العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حمل ألفاظ النصوص على الاصطلاح الحادث

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه. أما بعد:

فهذا تنبيه لطيف لكل ناظر في النصوص الشرعية أن يحذر من مزلق وقع فيه بعض الفضلاء ولم يسلم منه عدد من العلماء.. إنه حمل اللفظ في الكتاب أو السنة على اصطلاحات حادثة.. ولا يشك عاقل أن هذا الباب متى يولَج يكنْ مدخلاً لتحريف النصوص كما جرى من كثير من المبتدعة وأهل الزيغ، وبعض ذلك كان منهم عن قصدٍ وعمد.

وليس معنى ذلك أن استعمال الألفاظ الحادثة في التصنيف والتخاطب والمناظرة ممنوع، بل هو مما قد يُحتاج إليه كثيراً، وقد يكون العلم به واستعماله واجباً في بعض الأحوال كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "السبعينية"، وإن كان التزام ألفاظ النصوص في أحوال كثيرة أهدى سبيلاً وأبعد عن الخطأ، وأحفظ لمعانيها في القلوب.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في "إعلام الموقِّعين": فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكنِ المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرَّم وتركُه أرجح من فعله، ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلط في ذلك، وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ " لا ينبغي " في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث، وقد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال " لا ينبغي " في المحظور شرعاً وقدراً وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى: {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً} [مريم: 92]، وقوله: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له} [يس: 69]، وقوله: {وما تنزلت به الشياطين - وما ينبغي لهم} [الشعراء: 210 - 211]، وقوله على لسان نبيه: «كذبني ابن آدم وما ينبغي له، وشتمني ابن آدم وما ينبغي له»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في لباس الحرير: «لا ينبغي هذا للمتقين»، وأمثال ذلك. أهـ

وقال شيخه ابن تيمية رحمه الله تعالى في "الإيمان": فإن العربي الذي يفهم كلام العرب يسبق إلى ذهنه من اللفظ ما لا يسبق إلى ذهن النبطي الذي صار يستعمل الألفاظ في غير معانيها، ومن هنا غلط كثير من الناس فانهم قد تعودوا ما اعتادوه اما من خطاب عامتهم واما من خطاب علمائهم باستعمال اللفظ في معنى، فإذا سمعوه في القرآن والحديث ظنوا أنه مستعمل في ذلك المعنى فيحملون كلام الله ورسوله على لغتهم النبطية وعادتهم الحادثة، وهذا مما دخل به الغلط على طوائف، بل الواجب أن تعرف اللغة والعادة والعرف الذي نزل في القرآن والسنة وما كان الصحابة يفهمون من الرسول عند سماع تلك الألفاظ فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما حدث بعد ذلك. أهـ

وقال ابن القيم في "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطِّلة": الوجه السابع والعشرون: إن الذي حال بين هؤلاء وبين استفادتهم اليقين من كلام الله ورسوله أن كثيرا من ألفاظ القرآن والسنة قد صار لها معانٍ اصطلح عليها النظار والمتكلمون وغيرهم، وألِفَ ذلك الاصطلاح وجرى عليه النشء وصار هو المقصود بالتخاطب وإليه التحاكم، فصار كثير من الناس لا يعرف سواه، فلما أرادوا أن يطابقوا بين معاني ألفاظ القرآن وبين تلك المعاني التي اصطلحوا عليها أعجزهم ذلك؛ فمرة قالوا ألفاظ القرآن مجاز، ومرة طلبوا لها وجوه التأويل، ومرة قالوا لا تفيد اليقين، ومرة جعلوها وقفاً تتلى في الصلاة ويتبرك بقراءتها ولا يتحاكم إليها مثال ذلك لفظ الجسم في القرآن هو البدن كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون4] وهم اصطلحوا على تسمية كل قائم بنفسه جسماً مرئياً كان أو غير مرئي، وسموا الموصوف بالصفات جسماً، وسموا من له وجه ويدان جسماً، ثم نفوا الجسم عن الصانع وأوهموا أنهم ينفون معناه لغة، وقَصْدُهم نفي معناه اصطلاحاً، فسموه بخلاف اسمه في اللغة ونفوا به ما أثبته الرب لنفسه من صفات الكمال، وكذلك سموا صفاته أعراضاً ثم نفوا عنه الأعراض بالمعنى الذي اصطلحوا عليه، لا بالمعنى الذي وضعت له ألفاظ الأعراض في اللغة، وكذلك سموا أفعاله حوادث ثم نفوها عنه بالمعنى الذي اصطلحوا عليه لا بمعناه في اللغة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدِثاً»، وقال: «إياكم والحدث في الإسلام»، وقال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ». فإذا قالوا: لا تحله الحوادث؛ أوهموا الناس هذه الحوادث، ومرادهم أنه لا يتكلم ولا يكلم ولا يرى ولا يسمع ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستوياً ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا ينادي عباده يوم القيامة ولا يشاء مشيئة إلى أمثال ذلك. أهـ

ومن الأمثلة على ذلك فيما يعتقد راقم هذه الحروف:

* ما جاء في مصنف ابن أبي شيبة بسنده عن عطاء قال: كانوا يكرهون كل قرض جر منفعة.
استدل بلفظة "يكرهون" بعض المتأخرين على كراهة ذلك دون تحريمه، وليس يسوغ حمل ذلك على الكراهة عند الأصوليين؛ لورود آثار عن كثير منهم تقطع بأنهم يرون تحريم ذلك.

* ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «غسل الجمعة واجب على كل محتلم».
ذهب بعضهم إلى أن لفظة "واجب" تفيد الفرضية، واعترض على جمهور العلماء في قولهم بأنه مسنون لا يأثم به تاركه بأن في ذلك مخالفة صريحة لكلام رسول الله عليه الصلاة والسلام. ويتقوى رأي الجمهور بما ورد: (الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ) ولحديث سَمُرة، ودلائل أُخَر.

* ما جاء في الصحيحين من حديث أبي بُردة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يُجلَد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله».
حمل بعضُ الفقهاء لفظة "حد" على الاصطلاح الحادث من أنه العقوبة المقدرة شرعاً، وجعلوا الحديث في التعزير الذي اصطلح عليه الفقهاء.
وقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ما يدل على أن الحد هو حق الله تعالى، ومن ذلك: قوله تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها}، وقوله تعالى: {ومن يعصِ الله ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها}.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: حمل ألفاظ النصوص على الاصطلاح الحادث

وكذلك سموا أفعاله حوادث ثم نفوها عنه بالمعنى الذي اصطلحوا عليه لا بمعناه في اللغة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدِثاً»، وقال: «إياكم والحدث في الإسلام»، وقال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ». فإذا قالوا: لا تحله الحوادث؛ أوهموا الناس هذه الحوادث، ومرادهم أنه لا يتكلم ولا يكلم ولا يرى ولا يسمع ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستوياً ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا ينادي عباده يوم القيامة ولا يشاء مشيئة إلى أمثال ذلك. أهـ
بارك الله فيك أخي على هذا الموضوع ولكن هلا بينت المراد من الفقرة المنقولة أعلاه، فإما أني لم أدرك المراد منها وهذا راجع لقصر نظري، أو أن الاستدلال الذي أوردتموه لا يوافق المقصد الذي ترمون إليه، وأرجو المعذرة
شكر الله لكم.. ولكن أي نقل تعنون؟ بارك الله فيكم.
 
أعلى