العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

دفع القيمة في زكاة الفطر

إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
دفع القيمة في صدقة الفطر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن من أبرز المسائل التي يكثر الجدل والكلام فيها في عصرنا الحاضر هي إخراج زكاة الفطر من النقود، والخلاف فيها مشهور لا يخفى على أحد، غير أنه من الأمانة وتعميم النفع للمسلمين لا بد من أن أبيّن أبرز ما اسُتدل به في هذه المسألة لكلا القولين، دون تعصب لقول دون قول بل بالترجيح .
القول الأول، وهو وجوب إخراجها طعاما: وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد وقال به الظاهرية .
ومن أدلتهم .
عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ, صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى اَلْعَبْدِ وَالْحُرِّ, وَالذَّكَرِ, وَالْأُنْثَى, وَالصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ, وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ اَلنَّاسِ إِلَى اَلصَّلَاةِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَاعًا مِنْ طَعَامٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ). مُتَّفَقٌ عَلَيْه. وَفِي رِوَايَةٍ: (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اَللَّهِ .
وَعَنِ اِبنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اَللَّغْوِ, وَالرَّفَثِ, وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ, فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ, وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ اَلصَّدَقَاتِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَابْنُ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ اَلْحَاكِم.
ومن أدلتهم: أن إخراج زكاة الفطر من الطعام من جنس العبادة التي تلبس بها المسلم في رمضان، فقد كان تاركا للطعام بالصوم طيلة الشهر، فكان من المناسبة أن يشكر نعمة الله تعالى أن أحل له الفطر بأن يخرج شكر هذه النعمة طعاما، فكأن إخراجها طعاما فيه نوع تنسك وتعبّد، وليس مجرد نفع المسلم الفقير بإعطائه الصدقة.
قال الإمام أحمد لما سئل عن إخراجها من غير الطعام؟ قال: " أخاف ألا يجزئه، خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا مذهب مالك والشافعي.
وقال ابن حزم رحمه الله: " لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
القول الثاني: وهو جواز إخراجها بالقيمة نقودا، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري ورواية عند الحنابلة، و روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري .
ومن أدلتهم:
قال طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: "ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ".
عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: "إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ" فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: "فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ". وله رأيه رضي الله عنه .
والسبب لهذا الخلاف يرجع إلى اختلاف وجهات النظر في حقيقة الزكاة أصلاً ، هل هي عبادة وقربة لله تعالى أم هي حق مترتب في مال الأغنياء للفقراء ؟.
والذي يبدو من خلال دراسة مقاصد الشريعة أن الزكاة تحمل المعنيين وهذا يستنبط من حديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق والمروي عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم حيث قال : فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اَللَّغْوِ, وَالرَّفَثِ, وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ . فهي تطهّر الصائم وهذه الناحية التعبدية وما يتحقق فيها من القربة إليه عز وجل، وهي طُعمة للمساكين وهي الناحية التي يتحقق فيها النفع للمسكين الآخذ، والنفع يتحقق بالنقود ويتحقق بالإطعام حسب ظروف الزمان والمكان .
ولأن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء من قوله صلى الله عليه وسلم (أغنوهم-يعني المساكين- في هذا اليوم) والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام، وربما القيمة أفضل والمال أنفع لبعضهم من الطعام فيعد في ذلك حال الفقير في كل بلد، ليعم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، وهذا المعنى لا يحصل اليوم بإخراج الحب الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة، ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم حتى لو أرادوا اقتياته على خلاف العادة.
ولأن كثيرا من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه في يومه أو غده بأقل من ثمنه، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثل ، فيجب علينا أن ننظر بعمق في مقاصد الشريعة وأن نحرّك المسائل تحريكاً يعطيها الأثر والثمرة والفائدة المرجوّة .
ولقد رأينا عياناً كيف حال المساكين من المسلمين في مكة والمدينة في صبيحة يوم الفطر عندما تتكدّس الحبوب من الأرز ثم يضطر إلى بيعه للتاجر بالثمن الأقل وربما يبيعه لنفس الشخص الذي أعطاه زكاة الفطر، فالمسكين لا هو انتفع بالطعام ولا انتفع بالقيمة، ومن زاوية أخرى قد يحصل أن يعود النفع على المزكي الذي أعطى واشترى أقول ربما .
وكما ذكر ابن المنذر أن الصحابة أجازوا إخراج نصف الصاع من القمح لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير، ولهذا قال معاوية : إني لأرى مدّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من التمر .
أخرج ابن أبي شيبة عن وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في زكاة الفطر: (نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم ) لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر.
وعن الحسن كما في مصنف ابن أبي شيبة أيضاً قال : لا بأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر .
وفيه كذلك عن عطاء أنه كان يعطي في صدقة الفطر وَرِقاً (دراهم فضية) .
قال أبو إسحاق السبيعي:" أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام ".
ويبدو أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الطعام لندرة النقود عندهم في ذلك الحين وهذا يتضح لنا حتى منذ زمن ليس بالبعيد كيف كان الناس يتعاملون بالمقايضة بالطعام بالبيع والشراء في بعض الأحيان وحتى في مقابل التعليم كما كان في الكتاتيب ولاسيما البوادي والقرى، وخصوصاً الفقراء، فلو أمر بإعطاء النقود في الزَّكَاة المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية، ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق، والطعام، أما الطعام فإنه متيسر للجميع، ولا يخلو منه منزل إلا من بلغ به الفقر منتهاه، فكان من أعظم المصالح، وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده، وإخراجه لكل الناس، فكان إعطاء الطعام أيسر على الناس. ثم إن قيمة النقود تتغير قوتها الشرائية من زمن إلى زمن بخلاف الصاع من قوت أهل البلد فإنه يشبع حاجة بشرية محدودة كما أن الطعام كان في ذلك العصر أيسر على المعطي وأنفع للآخذ .
وتحريكاً للمسألة فقد اختلف الحنفية أيهما أفضل: دفع القيمة أم إخراج المنصوص عليه ؟ فقال بعضهم: دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها، سواء أكانت أيام شدة أم لا, لأن في هذا موافقة للسنَّة . وفصّل آخرون فقالوا: إذا كان الزمن زمن شدة وأزمة في الأقوات، فدفع العَين –الحنطة- أفضل وأما في أوقات السعة والرخاء فدفع القيمة أفضل لأنها أعون على دفع الحاجة .
من هذا يتضح أن المدار في الأفضلية على مدى انتفاع الفقير بما يُدفع له، فإن كان انتفاعه بالطعام أكثر دفعه أفضل، وإن كان انتفاعه بالنقود أكثر كان دفعها أفضل .
وإنه من التيسير المطلوب ضرورة الاعتراف بالتغير الذي يطرأ على الناس ، سواء سببه فساد الزمان كما عبّر الفقهاء، أو تطور المجتمع، أو وجود الضرورات، ومن ثمّ أجاز الفقهاء تغيير الفتوى بتغيّر الزمان والمكان والحال، مستدلين بهدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين الذي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نهتدي بهديهم ونعضّ على سنتهم بالنواجذ، وهو ما دلَّ عيه الكتاب والسنة، فقد قال الله تعالى {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً} وقال تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقال تعالى {وما جعل عليكم في الدين من حرج}. وروى البخاري وأحمد وغيرهما عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال (خير دينكم أيسره) ، وفي الحديث المتفق عليه عن عائشة رضي الله عنها : ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإذا كان إثماً كان أبعد الناس عنه). وعن أحمد وابن حبان والبيهقي عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته). وفي هذا المقام يتأكد ترجيح الرخصة واختيار التيسير وكلما ظهرت الحاجة إليها لضعف أو مرض أو شيخوخة أو عجز أو شدة مشقة..
فمراعاة المصالح من أعظم أصول الشريعة، وحيثما دارت تدور معها، فالشريعة كلها مبنية على المصالح ودرء المفاسد.
فلا داعي إلى التنطّع الممقوت وتصنيف الناس إلى جاهل وعالم ومخطئ ومصيب ما دام هناك سعة ويسر أمر به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وما دام هناك قول بالجواز، روى مسلم عن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال (هلك المتنطّعون. قالها ثلاثا). والمتنطّعون المتعمقون المشددّون في غير موضع التشديد. وروى البخاري والنسائي عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسددّوا وقاربوا وأبشروا واستيعنوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة) ورواية للبخاري (سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، القصد القصد تبلغوا). هذا والله أعلم وأحكم.
والحمد لله رب العالمين
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: دفع القيمة في زكاة الفطر

للرفع
 
إنضم
21 مايو 2009
المشاركات
116
الجنس
ذكر
الكنية
أبو البراء
التخصص
الفقه وأصوله
الدولة
الأردن
المدينة
عمّان
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: دفع القيمة في زكاة الفطر

بوركتم أيها الأحبة
 
أعلى