العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

تواليف مالكية مهمة 22: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار .. لابن عبد البر

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، وعلماء الأقطار، فيما تضمّنه الموطأ من معاني الآثار، وشرح ذلك كلّه بالإيجاز والاختصار​

يعدّ كتاب الاستذكار لحافظ المغرب أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري (تـ463هـ) من أفضل شروح موطأ الإمام مالك وأكثرها بسطاً، وأجداها نفعاً، وأدقّها منهجاً، وأغزرها فائدة.

ولا نكون مبالغين إن قلنا إن كتاب الاستذكار أحسن ما ألّف في فقه حديث موطأ الإمام مالك على الإطلاق، فمؤلّفه أحفظ علماء المغرب والأندلس في زمانه، وأعلمهم بالسنن والآثار، وأعرفهم باختلاف علماء الأمصار، والناس إلى اليوم يتسابقون إلى النهل من علمه، ويتنافسون في الحصول على تآليفه، فقد كان ـ رحمه الله ـ من بحور العلم؛ إماماً، ديّنا، ثقةً، متقناً، محدّثاً، فقيهاً، مفسّراً، أصولياً، أديباً، طَرَق بكتاباته ميادين مختلفة، ذاع صيته، واشتهر ذكره، وكثر طلبته، وأطبق العلماء على تزكيته والثناء عليه، فما استطاعوا أن يوفوه حقّه بما خدم به الإسلام والمسلمين؛ قال ابن سعيد الأندلسي: «إمام الأندلس في علم الشريعة ورواية الحديث، لا أستثني من أحد، وحافظها الذي جاز خصل السبق واستولى على غاية الأمد، وانظر إلى آثاره، تغنك عن أخباره، وشاهد ما أورد في تمهيده واستذكاره، وعلمه بالأنساب، يفصح عنه ما أورده في الاستيعاب، مع أنه في الأدب فارس، وكفاك على ذلك دليلا كتاب بهجة المجالس، وبالأفق الداني ظهر علمه، وعند ملوكه خفق علمه».

وكتاب «الاستذكار» من جملة تآليف ابن عبد البر التي جازت حدود الشُّهرة والقَبول، ويعود سبب تأليفه إلى ما ذكر هو نفسه في مقدّمة كتابه أن جماعة من أهل العلم وطلبته سألته أن يجعل لهم كتاب التمهيد على أبواب الموطأ ونسقه، ويحذف لهم منه تكراره وشواهده وطرقه، وأن يستوعب لهم شرح جميع ما في الموطأ من مسند ومرسل وأقوال الصحابة والتابعين، وما لمالك فيه من قول. وهذا يوضّح صلة «الاستذكار» بـ«التمهيد»، فالكتابان مرتبطان ارتباطا وثيقاً؛ حيث إنّ محور ارتكازهما «الموطأ»، ويشتركان في أنّ كلاّ منهما يعرض الأحكام المستنبطة من الأحاديث وآراء الفقهاء عرضا مقارنا بين المذاهب، غير أن الاستذكار نحا فيه المؤلّف إلى الإيجاز والاختصار وطرح ما في الشواهد من التكرار، وزاد فيه شرح ما لم يشترطه في التمهيد من أقوال الصحابة والتابعين، وأئمّة السلف، وفقهاء المذهب، وتفصيل اختيارات الإمام مالك ـ رحمه الله ـ، وقد بنى كلّ ذلك على نسق الموطأ وأبوابه باباً باباً، أما في «التمهيد» فقد تعرّض لفقه الحديث واستنباطاته، وآراء الفقهاء، إلاّ أنّه أولى عناية خاصة بالمسند والمرفوع والمرسل من أحاديث الموطأ، وأحوال الرواة وأنسابهم. فنجده في «الاستذكار» يأتي إلى حديث الموطأ برواية يحيى بن يحيى، فيفصّل في الإسناد، ويحيل على التمهيد لمن أراد البسط، ويذكر اختلاف الناقلين لهذا الحديث، ويشرح ألفاظه من شواهد العربية، وما يستنبط منه من المعاني، ثم يذكر اختلاف أصحاب مالك في المسألة، ويتبعها باستعراض أقوال بقية فقهاء الأمصار، مع مناقشة أدلة كلّ فريق، وبيان الراجح من المرجوح. وقد كان معتمده ـ رحمه الله ـ في جلّ ذلك على المصادر الشفوية التي تلقاها وفق طُرق التحمّل المعروفة، مع اعتماده على مصادر المذهب المشهورة مثل «المدونة»، و«الواضحة»، وغيرها، بيد أنّه لم يكن مالكيا مقلداً؛ إذ كان في كتابه مجتهدا مطلقاً له طريقته الخاصة في الفقه والاستنباط، واعتماد كتب المذاهب كلّها، جاعلاً أساس المسائل عنده هو الدّليل.

إنّ كل من تعرّض لشرح أحاديث «الموطأ» اعتمد على كتاب «الاستذكار»؛ فبدر العيني الحنفي (تـ855هـ) ينقل عنه فقرات مطولة في شرحه للبخاري المسمى «عمدة القاري»، ونقل عنه أيضا ابن التركماني صاحب «الجوهر النقي في اختصار السنن الكبرى للبيهقي»، ومن عناية العلماء به صنيع ابن زرقون (تـ 586هـ) حينما جمع بينه وبين المنتقى للباجي في تصنيفه الموسوم بـ«الأنوار في الجمع بين المنتقى والاستذكار»، وكذلك صنع محمد بن عبد الحق التلمساني (تـ625هـ) في تصنيفه «المختار الجامع بين المنتقى والاستذكار»، واعتمده كثيراً الإمام محمد بن عبد الباقي الزرقاني (تـ1122هـ) في شرحه لأحاديث الموطأ، ولعلي بن إبراهيم المعروف بابن القناص (تـ632هـ) اختصار كتاب الاستذكار. وحضي «الاستذكار» أيضا بعناية فائقة من لدُن الباحثين المعاصرين مثل كتاب سالم شيخي: «اختيارات الإمام ابن عبد البر الفقهية من خلال كتابه التمهيد والاستذكار»، وغيره. وما هذه العناية بالكتاب إلاّ لما أودعه في مصنّفه من عصارة فكره وفقهه، وبديع استنباطه وفهمه، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: «وقد اعتنى الناس بكتابه ـ يقصد الإمام مالك ـ وعلّقوا عليه كتبا جمّة، ومن أجود ذلك كتابي: «التمهيد»، و«الاستذكار» للشيخ أبي عمر ابن عبد البر النمري القرطبي رحمه الله».

ونشير هنا إلى أن الكتاب قد طبع بالقاهرة سنة 1971م، عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في جزئين بتحقيق علي النجدي ناصف، ثم صدر بعد ذلك كاملا في 30 مجلداً سنة 1993م، عن دار الوعي بحلب ودار قتيبة بدمشق، بتحقيق عبد المعطي قلعجي.


-----------------------------------

جذوة المقتبس للحميدي (367)،
الصلة لابن بشكوال (2/677)،
بغية الملتمس للضبي (489)،
وفيات الأعيان لابن خلّكان(7/71)​


اضغط هنا لتحميل الكتاب
 
أعلى