العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

درس تلخيص مقاصد الشاطبي (من اختيار وشرح الشيخ حسين الجبوري)

إنضم
29 أبريل 2008
المشاركات
31
التخصص
الشريعة
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .
وبعد ، فهذا تلخيص وتهذيب لمختصر هو لكتاب موافقات الشاطبي
أسميته (تقريب التهذيب ) والتهذيب هو للشيخ محمد حسين الجيزاني
..
أولا فيما يخصنا : أقول : ( مقدمة في إثبات الحكمة والتعليل في أحكام الشريعة )
وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد قال تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "
وأيضا " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم " . فهذا باستقرائنا في مثل هذه القضايا وغيرها فعندئذ نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الحياة فنقول ( كل تكليف له حكمة والعلة قد تعلم أو لا) . ( الحكمة : ما يجلب مصلحة أو يدفع مضرة ) و ( الأحكام التكليفية عند الجمهور خمسة وزاد الحنفية : المكروه كراهة تحريم والفرض )
تعريف المقاصد : لغة قصد بمعنى أم وتوجه وقصد الطريق . اصطلاحا : المرادات من الشرع .
# ليس للمقاصد تعريف لقبي عند المتقدمين وعند المتأخرين هي : المعاني والحكم المرادة من الله سبحانه .
..
المسألة الأولى من النوع الأول : وهي بيان مراتب مقاصد الشريعة . تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها وهي (ضرورية _وحاجية _وتحسينية ) . فالضرورية ما لابد منها في قيام مصالح الدنيا والدين ، فإن فقدت صار في الدنيا الفساد والهرج وفي الآخرة فوات النعيم والرجوع بالخسران .
وتحفظ الضروريات 1_ بما يقيمها ويقيم أركانها ،، 2_ وما يدرأ اختلالها ....
أ_ فالعبادات تحفظ الدين من جانب الوجود كالإيمان والشهادتين وسائر العبادات العملية .( والدين يوجد بالشهادة ويحافظ عليه بالجهاد وحد الردة ) .
ب_ والعادات إلى : حفظ النفس والعقل من جانب الوجود من مأكل وملبس ومسكن .( والنفس توجد بالنكاح ويحافظ عليها بالقصاص والحدود كلها ) و ( العقل يوجد بوجود النفس ويحافظ عليه بحفظ النفس وحد الخمر ) .
ج _ والمعاملات إلى : حفظ النسل والمال من جانب الوجود وأيضا النفس والعقل .( والنسل يوجد بالنكاح ويحافظ عليه بالنكاح وحد الزنا والقذف ) و ( والمال يوجد بالعمل والإرث ويحافظ عليه بإقامة حد السرقة ) .
د_ والجنايات ترجع إلى : حفظ الجميع من جانب العدم .
ويجمع حفظ ذلك كله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
..
والحاجيات هي : ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق الذي يؤدي إلى الحرج والمشقة وهي جارية كذلك في : أ _ العبادات كالرخص المخففة للمشقة كالمرض. ب_والعادات كالتمتع بالطيبات . ج _ والمعاملات كالقراض والسلم . د_ والجنايات كالحكم باللوث والتدمية والقسامة. ( اللوث : البينة غير المكتملة الضعيفة _ والتدمية: كشط الجلد دون سيلان )
..
التحسينيات هي : الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب المدنسات التي تؤنف وهي من مكارم الأخلاق . وهي جارية كذلك في أ _ العبادات كإزالة النجاسة وسائر الطهارة . ب_والعادات كآداب الأكل والشرب . ج_والمعاملات كمنع بيع النجاسة . د_والجنايات كمنع قتل الحر بالعبد .
..
المسألة الثانية من النوع الأول : مكملات المقاصد _ أي مكمل الضرورية وو... :
فمن مكملات رتبة الضروريات مثلا: التماثل في القصاص فإنه لا تدعو إليه ضرورة ولا احتياج شديد له ( لكنه تكميلي ) أي لاحق لضروري فصار يحتاج إليه ( أي من الحاجيات).
ومن مكملات الحاجيات مثلا: اعتبار الكفء ومهر المثل في الصغيرة فهذا لاحق للنكاح وهو أصل لإيجاد النسل .
ومن مكملات التحسينيات مثلا: آداب الأحداث ومندوبات الطهارة . ( الحاجيات من مكملات الضروريات والتحسينيات من مكملات الحاجيات والضروريات أصل المصالح) .
..
المسألة الثالثة من النوع الأول : شرط المكمل : ( شرطه ألا يعود اعتباره على الأصل بالإبطال _ أي لا يبطل الأصل ويبقى المكمل _ ) وذلك لوجهين :
1_ أن في إبطال الأصل إبطال للتكملة . 2_ لو كانت المصلحة التكميلية تحصل مع فوات الأصلية لكان حصول الأصلية أولى _ لعظم فائدتها _ .
فحفظ المهجة _ النفس _ مهم كلي وحفظ المروءات مستحسن ،فإن دعت الضرورة إلى حفظ المهجة بتناول النجس ، كان تناوله أولى . وكذلك الجهاد مع ولاة الجور جاء فيه الأمر.
..
المسألة السادسة من النوع الأول : المصالح والمفاسد الواقعة في الآخرة :
ضربين : 1_ خالصة لا امتزاج فيها _ هي النعيم أو العذاب _ وأدلة ذلك كقوله تعالى :" لا يفتر عنهم " و " لا يموت فيها ولا يحيى " هذا في النار ، وفي الجنة كقوله سبحانه :" لا يمسهم فيها نصب " و " ادخلوها بسلام آمنين " .
2_ ممتزجة كمن يدخل النار من الموحدين فهو ممتزج بدخوله النار فقط فإن دخل الجنة صار إلى الضرب الأول ووجه الامتزاج مثلا أن النار لا تنال منهم مواضع السجود .
فإن قيل : كيف خالصة وفي الجنة والنار درجات ؟ قلنا : 1 _ الأخرة لا يدركها العقل . 2_وتفضيل شيء على شيء لا يعني امتزاج عذاب مع نعيم .
3 _ صح النقل بعدم امتزاج النعيم بالعذاب .
..
المسألة الثانية عشرة من النوع الأول : عصمة الشريعة والنبي ( وأمته عند إجماعها فقط ) : بيانه أمرين : 1 _ الأدلة الدالة على ذلك كقوله تعالى " إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون " و كتاب أحكمت آياته " والسنة مبينة للكتاب فإذا تتبعه في الحفظ .
2_ الاعتبار الوجودي من البعثة إلى الآن ممن يناضل من المؤمنين للحفظ فيعرفون كل ما يزيده المغرضون .
..
النوع الثاني : المسألة الأولى القرآن عربي محض : إن هذه الشريعة والقرآن جملة كذلك ، ففهمه لا يكون إلا بالعربية . وما فيه من ألفاظ أعجمية لا عبرة بها ، ( فالعبرة بالعموم الغالب لا بالقليل النادر ) . وكل الألفاظ الأعجمية التي وجدت فيه لا يتعلق بها تكليف وقيل هي : 9 كلمات وقيل 11 . ومن الأدلة على عروبته أن العرب تكلمت به وما أنكروا منه شيئا عن العربية . وقبل ذلك كله قوله تعالى : " إنا أنزلناه قرآنا عربيا " .
..
المسألة الثانية من النوع الثاني : دلالة ألفاظ العربية : لها نظران :
1_ من جهة كونها ألفاظ وعبارات مطلقة . 2 _ من جهة كونها مقيدة .
(فالأولى ) تشترك فيها كل الأسنة ولا تختص بلغة دون أخرى فإذا حصل لزيد مثلا قيام ثم أراد صاحب كل لسان أن يخبر به لكان له ذلك بلا عنت وكلفة _ أي بلغته _ .
(والثانية ) فهي التي اختص بها كلام العرب في تلك الحكاية من جهات وأمور تخدم ذلك الخبر . فعند الابتداء تقول ( قام زيد ) إذا كانت العناية بالخبر ، وإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت ( زيد قام ) _ عناية بزيد _ ، وفي جواب السؤال تقول ( إن زيدًا قام ) وعند الإنكار تجيب بـ ( والله إن زيدا قام ) . وبهذا النوع الثاني تختلف العبارات وكثير من قصص القرآن كذلك لأنه ينوع بالسياق قال تعالى : " وما كان ربك نسيا " .
..
المسألة الثالثة من النوع الثاني : الشريعة والأمة أميان : يدل لذلك أمور :
1_ النصوص على ذلك كقوله تعالى : " فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي ... " هذا على النبي . وأمته في قوله تعالى : " هو الذي بعث في الأميين رسولا .." ، وفي الحديث " نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب " .، والأمي من الأم وهو الباقي على أصل ولادة أمه ( فلا يكتب ولا يقرأ ) .
2_ حال العرب الذين منهم النبي صلى عليه الصلاة والسلام .
3_ لو لم يكن النبي على ما يعهدون لم يكن عندهم معجزا ، كأن يقولوا هذا على غير ما نعهد فكلامه لا يفهم فلا حجة . قال تعالى : " ولو جعلناه قرءانًا أعجميا لقالوا لولا فصلت آيته ءاعجمي وعربي " .
..
المسألة الأولى من النوع الثالث : القدرة شرط التكليف :
فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا . فإن ظهر من الشارع تكليف بما لا يقدر عليه العبد ؛ فإن التكليف يرجع إلى : 1 _ سوابقه . 2 _ لواحقه . 3 _ قرائنه .
كقوله تعالى : " ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فلا يقدر عند وقت الخطاب الموت عليه ، ولكن التكليف سابق بأن يسلم في وقته ، وكذلك قوله عليه السلام : " كن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل " وأيضا قول أبي طلحة يوم أحد " لا تشرف يا رسول الله لا يصيبوك " .
..
المسألة الثانية من النوع الثالث : التكليف بما لا يطاق : ممتنع . فالأوصاف التي طبع عليها الإنسان كالشهوة للطعام لا يطلب برفعها ولا إزالة ما غرز في جبلته منها . ( لكن يطلب قهر النفس عن الجنوح إلى ما لا يحل _ من الأوصاف وهو يقدر إلى قهر نفسه عن ذلك _ ثم يطلب إرسالها باعتدال فيما يحل سواء قبلها أم بعدها أم معها ) .
..
المسألة الخامسة من النوع الثالث : أوجه المشقة :
تقدم الكلام عن الغير مقدور عليه _ الذي لا يطاق _ وبقي المقدور ولكنه شاق . فنقول قبل الشروع في المقدور الشاق ، نعرف المشقة فهي : لغة شق علي إذا أتعبني . واصطلاحا لها إطلاق وهذا الإطلاق ليس في وضع العرب ، وله أربعة أوجه :
1_ أن يكون عاما في المقدور عليه وغير المقدور عليه كطلب القيام للمقعد .
2_ أن يكون خاصا بالمقدور عليه إلا أنه خارج عن المعتاد في الأعمال العادية ، وهذا الثاني له نوعين :
أ _ أن تكون المشقة مختصة بأعيان الأفعال المكلف بها بحيث لو وقعت مرة لوجدت _ أي المشقة _ كرخصة الصوم في المرض والسفر. ب _ ألا تكون مختصة ولكن بالدوام عليها تظهر المشقة ، وذلك كالنوافل إذا التزم العبد منها فوق طاقته وهذا الموضع هو الذي طلب فيه الشرع الأخذ حسب الطاقة قال عليه الصلاة والسلام " خذوا من الأعمال ما تطيقون " ، فهذه مشقة ظهرت من أمر كلي وفي النوع الأول من الوجه الثاني مشقة من أمر جزئي .
3_ أن يكون خاصا بالمقدور عليه وليس فيه خروج عن المعتاد كعموم الأعمال العادية .
4_ مخالفة الهوى شاقة على المكلف ففيها مشقة _ المخالف للهوى _ .
..
المسألة السادسة من النوع الثالث : المشقة الخارجة عن المعتاد :
ما سبق في المسألة السابقة يختص بالمشقة نفسها أما هنا فلا _ هنا بما لا يقصد للمشقة والعنت ((وقلنا هذا حتى لا يفهم أن المشقة وضعت للعنت بكونها خارجة عن المعتاد ))_ دل على كونها كذلك _ أي أنها ليست للعنت والإرهاق للعباد _ أدلة : 1 _ النصوص قال تعالى : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " 2 _ مشروعية الرخص وهي قد علمت من الدين بالضرورة . 3 _ الإجماع على عدم وقوع العنت وجودا في التكليف ، وهذا الإجماع يدل على قصد الشارع .
..
المسألة السابعة من النوع الثالث : مقاصد التكليف : وهي المشقة المعتادة :
عرفنا بما سبق في المسألتين الخامسة والسادسة : كون المشقة لنفسها أو لغيرها ، أما هنا النوع الثالث من المشاق فهي المعتادة _ هذا التقسيم مهم جدًا _ : نقول : إنه لا ينازع في أن الشارع قاصد في تكليفه مشقة ما _ وهي مقدور عليها _ ، ولكن هنا في العادة المستمرة لا تسمى مشقة كما لا يسمى طلب المعاش والعمل مشقة لأنه معتاد . واعلم أن الفرق بين المعتادة وعكسها هو أن العمل الذي يؤدي الدوام عليه إلى انقطاع عنه أو عن بعضه أو وقوع خلل في صاحبه فالمشقة هنا خارجة عن العادة . وإن لم يكن فيها من ذلك شيء في الغالب فهي معتادة . كالأكل والشرب ونحوه . عندئذ نقول ( ما تضمن التكليف الثابت على العباد من المشقة المعتادة أيضًا ليس بمقصود طلب الشارع من جهة نفس المشقة بل من جهة المصالح العائدة على المكلف كما تقدم في المسألة السادسة السابقة ) .
..
فصل : قصد المشقة في العمل : س/ نسأل فنقول هل للمكلف أن يقصد من الأعمال ما عظمت مشقته ؟ يترتب على هذا أصل آخر _ وهو الجواب _ 1_ : أن المشقة ليس للمكلف أن يقصدها في التكليف نظرا إلى عظم أجرها . 2_ وله أن يقصد العمل الذي يعظم أجره لعظم مشقته من حيث هو عمل ، قال الجمهور بهذا . وهو الأصل قصد العمل ثم تأتي المشقة تبعًا ، لأدلة عدم إرادة الشارع للمشقة .
وقيل الأصل المشقة ثم يأتي العمل تبعًا ، لأدلة منها : 1_ بنو سليم لما أرادوا القرب من المسجد قال لهم عليه الصلاة والسلام " دياركم دياركم تكتب آثاركم " ، وأجيب عن ذلك بأن البخاري زاد في رواية له " لئلا تخلو ناحيتهم من حراستها " .
2_ أبو موسى الأشعري كان يصوم المعمعاني وهو اليوم الشديد الحر لخبر سمعه أن " من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة " . وأجيب عنه بأنه أولا فعل صحابي وثانيا وإن استدل به فإنا لا نعرف نيته _ أي أبو موسى _ .
3_ الإمام مالك نزل في المدينة بوادي العقيق وهو بعيد عن المسجد ، وأجيب عنه بأن النبي عليه السلام كان يحب العقيق فليس بعد مالك لأجل أثر المشي للصلاة .
(عموما يرد عليهم بقول النبي عليه الصلاة والسلام " أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال " هلك المتنطعون " )
..
المسألة العاشرة من النوع الثالث : المشقة خاصة وعامة :
المشقة : 1_ قد تختص بالمكلف وحده كما سبق في المسائل المتقدمة . 2_ مشقة عامة له ولغيره كالوالي المفتقر إليه لكونه ذا كفاية فيما أسند إليه فهو وهم في ضرر بسببه. 3_مشقة داخلة على غيره بسببه ولا تدخل على المكلف نفسه ، مثل : القاضي والعالم المفتقر إليهما فهما يسدان نفسيهما بعلمهما لكن الناس يحتاجون لعلمهما .
# المهم : ( اجتماع المصلحتين مع انتفاء المشقتين هو الأولى وإن لم يكن فالترجيح . فإن كانت هناك مشقة عامة وخاصة فتعتبر العامة باعتبار عظمتها وتهمل الخاصة وإن كانت الخاصة أعظم فتعتبر كذلك _ أي الخاصة _ . وإن لم يظهر ترجيح فيتوقف ) .
..
النوع الرابع : المسألة الأولى : مقصود الشريعة إخراج المكلف عن داعية الهوى :
إن ذلك المقصود هو إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله اختيارا كما أنه عبد له اضطرارا .
والدليل على ذلك :
أ_ النص الصريح على خلق العباد لتعبد الله والدخول تحت أوامره ونواهيه : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
ب_ ما دل على ذم داعية الهوى ،فمن يتبع هواه قد ذمه بل وأبان أنه خالف أمر الله وأعرض بل وتوعده بالعذاب العاجل من العقوبات الخاصة والعقاب العام الآجل في الآخرة _ والعياذ بالله _ ،والدليل قوله تعالى " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله" وأيضا "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فإن لم ينهها عنه صار إلى القسم الذي ذكره قبل ذلك وهو "فأما من طغى وآثر ..." _ هذا وقد قال ترجمان القرآن رضي الله عنه ( ما ورد الهوى في كتاب الله إلا في موضع الذم ) ج_ ما قد عُلِمَ بالتجارب والعادات من أن مصالح الدين والدنيا لا تحصل باتباع الهوى والمشي مع الأغراض لما يلزم ذلك من التهارج والتقاتل ، الذي هو مضاد لتلك المصالح _ أي مصالح وضع الشريعة وعبادة الله _ .
..
المسألة الثانية من النوع الرابع : أنواع المقاصد الشرعية :
ضربان ( أصلية / وتابعة _ وهي المكملة السابقة الذكر _ )
1_ فالأصلية : هي التي لا حظ فيها للمكلف وهي الضروريات المعتبرة في كل ملة . وإنما قلنا إنها لا حظ فيها للعبد من حيث هي ضرورية ؛لأنها قيام بمصالح عامة مطلقة لا تختص بحال دون حال ولا بصورة دون صورة ولا بوقت دون وقت _وهو معنى قوله في كل ملة_ .
وهي تنقسم _ أي الأصلية الضرورية _ إلى : أ_ ضرورية عينية : بأنها على كل مكلف في نفسه فهو مأمور بحفظ دينه ونفسه ونسله وعقله وماله ، ويدل لذلك أنه لو فُرِض اختيار العبد خلاف هذه الأمور الضرورية الأصلية لحجر عليه ولحيل بينه وبين اختياره _ فمن هنا قلنا مسلوب الحظ ، محكوما عليه في نفسه _ .
ب_ والضرورية الكفائية :بأن كانت منوطة _ متعلقة _ بالغير وهي أن يقوم بها على العموم في جميع المكلفين لتستقيم الأحوال العامة التي تقوم الخاصة بها . (( إلا أن هذا القسم _الكفائي_ مكمل للأول العيني فهو لاحق به في الضرورة )). وذلك أن الكفائي قيام بمصالح عامة لجميع الخلق ، فالمأمور لم يؤمر بهذا بخاصة نفسه فقط _ وإلا صار عينيا _ بل بشكل عام .
وحقيقة ذلك أنه _ الذي يقوم بالكفائي _ خليفة الله في عباده على حسب قدرته وما تهيأ له بطاقته وما يعضده ويعينه على هذا الكفائي فهو قد لا يقدر إلا بمساعدة وإصلاح من يقدر ممن حوله.
ويدل على أن هذا المطلوب الكفائي ممنوع من استجلاب الحظ لنفسه _ كما قلنا في بداية الضروري الأصلي في القسم الأول _ فمن الأدلة عليه : أن القائمين عليه ممنوعون من الحظوظ مثل الوالي ممنوع أن يأخذ أجرة ممن تولاهم على ولايته عليهم وكذلك الرشاوى والأجر والهدايا للقائمين على ولاية العامة وهكذا ، وبهذا يحصل العدل وينتفي الجور .
2_ والمقاصد التابعة : هي التي روعي فيها حظ المكلف _ فهذا وجه الافتراق عن الأصلية_ فمن جهتها يحصل له مقتضى ما جُبِلَ عليه من نيل الشهوات والاستمتاع بالمباحات وسد الخلات. وذلك أن حكمة الحكيم حكمت أن قيام الدين والدنيا إنما يصلح ويستمر بدواعٍ من قبل الإنسان تجعله يحتمل اكتساب ما يحتاج إليه وغيره لوجود دافع لحظ النفس والشهوة ونحوها كالطعام ونحوه. فيحاول سدها بما أمكن فيعمل لهذا الحظ _ فبهذا قامت الحياة _ .
ومن هذه الجهة صارت التابعة خادمة للأصلية مكملة لها ، وأيضا ننبه إلى أن الشارع سبحانه قد كتب لنا الأجر والحظ الأخروي والدنيوي على الضروري الأصلي وغيره ولو شاء لمنعنا فهو ما عملناه نحن إلا لنقوم بحياتنا ولكن حكمت حكمة الحكيم الرحيم بذلك وإلا فله الحجة بما سبق ، الخلاصة أنا نقول ( الأصلية في محض العبودية ، والتابعة بلطف المالك للعبيد بما صيره لحاجتهم)
..
المسألة الثامنة من النوع الرابع : المداومة على العمل :
من مقاصد الشارع المداومة من المكلف على الأعمال _وهي العبادات من فرائض ونوافل تكرر بتكرر أسبابها_ ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى" إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون" وفي الحديث المتفق عليه " أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل " .
..
فصل : دخول المشقة على المكلف :
مما يعين على المداومة على العمل _التعبدي كما قلنا_ هو ألا يلزم الإنسان نفسه ما لا يقدر المداومة عليه .
وقد وجدت أمثلة كالصوفية لمن ألزموا أنفسهم بنوافل قل عاملوها ومنهم من وفى بما ألزم به نفسه _وهم العباد وليسوا الصوفية المبتدعة ،( والتصوف مأخوذ من صفاء الروح وقيل من الصوف ) _ فألزموا أنفسهم بأوراد ونحوها فأمروا بعد ذلك بالمحافظة عليها . فنرجع ونقول إن المكلف إذا أراد الدخول في غير واجب فعليه أن ينظر في مآله فيه وهل يقدر الوفاء بالمداومة .
فإن المشقة تدخل على المكلف من جهتين :
(( 1_ من جهة شدة التكليف ولو مرة / 2_ من جهة المداومة عليها _وهي المقصودة هنا_ فالصلاة مثلا هي خفيفة لكن المداومة عليها ثقيلة بنص قوله تعالى "وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" )).
..
المسألة التاسعة من النوع الرابع : الشريعة كلية عامة :
الشريعة بحسب المكلفين كلية عامة ؛بمعنى أنه لا يختص بالخطاب بحكم من أحكامها الطلبية بعض دون بعض _أي من العباد_ ولا يحاشى _يستثنى_ من الدخول تحت أحكامها مكلف ألبتة.
والدليل على ذلك : 1_ النصوص المتضافرة ،كقوله تعالى "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم " بعثت إلى الأحمر والأسود ".
2_ أن الأحكام موضوعة لمصالح العباد ،فلو وضعت على الخصوص لم تكن موضوعة لمصالح العباد بإطلاق لكنها كذلك حسبما تقدم _وإنما يستثنى به النبي صلى الله عليه وسلم بما يأتي الدليل بتخصيصه للنبي كقوله تعالى " خالصة لك من دون المؤمنين " ونحو ذلك .
3_ إجماع العلماء المتقدمين من صحابة وتابعين ومن بعدهم إلى يومنا على ذلك وهو أنهم جعلوا أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة للجميع في أمثالها وقاسوا ما كان بنفس العلة على ما لِـ أو في النبي عليه السلام وأشار إلى ذلك المولى سبحانه فقال" زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج..".
4_ لو جاز أن الشارع يخاطب فئة دون أخرى لجاز أن لا يكلف بالإيمان ونحوه من الاعتقاد فئة أيضا دون أخرى وهذا باطل ((بالإجماع)) .
* ثم إننا لا نعني بذلك الأمور المخصوصة أصلا كعدم خطاب المكلفين أو بدليل خاص فيخص بالحكم شيئا وأمرا ولكن نقصد إجمال وعموم الشريعة ((هذا مهم)).
..
.
القسم الثاني : فيما يرجع إلى مقاصد المكلف في التكليف :
المسألة الأولى : الأعمال بالنيات :

إن الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات .والأدلة على ذلك لا تكاد تنحصر ويكفيك منها أن المقاصد تفرق بين ما هو عادة أو عبادة وفي العبادات بين ما هو واجب أو غير واجب وفي العادات بين الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحرم والصحيح والفاسد وغير ذلك من الأحكام . والعمل الواحد يقصد به أمر فيكون عبادة ويقصد به آخر فيكون كفرا كالسجود لله سبحانه أو للصنم . .. وأيضا فالعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية وإذا عري عن القصد لم يتعلق به شيء منها كفعل النائم والمجنون . قال تعالى _قاعدة في العمل المقبول_ "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا" وأضف لذلك "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" وأيضا "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" _أي أنه أظهر الكفر ونيته وقلبه باقيان على الإيمان" وأيضا "ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون" _أي نيتهم خبيثة_ ، وحديث "إنما الأعمال ب.." و "أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك معي فيه شريكا تركت نصيبي لشريكي" و" لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل".
..
المسألة الثانية من القسم الثاني : موافقة قصد المكلف لقصد الشارع :
قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصد الشارع في التشريع والدليل على ذلك ظاهر من وضع الشريعة ؛لأن المكلف خلق لعبادة الله وذلك راجع إلى العمل على وفق القصد في وضع الشريعة _هذا محصول العبادة_ فينال بذلك الجزاء في الدنيا والآخرة.
وأيضا فقد مر أن قصد الشارع المحافظة على الضروريات وما رجع إليها من الحاجيات والتحسينيات ،وهو عين ما كلف به العبد ،فلابد أ، يكون مطلوبا بالقصد إلى ذلك ،وإلا لم يكن عاملا على المحافظة ؛لأن الأعمال بالنيات .
وحقيقة ذلك أن يكون خليفة الله في إقامة هذه المصالح حسب طاقته _ولذلك طلب الله سبحانه منه أن يوافق قصدُه قصدَه وهذا هو الذي يغيب عن الكثير أن الإنسان مستخلف من الله سبحانه فعليه أن توافق مقاصدُه مقاصدَه_ ولأن في ذلك إدراك للمصالح التي هيا مرادات الشارع فتحصل للإنسان المنفعة بالمصلحة بموافقة قصد الشارع . وأقل ذلك هو أن تكون خلافته على نفسه ثم أهله ثم كل من تعلقت له به مصلحة . ولذلك قال الله تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة" وأيضًا "ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون" ،ونبيه صلى الله عليه وسلم قال "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " أي فيما اُستخلف فيه_والله أعلم_ *(الحكمة ليست دائما هي مقصد الشارع).
..
المسألة الثالثة من القسم الثاني : بطلان العمل المغاير لقصد الشارع :
((كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له ؛ فقد ناقض الشريعة _هذه مقدمة صغرى_ /وكل من ناقضها فمناقضته باطلة _هذه مقدمة كبرى_//فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل _هذه هي النتيجة_ ))
*المقدمة الكبرى هي أن العمل المناقض باطل دليلها واضح ظاهر وهو أن المشروعات وضعت لتحصيل المصالح ودرء المفاسد .
* ولكن المقدمة الصغرى وهي أن من ابتغى في تكاليف الشريعة غير مقاصدها فهو مناقض لها ، أدلة ذلك ما يلي : 1_ أن الأفعال والتروك من حيث هي أفعال أو تروك متماثلة عقلا بالنسبة إلى المقصد ولكن عند الشارع قد يعين المصلحة لأحدهما ومثيله للمفسدة ،فهو المرجع ويقاس بما قاس به سبحانه _ولا تقبيح أو تحسين للعقل عندئذ _ (والتحسين والتقبيح مسألة نبشها المعتزلة وهو أنهم يجعلون العقل يقبح ويحسن ،وسببها ما نبش في مسألة أهل الفترة الذين لا نبي عندهم فهم بما تحسنهم عقولهم فيجوز لهم ،وما تقبحه فهو عليهم حرام ) .
2_ قوله تعالى "ومن (يشاقق الرسول) من بعد ما تبين له (الهدى) ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى " فمخالفة الشارع ابتغاء لغير مقاصد الشارع .
3_أن المكلف إنما كُـلِّف بالأعمال من جهة قصد الشارع بها في الأمروالنهي فعليه متابعة القصد.
4_أن هذا القاصد مستهزئ بآيات الله لأن من آياته أحكامه التي شرعها ،وقد قال سبحانه بعد ذكر أحكام شرعها "ولا تتخذوا آيات الله هزوا" أي لا يقصد بها غير ما شرعت لأجله كالتحايل والنفاق ؛ولذلك قال للمنافقين "أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون " .
..
المسألة العاشرة من القسم الثاني: تعريف الحيل وأمثلتها :
التحيل بوجه سائغ _مشروع في الظاهر_ أوغير سائغ _غير مشروع_ على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر.
*الحيل أنواع ثلاثة : 1_مشروعة جائزة. 2_محرمة. 3_مختلف فيها قد تلحق بالأولى أو 2 .
*للحيل مقدمتين : 1_قلب أحكام الأفعال ظاهرا.
2_جعل معان ووسائل في الأفعال لقلب تلك الأحكام .
فهل يصح شرعًا القصد إليه والعمل عليه أم لا ؟ (وهو محل يجب الاعتناء به) .
وقبل النظر في الصحة أوعدمها لابد من شرح هذا الاحتيال . وذلك أن الله تعالى أوجب أشياء وحرم أشياء إما مطلقا من غير قيد _كإيجاب الصلاة ونحوها_ أو مرتبة على أسباب _كإيجاب الزكاة والكفارات وتحريم المطلقة_ ،فإذا تسبب المكلف في إسقاط ذلك الوجوب عن نفسه أو أسقط تحريم المحرم بتسبب من الأسباب حتى يصير ذلك الواجب غير واجب والمحرم حلالا ،فهذا التسبب يسمى حيلة وتحيلًا . كما لو أظله شهر رمضان فسافر ليفطر أو كان معه مال ووجب حجه فوهبه أو أتلفه لئلا يحج أو قتل ليرث . وعلى الجملة فهو تحيل على قلب الأحكام الثابتة بنصوص بفعل صحيح ظاهرًا وباطل باطنًا وسواء الحكم بالتكليف أو الوضع .
..
المسألة الحادية عشرة : أدلة منع الحيل :
الحيل في الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة في الملة ، والدليل على ذلك ما لا ينحصر من الكتاب والسنة ،لكن خصوصات يفهم من مجموعها منعها والنهي عنها على القطع .
فمن الكتاب ما وصف المنافقون به "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين" فذمهم وتوعدهم ،وحقيقة أمرهم أنهم أظهروا الإسلام إحرازا لدمائهم وأموالهم ،لا لما قُصِدَ له في الشرع من الدخول تحت الطاعة على اختيار وتصديق .
وقال تعالى أيضًا "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت" الآية في قصتهم ،وأشباهها لأنهم احتالوا عل الصيد المنهي عنه لهم يوم السبت . وأيضا عموم الأدلة على تحريم الرياء وأنه من الكبائر كقوله تعالى "رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر" وحديث أول من تسعر بهم النار .
ومن الأحاديث "لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة" _أي حتى لا يتحايل على أن تحسب فتجب الصدقة فيها أو تقل_ وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود والنصارى يستحلون محارم الله بأدني الحيل" . وغيرها كحديث لعن المحلل والمحلل له وغيرها كثير في تحريم قلب الحكم.
..
فصل : جواز الحيل إذا كانت لا تناقض المصالح الشرعية :
الحيل تقدم بطلانها وذمها لكن ((الحيلة التي لا تهدم أصلًا شرعيًا ولا تناقض مصلحة شهد لها الشرع بالاعتبار فإنها غير داخلة في تحريم الحيل)) . وأنواع الحيل كما قلنا (1_لا خلاف في بطلانها كالنفاق /2_لاخلاف في جوازها كالنطق بالكفر عند الإكراه مع طمأنينة القلب بالإيمان _وهي تحايل على إنسان لا تعامل لنا معه هنا أي أنه كافر وليس تحايل على الشارع_ وهذا النوع الذي يجوز بلا خلاف لا تترتب عليه أبدا مفسدة أخروية أو شبهة ./3_الثالث وهو محل الإشكال والغموض وهو المختلف فيه الذي اختلفت فيه أنظار النظار ولم يتبين لحاقه بالقسم الأول أم الثاني) ، ولا يصح أن يقال إن من أجاز التحايل في بعض المسائل مقر بأنه خالف في ذلك قصد الشارع ،((بل إنما أجازه بناء على تحري قصده)) ،وأنه إنما بناه على مسألة لاحقة بقسم الجائز الذي عُلِمَ قصدُ الشارع إليه ؛لأن مصادمة الشارع صراحا علمًا أو ظنًا لا تصدر من عوام المسلمين فضلا عن أئمة الهدى والدين .
فمن الأدلة القوية على ذلك وهو أصرح أدلة المجيزين للحيل في النوع هذا هو قوله عليه السلام "بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا" _والجمع هو التمر المخلوط جيده برديئه والجنيب هو التمر الجيد وقوله ابتع أي اشتر_ فظاهره التحايل على بيع الرديء بالجيد _لكن لما لم نهدم أصلا شرعيا في هذا الدليل ولا نهدم مصلحة معتبرة _كما ذكرنا في قيود الحيل الجائزة في بداية هذه المسألة_ بأن نرى مضرة تحصل وغرر ونحو ذلك ،فأجزنا هذا بالنص والعقل_ .
ومن الأمثلة أيضا أن نكاح المحلل معلوم حرمته لأجل أن يقصد إباحة المطلقة للزوج الأول.
فإذا قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المحلل والمحلل له ثم أباح للزوج الأول أن يتزوج زوجته إذا تزوجها ثان بشرط أن يحصل ما في قوله صلى الله عليه وسلم "لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" فالشاهد على كلامنا وهو إباحة التحايل هنا هو أنهما إذا ذاقا العسيلات ولو مع قصد التحليل للأول جاز التحليل لأنه لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر العسيلات .
*وإن قال قائل :إن الشرع أمر بسد الذرائع قلنا له : من الذرائع ما يُسدُّ باتفاق ومنها ما لا يسد باتفاق ومنها مختلف فيه ونحن في المختلف فيه .
...
..
.
.
* تنبيه (نبه الشيخ إلى : مسألة المبادئ العشرة في العلوم وذكرها وبين ذلك في المقاصد ،وذكر مسألة عموم السلب وسلب العموم ، ومراتب وضع الشارع للشريعة وهي:1_الوضع. 2_الفهم. 3_التكليف. 4_المكلف. ، وبين بعض مصطلحات الحنفية عن أئمتهم ، ومسألة تعريف الحد التام والناقص والرسم التام والناقص والجنس البعيد والقريب ، وعرف النقيضان والخلافان والضدان والمثلان ، وذكر قاعدة إعطاء المعدوم حكم الموجود مثل تقدير الملك في الدية للمقتول خطأ لانتقالها على الورثة ، وإعطاء الموجود حكم المعدوم كتقدير عدم الطلاق لمن طلق في مرض الموت .
.
.
.
والله أعلى وأعلم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الهادي الأمين .
كتبه : عبداللطيف جعفر
 
إنضم
17 فبراير 2011
المشاركات
48
الكنية
السليماني
التخصص
الشريعة
المدينة
الرباط
المذهب الفقهي
المالكي
رد: تلخيص مقاصد الشاطبي (من اختيار وشرح الشيخ حسين الجبوري)

شكر الله لكم
 
أعلى