العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

خواطر مع ابن حزم في (البيوع)

إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه خواطرنا على ابن حزم رحمه الله في (كتاب البيوع) نرجو من الله أن يعيننا على ترتيبها وتهذيبها وإخراجها بعد أن أتتمنا خواطرنا على (كتاب الصيام).

نسألك اللهم من عونك وتوفيقك :

خاطرة (1) قال ابن حزم رحمه الله 8/337 مسألة (1411) : (... وأما بيع سلعة غائبة بعينها مرئية موصوفة معينة فيه خلاف ، فأحد قولي الشافعي المنع من بيغ الغائب جملة ..)
ثم قال ص 339 - 338 : (وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ احْتَجُّوا لَهُ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ إذَا وُصِفَ عَنْ رُؤْيَةٍ، وَخِبْرَةٍ، وَمَعْرِفَةٍ، وَقَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِمَا اشْتَرَى، فَأَيْنَ الْغَرَرُ؟)
أقول : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر) كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو يشمل كل بيع فيه جهالة ، ولا يخرج عن هذا العموم إلا أحد أمرين الأول : ما جاء النص باستثنائه ، والثاني : ما لا يمكن تجنب الغرر فيه مع الحاجة فيه إلى المعاملة ، إذ لا تعلق للتكليف بما لا يستطاع كما في بيع السلم والخرص.
وعليه نقول : بيع الغائب إما أن يجوز أن يأتي على خلاف الصفة أو لا يجوز.
فإن قال : يجوز.
قلنا : فهذا غرر يمكن تجنبه بالرؤيا ، فهو باطل للنهي المتقدم.
وإن قال : لا يجوز أن يأتي على خلاف الصفة.
قلنا : هذا مكابرة للحس ، وقد قلتم ببطلان البيع إن جاء المبيع على خلاف الصفة ، وهو مبني على إمكان ذلك ، وقلتم بجواز البيع وإن كذب المشتري البائعَ في وصفه وأجزتم أن يبيعه اعتماداً على وصف البائع وهو كذب عنده ، وكل ذلك يخالف دعوى أنه لا يجوز مجيئه على خلاف الصفة.
ونقول أيضاً : قد صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله : (وليس الخبر كالمعاينة) فأثبت صلى الله عليه وسلم فرقاً بين المعاينة وبين الخبر وهو يعم الخبر الكائن عن خِبْرَة ورؤية سابقة ، فبطلت تسوية ابن حزم ونفيه للغرر ، لأن ذلك الفرق جهالة ما ، فهو غرر.
قال رحمه الله ص 340 : (وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ، وَالْمُلَامَسَةُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ: الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ» ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك ثَوْبِي بِثَوْبِك، وَلَا يَنْظُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ لَمْسًا وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: أَنْبِذُ مَا مَعِي وَتَنْبِذُ مَا مَعَك لِيَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمْ مَعَ الْآخَرِ، وَنَحْوٌ مِنْ ذَا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ... عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُلَامَسَةُ لُبْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ - وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ، وَالْمُنَابَذَةُ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُمَا الْحُجَّةُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاللُّغَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَيْسَ هَذَا بَيْعَ غَائِبٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ هُوَ بَيْعُ حَاضِرٍ - فَظَهَرَ تَمْوِيهُ مَنْ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ)
أقول : المراد بالغائب ما غاب عن النظر ، لا ما غاب عن مجلس العقد لصحة تسمية ذلك غائباً أيضاً ، ثم إن تسمية بيع الغائب اصطلاح ، والأحكام لا تتعلق بها ، وإنا تتعلق على المعاني وقد فسر أبو هريرة وأبو سعيد بيع المنابذة والملامسة ببيع ما لم يرى ، وهو مشترك بين بيع ما حضر مجلس العقد وما غاب عنه ، لاشتراكهما في المعنى الذي فسرا به الحديث.
سلمناه ، فهو مقيس عليهما فبطل قوله : (فَظَهَرَ تَمْوِيهُ مَنْ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ) لأنه لم يبنى على تمويه بل القياس بغض النظر عن كون الاحتجاج به صحيح في نفس الأمر أو باطل ، فإن من قاس يعتقد صحة الاحتجاج به ، ولا يسمى هذا تمويهاً .
وأيضاً قوله : (وَهُمَا الْحُجَّةُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاللُّغَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ)
نقول : فهي علة منصوصة ، وتعميمها في مظانها ليس بقياس عند كثيرين منهم داود الظاهري .
فإن قيل : الصحيح أنه قياس .
قلنا : القياس حجة عند جمهور الأمة ، وبعض من أبطله صحح القياس فيما نص على علته.
ثم نقول : هو من قياس الأولى ، وبيانه أنه إن بطل بيع ما لم يُرَ مع حضوره لهذه الأحاديث ، فبيع ما لم يُرَ مع غيابه أبطل .
وقال رحمه الله ص 337 : (وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الْغَائِبَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُجِزْ النَّقْدَ فِيهَا جُمْلَةً فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ -: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ - وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ النَّقْدَ فِي الضِّيَاعِ وَالدُّورِ - قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ - وَأَمَّا الْعُرُوض فَإِنَّهُ أَجَازَ النَّقْدَ فِيهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَ بَعِيدًا)
أقول : وتمام وصف مذهبه أنه إن وصفَ صح البيع ولزم ولا خيار إلا أن يأتي على خلاف الصفة ، وإن لم يوصف لم يصح إلا أن يشترط خيار المشتري.
ثم قال رحمه الله ص 339 : (وَأَمَّا قَوْلَا مَالِكٍ جَمِيعًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، وَلَا نَعْلَمُهُمَا عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَمَا لَهُمْ شُبْهَةٌ أَصْلًا، إلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ادَّعَى الْعَمَلَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا عَنْهُ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرْنَا كِلَاهُمَا مُخَالِفٌ لِصَاحِبِهِ - فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَدْ خَالَفَ الْعَمَلَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ، وَخِلَافُ الْمَرْءِ لِمَا يَرَاهُ حُجَّةً قَاطِعَةً فِي الدِّينِ عَظِيمٌ جِدًّا، وَلَيْسَ فِي الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى كِلَيْهِمَا)
قوله (فكذلك) يريد هي أقوال فاسدة غير مأثورة عن أحد من أهل الإسلام قبله كما قاله في الأقوال المنقولة عن أبي حنيفة.
فيقال : إن أراد أن مجموع كلامه لا يُؤْثَرُ مجموعاً عن أحد ممن سلف ، فالله أعلم .
ولكن لا يضره ، إذ هي مسائل مختلفة فإن وجدت في كلام من تقدمه كفاه ، ولا يشترط أن توجد مجموعة عنهم ، وإنما يضره ذلك إن وجدت لهم أقوال مجموعة على خلاف قوله ، فيشترط أن لا يخرج كلامه عن مجموع كلامهم.

وكل هذا لم يكن. وذلك أنهما بيعان ، بيعٌ يُنقد معه ثمن المبيع الغائب وبيع لا ينقد معه ثمنه ، وصحح ابن حزم الجميع ، وقول مالك بجواز بيع الغائب ونقد ثمنه إن كان موصوفاً لا يتغير أو كان قريبا فهذا وافق فيه كثير ممن تقدمه ومن تأخر عنه كابن حزم.
فبقي قوله بعدم جواز النقد جملة في القول الأول ، وبعدم جوازه فيما بَعُدَ ولم يؤمن تغيره ، وكل من منع من بيع الغائب مطلقاً موافقٌ له في المنع في هذه الصورة خاصة لدخوله ضمن ما منعوه من البيوع.
فإذاً ليس هناك قولٌ قاله مالك انفرد به عن أحد من الناس.
وقوله بحسب اختيارات ابن حزم أمتن وأقرب إلى الظاهر ، فقد قال مالك : (وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَنْتَفِعُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَدْرِي هَلْ تُوجَدُ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَلَى مَا رَآهَا الْمُبْتَاعُ أَمْ لَا) وهذا حق وهو بيع غرر ، والحديث عام يشمل الغرر الحاصل ببيع الغائب مطلقاً ، وقد خرج ما لم يُنْقد ثمنه بما ذكره ابن حزم من أنه إذا وصفه المالك عن خبرة ورؤية سابقة فلا غرر ، فبقي ما نُقِدَ ثمنه فيه غرر زائد وهو ما ذكره مالك من جواز خروج المبيع على خلاف الصفة فيرجع المشتري على البائع بالثمن ويكون قد أنفقه فيتنازعا ، ولا دليل على إخراجه عن عموم الحديث فبقي مشمولاً به.
فبان أن مالك وافق من تقدمه في عامة قوله وعمل بالحديث.
فبقي أن يقول : لا يجوز أن يصح قولي مالك معاً ، فأحدهما باطل لا محالة.
قلنا : لم تبينه ، وقد تكلم فيه المالكية ورجحوا ، ولا كلام لنا معهم هنا.

أما مذهب أبي حنيفة ، فقد سرد منه مسائل مختلفة متعلقة بشراء الغائب وخيار الرؤية فيه وأطال مع أنه فرقها في كتابه ، فقال رحمه الله ص 337: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَيْعُ الْغَائِبَاتِ جَائِزٌ مَوْصُوفَةً وَغَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، وَالنَّقْدُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا رَأَى مَا اشْتَرَى، فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَأَنْ يُمْضِيَهُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ كَمَا وُصِفَ لَهُ، أَوْ وَجَدَهُ بِخِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ.
وَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إمْضَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَا اشْتَرَى.
وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ مَالَهُ مِنْ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَمْضَى الْبَيْعَ وَالْتَزَمَهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ كَمَا كَانَ - فَإِذَا رَأَى وَجْهَ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَى وَهِيَ غَائِبَةٌ وَلَمْ يُقَلِّبْ سَائِرَهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ، وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ - وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْعَبْدِ سَوَاءً سَوَاءً.
قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى دَابَّةً غَائِبَةً فَرَأَى عَجُزَهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَرَ سَائِرَهَا وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ - وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ حَاشَا بَنِي آدَمَ.
قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى ثِيَابًا غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً مَطْوِيَّةً فَرَأَى ظُهُورَهَا وَمَوَاضِعَ طَيِّهَا وَلَمْ يَنْشُرْهَا فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ. قَالَ: فَإِنْ اشْتَرَى ثِيَابًا هَرَوِيَّةً فِي جِرَابٍ أَوْ ثِيَابًا زُطِّيَّةً فِي عِدْلٍ، أَوْ سَمْنًا، فِي زُقَاقٍ، أَوْ زَيْتًا كَذَلِكَ، أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةً، أَوْ عُرُوضًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ، أَوْ حَيَوَانًا وَلَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ: فَإِنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ حَتَّى يَرَى كُلَّ مَا اشْتَرَى مِنْ ذَلِكَ.
وَلَوْ رَأَى جَمِيعَ الثِّيَابِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا أَوْ جَمِيعَ الدَّوَابِّ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ، وَسَوَاءٌ وَجَدَ كُلَّ مَا رَأَى كَمَا وُصِفَ لَهُ [أَوْ] بِخِلَافِ مَا وُصِفَ لَهُ، إلَّا السَّمْنَ وَالزَّيْتَ، وَالْحِنْطَةَ، فَإِنَّهُ إنْ رَأَى بَعْضَ ذَلِكَ فَكَانَ مَا لَمْ يَرَ مِنْهُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى: فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ.
قَالَ: فَإِنْ ابْتَاعَ دَارًا فَرَآهَا مِنْ خَارِجِهَا وَلَمْ يَرَهَا مِنْ دَاخِلٍ: فَقَدْ لَزِمَتْهُ وَسَقَطَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا مِنْ عَيْبٍ - وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ إلَّا حَتَّى يَرَى مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا
)
وقال : (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إذَا رَأَى مَا ابْتَاعَ إلَّا بِمَحْضَرِ الْبَائِعِ، فَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ شِرَاءً وَاحِدً غَائِبًا فَرَأَيَاهُ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَأَجَازَهُ الْآخَرُ فَلَا يَجُوزُ الرَّدُّ إلَّا أَنْ يَرُدَّاهُ مَعًا. قَالُوا: فَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَقْبِضَ لَهُ مَا اشْتَرَى فَرَأَى الرَّسُولُ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ وَقَبَضَهُ فَالْمُشْتَرِي بَاقٍ عَلَى خِيَارِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَرَأَى الْوَكِيلُ الشَّيْءَ الْمَبِيعَ وَقَبَضَهُ فَقَدْ سَقَطَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَسْقُطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً: الْخِيَارُ أَيْضًا لِلْبَائِعِ إذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَ كَمَا لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ)
وقال في جوابه عن مذهب أبي حنيفة ص 338 : (فَأَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا فَأَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لَا تُؤْثَرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَهُ - نَعْنِي الْفَرْقَ بَيْنَ مَا يُسْقِطُ الْخِيَارَ مِمَّا يَرَى مِنْ الرَّقِيقِ، وَمِمَّا يَرَى مِنْ الدَّوَابِّ، وَمِمَّا يَرَى مِنْ الثِّيَابِ الزُّطِّيَّةِ فِي الْوِعَاءِ، وَمَا يَرَى مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَيْسَتْ فِي عِدْلٍ، وَمَا يَرَى مِنْ السَّمْنِ، وَالزَّيْتِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالدُّورِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَسَاوِسُ لَا حَظَّ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَقْلِ، وَلَا لَهَا مَجَازٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَلَا السُّنَنِ، وَلَا الرِّوَايَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ - لَا جَلِيٍّ وَلَا خَفِيٍّ - وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ حَظٌّ مِنْ السَّدَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْقَوْلُ بِهِ
)
هذا عامة ما ذكره عن أبي حنيفة ، ونلخص مذهب الأحناف فنقول : يجوز بيع الغائب ، وللمشتري الخيار دون البائع ، وصف أو لم يوصف ، ولو جاء على خلاف الوصف ، ولا يسقط خياره بإسقاطه حتى يرى، ويكفي في الجميع رؤية المقصود منه فإن كان مثلياً كفت رؤية بعضه وكذا ما تتساوى أجزاؤه ككثير من الثياب، فيسقط الخيار بذلك البعض ، إلا أن يخرج باقيه أردأ ، وفي العبد رؤية وجهه وفي الدابة رؤية كفلها ، فإن رأى ذلك انقطع خيار الرؤيا دون خيار العيب .
وابن حزم رحمه الله أطال وفصل كأنه أراد بذلك التشنيع ، فهو كثيراً ما يجعل ذلك من مقاصد كلامه رحمه الله، وقبل مناقشة مذهب الأحناف نعرض مذهب ابن حزم في بيع الغائب لنقارن بينه وبين مذهب الأحناف فنقول :
يجوز عنده بيع الغائب بشرط وصفه ولو كذباً ، فلو وصفه البائع جاز البيع وإن اعتقد المشتري كذبه في الصفة ولم يكن يعرف الصفة في نفس الأمر ، وإن كان غير البائع اشترط أن يصدقه المشتري ، ولا خيار للبائع ولا المتشري بعد التفرق سواء خرجت السلعة كما وصفت أو بخلاف ما وصفت ، ولكن البيع يلزم في الأول دون الثاني ، وتكفي صفة بعض المبيع إن كان ذلك البعض هو الظاهر كما لو باع لحماً بجلده ، ورآه كبيع الكبش حياً .
ثم نقول : أبو حنيفة أسعد بظواهر النصوص من ابن حزم رحمهما الله ، وبيانه أن ما يدل على عامة المعاملات التي ذكرها الأحناف قوله سبحانه {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقال سبحانه : {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}
وقد قال ابن حزم رحمه الله ص341 : (فَبَيْعُ الْغَائِبِ بَيْعٌ دَاخِلٌ فِيمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي التِّجَارَةِ الَّتِي يَتَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ، فَكُلُّ ذَلِكَ حَلَالٌ إلَّا بَيْعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ.
وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُحَرِّمُ عَلَيْنَا بَيْعًا مِنْ الْبُيُوعِ فَيُجْمِلُ لَنَا إبَاحَةَ الْبَيْعِ جُمْلَةً وَلَا يُبَيِّنُهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ، هَذَا أَمْرٌ قَدَّمْنَاهُ - وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} .
وَلَيْسَ فِي وُسْعِنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا، وَمَا أَحَلَّهُ لَنَا، وَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا، إلَّا بِوُرُودِ النَّصِّ بِذَلِكَ
)
فإن قال : (لَا يُمْكِنُ أَصْلًا وُقُوعُ التَّرَاضِي عَلَى مَا لَا يُدْرَى قَدْرُهُ وَلَا صِفَاتُهُ) ص 343.
قلنا : إنما اشترط سبحانه الرضى بالتجارة لا الرضا بالمبيع ، فإن كانت هذه التجارة مرضية عند البائع والمشتري دخلت في دلالة الآية. سلمنا أن العلم بالمبيع شرط ، فقد شرطه الأحناف للزوم البيع ، فلا دليل على أنه شرط لجواز إبرام العقد بل للزوم البيع ، إذ الغرر الذي يتصور فيه النزاع هو ذلك.
فإن قال : بل قد يتنازعان بعد العقد وقبل اللزوم ، وهذا غرر.
قلنا : دعوى غير مسلمة ، ولو سلمناها بطل اعتراضكم على المالكية بتمشية البيع ومنع النقد في العروض البعيدة ، لأنه إنما منعها لمنع هذا الغرر ، فإن لم يكن غرر فالقول قولنا ـ أي الأحناف ـ .
والتفرقة بين ما يدل بعضه على بعضه الآخر وبين ما ليس كذلك لا يرتاب فيه ذو نظر ، فدعواه أن لا نظر صحيح نظر غير صحيح .
هب أنه لا يجري هذا النظر على أصول مذهب ابن حزم أو الظاهرية جملة ، فكان ماذا ؟

أما الإكتفاء برؤية وجه العبد والجارية وكفل الداية فهذه هي المقصودة بالرؤيا، فماذا يمنعه وهو بيع داخل في جملة ما دلت عليه الآية؟
إن قال : قد يأتي غير الوجه والكفل رديئاً فيكون غرراً.
قالوا : مذهبنا أنه يرده إن خرج الباقي أردأ مما رأى في المثليات وإن خرج الباقي معيباً فيها وفي غيرها ، وإنما يصح الإعتراض بهذا لو أنا أبطلنا كل خيار بالرؤية ، ولكنا نثبت له خيار الرد بالعيب ، فأين الغرر.
فإذا أنت تبين لك هذا بقي أن نسأل ابن حزم عما ذهب إليه من أن بالبيع بصفة كذبَ فيها البائع واعتقد المشتري أنه كاذب فيها أنه يجوز ، وأن له أن يبيع هذه السلعة قبل أن يقبضها أو يراها مع اعتقاده بكذب البائع في وصفه ، وأن عليه أن يصفها بذلك الوصف الذي يعتقده كذباً .
وتفريقه بين وصف البائع ووصف غير البائع ، فيجوز البيع بوصف البائع ولو اعتقد كذبه ، ولا يجوز بوصف ثالث إن اعتقد كذبه. من ممن خلق الله من البشر أو الجن ؛ إن عُرِفَ قول بعضهم ، من أمتنا أو غيرها من الأمم ، إن أمكنه استقراء أقوالهم ، قال بهذا القول ، وعلى أي نظر اعتمد أو قياس إن كان استعمل منه شيئاً هنا .
أما النصوص فيكفيك قوله سبحانه {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} والكذب من أبطل الباطل ، وقد أبحتم للمشتري أن يبيع السلعة بوصف هو يعتقده كذباً ، فأبحتم له بذلك أكل الثمن بالباطل.

وقال صلى الله عليه وسلم : (من غش فليس منا) ، وهذا المشتري الذي أبحتم له أكل السلعة أو بيعها وأكل ثمنها معتمداً على صفة هو يعتقدها كذباً غشاش.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الغرر ، وأي غرر فوق هذا؟! سلعة غائبة لا يعلم المشتري من صفتها شيئاً إلا وصف لبائع لا يصدقه في وصفه ، ثم يبيعها ولا يعلم من صفتها إلا ما يعتقده كذباً ، ثم أبحتم له أن يقبض الثمن ويأكله بذلك.
فبان أن الأحناف أتبع لظواهر والنصوص ومذهب السلف من ابن حزم رحمه الله في هذه المسألة
والله أعلم

... يتبع ...
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: خواطر مع ابن حزم في (البيوع)

خاطرة (13) قال رحمه الله 8/ 409 مسألة (1441) ـ كذا في المطبوع وفي الترقيم خطأ ـ : (مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ حِينَ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ: لَا خِلَابَةَ؟ فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَ لَيَالٍ بِمَا فِي خِلَالِهِنَّ مِنْ الْأَيَّامِ، إنْ شَاءَ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِ عَيْبٍ، أَوْ بِخَدِيعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ خَدِيعَةٍ، وَبِغَبْنٍ أَوْ بِغَيْرِ غَبْنٍ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ...
حَدَّثَنَا حُمَامٌ ... نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ، فَكَانَ إذَا بَايَعَ خُدِعَ في البيع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (بايع وقل : لا خلابة ، ثم أنتَ بالخيار) نا أحمد بن قاسم ... نا سفيان بن عينة نا محمد بن إسحاق عن نافع ملى ابن عمر ... فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (بع وقل : لا خلابة ، ثم أنتَ بالخيار ثلاثاً من بيعك) انتهى.
وكذا رواه غير سفيان عن محمد بن إسحاق، بهذا اللفظ.
وقد رواه الشافعي ومحمود بن آدم وعبد الجبار بن العلاء وغيرهم عن سفيان عن محمد بن إسحاق به بلفظ : (فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ابْتَاعَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قُلْ: لَا خِلَابَةَ ". قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَا خِذَابَةَ لَا خِذَابَةَ)
وبمثل رواية الشافعي رواه غيره أيضاً.
وابن إسحاق مدلس ، وقد عنعنه.
وروي تصريحه بالتحديث بلفظ : (إِذا بِعْت فَقل: لَا خلابة، وَأَنت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال)
والغرض من إيراد هذه الرواية أن رواية الشافعي ومن وافقه ليس فيها بناء الخيار على قوله لا خلابة ، بل هي ظاهرة في ثبوت الخيار قال لا خلابة أو لم يقل ، غايته أنه أساء حيث ترك الأمر.
وكذا رواية (وأنت بالخيار ثلاثاً) بالواو بدل ثم ، ليست صرحية في البناء على قوله لا خلابة ، إذ ليس فيها صريحاً أكثر من أمره بأن يقول لا خلابة ، وإخباره بأن له الخيار ، من غير ترتيب أحد الحكمين على الآخر.
بل رواية (ثم أنتَ بالخيار ثلاثاً) ليس فيها أكثر من ثبوت الخيار بعد قوله لا خلابة ، أما كون الخيار مبني على نفس قوله لا خلابة ، فلا.
وإذا لم يترجح لنا ثبوت أحد هذه الألفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره بدليل صحيح ، فلا يصح له الإحتجاج بالحديث على قصر الخيار على من قال لا خلابة إلا على طريق الإحتياط ، بأن يقول : لا خلاف أنه له الخيار بعد قوله لا خلابة بهذه الروايات ، بخلاف إثبات الخيار قبل قولها ، فإن الحديث بلفظ (ثم أنتَ بالخيار ثلاثاً) يمنعه.
قلنا : هو كما قلتَ ، ويشكل عليه أنه روي من طريق ابن إسحاق معنعناً وهو مدلس ، وقد روي عنه مصرحاً بالسماع ، لكن لا بد من النظر في صحتها إلى ابن إسحاق وعدم شذوذها.
خاطرة (14) قال رحمه الله مسألة (1443) ـ تنبه إلى أن في تسلسل المسائل خطأ في الترقيم ـ 8/ 410 : (مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ رَضِيَ فِي الثَّلَاثِ وَأَسْقَطَ خِيَارَهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثًا، فَلَوْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ الرِّضَا إنْ رَضِيَ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ فَقَطْ لَا فِي الرِّضَا - وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْمَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَكَانَ عُمُومًا لِكُلِّ مَا يَخْتَارُ مِنْ رِضًا أَوْ رَدٍّ.
وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَا يَنْقَطِعُ بِإِسْقَاطِهِ إيَّاهُ وَإِقْرَارِهِ بِالرِّضَا لَوَجَبَ أَيْضًا ضَرُورَةَ أَنْ لَا يَنْقَطِعَ خِيَارُهُ وَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الثَّلَاثُ وَهَذَا مُحَالٌ -: فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةَ الثَّلَاثِ إنْ شَاءَ رَدَّ فَيَبْطُلَ الْبَيْعُ وَلَا رِضَا لَهُ بَعْدَ الرَّدِّ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ فَيَصِحَّ الْبَيْعُ وَلَا رَدَّ لَهُ بَعْدَ الرِّضَا -: لَا يَحْتَمِلُ أَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرَ هَذَا أَصْلًا)
أقول : الحديث نص على امتداد خياره ثلاثاً ، والقول بسقوط الخيار متى أسقطه برضاه ليس في النص دلالة عليه ظاهرة ، بل قاله ابن حزم بناءً على ما رآهُ لازماً ، وهو أن القول ببقاء الخيار مع الإسقاط مقتضاه أن لا خيار له إلا في الرد ، والحديث أطلق أن له الخيار ، فلزم العمل بمقتضى هذا الإطلاق.
وهذا اجتهاد منه لا محالة ، والنصوص عنده لا تخص بالاجتهاد ، فنبقى على دلالته على بقاء الخيار ثلاثة أيام سواءً اختار إمضاء البيع أو رده.
ويرد على اجتهاده أمرين :
الأول : أنه استدل بعموم تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، ونحن نخصه ونقصره على خيار الرد بتنصيصه على الإختيار ثلاثاً ، وهذا تخصيص للعموم بنص الحديث .
والثاني : عدم التسليم بأن القول ببقاء الخيار ثلاثاً ولو أسقطه مقتضٍ لتخصيص عموم الخيار بخيار الرد ، وذلك لوجهين :
الأول : أنه حين لم يختر إمضاء البيع ثلاثاً باختياره كان مختاراً للإمساك ، إذ لو لم يكن مختاراً لإمضاءه كان مجبراً عليه ، وهذا الإجبار إما هو كائن في الثلاث ، فيقتضي أن لا يصح البيع عند ابن حزم رحمه الله لأن بيع المكره عنده باطل ولو اختار إمضاء ما أكره عليه ، أو بعده ، فيقتضي أنه قبل حصوله راضٍ بالإمساك.
الثاني : أنه لا اعتداد برضاه قبل الثلاث ، لأنه حين بايع كان راضياً بالبيع ، وإلا لم يبايع.
فإن قيل : بل كان مكرهاً.
قلنا : مقتضاه بطلان البيع عندكم ، فلا يعود صحيحاً باختياره ، وهذا خلافاً للحديث ومعارضة له.
فإذا بان لك أنه حين باع كان راضياً ، وأن رضاه لم يمنع استمرار الخيار ، فكذلك نقول فيما لو قال : رضيتُ بالبيع بعد العقد، إذ لا فرق ، فإن عدم لزوم البيع برضاه حين العقد حاصل لكونه في زمن الخيار ، فكذلك رضاه بعد العقد.
وإلا قلنا : قد علمنا أنه كان راضٍ حال العقد ، فتصريحه برضاه بعده إن كان تصريحاً برضاً مستمر من حين العقد ، فهو رضاً واحد لا يختلف ، فكيف صار ملزماً بالبيع بعد أن لم يكن ملزماً به؟!
ويلزمه من نحو هذا أمورَ أخرى ، كاشتراط انفصال الرضاء الثاني عن الرضا الأول بحال لم يكن فيها رضا ، وفيما تقدم كفاية.
والكلام على مقتضى الألفاظ على مذهبه.
والله سبحانه أعلم
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: خواطر مع ابن حزم في (البيوع)

[FONT=&quot]خاطرة (15) وقد كان ينبغي تقديمها على الخاطرة (13)[/FONT]​
[FONT=&quot]قال رحمه الله 8/ 398 المسألة (1426) : (وأما بيع الظاهر دون المغيب فيها فحلال إلا أن يمنع من شيء منه نص ، فجائز بيع الثمرة واستثناء نواها ، وبيع النافجة دون المسك الذي فيها ... ) إلخ.[/FONT]​
[FONT=&quot]أقول : قد جاء النص بالمنع من ذلك كله ، وهو حديث عطاء عن جابر رضي الله عنه قال : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثُّنَيَّا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ) فاشترط في المستثنى ما اشترط في المبيع من العلم ، بل أكثر على مذهب ابن حزم ، فإن المبيع يكفي فيه الوصف عنده ، ونص الحديث صريح في اشتراط العلم بالمستثنى ، ولا يحصل بالوصف إلا أن يتواتر ويحصل بوصفهم العلم بالمستثنى.[/FONT]​
[FONT=&quot]ولا يقال : إن ابن حزم رحمه الله يقول بأن خبر الواحد يفيد العلم ، فلا يشترط التواتر في صفة المستثنى ؛ لأنا نقول : إن حديث الواحد لا يفيد عنده العلم إلا إن كان في الحديث النبوي بشرط ثقة الرواة واتصال السند ، أما في غير الحديث النبوي فهو مصرح بأن حديث الواحد يحتمل الوهم والخطأ والكذب.[/FONT]​
[FONT=&quot]وهذا فيما أمكن الإطلاع عليه ، أما النوى في الثمرة والمسك في النافجة وغيره مما ذكر .. فلا سبيل إلى العلم به حتى يفصل ، فالحديث نص على بطلان هذا البيع لا فرق بين ما قُصِدَ ظاهره فقط وبين ما قصده ظاهره وباطنه ، وهو ظاهري لا يستجيز تخصيص النصوص بغير النصوص ، ولا ينظر إلى معنى أو حكمة أو غاية.[/FONT]​
[FONT=&quot]كما نص رحمه الله على أنه (لا يحل بيع المجهول) في غير موضع ، والجهالة بالمستثنى في الصور المذكورة مفضية إلى الجهالة بالمبيع يقيناً ، فهو بيع باطل بنص كلامه ، ويؤيده نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ، ومنه الجهالة بالقدر والصفة ، فإنه لا سبيل للبيع إلى معرفة صفة النافجة غلظاً ورقة لجهله بقدر المسك فيها ، وكذا لا علم له بقدر التمر كيلاً ووزناً من غير نواه ، فهو بيع حرام على مذهبه من كل وجه ، وما كان كذلك كان فاسداً.[/FONT]​
[FONT=&quot]قال رحمه الله ص399 : (أما قولنا : لا يحل استثناء لبن لم يحدث بعد ولا اجتمع في ضروعه ؛ فلأنه إنما يحدث إذا أحدثه الله تعالى في مال غيره ، فلا يحل له أن يشترط من مال غيره شيئاً إلا أن يكون الثمن فيما باع فقط ، لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى ، فهو باطل قطعاً)[/FONT]​
[FONT=&quot]أقول : قد روى الشيخان من حديث جابر رضي الله عنه قوله : (فبعته الجمل واستثنيتُ حملانه إلى أهلي) مع أن الحمل المستثنى حاصل حال كون الجمل ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقع الثمن في مقابلته بل في مقابلة البعير خاصة ، وأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبطل ما زعم من كونه شرطاً ليس في كتاب الله ، وبطل قطعه ببطلان الإستثناء.[/FONT]​
[FONT=&quot]وأيضاً روى الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنه قوله : (مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) وهذا استثناء منه صلى الله عليهو سلم لثمرة النخل ، ولم يحدث إلا في ملك البائع ، فبطل كونه شرطاً ليس في كتاب الله.[/FONT]​
[FONT=&quot]ولا يجوز تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاشتراط ، لأمره سبحانه لنا أن نتبعه فعلاً وقولاً ، فما لم يأتِ نص ينهانا عن متابعته هنا فالأصل أن ما فعله مشروع لأمته فعله.[/FONT]​
[FONT=&quot] [/FONT]​
[FONT=&quot]وقال رحمه الله في نفس الصفحة : (وإنما منعنا من بيع حيوان إلا عضواً مسمى منه ، وأجرنا بيع الحامل دن حملها فإن ذلك الحيوان لا يخلو من أن يكون من بني آدم أو من سائر الحيوان ، فإن كان من سائر الحيوان فاستثناء العضو المعين منه أكل مال بالباطل لأنه لا ينتفع به إلا بذبحه ، ففي هذا البيع اشتراط ذبح ذلك الحيوان على بائع العضو منه أو بائعه إلا عضواً منه ، وهذا شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل)[/FONT]​
[FONT=&quot]أقول : هذا كلام لا معنى له ، فلا نسلم لا انعدام المنفعة قبل الذبح ولا كون الذبح على فرض لزومه شرط ليس في كتاب الله سبحانه.[/FONT]​
[FONT=&quot]وبيان ذلك أن شراء عضو معين من ديك مثلاً كشراء بعضه مشاعاً ، فإنه حلال باتفاق، ولا يخلص المشتري إلى ملكه إلا بالبيع وأخذ مقدار حصته من الثمن أو ذبحه وأخذ حصته من لحمه ، فكذلك لو باغ ثوراُ واستثنى قائمتيه الخلفية مثلاً ، فإنه يقدر أن يصل لحقه بالبيع وأخذ حصتهما من الثمن ، أو ذبحه وأخذ ما اشتراه معيناً، وتأخر حصول المنفعة للمشتري حتى يحصل البيع أو الذبح لا يمنع البيع ، كما لو اشترى حماراً صغيراً لا ينتفع به ؛ فإنه مباح ولا منفعة له في الحال.[/FONT]​
[FONT=&quot]وقد أجاز هو ما لا تحقق لمنفعته في الحال ولا يقين بحصولها في المآل ، كبيع العبد الآبق والبعير الشارد.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]​
[FONT=&quot]فإن اعترض بالاختلاف في المنافع لمن تكون.[/FONT]​
[FONT=&quot]قيل : هو كما لو كان بين البائع والمشتري بالحصص ، كأن تكون المنافع بينهما بمقدار ثمن ما لكل منهما من الثور أو غيره من الحيوان .[/FONT]​
[FONT=&quot]فإن قيل : فإن أراد المشتري استلام حقه .[/FONT]​
[FONT=&quot]قلنا : لا فرق في ذلك بينما إذا اشترى جزءاً معيناً من الحيوان أو اشترى جزءاً مشاعاً فما تقولونه في المشاع نقوله في الجزء المعين.[/FONT]​
[FONT=&quot] [/FONT]​
[FONT=&quot]أما الثاني ، هو عدم تسليمنا أن الذبح ـ على فرض لزومه ـ أنه شرط ليس في كتاب الله ؛ فذلك لأن التسلم كيف كان واجب على المشتري ـ عند ابن حزم ـ وعلى البائع التخلية ، فإن لم يحصل التسلم إلا بالذبح فعله المشتري كما قاله في من اشترى ثمراً بعد بدو صلاحه أن المشتري ملزم بجمعه ، ولم يقل : هو شرط ليس في كتاب الله.[/FONT]​
[FONT=&quot]فإن قال : المبيع هنا ملك البائع ، فكيف يتصرف فيه المشتري بالذبح ، قلنا : كالأرض والشجر يكونان ملكاً للبائع ويتصرف مشتري الثمرة فيها بالقلع والقطع للخلوص إلى حقه.[/FONT]​
[FONT=&quot]ونقول : على فرض أنه يمتنع عليه التصرف في الكبش بالذبح لكونه في ملك المشتري ، فهو واجب على البائع لوجوب التخلية عليه بين المشتري وبين ما اشتراه ، وهو لا يحصل إلا بذبحه ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أو ففعله لازم ما لم يكن حراماً ، وذبح البائع ما يملك ليس بحرام.[/FONT]​
[FONT=&quot] [/FONT]​
[FONT=&quot]وأيضاً ينتقض كل ما قاله في المنفعة ولزوم شرط ليس في كتاب الله بما قدمه من إباحة بيع النافجة دون ما فيه من المسك والجلد دون الحيوان والمذبوح ونحوها ، لأن المشتري ليس له أن يأخذ ما البائع بيقين ، ولا يصل إلى حقه إلا بأخذ الجميع ، فإن أن يجب عليه تخليص النافجة بنزع المسك والجلد بسلخ المذبوح أو يجب ذلك على البائع ، وكله شرط ليس في كتاب الله على مقتضى قول ابن حزم رحمه الله.[/FONT]​
[FONT=&quot] [/FONT]​
[FONT=&quot]والله أعلم[/FONT]​
[FONT=&quot] [/FONT]​
[FONT=&quot]... يتبع ...[/FONT]​
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
رد: خواطر مع ابن حزم في (البيوع)

بارك الله فيكم على هذه الخواطر ...، كالغيث الماطر ...
 
إنضم
31 مارس 2009
المشاركات
1,277
الإقامة
عدن
الجنس
ذكر
الكنية
أبو عبد الرحمن
التخصص
لغة فرنسية دبلوم فني مختبر
الدولة
اليمن
المدينة
عدن
المذهب الفقهي
شافعي
رد: خواطر مع ابن حزم في (البيوع)

خاطرة (16) قال رحمه الله 8/ 412 مسألة (1445) : (وكلُّ شرطٍ وقعَ في بيعٍ، منهما أو من أحدِهما برضى الآخرِ فلهما إن عقداه قبل عقد البيع أو بعد تمام البيع بالتفرق بالأبدان، أو بالتخيير، أو في أحد الوقتين ـ يعني قبل العقد أو بعده ـ ولم يذكراه في حين عقد البيع فالبيع صحيح تام، والشرط باطلا لا يلزم)
أقول: أصل الكلام في الشروط في عقد البيع قد تقدم بما حاصله أن كل ما دل الكتاب والسنة على مشروعيته فاشتراطه جائز وإن لم يكن في كتاب الله سبحانه ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم على صورة الشرط، إذ قد دل الدليل على صحة اشتراط ما جاء في كتاب الله سبحانه من غير تقييد له بأن يكون في كتاب الله سبحانه على صورة الشرط، إلا أن يأتي دليل آخر دال على بطلان شرط فنلتزمه.
لذا لا يصلح الإستدلال على بطلان الشرط لكونه ليس في كتاب الله سبحانه على صورة الشرط بحديث بريرة كما فعل ابن حزم رحمه الله، فلا نطيل به.
وقد كنتُ أطلتُ الكلام عليه في أصل الموضوع، ثم لم أرَ نقلَه بتمامِه لعدم الحاجة إليه إذ لا يخرج في الجملة عما ذكرناه هنا وفيما تقدم عند كلامنا على حديث (لا خلابة).
وابن حزم نفسه ربما اشترط شروطاً ليس في كتاب الله شرطاً في عقد من العقود لمجرد أنه فرض فعله أو تركه كما سيأتي معك مثالين عليه.
ولا فرق عند خصمه بين كونه فرضاً أو جائزاً ما دام في كتاب الله سبحانه فرضيته أو جوازه، وعلى المفرق الدليل.
وقد جعل ابن حزم ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم ما جاء في كتاب الله، فخصمه يقول: وكذلك ما جاء به الإجماع والقياس وقول الصاحب وغيره مما يعتقده دليلاً شرعياً بدلالة كتاب الله سبحانه.
وقوله : (فالبيع صحيح تام والشرط باطل لا يلزم) باطل لمخالفته لقوله سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} ومن اشترى أو باع بشرط، ولو باطلاً فاسداً باتفاق الأمة فإنه لم يرضَ بالبيع خالياً عن شرطه، فلا يصح البيع حتى ينصَّ صاحبُ الشرط الباطل أنه راضٍ بالبيع مع سقوط الشرط، وإلا كان من أكل الأموال بالباطل بنص الآية.
وإنما يصح البيع مع بطلان الشرط ـ إن صححناه ـ حيث كان الشرط مما لا غرض فيه لتحقق الرضا بدونه. والله أعلم.
قال رحمه الله : (فإن ذكرا ذلك الشرط في حال عقد البيع .. فالبيع باطل والشرط باطل أي شرطٍ كان لا تحاش شيئاً إلا سبعة شروط فقط، فإنها لازمة والبيع صحيح إن اشترط في البيع)
أقول: لا نطيل فيه لما قدمناه، ولكن ننبه على أن ابن حزم لا يلتزم الإقتصار على السبعة بل بعض ما يجب على أحد المتبايعين بنفس العقد فإن ابن حزم يجوز اشتراطه، وهكذا ما كان فعله حراماً أو فساداً فإنه يجوز اشتراط تركه ولو لم يشترط بخصوصه في كتاب الله سبحانه، ومن ذلك قوله: (وأما بيع القصيل قبل أن يُسَنْبِلَ على القطع فجائز؛ لأن فرضاً على كل أحد أن يزيل ماله عن أرضِ غيره وأن لا يشغلها به، فهذا شرطٌ واجب مفترض) فصحح بيع القصيل بشرط قطعه وليس في كتاب الله، أخذاً من وجوب إزالة المشتري لملكه عن أرضِ غيره، وهكذا في غير البيع فقال في (المزارعة والمغارسة): (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنْ لَا يَزْرَعَ فِيهَا مَا يَضُرُّ بِأَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ - إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا شَجَرٌ - فَهَذَا وَاجِبٌ وَلَا بُدَّ، لِأَنَّ خِلَافَهُ فَسَادٌ وَإِهْلَاكٌ لِلْحَرْثِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} فَإِهْلَاكُ الْحَرْثِ بِغَيْرِ الْحَقِّ لَا يَحِلُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ، فَهَذَا شَرْطٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ صَحِيحٌ لَازِمٌ
) فهذان الشرطان ليس في كتاب الله سبحانه اشتراطهما في عقد من العقود، ولكن استنبط ابن حزم رحمه الله بمحض رأيه أنه ما دامت إزالة المشتري ملكه عن ملك غيره فرض .. فقد جاز اشتراط مقتضاه، بل عبارته (فهذا شرط واجب مفترض) وهكذا ما دامت زراعة ما يفسد الأرض ويهلك الحرث حرام .. فاشتراط ترك زراعته شرط في كتاب الله سبحانه.
وكل ذلك ليس في كتاب الله ولا هو مقتضى دلالة كتاب الله على قواعد ابن حزم، بل ليس في كتاب الله إلا وجوب فعل الأول وهو إزالة المالك ملكه عن ملك غيره، وحرمة فعل الثاني وهو إهلاك الحرث والنسل، أما اشتراط فعل الواجب ـ وهو غير فعله ـ أو اشتراط تركه ـ وهو غير تركه ـ فليس في كتاب الله، فإن اشترطاه أو أحدهما في العقد كان شرطاً ليس في كتاب الله، والبيع باطل.
ويأتي فيه ما تقدم من الكلام الجملي في الشروط.
والله أعلم
وقوله: (إلا سبعة شروط فقط، فإنها لازمة والبيع صحيح إن اشترط في البيع) ليس على إطلاقه، بل يلزمه إبطال عقد البيع بذكر شرطين منهما في بيع واحد ـ ولو صح كل واحدٍ من الشرطين بمفرده ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا شرطان في بيع).

قال صفحة 418 : (وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاه مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا زَكَرِيَّا سَمِعْتُ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي «جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَرَبَهُ، فَدَعَا لَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ؟ قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ بِأُوقِيَّةٍ؟ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي - فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَأَرْسَلَ عَلَى إثْرِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَك، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» .
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا زَكَرِيَّا - هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ - عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: بِعْنِيهِ؟ فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي - فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي إثْرِي، فَقَالَ: أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ، فَهُوَ لَكَ» .
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: مَا فَعَلَ الْجَمَلُ بِعْنِيهِ؟ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلْ هُوَ لَكَ قَالَ: لَا، بَلْ بِعْنِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، بَلْ هُوَ لَكَ؟ قَالَ لَا، بَلْ بِعْنِيهِ، قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ، ارْكَبْهُ، فَإِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ فَأْتِنَا بِهِ؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ جِئْتُهُ بِهِ، فَقَالَ لِبِلَالٍ يَا بِلَالُ زِنْ لَهُ أُوقِيَّةً وَزِدْهُ قِيرَاطًا» .
هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ جَابِرٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُوِيَ هَذَا أَنَّ رُكُوبَ جَابِرٍ الْجَمَلَ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ فَرُوِيَ عَنْهُمَا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا مِنْ جَابِرٍ - وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَنَحْنُ نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ كَانَ شَرْطًا، ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ أَخَذْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ» .
وَصَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «أَتَرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟ مَا كُنْتُ لِآخُذَ جَمَلَكَ فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ» كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا.
صَحَّ يَقِينًا أَنَّهُمَا أَخْذَانِ: أَحَدُهُمَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخَرُ لَمْ يَفْعَلْهُ، بَلْ انْتَفَى عَنْهُ، وَمَنْ جَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ أَخْذًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَّبَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كَلَامِهِ، وَهَذَا كُفْرٌ مَحْضٌ، فَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُمَا أَخْذَانِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ نَفْسِهِ هُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ الْأَخْذِ الَّذِي انْتَفَى عَنْهُ أَلْبَتَّةَ، فَلَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَهُوَ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَهُ وَابْتَاعَهُ، ثُمَّ تَخَيَّرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ تَرَكَ أَخْذِهِ.
وَصَحَّ أَنَّ فِي حَالِ الْمُمَاكَسَةِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُمَاكِسْهُ لِيَأْخُذَ جَمَلَهُ -.
فَصَحَّ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ قَطُّ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ جَابِرٌ رُكُوبَ جَمَلِ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْأَخْبَارِ، إذَا جُمِعَتْ أَلْفَاظُهَا.
فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ لَمْ يَتِمَّ وَلَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ ذَلِكَ الْخَبَرِ أَصْلًا: أَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِذَلِكَ الشَّرْطِ، فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: حُجَّةٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
)
أقول: ليس في رواية الجعد أن قوله صلى الله عليه وسلم: (اركبه فإذا قدمت المدينة) كان تطوعاً منه صلى الله عليه وسلم؛ لجواز أنه جواب شرط جابرٍ رضي الله، بل هذا هو مقتضى الجمع بين الرواية المصرحة باشتراط جابر ظهر البعير إلى المدينة ورواية (اركبه).
أما التطوع بظهر الجمل ابتداءً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محض اجتهاد ابن حزم ولا خلاف في أن ما هذا حاله ليس بحجة، ولا يجوز نسبة ذلك لآحاد الناس فضلاً عن نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحجة بينة لعظم الخطب.
أما زعمه أن البيع لم يتم فهو خلاف لقول جابر رضي الله عنه : (فبعته بوقية واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي ... فلما بلغتُ أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعتُ) فصرح بحصول البيع، وبأنه قبض من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمنه، ولا ثمن بلا بيع.
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قبض البعير ونقد الثمن ولم يرد البيع إلا بعد مفارقة جابرٍ.
وكذا غيرها من الروايات تؤكد ذلك فمنها ما عند مسلم رحمه الله : (قَالَ: «أَفَتَبِيعُنِيهِ؟» فَاسْتَحْيَيْتُ، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَيْتُ، فَلَقِيَنِي خَالِي، فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ، فَلَامَنِي فِيهِ)
أما قوله رحمه الله : (فَلَا سَبِيلَ إلَى غَيْرِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَهُوَ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَهُ وَابْتَاعَهُ، ثُمَّ تَخَيَّرَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ تَرَكَ أَخْذِهِ وَصَحَّ أَنَّ فِي حَالِ الْمُمَاكَسَةِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ)
أقول: ليس هذا ظاهر الخبر، بل هو افتراء عليه، ولولا موضعه من الإجتهاد لكان عظيماً، فحسبه أنه خطأ نرجو له عليه أجراً واحدا، أما أن نجعله ظاهر الخبر أو حتى بعض محتملاته .. فلا؛ إذ ليس في الروايات ما يعين عليه، بل فيها ما يرده من تصريح جابرٍ بحصول البيع بألفاظه المعتبرة والتفرق بعدها من غير إظهاره صلى الله عليه وسلم لترك البيع قبل ذلك التفرق، وهذا بيع لازم على كل مذهب، وما علمنا قط أن اختيار أحد المتبايعين ترك البيع في نفسه من غير تصريح يبطل البيع، ونحن نقبل منه أو من يدعي متابعته أن ينقله عن شيء من خلق الله لا نزيد على اشتراط كونه شيئاً إلا تقدمه زماناً على ابن حزم.
أتراه يجهل جابر البيع فيذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُقْبِضَهُ الجملَ، ولا ينبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن البيعَ لم يقع بل ينقده ثمنه، ثم يمسك صلى الله عليه وسلم البعير من غير ملك ولا إذن حتى يفارقه جابر راجعاً، ثم يرسل في إثره ليخبره أن لا بيع بينهما؟!
فعلام لامَ خالُ جابرٍ جابراً حينئذٍ؟
إن قيل: أنما لامه لأنه ظن وقوع البيع.
قلنا: أيجهل عدم الوقوع جابر وخاله ويسكتُ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعلمه ابن حزم؟!
وكذا تخرصه على ما في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (وَصَحَّ أَنَّ فِي حَالِ الْمُمَاكَسَةِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ) أمر عظيم لا ينبغي أن يتجرأ عليه مسلم؛ لما فيه من الجرأة على الله سبحانه المختص بمعرفة ما في الصدور وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) نسأل الله لنا وله المغفرة.
ثم ما يفيده ذلك إن لم يكن صرح به حال المماكسة أو بعد الإيجاب والقبول حتى تفرقا؟!
والله أعلم
... يتبع ...
 
أعلى