العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حكم الرطوبة

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه،، أما بعـد:
فيؤسفني -بادئ ذي بدء- أنني ممن يمل الكتابة باستخدام مفاتيح الحواسيب، كما أنني قد أكتب الموضوع فيقع أمر يمنع رفعه على الملتقى فأضرب عن ذلك صفحاً.. وقد وقع لي قبل أيام كتابة موضوع يتعلق بنية صوم شهر رمضان، وهل تكفي نية واحدة في أول ليلة منه عن جميع الشهر؟.. ولكنَّ ابني الصغير ضغط مفتاح الهروب فاختفى كل ما كتبت، فأصابني من الغم ما أصابني.. ولعل هذا من أسباب استئناسي بنقل موضوعات كتبتها سابقا بمنتديات أُخرى عسى أن ينفع الله بها هنا كما نفع بها هناك، وله الفضل والمنة.

هذه المسألة التي تعم البلوى بها حول رطوبة فرج المرأة سأشير إلى حكمها باختصار -إذ قرأت بعض ما كتبت الدكتورة الفاضلة الداعية/ رقية المحارب في رسالة لها تختص بالموضوع، وعزمت أن أبين ما أراه صواباً وأن أعلق على بعض ما كَتَبَتْ جزاها الله خيراً..

أولاً: رطوبة الفرج على قسمين:

الأول: الرطوبة من ظاهر الفرج
قال ابن عابدين رحمه الله في الحاشية(1/313): (وأما رطوبة الفرج الخارج فطاهرة اتفاقاً).

الثاني: الرطوبة من باطن الفرج للمرأة
وقد اختلف فيها العلماء على أقوال، أشهرها:
1- أنها طاهرة، وهو قول أبي حنيفة، والأصح عند أكثر الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة.
2- أنها نجسة، وهو قول صاحبي أبي حنيفة، والمشهور في مذهب المالكية، وقول عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة.

واستدل الأولون بأدلة أبرزها:
1- أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يثبت دليل يقتضي نجاستها.
2- حديث عائشة رضي الله عنها وأنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من جماع إذ الأنبياء لا يحتلمون.
فلو حكمنا بنجاسة رطوبة فرج المرأة لحكمنا بنجاسة منيها لأنه يخرج من الفرج. وكونها تفرك المني دليل على طهارته.
3- أن التحرز منها فيه حرج ومشقة، والمشقة تجلب التيسير.
4- أنه يشبه العَرَق في الفرج، فيأخذ حكمه وهو الطهارة.

واستدل الآخرون بأدلة منها:
1- ما جاء في الصحيحين عن أبي أيوب قال: أخبرني كعب أنه قال: يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزِل؟ قال: "يغسل ما مسَّ المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي".
2- في الصحيحين أيضاً أن زيد بن خالد سأل عثمان بن عفان: أرأيت إذا جامع فلم يُمنِ؟ قال: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره.
قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فسألتُ عن ذلك علياً والزبير وطلحة وأُبَي بن كعب فأمروني بذلك.

تنبيه: الحديثان في جواز الصلاة بلا غسل منسوخان، فمن جامع وجب عليه الغُسل ولو لم يُنزِل.
قالوا: وأما الأمر بغسل الذكر وما مسه منها فإنه ثابت غير منسوخ؛ فدل على أن الرطوبة نجسة.

3- أنها بلل في الفرج ولا يتخلق منه الولد، فأشبهت المذي.

(قلت): والذي يظهر لي -والله أعلم- أن القول بطهارته هو الأقوى للأدلة التي ذكرها الأولون.

ويجاب عن أدلة القول الثاني بأن الأمر بالغسل يحتمل أمرين:

الأول: أن المجامِع يخرج منه مذي، والمذي نجس؛ فلهذا أُمِرنا بالغسل لا لأجل الرطوبة.
الثاني: أن الأمر فيه للاستحباب والندب.

ومما يقوي هذا القول الذي استظهرناه: ما جاء عند ابن خزيمة في صحيحه(برقم 279) عن القاسم بن محمد قال : سألتُ عائشة عن الرجل يأتي أهله يلبس الثوب فيعرق فيه نجساً ذلك ؟ فقالت : قد كانت المرأة تعد خرقة أو خرقاً فإذا كان ذلك مسح بها الرجل الأذى عنه ولم ير أن ذلك ينجسه.

وإذا كنتُ قد قررت طهارة رطوبة الفرج فيما سبق فإن هذا لا يعني أنها ليست من نواقض الوضوء
فالمقرر عند جمهور العلماء أن الخارج من السبيلين ناقض على كل حال، سواء كان قليلاً أو كثيراً، نادراً أو معتاداً، نجساً أو طاهراً.
قلت: ولا شك أن الرطوبة خارج معتاد فلا يخرج عن هذا التقعيد.

ولا فرق بين مخرج البول ومخرج الحيض والولد في المرأة من هذه الحيثية، فالخارج منهما ناقض.
ومما يظهِر ذلك ويوضحه:
1- أن بعض الفقهاء قد نص على أن خروج الولد ناقض للطهارة.
2- أنهم ذكروا مسائل تدل على أن الخارج من مخرج الولد خارج من أحد السبيلين
قال في الشرح الكبير: (وهكذا لو وطئ امرأته دون الفرج فدب ماؤه فدخل الفرج ثم خرج نقض الوضوء).
3- أن بعضهم نص على أن رطوبة فرج الأنثى إذا خرجت فهي من الخارج من السبيلين، وهو أحد نواقض الوضوء.
ولن أعرِّج على وجه الشبه بالمستحاضة للخلاف في ذلك.

فكيف تقول الدكتورة رقية المحارب: (في نواقض الوضوء لم أجد من تكلم على الرطوبة بإسهاب أو عدها من نواقض الوضوء بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع بل ولا بقول صحابي ولا تابعي ولا بقول أحد من الأئمة الأربعة)؟!!!!

وأما قولها: (أن جعل الرطوبة من نواقض الوضوء مع خلوة من الدليل يحرج النساء)
فالجواب: أن الدليل هو القياس الصحيح، وهو هنا أشبه بالإجماع لكونه خارجاً معتاداً، وأما إذا بلغت المسألة إلى حد الحرج فقد قرر الفقهاء أنه إذا أصبح متكرراً مستنكحاً كسلس البول أن له حكمه، فيكون حكمُه حكمَ الحدث الدائم.

وأما الاستشهاد بقول الصحابية أم عطية: (كنا لا نعد الصفرة و الكدرة شيئاً) فالمعنى: لا نعدها حيضاً مانعاً من الصلاة ونحوها إذا كانت بعد الطهر.

فالخلاصـة: أن الراجح كون رطوبة فرج المرأة طاهرة، ولكنها تنقض الوضوء إذا خرجت إلى ظاهر الفرج بحيث يمكن غسلها.
فإن كان ذلك متكرراً دائماً أخذ حكم الحدث الدائم. والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه،، أما بعـد:
فيؤسفني -بادئ ذي بدء- أنني ممن يمل الكتابة باستخدام مفاتيح الحواسيب، كما أنني قد أكتب الموضوع فيقع أمر يمنع رفعه على الملتقى فأضرب عن ذلك صفحاً.. وقد وقع لي قبل أيام كتابة موضوع يتعلق بنية صوم شهر رمضان، وهل تكفي نية واحدة في أول ليلة منه عن جميع الشهر؟.. ولكنَّ ابني الصغير ضغط مفتاح الهروب فاختفى كل ما كتبت، فأصابني من الغم ما أصابني.. ولعل هذا من أسباب استئناسي بنقل موضوعات كتبتها سابقا بمنتديات أُخرى عسى أن ينفع الله بها هنا كما نفع بها هناك، وله الفضل والمنة.
.

لا عليك، وانتبه أن يغلبك الهم على ما تقصد، فما أصابك أصابنا، وكل واحد منا له حكاية،

أذكر أني في أيام حرب غزة كتبت مقالاً أفرغت فيه شحنات قلبي، وأمَّلت فيه أن يصلح أن يكون عذرا لي بين يدي ربي.

غير أنه في خضم نقل العتاد (الملف ) من جهاز إلى جهاز اختفى، فكأني أجهزتُ على نفسي، بحثت عنه، وكأن الأرض ابتلعته! أو أنه اختطف مع شاليط!!

كررت المحاولات، لكن لا جدوى.

بلغني شيء من الهم والأسف، فعذري بين يدي مولاي قد ضاع!

قبل أيام كنت أبحث في فلاش مستهلك فوجدته، فلم أكد أصدق ففتحته فوجدته هو المقال نفسه، ولكن كأني أحبطتُ، فما وجدتني كتبت في هذا المقال إلا ربع صفحة، وكلام ركيك مستهلك في غاية الغثاثة...

فانقلبت على نفسي ، ورجعت إليها وعاتبتها كيف أضعت وقتي في البحث عن مثل هذا الملف، حتى لحقني من الهم ما لحقني.

ثم أسكتُّها أني ربما توهمت جراء هول حرب غزة فأصابني ما أصاب الثمل،وللحرب ظرفه الاستثنائي، فظننت أني بهذا المقال سأفعل ما أفعله صلاح الدين!.

وتكررت لي من جنس هذه القصة مرات، وقد أنزلت قبل أسبوع موضوعاً في معاناة الجاحظ في تحرير كلمة وتعديل جملة وأن كتابة عشرة صفحات من شريف اللفظ وحر المعنى أهون من ذلك.

فإياك أخي أن يصيبك من الهم أكثر من وجع ابتلاع جهازك لحبات قلبك.
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: حكم الرطوبة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه،، أما بعـد:
فيؤسفني -بادئ ذي بدء- أنني ممن يمل الكتابة باستخدام مفاتيح الحواسيب، كما أنني قد أكتب الموضوع فيقع أمر يمنع رفعه على الملتقى فأضرب عن ذلك صفحاً.. وقد وقع لي قبل أيام كتابة موضوع يتعلق بنية صوم شهر رمضان، وهل تكفي نية واحدة في أول ليلة منه عن جميع الشهر؟.. ولكنَّ ابني الصغير ضغط مفتاح الهروب فاختفى كل ما كتبت، فأصابني من الغم ما أصابني.. ولعل هذا من أسباب استئناسي بنقل موضوعات كتبتها سابقا بمنتديات أُخرى عسى أن ينفع الله بها هنا كما نفع بها هناك، وله الفضل والمنة.

لا عليك، وانتبه أن يغلبك الهم على ما تقصد، فما أصابك أصابنا، وكل واحد منا له حكاية،
عليكم بمتصفح فيرفوكس!
وسترون فرقاً كبيراً في حفظ ما ضاع لكم في الاكسبلورر!!
فما كان يضيع علي في الإكسبلورر لا أجده يضيع بذات الطريقة في الفيرفوكس!!
وقد كنت أستبشعه ومع الزمن وجدته الأقدر!!
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: حكم الرطوبة

ا
فالمقرر عند جمهور العلماء أن الخارج من السبيلين ناقض على كل حال، سواء كان قليلاً أو كثيراً، نادراً أو معتاداً، نجساً أو طاهراً.
هذا مذهب الشافعية والحنابلة، وليس هو مذهب المالكية، وهل هو مذهب الحنفية؟ يحتاج بحث، لأن الاعتبار عندهم بالخارج النجس، وبناء على هذا فالخارج الطاهر لا ينقض الوضوء ولو كان خارجا من المخرج لكن قد يقال: إن المذهب عندهم الملازمة بين "المخرج" والخارج النجس، فكل خارج من المخرج فهو خارج نجس لا سيما مع قولهم "بنجاسة المني".
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم الرطوبة

مشهورٌ -بارك الله فيكم- خلاف المالكية في هذه الجزئية من حيث التقعيد، وإن كانوا يقولون بنجاسة رطوبة فرجِ ما كان بوله نجساً.

وأما ما ذكرتم في قولكم : لكن قد يقال: إن المذهب عندهم الملازمة بين "المخرج" والخارج النجس، فكل خارج من المخرج فهو خارج نجس لا سيما مع قولهم "بنجاسة المني". أهـ
فيقال فيه: إنه غير صحيح؛ فإن الريح من الدبر ليست نجسة ومع هذا فهي ناقضة بلا خلاف في مذهب الحنفية، وكذا الريح من القبل تنقض الوضوء في قول أبي حنيفة وأبي يوسف.. وتعليلهم أنه لا يخلو من أجزاء نجسة، أو لأنه انبعث عن محل النجاسة. ولا يلزم القول بنجاسة الخارج عندهم على التوجيه المذكور في كلامكم حفظكم الله.

ويقال أيضاً: إن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله- قال بطهارة رطوبة الفرج، وخالفه صاحباه فقالا بنجاستها.

ويقال كذلك: لو خرج من السبيل: الولد، فلا يقال إن النقض لنجاسة الخارج، وإنما لأنه لا يخلو غالباً من أجزاء نجسة

فهذه أمثلة تكفي لنقض هذه الكلية التي قررتموها: (فكل خارج من المخرج فهو خارج نجس لا سيما مع قولهم "بنجاسة المني")، على ما فيها من خطأ الاستدلال أو الاستئناس بالجزئي على الكلي.

والمذهب كما في "الجوهرة النَّيِّرة": أَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.

وفي البحر الرائق من كتب الحنفية: وَهُوَ قِسْمَانِ: خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَخَارِجٌ مِنْ غَيْرِهِمَا
فَالْأَوَّلُ نَاقِضٌ مُطْلَقًا؛ فَتَنْقُضُ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ وَالْفَرْجِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي السَّرَّاجِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فَرْجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بكُونُ الدُّودَةُ نَاقِضَةً أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ.. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ فِيهَا طَرِيقَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ النَّاقِضَ مَا عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ فِي الْحَصَاةِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا اخْتِلَاجٌ، وَلَيْسَ بِرِيحٍ خَارِجَةٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالرِّيحُ لَا يَنْقُضُ إلَّا لِذَلِكَ، لَا لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ، حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي بِسَرَاوِيلِهِ فَوَرَعٌ مِنْهُ كَذَا قَالُوا فَانْدَفَعَ بِهَذَا مَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَخَلَ أَيْضًا مَا لَوْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُغَيِّبْهَا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْبِلَّةُ وَالرَّائِحَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي شَرْحِ قَاضِي خان وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا غَيَّبَهُ نُقِضَ مُطْلَقًا، وَكَذَا الذُّبَابُ إذَا طَارَ وَدَخَلَ فِي الدُّبُرِ وَخَرَجَ مِنْ غَيْرِ بِلَّةٍ لَا يَنْقُضُ وَكَذَا الْمِحْقَنَةُ إذَا أَدْخَلَهَا ثُمَّ أَخْرَجَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِلَّةٌ لَا تَنْقُضُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِذَا أَقَطَرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا ثُمَّ عَادَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَقَنَ بِدُهْنٍ ثُمَّ عَادَ اهـ.
وفي مراقي الفلاح: ولو خرج منه ريح ومقعدته مبلولة حكم شمس الأئمة بتنجيسه، وغيره بعدمه. وتقدم أن الصحيح طهارة الريح الخارجة؛ فلا تنجس الثياب المبتلة. أهـ

ولما قال صاحب الهداية: المعاني الناقضة للوضوء: كل ما خرج من السبيلين

قال الشارح في البناية: فإن قلت: هذه الكلية منتقضة بالريح الخارج من الذكر وقبل المرأة فإن الوضوء لا ينتقض به في أصح الروايتين.
قلت: الذي يخرج منها اختلاج وليس بريح، وأيضا الفرج محل الوطء لا النجاسة فلا يجاوز الريح النجاسة والريح طاهر في نفسه، وهو اختيار المصنف، لكن قوله: "كل ما" عامة تتناول المعتاد وغيره. وعن محمد: يجب الوضوء منهما بعموم النص، ولأنه يتعقب عن محل النجاسة ظاهرا ولهذا لو وصل إليه شيء ثم عاد نحو الحقنة ففيه الوضوء لا ينفك عن نجاسة كذا في " جامع قاضي خان "، و" التمرتاشي ".


وفيما يتعلق بأنهم لا يفرقون بين المعتاد وغيره -مع ما سبق- فقد قال في كنز الدقائق: فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ. أهـ
وقال في البناية شرح الهداية: الحاصل أنه أجمع العلماء على أن الخارج المعتاد من أحد السبيلين كالغائط والريح من الدبر، والبول، والمذي من القبل ناقض للوضوء، واختلفوا في غير المعتاد كالدود والحصاة يخرج من الدبر، فعندنا ينقض. أهـ والكلام على هذا في كتبهم كثير مستفيض.

وأما التعليل الذي ذكرتُه آنفاً مع كونهم قد جعلوا مناط النقض متعلقاً بالخارج النجس؛ فتجده في تحفة الفقهاء للسمرقندي: وَكَذَلِكَ كل مَا خرج من الْأَشْيَاء الطاهرة فِي أَنْفسهَا كَاللَّحْمِ والدودة وَالْولد والمحقنة وَنَحْوهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء النَّجَاسَة
، وَأما الرّيح فَإِن خرجت من الدبر ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع. أهـ

وفي بدائع الصنائع: وَكَذَلِكَ خُرُوجُ الْوَلَدِ، وَالدُّودَةِ، وَالْحَصَا، وَاللَّحْمِ، وَعُودِ الْحُقْنَةِ بَعْدَ غَيْبُوبَتِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةٌ فِي أَنْفُسِهَا لَكِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ نَجَسٍ يَخْرُجُ مَعَهَا، وَالْقَلِيلُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ خَارِجٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ، لِأَنَّ الرِّيحَ، وَإِنْ كَانَتْ جِسْمًا طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ نَجَسٍ يَقُومُ بِهِ لِانْبِعَاثِهِ مِنْ مَحَلِّ الْأَنْجَاسِ. أهـ

وعليه؛ فإن القول بأن الحنفية قد وافقوا الجمهور في النقض بـ(الخارج) من السبيل مطلقاً سواء كان طاهراً في نفسه أو نجساً، معتاداً أو غيره، قليلاً أو كثيراً لا غبار عليه. والله أعلم
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم الرطوبة

أنتظر تعليقكم أخانا الشيخ أبا فراس، وتعليقات الإخوة الكرام.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم الرطوبة

فائدة تضاف للموضوع: عند الحنفية يعتبر ما لا يكون حدثاً ليس بنجس، ولا ينعكس
قال في البناية شرح الهداية: فإن قلت: ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا ينعكس بأن يقال: ما يكون حدثا يكون نجسا.
قلتُ: لا ينعكس؛ فإن النوم والإغماء والجنون أحداث وليست بنجسة.فإن قلتَ: يرد عليك دم الاستحاضة، والجرح السائل فإنه ليس بحدث، قلتُ: بل هو حدث لكن لا يظهر أثره حتى يخرج الوقت.
فإن قلتَ: كيف يجوز الاستدلال بعدم نقض الطهارة على عدم النجاسة لأن عدم النقض يجوز أن يكون انتفاؤه لكونه غير خارج دون انتفاء الوصف الآخر.
قلتُ: غير الخارج لا يعطى له حكم النجاسة لكونها في محلها؛ فإن من صلى وهو حامل حيواناً غير نجس أو حامل بيضة حال محها، وما جازت صلاته فكان انتفاء الخروج مستلزماً لانتفاء النجاسة. أهـ
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: حكم الرطوبة

بارك الله فيك يا أبا مؤيد على هذه الفوائد والدرر، سأرجع إلى الموضوع إن شاء الله تعالى حين تناولي "اتجاه الحنفية" في دورة نواقض الوضوء، لأن الأمر لو كان كما ذكرت لما كان ثمة فرق بين اتجاه الحنفية والحنابلة، فكلاهما يعتبر الخارج او المخرج، والله أعلم.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: حكم الرطوبة

فكيف تقول الدكتورة رقية المحارب: (في نواقض الوضوء لم أجد من تكلم على الرطوبة بإسهاب أو عدها من نواقض الوضوء بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع بل ولا بقول صحابي ولا تابعي ولا بقول أحد من الأئمة الأربعة)؟!!!!
.
في هذه الجزئية أتفق مع د. رقية المحارب؛ فأين هي نصوص الفقهاء في نقض الوضوء من رطوبة فرجها مع أنه أمر معتاد، وتعم به البلوى عند النساء، ولا تكاد تخلو منه امرأة.
فكل من تكلم في النقض من رطوبة فرج المرأة - فإنما يعتبره بحسب قواعد الفقهاء، وفي إدراجه في قواعدهم مناقشة.
فلو كان مما ينقض الوضوء لنصوا عليه، وإنما اقتصروا على الكلام عليه من حيث الطهارة والنجاسة، وجمهورهم على الطهارة.
فالفرج سطح مخاطي رطب فهو أمر يتعلق بطبيعته، فلو كان ناقضا لنص على "صورته" الشارع ولنص عليه الفقهاء.
قضية أخرى وهي أن كلام فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة في نقض ما خرج من سبيل معتادا أو غير معتاد، إنما هو في الخارج، أما رطوبة فرج المرأة فهي إفرازات تتعلق بنفس الفرج بخلاف الغائط والبول.
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
رد: حكم الرطوبة

إعادة الفقرة من خلال صياغتها بشكل سؤال مباشر:
س- لماذا لم يذكر الفقهاء أو حتى يشيروا إلى مسألة "نقض الوضوء من رطوبة فرج المرأة"، مع أنه مما تعم به البلوى عند النساء؟ مع كونهم نصوا على مسائل نادرة كخروج الريح من الذكر أو من قبل المرأة، وكذا خروج الدود؟ والحصى؟
وإنما يقتصر كلامهم على رطوبة فرج المرأة أو نجاسته، وجمهورهم على طهارته.
 

حياة

:: متابع ::
إنضم
19 ديسمبر 2010
المشاركات
12
التخصص
أدب
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
مذهبي ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الله وسنة رسوله
رد: حكم الرطوبة

كتب علامة عصره الإمام ابن العثيمين على غلاف مطوية الدكتورة رقية التالي :
" راجعته فرأيت أقوى دليل على أن الرطوبة لا ينتقض بها الوضوء أن الأصل عدم النقض إلا بدليل ..؟

وقد كان – رحمه الله رحمة واسعة –يفتي بغير ذلك لكنه تراجع لما ظهر له الحق
والدكتورة رقية - حفظها الله - تحرت الأمر فقهيا وطبيا
وقرأت فتوى بأن الإحتياط أفضل للخروج من الخلاف
واترك لكم شرح ممتع للشيخ ابن العثيمين رحمه الله في قضية الإحتياط كالتالي :
في الشرح الممتع (كتاب الصيام )سؤال وجواب قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - : "متى يكون الاحتياط ؟

1/ يكون فيما كان الأصل وجوبه, وأما إن كان الأصل عدمه , فلا احتياط في إيجابه .

2/ إن كان سبيله الاحتياط ,فقد ذكر الأمام أحمد وغيره أنه ليس بلازم وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب
,وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فإننا وقعنا في غير الاحتياط , من حيث تأثيم الناس بالترك , والاحتياط هو ألا يؤثم الناس إلا بدليل يكون حجة عند الله تعالى" أ.هـ
 
إنضم
4 يوليو 2011
المشاركات
14
الكنية
ابو عثمان
التخصص
الفقه المقارن
المدينة
نينوى
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حكم الرطوبة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .
وبعد :
جزاكم الله خيرا على طرح هذا الموضوع الهام لأن كثيرا من النساء تضطر للأغتسال بمجرد شعورها بخروج الرطوبة إلى خارج الفرج ، لكن مما ينبغي التنبيه إليه ، بعد ترجيح طهارة رطوبة الفرج ، أن المرأة يخرج منها المذي في حالة ارتفاع شهوتها ، وهو ما يوجب غسل الفرج والوضوء .
وجزالكم الله خيرا
 
إنضم
3 يناير 2009
المشاركات
94
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الحسن
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الهند
المدينة
لكناو
المذهب الفقهي
لم يتحدد بعد
رد: حكم الرطوبة

جزاكم الله خيرا
لقد تكلم علماء الحنفية في رطوبة الفرج، وفيها خلاف عن أئمتنا , بحثت عنها في كتابي "الفقه الميسر "، وتكلم فيها الحصكفي في الدر المختار في ثلاثة مواضع من كتاب الطهارة 1/ 305 ، 515، 564 ط دار عالم الكتب المصورة من ط دار الكتب العلمية الجديدة. ويمكن إجمال الكلام فيها كالتالي:
أولا: رطوبة الفرج على ثلاثة أقسام كما ذكرها ابن عابدين 1/515 نقلا عن ابن حجر :
1- رطوبة الفرج الخارج وهو عرق أو كالعرق ، وهو طاهر اتفاقا.
2- رطوبة الفرج الداخل، وفيه خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، والمختار الطهارة إذا لم يختلط بمذي أو دم أو غيرهما من الأنجاس، وما يخرج حال الشهوة فإنها نجسة لأن الغالب تلطخها بالنجاسة.

3- من وراء باطن الفرج، وهو نجس قطعاً بلا خلاف.
قال في الرد 1/515: قال ابن حجر في شرحه: وهي ماء أبيض متردد بين المذي والعرق يخرج من باطن الفرج الذي لا يجب غسله، بخلاف ما يخرج مما يجب غسله فإنه طاهر قطعا، ومن وراء باطن الفرج فإنه نجس قطعا ككل خارج من الباطن كالماء الخارج مع الولد أو قبيله. اهـ.

* قلت: فليتحقق في الطب هل هذه الرطوبة تخرج من الفرج الداخل أم من الرحم ومن وراء الفرج الباطن . فإن كان الثاني فهي نجسة بالاتفاق، وإن كان الأول فهي طاهرة على الأصح عند الشافعية كما في المنهاج للنووي ، وعلى المختار عند الحنفية، قال في الدر المختار: رطوبة الفرج طاهرة خلافا لهما.
علق عليها ابن عابدين: " ولذا نقل في التتارخانية أن رطوبة الولد عند الولادة طاهرة، وكذا السخلة إذا خرجت من أمها، وكذا البيضة فلا يتنجس بها الثوب ولا الماء إذا وقعت فيه، لكن يكره التوضؤ به للاختلاف، وكذا الإنفحة، هو المختار. وعندهما يتنجس، وهو الاحتياط. اهـ.
قلت: وهذا إذا لم يكن معه دم ولم يخالط رطوبة الفرج مذي أو مني من الرجل أو المرأة " 1/564
أقول: المختار للفتوى هو الطهارة، لكن الاحتياط ينبغي أن يكون في العمل، أو المراد الاحتياط في القول بالتنجس، لكن لما فيه من الحرج اختير للفتوى القول بالطهارة. وهو الظاهر في المراد ، فالاحتياط والمستحب أن تتطهر المرأة منها خروجا من الخلاف.
وهذا إذا لم تختلط بنجس.
هذا حكم الطهارة والنجاسة، أما كونها ناقضة للوضوء أم لا، فلم أجد فيه شيئا في كتبنا، والعلامة التهانوي له ثلاث فتاوى في الإمداد أولها النقض، ثم عاد وحقق عدم النقض ثم عاد إلى النقض. والذي يترجح لدى الفقير عدم النقض، وذلك لأنها لم تخرج من محل النجاسة، كالريح الخارجة من الفرج، بخلاف الريح الخارجة من الدبر، يدل عليه ما نقله الشيخ أبوبكر وأقتبس منه ما يلي:
في البحر الرائق من كتب الحنفية: وَهُوَ قِسْمَانِ: خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَخَارِجٌ مِنْ غَيْرِهِمَا
فَالْأَوَّلُ نَاقِضٌ مُطْلَقًا؛ فَتَنْقُضُ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ وَالْفَرْجِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي السَّرَّاجِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ، فَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّ الدُّودَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ فَرْجِهَا عَلَى الْخِلَافِ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بكُونُ الدُّودَةُ نَاقِضَةً أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ.. وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ فِيهَا طَرِيقَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ.وَالثَّانِيَةُ أَنَّ النَّاقِضَ مَا عَلَيْهَا وَاخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ فِي الْحَصَاةِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُمَا اخْتِلَاجٌ، وَلَيْسَ بِرِيحٍ خَارِجَةٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالرِّيحُ لَا يَنْقُضُ إلَّا لِذَلِكَ، لَا لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ، حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ.
قال صاحب الهداية: المعاني الناقضة للوضوء: كل ما خرج من السبيلين .
قال الشارح في البناية: فإن قلت: هذه الكلية منتقضة بالريح الخارج من الذكر وقبل المرأة فإن الوضوء لا ينتقض به في أصح الروايتين.
قلت: الذي يخرج منها اختلاج وليس بريح، وأيضا الفرج محل الوطء لا النجاسة فلا يجاوز الريح النجاسة والريح طاهر في نفسه، وهو اختيار المصنف، لكن قوله: "كل ما" عامة تتناول المعتاد وغيره. وعن محمد: يجب الوضوء منهما بعموم النص، ولأنه يتعقب عن محل النجاسة ظاهرا ولهذا لو وصل إليه شيء ثم عاد نحو الحقنة ففيه الوضوء لا ينفك عن نجاسة كذا في " جامع قاضي خان "، و" التمرتاشي ".

ويدل عليه أيضا أن المار على محل النجاسة ينقض لأنه لا يخلو عن النجاسة: في تحفة الفقهاء للسمرقندي: وَكَذَلِكَ كل مَا خرج من الْأَشْيَاء الطاهرة فِي أَنْفسهَا كَاللَّحْمِ والدودة وَالْولد والمحقنة وَنَحْوهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن أَجزَاء النَّجَاسَة، وَأما الرّيح فَإِن خرجت من الدبر ينْقض الْوضُوء بِالْإِجْمَاع. أهـ

وفي بدائع الصنائع: وَكَذَلِكَ خُرُوجُ الْوَلَدِ، وَالدُّودَةِ، وَالْحَصَا، وَاللَّحْمِ، وَعُودِ الْحُقْنَةِ بَعْدَ غَيْبُوبَتِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةٌ فِي أَنْفُسِهَا لَكِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ نَجَسٍ يَخْرُجُ مَعَهَا، وَالْقَلِيلُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ خَارِجٌ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَا الرِّيحُ الْخَارِجَةُ مِنْ الدُّبُرِ، لِأَنَّ الرِّيحَ، وَإِنْ كَانَتْ جِسْمًا طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ قَلِيلِ نَجَسٍ يَقُومُ بِهِ لِانْبِعَاثِهِ مِنْ مَحَلِّ الْأَنْجَاسِ. أهـ
هذا وللحجي الكردي بحث رجح فيه النقض والنجاسة في كتابه "فتاوى وبحوث فقهية معاصرة" . والله أعلم.

 
إنضم
3 يناير 2009
المشاركات
94
الجنس
ذكر
الكنية
أبو الحسن
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الهند
المدينة
لكناو
المذهب الفقهي
لم يتحدد بعد
رد: حكم الرطوبة

هذا مذهب الشافعية والحنابلة، وليس هو مذهب المالكية، وهل هو مذهب الحنفية؟ يحتاج بحث، لأن الاعتبار عندهم بالخارج النجس، وبناء على هذا فالخارج الطاهر لا ينقض الوضوء ولو كان خارجا من المخرج .."
هذا ليس بصحيح؛ لأن الخارج الطاهر لا ينقض إذا كان من غير السبيلين، وإذا كان من الفرج إذا لم يمر على النجاسة كما تبين من مشاكرتي السابقة وليس مطلقا. والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم الرطوبة

كتب علامة عصره الإمام ابن العثيمين على غلاف مطوية الدكتورة رقية التالي :
" راجعته فرأيت أقوى دليل على أن الرطوبة لا ينتقض بها الوضوء أن الأصل عدم النقض إلا بدليل ..؟

وقد كان – رحمه الله رحمة واسعة –يفتي بغير ذلك لكنه تراجع لما ظهر له الحق
والدكتورة رقية - حفظها الله - تحرت الأمر فقهيا وطبيا
وقرأت فتوى بأن الإحتياط أفضل للخروج من الخلاف
واترك لكم شرح ممتع للشيخ ابن العثيمين رحمه الله في قضية الإحتياط كالتالي :
في الشرح الممتع (كتاب الصيام )سؤال وجواب قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - : "متى يكون الاحتياط ؟

1/ يكون فيما كان الأصل وجوبه, وأما إن كان الأصل عدمه , فلا احتياط في إيجابه .

2/ إن كان سبيله الاحتياط ,فقد ذكر الأمام أحمد وغيره أنه ليس بلازم وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب
,وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فإننا وقعنا في غير الاحتياط , من حيث تأثيم الناس بالترك , والاحتياط هو ألا يؤثم الناس إلا بدليل يكون حجة عند الله تعالى" أ.هـ

جزاكم الله خيراً

أولاً: لم نبنِ حكمنا على الاحتياط البتة، ومن قرأ ما كتبنا عرف أن ذلك ليس من قبيل الاحتياط.

ثانياً: دعواكم بأن الدكتورة -وفقها الله ونفع بها- قد تحرت الأمر فقهياً يحتاج إلى الجواب عن اعتراضاتنا "الفقهية"على ما ذكَرَت في رسالتها تلك، ولم تفعلوا.. فبقيت دعوى تحتاج إلى بينة.. ونرجو أن تأتوا بها.

ثالثاً: كلام الشيخ العثيمين -رحمه الله- قد اطلعنا عليه، وأقدِّر تماماً ذلك السبب الذي يحدو بالكثيرين إلى مخالفة الجمهور في هذه المسألة. والله الموفق.
 
التعديل الأخير:

حياة

:: متابع ::
إنضم
19 ديسمبر 2010
المشاركات
12
التخصص
أدب
المدينة
مصر
المذهب الفقهي
مذهبي ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الله وسنة رسوله
رد: حكم الرطوبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ أبو بكر – بارك الله فيكم ونفع بكم
قولكم– حفظكم الله – "أولاً: لم نبنِ حكمنا على الاحتياط البتة، ومن قرأ ما كتبنا عرفأن ذلك ليس من قبيل الاحتياط".أ.هـ
لم أقل أنكم بنيتم حكمكم على الإحتياط ، بل قلت –بارك الله فيكم - وقرأت فتوى بأن الإحتياط أفضل للخروج من الخلاف.
أما قولكم – حفظكم ربي – "وأقدِّر تماماً ذلك السبب الذي يحدو بالكثيرين إلى مخالفة الجمهور في هذه المسألة. والله الموفق".أ.هــ
جزاكم الله خيرا :
ألم يخالف عمر - رضي الله عنه - الجمهور في مسألة أسارى بدر، فكان الصواب معه. وخالف أبوبكر - رضي الله عنه - الجمهور في مسألة قتال أهل الردة، وكان الصواب معه.فلم يجعل الله تعالى الكثرة وغلبة العدد دليلاً على الحق والصواب في أمر الدين. وما أكثر المسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام الجمهور من ذلك مسألة الطلاق بالثلاث (البدعي)هل يقع أو لايقع !
وكم من قليل على الحق , وكثير على غيره ( { كم من فئة قليلة غلبت فئةكثيرة بإذن الله } )وقول الجمهور ليس دليلاً على المجتهد ، لأنه متعبد باجتهاده إذا قام له البرهان بنى عليه ؛
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في « زاد المعاد » ( 5 / 233 , 234 ):
« ... فأوجدونا في الأدلة الشرعية أن قول الجمهور حجةٌ مضافةٌ إلى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته .
ومن تأمل مذاهب العلماء قديمًا وحديثًا من عهد الصحابة وإلى الآن واستقرأ أحوالهم = وجدهم مجمعين على تسويغ خلاف الجمهور , ووجد لكل منهم أقوالا عديدة انفردبها عن الجمهور , ولا يستثنى من ذلك أحد قط ولكن مستقلٌّ ومستكثر , فمن شئتم سميتموه من الأئمة تتبعوا ما له من الأقوال التي خالف فيها الجمهور , ولو تتبعنا ذلك وعددناه لطال الكتاب به جدًّا , ونحن نحيلكم على الكتب المتضمنة لمذاهب العلماء واختلافهم, ومن له معرفةٌ بمذاهبهم وطرائقهم يأخذ إجماعهم على ذلك من اختلافهم ... » .
إذن .. فمخالفة قول الجمهور سائغة بالإجماع !!
وقد وجه سؤال للشيخ إحسان العتيبي حول فتوى الشيخ العثيمين في هذه المسألة فقوى القول وأنقله لفضيلتكم بتمامه :
"قال السائل :" هل القول بعدم وجوب الوضوء من " رطوبة فرج المرأة " هو من كلام الشيخ ينقلونه عنه ، أم من تعليقهم هم؟قال الشيخ العتيبي : " كان الشيخ - رحمه الله - يقول بوجوب الوضوء لكل صلاة على المستحاضة ، ثم تراجع عن ذلك في آخر حياته ، واستحب ذلك لها ولم يوجبه.
وقدعلق تلامذته على هذا في حاشية " الشرح الممتع " ( 1 / 503 ) فقالوا - تعليقا على قوله القديم - وهو قوله " يجب على المستحاضة أن تتوضَّأ لوقتِ كُلِّ صلاة إِن خرج شيء، فإِن لم يخرج منها شيء بقيت على وضوئِها الأوَّل" - :
هذاما كان يراه شيخنا رحمه الله سابقاً، ثم إنه رجع عن ذلك وقال : إن المستحاضة ونحوها ممن حدثه دائم لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة بل يستحب، فإذا توضأ فلا ينتقض وضوؤه إلا بناقض آخر، وهذا مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، لعدم الدليل على النقض، ولأن من حدثه دائم لا يستفيد بالوضوء شيئاً لأن الحدث معه دائم ومستمر. وأما رواية البخاري ثم توضئ لكل صلاة» فهذه الزيادة ضعفها مسلم، وأشارإلى أنه حذفها عمداً فقال: وفي حديث حماد حرف تركناه اهـ وضعفها أيضاً أبو داود والنسائي وذكرا أن جميع الروايات ضعيفة لانفراد حماد بها. وقال ابن رجب، إن الأحاديث بالأمر بالوضوء لكل صلاة مضطربة ومعللة اهـ .
وأمارطوبة فرج المرأة فالقول بوجوب الوضوء منها أضعف من القول بوجوبه في الاستحاضة لأن الاستحاضة ورد فيها حديث بخلاف رطوبة فرج المرأة مع كثرة ذلك من النساء والله أعلم.انظر: الاختيارات ص(15)، فتح الباري لابن رجب (2/69 ـ 75).
ثم قال : " وفي أكثر إجاباته – الشيخ العثيمين رحمه الله - على سؤال حكم رطوبة فرج المرأة يذكر ما قلته أنه مخالف لقاعدة قوية وأنه لو يعلم أحدا سبق ابن حزم لكان يقول به وأنه كان يطلب من تلامذته- حتى في الحرم - أن يبحثوا عن قائل قبل ابن حزم أن تلك الرطوبة لا تنقض الوضوء ".أ.هـ
وقد افتى فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري في الدرس الواحدوالستون من الفقه الموسع بالتالي:
قال – حفظه الله - " فالعلماء اختلفوا في ذلك فجمهور العلماء يرون ان هذه الرطوبة ناقضة للوضوء وذلك لأنهاخرجت من السبيل الذي هو مخرج الحدث .
وقال بعض العلماء :
وهو قول لابن حزم رحمه الله انها لا تنقض الوضوء وممن يرى النقض والنجاسة ابن باز رحمه الله .
وقول ابن حزم قول قوي على القول بأن هذه الرطوبة مع كل امرأة وعلى القول بأنها لا تخرج من الرحم ومكمن قوته ان هذه الرطوبة اذا كانت تخرج مع كل النساء فإنه لم ينقل عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة الحكم بذلك مع ان الحاجة داعية إلى توضيحه فالنساء يطفن ، النساء يقرأن القرآن، والنساء يصلين، فمثل هذا الأمر يحتاج إلى بيان لو كان ناقض للوضوء وكذا لو كان نجسا بل لو كان ناقض للوضوء ومؤثر في طهارة المرأة لسألت عنه الصحابيات فإن الاستحاضة قليل اعدادهن ومع ذلك سألن النبي – صلى الله عليه وسلم فيكف بهذه الرطوبة التي هي مع جميع النساء ، بل حتى لو قيل انها مع معظم النساء فإن المشقة موجودة وحاصلة فكيف يوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الاستحاضة وكيف يسأل النساء عن الاستحاضة ويترك هذا الأمر المستمر في صفوف النساء.
والمسألة تحتاج إلى تقرير أطباء ".أ.هـ
وأفتى أيضاً بهذا العلامة مصطفى الزرقا كما في فتاواه ، وأفتى الشيخ محمد الحامد في كتابه : ردود على أباطيل بأنه ناقض للوضوء رغم أنه طاهر عند أبي حنيفة .
وأيضا قول الضياء المعنوي يحقق المسألة ، بأنه إذا كان طاهراً فهو ليس بناقض كما هو عند الإمام ، وإن كان نجساً كما هو عند الصاحبين فهو ناقض ، وعليه تحمل نصوص كتب المذهب ، لا سيما أن المتون الفقهية لم تذكره ضمن نواقض الوضوء رغم كثرة وقوعه ، وما ذلك إلا لكونه غير ناقض على قول الإمام أبي حنيفة .
وأفتى الشيخ التهانوي في إمداد الفتاوى بعدم النقض بعد تحقيقه للمسألة.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قولان في المسألة ، ففي الاختيارات ، اختار عدم النقض ، وفي مجموع الفتاوى اختار قول الجمهور .
كما في : مجموع الفتاوى (21/221) ، والاختيارات ص27 .

هذا كل ما وقفت عليه والله وحده المستعان

اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه.
 
أعلى