رد: دواعي وأهداف وأسس الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين
أولا: قضية الحوار في ذاتها قضية هامة مع سائر الطوائف والمذاهب والأفكار وهي باب للدعوة وللتعريف بالدين .
ثانيا : المادة التي ذكرها الدكتور محمد عمارة هي مادة نظرية يمكن الاستفادة بشئ منها في التأصيل للحوار بين الإسلاميين وغيرهم ولكن التطبيقات التي ذكرها الدكتور بعيدة عن الصواب فإذا أردنا تطبيق هذا التقسيم الثلاثي علي الواقع الفكري والسياسي سنجد أن الوطنيين والقوميين شأنهم شأن القسم الأول معادين لثوابت شرعية ليست من الفروع كما ادعي الدكتور وإنما هي من صميم لب الدين وأصوله , وقد جلت لنا الأحداث السياسية الأخيرة وجوه هؤلاء أكثر مما كنا نتصور من خلال تصريحاتهم التي أبدت الغث من أفكارهم المتصلة بأصول العقيدة وأصول الشريعة وليس كما زعم الدكتور أن الخلاف في الفروع.
ثالثا : أن القضايا التي يطلب الحوار بشأنها هي قضايا شرعية بحتة والمحاور بشأنها إما عالم وإما عامي
فإن كان عالما فلا يعقل أن يجادل في هذه القضايا الشرعية المحكمة وإلا كان متبعا لهواه
وإن كان من العوام قراءته قراءة ثقافية فيصعب أن تستدل له بأنواع الإستدلال لتبرهن علي صحة نسبة هذه الثوابت إلي الدين.
فإن قلت فكيف يبلغ الدين الناس وهو لا يبلغ عالما لهواه وجاهلا لمماراته ولازم ذلك عدم وجوب الدعوة وعدم إمكان نشر الدين
فالجواب أن سبيل العامي ليس النظر والإستدلال والمماراة والجدال وإنما الإتباع والإستفتاء فيما يعرض له من فتاوي .
ومحصلة القول أن الجدال مع العلمانيين لا يجدي إن كان مراده التقريب والوفاق وأما إن كان غرضه الدعوة والنصح فهذا شأن آخر .
رابعا : أعجب ما كتب في هذا المقال جعل ثمرة الحوار الاسلامي العلماني (ملامح للمشروع الاسلامي) وهذا كلام خطير
يقول الدكتور : "والحوار حولها وحول غيرها مما يماثلها لا يستهدف الوقوف عندها بقدر ما يستهدف تحقيق الوحدة أو التقارب حول جزئيات يمكن ويجب أن تكون فى النهاية ملامح سمات وقسمات المشروع الحضارى الإسلامى الذى لا غنى عن صياغته دليل عمل لكل العاملين فى حقل النهضة الإسلامية على اختلاف الاهتمامات والميادين والتخصصات".
إن المنهج الإسلامي لا يستقي جزئياته من حلول وسط علي طاولة مفاوضات وإنما مصدره الذي يستمد منه هذا التميز والاستقلال هو الوحي المعصوم وحتي ما يستتبع الوحي من إعمال آليات الإستنباط فهي تدور في فلك الوحي أيضا وحتي حالات مخالفة الشريعة لضرر أو ضرورة فهي مستمدة من الوحي منضبطة بضوابطه .
إن هذا الكلام إن كان له من فائدة فهي :
أننا إذا قبلنا بهذه النظرية (التوافقية) وجعلناها هي الاسلام فلا مانع من رفضها من آخرين أكثر تسامحا في ثوابت الدين التي تكون عند هؤلاء التوافقيين ليست ثوابت للدين مما يلجؤنا إلي نوع جديد من التوافق نتخلي فيه عن شئ مما تبقي من ثوابتنا تحت مسمي جديد يمكن أن يكون الإعتدال ثم تدور عجلة التنازل حتي يصبح الدين لادين .
إن أكبر مكسب للعلمانية أن تظفر من الاسلاميين بشئ , لأنك إن تنازلت لهم عن شئ لن يكون هناك فرق بين هذا وذاك إلا كم التنازلات , وحينها لن تكون لك أرض تنطلق منها وقضية تدفع عنها .
وقد عرض المشركون علي النبي صلي الله عليه وسلم مثل ذلك في العقيدة وفي الشريعة فأباهما علي السواء .
وإذا أردنا أن ننظر إلي هذه النظرية بعين الإنصاف فلن نجد لها أفضل من قسيم رابع للعلمانية تضاف إلي ثلاثية الأقسام التي ذكرها الدكتور والتي يجب علي المسلمين أن يقفوا منها موقف الحذر حتي لا تكون مدخلا لتمييع ثوابت الدين تحت ذرائع مختلفة لا تمت للدين بصلة .