العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تناولُ هرمونات تدر اللبن للمرأة هل تكون به أمّاً بالرضاعة وزوجها أباً ؟

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
تناولُ هرمونات تدر اللبن للمرأة هل تكون به أمّاً بالرضاعة وزوجها أباً ؟​

السؤال :

قام صديقي وزوجته بتبني ولدين ؛ لأن الزوجة غير لائقة طبيّاً لإنجاب الأطفال ، إنهم يعلمون أن الطريقة الوحيدة لاستمرار الولدين في العيش معهما بعد أن يبلغا هي أن تقوم الزوجة بإرضاعهما رضاعة طبيعية قبل أن يبلغا عامين ، ومن أجل تلبية هذا المطلب الإسلامي تم حقنها بالهرمونات التي تنتج الحليب في جسدها ثم قامت بإرضاعهما . هل الحقن الاصطناعي بهذه الهرمونات التي تؤدي لإنتاج الحليب ، ثم القيام بالرضاعة يفي بالشرط الإسلامي في ذلك ؟ وهل يعد الولدان الآن من محارم الزوجة ؟ . إن هذه العملية ستساعد الكثير من الأزواج الذين لا يستطيعون التبني لمجرد أن زوجاتهم ليس لديهن حليب ، ولا يستطعن إرضاع الطفل المتبنى ، وبالتالي بعد أن يصل هؤلاء الأولاد سواء كانوا ذكورا أو إناثا سن البلوغ سيواجه الأزواج مشكلة هي : هل هؤلاء الأبناء سيكونون محارم لهم أم لا ؟ .


الجواب :
الحمد لله
يرى جمهور العلماء أن لبن المرأة التي تترتب عليه آثاره لا يشترط أن يكون قد ثاب – اجتمع - مِن جماع زوج أو بعد ولادة ، بل لو تناولت شيئاً درَّ بسببه لبنها فأرضعت به ولداً صار هذا الرضيع ولداً لها بالرضاعة ، ولذا فلم يمنعوا أن تكون المرأة بكراً لم يسبق لها زواج ترضع فتصير أمّاً في الرضاعة ، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة ، ورجحه المردواي وابن قدامة الحنبليان .
ويشترط حتى يكون ابناً لمرضعته أن ترضعه خمس رضعات ، وأن يكون ذلك في عمر سنتين فأقل .
قال محمد العتبي المالكي – رحمه الله - : " وسمعته – يعني : الإمام مالكاً - وسئل عن المرأة تشرب الشجرة فيدر بشربها لبنها فترضع به ، أيحرم بذلك الرضاع ؟ فقال : نعم يحرِّم بذلك أليس بلبن ؟ فقال : نعم ، يحرم بذلك .
وعلَّق عليه محمد بن رشد المالكي – رحمه الله - :
قوله إن المرأة إذا درَّ لبنُها بشيء تشربه فأرضعت به إنه لبن يحرم : هو مثل ما في " المدونة " من أن لبن الجارية البكر يحرم ، وأن لبن النساء يحرم على كل حال ، بظاهر قول الله عز وجل ( وَأُمَّهَاتُكم اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُم وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرَّضَاعَةِ ) ولم يخص ذات زوج ممن لا زوج لها " انتهى من " البيان والتحصيل " لابن رشد المالكي ( 5 / 153 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - : " قوله " وغَيْرُ حُبْلَى " يعني : لو أن امرأة أرضعت طفلاً بدون حمل ، وهذا يقع كثيراً فإن بعض الصبيان يبكي فتأتي امرأة ليس فيها لبن ولم تتزوج فتلقمه ثديها تريد أن تسكته ، ومع المص تدر عليه ، ويكون فيها لبن ، ويرضع خمس مرات أو أكثر ، فهل يكون ولداً لها ؟ يقول المؤلف : لا ؛ لأنه حصل من غير حمل ، وهذا التعليل لا يكفي في عدم إثبات هذا الحكم المهم ، والصواب الذي عليه الأئمة الثلاثة : أنه محرِّم ، وأن الطفل إذا شرب من امرأة خمس مرات فإنه يكون ولداً لها ، سواء كانت بكراً أم آيسة أم ذات زوج ، فهو محرِّم بالدليل والتعليل .
فالدليل : عموم قول الله تبارك وتعالى ( وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) وليس في الكتاب ولا في السنَّة اشتراط أن يكون اللبن ناتجاً عن حمل فتبقى النصوص على عمومها .
والتعليل : أن الحكمة من كون اللبن محرِّماً هو تغذي الطفل به ، فإذا تغذى به الطفل حصل المقصود ، أما الآية ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ) إنما سيقت لبيان ما يجب على الأم من إتمام الرضاعة ، فالصواب إذاً : أن لبن المرأة محرِّم سواء صار ناتجاً عن حمل أو عن غير حمل ، فلبن البكر محرم ، ولبن العجوز التي ليس لها زوج وأيست محرم " انتهى من " الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 13 / 440 ، 441 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 118709 ) .
وعليه : فالمرأة التي تتناول أدوية أو أغذية نافعة غير ضارة فتدر بسببها لبنها ترضع به طفلاً خمس مرات وعمره سنتان فأقل : فإنه يكون ابناً لها في الرضاعة ، والرضاع يثبت به تحريم النكاح وجواز الخلوة والنظر والمحرمية في السفر ، ولا يثبت به نسبٌ ولا وجوب نفقة ، كما لا يقع به توارث .
وننبه إلى أن زوج المرأة المرضعة لا يكون أباً في الرضاعة ؛ لأنه لم يكن اللبن منه ، فأبناؤه من غير زوجته المرضعة يحلون للبنت المرتضعة من زوجته ، وبناته من غير زوجته المرضعة يحللن للابن المرتضع من زوجته .
ففي " الفتاوى الهندية " لجماعة من علماء الحنفية ( 1 / 343 ) : " رجل تزوج امرأة ولم تلد منه قط ثم نزل لها لبن فأرضعت صبيّاً : كان الرضاع من المرأة دون زوجها حتى لا يحرم على الصبي أولاد هذا الرجل من غير هذه المرأة " انتهى .
وفي " مغني المحتاج " للشربيني الشافعي ( 3 / 420 ) : " ولو نزل لبِكر لبنٌ وتزوجت وحبلت من الزوج : فاللبن لها لا للزوج ما لم تلد ، ولا أب للرضيع ، فإن ولدت منه : فاللبن بعد الولادة له " انتهى .
ولن يختلف الأمر بخصوص زوج الأم المرضعة من حيث الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بالنظر والخلوة فهو زوج أم الطفل الرضيع ، وإذا كانت المرتضَعة أنثى فستكون ربيبتَه وهو محرَّم عليه نكاحها وله من الأحكام ما للأب من الرضاعة في هذا الخصوص .
وننبه – أيضاً - إلى أن لفظ " التبني " الوارد في السؤال ليس هو على معناه الشرعي المحرَّم من نسبة الولد إلى غير أبيه ، وإنما أرادوا به رعاية اليتيم والاعتناء به ، ولذا فإننا نفضل عدم استعماله على هذا المعنى لما فيه من الإيهام .

والله أعلم

المصدر
 
أعلى