العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ثبوتُ الشفعةِ مع اختلافِ الدِّين

إنضم
26 فبراير 2010
المشاركات
596
الكنية
أبو الفضل
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
الخليل
المذهب الفقهي
فقه مقارن
ثبوتُ الشفعةِ مع اختلافِ الدِّين
أ.د. حسام الدَّين عفانة
يقول السائل:أملك شقةً في عمارةٍ فيها طوابق عديدة،وكلُّ طابقٍ فيه شقتان،وجاري رجلٌ نصراني ورغبت أن أبيع شقتي لقريبٍ لي، وأراد جاري أن يأخذها بحق الشفعة،فهل يملك ذلك الحق مع اختلاف الدِّين،أفيدونا؟
الجواب:الشفعة هي:استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض.فذكرُ الشريك يدخل فيه الشريكُ في تملك الأرض، والشريكُ في حقٍ من حقوق ارتفاقها،والشريكُ في العقار والمنقول على القول الراجح،والمنتقلة بعوضٍ يدخل فيه العوضُ المالي وغير المالي.انظر بحث حكم شفعة الجـار ص7.
وقد ثبتت مشروعيتها بأدلة كثيرة من السنة النبوية منها:عن جابر رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم،فإذا أوقعت الحدودُ وصرِّفت الطرقُ فلا شفعة)رواه البخاري.
وعن جابر رضي الله عنه أيضاً:(أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تُقسم،ربعةٍ أو حائطٍ،لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذه وإن شاء ترك،فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به)رواه مسلم.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الجار أحق بشفعة جاره،يُنتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه.وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل5/378.
وعن سمرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(جارُ الدار أحقُ بالدار)رواه أبو داود والنسائي و‏الترمذي وقال:حديث حسن صحيح،وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق5/377.وغير ذلك من الأحاديث.
ووقع خلافٌ بين الفقهاء في ثبوت الشفعة للجار،والراجحُ أن الشفعة لا تثبت بمطلق الجوار،بل تثبتُ للجار إذا كان بينه وبين جاره منافعُ مشتركةٌ كحقوق الارتفاق،وهذا القول اختاره العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني ونقل عن الإمام أحمد وقال به جماعةٌ من المعاصرين.
وقد استدل لهذا القول بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الجار أحق بشفعة جاره يُنتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه.وصححه العلامة الألباني.
قال العلامة ابن القيم:[والصوابُ القولُ الوسطُ الجامعُ بين الأدلــة الذي لا يحتمل سواه،وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجاريـن حقٌ مشتركٌ من حقوق الأملاك من طريقٍ أو ماءٍ أو نحو ذلك تثبت الشفعة،وإن لم يكـن بينهما حقٌ مشتركٌ ألبتـة،بل كان كل واحدٍ منهما متميزاً،ملكه وحقوق ملكـه فلا شفعة]إعلام الموقعين2/149.
وقال أيضاً:[والقياسُ الصحيح يقتضي هذا القول،فإن الاشتراك في حقوق الملك،شقيقُ الاشتراك في الملك،والضررُ الحاصلُ بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه،ورفعهُ مصلحةٌ للشريك من غير مضرةٍ على البائع ولا على المشتري،فالمعنى الذي وجبت لأجله شفعةُ الخُلطة في الملك،موجودٌ في الخلطة في حقوقه،فهذا المذهب أوسط المذاهب وأجمعها للأدلة وأقربها إلى العدل]إعلام الموقعين2/150-151.
إذا تقرر أن الراجح من أقوال الفقهاء هو ثبوت الشفعة للجار المشترك في المنافع مع جاره،فإن مُلاك الشقق بينهم منافعُ مشتركةٌ كالدرج والمصعد وخطوط الكهرباء والماء والمجاري وغيرها من المرافق،لذلك تثبت الشفعة في الشقق والطبقات،وكذلك فقد تكون بعض الحيطان متلاصقة مما يقوي ثبوت الشفعة،ولأن الشفعة إنما شرعت لأجل رفع الضرر،وإن قلنا بمنع إثبات الشفعة للجار المشترك في المنافع مع جاره،وقع ضررٌ على أصحاب الشقق المتجاورة.
ولكن هل الأدلة المثبتة للشفعة بشكلٍ عامٍ يدخل فيها النصراني؟والجواب نعم،فالنصارى الذين يعيشون بين المسلمين في بلادنا،وهم من أهل هذه البلاد منذ القدم،وبيننا وبينهم عهدٌ وأمانٌ،وهم من غير المحاربين،فتثبت لهم الشفعة بمقتضى عموم الأدلة المثبتة للشفعة،وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية[ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى ثبوتها للذمي على المسلم أيضاً.
واستدلوا بعموم الأحاديث الواردة في الشفعة التي سبقت كحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم"قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم،ربعةٍ أو حائطٍ لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه،فإن شاء أخذ وإن شاء ترك،فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحقُ به).
وبالإجماع لما روي عن شريحٍ أنه قضى بالشفعة للذمي على المسلم،وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجازه وأقرَّهُ،وكان ذلك في محضرٍ من الصحابة،ولم يُنكر أحدٌ منهم عليه،فكان ذلك إجماعاً.
ولأن الذمي كالمسلم في السبب والحكمة،وهما اتصالُ الملك بالشركة أو الجوار،ودفعُ الضرر عن الشريك أو الجار،فكما جازت الشفعة للمسلم على المسلم،فكذلك تجوز للذمي على المسلم]الموسوعة الفقهية الكويتية26/154-155.
وذكر الشيخ ابن قدامة المقدسي أن ثبوت الشفعة للذمي،هو قولُ شريحٍ وعمر بن عبد العزيز‏ والنخعي وإياس بن معاوية وحماد بن أبي سليمان‏ والثوري ومالك والشافعي‏‏ والعنبري وأصحاب الرأي،لعموم قوله عليه السلام‏:‏‏(‏لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه،وإن باعه‏‏ ولم يؤذنه فهو أحقُ به‏)‏ولأنه خيارٌ ثابتٌ لدفع الضرر بالشراء،فاستوى فيه المسلمُ والكافر‏,‏كالرد بالعيب]المغني5/320-321.
وروى ابن أبي شيبة أن شريحاً قضى لنصراني بالشفعة ومثله عن عمر بن عبد العزيز والثوري والحسن البصري.المصنف5/327.
وقال الإمام النووي:[وأما قوله صلى الله عليه وسلم"فمن كان له شريكٌ"فهو عامٌ يتناول المسلم والكافر والذمي،فتثبت للذمي الشفعة على المسلم،كما تثبت للمسلم على الذمي،هذا قول الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور ]شرح النووي على صحيح مسلم11/46.
وقال الشيخ السبكي مستدلاً لقول الجمهور[ودليلنا عمومُ الحديث وقواعد البياعات لأنها خيارٌ ثابتٌ لدفع الضرر بالشراء،فاستوى فيه المسلم والكافر كالرد بالعيب]تكملة المجموع14/314.
وذهب الحنابلة إلى عدم ثبوتها للذمي على المسلم،واستدلوا على ذلك بما رواه الدارقطني في كتاب العلل عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا شفعة لنصراني)وبأن الشريعة إنما قصدت من وراء تشريع الشفعة الرفق بالشفيع،والرفقُ لا يستحقه إلا من أقرَّ بها وعمل بمقتضاها،والذمي لم يقر بها ولم يعمل بمقتضاها،فلا يستحق الرفق المقصود بتشريع الشفعة،فلا تثبت له على المسلم،وبأن في إثبات الشفعة للذمي على المسلم تسليطاً له عليه بالقهر والغلبة وذلك ممتنع بالاتفاق]الموسوعة الفقهية الكويتية26/155.
وقول الحنابلة هذا مرجوحٌ،والحديث الذي استدلوا به منكرٌ،لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل5/374.
وقال الإمام البيهقي:[باب رواية ألفاظٍ منكرةٍ يذكرها بعض الفقهاء في مسائل الشفعة،وذكر منها عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا شفعة لنصراني)]السنن الكبرى6/108.
وينبغي أن يُعلم أن النصارى من سكان بلاد الإسلام،كانوا وما زالوا يتعاملون مع المسلمين في البيع والشراء والإجارة وغيرها من العقود،بلا نكيرٍ من أحدٍ،ولا يصح الاستدلال بالأحاديث الواهية والباطلة التي تُروى في هذا الباب مثل:(لا شفعة لنصراني) ومثل الحديث المكذوب بألفاظه المتعددة:(من ملَّك ذمياً شبراً من أرض المسلمين ملَّكه الله ذراعاً من نار جهنم)فهذا كذبٌ بينٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وليس له أصلٌ في كتب السنة النبوية.
ويجب شرعاً على الوعاظ والخطباء وأئمة المساجد وغيرهم التثبتُ من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس،لأن معظم الناس من العوام الذين لا يعرفون التمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث،بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم،فيُسهم الوعاظ والخطباء والمدرسون وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس،ويتحملون وزر ذلك.
وعليه فإني أنصح كلَّ من يذكرُ حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتثبت من ذلك الحديث،وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث وإلى العلماء،ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس.
فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حبان:[فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو غير عالمٍ بصحته]ثم روى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من قال عليَّ ما لم أقل،فليتبوأ مقعده من النار)وإسناده حسن كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط،الإحسان1/210،ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من حدَّث حديثاً وهو يُرى-بضم الياء ومعناه يظن-أنه كذبٌ فهو أحد الكاذبين)وأخرجه مسلم في مقدمة صحيحه،وفي رواية عند ابن ماجة وغيره (من حدَّث عني حديثاً...الخ).
وقال الإمام الشوكاني:[فلما كان تمييزُ الموضوع من الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجَلِّ الفنون،وأعظم العلوم،وأنبل الفوائد من جهات يكثر تعدادها،ولو لم يكن منها إلا تنبيه المقصرين من علم السنة على ما هو مكذوبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم،ويحذروا من العمل به،واعتقاد ما فيه،وإرشاد الناس إليه.كما وقع لكثير من المصنفين في الفقه والمتصدرين للوعظ والمشتغلين بالعبادة والمتعرضين للتصنيف في الزهد،فيكون لمن بيَّنَ لهؤلاء ما هو كذبٌ من السنة،أجرُ من قام بالبيان الذي أوجبه الله،مع ما في ذلك من تخليص عباد الله من معرة العمل بالكذب،وأخذه على أيدي المتعرضين لما ليس من شأنه من التأليف والاستدلال والقيل والقال،وقد أكثرَ العلماءُ رحمهم الله من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين،ونفوا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين]الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 3.
وخلاصة الأمر أن الشفعة حقُ تملكٍ قهريٍ وأنها مشروعة بالسنة النبوية،وأنها على الراجح لا تثبت بمطلق الجوار،بل تثبت للجار إذا كان بينه وبين جاره منافع مشتركة،كحقوق الارتفاق،وأنها تثبت في الشقق والطبقات في العمارات،وأن مذهب جمهور الفقهاء أن الشفعة تثبت للنصارى الذين يعيشون بين المسلمين،وبيننا وبينهم عهدٌ وأمانٌ،وهم من غير المحاربين،بمقتضى عموم الأدلة المثبتة للشفعة،وأن حديث:(لا شفعة لنصراني)منكرٌ لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،ومثله حديث(من ملَّك ذمياً شبراً من أرض المسلمين ملَّكه الله ذراعاً من نار جهنم)بألفاظه المتعددة،فكلُّ ذلك كذبٌ بينٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وليس له أصلٌ في كتب السنة النبوية.ويجب شرعاً على الوعاظ والخطباء وأئمة المساجد وغيرهم التثبتُ من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس،وقد حذَّر النبيُ صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه فقال:(من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)رواه البخاري ومسلم،وقال أيضاً:(من قال عليَّ ما لم أقل،فليتبوأ مقعده من النار).والله الهادي إلى سواء السبيل
 
أعلى