رد: دروس في المقاصد الشرعية
ثانيا : ومن لوازم أدلة المعقول :
1- إذا كان وضع الأحكام لضبط أفعال المكلفين ، فإنه من لوازم ذلك القصد إلى إيقاعها على سبيل الدوام أو تقرير وجودها . بل إن نوط التشريع بالضبط والتحديد تارة، وبكراهية التحديد تارة أخرى شاهد على ما لزم عقلا، لأن العقلاء اتفقوا على أن نصب الحدود وإرسالها هو في مظنة التزامها والوقوف عندها. 2- ومن القواعد المقررة أن َّ الشرائع إنما جيء بها لمصالح العباد , فالأوامر والنواهي راجعة إلى حفظ مصلحة المكلَّف وحظه ...وقصد المصالح في التشريع قصد إلى امتثاله و إيقاع أحكامه على الدوام حال وجود المقتضى. 3- وفي تعليق الأحكام بأوقات محددة ترتيب القصد إلى إيقاعها وفق ما حدّ لمصلحة مرجوة وان لم تكن معتبرة أو معقولة المعنى تفصيلاً. 4- كما أنَّ أحكام الشريعة تنزلت على مقتضى المعهود من لسان العرب تحصيلاً لقصد فهم الخطاب ثم امتثاله. على معنى:أنَّ الإيقاع غاية مترتبة على الفهم ؛ وهو ما يلتمس من خاصية وضع الشريعة للتكليف بمقتضاها , ورفع المشقة عن المكلفين فيها , ووضعها على الوسط العدل الداخل تحت كسب العبد .
5- ومن أدلة اقتضاء المندوبات للأحكام التكليفية , أن العقل والشرع يمنعان من ترك المندوبات استصلاحاً ونظراً , لا عزما وجزما من حيث الجزء , ويمنعان من تركها من حيث الكل جزما , لأن المندوب ممنوع من تركه بالإضافة إلى طلب ثوابه المرتب عليه , إذ ليس ثواب من ترك المندوبات كثواب من فعلها ، ولأن الدوام أو التظاهر على تركها يُرَتب إثما .... وهو ما يندرج تحت مسمى الكلية والجزئية . والمحظور في امتثال المندوب اعتقاد الوجوب . 6- الكلية والجزئية : اقتضت حكمة التشريع أن تتعدد وجود الأحكام في عين المسألة لاعتبارات تحقيق الصلاح ودرء الفساد عن المكلفيين. وتعد منظومة الكلية والجزئية من الشواهد العظيمة على صدق تعاور الأحكام بهذه الإضافة, ولهذا وجب علينا أن نحقق في هذا الباب لينسجم الاستدلال ، ونبلغ فيه النِّصاب.
أن التشريع منهج كلي من حيث حقيقته وخصائصه ومقاصده المتَشَوّفَة, تحصيلاً لغاية استغراق المكلفين حالاً و مآلاً ، وملامسة لمزية التعميم اللازمة للصلاحية والمرونة . وهذا المنهج يطرد وموارد الشرع حتى لا تقوى المسالك الجزئية المتناثرة على مصادمة القصد الكلي لسببين :
السبب الأول :كونها سيقت لبيان الوجه الأمثل في استنباط الأحكام حال تعذر الاحتكام.
السبب الثاني:كونها سيقت للإجابة على أعيان المسائل.
ومعلوم بالاستقراء أن السبب الأول على وفق المقصد الأصلي, والثاني على وفق القصد الثاني .
وعليه : فلا تطعن الآحاد إن عرضت للكلي لعدم انتظامها كُلِية ، كما أن إيراد الجزئي لا يناقض الكلي إذا اختلف الاعتبار . هذا وقد ترددت هذه المعاني بتردد الزمان والمكان والأشخاص ؛ فلم نقف من حيث البقعة التشريعية إلا على مدينتين ، ولم يقم الشارع إلا بمكة و المدينة، و من خصائص الأحكام المكّيّة البيانات الكلية والإجمالية، وعلى النقيض سيقت الأحكام المدنية.
هذا ما تقرر في غالب الأحوال ؛ لأنَّ دوام الحالِ من المحالِ ، والحكم على مقتضى ما غلب ...
وباعتبار الزمان : فثمة عدول من تكريس الأصول إلى جلب القواعد حالاً و مآلاً, تحقيقاً لقاعدة العموم التي تجلبها قواعد رفع الحرج والتيسير وابتغاء المصالح ودرء المفاسد.
وباعتبار الأشخاص : تعلق الشارع بالمعاني الإضافية ونبذ المعاني الذاتية ؛ حتى لا تتحتم الأحكام على الأعيان ، لأنّ النّاس فيما يعشقون مذاهب ...
وقد يتعلق الناظر إن طلب مزيدا في طمأنينة الظن بالقطعية للتمييز بين الكلية والجزئية متذرعا بالاستقراء ، وقد يلتمس - للمقارنة – صفة الفوقية لتأكيد الظهور والاستعلاء . ثم إنَّ المتأمل الألمعي قد يقف عند تلك الازدواجية في عين مسألة واحدة مع صون كلامه عن العبث والتناقض ؛ و ذلك بجلب اعتبارات الدوام وعدمه ، أو الغرم ومردوده ، أو الحال ومآله ، أوالفرد واجتماعه ، أو الهدف ووسيلته ، أو الآحاد وتواتره ، أو باعتبار القواعد المتعلق بها .....
ولهذه الفلسفة طائفة من الأسرار والمقاصد يؤمها :
1- استثمار أدوات النظر لتحصيل هذا المركب الشرعي . 2- رفع العنت والمشقات 3- العموم والاستغراق التكليفي 4- المرونة والصلاحية 5- ولما كان غرض العلوم الإعمال ، فإن تحصيل الخطاب بأوصافه يقتضي تنزيله واستثماره وفق المنهج المقصود . هذه ديباجة مجملة يتقرر تصويرها ضبطاً ومثلاً وجلبا للدليل على صحتها ؛ تربصا بمرحلة ترجمتها :
ولبيان ذلك انتخبت للإفادة المنهج التالي : أتحدث في المحور الأول عن خصائص التشريع ، وأثني بالحديث عن الكلية والجزئية تصويرا وتمثيلا واستدلالاً ، ثم أعتكف على بيان مقاصد هذه الوجهة مع تحصيل منهج عام يعمل فيه الفكر تلك القواعد المبتكرة والأصول المستوفاة .
المقدمة1 : ردّ العقول إلى صريح المنقول : و ترجمة ذلك بـ : لو كان الدين يؤخذ بالرأي ، لكان أسفل الخف أولى بالمسح .
-وفيه تجلى الخطاب ومقصوده وفق منقولات قرآنية ونبوية جمعت بين المتماثلات وفرقت بين المختلفات تارة ، و في كثير من الصور قطعت المسائل عن نظائرها , وألحقت الأخرى بأضدادها ونقائضها لحكمة جلية أو خفية تهوي إليها أسبابها وأوصافها بجعل الشارع لها مسمى للسببية أو الوصفية .....
ولا يرقى العقل في هذه المواطن أن يدفع المجموع أو يجمع المدفوع ؛ لأن حجة الرد ّتهافتت بدليل صحة النقول وتواترها.
ولو تفرد العقل بالعقد والنقل ، لقلب الحقائق وخلط الأحكام والحكم .
- ولو تصرف العقل في النقل قصراً وتعديةً من غير التزام وإحكام ، لعد مضاهيا للشارع بحصر أو إلحاق ما لم يكن مقصودا . - ولا يمكن للخصم أن ينازع بقواعد الأصوليين القاضية بخلاف هذا القضاء . حيث قيل عندهم : بأن الوصف المناسب الجلي الذي يسبق إليه الفهم عند ذكر النص يصحح التصرف في النص تخصيصا وزيادة عليه .
وترجموا هذا الإشكال – بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقضي القاضي وهو غضبان"[1].
فمنعوا القضاء مع جميع المشَوِّشَات(لأجل معنى التشويش ) وأجازوا مع ما لا يشوش من الغضب . وها هنا تصرف بمقتضى العقل في النقل من غير توقف وهو خلاف ما أصل .
الجواب : 1- أن العقل اهتدى إلى ذلك بالأدلة الشرعية .
2- أن إلحاق كل مشوش بالغضب من باب القياس ؛ و إلحاق المسكوت بالمنطوق سائغ.
3- أن تخصيص النص بالغضب اليسير ، فليس من تحكيم العقل بل من فهم معنى التشويش , ومعلوم أن الغضب اليسير غير مشوش , فجاز القضاء مع وجوده باعتبار عدم القصد .
4- أن مطلق الغضب يتناوله اللفظ لكن خصصه المعنى وقد نقول دون تخصيص المعنى، فلفظ غضبان على وزن فعلان و هو يقتضي الامتلاء مما اشتق منه أي الممتلئ غضبا ولا يستعمل في مطلق ما اشتق منه ؛ فكأن الشرع نهى عن قضاء الممتلئ غضبا فخرج اليسير [SUP]
([SUP][2][/SUP])[/SUP]
.
5- و يعضد ذلك " لا طلاق في إغلاق "[3].
فالحاصل أنَّ العقل يسترشد بأدوات نقلية ، فيهتدي إلى الأحكام المقصودة في الشرع .
وهذه خاصية لازمة عن المقدمة الأولى حيث تقتضي إبطال عدم الارتباط بين المبلغ والمُقَّرِر من حيث الابتداء والانتهاء ، و نقد المناهضة مرتبط باستبداد العقل عن قيد الجزئية والكلية ، وهذه وجهة من جعل أدوات النظر حاكماً مستقلاً .
اختلاف الأحكام باختلاف الاعتبار "حيث لا تناقض " .
تقرر عند العقلاء – دفع العبث عن كل ذي مسكة حال محاكمة أحكامه ، والمنهج المعتبر في دفع تلك المفسدة التعلق بتعدد الاعتبارات من حيث الزمان ، والمكان، والشرط ، والإضافة والكل ، والجزء ، والقوة والفعل .....وهذا التذرع عينه يلتمس في توجيه ما انقدح من تعارض في الأحكام الشرعية بزيادة قيد القصد و لتشوف.
و إثبات ذلك بالمسالك التي وقتها النظر تواتراً وقطعاً .
وهذه وظيفة عقلية بمعاشرة شرعية يتشبع العقل فيها بالكليات بله الجزئيات ,ويتسع الخيال فيها ليلج إلى روح التشريع لتخليص المعاني الخفية ...و أهل التكليف في هذا القدر على درجات ترجمها تلاميذ أبي حنيفة بقولهم " كنا ننازعه الأقيسة " فإذا قال : " أستحسن " سكت الجميع .
والعموم في قاعدة اختلاف الأحكام باختلاف الاعتبار غير مقصود , لأن الأحكام من حيث التغيير على قسمين : متغيرة لوجود ما يقتضي , وثابتة وإن تغير الزمان والمكان ، والأصل في هذا التبيان الذاتية والنسبية في تقرير أو تغيير الأحكام .
ويحدها اعتبار اختلاف الدار , والزمان ، والشخص, والتعلق , والقواعد والغايات , والوسائل .....وبيان ذلك :
أولاً : اختلاف الأحكام باختلاف الديار :
وفي هذا القدر تجلب البيئة والوعاء المكاني الذي انصهرت فيه الأحكام مع بيان درجة التأثير و الثأثر بين الحكم والمقام الذي قيل فيه,والتفاعل في جلب ودفع الخصائص .
على معنى : أنَّ التشريع راعى الفطرة المكانية في إنشاء الأحكام فأقبل على الموروث التراثي فاحتضنه وزَينَّه و ألغى ما تعلق به من مفاسد وأوهام وتخيلات , فتحقق مسمى الاعتبار والإلغاء والإرسال ، وتمت الموازنة بين مقام الربوبية ومقام الحظوظ التكليفية ، ولفت الشرع إلى مدينتي التشريع (مكة –المدينة ) وخص كلاَّمنهما بجملة من الفضائل .
فقال في مكة : 1- "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله "[SUP]
([SUP][4][/SUP])[/SUP]
.
وقال في المدينة : 1- " إنَّ الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها "[5]
2- - " إنَّ المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد"[6]
- و سيقت الأحكام في مكة مجملة وكلية ، وفي المدينة مبينة ومفصلة وناسخة ..هذا على مقتضى ما غلب .
على معنى : أن مكة اختصت بتقرير القواعد العامة والكليات الشرعية ، وترجمت المدينة ذلك المسمى فاختلف المنهج التشريعي من الكلية إلى الجزئية ، لما اقتضته مصلحة تمهيد الأحكام وتقرير القواعد قبل الإلزامات التفصيلية .
قال الشاطبي : " إعلم أنَّ القواعد الكلية هي الموضوعة أولاً , والذي نزل بها القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم – بمكة ثم تبعها أشياء بالمدينة , كملت بها تلك القواعد التي وضع أصلها بمكة ....[SUP]
([SUP][7][/SUP])[/SUP]
والذي يؤكد تلك الحقيقة أنَّ النسخ إنما وقع معظمه بالمدينة[SUP]
([SUP][8][/SUP])[/SUP]
.
ويجب أن تجزم بأن ما وقع لا يورث تناقضا في أصل الخطاب ، لأنه موضوع على الدوام ؛ وإنما وجد هذا التباين لاختلاف الاعتبار ومرونة المعتبر ، وإن خرجت الأحكام من أصل فإنها داخلة في أصل آخر .
فسقوط التكليف عن الصبي قبل البلوغ ثم ثبوته بعده ليس باختلاف في الخطاب.
ولك أن تمثل للمكلفين في مكة والمدينة بالبلوغ وعدمه .
ثانيا : اختلاف الأحكام باختلاف الأزمان : (نظرية المآل)
فقد يكون الفعل مشروعا لمصلحة فيه تجلب أو لمفسدة تدرأ ولكن المآل على خلاف ذلك .
و قد يكون الفعل ممنوعا شرعا لمفسدة تنشأ أو مصلحة تندفع به و لكن له مآل على خلاف ذلك.
وعليه : فإذا أطلق القول بالمشروعية في القسم الأول ، فربما أدى ذلك إلى استجلاب مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها ؛ فيكون هذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية .
وإذا أطلق القول في القسم الثاني بعدم المشروعية , لربما أدىاستدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد , فلا يصح القول بعدم المشروعية .
وعليه : فإنَّ هناك اختلافا في توصيف الحكم باعتبار الحال والمآل ولا تناقض لاختلاف الزمان , والحكم على مقتضى الموازنة بين المصلحة والمفسدة في العمل الواحد.
ثالثا :اختلاف الأحكام باختلاف الأشخاص:
ويتجلى في هذا القدر قاعدة تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ,واستثناء أرباب التكليف بخاصية الإخراج من المبدأ العام , وتتجلى قاعدة نبذ الإغراق في القياس المخالف للمنهج , وقاعدة العموم الملتمس من الخصوص , واختلاف الحكم باختلاف الإفراد و الاجتماع , والإناث والذكران , والعبيد والأحرار ......ويمثل لذلك بقول ابن عباس – رضي الله عنهما – راوي الحديث – " من بدل دينه فاقتلوه"[9] .
بقوله: في النساء " إذا ارتددن لا يقتلن "[10]
وقاعدة الاستحسان ترجمة لهذا القيل.
رابعا : اختلاف الأحكام باختلاف الكلية والجزئية :
إنَّ ازدواجية التشريع الكلية والجزئية تعتري عموم المسائل , وقد تشترك في عين مسألة واحدة . و إنَّ الأحكام تتوزع على أنحاء بتنوع هؤلاء المدركين .
ولهذا الترديد أصل يُجَسِّده ، حاصله : تعذر المصالح المحضة إلا باعتبار تعلق خطاب الشرع على التسليم به .
تحرير ذلك : أنَّ مشروعية الأفعال على مقتضى ما غلب عليه من الوصفين (الصلاح والفساد).
- فالكلية منتجة ما ظهر وصف الإقدام فيها وترجح وإلا ثمة العدول . - والجزئية منتجة ما ترجح فيها وصف الإقدام وإلا ثمة العدول ، وهذه المرونة في تكريس الكلية أو العدول إلى الجزئية – شاهدة على أنَّ المنفعة المحضة عزيزة الوجود وكذا المفسدة المحضة إلا من حيث تعلق الخطاب أو في عرف ابن عاشور . - وإذا أردنا أن نترجم لهذه الفلسفة ، فبما يلي: 1- الظني بالجزء القطعي بالكل : والآحاد بالجزء متواتر معنا بالكل : وفيه نقرر منهجا تناثرت ذيوله في الموسوعات الفقهية والحديثة ,حيث كثر الاستدلال على عين المسألة الواحدة .
ومن نماذج ذلك : مسائل القاضي البغدادي (عبد الوهاب)قال : " و إنما أوجبنا القطع من الكوع خلافا لمن يقول من الأصابع والإبط – لقوله تعالى : ﭽ [FONT=QCF_P114]ﭟ[/FONT][FONT=QCF_P114]ﭠ[/FONT][FONT=QCF_P114]ﭡ[/FONT][FONT=QCF_P114]ﭢ[/FONT]ﭼالمائدة: ٣٨والأخذ بأوائل الأسماء واجب .
- ومن قطع من الكوع سمي مقطوع اليد ولا يسمى بذلك من قطعت أصابعه . - ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك . - والسلف بعده " [SUP]
([SUP][11][/SUP])[/SUP]
وما كثرةُ الاستدلال عند الفقهاء إلاَّ للتأكيد على درجة القطع التي يفيدها الاجتماع لا الافتراق في مواطن إفحام الخصوم عل معنى :أن قصر المسألة على حجة واحدة ينتج ظناً وتعليقها بالمجموع يحقق قطعاً
*وعمد الفقهاء إلى ابتكار فن القواعد الفقهية حيث الجمع بين الأشباه والنَّظائر تحت كلية واحدة , ومقاصدهم :
ب- إظهار الحكم التشريعية .
ج- وقد يكون من المقاصد – فيما ظهر – الاستدلال بالجزئيات الظنية على الأجناس القطعية , ليكون الجنس القطعي شاهدا على الفرع الظني .
وعليه فإن الجزئية ها هنا تورث ظنا من حيث ذاتها ، والكلية أنتجت قطعا من حيث إضافتها .
*وهو المنهج المقرر عند المحدثين في تبويباتهم وتراجمهم ، والناظر في أسفارهم يطلع على حيرة جلبت طائفة من المناهج فَقَد علموا أن تدوين السنة ضروري لحفظ الكليات الخمس ولكن تحيروا في طريقة الوضع ,فانتخب الإمام أحمد في مسنده توزيع السنن عل حسب أسماء الرواة , وارتفق غيره بالأبواب التي تهوي إليها فروع مشتركة , ليكون القدر الجامع بينها جنسا شاهداً و مؤذنا بقطعية نتيجته التي تمالأت عليها جزئيات كثيرة .
وعليه : فإن هذا التواتر الجزئي ظني من حيث ذاته قطعي من حيث إضافته .
*وهو المنهج الذي استثمره علماء المقاصد : في طرق تحصيل المراد .
- فوجدنا الشاطبي : يعتمد على مجرد الأوامر والنواهي الابتدائية التصريحية، و على علل الأوامر و النواهي , والمقاصد الأصلية والتابعة ،والسكوت لجلب مقاصد التشريع .
وذهب الطاهر ابن عاشور إلى ترجمة هذا المسلك : باستقراء علل الأحكام , والأحكام المعللة بعلة واحدة ، وأدلة القرآن الواضحة , والتواتر المعنوي ، والتواتر العملي لآحاد الصحابة , ومذاهب السلف والنظر إلى هذا الإبداع يجزم بوجود منهج ترقية الآحاد والظنون بتواتر العلل والأحكام , وبمحاسن الولوج والخروج.
استطاع هذا التيار بهذا الفهم أن يغير الكثير من الحقائق والمصطلحات. حيث وظف التعليل في الاستدلال , وانتقلت العلة من الوصفية في الحقل الأصولي إلى مسمى الدليل في فن المقاصد ، وطلب لهذا الأصل شاهد بالاعتبار من جنسه ومن غيره , وزهدوا في الآحاد الصحيح , ومذهب الصاحب حتى يخضعا إلي ميزان الترقية والتقوية إفادة للقطع الذي يحتم عليه الآحاد ومذاهب السلف.. . .
2- الضعف الذاتي والحسن الإضافي والحسن الذاتي والصحة الإضافية: من طرق تقوية الآثار والأخبار وضعها للاعتبار في حدود مصطلحات المحدثين وتعلقوا في ذلك بالشواهد والمتابعات لجلب أشرف المقامات والانتهاء عن الرضا بالنقص في كل حال .
وها هنا يرتقي الضعيف إلى درجة الحسن أو الصحة ويجمع ذلك عبارة الترمذي " هذا حديث حسن صحيح" ولا تناقض فيما قيل لأن الحديث في المقام الأول حسن لذاته وصحيح لغيره باعتبار المقام الثاني .
وعليه : فلا يضر أن يعتري الحديث وصفان :
أ- طلب المعالي ونشدان الكمال :ومن شواهده الشرعية والشعرية : قول الله تعالى :ﭽ [FONT=QCF_P460]ﮩ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮪ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮫ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮬ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮭ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮮ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮯ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮰ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﮱ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯓ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯔ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯕ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯖ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯗ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯘ[/FONT][FONT=QCF_P460]ﯙ[/FONT]ﭼالزمر: ١٨
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام.
وعليه فينبغي للعامل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه , فلو كان يتصور للآدمي صعود السّماوات لرأيت من أقبح النقائص الخلود إلى الأرض .
ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد , لرأيت المقصر في تحصيلها في الحضيض , غير أنه إذا لم يمكن ذلك فينبغي أن يطلب الممكن (الحكمة).
ب- السعي إلى ترقية الحجج إلى درجة اليقين. ج- تحريض أهل النظر لمزاولة هذه الموارد.
3- العدول من المنع إلى الجواز حال اتحاد الأعيان واختلاف التعلقات :
لقد تعلقت المدونات الأصولية في تمثيلها للمصالح الملغاة – بفتوى يحيى
بن يحيى القاضية بصوم شهرين متتابعين للملك الذي واقع أهله في شهر رمضان .
حيث ردت هذه الفتوى لأنه دل دليل جزئي على إلغائها . وتعلق الإمام فيها بتحقق معنى الانزجار الذي لايسعفه الإطعام أو عتق الرقاب .
بينما نجد موافقة أصولية لفتوى عيسى بن أبان لملك خرسان رغم مماثلتها لفتوى يحيى . و المنبت ينسب التناقض إلى هذين النقلين , والمنعم يرفعه باختلاف التعلق على معنى : أن مدرك من أجيز : هو أنّ الملك فقير باعتباره أمينا على ثروة الأمة , ولا يملك شيئا فيتعين في حقه الصيام . ثم إنَّ فلسفة العدول على الأقسام كثيرة : منها :
1- العدول من العزائم إلى الرخص مع اتحاد المسائل : 2- العدول من الحرمة إلى الوجوب أكل الميتة بقدر سد الرمق) ترجمة ذلك " فمن اضطر غير باغ ولا عادٍ فلا إثم عليه "
3- العدول من الوجوب إلى الحرمة : ترجمة ذلك ( الصلاة في الدار المغصوبة ) 4- العدول من الندب إلى الوجوب المندوب بالجزء واجب بالكل ) وفلسفة ذلك أن يحافظ المكلف على السنن من حيث الوجود والعدم
1- من حيث الوجود :لا بد من تحقيق مسمى السنية بالفعل والترك . 2- من حيث العدم : لا بد من المحافظة على السنن حتى لا ينعدم مسماها . وعليه : المخالفة تكون من وجهين :
الوجه الأول : الدوام على الفعل دون الترك , وثمة الابتداع المخالف لمقصود الشرع .
الوجه الثاني: الدوام على الترك دون الفعل : وثمة الإثم لمخالفة مقصود الشرع وموافقة مقصود الشرع واجبة , ومخالفة مقصود الشرع محرمة ,لهذا يستحق المكلف إثما على مخالفة مقصود الشرع وإلغاء مسمى السنية ( في الفعل و الترك).
وعليه فالوجوب في ترك السنة لا يناقض كونها سنة .
5- العدول من الكراهة إلى الحرمة : قد يرتقي المكروه إلى الحرمة إذا تعلق بقاعدة الاحتياط .
4*****- اختلاف الأحكام باعتبار القواعد المتعلقة بها مع اتحاد الأعيان :
القياس يقتضي الحاق العرية بالربا
رفع الحرج يقتضي قطع العرية عن الربا ( تعلقا بقاعدة الحرج و قاعدة الورع و القياس و سد الذرائع و مراعاة الخلاف ).
فالقياس يقتضي ابطالا و مراعاة الخلاف تجويزا.
القياس يقتضي تجويزا و الورع يقتضي احتياطا و منعا.
القياس يقتضي جوازا و سد الذرائع يقتضي منعا.
5-اختلاف الحكم على الغاية باختلاف الوسيلة
6-اختلاف الحكم على الوسيلة باختلاف الحكم على الغاية
تنبيه : سأعيد النظر في هذا النص تباعا
[1]- المنتقى لابن الجارود ب:ما جاء في الأحكام ح 997 ج 1 ص 250 ومعناه في صحيح البخاري ك: الأحكام ب: هل يقضي القاضي او يفتي وهو غضبان ح 6 ص 2616 و لفظه:"لا يقضين حكم بين اثنين و هو غضبان" ، صحيح ابن حبان ك: القضاء ب: ذكر الزجر عن أن يحكم الحاكم وحالته غير معتدلة في الاعتدال ح 5063 ج 11ص 449، سنن ابن ماجه ك: الأحكام ب : لا يحكم الحاكم وهو غضبان ح : 2316 ج 2 ص 776.
([2]) - الموافقات : 1/62 ,63.
[3]- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم عن عائشة بلفظ لا طلاق ولا عتاق في إغلاق كشف الخفاء ومزيل الألباس (2 / 366).
([4]) - دل هذا النص على فضيلة مكة والقدس ،و بالالتزام على فضيلة المدينة.
[5]- الجمع بين الصحيحين: محمد بن فتوح الحميدي ح2286، 3/73.
[6]- صحيح مسلم بشرح النووي: ح1381، 9/153.
([7]) - الموافقات : الشاطبي 3/73 وما بعدها .
([8]) - المصدر نفسه .
[9]- صحيح البخاري:ح2922، 9/15.
[10]- الدراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ 2/153.
([11]) - المعونة : 3/1424, 1425