العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

توضيح المقال في بيان الفرق بين أهل الاعتدال من منهج أهل الاستئصال

إنضم
27 مارس 2008
المشاركات
365
التخصص
أصول الفقه
المدينة
قسنطينة
المذهب الفقهي
حنبلي
توضيح المقال
في بيان الفرق بين أهل الاعتدال
من منهج أهل الاستئصال


بعد صدور كلام الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله- في كتابه «مجالس تذكيرية» دفاعا عن الشيخ الألباني -رحمه الله- ممن اتهمه بالإرجاء، تجاسر بعض الجهال المتسترين بالأسماء المستعارة في المنتديات واصفا شيخنا بالإرجاء، متهما إياه بعدم فهم كلام السلف في مسائل الإرجاء، وبالكذب في نقله عنهم.

وهذا نص الطعن:

«قال فركوس...: «..بل متى ترك العمل فإن إيمانه ناقص ويأثم ويستحق العقاب والعذاب إلا أنه لا يخلد في النار، الإيمان عنده يزيد وينقص ولا ريب أن هذا مخالف تماما لقول المرجئة» اﻫ. هذا دليل بأنه يرى عدم دخول الأعمال عن مسمى الإيمان. أليس هذه عقيدة المرجئة ؟!

وقال: «ثم إن الشيخ الألباني – رحمه الله – لم ينفرد بهذا القول أي بأن الأعمال كمالية دون سائر أهل السنة أجمعين وإنما في مقالة أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان وكذلك ما ورد عن الحافظ بن رجب في فتح الباري ما فيه إشارة إلى هذا القول» اﻫ. وهذا كذب على أهل السنة والجماعة».

الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فإنَّ إدارة الموقع الرسمي للشيخ أبي عبد المعز محمَّد علي فركوس -حفظه الله- حيث لقيت طعنًا لاذعًا في دفاعه عمن وصف الشيخ العلاّمة الألباني -رحمه الله- وتلامذته بالإرجاء، فإنها تحاول أن تنير عقول الطاعنين إن كانوا جاهلين غير مغرضين بقيام الفرق بين الموقف الشخصي وبين حمل موقف غيره -إن كانت سيرته حسنة- على أحسن المحامل، وأولى الوجوه رضًى، عملاً بقوله تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: 58]، وعادة الملبّسين يخلطون بين المسائل والقضايا بسبب ضعف المستوى العلمي، أو لقلة التثبت والتحقق مع أهلها أو لحاجة في نفوسهم مهملين استثمار معارف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المفيدة في إنارة العقول وتزكية النفوس وتقويم الأعمال.

وما ذكره أهل التلبيس والتحريف عن الشيخ أبي عبد المعز محمّد علي فركوس -حفظه الله- إنما هو موقفه مع غيره في إرادة العمل على الإنصاف والعدل المأمور به في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ [الأنعام: 152]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8].

فمن جهة إرادة الإنصاف لمعتقد الشيخ الألباني -رحمه الله- في مسألة العلم في الإيمان التي لمزوه بها ووصفوه بالإرجاء وتلامذته مرجئة الفقهاء، فإنّ الواجب على كلّ داعية يحب أهل السنة والجماعة أن يعمل على تحقيق المعنى المتضمّن في قوله تعالى: ﴿لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: 12]، أي بإخوانهم خيرًا، فكيف إذا كان الأمر يخصّ أحد رموز الدعوة السلفية، وصاحب الفضل في العناية بالسنة المطهرة تخريجًا وتحقيقا وتنقيحًا، وفي بيان أصول المنهج السوي، والداعي إلى الانتساب إليه سلوكًا وأخلاقًا وتربية؟!

هذا، وإنّ إدارة الموقع الرسمي للشيخ محمّد علي فركوس -حفظه الله- إذ تقرّر معتقده صراحة بما هو ثابت في موقعه(١- انظر الفتوى برقم: 204، تحت عنوان: «دخول الأعمال في مسمى الإيمان» المؤرخة بتاريخ: 09 ربيع الأول 1426ﻫ الموافق ﻟ: 18أفريل 2005م.) منذ عهد بعيد، حيث قال -حفظه الله-: «فبغضّ النظر عن حكم تكفير تارك الصلاة من عدم تكفيره، فإنّ جنس العمل عند أهل السنة والجماعة هو من حقيقة الإيمان وليس شرطًا فقط، فالإيمان هو: قول وعمل واعتقاد لا يصحّ بها إلاّ مجتمعة، ولذلك كان الإمام الشافعي -رحمه الله- يرى عدم تكفير تارك الصلاة مع حكايته الإجماع أنه لا يجزئ إيمان بلا عمل، والفرق بين الخوارج والمعتزلة الذين يقررون أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، أنّ الإيمان -عندهم- يزول بزوال العمل مطلقًا، بخلاف أهل السنة ففيه من الأعمال ما يزول الإيمان بزواله سواء كان تركًا -كترك الشهادتين، وجنس العمل اتفاقًا، أو ترك الصلاة على اختلاف بين أهل السنة، أو كان فعلاً كالذبح لغير الله والسجود للصنم ونحو ذلك، والعمل في هذا القسم شرط في صحته، وفيه من العمل ما ينقص الإيمان بزواله ولا يزول كليًّا، أي يبقى معه مطلق الإيمان لا الإيمان المطلق مثل الذنوب دون الكفر، فالعمل -في هذا القسم- شرط في كماله.قال حكمي-رحمه الله-: «إنَّ السلف لم يجعلوا كلَّ الأعمال شرطًا في الصحة، بل جعلوا كثيرًا منها شرطًا في الكمال، كما قال عمر بن عبد العزيز فيها: «مَنِ استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان»، والمعتزلة جعلوها كلَّها شرطًا في الصحة»(٢- «معارج القبول» للحكمي: (2/602).).

وعليه، فخلوُّ إيمانِ القلب الواجب من جميع أعمال الجوارح ممتنع وغير متصور، وضمن هذا التقرير يصرِّح ناشر مذهب السلف شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- بقوله: «إنَّ جنس الأعمال من لوازم الإيمان، وإنَّ إيمان القلب التامَّ بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان أو جزءًا من الإيمان»(٣- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/616).).

كما يؤكد الشيخ محمّد علي فركوس -حفظه الله- في هذا الجانب الإيماني أن الإيمان مركب من أجزاء، والأعمال داخلة في حقيقة الإيمان ومسماه، وأنّ الإيمان قول وعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بالآخر، وأنه لا يكون إسلام بلا إيمان، ولا إيمان بلا إسلام، أنه لا يقبل قول إلا بعمل ولا يقبل عمل إلا بقول، وأن ترك الفرائض ليس بمنـزلة ركوب المحارم، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأنّ أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها.

غير أنه لا يمنعه ذلك من بيان الجانب الإيماني الذي يعتقده الشيخ الألباني -حمه الله- من كون العمل يدخل في مسمى الإيمان إلا أنه كواجبات الصلاة لا كأركانها، وأنّ الإيمان لا ينعدم بانتفاء الأعمال، فإنّ ما انتهجه الشيخ الألباني -رحمه الله- ليس قولاً انفرد به أو شذّ عن مقالة أهل السنة حتى يقع في الإرجاء أو يوصف به، إذ لا تتطابق مع المرجئة لأنهم جعلوا العمل خارجًا عن حقيقة الإيمان وأنكروا جزئيته وهدروه، حيث يعتقدون أنّ الناطق بالشهادتين مؤمن مستكمل الإيمان، والعامل ومقترف السيئات والموبقات جميعهم إيمانهم واحد لا يزيد ولا ينقص، وهذا لم يقل به الشيخ الألباني -رحمه الله- ولا تلامذته الكرام وإنما يقرروه بالعكس وهو: «الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه اعتقاد وقول وعمل، وقد نقل عن الإمام أحمد والبربهاري وغيرهما من أهل السنة أن من قال: «الإيمان يزيد وينقص فقد برئ من الإرجاء كله أوله وآخره»(٤- «مجمل رسائل الإيمان العلمية» (28).).

كما أنَّ قوله -رحمه الله-لم يوافق الخوارج والمعتزلة؛ لأنّ الأعمال -عندهم ركن الإيمان كأركان الصلاة.

ولا شكّ أنّ ما ذهب إليه الأئمة الثلاث، مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحاب الحديث هو الصحيح، إلاّ أنّ جملة من مقالات علماء أهل السنة السابقين لا تختلف مقالاتهم عمّا ذكره الألباني في تقرير هذا الاعتقاد، ومن هذه المقالات ما يأتي:

- قول ابن أبي العز الحنفي في «شرح العقيدة الطحاوية» (2/463): «وقد أجمعوا على أنه لو صدق بقلبه، وأقر بلسانه، وامتنع عن العمل بجوارحه أنه عاص لله ورسوله مستحق للوعيد» ا.ﻫ.

- قول ابن رجب الحنبلي في «فتح الباري» (1/112): «ومعلوم أنّ الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان، وبها يخرج من يخرج أهل النار، فيدخل الجنة» ا.ﻫ.

- قول أبي عبيد في كتابه «الإيمان» (34): «فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا مما اقتصصنا في كتابنا هذا، أنّ الإيمان بالنية والقول والعمل جميعًا، وأنه درجات بعضها فوق بعض؛ إلاّ أنّ أولها وأعلاها: الشهادة باللسان، كما قال رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءًا، فإذا نطق بها القائل وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال ولا على تزكية النفوس، وكلما ازداد لله طاعة وتقوى ازداد به إيمانًا» ا.ﻫ.

- قول السفاريني في «لوامع الأنوار البهية» (1/405): «السلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، ومن هنا نشأ لهم القول بزيادة الإيمان ونقصه، والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والكرامية قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفرق بينهم وبين السلف: أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله» ا.ﻫ.

- قول المباركفوري عبيد الله في «مرعاة المفاتيح» (1/36-37): «وقال المرجئة: هو اعتقاد فقط، والإقرار باللسان ليس ركنًا فيه ولا شرطًا، فجعلوا العمل خارجًا عن حقيقة الإيمان كالحنفية وأنكروا جزئيته إلا أن الحنفية اهتموا به وحرّضوا عليه، وجعلوه سببًا ساريًا في نماء الإيمان، وأمّا المرجئة فهدروه، وقالوا: لا حاجة إلى العمل، ومدار النجاة هو التصديق فقط، فلا يضر المعصية عندهم مع التصديق.

وقال الكرامية: هو نطق فقط، فالإقرار باللسان يكفي للنجاة عندهم، سواء وجد التصديق أم لا.

وقال السلف من الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحاب الحديث: هو اعتقاد بالقلب، ونطق بالسان، وعمل بالأركان، فالإيمان –عندهم- مركب ذو أجزاء، والأعمال داخلة في حقيقة الإيمان، ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان بحسب الكمية، واحتجوا لذلك بالآيات والأحاديث، وقد بسطها البخاري في «جامعه» والحافظ ابن تيمية في كتاب «الإيمان».

وقيل: وهو مذهب المعتزلة والخوارج إلاّ أن السلف لم يجعلوا أجزاء الإيمان متساوية الأقدام، فالأعمال –عندهم كواجبات الصلاة لا كأركانها، فلا ينعدم الإيمان بانتفاء الأعمال، بل يبقى مع انتفائها ويكون تارك العمل -وكذا صاحب الكبيرة- مؤمنًا فاسقًا لا كافرًا، بخلاف جزئية: التصديق والإقرار، فإنّ فاقد التصديق وحده منافق، والمخل بالإقرار وحده كافر، وأما المخل بالعمل -وحده- ففاسق ينجو من الخلود في النار، ويدخل الجنة.

وقال الخوارج والمعتزلة: تارك الأعمال خارج من الإيمان لكون أجزاء الإيمان المركب متساوية الأقدام في انتفاء بعضها -أي بعض كان- يستلزم انتفاء الكل، فالأعمال -عندهم- ركن من أركان الإيمان كأركان الصلاة.

ثمّ اختلف هؤلاء، فقالت الخوارج: صاحب الكبيرة، وكذا تارك الأعمال كافر مخلد في النار، والمعتزلة أثبتوا الواسطة، فقالوا لا يقال مؤمن ولا كافر، بل يقال: فاسق مخلد في النار!

وقد ظهر من هذا الاختلاف بين الحنفية وأصحاب الحديث اختلاف معنوي حقيقي لا لفظي كما توهم بعض الحنفية، والحق ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة والمحدثون لظاهر النصوص القرآنية والحديثية» ا.ﻫ.

هذا، وليس معنى قول الشيخ الألباني وتلامذته السنيين أنّ الإيمان شرط في كماله الواجب، أنهم يعتقدون بأن الإيمان قول بلا عمل كما يظنه عنهم الجاهلون، كلا بل عندهم الإيمان قد يصحّ ولا يكون كاملاً؛ لأنه يقبل التبعيض والتجزئة، وأنّ قليله -ولو مثقال ذرة- يخرج الله به من النار من دخلها كما صرحت بذلك الأحاديث الصحيحة.

أمّا نسبة الكذب للشيخ أبي عبد المعز محمّد علي فركوس –حفظه الله- في عدم وجود علماء سنيين من قال بمقالة الشيخ الألباني -رحمه الله- ومن تبعه عليها في تقرير هذا الاعتقاد، فإن هذه بعض النقول السابقة عن هؤلاء الأئمة الفحول ردٌّ على مفتري الكذب وصاحب التلبيس والتهويس، الساعي به ليوقع فتنة بين أهل السنة وينشر الفساد.

ولا شكّ أن مثل هذه المساعي في تفريق الأمة، والاختلاف على ورثة الأنبياء والصالحين من عباد الله المخلصين، لتنم عن نفس بغيضة لا تحب الخير لأهل الإسلام ولا تعذرهم، ولم تربَّ على إيثار الحق بالبرهان وحسن الأدب، وحب المعروف والفضيلة، والرغبة في الخير، والإنصاف والعدل، ومن جعل الفضائل الخلقية طبعًا له سارت نفسه نحو الكمال الخلقي كما أخبر النبي صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في قوله: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ أَخْلاَقًا»(٥- أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه: (4682)، والترمذي في «سننه» كتاب باب ما جاء في حق المرأة على زوجها: (1162)، وأحمد في «مسنده»: (7354)، والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (13/133)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (284).).

أمَّا إذا ربِّيت تربية نتنة أحبّت كل نكير وبغيض شرعًا، وانقلبت النفس ترى الجميل حقيرًا، والطيب مبغوضًا، والقبيح محبوبًا، وأصبحت الرذائل والنقائص تصدر عنها بدون رقيب يخشى أو نفس تنهى، كان ذلك علامة على التدني الأدبي والانحطاط الخلقي، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9-10].

هذا، وإن كان أصحاب المقالات السابقة قد حادوا عن الصواب فإنما ينسب إليهم الخطأ في تقرير المعتقد الصحيح في هذه المسألة، ولا ينسب إليهم الإرجاء ولا يلمزوهم بأنهم مرجئة لبعدهم عنه، وضمن هذا المنظور يقول ابن القيم -رحمه الله-: «.. فلو كان كلّ من أخطأ أو غلط ترك جملة، وأهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم، وتعطلت معالمها»(٦- «مدارج السالكين» لابن القيم: (2/39).).

لكن أصحاب المنهج الاستئصالي الذين شنوا حربًا -اسمًا ومعنى- على الدعاة السلفيين، وأشربوا في قلوبهم حب القضاء على كلّ داعية إلى الله من أهل السنة فيقدحون في علمه وتقواه، بل يطعون في إيمانه حتى يكادوا يخرجونه من دائرة الإيمان بلا تعظيم للحق ولا رحمة للخلق، وهذا الصنيع علامة بارزة على أهل الأهواء والبدع.

ونختم بكلام شيخ الإسلام -رحمه الله- ذكره في «منهاج السنة النبوية» [4/543] ما نصه: «..أنّ الرجل العظيم في العلم والدين، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة، أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونًا بالظنّ، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه، وإن كان من أولياء الله المتقين، ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين:

- طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه.

- وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحًا في ولايته وتقواه، بل في برّه، وكونه من أهل الجنة، بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان، وكلا هذين الطرفين فاسد.

والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا، ومن سلك طريق الاعتدال عظّم من يستحقّ التعظيم، وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق، ويرحم الخلق، ويعلم أنّ الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه.

هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم».

وأخيرًا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعزّ أولياءه، وأن يذل أعداءه، ويهدينا الحقّ فهو حسبنا ونعم الوكيل، وبكل جميل كفيل، وعليه الاتكال في الحال والمآل.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.


إدارة الموقع


الجزائر في 20 رجب 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 23 جويلية 2008م

--------------------------------------------------------------------------------

١- انظر الفتوى برقم: 204، تحت عنوان: «دخول الأعمال في مسمى الإيمان» المؤرخة بتاريخ: 09 ربيع الأول 1426ﻫ الموافق ﻟ: 18أفريل 2005م.

٢- «معارج القبول» للحكمي: (2/602).

٣- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/616).

٤- «مجمل رسائل الإيمان العلمية» (28).

٥- أخرجه أبو داود في «سننه» كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه: (4682)، والترمذي في «سننه» كتاب باب ما جاء في حق المرأة على زوجها: (1162)، وأحمد في «مسنده»: (7354)، والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (13/133)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»: (284).

٦- «مدارج السالكين» لابن القيم: (2/39).
 
أعلى