العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دراسة حول الخبر المتواتر.

إنضم
13 ديسمبر 2011
المشاركات
1
التخصص
الفقه والأصول
المدينة
الناضور
المذهب الفقهي
مقارن
دراسة حول الخـــــــبر المتواتـــــــــــــــر

تعريف الخبر المتواتر
التواتر في اللغة: التتابع، ومنه قوله تعالى" ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه" أصلها وترا، أبدلت الواو تاء.

ذكر للخبر المتواتر تعار يف عديدة منها :
أنه خبر جماعة يفيد بنفسه العلم بصدقه.
- « خبر جماعة يمنع تواطؤهم على الكذب.
ـ « خبر جماعة يفيد العلم بصدقه لكثرته م.
- « ما بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب ، واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدد .
ومن هذه التعاريف نستنتج أن تعريف الخبر المتواتر : « هو الخبر الذي يفيد العلم بمضمونه ، وقد حصل هذا العلم نتيجة لإخبار جماعة كثيرة يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب واجتماعهم على الخطأ ، ويلزم أن تحتفظ كل طبقات السند ـ إذا كان للسند طبقات ـ بمثل هذا العدد المفيد للعلم ، وأن هذا العلم ناشئ من نفس الكثرة العددية ، لا من قرائن تنضم لهذا الخبر.
ولعل التعريف الذي يجمع عناصر الخبر المتواتر ما ذكر في كتاب الأصول العامة: " ويراد به إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب ، وصدورهم جميعا عن خطأ أو اشتباه أو خداع حواس ، على أن يجري هذا المستوى في الأخبار في جميع طبقات الرواة حتى الطبقة التي تنقل عن المعصوم مباشرة .

شروط الخبر المتواتر
1 ـ العدد : فإنه يشترط في تحقق التواتر وصول العدد إلى الحد الذي يستحيل معه التواطؤ على الكذب أو الخطأ ، بحيث يفيد العلم عادة ، وقد ذكرنا بأنه لا يشترط عدد معين فيه ، ولا يشترط في هؤلاء المخبرين أن يكونوا ثقاتا وعدولا كما يشترط ذلك في حجية الخبر الواحد ، بل أن الكثرة العددية تكفي لحصول العلم منه ، ولكن للوثاقة والخبرة والعدالة وغيرها من صفات الراوي تأثيرها في سرعة حصول العلم وبطئه ، فإن حصول اليقين من الثقات أسرع من حصوله من غيرهم.

2 ـ أن يكون المخبر عنه محسوسا بالبصر ، أو غيره من الحواس الخمس، فينحصر التواتر في الإخبار عن المحسوسات التي تعرف عليها المخبر بإحدى حواسه ، وبذلك يكون إخباره صادرا عن علم ضروري مستند إلى محسوس ، كما لو نقل كلام شخص سمعه أو حادثة شاهدها بعينيه.
ويضاف للأمور المحسوسة ، الأمور القريبة من الحس ، التي لها آثار محسوسة ، كالشجاعة والكرم ، فإنها وإن كانت صفات نفسية ، إلا أن آثارها حسية ، فهذه الصفة قريبة للحس .
يقول في الفصول: "ومنها ـ أي شروط التواتر أن يكون إخبارهم عن محسوس ، ولو بحسب آثاره ولوازمه البينة كما في تضافر الأخبار بشجاعة الإمام علي ـ عليه السلام ـ وسخاوته ، فإن الشجاعة والسخاوة وإن لم تكونا من الأمور المحسوسة ، إلا أن آثارهما ولوازمهما البينة محسوسة".
مما يدل على أن الأمر المنقول بوساطة التواتر يجب أن يكون في ذاته أمرا حسيا وقد أدركه الناقلون بالحس أيضا بحيث يمكن للمنقول إليه أن يحس به بإحدى حواسه ، ويلحق به الأمر الحدسي القريب من الحس كالملكات النفيسة التي لها مظاهر وآثار حسية بحيث يمكن للإنسان الإحساس هي بهذه المظاهر وكأنه قد أحس بها نفسها ، أما الأمور العقلية المحضة التي ليست هي حسية في ذاتها وليست لها مظاهر وآثار حسية ، فمهما كثر الناقلون لها فلا يتحقق العلم للمنقول إليه إذ يشترط فيه أن يمكن للمنقول إليه الإحساس بذلك الأمر المخبر به ولكن لم يحس به بل نقل إليه بالتواتر.
3 ـ استواء الطرفين والواسطة في العدد وأوصاف الرواة ، فيلزم أن تبلغ كل طبقة من طبقات سلسلة السند ـ إذا كانت للخبر طبقات ولم ينقل للسامع بالمباشرة ـ العدد الذي يفيد العلم ، وأن يكون المستند لكل طبقة هو الحس في النقل ، إذا فلا بد أن تكون كل طبقات السند مشتركة بكل ما يعتبر في المخبرين من شروط.
4 ـ أن لا يكون للسامعين علم مسبق بما أخبروا به ، وذلك لأن الخبر المتواتر هو طريق لحصول العلم ، فإذا كان السامع عالما بمضمون الخبر مسبقا فلا يزيده الخبر المتواتر علما ، وقد ذكر الشهيد الثاني هذا الشرط في البداية فقال :" انتفاء العلم المستفاد منه اضطرارا عن السامع ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، وتحصيل التقوية أيضا محال ، لأن العلم يستحيل أن يكون أقوى مما كان" فإن هذا الخبر المتواتر لو استهدف إفادة العلم فهو تحصيل حاصل وهو مستحيل لوجود العلم مسبقا لدى السامع ، وأما لو استهدف تقوية ذلك العلم المسبق فإن اليقين ليس من الأمور المشككة التي تتفاوت في الشدة والضعف ، ويفهم منه أن مراده من العلم الذي ينتجه التواتر ليس مجرد الوثوق والاطمئنان ، فإن الاطمئنان من الأمور المشككة التي تختلف بالشدة والضعف ، والذي لا يقبل التشكيك هو العلم بمعنى اليقين. الذي ينتفي معه احتمال الخلاف تماما ، كما أشرنا لهذه الفكرة سابقا ، والملاحظ أن هذا الشرط شرط لحصول العلم لا لتحقق التواتر.
5 ـ أن لا تسبق شبهة إلى السامع وتقليد ينافي موجب خبره بأن يكون معتقدا نفيه[SUP]،[/SUP] فيلزم أن لا يكون لدى السامع اقتناع واعتقاد بالمعتقدات المخالفة لمضمون الخبر المتواتر، وقد حصلت هذه المعتقدات نتيجة شبهات أو تقاليد تحكمت في نفسه وسيطرت على مشاعره بحيث يرى خطأ كل ما يخالفها ، ومن هنا لا يحصل له العلم من الخبر المتواتر، بينما يحصل العلم من هذا الخبر المتواتر نفسه لأولئك الذين لم يبتلوا بمثل هذه الشبهات والتقاليد والمعتقدات.
إذا فيلزم على الإنسان أن يطهر نفسه من تأثير الشبهات والمعتقدات والتقاليد المتحكّمة ليحصل له القطع من الأخبار المتواترة ، وبذلك تكون رؤيته موضوعية للأخبار.
6 ـ يلزم أن يستند حصول العلم بالخبر المتواتر للكثرة العددية للمخبرين فحسب ، وأما لو استند حصول العلم القرائن خارجية أو داخلية فلا يكون من الخبر المتواتر ، فإن الخبر الواحد ـ أيضا ـ ربما أفاد العلم والقطع فيما لو اقترن ببعض القرائن.
7 ـ أن يزول احتمال الخطأ أيضا بالإضافة لزوال احتمال الكذب بسبب الكثرة العددية ، فلو زال احتمال الكذب فحسب وبقي احتمال الخطأ فلا يحصل العلم من الخبر المتواتر ، ومن هنا يلاحظ على التعريف الذي يذكر للخبر المتواتر حيث يذكر احتمال الكذب وحده دون الخطأ ، وكان يلزم ذكره أيضا ، كما لاحظ ذلك بحق الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه « المنطق » حيث ذكر في تعريف المتواترات : « يمتنع تواطؤهم على الكذب ، ويمتنع اتفاق خطئهم في فهم الحادثة » ، ثم يعقب على الشرط الثاني : « هذا القيد الأخير لم يذكره المؤلفون من المنطقيين والأصوليين وذكره ـ فيما أرى ـ لازم ، نظرا إلى أن الناس المجتمعين كثيرو ما يخطأون في فهم الحادثة على وجهها ، حينما تقتضي الحادثة دقة الملاحظة"
_ وليس من شرط المتواتر أن يكون المخبرون مسلمين، ولا عدولا، لأن اقتضاءه إلى العلم من حيث أنه مع كثرتهم لا يتصور اجتماعهم على الكذب وتواطؤهم عليه ، ويمكن ذالك في الكفار كإمكانه في المسلمين.
_ ولا يشترط أيضا: أن لا يحصرهم عدد، ولا تحويهم بلد، فإن الحجيج إذا أخبروا بواقعة صدتهم عن الحج، وأهل الجمعة إذا أخبروا عن نائبة في الجمعة منعت من الصلاة، علم صدقهم مع دخولهم تحت الحصر، وقد حواهم مسجد، فضلا عن البلد.

حصول العلم من التواتر
يشترط في الخبر لمتواتر ـ كما رأينا في التعريف ـ أن يفيد العلم بصدقه ، فإذا أدى إلى العلم يكون حجة ، لأن حجية العلم لا تحتاج للمواضعة والاعتبار.
والتواتر بمعنى كثرة الناقلين للخبر، يفيد العلم بطبيعته ، ولا تختص هذه الظاهرة بالأخبار الشرعية ، بل إنها تشمل الأخبار العرفية أيضا ، فيما لو كثر الناقلون الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب ، لحادثة واحدة ، فإنها تحقق العلم ، ويمثل له عادة بما لو أخبرت مثل هذه الجماعة عن وجود بلد ما ، فإنه يحصل للسامع اليقين بوجود مثل هذا البلد.

نوع العلم الحاصل من التواتر
بعد أن عرفنا أن التواتر يؤدي إلى العلم ، فما هي طبيعة هذا العلم الذي يفيده التواتر ، فهل المراد به القطع واليقين ، أو الاطمئنان والوثوق ؟.
فالشيخ الطهراني يفرق بين القطع والاطمئنان ، كما ذكر هذا الفرق بعض العلماء ، حيث يفرق بينهما في درجة الرجحان ، وفي الآثار المترتبة على كل منهما ، يقول : « وأما الاطمئنان فلأن وجود الاحتمال المخالف فيه هو الفارق ـ بينه وبين القطع ـ فلا يستحيل التعبد بخلافه ، فهو ـ أي الاطمئنان ـ وإن كان ظنا لوجود احتمال النقيض فيه ، إلا أنه من الضعف بمثابة صار وجوده كالعدم ، فإن هذا هو معنى الاطمئنان ، إذا فهذا الأثر ـ وهو الحجية ـ للعلم بالذات بحيث يستحيل انفكاكه عنه ، وللظن الاطمئناني أيضا بالذات مع إمكان سلبه عنه.
وفي موضع آخر يفرق بينهما : " إن العلم في اللغة هر الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وإنما الظن الاطمئناني علم حكما ـ لا حقيقة ـ لوجود مناط الاعتبار فيه اقتضاءا ، والفرق بينه وبين العلم إمكان نفي الاعتبار عنه دون العلم ، وأن الاطمئنان له مراتب بخلاف العلم .
ومن هذا وغيره نعرف أن درجة الرجحان في القطع أقوى منها في الاطمئنان ، وأنه يملك قوة الدفع أكثر من الاطمئنان ، وينعدم فيه احتمال الخلاف تماما ، بينما في الاطمئنان يبقى احتمال للخلاف ، وإن كان احتمالا ضعيفا جدا بحيث يلحقه العقلاء بالعدم ، ولا يعتنون به عمليا ، وأن حجية القطع عقلية يحكم بها العقل ، ولا يمكن للمعتبر سلبها عن القطع ، ما دامت تملك ملازمة ذاتية للقطع ، ولا تنفك عنه ، بينما الاطمئنان... فإن حجيته عقلائية ، فالعقلاء هم الذين يحكمون بحجيته ، والعمل وفقه ، ولأجل توفر احتمال الخلاف في الاطمئنان ، أمكن سلب الحجية عنه ؟ بينما القطع لا يملك أي احتمال للخلاف في ذهن القاطع ، لذلك لا يمكن سلب الحجية عنه ، وهذا ما يصرحون به في بحث القطع.
وهناك خلاف بين العلماء القائلين بحصول العلم من الخبر المتواتر، هل أن العلم الحاصل منه ضروري أو نظري كسبي ، ذهب بعضهم أمثال أبي الحسن البصري والغزالي والكعبي وغيرهم ، إلى النظري ، مستدلين بتوقف حصول العلم منه على مقدمات نظرية كانتفاء المواطاة ودواعي الكذب وكون المخربة محسوسا ، بينما ذهب الأكثر إلى أنه ضروري ، مستدلين بحصوله لمن لم يكن من أهل النظر والاستدلال كالصبيان والبله ولا افتقر إلى الدليل فلا يحصل للعوام ، وهو حاصل. وفصل آخرون كالسيد المرتضى ، وحكي عن الشيخ في العدة ففي بعض الموارد العلم ضروري ، وفي أخرى نظري[SUP]،[/SUP] وعلى كل حال فالمهم أنهم يقولون بحصول اليقين والعلم من الخبر المتواتر.
وأقوال العلماء في تعريف التواتر ، وفي كيفية حصول العلم من التواتر وفي شروطه ، تفيد أنهم يستهدفون من العلم الحاصل من التواتر هو القطع ،لا مجرد الوثوق والاطمئنان ، وأنهم كثيرا ما يذكرون التواتر من أسباب القطع ، ولعل تعبيرهم بالاستحالة والامتناع يدل على ذلك أيضا ، بالإضافة أن الكثير من العلماء يذهبون إلى أن الملاك في حجية الخبر الواحد هو الوثوق ، فلو كان الخبر المتواتر يفيد الوثوق أيضا ، لما كان هناك فرق بين الخبر الواحد ، والخبر المتواتر.
بالإضافة إلى صراحة أقوال بعض العلماء بذلك ، يقول العلامة الحلي في مبادئ الوصول : "الحق أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري ، لأن جزمنا بوقوع الحوادث العظام كوجود محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وكحصول البلدان الكبار ، لا يقصر عن العلم بأن الكل أعظم من الجزء ، وغيره من الأوليات ، وهو حاصل العوام ومن لم يمارس الاستدلال ، ولا يقبل التشكيك "
وأشار لذلك صاحب الجواهر حيث قال : " كما أنك عرفت في الأصول استفادة العلم الضروري من المتواتر الذي هو كعلم المشاهدة "
ولكن هذا المعنى للعلم هو المراد من الوثوق والاطمئنان الذي يستقبح ويستهجن العرف احتمال خلافه ، وليس هو القطع والعلم الحاصل من المتواتر ، ومثل هذا الوثوق هو ملاك حجية الخبر الواحد واعتباره ـ كما يذكر ذلك الشيخ الأنصاري في الرسائل ـ فلا يبقى فرق بينه وبين الخبر المتواتر ، وقد ذكرنا تصريح وتأكيد العلماء على أن التواتر من قبيل الضروريات.
ولكن يحتمل أن يريد الراقي من العلم ، ليس الجزم العقلي ، بل الجزم العادي ، وبذلك يتوافق مع سائر آراء العلماء في هذا المجال ، وأن بقاء احتمال الخلاف في التواتر بالنظر العقلي ، لا في النظر العرفي وفي حدود العادة.
ولكن نرى العلماء يضيفون لتعريف التواتر « يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب » أو « أنه يفيد العلم بصدقه عادة » ، يقول في الفصول : « بل المدار على إفادته للعلم عادة » ، فما مقصودهم من « العادة » هنا ؟
لعل مرادهم من هذا التعبير يظهر من خلال فكرتين هما:
1 ـ إن المعتبر في تحقق التواتر وصدقه على الخبر هو علم الفرد العادي لا الفرد غير العادي ، فإن هذا العدد من الرواة بهذه الخصائص لو حصل لكل إنسان عادي لحصل له القطع بوقوع المخبر به من نفس الكثرة العددية ، بحيث يكون لأخبار هذا العدد ملازمة عادة ونوعا مع وقوع المخبر به وحصول القطع به ، وهذا يعبر عنه ب " الملازمة العادية "
2 ـ إنهم يفرقون بين الاستحالة العادية والاستحالة العقلية الذاتية ، ويمثل للاستحالة العقلية باجتماع النقيضين ، حيث يكون ممتنعا في ذاته ، وأن العقل ـ بما هو عقل ـ يحكم باستحالة ، وأما الاستحالة العادية فيمثل لها بالطيران في الهواء بدون واسطة ، أو الصعود إلى السطح بدون سلم ، فإنه وإن أمكن عقلا وفي ذاته ، إلا أنه غير ممكن عقلا في نطاق العادة وحدودها .
والخبر المتواتر مفيد لليقين عادة ، أي في حدود العادة لا يخطر احتمال الخلاف ، وفي حدود العادة يقطع بصدق الخبر المتواتر ، وإن هناك ملازمة عادية قطعية يحكم بها العقل ، بين الخبر والخبر عنه ، ولكن هذا لا ينفي احتمال الخلاف في العقل ، بما هو عقل مجردا عن ملاحظة العادة وفي ذاته وواقعه ، ولكن بملاحظة العادة ينتفي احتمال الخلاف تماما وبالمرة ، كما في تعبيراتهم ، فليس احتمال الحلاف مستحيلا في ذاته وواقعه كاجتماع النقيضين ، وإنها استحالته في الخبر المتواتر في حدود العادة.


عدد الرواة
وهل يشترط في تحقق التواتر عدد معين ، أم لا يشترط ذلك ؟ فهل أن العدد إنما يعتبر في الخبر المتواتر لأنه طريق لإفادة العلم ، فلا يشترط عدد معين ، بل المقياس كل عدد يفيد اليقين ، أو أن هناك عددا معينا في الخبر المتواتر يشترط توفره ، دون أن يقل الرواة عن هذا العدد.
ذهب البعض إلى تعيين عدد خاص في تحقق التواتر ، فلو قل الرواة عن ذلك العدد لم يصدق التواتر ، ثم اختلف هؤلاء في تحديد هذا العدد ، على أقوال كثيرة ، ننقل هنا بعضها :

1 ـ أن يكون عددهم اثني عشر ، عدد نقباء بني إسرائيل ، واستشهد له بالآية الشريفة : "وبعثنا منهم أثني عشر نقيبا "
2 ـ أن يكون عددهم عشرين ، بدليل الآية الشريفة : " وإن يكن منكم عشرون صابرون".
3 ـ أن يكون عددهم سبعين ، عدد ما اختار موسى ـ عليه السلام ـ من قومه ، بدليل الآية الشريفة : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا".
4 ـ أن يكون عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر ، عدد أهل بدر.
5 ـ أن يكون عددهم ( 1700 ) بعدد أصحاب بيعة الرضوان.
إلى غير ذلك من الأقوال.
ويقول في القوانين :" وحججهم ركيكة واهية لا تليق بالذكر ، فلا نطيل بذكرها وذكر ما فيها ، والحق أنه لا يشترط فيه عدد ، وهو مختار الأكثرين ، فالمعيار هو ما حصل العلم بسبب كثرتهم ، وهو يختلف باختلاف الموارد ، فرب عدد يوجب القطع في موضع دون الآخر ".
إذا ، فلو كانت قيمة التواتر معتمدة على إفادة العلم واليقين ، فالمقياس هو العلم من أي عدد حصل ، ومن هنا ذكروا أن لخصوصيات الرواة وصفاتهم أثرها في سرعة حصول العلم وبطئه ، فهناك فرق بين أفراد ثقات وغير ثقات ينقلون الخبر ، فإنه ربما حصل العلم بإخبار عدد أقل من الثقات ، بينما لا يحصل العلم بمثل هذا العدد من غيرهم ، بل يلزم أن يكون عددهم أكثر ، فلو كان يشترط عدد معين ، لوجب الالتزام به ، ولا تأثير لخصوصيات الأفراد وصفاتهم في ذلك ، بينما الوجدان حاكم بالفرق بين الحالتين من حيث حصول العلم.

أقسام التواتر
ذكرت تقسيمات عديدة للتواتر ، ولكن نذكر هنا ثلاثة أقسام منها ولعل التقسيمات الأخرى داخلة فيها :
1 ـ التواتر اللفظي : وهو أن يتفق جميع الرواة الذين يمتنع تواطؤهم على الكذب في سلسلة السند على نقل رواية بألفاظ معينة أو مرادفة لها ـ كما ذكره البعض ـ دون اختلاف بينهم في النقل ، وبذلك يحصل العلم بذلك المتن الواحد ، ومثل له ببعض الروايات عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والأئمة ـ عليهم السلام ـ مثل قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : « إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » حيث حصل التواتر بين المسلمين في صدور هذا الكلام من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ.
وقد يقطع بصدور الكلام ولكن يختلف في مضمونه كالحديث النبوي الشريف : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » فهذا المتن متواتر بين المسلمين ، وأنه نطق به الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ولكن اختلف البعض في مضمونه ، وفي معنى « المولى » ،
وقد أنكر البعض وجود المتواتر اللفظي في الروايات.
2 ـ المتواتر المعنوي : أن يتفق الجميع على نقل المدلول والمضمون الواحد ، وإن اختلفت الألفاظ الدالة على ذلك المدلول الواحد ، سواء كانت دلالتها على ذلك المدلول الواحد المشترك بالدلالة المطابقة أو التضمنية أو الالتزامية ، ومثل له بالأخبار التي تخبر عن شجاعة الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ، حيث تنقل حروبه وحكايات بطولته بمختلف أساليب التعبير والقضايا عن ذلك اللازم الواحد وهو الشجاعة ، بحيث تفيد بمجموعها الجزم بتحقق ذلك.
فلا يشترط في التواتر المعنوي اتفاق الأخبار على المعنى الواحد ، فإن كل خبر يختلف بلفظه ومعناه المباشر عن الآخر ، ولكن كل الأخبار تدل على مدلول واحد ، تستهدفه وتقصده ، وكلها تدور حول محور واحد ، كما في أخبار الشجاعة ، فربما كان خبر منها ينقل حكاية تختلف عن الحكاية التي ينقلها الخبر الآخر فتختلف الأخبار بألفاظها ومعانيها ، ولكنها كلها تدور حول محور واحد وهو الشجاعة ، وتستهدفه وتدل عليه. إذا فكل خبر يحكي عن واقع ، وكل خبر وواقع ليس متواترا ومقطوعا في نفسه لأنه خبر واحد ، ولكن كل الأخبار والوقائع تدل على أمر ولازم واحد نقطع بثبوته خارجا .
3 ـ التواتر الإجمالي : بأن تنقل جماعة كبيرة أخبارا كثيرة متعددة مختلفة في اللفظ والمعنى والمدلول ، ولكن نتيقن بصدق بعضها ، فلا تخبر عن ألفاظ معينة أو مضمون واحد ، ولكن نتيقن بأن هذه الأخبار الكثيرة المختلفة لا يمكن أن تكون جميعها كاذبة ، بل لا بد أن يكون بعضها صادقا وصادرا ، ولكن هذا البعض المعلوم الصدق والصدور غير واضح ومتميز بشخصه ، بل إنه معلوم بالإجمال ، فنعلم إجمالا بصدق بعضها وإن لم يتحدد بعينه.
وهذه الظاهرة لا تختص بالروايات الشرعية المنقولة عن المعصومين ـ عليهم السلام ـ بل إنها تشمل الأخبار التاريخية والعرفية أيضا ، فلو نقل ألف شخص أخبارا متعددة ، مختلفة في مدلولاتها ، وكل واحد منها لا يفيد الجزم بصدقه لوحده ، ولكن نعلم إجمالا بأن البعض منها صادق ، إذ لا يمكن أن تكون كل الأخبار المنقولة من الصباح والمساء كاذبة ، ولا يمكن أن يتفق الجميع مع كثرتهم واختلافهم على الكذب أو الخطأ عادة ، إذا فيكون بعضها صادقا وإن لم نحدده.
وأخيرا أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وإن حصل نقص أو خطأ فأفيدوني بارك الله فيكم.
في انتظار الردود للأهمية وشكرا.
 
إنضم
15 ديسمبر 2009
المشاركات
2
التخصص
أصول فقه
المدينة
صنعاء
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دراسة حول الخبر المتواتر.

المثال الذي ذكر على التواتر اللفظي مدعاة للعجب !!!
 
أعلى