قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام:
أسباب الضرر أقسام:
أحدها: ما لا يختلف مسببه عنه، إلا أن يقع معجزة لنبي أو كرامة لولي؛ كالإلقاء في النار وشرب السموم المذففة، والأسباب الموجبة، فهذا ما لا يجوز الإقدام عليه في حال اختيار ولا في حال إكراه؛ إذ لا يجوز للإنسان قتل نفسه بالإكراه، ولو أصابه مرض لا يطيقه لفرط ألمه لم يجز قتل نفسه، كما لا يجوز الإقدام على الزنا واللواط بشيء من أسباب الإكراه، ولو وقع بركبان السفينة نار لا يرجى الخلاص منها فعجزوا عن الصبر على تحملها مع العلم بأنه لا نجاة لهم من آلامها إلا بالإلقاء في الماء المغرق؛ فالأصح أنه لا يلزمهم الصبر على ذلك، إذ استوت مدتا الحياة في الإحراق والإغراق، لأن إقامتهم في النار سبب مهلك لا انفكاك عنه. وكذلك إغراق أنفسهم في الماء لا انفكاك عنه، وإنما يجب الصبر على شدة الآلام إذا تضمن الصبر على شدتها بقاء الحياة، وههنا لا يفيد الصبر على ألم النار شيئا من الحياة فتبقى مفسدة لا فائدة لها.
القسم الثاني: ما يغلب ترتب مسببه عليه وقد ينفك عنه نادرا فهذا أيضا لا يجوز الإقدام عليه؛ لأن الشرع أقام الظن مقام العلم في أكبر الأحوال.
القسم الثالث: ما لا يترتب مسببه إلا نادرا، فهذا لا يحرم الإقدام عليه لغلبة السلامة من أذيته وهذا كالماء المشمس في الأواني المعدنية في البلاد الحارة، فإنه يكره استعماله مع وجدان غيره، خوفا من وقوع نادر ضرره، فإن لم يجد غيره تعين استعماله لغلبة السلامة من شره؛ إذ لا يجوز تعطيل المصالح الغالبة لوقوع المفاسد النادرة، ومن وقف الكراهة على استعمال فيه على قصد استعماله فقد غلط، لأن ما يؤثر بطبعه الذي جبله الله عليه لا يقف تأثيره على قصد القاصدين؛ فإن الخبز يشبع، والماء يروي، والسقمونيا تسهل، والسم يقتل، والفروة تدفئ، ولا يقف شيء من ذلك على قصد القاصدين.