العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حصري حكم بيع وشراء أعضاء الإنسان في عصرنا

إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
89
التخصص
الفقه الطبي المعاصر
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
الحنبلي
حكم بيع وشراء أعضاء الإنسان في عصرنا
تحرير محل النزاع:
1- أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمنه.
2- واختلف العلماء في بيع لبن الآدميات، فأجازه الجمهور، خلافاً للحنفية الذين ذهبوا إلى التحريم.
3- ويحرم حكم بيع المني، على مقتضى مذاهب الأئمة الأربعة.
4- واتفق الفقهاء في المذاهب الأربعة على تحريم بيع الأعضاء الإنسانية عموماً، وعللوا تحريم بيعها بعلتين:
العلة الأولى: لا يجوز بيع الأعضاء الإنسانية، لأن الإنسان مكرم بجميع أجزائه، لقوله تعالى: (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) [الإسراء: 70].
والعلة الثانية: لا يجوز بيع الأعضاء الإنسانية؛ لأنه لا نفع فيها.
5- أما في عصرنا الحاضر فقد حصل خلاف بين العلماء المعاصرين في مسألة بيع الأعضاء الإنسانية بين مجيز ومانع.
سبب الخلاف:
يعود سبب الخلاف في حكم هذه المسألة في عصرنا بسبب تحقق نفع الأعضاء الإنسانية، بخلاف العصور السابقة، فحصل التردد في حكم المسألة.

الأقوال في المسألة:

القول الأول:
لا يجوز بيع الأعضاء الآدمية.
وهو قول جمهور المعاصرين.
وبه صدرت التوصيات والفتاوى من عدة من المجامع الفقهية، ومنها:
1- توصية ندوة رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية، حيث جاء فيها: "وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما ...
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر".
2- توصية ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية، حيث جاء فيها: "لا يجوز بيع الأعضاء، وإذا لم يمكن الحصول على الأعضاء بالتبرع، ولم يمكن الحصول عليها إلا ببذل مال، فهذا جائز فيما انتهى إليه أكثر المشاركين، وهو من المحظور الذي يُباح لحال الضرورة، ويرى البعض عدم جواز ذلك".
3- وقرار مجمع الفقه الإسلامي، حيث جاء فيها: "وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو، إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال من الأحوال".
4- فتوى الهيئة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، حيث جاء فيها ما نصه: " وأما شراء المريض كلية من شخص آخر، فإن الأصل أن ذلك محرم، لأن الله كرم الإنسان، فلا يجوز قطع بعض أعضائه وبيعها بثمن، مهما كان الثمن، ولكن إن لم يجد متبرعاً يتبرع له بكليته، وكانت خطورة على حياته، ولم يجد وسيلة أخرى للتخلص من مرضه، فيجوز له الشراء حينئذ لأنه مضطر، وقد قال الله تعالى: ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)) [الأنعام: 119].
5- بيان مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية، حيث جاء فيه ما نصه: "وقد أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز للإنسان على سبيل الإطلاق أن يبيع عضواً من أعضائه، أيّاً كان هذا العضو؛ لأن أعضاء الإنسان ليست محلاً للبيع أو الشراء وليست سلعة من السلع التي يصح فيها التبادل التجاري، وإنما الجسد الإنساني بناء بناه الله سبحانه وتعالى، وسما به عن البيع أو الشراء، وحرّم المتاجرة فيه تحريماً قطعياً ...".
6- قرار مجمع الفقه الإسلامي (الهند) ، حيث جاء فيه ما نصه: " 3- يحرم بيع أعضاء الإنسان".
7- فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، حيث جاء فيها ما نصه: "وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز لك بيع أي عضو من أعضائك لسداد الدين ولا غيره، وبالله التوفيق".
8- وبخصوص بيع الجلد، صدرت توصية ندوة رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية، حيث جاء فيها ما نصه: "يتوقف جواز عمليات الترقيع الجلدي برقعة من مصدر آدمي على توافر الشروط التالية: ... أن يكون الحصول على الجلد الآدمي عن غير طريق البيع أو الإكراه أو التغرير ...".

القول الثاني: يجوز بيع الأعضاء الآدمية.
وهو قول بعض المعاصرين.
أدلة القول الأول القائل بتحريم بيع الأعضاء الإنسانية:
1- قوله تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) [الإسراء: 70].
وجه الدلالة من الآية الكريمة: حيث دلت على أن الإنسان مكرم بجميع أجزائه، وإخضاعه للبيع والشراء يجعله كالسلع والجمادات التي يصح فيها التبدال التجاري، وبذلك يُجعل الإنسان المكرم في مرتبة ثانوية، والمال مقدم عليه، وهذا لا يجوز.
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يُعْطِه أجره)).
وجه الدلالة من الحديث: أنه يدل على تحريم بيع الحر، والانتفاع بثمنه، وبيع أي عضو منه كبيعه في التحريم.
3- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( ... وإن الله إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه)).
وجه الدلالة من الحديث: أن الإجماع منعقد على حرمة أكل بني آدم وأجزائهم، فكان ثمن أجزائهم وبيعها حراماً لحرمة أكلها.
4- قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه)).
وجه الدلالة من الحديث: حيث دلّ الحديث على تحريم دم الإنسان المسلم على أخيه المسلم، ومن ذلك تحريم ثمنه، وكذلك سائر أعضاء جسم الإنسان.
5- ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الدم.
وجه الدلالة من الحديث: أن الحديث نصّ في تحريم بيع الدم، وهو عضو من الأعضاء الآدمية، فتُقاس بقية الأعضاء على الدم في حكم الحرمة أيضاً.
6- ما ورد أن المسلمين قتلوا يوم الخندق رجلاً من المشركين فأَعْطَوا بجيفته مالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادفعوا إليهم جيفتهم، فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية)). فلم يقبل منهم شيئاً.
وجه الدلالة من الحديث: أنه لو كان بيع الإنسان وأجزائه جائزاً عنده صلى الله عليه وسلم لما منع المسلمين من أخذ ثمن الجثة.
7- لأن جسد الإنسان ليس ملكاً له على الحقيقة، لأن الإنسان مملوك لله ليس مملوكاً لنفسه، فليس له أن يأخذ ثمن نفسه مطلقاً.
8- أن من شروط صحة العقد أن يكون محله قابلاً للتعاقد، وذلك بأن يكون مالاً متقوماً يجوز الانتفاع به. والآدمي ليس بمال لأنه خُلق مالكاً للمال، وبين كونه مالاً وكونه مالكاً للمال منافاة.
9- يحرم بيع الأعضاء الآدمية لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة جداً، من تسخير الفقراء والمساكين لبيع أعضائهم، وقيام عصابات بسرقة أو غصب الأعضاء الإنسانية، ثم إجبار صاحب العضو على التوقيع بأنه موافق على البيع.
10- يحرم بيع الأعضاء الآدمية للإجماع على تحريمه.

أدلة القول الثاني القائل بجواز بيع الأعضاء:
1- يجوز بيع الأعضاء الإنسانية قياساً على جواز التبرع بها بجامع التمليك في كلٍ.
2- قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات".
وجه الدلالة من القاعدة: أنه ليس هناك حالة زراعة أو غرس عضو إلا وهي ضرورة ملحة، فيكون البيع مباحاً في هذه الحال، ولو كان الأصل المنع.
3- يجوز بيع أعضاء الإنسان قياساً على جواز بيع لبن الآدمية وبيع الدم، بجامع أن كلاً منهما عضو من أعضاء الإنسان.
الرد على هذا الاستدلال: أنه هذا قياس مع الفارق؛ لأن اللبن والدم لا ينقصان من وظائف الجسم أو يتسببان في تعطيله، لأن من خصائصهما أن يتجددا في الجسم، كما أن الخطورة في أخذهما من الحي تكاد تكون معدومة.
4- يجوز للشخص بيع أعضائه لأنها ملكه، بدليل تعويضه عنها بالدية التي تعدّ ثمناً للعضو.
5- يجوز للشخص بيع أعضائه قياساً على جواز أخذ العِوض لمن يفقد عضواً من أعضائه في مهمة رسمية.

الترجيح:
بعد هذا العرض للمسألة فإني أرى -والعلم عند الله تعالى- أن الراجح هو عدم جواز بيع الأعضاء الإنسانية، وذلك لأن الأصل في تعريض الإنسان نفسه للخطر ولما يضر جسده وبدنه محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار))، كما أن الأصل عدم التعرض للميت بأي مسّ؛ لأن الشريعة أمرت بتجهيز الميت ودفنه، وحرّم النبي صلى الله عليه وسلم الاعتداء عليه بقوله: ((كسر عظم الميت ككسره حياً)) ، وغير ذلك مما يدل على حرمة المساس به.
فإذا تقرر ما ذُكر عُدّ هذا أصلاً لا يُعدل عنه إلا بدليل، ولم يوجد الدليل الصحيح على جواز بيع الأعضاء.
إلا أن هذا الأصل خولف للضرورة عند من أجاز من أهل العلم التبرع بالأعضاء، والقاعدة تقول: "الضرورة تقدر بقدرها" فيبقى الأمر ضمن حدود التبرع، ولا يتجاوزه إلى جواز البيع، إضافة إلى أنه سبق عدم جواز التبرع بالأعضاء.

تنبيه:
أما المضطر إلى العضو ولم يجد من يتبرع له، ولم يجد ما يسد حاجته لهذا العضو من الأعضاء الصناعية أو غيرها، فإنه يجوز له الشراء، ويحرم على البائع المال، كما قرر ذلك أهل العلم من المعاصرين.
وبه صدرت فتوى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، فقد جاء فيها ما نصه: "فلا يجوز قطع بعض أعضائه وبيعها بثمن مهما كان الثمن، ولكن إن لم يجد متبرعاً يتبرع له بكليته وكانت هناك خطورة على حياته، ولم يجد وسيلة أخرى للتخلص من مرضه، فيجوز له الشراء حينئذ لأنه مضطر ...".

والحمد لله رب العالمين.
كل ما سبق تجده موثقاً في كتابي بصيغة (pdf) وذلك من (ص627-645) مع زيادة المناقشات الواردة على الأدلة، وذلك على الرابط الآتي:

http://cutt.us/marhaba-bank1
 
إنضم
11 يونيو 2015
المشاركات
15
الجنس
أنثى
الكنية
كعيد
التخصص
فقه وأصول الفقه
الدولة
الإمارات
المدينة
الشارقة
المذهب الفقهي
شافعي
رد: حكم بيع وشراء أعضاء الإنسان في عصرنا

موضوع مهم جدا، جزاكم الله خيرا.
 

طارق علي حبيب

:: متابع ::
إنضم
11 أبريل 2018
المشاركات
91
الجنس
ذكر
الكنية
المشهداني
التخصص
لايوجد
الدولة
العراق
المدينة
بغداد/ الغزاليه
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم بيع وشراء أعضاء الإنسان في عصرنا

بارك الله بكم على هذا الموضوع المفيد والمهم للغايه وخاصة في عصرنا هذا ولا مجال للتلاعب افكار الفقراء
 
إنضم
10 مايو 2008
المشاركات
89
التخصص
الفقه الطبي المعاصر
المدينة
طرابلس
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حكم بيع وشراء أعضاء الإنسان في عصرنا

وفيك شيخ طارق بارك الله فيك ونفع بك
 
أعلى