العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تلخيص بحث الإقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام، د. مشهور فوّاز محاجنه

إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
677
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
برمنجهام
المذهب الفقهي
شافعي
تلخيص بحث
الإقتراض من البنوك الربوية
القائمة خارج ديار الإسلام
إعداد
د. مشهور فوّاز محاجنه


بحث مقدم
للدورة التاسعة عشرة للمجلس - اسطنبول
رجب 1430 هـ / يوليو 2009 م



المقدمة:
الحمد لله الملك الجواد الهادي إلى سبل الرشاد الذي خلق الخلق كما أراد وأنعم علينا بنعم كثيرة لا تحصيها الأعداد, وأشهد أن لا اله إلا الله شهادة أدخرها ليوم المعاد وأستعين بها على الكرب والشداد وأشهد أنّ سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسله رحمة وهدى للعباد, وبعد:
لم يخلق الله الإنسان عبثاً ولم يتركه سدى بل ضمن له رزقه وقدّر له قوته وشرع له من التشريعات ما يحقق له الوقاية والحفظ والحماية.
ولقد كان من ضمن التشريعات التي شرعها الإسلام لحفظ المجتمع ووقايته تحريم الربا واعتباره من الكبائر بل من الموبقات المهلكات. وقد ورد بذلك العدد من النصوص النبوية والآيات.
ولخطورة الربا نجد أنّ الله سبحانه وتعالى قد حرمه في جميع الأديان وذلك نظراً لما يسبب العداوة بين الأفراد ويقضي على روح التعاون بينهم كما أنّه يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل شيئاً وإنما تربح وتستغل وغيرها يكدح وينصب ويعطيها من جهده ممّا يؤدي إلى تكديس الأموال في أيدي هذه الطبقة المترفة دون جهد.
فالربا من المحكمات المجمع على تحريمها في كل زمان ومكان مهما اختلفت الصور والأشكال ومهما تبدلت الأمم والمجتمعات أو وصلت البشرية إلى درجات سامقة من الحضارة والتقدم التكنولوجي...
والمتابع لتساؤلات المستفتين في هذه المسألة يجد قاسماً مشتركاً بينها وهو محاولة الكثيرين صياغة الأسئلة بصياغةٍ لا يجد المفتي بكثير من الأحيان مناصاً من الإفتاء للضرورة أو الحاجة...بدعوى الإقامة بغير دار الإسلام.
والحقيقة أنّ الإسلام لم يهمل احتياجات النّاس وضرورياتهم ومصالحهم في دنياهم ومعاشهم ولكن وفق حدود وضوابط ومقاييس ومعايير وضعها الشرع الكريم...وليس كما يتصورها الناس أو يصورونها, كما لا يفوتنا أن الفتوى قد تختلف باختلاف الشخص والزمان والمكان, فالمسلم المقيم في المملكة العربية السعودية مثلاً قد يُفتى في مسألة معينة بالحرمة بينما قد يُفتى آخر مقيم في غير دار الإسلام بحكم آخر في ذات المسألة, وليس معنى ذلك تطريز أو تفصيل للفتوى كما يظنّ البعض, فالحكم هو ذات الحكم لا يختلف ما دامت السماوات والأرض ولكن إسقاط الحكم قد يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
وأضرب على ذلك مثالاً:
إيداع الأموال في البنوك الربوية محرّم, هذا كحكم شرعي أي هو الأصل.
ولكن إذا خشي الشخص على ماله من السرقة ولم يجد مكاناً آمناً لحفظ المال عدا البنك الربوي, أصبح إيداع المال حينها مباحاً.
فمن يعيش في دولة يتواجد فيها مصارف إسلامية لا يُفتى له بالإيداع بالبنوك الربوية مطلقاً لوجود بديل لذلك, ومن يتواجد في بلاد لا وجود فيها للمصارف الإسلاميّة قد يُفتى له بذلك.
ما الذي اختلف إذن؟
إن الذي اختلف هو ليس الحكم, وإنمّا الذي اختلف الظروف المناطة بالحكم. وهذا ممّا يجهله الكثيرون حيث يخلطون بين الفقه والفتوى, وشتان بينهما...
فالفقه هو الحكم والفتوى هي إنزال الحكم على الواقع, لذا لدى إسقاطها على أرض الواقع قد تتغير وتختلف مسايرة للواقع الذي نعيشه وليس ذلك تسييباً, لأنّ التسييب يكون بلا حدود تحدّه وضوابط تضبطه.
فمثل الفقيه والمفتي كمثل الصيدلاني والطبيب.
فالصيدلاني يقول أنّ وجع والآلام الرأس يوصف له الدواء الفلاني, بينما الطبيب قد يمنع المريض من هذا الدواء لمضاعفات قد يسببها له فيصف له دواءً آخر.
وكذلك الفقيه يقول: أن الميتة مثلاً حرام ولكن المفتي قد يجيزها لوجود الضرورة وفق ضوابط وشروط بينها العلماء.
أو يقول الفقيه إن الصوم واجب, بينما قد يمنع المفتي شخصاً من الصوم بسبب المرض...
والناظر في السنة النبوية يجد لهذه القاعدة تغير الفتوى أصلاً فيها ودليلاً عليها في أكثر من شاهد ومثال.
-فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: " كنّا عند النبيّ صلّى الله عليه وسلّم, فجاء شاب فقال يا رسول الله أُقبّل وأنا صائم؟ قال: لا, فجاء شيخ, فقال: يا رسول الله أُقبّل وأنا صائم؟ قال نعم, فنظر بعضنا إلى بعض, فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قد علمت نظر بعضكم إلى بعض: إن الشيخ يملك نفسه"(1) .
ومثل ذلك: حديث سلمة بن الأكوع, حيث قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: " من ضحى منكم فلا يصبحنّ بعد ثلاثة ويبقى في بيته منه شيء".
فلما كان العام المقبل , قالوا: " يا رسول الله, نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ قال: " كلوا وأطعموا وادّخروا, فإن ذلك العام كان بالناس جهد –أي شدة وأزمة- فأردت أن تعينوا فيها, وفي بعض الأحاديث: " إنما نهيتكم من أجل الدافّة التي دفت", أي القوم الذين وفدوا على المدينة من خارجها.
ومعنى هذا: "أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام في حالة معينة ولعلّة طارئة وهي وجود ضيوف وافدين على المدينة, فلما انتهى هذا الظرف العارض والعلة الطارئة نزل الحكم الذي أفتى به الرسول تبعاً لها, فإنّ الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً...
ومن ثمّ قرر المحققون كالعلامّة " ابن القيّم "وغيره " أنّ الفتوى تتغير وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد والنيات "(2) .
وليس معنى هذا أنّ أحكام الشريعة كلها قابلة لتغيّر الفتوى بها, بتغيّر الزمان والمكان والعرف, فمن أحكام الشريعة ما هو ثابت عام دائم ولا مجال فيه للتغير والاختلاف مهما تغيرت الظروف والأحوال, وفي هذا يقول ابن القيم في " إغاثة اللهفان " الأحكام نوعان:
نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها, لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقررة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك, فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشرع ينوع فيها بحسب المصلحة"(1) ...
وما أجمل تعبير ابن القيم بمصطلح " تغير الفتوى" اعتياضاً عن " تغير الأحكام ".
وهذا في الحقيقة أدق وأصح تعبيراً, لأن الحكم القديم باقٍ إذا وجدت حالة مشابهة للحالة الأولى, وإنما الفتوى هي التي تغيرت بتغير مناط الحكم.
وفي ذلك يقول الشيخ علي الخفيف رحمه الله تعالى: " ...إذا تغير الوسط ( البيئة ) وتبدل العرف الذي حدثت فيه الواقعة, تغيرت بذلك المسألة وتبدل وجهها وكانت مسألة أخرى اقتضت حكماً آخر لها...وهذا لا ينفي أن المسألة السابقة بظروفها لا زالت على حكمها وأنها لو تجددت بظروفها ووسطها لم يتبدل حكمها, فآخذ الأجرة على تعليم القرآن في وسط يقوم أهله بتعليمه احتساباً لوجه الله وطاعة له غير جائز في كل مكان وفي كل زمان, وأخذ الأجرة على تعليمه في وسط انصرف اهله عن تعليم القرآن والدين إلا بالأجر- أمر جائز في كل زمان ومكان"(2) .
هذا وممّا لا ينبغي إنكاره أنّ هذا باب واسع اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير من تلك القابلة للتغير بتغير الظروف والأحوال.ولعلّ أخطر ما جاء في مقولات بعض المعاصرين:
إنّ النّصوص إذا عارضت المصالح –كما يتوهمونها- يجب أن تقدم المصالح على النصوص, فالنصوص بتصور هؤلاء معللّة بتحقيق مصالح العباد, فهي تدور مع المصلحة حيث دارت وجوداً وعدماً ويقول بعضهم: حيث وجدت المصلحة فثم شرع الله.
وهذا صحيح فيما لا نص فيه أو فيما فيه نص ظني يحتمل عدة وجوه وأمّا في غير ذلك, فأينما وجد شرع الله فثم المصلحة, فالاستقراء أثبت أنّ المصلحة دائماً مع نص الشارع القطعي الدلالة.
وإنني أمام قضايا عصري وما يستجدّ فيه من أحداث وعقود ومعاملات أجد من الواجب الكفائي على الأقل أن أُعمِل في هذه المستجدات نظري بما ينسجم ويتوافق مع مصالح الناس وفق أدلة الشرع وقواعده عليها, مستلهماً روح التشريع ومقاصده عند بيان حكمها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلوات الله عليه وسلامه.
فإن أَصبت فمن الله وحده, وإن أخطأت فمن نفسي, والله المستعان وبه الحول وعليه التكلان.



المؤلف
 

المرفقات

  • تلخيص بحث الإقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام، د. مشهور فوّاز محاجنه.doc
    427.5 KB · المشاهدات: 1
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
إنضم
11 أبريل 2014
المشاركات
9
الكنية
أبو ديمة
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
جوهر بهارو
المذهب الفقهي
أقوم على الدليل الصحيح الراجح
رد: تلخيص بحث الإقتراض من البنوك الربوية القائمة خارج ديار الإسلام، د. مشهور فوّاز محاجنه

جزاكم الله خير الجزاء
 
أعلى