة، وطالعت في نفسي مائة مجلدة)(12).
لكن يظل تلقي العلم عن الشيوخ الحاذقين في مراحل التحصيل الأولى ضروريًا للتأسيس وتكوين الملكة الفقهية.. والمتتبع للفقهاء ذوي الملكات الفقهية الراسخة يجد أنهم تتلمذوا في مراحل تأسيسهم على شيوخ حاذقين، من هؤلاء التلاميذ: أبو حامد الغزالي، تتلمذ على إمام الحرمين الجويني، والقرافي تتلمذ على العز بن عبد السلام، وابن القيم تتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية... وهكذا.
فعلى طلبة علم الفقه أن يتتلمذوا على فقهاء عصرهم الموثوقين، ويطلعوا على الكتب الفقهية الموثوقة. وبذلك يكونون قد جمعوا بين الحسنين، وكان علمهم أتم وأكمل.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

وليت أحد الأفاضل يقبل دعوتي ويتكرم ينقل باب ((مراتب الفقهاء )) من ذلك الكتاب كموضوع مستقل ، حيث فيه فوائد جمة ،
تم نقل الباب هنا:
مراتب الفقهاء
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

المبحث الثالث:
المنهاج الدراسي الأصيل
من المقومات الأساسية للملكة الفقهية وجود منهاج دراسي أصيل يتلقاه المتفقه في مراحل دراسته. ويتمثل في العلوم الأساسية التي ينبغي له أن يدرسها وهي:

أولاً: معرفة القرآن وعلومه:
القرآن الكريم هو أقوى شيء في تكوين الملكة الفقهية وبناء الأخـــلاق والنفوس. وهو الكتاب الخـالـد، الذي لم تخــلق جــدته ولم تبل نضارته، وهو المفتاح الرئيس لأقفال الحياة، كما قال الشاطبي: (إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملكة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخــالفه. وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستــدلال عليه; لأنه معــلــوم من دين الأمة. وإذا كان كذلك، لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي نظرًا وعملاً لا اقتصارًا على أحدهما)(1).

وقد كان أكثر الصحابة الملازمين للنبي صلى الله عليه و سلم فقهاء مجتهدين; لأن طريق الفقه فهم خطاب الله وخطاب رسوله وأفعاله، وقد كانوا عارفين بذلك; لأن القرآن نزل بلغتهم وعلى أسباب عرفوها وعلى قصص كانوا فيها، فعرفوا منطوقه ومفهومه، ومنصوصه ومعقوله(2). قال الإمام الشافعي: (ليس لأحد أن يقول في شيء حـلال وحـــرام إلا من جهـــة العــلم.. وجهة العــلم ما نــص في الكتــاب أو الســنة أو الإجماع أو القياس على هذه الأصـــول)(3). وقال أيضًا: (جميع ما تقـــوله الأمــة شرح للسنة، وجميع شرح السنة شرح للقرآن)(4) ثم قال: (وجميع ما حكم النبي صلى الله عليه و سلم فهو مما فهمه من القرآن)(5).


وقال الشافعي أيضًا: (ليست تنزل بأحد في الــدين من نــازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، فإن قيل: من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة ؟ قلنا ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة; لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول صلى الله عليه و سلم وفرض علينا الأخذ بقوله)(6).


وقد حدد الأصوليون للمجتهد أن يعرف من القرآن الكريم آيات الأحكام. وحددها الغزالي بخمسمــائة آيـــة، وحددها غيره بـأكثر من ذلك. ولم يشترطوا حفظها، بل يكتفي بمعرفة مواضعها في القرآن الكريم(7). وقد اعتبروا ذلك كحد أدنى لتيسير الاجتهاد وتحصيل رتبته.


والحقيقة أنه ينبغي على المتفقه الذي يريد تحصيل الملكة الفقهية عدم الوقوف عند آيات الأحكام، بل يتعدى ذلك إلى جميع آيات القرآن، لأنها لا تخلو من فوائد تتعلق بالأحكام الشرعية، فيشتغل المتفقه بحفظ القرآن الكريم، ويتعمق في تفسيره بالاطلاع على مطولات التفاسير: كتفسير القرآن العظيم لابن كثير، وتفسير الطبري، ومفاتيح الغيب للرازي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وأحكام القرآن لابن العربي، وغيرهما; لأن المعاني المأخوذة من كتاب الله كثيرة العدد، يستخرج منها كل عالم بحسب استعداده وقدر ملكته في العلوم(8).


فالقرآن الكريم لا يخلق بكثـــرة النــظــر، وكلما نظــر الإنســان فيـــــه ازداد علـــمًا باستـــنباط أحكــام جـديـــدة. قال ابن العـــربي في آيـة: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم... ) (المائدة:6)، قال بعض العلماء: إن في هذه الآية ألف مسألة، واجتمع أصحابنا بمدينة السلام فتتبعوها، فبلغوها ثلاثمائة مسألة، ولم يقدروا على أن يبلغوها الألف، وهذا التتبع إنما يليق بمن يريد معرفة طرق استخراج العلوم من خبايا الزوايا(9). في حين أن كتب البشر العلمية والقانونية تخلق بكثرة الرد، ويمل الإنسان من كثرة النظر فيها.


وينبغي للمتفقه أن يقدم على قراءة التفاسير والاطلاع على علوم القرآن الكريم بما فيها الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول والقراءات. فمعرفة الناسخ والمنسوخ ضرورية للفقيه لئلا يثبت المنفي وينفي المثبت، وقد جمعت الآيات المنسوخة في كتب خاصة يمكن للفقيه الرجوع إليها. ومن هذه الكتب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس، ولأبي بكر ابن العربي، ولمكي بن أبي طالب، وغيرهم.. وأما معرفة أسباب النزول فهي ضرورية لفهم آيات القرآن الكريم، قال ابن النجار الفتوحي: (واشترط معــــرفة أسباب النزول ابن حمدان من أصحابنا وغيره... ليعرف المراد من ذلك وما يتعلق بها من تخصيص أو تعميم)(10). وقال ابن القيم عن الشافعي: (إنه اشترط معرفة أسباب النزول، والذي يبدو أن معرفة أسباب النزول مهمة للمجتهد، فكم من آىة يظنها الظان عامة، فإذا عرف سبب النزول أحجم وأمسك عن فتواه)(11).. وأما القراءات فهي ضرورية لمعرفة أسباب اختلاف الفقهاء ومآخذ الأحكام.


مما سبق يتبين أن طالب الفقه يحتاج إلى دراسة المواد التالية: حفظ القرآن، وعلوم القرآن، وتفسيره، وتفسير آيات الأحكام.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

ثانيًا: معرفة السنة النبوية وعلومها:
إذا كان القرآن الكريم هو الأصل الأول في بناء الملكة الفقهية، فإن السنة هي الأصل الثاني، وهي لا يستغني عنها الفقيه في فهم القرآن الكريم وشــرح أحكــامه وبسط أصــوله وتكملة تشريعاته، كما قال النووي: (إن شرعنا مبني على الكتاب العزيز والسنن المرويات، وعلى السنن مدار أكثر الأحكام الفقهيات، فإن أكثر الآيات الفروعيات مجملات، وبيانها في السنن المحكمات، وقد اتفق الفقهاء على أن من شرط المجتهد من القاضي والمفتي أن يكون عالمًا بالأحاديث الحكميات)(12).
ويؤيد ذلك قوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون )(النحـــــل:44)، وقال تعالى: (... وإنك لتهدي إلى صراط مستــقيم، صــراط الله الذي له ما في السمـــوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور )(الشورى:52-53)، وقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (الحشر:7)، وقوله صلى الله عليه و سلم: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه )(13).. وقد اتفق العلماء على ذلك واعتبروه من المعلوم من الدين بالضرورة حيث قال الشوكاني: (إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في الإسلام)(14).

هذا بالإضافة إلى أن السنة النبوية صادرة عن أفصح الخلق، ومن أوتي جوامع الكلم، فمن نظر فيها استنار قلبه ودبت فيه الحياة وقويت ملكته.


وقد حدد الأصوليون للمجتهد أن يعرف أحاديث الأحكام، المحصورة في كتب أحاديث الأحكام، ولم يشترطوا حفظها، وإنما يكتفي بمعرفة كتبها ومواضعها، بل يكفيه معرفة مواقع كل باب، فيراجعه وقت الحاجة إلى الفتوى(15). وقد اعتبروا ذلك كحد أدنى، لتيسير الاجتهاد وتحصيل رتبته.


والحقيقة أنه ينبغي للمتفقه الذي يبغي تحصيل الملكة الفقهية عدم الاقتصار على أحاديث الأحكام، بل يتعدى ذلك إلى معرفة أكبر قدر ممكن من الأحاديث بما فيها العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب والسير وغير ذلك، فإنها لا تخلو من فوائد فقهية. فيشتغل المتفقه بحفظ الأحاديث، ويتعمق في فهمها بالاطلاع على شروح الأحاديث: كفتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، وصحيح مسلم بشرح النووي، وغيرها.


فالاستمرار في مذاكرة الأحاديث والنظر فيها يؤدي إلى استنباط أحكام فقهية جديدة لم تكن تحصل للطالب الذي يكتفي بمذاكرة واحدة للأحاديث. قال صلى الله عليه و سلم: (فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه )(16).


وينبغي للمتفقه أن يقدم على قراءة شروح الأحاديث وعلوم الحديث بما فيها من الناسخ والمنسوخ وأسباب ورود الحديث والجرح والتعديل وغير ذلك; لأن الفقيه كلما كان عالمًا بالسنن وعلومها كان أحرى بفهم القرآن واستنباط الأحكام ممن هو جاهل بها.


ومن البدهي أن أقول: إن السنة التي لها هذه الأهمية في بناء الملكة الفقهية إنما هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه و سلم بالطرق العلمية والأسانيد الصحيحة المعروفة عن أهل العلم.


مما سبق يتبين أن طالب الفقه يحتاج إلى دراسة المواد التالية: حفـــظ الأحاديــث، وعلوم الحــديـــث، وتخريجـــه، وشــرح أحـــاديث الأحكام.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير ،(الفصل الأول)

ثالثاً: معرفة مواقع الإجماع في الفقه:
اشترط الأصوليون في الكفاءة العلمية للمجتهد أن يكون عالمًا بمواقع الإجماع حتى لا يفتي بخلافه، ولا يلزمه حفظ جميع مسائل الإجماع، بل يكفيــه عند بحث كل مسألة للإفتـــاء فيها أن يعـــلم أن فتواه ليست مخالفة للإجماع، لأن ذلك ممنوع شرعًا(17).

والإجماع هو اتفاق علماء العصر من المجتهدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم على حكم الحادثة(18).


وقد ذكر ابن تيمية اختلاف العلماء في تضليل وتفسيق خارق الإجماع، فمنهم من قال: يضلل ويفسق، وهو مقتضى قول من قال: إن الإجماع حجة قاطعة.. وقال بعض المتكلمين: إنه حجة ظنية، فعلى هذا لا يكفر ولا يفسق(19). وقال الجويني: (فشا في لسان الفقهاء أن خارق الإجماع يكفر، وهذا باطل قطعًا، فإن من ينكر أصل الإجماع لا يكفر. والقول في التكفير والتبرؤ ليس بالهين)(20). وقال الغزالي: (فإن قيل: هل تكفرون خارق الإجماع ؟ قلنا: لا; لأن النزاع قد كثر في أصل الإجماع لأهل الإسلام.. والفقهاء إذا أطلقوا التكفير لخارق الإجماع، أرادوا به إجماعًا يستند إلى أصل مقطوع به من نص أو خبر متواتر)(21).

والتحقيق في المسألة -كما يظهر من كلام الغزالي- أن اتفاق العلماء على تكفير خارق الإجماع يتعلق بالمجمع عليه إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة (أي بالبداهة) فهو كافر، كمن أنكر وجوب الصلاة والزكاة وحرمة الزنا وغير ذلك، وأما إذا أنكر المجمع عليه مما لم يكن معلومًا من الدين بالضرورة، وهو يسمى بالإجماع الظني، فلا يكفر ولا يفسق; لأن العلماء مختلفون في حجية هذا النوع من الإجماع، كما اختلفوا في وقوعه.
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: (( تكوين الملكة الفقهية )) للدكتور محمد عثمان شبير

رابعًا: معرفة علم أصول الفقه:
اشترط الأصوليون في المجتهد أن يكون على معرفة بقواعد استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، من الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة، من أدلتها الإجمالية، من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما يلحق بها من الأدلة المختلف فيها من الاستحسـان والاستصحــاب والعــرف والمصــلحة المرسلة وغير ذلك مما يطلق عليه علم أصول الفقه(22)، أو (المنهجية)..
وقد عرفه التهانوي بأنه: (علم يتعرف منه تقرير مطلب الأحكام الشرعية العملية وطرق استنباطها وموارد حججها واستخراجها بالنظر)(23).

وقد اعتبره الرازي أهم العلوم للفقيه، حيث قال: (إن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه)(24).. واعتبره ابن جزي الآلة التي يتوصل بها للاجتهاد(25). وقال ابن الجوزي: (من الموظف على الفقيه اللازم له، طلب الوقوف على حقائق الأدلة وأوضاعها التي هي مباني قواعد الشرع، وهذا المعنى هو المعبر عنه بأصول الفقه، له طرفان: أحدهما: إثبات الأدلة على الشرائط الواجبة لها، والثاني: تحرير وجه الاستدلال بها على شرائط الصحة والاحتياط عن مكامن وجوه الزلل وعثرات الوهم عند تعارض الاحتمالات في التفاريع، وهذا الطرف هو الموسوم بالجدل)(26).
ولكي تتحقق المعرفة بعلم أصول الفقه عند الفقيه، لا بد أن يحفظ مختصرًا من مختصرات هذا العلم المشتملة على مهمات المسائل: كمختصر المنتهى، أو جمع الجوامع، ثم يشتغل بعد ذلك بشروح هذه المختصرات، فيطلع على التنقيح والتوضيح والتلويح والمنار والتحرير وغيرها(27).
 
أعلى