العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حقُّ الزوجة في الوطء

د.محمود محمود النجيري

:: مشرف سابق ::
إنضم
19 مارس 2008
المشاركات
1,171
الكنية
أبو مازن
التخصص
الفقه الإسلامي
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
الحنبلي
حقُّ الزوجة في الوطء​


هل يجب على الزوج مجامعة امرأته؟
الأقوال في المسألة:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال. أهمها:
المذهب الشافعي: لا يجب على الزوج مجامعة امرأته؛ فإنه حق له، فإن شاء استوفاه، وإن شاء تركه. بمنزلة من استأجر دارًا، إن شاء سكنها، وإن شاء تركها، وليس للمرأة طلب ذلك، ولا يأثم بتركه .
المذهب الحنفي: يجب على الزوج وطء امرأته في العمر مرة واحدة، ليستقرَّ لها بذلك الصداق .
المذهب الحنبلي: يجب على الزوج أن يطأ امرأته في كل أربعة أشهر مرَّة. وذلك لأن الله تعالى قدَّره بأربعة أشهر في حق المولي بقوله:  لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة: 226]. فكذلك في حق غير المؤلي.
وتعليله: أن اليمين لا توجب ما حلف المولي على تركه، فيدل على أنه واجب بدونها. وخيّر المرأة: إن شاءت أن تقيم عنده، وإن شاءت أن تفارقه. فلو كان لها حق في الوطء أكثر من ذلك، لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة .
ابن حزم الظاهري: يجب على الزوج أن يطأ امرأته مرة في كل طهر- إن قدر على ذلك. وبرهان ذلك قول الله :  فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ  [البقرة: 222].
المذهب المالكي: يجب على الزوج أن يطأ امرأته مرة كل أربع ليال، إن طالبتْ بذلك .
اختيارابن تيمية: يجب على الزوج وطء زوجته بالمعروف قدر كفايتها، كما ينفق عليها بالمعروف، فيقل ويكثر بحسب حاجتها وقدرته، ما لم ينهك بدنه، ويشغله عن معيشته. ولا يتقدر ذلك بزمان.
واستدل ابن تيمية بقول الله تعالى:  وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228]. ومن السنة قول النبي  لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" . والنفقة كالوطء في الحكم. ومثلهما حق المبيت والمتعة. كلها لم يقدِّرها الشرع. وإذا تنازع الزوجان فتقديرها للحاكم .
وقد اختار ابن القيم قول شيخه ابن تيمية، فقال:
"يجب عليه أن يطأها بالمعروف، كما ينفق عليها، ويكسوها، ويعاشرها بالمعروف. بل هذا عمدة المعاشرة ومقصودها. وقد أمر الله  أن يعاشرها بالمعروف، فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولابد. قالوا: وعليه أن يُشبعها وطئًا إذا أمكنه ذلك، كما عليه أن يشبعها قوتًا. وكان شيخنا- رحمه الله- يُرجِّح هذا القول ويختاره" .
وردَّ ابن القيم على الخصوم كما يلي:
1- عن قول الشافعية قال: "هذا أضعف الأقوال. والقرآن والسنة والعرف والقياس يردُّه. أمَّا القرآن، فإن الله  قال:  وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228]. فأخبر أن للمرأة من الحق مثل الذي عليها، فإن كان الجماع حقًا للزوج عليها، فهو حق على الزوج بنص القرآن" .
2- ورد قول الحنفية، بأنه من جنس قول الشافعية. ويبطل من وجه آخر أيضًا؛ فإن المقصود إنما هو المعاشرة بالمعروف، والصداق دخل في العقد تعظيمًا لحرمته، وفرق بينه وبين السفاح، فوجوب المقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق.
3- وعن قول الحنبلية قال بأنه وإن كان أقرب من القولين اللذين قبله ، فليس أيضًا بصحيح؛ فإنه غير المعروف الذي لها وعليها. وأما جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر؛ فنظرًا منه سبحانه للأزواج؛ فإن الرجل قد يحتاج إلى ترك وطء امرأته؛ لعارض من سفر أو تأديب أو راحة نفس، أو اشتغال بمهم. فجعل الله سبحانه وتعالى له أجلا أربعة أشهر. ولا يلزم من ذلك: أن يكون الوطء مؤقتًا في كل أربعة أشهر مرة .
وتابع ابن القيم على هذا الاختيار د.محمد بكر إسماعيل .
الترجيح:
يترجح اختيار ابن القيم وشيخه ابن تيمية . للأدلة التي قدماها. ولما يلي:
1- قال الله تعالى:  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]. والمعروف بين الناس ترك أمر الجماع للزوجين بحسب حالة كل منهما ومزاجهما. وإن كان لبعض الشعوب عادات معينة، فإن ما تعارفه الناس في زمان أو مكان معين هو ما يحكم به، فيُترك للقضاء.
2- عن عمرو بن العاص، أن النبي  قال: "يا عبد الله! ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: فلا تفعلْ. صُمْ، وأفطِرْ. وقمْ، ونمْ. فإن لجسدك عليك حقًّا، وإنَّ لزوجك عليك حقًّا" .
3- هو قول عادل، يقوم على قياس صحيح على النفقة والكسوة والمتعة والمبيت.. فكل ذلك يجب بالمعروف، ولا يتقدَّر بالشرع. فلم يأت نص من الكتاب والسنة بالتقدير. ولذلك كان اختلاف الفقهاء مذاهب: ما بين قائل بوطئةٍ كلَّ أربع، أو كل طهر، أو كل أربعة أشهر ، أو مرة واحدة في العمر. ومنهم من نفى وجوبه مطلقًا. فلو كان في المسألة نصٌّ؛ لما اتسع الخلاف. وقد ترك الشرع الناس في ذلك وعوائدهم.
والخلاصة: أنه يجب على الزوج أن يطأ زوجته بالمعروف، كما ينفق عليها ويكسوها بالمعروف. وبمعنى آخر، يجب عليه أن يشبعها وطئًا، كما عليه أن يشبعها قوتًا، دون إفراط أو إرهاق لبدنه، وبما يحقق السعادة الزوجية، وخير الأمور أوسطها.

-------------------------------------------------------------------------
  1. مغني المحتاج: للخطيب الشربيني، دار المعرفة، بيروت، 1418هـ/1997م، 3/332.
  2. بدائع الصنائع: علاء الدين الكاساني، دار المعرفة، بيروت،1420هـ/2000م، 3/350.
  3. المغني: ابن قدامة، دار الحديث، القاهرة، 7/30. الإنصاف: المرداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 8/353.
  4. قال أحمد موافي- محقق كتاب "المسائل الفقهية من اختيارات ابن تيمية" (نشر دار الصفا، القاهرة): "مذهب مالك، أنه لا يلزمه الوطء، بل ذلك بحسب رغبته" (ص 89).
  5. وهو بذلك يخلط بين قولهم بأنه لا يلزمه قسم الوطء بين نسائه، وقولهم بأنه يلزمه وطء زوجته. فالقسم عندهم غير واجب، والوطء نفسه واجب.
  6. أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها من معروف (5049). ومسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند (1714).
  7. مجموعة الفتاوى: ابن تيمية، دار الوفاء 32/170، 34/55، 58. اختيارات ابن تيمية: البعلي، ص 354. القواعد النورانية الفقهية: ابن تيمية،، نشرة الفقي، ص 215-216. وأورد هذه المسألة برهان الدين بن قيم الجوزية في "المسائل الفقهية من اختيارات ابن تيمية"، ص 89-90، المسألة (53)، ضمن "القسم الثاني: ما هو خارج عن مذاهب الأئمة الأربعة، لكن قد قاله بعض الصحابة، أو التابعين، أو السلف، والخلاف فيه محكي".
  8. روضة المحبين، مكتبة دار البيان، دمشق، 1421هـ/2000م، ص 193-194.
  9. روضة المحبين، ص193.
  10. روضة المحبين، ص 194.
  11. الفقه الواضح: د.محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة،1418هـ/1997م، 2/68.
  12. تورد كتب الفقه المتأخرة هذا الاختيار قولا لابن القيم وأستاذه في المسألة، ينفردان به. مثل كتاب نزيه حماد: "الأحكام الشرعية في العلاقات الجنسية"، مكتبة السوادي، جدة، 1421هـ/2000م، ص 101.
  13. متفق عليه. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب "لزوجك عليك حقًّا" (4903). ومسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقًّا (1159).
 
التعديل الأخير:
أعلى