العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

جديد دور علم أصول الفقه في توجيه الفكر وتدبير الاختلاف

إنضم
8 أبريل 2012
المشاركات
60
الكنية
كلية الامام الاعظم الجامعة
التخصص
أصول فقه
المدينة
سامراء
المذهب الفقهي
مالكي


دور علم أصول الفقه في توجيه الفكر وتدبير الاختلاف





بالاشتراك
أ . د . قاسم طه محمد د . إيهاب محمد جاسم


المقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإن علم أصول الفقه يعد أحد مفاخر المسلمين إذ قدم منهجية متكاملة لضمان حسن قراءة النصوص الشرعية ، والقيام بدور الوساطة المنهجية والعملية بين العقل البشري ونصوص الوحي الخالد .
كما أنه يقوم بتقريب حكم المسائل للباحث عنها ؛ فخدمة طالب العلم لهذا العلم ومعرفته يقتضي إلحاق الفروع بأصولها ورد الجزئيات إلى كلياتها ، وعدم الوقوع بالخلط بين بعضها .
ونحاول في هذا البحث بيان دور الدرس الأصولي في خلق بيئة عامة منفتحة ومنضبطة للتعامل مع اختلاف الأقوال بمعيار منضبط ، وكذا مجال التنزيل ؛ ببيان دوره في تدبير الاختلاف من خلال القواعد المنهجية التي يتضمنها علم أصول الفقه .
رأينا أن تكون مشاركتنا في هذا المؤتمر العلمي بهذا البحث الذي أسميناه (دور علم أصول الفقه في توجيه الفكر وتحديد الاختلاف ) ؛ وذلك لما لهذا العلم من دور في التقعيد لاحترام وجهات النظر ؛ وكان لفقه الأئمة ثروة تطبيقية تترجم لنا فلسفة علم أصول الفقه في ترشيد الاختلاف وتدبيره .
وقد رأينا أن نقسم مادة البحث على مبحثين :
خصصنا المبحث الأول للحديث عن المعالم المنهجية للدرس الأصولي في تدبير الاختلاف ، فرتبنا مادته على مطلبين .
إذ بينا في المطلب الأول أهمية حرية الاجتهاد لمن كان مؤهلاً ، وجاء المطلب الثاني لبيان دور علم أصول الفقه في تقديم منهجية نظرية لتدبير الاختلاف .
وأما المبحث الثاني فقد بينا فيه المجالات العلمية والعملية في تدبير الاختلاف .
فذكرنا في المطلب الأول سعة دائرة التأويل في علم أصول الفقه .
وأوضحنا في المطلب الثاني فلسفة التعليل في علم أصول الفقه .
وبينا في المطلب الثالث فلسفة التنزيل وكيفية ضبط مفهوم الواقع وتحديد ماهيته لضمان حسن تنزيل النص والقاعدة العامة على وجود مشخص حقيقي .
وجاءت الخاتمة لنسجل فيها بعض النتائج التي توصلنا إليها في هذا البحث



المبحث الأول : المعالم المنهجية لتدبير الاختلاف
المطلب الأول : حرية الاجتهاد
إن الاجتهاد في الشريعة يمثل أحد الروافد المنهجية التي تحاول تقديم الرؤية الشرعية للمسائل المستجدة أو ما يسمى بمنطقة الفراغ التشريعي ؛ وبما أن الاختلاف من طبيعة الأشياء ومن أجلى صوره جانباً للتميز والابداع قول ربنا سبحانه :{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءفاخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود } ([1])
وإن أسباب الاختلاف بعضها يرجع إلى فطرة الإنسان ، وبعضها يرجع إلى طبيعة الأدلة وما يحتف بها من أمور خارجة عنه إلا أن لها علاقة وطيدة بها .
فمن الأول يترجمه الإمام ابن القيم بقوله : (ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية ولكن إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف وإن وقع كان اختلافا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة)([2]) .
ويقول الدكتور قطب سانو : ( ان اختلاف الطبائع والأشكال والاتجاهات واختلاف الأفهام والاجتهادات والآراء يمثل في جوهره ظاهرةً صحيةً لا يلام عليها أمة من الأمم ، وخاصة إذا كانت لتلك الأمة رسالة إلهية تتسم مبادؤها ونصوصها بالمرونة والسعة والإطلاق، وذلك لأن العقول التي تسعى إلى فهم مبادئ تلك الرسالة المرنة النصوص تتفاوت في مستوياتها الفكرية ، وتتأثر بسقوفها المعرفية والعلمية ، كما أن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحيطة بها هي الأخرى تؤثر في تشكيل جملة الأفهام والآراء )([3])
وأما الاختلاف الراجع لطبيعة الأدلة فقد قسمه العلامة عبد الله بن بيّه على أربعة أقسام :

  1. اختلاف في دلالات الألفاظ وضوحاً وغموضاً واعتباراً ورداً.
  2. اختلاف في أدلة معقول النص التي ترجع إلى مقاصد الشريعة قبولاً ورفضاً
  3. اختلاف في وسائل ثبوت النصوص الشرعية ودرجات الثبوت.
  4. اختلاف في ترتيب الأدلة عند التعارض قوة وضعفاً([4]).
وإذا كان الاختلاف تحيط به كل هذه الأسباب فإن التخلص منه أمر مستحيل ؛ وبالتالي فمن الضروري إيجاد منهجية حاكمة تحدُّ من الشطط في التذرع بهذه الأسباب لتبرير الآراء والتأويلات الباطلة ، ويمثل علم أصول الفقه البوصلة الحاكمية والمعيار المنضبط لتقديم رؤية منضبطة منسجمة مع مقاصد الشريعة الكلية والجزئية .
وللوقوف عند بيان حرية الاجتهاد في الشريعة فسنقف عند ثلاثة مسائل :
المسألة الأولى : الأجر على الاجتهاد :
من النصوص القيمة التي نطق بها الصادق المصدوق (r) : " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"([5]) .
إن هذا الحديث لم يكتف بفتح باب الاجتهاد وإنما أثاب كذلك من يقع في خطأ ، وهذا كله تأييد ودعم لحركة الاجتهاد والتجديد ( ولنستحضر أن الخطأ هنا يتعلق بالدين ومعانيه ، وبالشريعة وأحكامها ، ويتعلق بحقوق الله وبحقوق العباد . وقد تصاب فيه دماء وفروج وأعراض وأموال بغير حق . ومع ذلك فالمخطئ مأجور . نعم مأجور حتى في حال خطئه . وتلك هي ضريبة الفكر والبحث والتقدم العلمي . ألا فليتقدم المجتهدون والباحثون وليُقْدِموا مطمئنين مرتاحين ، غير متهيبين ولا وجلين)([6]) .
المسألة الثانية : الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد :
وبناء على ماسبق فإن حرية الاجتهاد تتيح للمجتهد أن لا ينقض اجتهاده باجتهاد مجتهد آخر ، أو اجتهاد له سابق ؛ لأنه لكل اجتهاد حرمته وليس لاحدهما مزية على الآخر .
ويوضح الشيخ مصطفى الزرقا ذلك بقوله : ( فمن اجتهد في حكم حادثة فأفتى بها أو قضى ، ثم وقعت أخرى نظيرها فتبدل فيها اجتهاده إلى حكم مخالف ، لا ينقض فتواه أو قضاؤه السابقان ، وإنما يعمل باجتهاده الجديد في الحادثة الجديدة ، إذ لو ساغ نقض العمل بالفتاوى والأحكام الاجتهادية كلما تبدل اجتهاد المجتهد لما استقر حكم في حادثة ؛ لأن الاجتهاد عُرْضَةً للتبدل دائماً بتبدل وجهات النظر في الدليل )([7]) .
المسألة الثالثة : لا إنكار في مسائل الاجتهاد :
يطلق معظم علماء الأصول على مصطلح "مسائل الاجتهاد" مصطلحات متعددة من أهمها : مصطلح المجتهد فيه ، ويعد حجة الإسلام الغزالي من أولئك الأصوليين الكبار الذين أطلقوا هذا المصطلح وحدد المراد فيه بقوله : (...المجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي واحترزنا بالشرعي عن العقليات ومسائل الكلام فإن الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطىء آثم وإنما نعني بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطىء فيه آثما ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد...)([8]).
فمسائل الاجتهاد رتبتها أدنى ونسبة الخطأ فيها لا تصل إلى التكفير ، وبالتالي ففيها فسحة في النظر ، وبما أن الاجتهادات لا يوجد دليل على اعتبار أصحها وأحقها فلا يجوز الانكار على الاجتهاد إذا كان هناك اجتهاد يقابله ؛ إذ كلاهما في نفس الرتبة فلا مزية لأحدهما على الآخر.
ويذكر الدكتور سانو ثلاث غايات لعدم نص الشارع لمسائل الاجتهاد :
الأولى : لتأكيد مشروعية الاجتهاد في الفكر الإسلامي بصورة عامة ، ذلك لأنه ليس ثمة وسيلة لبيان أحكام الله في هذه المسائل تفسيراً وتعليلاً وتنزيل تلك الأحكام في الواقع إلا الاجتهاد .
الثانية : فسح المجال أمام المجتهد كي يبحثوا أحكام شرعية مناسبة لهذه القضايا ، وذلك وفق متطلبات ومقتضيات ظروفهم وأحوالهم وأمكنتهم وأزمنتهم ، فإن وفقوا كان لهم أجران ، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد .
الثالثة : رغبة الشارع الأكيدة في تضييق دائرة المحظورات والمحرمات . وترك مساحة كبيرة للاجتهاد ليبدوا رأيهم بكل حرية وسعة([9]) .
فرفع القيود عن حركة الاجتهاد يتيح لها فرص كثيرة في انتاج الأحكام ؛ ويمثل عصر الصحابة وما تلاه أفضل مثال للحركة الفقهية المتجددة في بيئة منفتحة لا مجال فيها للإنكار والتسفيه ؛ ومن هنا ( كان الاجتهاد الفقهي عنوان حركة الأمة الإسلامية وحيويتها ، لا دليل تفرقها وموتها وسكونها)([10])
المطلب الثاني :أثر علم أصول الفقه في تقديم منهجية تدبير الاختلاف
إن علم أصول الفقه يمثل أحد أهم العلوم المؤسسة للمنهج العلمي الأصيل في ضبط موازين التفكير وبخاصة في قراءتها لنصوص الشريعة تأويلاً وتعليلاً وتنزيلاً ؛ وبالتالي فخطوتنا في إبراز مكانته في تدبير الاختلاف لا تعدوا أن تكون محاولة إلى استظهار تلك المنهجية المنضبطة تأصيلاً وتوصيلاً .
وتتجلى منهجيته الفاعلة في تقديم فضاء واسع لتخليق الاختلاف الفقهي واذابته في بوتقة ناظمة نطلق عليها بتدبير الاختلاف ؛ وذلك لأننا نؤمن بأن انضباط التفكير لدى المتصدرين للخطاب الديني يورث تالياً انضباطاً في الوجود الخارجي ؛ وكلما كان الاضطراب في شريحة العلماء ظاهراً وفاعلاً فإن محاولة ضبط الشارع هو رجم من الخيال ، وللبرهنه على قدرة علم أصول الفقه في ترشيد الاختلاف وتدبيره لما تضمنه قواعد منضبطة وحاكمة لتذويب الاختلافات وتحويلها إلى اختلافات متعاونة . ولتوضيح هذه المسألة فسنهدف لتحقيق غايات عديدة لعل أبرزها :
الغاية الأولى : دور علم أصول الفقه في تقليل الاختلاف :
ونقصد بذلك أن علم أصول الفقه باعتباره يمثل قواعد حاكمة في الفروع الجزئية ، فهو العتبة التي بارتقاءها تتيح لصاحبها الاجتهاد وقد صرح بذلك كثير من العلماء .
يقول الإمام القرافي : ( من لا يدري أصول الفقه يمتنع عليه الفتيا ، فإنه لا يدري قواعد الفروق والتخصيصات ، والتقييدات على اختلاف أنواعها إلا من درى أصول الفقه ومارسه)([11]) .
الغاية الثانية : دور علم أصول الفقه في التعامل مع الكليات وانتاجها :
إن التعامل مع الكليات أولى من التعامل مع الفروع الجزئية ، التي لا تؤسس بناء ، بل توسع دائرة الخلاف والتنابز بالجزئيات ، فالقواعد الكلية تضبط مسار الفروع الجزئية ويؤسس منها البناء القطعي والكلي ، ويشير إلى أهمية البناء الكلي العلامة عبد الله بن بيّه بقوله : ( إن من شأن التجديد في أصول الفقه أن يرشح الكليات ويرجحها على النظر الجزئي الذي جعل الأمة تعيش مبارزة ومنابزة حول كل فرعية في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية والتعايشية . ففي كل مجال يمكن سرد عشرات القضايا التي لو درست بنظر كلي لأمكن أن تجد حلولاً تخفف من غلواء الاختلاف )([12]) .
ويعقد الإمام الغزالي مقارنة بين الفروع والأصول وبيان دور علم أصول الفقه في الاحاطة بالفروع ووضعها تحت كلي يعمها وأصل يضمها ؛ كي لا تكون الفروع يتيمة ولا الأصول عقيمة وتتضح معالم تدبير الاختلاف من خلالها بقوله : ( قد تقرر عند ذوي الألباب أن الفقه أشرف العلوم ، وأعلاها قدراً ، وأعظمها خطراً ، إذ به تُعرف الأحكام ، ويتميز الحلالُ عن الحرام ، وهو على علو قدره ، وتفاقم أمره ، في حكم الفرع المتشعب عن علم الأصول ، ولا مطمع في الإحاطة بالفرع وتقريره والاطلاع على حقيقته إلا بعد تمهيد الأصل وإتقانه ، إذ مثار التخبط في الفروع ينتج عن التخبط في الأصول)([13]).
ويقول الإمام القرافي : (ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية ، دون القواعد الكلية ، تناقضت عليه الفروع واختلفت ، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت ، وضاقت نفسه لذلك وقنطت ، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى ، وانتهى العمر ، ولم تقص نفسه من طلب مناها ، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكليات ، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب ، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب ، وحصل طلبته في أقرب الأزمان ، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان ، فبين المقامين شأو بعيد ، وبين المنزلتين تفاوت شديد)([14]) .
ففلسفة علم أصول الفقه بناء كليات منضبطة يحتكم إليها ليسهل تناولها وتداولها ، والاختلاف الحاصل بتنوعها في مجمل المدارس الفقهية لا يقاس بالاختلاف الحاصل في الفروع .
ويعد ميداناً فسيحاً لضبط الاختلاف وتدبيره ؛ بما قدمه من أرضية منفتحة ومشتركة للانطلاق تأصيلاً للقواعد النظرية ؛ للوصول بها الى الواقع تنزيلاً .
وتتيح فلسفته بوجه آخر صورة مميزة لتعدد المنطلقات التأصيلية في علاجها للظواهر الخارجية المتعدد الطبقات والسماح لهم بالنقاش الفكري في فضاء واسع ورحب ، وهذا التنوع الاثرائي في تعدد المنطلقات يعبر عنها الفيلسوف حمو النقاري بقوله : (إننا في هذا المقام التواصلي المخصوص لا نكون فقط أمام اختلاف في الرأي وفي المدعى بين المتواصلين ، ولكن أيضا أمام اختلاف في كيفيات الإثبات والإبطال ووجوههما التي ينهجها كلا المتواصلين ؛ إننا هنا أمام اختلاف من درجة عليا ، إننا أمام خلاف عال)([15]).ويرتقي الاختلاف الى المستوى العالي ؛ لأنه اختلاف في المنطلقات التأسيسية الكلية وليست في الفروع الجزئية ، وبالتالي فنحن أمام نوع من الاختلاف الذي أثره كبير ويحتاج إلى تدبير مقدماته ونتائجه ، ويتربع علم أصول الفقه في قمة الفلسفات النظرية لتقديم نموذج فريد في إدارة الاختلاف وتدبيره .
الغاية الثالثة : دور علم أصول الفقه بالوساطة بين التفكير ونصوص الشرع :
إن علم أصول الفقه باعتباره يمثل البوصلة الحاكمة والناظمة للتفكير ؛ لأن موقعه يتيح له بالقيام بدور الرقابة والوساطة كي يكون هناك معيار يحتكم إليه في كل المجالات (ان دراسة أصول الفقه من الممكن أن تدرب العقل المسلم على منهج التفكير الصحيح والنظر السديد ؛ إذا استثمرنا المنهجية التي يستنبطها علم الأصول وتكمن فيه بالقوة بإبرازها إلى الفعل متمثلة في بناء الكليات وتوليد الجزئيات ، وهي منهجية صالحة للتوظيف في كل المعارف بل وكل مجالات المعايش )([16]).
الغاية الرابعة : دور الدرس في التكامل المعرفي :
تمثل العلوم ميداناً فسيحاً لبلورة الأفكار وصناعتها وهذا الأمر هو الغاية من تلاقح الأفكار ، وعلم أصول الفقه يمثل فلسفة منضبطة احتكم اليها علماء القرون السابقة فأذاب خلافاتها ونقلهم من التناقض إلى الترادف والتكامل (فإن الرجوع إلى علم أصول الفقه = (علم قواعد تفسير النصوص) ، إما أن يقضي على الخلافات المذهبية ، أو أن يحيل الآراء المختلفة إلى مظهر اختلافات تعاونية تكتسب الاحترام والتقدير من ذوي الآراء المخالفة . وهذا ما قد أنجزه هذا العلم في أمر الاجتهاد والخلافات المذهبية في صدر الاسلام)([17]) .
وهذه الغاية المنشودة لا تقدم نتائجها ولا نتلمس معالمها إلا بالجدية الحقيقية والفعلية لتوظيف فلسفة هذا العلم في إدارة الاختلاف وتدبيره .
وينقلنا الفيلسوف الإسلامي طه عبد الرحمن في فضاء فكري يوضح لنا العلاقة في الاختلاف بين الاتجاهات الفكرية ومدى تكبر إحدى الطائفتين من الاستفادة من المنهجية الأخرى ، فعبر عن هذه المنهجية "الاختلاف الصلب" ولذلك جاءت دعوته بـ " من الاختلاف الصلب إلى الاختلاف الليِّن" .ويحصل الاختلاف الصلب في المجال الفكري بين أمتين أو مذهبين أو فردين متى هبط مستوى التعامل بينهما من رتبة التعارف إلى رتبة التعاون ، وحل فيه مكان التواصل _ أي الاتصال الذي تنقل فيه كل واحدة منهما أفكارها إلى الأخرى _ مجرد التوصيل ، وهو الاتصال الذي تنقل فيه أمة واحدة منهما أفكارها إلى الأخرى من دون أن تنقل عن الفئة الأخرى شيئاً ؛ وذلك استعلاء عليها وتكبراً .
وفلسفة تدبير الاختلاف تتم عن طريق التعارف لا التعاون لأنه انطلاق من فلسفة " لا صواب إلا في ما تفكر فيه أمتي أو مذهبي " الموصلة والمستعلية ؛ إذ الإيصال والاستعلاء مظهران من مظاهر الاستبداد بما فيهما من "تعصب" و "تسلط" و "إقصاء" ([18]).
الغاية الخامسة : تحويل الخلافات المتقاطعة الحادة إلى اختلافات تعاونية :
إن التقاطع الظاهري في النتائج المخرجة على القواعد الأصولية قدمت الشريعة برؤية فيها فسحة نظرية ([19])وعملية تتيح لها نقل التناقض إلى التوافق ، ويشير لجانب من ذلك الشيخ البوطي "رحمه الله" بقوله : (تحويل الخلافات المتقاطعة الحادة إلى اختلافات تعاونية ، يعذر فيها صاحب كل رأي واجتهاد إخوانه من ذوي الآراء المخالفة ، وذلك بالنسبة للمسائل المتصلة بقواعد أصولية بقيت هي نفسها محل نظر وخلاف ...)([20]).
الغاية السادسة :دور علم أصول الفقه في الضبط والانضباط :
الكشف عن المواقف الناجمة عن اتباع الأهواء ، والتعصب للإنتماء ... فقد بقيت رواسب من المسائل الخلافية التي كانت ولا تزال تغذي التباعد المذهبي ، دون أن تكون لها جذور من القواعد الخلافية في علم الأصول .. فدل ذلك على أن المبرر الوحيد للخلاف فيها والشرود بها عن القواعد الأصولية المتفق عليها . إنما هو التعصب للذات والإمعان في اتباع الأهواء .([21])
الغاية السابعة : دور علم أصول الفقه في التقريب :
إن فلسفة علم أصول الفقه في تدبير الاختلاف تمثل الوسيط المنهجي في ادارة الاختلاف وليس طرفاً فيه ؛ إذ يسمو فوق غباره فيحيل الخلاف الى وفاق ويؤكد هذا الشيخ البوطي بقوله : (ان قواعد أصول الفقه لعبت دوراً كبيراً فيما مضى في التقريب بين المذاهب الاجتهادية المختلفة ، بل في القضاء على كثير من الاختلافات ، فإنها تعتبر المرشح الأول اليوم لأن تلعب الدور ذاته . ولكن نجاحها في ذلك رهن بشرط لا بدّ منه . هو أن يتخلى أصحاب الآراء والمذاهب المختلفة عن عصبياتهم وأهوائهم ، ورغبة الانتصار لانتماءاتهم أياً كانت وكيفما كانت ، وأن تتجرد تصورهم ومشاعرهم لرغبة واحدة هي تحقيق مرضاة الله والوصول إلى الحق الذي شرعه وأمر به) ([22]).
الغاية الثامنة : دور علم أصول الفقه في تذويب الخلافات :
إن نقل النظر إلى الكليات بدل الغوص في متاهات الجزئيات جعل لهذه الفلسفة الأصولية المكانة الرائعة في تقديم رؤيتها النظرية والعملية لإذابة الاختلاف وتدبيره وتوجيهه في قنوات موحدة لخدمة السلام بدل التفرق في قنوات العدم ، ويؤكد ذلك الشيخ البوطي بقوله : (تذويب الخلافات وضفرها في اجتهادات موحدة ، بالنسبة لسائر المسائل المتصلة بقواعد أصولية متفق عليها . فقد كان لتلك القواعد أثر كبير في جمع الآراء المتناثرة والقضاء على الخلافات المتفاقمة ، ومن دقق النظر علم أن ذوبان كثير من الفرق الإسلامية الشاردة وراء سبيل أهل السنة والجماعة ، كالمعتزلة ، والمعطلة ، والمرجئة ، والجهمية ، والمجسدة ، إنما يعود الفضل فيه إلى هذا الميزان ، لا سيما قواعده المتفق عليها ... فلقد كان اتفاقهم عليها ـ ولم يكن لهم في ذلك من خيار ـ موجباً لاتفاقهم فيما تفرع عنها من مسائل وجزئيات . ومن ثم ضمرت ثم اختفت المسائل الخلافية التي أبرزت الهويات المتناقضة لتلك الفرق وجسدتها مدة قرنين تقريباً من الزمن ، ولكن ها هو التاريخ يشهد كيف انطوت واختفت تلك الهويات في منهج السواد الأعظم لهذه الأمة الاسلامية الواحد)([23]) .
ونختم هذا المبحث بذكر أحد أهم فلسفات علم أصول الفقه في تدبير الاختلاف وهو دليل الاجماع .إذ يعد الاجماع مظهراً من مظاهر ترشيد الاختلاف وتدبيره تحت سلطة شرعية منضبطة تنقل النظر والاجتهاد من النظرة الفردية إلى الجماعية ومن الجزئية الى الكلية ، يجتمع تحت قبتها المتخصصون في الدراسات الاسلامية وغيرهم لتقديم الرؤية الشرعية المنضبطة ، ويوضح العلامة ابن بيّه ذلك بقوله : ( فدليل الاجماع دليل توقيفي يرجع إلى نص الشارع باعتبار الاجماع حجة ، لكنه من جهة أخرى من المقاصد باعتبار قصد الشارع إلى تحميل الأمة مسؤولية ، وإعطائها مهمة تتعلق بالتشريع ، واختيار الأصلح ، وتزكية اتفاقها الذي يعصمها من الخطأ ، ويؤمنها من الزلل ، بخلاف الاختلاف والشقاق ، فهو مظنة الجور عن الجادة والتيه عن المحجة )([24]).



المبحث الثاني : المجالات العملية في تدبير الاختلاف
إن القواعد الأصولية تتمثل فيها وظيفتين مركزيتين هما بحسب تعبير العلامة ابن بيّه الاستنباط والانضباط فيقول : (لأصول الفقه وظيفتان متلازمتان يمكن أن يُعبر عنها بـــ "الاستنباط والانضباط " ، فهو تسليطٌ للفكر والنظر على النصوص ألفاظاً وحكماً ومقاصد بنظر منضبط بقواعد وقوانين ، فلا يصدر حكماً كلما لاحت لوائح المصالح أو كلما عنت سوانح الحاجات)([25])
ويقول : (وأصول الفقه التي تُعتبر مركزية في علوم الشرع ؛ لما لها من وظيفة إنتاج الأدوات المثمرة للأحكام من جهة ، وضبط النظر والفكر من جهة أخرى ، أصبحت الوسيط بين الوحي والفهم البشري ، والوسيلة للتعامل معه)([26]) .
ونحن أمام قانون ضابط ومنضبط ووسيط يمكن أن يتصدر بما تضمنه من أدوات معرفية كلية ومنضبطة ليتصدر المناهج العملية ليتحلق حوله المفكرون ويعتصموا في مشروعهم لتدبير الاختلاف وتنظيمه كما تنظم سير القطارات ، هذا يسير وذاك يسير دون اصطدام وتقاطع ؛ لتخليق بيئة متعايشة ومنفتحة بفضاء واسع تكون للشريعة اليد الكبرى في حله وليست كما يروج بأنا جزء من الاشكال ، والخلل وقع في سوء التوظيف .
ولتوضيح المجالات العملية لفلسفة علم أصول الفقه في تدبيره للاختلاف فسنقف عند ذلك في ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : فلسفة التأويل المنفتحة
المطلب الثاني : فلسفة التعليل المنضبطة
المطلب الثالث : فلسفة التنزيل المحكمة











المطلب الأول : فلسفة التأويل المنفتحة
إن المباحث اللغوية وعلاقتها بعلم أصول الفقه مجلاتها متعدة ولا نستطيع أن نقف عند مجملها بهذه الصفحات اليسيرة لبيان المنهجية الأصولية في تدبير الاختلاف .
وللوقوف عند فلسفة علم أصول الفقه في تدبير الاختلاف من خلال فلسفة التأويل المنفتحة فسنقف عند ثلاثة محاور :
المحور الأول : بيان جانب التميز :
إن علم أصول الفقه وإن كان البحث اللغوي أحد أعمدة بنائه فإن للمجال المعرفي وللميدان البحثي أثر ليكون للدرس الأصولي منهجه الخاص الذي يتوافق مع طبيعة ميدان دراسته ، ويكون تالياً مؤثراً بأصل استمداده وامداده .
لذلك يقول الامام الزركشي (رحمه الله) : (فإن الأصوليين دققوا النظر في فهم أشياء من كلام العرب لم تصل إليها النحاة ولا اللغويون ، فإن كلام العرب متسع، والنظر فيه متشعب، فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي باستقراء زائد على استقراء اللغوي .مثاله : دلالة صيغة افعل على الوجوب، و لا تفعل على التحريم، وكون كل وأخواتها للعموم، ونحوه مما نص هذا السؤال على كونه من اللغة لو فتشت لم تجد فيها شيئا من ذلك غالبا وكذلك في كتب النحاة في الاستثناء من أن الإخراج قبل الحكم أو بعده، وغير ذلك من الدقائق التي تعرض لها الأصوليون وأخذوها من كلام العرب باستقراء خاص، وأدلة خاصة لا تقتضيها صناعة النحو، وسيمر بك منه في هذا الكتاب العجب العجاب)([27])
ويؤكد هذ المعنى الامام السبكي بقوله : (هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة وإن كان أهل اللغة لم يذكروها في كتبهم وهو مما ينبهنا على أن الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة ) ([28]).
ويذكر الشيخ عبد الكريم الخضير في شرحه للورقات للإمام الجويني تأييداً لمن سبق ، بتميز البحث الأصولي عن نظيره اللغوي ، وتأكيداً على التطور البحثي للمادة اللغوية لتتوافق مع منطلقات البحث الأصولي فيقول : (لذلك هناك مباحث بحثها أهل اللغة بشكل مبسط فاشتغل بها الأصوليون, وقعدوا لها من جديد وبحثوها في مباحث أوسع من أهل اللغة حتى أصبح علماء اللغة عالة عليهم يرجعون إلى علماء الأصول في هذه المباحث ... مثل علم الدلالة من الألفاظ يعني من حيث العموم والخصوص والأمر والنهي والإطلاق والتقييد والحقيقة والمجاز . وهذه النحويون يبحثونها لكن لم يستوفوا البحث فيه فاشتغل فيها علماء الأصول حتى أصبح أهل اللغة في هذه المباحث عيالاً على أهل الأصول يستفيدون منهم ويرجعون إليهم([29]).
ويؤكد هذه الحقيقة أحد الباحثين المعاصرين وإن كان له موقف من البحث الأصولي فيقول : ( فالقواعد الأصولية غالباً ما ينظر إليها كبحوث لغوية وليس فيها من اللغة العربية إلا الأسماء ، وهذه الأسماء أيضاً وضع لها الأصوليون معاني ليست هي معانيها بحسب اللغة ، مثل ألفاظ الأصل والعام ...)([30]).
ونخلص إلى أن علم أصول الفقه وإن كان الدرس اللغوي يمثل إحدى الأركان التي يستند عليها الأول ؛ فإنه ولطبيعة دراسته المعمقة فإنها اقتضت بحثاً مستفيضاً ومعمقاً يتجاوز أصل الاستمداد ليقوم بوظيفة الامداد بتقديم تلك التصورات المنهجية التي استقاها من العلوم بحلة جديدة وتقديمها بإطار معرفي نظري وعملي يدلان على التفوق المنهجي والقدرة على التطوير .
المحور الثاني : بيان فلسفة الانفتاح :
مما هو معلوم بأن الخطاب الشرعي باعتباره خطاباً لغوياً ، يلتزم بما كان اسلوباً من أساليب العرب في مجمل صيغ خطاباتها ، وبالتالي فهو يتصف بــ "الانفتاح الدلالي" ويكون ذلك إذا كان الخطاب منفتحاً على دائرة المحامل المتعددة ، بحيث يكون التعدد صفة جوهرية وميزة لا منقصة .
ويشير لهذا الاستاذ حمو النقاري بقوله : ( يتصف الخطاب الشرعي ، باعتباره خطاباً لغوياً ، بالانفتاح ويكون الخطاب مفتوحاً إذا احتمل ، بالنسبة لمخاطب واحد أو مخاطبين ، وجهين دلاليين مختلفين على الأقل ، ويعتبر هذا الانفتاح مَزِيَّةً لا مَنْقَصَةً ... ويتجلى هذا الانفتاح ، إنْ على مستوى مفردات الخطاب أو على مستوى تركيبه في مظاهر متعددة ، منها الإجمال ، والخفاء ، والتواطؤ ، والاشتراك ، والعموم ، والاطلاق ، والحقيقة والمجاز ، والكناية والتعريض ، والتشبيه والاستعارة ، والتقديم والتأخير ، والحصر والاختصاص ...)([31])
ويصف الجرجاني وجه التميز بالانفتاح الدلالي بقوله : (واعلمْ أنه إِذا كان بَيّناً في الشيء أنه لا يَحْتَمِلُ إِلاّ الوجهُ الذي هو عليه حتّى لا يُشكِلَ وحتى لا يُحْتَاجَ في العلم بأنَّ ذلك حقّه وأنه الصَّوابُ إِلى فِكْرٍ ورَوِيَّةٍ فلا مَزِيَّةَ . وإِنما تكونُ المزيةُ ويجبُ الفضلُ إِذا احتَمَل في ظاهِر الحالِ غيرَ الوجه الذي جاءَ عليه وجهاً آخرَ)([32]).
فكلما فرض النص تعقيداً ، وأشار إلى معاني أخرى ، فإنه يفسح المجال للنظر والحمل ،فإن انفتاح النص في الدلالة على المعنى يعطيه صفة التوسع ، لتتنوع المحامل ، وتتنوع محال التنزيل ، وبالتالي يكون المجتهد في فسحة في توظيف النص حسب الوقائع التي تعرض عليه زماناً ومكاناً .
فالمشرع ليس بعاجز عن وضع الألفاظ إزاء المعاني للدلالة على معنى واحد ، وإنما هي دليل على قدرته في وضع معاني متعددة في قالب لفظ واحد ، مما يعطي مساحة كبيرة للنظر والاستنباط والتنزيل.
فالمشترك اللفظي ليس صفة عجر لعدم وضوح المعنى ، وإنما هي دلالة على سعة اللسان العربي ، ليجعل المتكلم في فسحة في التعامل مع الألفاظ استعمالاً وحملاً ، وبالتالي سنكون أمام جملة من المحامل التي تجعل المجتهد يقلب اللفظ ويوظف السياقات المقالية والمقامية ليصل إلى تحديد معنى يحتمله اللفظ ولا يخرج عنه حسب مقتضيات الحال
ويرى العلامة الطاهر بن عاشور أن للحامل فسحة في النظر والحمل كما أن للمستعمل فسحة في استعمال الالفاظ توسعاً في إرادة المعاني فيقول : (... إن معنى الحمل بيان مقدار ما أراده المستعمل من جميع المعاني أو بعضها ، فالحمل إذاً أخص من الاستعمال ، ولا يجوز أن تثبت صحة الاستعمال ويمنع الحمل ...)([33]) .
ثم إن تعدد الحمل للألفاظ سيحدث ارباكاً في الحمل والتنزيل على الوقائع ، فهل يحمل على سبيل المثال المشترك على جميع معانيه ، أم على بعضها ، أم يعمل بجميعها ؛ و يحمل كل معنى على واقعة تناسبه ؟ كل هذه الاشكاليات يطرحها اللفظ ذو المعاني المتعددة .
نقول : إن تعدد محامل الألفاظ أمر مقصود للشارع ، ويشاطره الأمر الوضع اللغوي ، فتكون تلك المعاني مقصودة للشارع جميعها ، لكنها على سبيل البدل ، لا على سبيل التوارد على محل واحد في تنزيلها على حالة معينة ، فحينئذ يضيق المحل بها ، فلا يجمع بين الأضداد ، وإنما تبرز المساحة في الاستعمال والحمل ؛ فهما لا يجتمعان في محل واحد ولا يمكن أن يرتفعان فيخلو منهما المحل.
فالنصوص الشرعية تحمل المعاني بمستوى واحد في مرحلة النظر ، وهي مرحلة الحمل الأولى ، وعند النظر والتدقيق في مدى انطباقها على وقائعها نجد بأن الحمل يضيق ليوظف بعض المعاني في فرع ، وتوظف الأخرى في محال أخرى .
وبين العلامة بن عاشور هذه المسألة المعقدة في عملية الحمل بقوله : (فاللفظ المشترك إما أن تكون معانيه : متداخلة ، أو متباينة ، أو متناقضة . فإن كان الأول حمل على المعنى الشامل لها للاحتياط ، فلذلك قال : في قول الرجل لزوجته أنت خلية وبرية وحبلك على غاربك ، أنه يحمل على الثلاث في المدخول بها ؛ لأن اللفظ لما دار بين الرجعي والبائن حمل على البينونة ، وهي لا تحصل في المدخول بها لامكان حصول البينونة بمطلق حصول البينونة فلم يبق الا احتمال الثلاث([34]) .
وإن كانت المعاني متباينة فالأمر سهل وهو الحمل على جميعها . وإن كانت متناقضة فهنا انقطع عنها سلك الحكاية عن الشافعي والقاضي ، إلا أن المص([35]) قال لا يجمعون بين المعاني عند امتناع الجمع فلنرجع بهما إلى قول مالك (رحمه الله) فإنه يحمله في كل مكان على ما يقتضي الاحتياط ، فإنه حمل الأقراء على الأطهار في الخروج من العدة والحل للتزوج ، وعلى الحيض في منع مراجعة الزوج الأول لها إلا بصداق وولي فدخولها في الحيضة الثالثة مانع من المراجعة ، والطهر الثالث هو الذي تحل به للأزواج )(([36]))
وهنا نلاحظ في القسم الأخير وذلك عند تناقض أوجه الحمل في تنزيلها على واقعة معينة ؛ لأنه قد ضاق بها المحل ، فنجد الإمام مالكاً نظر لواقع كل حالة فوظف لها النص لينسجم مع واقعها وتفعيلاً لكل طاقات النص التي لا تنضب ، من خلال استثمار كل وجه من تلك الأوجه بما يناسب واقعه .
وبناء على هذا : فإننا عندما نتعامل مع النصوص ظنية الدلالة بهذه الصورة ، بفتح أوعية المعاني لكافة المحامل ، فإننا نجعل المجتهد في فسحة من النظر والتنزيل ، لكننا عندما نضيّقُ عليه أوجه الحمل ، باغلاق نوافذه ، فيضيق النص بالمعاني فيتكلف الحامل في توظيف محامله على الواقع .
فلا ينهض دليل الظن في أدوات علم أصول الفقه ليكون سبباً في انفصال أحد مكوناته ، وأهم مولداته ، بل لا بد من النظر إلى الظنية باعتبارها ميزة نوعية ، وقيمة فريدة ، لولوج عالم الاجتهاد ، ولبيان قدرة نصوص الشريعة على مسايرة جميع الصور ، مهما اختلفت صورها وتنوعت أسبابها فلا بد أن ترتد لوجه من أوجه مخزون ألفاظ الشريعة ، بتوظيف ما اندرس من معانيه في ركام التقليد ، وغلق أبواب التجديد.
المحور الثالث : بيان فلسفة تدبير الاختلاف :
إن علم أصول الفقه استنبط جملة من القواعد المنهجية لضبط الظاهرة اللغوية المنفتحة ، بحيث يكون الانضباط مساهماً في ضبط تفسيره وتأويله وغير مضيقاً لحدود شموله .
وهذه المنهجية الأصولية بنظرتها الفلسفية لتدبير الاختلاف تساهم بوجه آخر للحد من التأويلات الباطلة والأفكار المتطرفة التي تفسر النصوص بظاهرها وتساهم باغلاق طاقات النص المنفتحة ؛ وذلك باقتراح جملة من المحددات المنهجية التي تساهم في تقديم رؤية منضبطة لتدبير الاختلاف والارتفاع به عن الرؤية المذهبية الضيقة .
وإن المنهجية التي قدمها الدرس اللغوي قد استثمره أصحاب علم أصول الفقه في قراءة النص الديني ؛ لوضع منهجية وسط حاكمة ومنضبطة يتم من خلالها محاكمة القراءات التي تحاول تفسير النص فتخرجه عن سياقه ومساقه .
ونظراً لاختلاف المتكلم والمخاطب والسامع على المستويين العلمي والمنهجي كان لذلك أثر كبير في وجود خطوط متقاطعة ومسافات متباينة بين الأطراف الثلاثة ؛ فقام علماء علم أصول الفقه بالتعامل مع تلك الأطراف الثلاث ( الواضع ، والمستعمل ، والحامل ) بنوع من التكامل النظري والعملي ؛ بحيث يتم النظر إليها ككتلة واحدة لا يمكن الفصل بينهما .
إن النظر إلى ثلاثي _الوضع والاستعمال والحمل _ لمراقبة المتغيرات التي تطرأ على الالفاظ من حيث :
النظر للعلاقة بين اللفظ والمعنى مساواة أو تضمناً أو التزاماً .
النظر إلى تطور العلاقة بين اللفظ والمعنى : الحقيقة الوضعية ، والعرفية ، والشرعية .
النظر إلى وضوح الدلالة وغموضها على الخلاف في التقسيات بين الجمهور والحنفية([37])
ويقصدون بهذه الاتجاهات الثلاثة :

  1. فالوضع هو جعل اللفظ دليلا على المعنى
  2. والاستعمال هو إطلاق اللفظ وإراده المعنى وهو من صفات المتكلم
  3. والحمل اعتقاد السامع مراد المتكلم أو ما اشتمل عليه مراده وذلك من صفات السامع([38]).
فهذه الاتجاهات الثلاث تمثل جهات متقابلة بحيث يتم من خلالها بناء التصور الدقيق عند القيام بعملية التفسير والتأويل .
فعلى المتصدر لتفسير نصوص الشريعة مراعاة هذه المراحل المنهجية بالنظر إلى النص الشرعي من خلال واضعه سواء أكانت اللغة أم الشرع أم العرف العام أو الخاص ؛ لأن معرفة أصل الوضع يساعد كثيراً في تحديد اطلاقاتها ومجالات ورودها ، مع مراعاة صيغ تواردها واشتقاقاتها .
وتأتي مرحلة الاستعمال لتقدم أنموذجاً جديدا في توظيف النص أو المفردة العربية بحيث نتابع تطور الألفاظ ونتابع تحركاتها ، وننظر إلى أي حدٍ التزم المستعمل باستعمال الكلمة فيما وضعت له ، أم استعملها استعمالاً مجازياً له علاقة بأصل الوضع أم لا .
وأما الحامل فهو المخاطَب الذي يتلقى الكلام فيفهمه وينتج عنه عمل بدني أو فكري .
وهنا نقف عند الحامل من جهتين :
الأولى : مراقبة سير الألفاظ : إن الحامل يمثل جهة مراقبة ومتابعة لسيرورة الألفاظ ابتداءً بالنظر إلى الألفاظ وتحديد أصل وضعها أهو شرعي أم لغوي أم عرفي ؟ ، وبالنظر كذلك إلى المستعمل للألفاظ وهو المتكلم في أي اتجاه وظف النص أفي معناه الذي وضع له ، أم استعمله في غير ما وضعت له بأي شكل من أشكال المجاز ، وفي المقابل بعد وصوله الى نتيجة يحدد معنى النص ويفسره .
ويشير العلامة ابن بيّه إلى التطور الهائل الذي أحدثه واقع الاستعمال بالألفاظ ، مما يتطلب في المقابل التعامل مع الواقع وإيجاد في المقابل نوعاً من السيرورة المنهجية والتفاعل الإيجابي مع التطور الاستعمالي ؛ لتقديم المنهج المنضبط لاحتواء الواقع على المستوى السياق العرفي مقالاً خاصاً وعاماً فيقول : ( ... فإن كثيراً من المسائل الفقهية المبنية على الفصحى لم يعد لها ما يبرر الإبقاء عليها ، فهي أقرب إلى الرياضة الذهنية والتمرين منها إلى واقع الفتوى والقضاء الذي يعتمد على الحقائق العرفية التي هي نتاج تطور الاستعمال)([39]).
الثانية : مراقبة تكوين الحامل : إن الحامل وإن كان يمثل جهة مراقبة ومتابعة لتطور الألفاظ فإن العلماء قد اعتنوا بثقافة الحامل وقدرته على تقديم تصور دقيق لتفسير النصوص ، وبالتالي خضع الحامل كذل لجهة مراقبة وهو المسمى بثقافة الحامل أو شروط الأهلية .
وذلك لأن انضباط الحامل يعود على عملية الحمل بالانضباط ، وكلما كان الحامل بلا شروط ولا مراقبة انعكس ذلك على عملية الحمل بكليتها بعدم الانضباط (فانضباط الحمل إنما يكون نتيجة لضبط الحامل الذي هو مجتهد فقه أو مجتهد عقيدة ؛ فربما حمل لفظاً على ظاهره وحصره في مستقر قراره دون مراعاة لسياق الكلام ومنطق الأفهام)([40])
ونلاحظ دور علم أصول الفقه بتقديم منهجية ثلاثية الأضلاع بمراقبة سيرورة النصوص والحكم عليها ، وإعادة ضبط هيكلية بناء التصور التفسيري للألفاظ كي لا تقع في تضاد واختلاف في المراتب وتختلط المنهجية بين واضع ومستعمل وحامل ، فبهذه الثلاثية قدَّم علم أصول الفقه برنامجاً يوزع الألفاظ عليها من حيث تطورها ، ويرتب المناهج فلا تفسر النصوص بمرتبتها بمحاكمتها بقواعد مرتبة أخرى .
فمرحلة الوضع تقوم بتقديم التصور عن أصل نشأة الألفاظ .
ومرحلة الاستعمال تقوم بتحديد مجالات الاستعمال .
ومرحلة الحمل تقوم بالرقابة بحيث تراقب النص إلى أي حد يصب الاستعمال في نهر الوضع ، وإلى أي حد يختلف ويتعد عن أصل نشأته .
وتتجلى فلسفة تدبير الاختلاف بوضع هذه المناهج العملية لتقديم رؤية منضبطة تساهم في وضع محددات منهجية تقلل من فوضى النظر في النصوص وتفسرها باتجاهات مغالية ومتطرفة أهلكت بنتائجها الحرث والنسل .









المطلب الثاني : فلسفة التعليل المنضبطة
إن علم أصول الفقه قدم فلسفة قل نظيرها في تدبير الاختلاف لتكون النظرة إلى النصوص منضبطة بضوابط حاكمة ، جعلت كثير من اللغويين ينحون نحو منهجتهم تقعيداً وتلقيباً وترتيباً وتركيباً وتبويباً وتقريباً
يقول الدكتور رائد السامرائي : ( لا ننسى أن النحويين أخذوا وطبقوا ما يمكن تطبيقه من أصول فقهية على المادة النحوية ولا سيما العنوانات والمصطلحات التي صدَّر بها الأصوليون النحويون بحوثهم ، فضلاً على الكثير من القواعد الكلية التي استقاها النحو من مناهج الأصول وقواعده)([41])
ومن مظاهر تأثر علماء العربية بمناهج الفقهاء اعتمادهم على الأحكام العامة التي ساروا عليها في إقرار القواعد ، وفي هذا الأمر يقول سعيد الأفغاني : ( كان لهم طرازهم في بناء القواعد على السماع والقياس والاجماع كما بنى الفقهاء أحكامهم على السماع والقياس والاجماع ، وذلك أثر من آثار العلوم الدينية في علوم اللغة)([42]) .
وهذه الفلسفة التأصيلية الغاية منها وضع تصور منهجي منضبط ليكون دليلاً مرشداً للنظر في النصوص استنباطاً وتنزيلاً ، ومحتكم بينهم إذا حدث بينهم اختلاف ، فعلم أصول الفقه متمثلاً بقواعده خير معتصم ومحتكم .
وإن تعليل النصوص الشرعية هي مرحلة تأتي تالياً فبعد مرحلة التفسير وتحديد مقصود الخطاب الشرعي تأتي مرحلة التعليل للنصوص لتحديد مقاصد النصوص والأحكام ولتحقيق جملة من الغايات :

  1. استنطاق النص الشرعي بإخراج عللاً ، وهذا الاستنباط تارة يكون تحديداً لأن العلل منصوصة ، وتارة تكون خفية فتحتاج إلى اعمال النظر لاستنباطها .
  2. توليد الأحكام: وهي ثمرة التعليل بربط الفروع بأصولها كي لا تبق الفروع يتيمة ولا الأصول عقيمة .
  3. القوة التعليلية : فاستنباط العلل تقوي النص من حيث قوة الاعتماد عليه وقوة الدلالة المقصودة .
  4. الوظيفة العددية : فإن استنطاق النص واستنباط العلل أضاف للنص وظيفة جديدة غير المستفادة من الدلالة اللفظية وهي الدلالة التعليلية .
  5. توسيع أوعية الاستنباط : فتعدد مجالات التوظيف ويمكن تحديدها بثلاث مجالات :

  • تعدد مجالات الإلحاق بالنص : كقياس العلة ، ودلالة الموافقة ، والمناسب المرسل .
  • تعدد وظائف الاستنباط من النص مقصود خطاب ومقصود مقاصدي تعليلي .
  • بناء الكليات : من قياس تمثيل ، وشمولي واستقرائي([43]) .
إن الجانب اللغوي المتمثل في كونه أحد مباحث علم أصول الفقه مفتاح التواصل والتداخل بينه وبين الدرس المقاصدي ، إذ أن تحديد مقصود الخطاب له أثر في تحديد المعنى المصلحي من خلال مقاصد الخطاب .
فالدلالة اللغوية تكتمل عناصرها مع الدلالة المقصدية ، وتُعَدُّ هي الأساس والمنطلق الرئيس الضابط لعملية الاستنباط ، فالدرس المقاصدي يعتمد على الجانب اللغوي اعتماداً كبيراً ، ولا يمكن أن يستقل عنه ، وذلك لأن الشريعة بكلياتها ومقاصدها تمثل جانباً لغوياً لا يمكن تجاوزه .
فالمجتهد لا بد أن يتسلح بالأدوات المعينة على الاجتهاد ، إذ أن الأدوات تتمثل في المجتهد مجتمعة ، ولن يتأهل المجتهد للنظر والاستنباط إلا بعد أن يكون ريان من علوم الشريعة منقولها ومعقولها على حد سواء .
ويمثل الدرس اللغوي المرتبة الأولى لاستثمار طاقات النص ، وتليه المرتبة الثانية المتمثلة في تحديد مقصود الخطاب التعليلي ؛ فالعملية الاستثمارية يمكن تلخصيها بالمحطات التالية :
المحطة الأولى : الدلالة اللغوية : ويتم استثمار طاقات النص فيه على درجتين :
الدرجة الأولى : تحديد مقصود الخطاب الشرعي ، ويمثل المرحلة الأولى من مراحل تالية يتم من خلالها توضيح العلاقة بين مقصود الخطاب والمقصود التعليلي المستنطق ؛ فما تحدده درجة مقصود الخطاب تتبناه درجة المقصود التعليلي وتسير في نحوه لتحديد العلة .
فمثلاً : قوله تعالى : {حُرِّ‌مَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }([44]) ، فمقصود الخطاب سيحدد لنا المقصود الأصلي من التحريم المتعلق بالأمهات وغيرها ، وعند السبر والتقسيم تظهر جملة من الأوصاف ، كخطابها ، ومصافحتها ، وتقبيلها ، والزواج منها ... إلى آخر القائمة ، فبعد تحديد المقصود تبدأ المرحلة الثانية في التأصيل لهذا المقصد ، أما أن يبقى النص عائماً وسيالاً ليشمل المقصود وغيره فإنه سيربك المفسر ويعقد الأمر على المعلِل .
فضلاً عن جعل النص معلقاً ومغلقاً فإنه يصف الشريعة بالجمود والتقوقع ، وهذا الأمر مخالف لمنهجية الشريعة بالربط الواصب بين مقتضيات الشرع ومتغيرات العصر .
الدرجة الثانية : المستوى الاعتباري والوعظي : فإن طاقة النص الخالد لا يمكن أن تختزل في اتجاه تحديد مقصود الخطاب ليستثمره المجتهد في تحديد العلل ؛ وإنما للنص بعدٌ آخر يتم استثماره في مجال الوعظ والارشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
المحطة الثانية : الدلالة التعليلية الاستثمارية : وإن كنا سنتحدث عنها بعد قليل لكننا نسبقها لتوضيحها ، فيمكن تقسيم جوانب استثمار طاقات النص في المحطة الثانية التعليلية كذلك بدرجتين :
الدرجة الأولى : تحديد طاقة النص التعليلية : فبعد تحديد مستوى الخطاب في الاتجاه المقصدي يتم استنباط العلل المقاصدية المستنطقة من النص الشرعي ، وهذه الطاقة التعليلية تقع على مرتبتين .
المرتبة الأولى : العلل القاصرة : وهي العلل التي لا يمكن تعديتها في محال أخرى لقيام الأسباب على ذلك .
المرتبة الثانية : العلل المتعدية : وهي العلل التي يمكن استثمارها في محال أخرى ، زيادة في توسيع طاقات النص في الخارج .
الدرجة الثانية : استثمار الطاقة التعليلية : وهو الجانب التفعيلي للعلل المستنطة لتعديتها إلى محالها، ويتم استثمارها في محطات توليد الأحكام ، كقياس التمثيل ، والشمولي والاستقراء ، والاستحسان ، والذريعة .
وبعد البيان لخريطة التعليل تأصيلاً وتوظيفياً وجب اظهار فلسفة تدبير الاختلاف بمجال التعليل تأصيلاً وتوصيلاً .
إن مما هو معلوم عند المتخصصين بأن استنباط العلل بمسلك السبر والتقسيم هو مجال اجتهادي وليس توقيفياً مما يورث هذا المسلك اختلافاً متبايناً بين الفقهاء ، ومع ذلك فالشرع فتح الباب على مصراعيه لتحديد العلل وإلحاق الفروع بأصولها ؛ لكنه وضع مقاييس منهجية لا يصح تجاوزها خلال عملية الاستنباط .
وإن أثر الجانب التعليلي والتباين الواقع في مخرجات الاجتهاد يظهر جلياً في فلسفة التنزيل لأن الفروع ستتنوع أصولها ؛ زمع ذلك فكلها لها الحرمة فلا يعنف قائلها ، ومن خلالها يُضرب أعمق الأمثلة على التساكن السعيد في جانبي التأصيل والتوصيل .




المطلب الثالث : فلسفة التنزيل المحكمة
يعتقد البعض بأن الوجود الخارجي لا يمكن أن ينضبط ويخضع لمقاييس فلسفة علم أصول الفقه في تدبير الاختلاف إذ لا قواعد تحكمه ولا مقاييس تضبطه .
ويشير الأستاذ الريسوني لجانب من عدم الثبات التي يتحلى بها الواقع فيقول : ( الواقع كالنهر الجاري الذي قيل عنه : " إنك لا تستحم في نهر مرتين" ففي كل مرة تستحم فيه يكون في نهر جديد ، أي ماء جديد غير الذي استحممت به سابقاً . وكذلك الواقع ، ففي كل يوم ، بل في كل لحظة ، واقع جديد ، يختلف كثيراً أو قليلاً عن سابقه )([45])
وإذا كان الواقع بهذا الشكل من عدم الاستقرار فكيف يتم تحديد عناصره وضبط مدلوله ؟ وكيف يتم تدبير الاختلاف فيه ؟ وهل ترك العلماء الواقع بلا علامة تعرفه وميزة تميزه ؟
وللوقوف عند هذه الموضوع فسنشير إلى محورين :
المحور الأول : بيان فلسفة علم أصول الفقه في تحديد بيئة تحقيق المناط :
ونحن لا يعنيننا في هذا البحث الوقوف على هذه المتغيرات وآثارها إلى حد بعيد ، وإن ما يعنينا بالدرجة الأولى الوقوف عند كيفية التعرف على الوسائل التي يمكن من خلالها التعرف على بيئة تحقيق المناط واستثمار هذه الفلسفة في تدبير الاختلاف .
إن العلماء لم يتركوا الواقع بلا علامة محددة وعناوين مرتبة ، فقد ضبطوا الواقع وحددوا المعرفات التي يتم من خلال الكشف عن حقيقة بيئة تحقيق المناط .
ويمكن تقسيم المعرفات إلى قسمين الغرض منها بيان حقيقة الواقع ، وبيان مدى ضرورة الاعتماد على معرفات جديدة بمقتضى التغيرات التي طرأت عليه ليتم اجتهاد جديد يتناسب مع تلك المتغيرات :
القسم الأول : المعرفات الثابتة :
إن هذه المسألة من أعقد موضوعات تنزيل الأحكام وذلك لصعوبة ربطها بوجودها الخارجي ، وذلك لأن الفروع ليست دائماً واضحة كوضوح القاعدة العامة أو المقدمة النقلية ، فلذلك وقع الاضطراب في تنزيل الأحكام ، ولهذا كان لا بد من وضع معايير واضحة يتم من خلالها اكتشاف الفروع وربطها بكلياتها .
وقد كان الفقهاء يعتمدون في تحقيق المناط على معرفات معلومة لديهم لم يثبتوها في مدوناتهم ، حتى جاء حجة الإسلام الغزالي فأوضح دورها ، وبين مسلكها ، وضبط مجالها وحدودها ، وكان من بعده تبع له ، فانحصرت بحوثهم تكميلاً وتوضيحاً واستثماراً .
وقد اعتمد الفقهاء من بعد على تلك الموازين ليتعاملوا بها في تحديد ماهية واقعهم ، فكانت خير معين لهم ، لكن القرون الأخيرة أصابت الأمة بآفة التقليد ، فانبروا للاجتهاد بلا بصائر ، فلم يستخدموا تلك الموازين فاجتهدوا اعتمادا على الظواهر ، فأرجعوا الأمة إلى الوراء ، وتقدم الغرب علينا ، وذلك لأنهم وهم يقومون بتنزيل الحكم الشرعي قد غفلوا عن عنصر الواقع تماماً ، فوقعت اجتهاداتهم بعيدة عن الحكمة .
ولتكتمل عناصر منهجية تحقيق المناط فلا بد من جملة من المعرفات التي توضح الواقع وتجعله مهيئ لتنزيل الأحكام ، ويوضح ذلك العلامة ابن بيه بقوله : ( فإذا كان الحكم يعرف من خلال النصوص الشرعية وما يستنبطها منها ، فإن الواقع بحاجة إلى معرفات وهي الموازين الخمسة عند أبي حامد الغزالي ، وقد جعلها معياراً للتحقق من الواقع المؤثر في الأحكام ، ويمكن تسميتها بمسالك التحقيق)([46]) .
فالموازين الخمسة التي ذكرها الإمام الغزالي هي : اللغوية ، والعرفية ، والحسية ، والعقلية ، والطبيعية.
وتمثل هذه الموازين عبارة عن معرفات للواقع وموضحات لغموضه وتشككه (هذه المسالك تشرح الواقع وتفسره بمنزلة القول الشارح عند المناطقة)([47]) .
ولبيان دور هذه المسالك في بيان الواقع ننقل ما قاله الإمام الغزالي :
يقول الإمام الغزالي : ( تارة نقتبس من اللغة فيما يبنى على الاسم كما في الأيمان والنذور وجملة من أحكام الشرع . وتارة تبنى على العرف والعادة كما في المعاملة ، ومنه يؤخذ تحقيق معنى الغرر وتحقيق معنى الطعم في دهن البنفسج والكتان والزعفران وغيرها . وتارة تبنى على محض النظر العقلي كالنظر في اختلاف الأجناس والأصناف ؛ فإنه لا يعرف ذلك إلا بإدراك المعاني التي بها تتنوع الأشياء وتختلف ماهياتها وتُميزها عن المعاني العارضة الخارجة عن الماهية التي بها تصير الأشياء أصنافاً متغايرة مع استواء الماهية ، وذلك من أدق مدارك العقليات . وتارة تُبنى على مجرد الحس كقوله:{ فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ([48]) فبالحس يدرك بأن البدنة مثل النعامة ، والبقرة مثل حمار الوحش ، والعنز مثل الظبي . وتارة تُبنى على النظر في طبيعة الأشياء وجبلتها وخاصيتها الفطرية ، فإن الماء الكثير إذا تغير بالنجاسة ثم زال تغيّره بهبوب الريح وطول الزمان عاد طاهراً ، ولو زال بإلقاء المسك والزعفران لم يُعد طاهراً ؛ لأنهما ساتران للرائحة لا مزيلان لها ، ولو زال بإلقاء التراب ففيه قولان ، ثم : منشأ هذا النظر أن التراب مزيل أو ساتر ؟ وإلا فالعلة معلومة محررة وهو زوال التغير ، فإن كان التراب في علم الله مزيلاً فهو معيد للطهارة قطعاً ، وإن كان ساتراً فهو غير معيد للطهارة قطعاً ، فطريق معرفة ذلك البحث عن طبيعة التراب ومناسبته للماء ، وهو نظر عقلي محض)([49]).
فهذه الموازين تساهم في فحص الواقع بمختبراته ، لتحديد ماهيته ، ومدى انطباق القاعدة العامة عليه ، لنصل إلى الحكم الشرعي أخيراً من خلال نتائجه .
ويصف الإمام الغزالي هذه الموازين بقوله : ( فهذه خمسة أصناف من النظريات وهي : اللغوية ، والعرفية ، والعقلية ، والحسية والطبيعية ، وفيه أصناف أُخَر يطول تعدادها ، وهو على التحقيق تسعة أعشار النظر الفقهي ، وليس في شيء منها قياس ورد غائب إلى شاهد وإلحاق فرع بأصل ، بل هو طلب لوجود العلة التي هي مناط ، حتى إذا علم وجودها دخل تحت الحكم الذي ثبت عمومه بدليل ، فيتناوله بعمومه...)([50]).
فهذه الموازين تمثل معياراً وأدوات يمكن من خلالها فحص الواقع وسبر أغواره للتحقق من انطباق القاعدة العامة في صورتها في هذه الجزئية ، أو تحقق العلة في الفرع ، فهي موازين حاكمة وضابطة .
ويشير الدكتور سانو لأهمية التسلح بأدوات فهم الواقع لضمان حسن تنزيل النص عليه فيقول : ( ... من المتعذر اليوم إن لم يكن من المستحيل في ضوء التحديات التي تعيشها أمَّتنا المجيدة على سائر مناحي الحياة أن يؤدِّي النظر الاجتهادي الدور المنوط به والمتمثل في حسن توجيه الخطاب الإسلامي المعاصر ، وحسن ترشيد الصحوة المباركة ، وإمدادها بنظرات ثاقبة ووسائل قادرة على مجابهة كل العراقيل والتحديات والنوازل ، مالم يتزود المؤهَّلون للنظر الاجتهادي بزادٍ كافٍ غير مغشوش بالأدوات المعينة على حسن تفهم الواقع وسبل تفعيله بالمراد الإلهي)([51]) .
فالواقع اليوم تعقدت أدواته وميادينه وأبعاده ، فلضمان حسن تنزيل الحكم الشرعي على الواقع ، فلا بد من التسلح بالأدوات التي تمثل "المفتاح" الذي يتم من خلاله الولوج إلى عمق الواقع الداخلي ، والى البعد المعرفي الذي يحتويه ؛ كي يستطيع المجتهد بالتكييف التوافقي بين ما هو قديم ومتطور .
إن عدم امتلاك الأدوات المعرفية لفهم تضاريس الواقع يجعل الفقيه بعيداً عن مسرح الأحداث ، مما يفتح الباب لدعاة الحداثة بالقول : بأن الواقع متغير ، والنص الديني ثابت ، والحياة لا تقف ، فإما أن نحرك الثابت أو نوقف المتغير ، فأما إيقاف المتغير فمن المستحيلات ، فلم يبق إلا تحريك الثابت ، فنحن لسنا بحاجة إلى أن نصل لهذه الرؤية الانفصامية التي تحاول استبعاد النص الشرعي عن ساحة الواقع بسبب بعض المتشددين الذين لم يبصروا الواقع فيلقوا الأحكام على واقع غير مشخص فتأتي النتائج عكسية ، فلاتزال الفرصة سانحة لتقديم رؤية اسلامية معاصرة رشيدة لا تتنكر لتراثها ، ولا تجافي واقعها ، بل بهما معاً تحقق ديمومة الشريعة وشمولها([52]) .
وفي المقابل نجد أن هناك دعاوى تحاول التمسك بنصوص الأئمة وعدم الخروج من دائرتها ، تقليداً وتحجيراً على العقول من تقديم البرهان على قدرة الأدوات الأصولية على رفد الواقع بكل تحدياته بالحلول النافعة (لقد كان المجتهد جزءاً من الحياة يتعامل معها ويحترف بحرفها ويخوض معاركها ويكون لمشاهدته ومعاناته الميدانية نصيب كبير من فقهه ، أما عندما انفصل المجتهد عن مجتمعه ، وابتعد عن همومه فقد فاته الإدراك الواعي لمشكلاته ، فجاءت اجتهاداته اجتهادات نظرية مجردة ، تنطلق من فراغ ، مما جعل بعض المفكرين يطلقون عليها مصطلح "فقه الأوراق" لأنها تكونت بعيداً عن واقع الناس ويدان نشاطهم . فأية قيمة للحكم تبقى إذا لم ينزل على محله وكيف يعرف محله دون دراسة وعلم ؟! )([53]) .
وقال الإمام القرافي في الفرق الثامن والعشرين : ( ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ... والجمود على المنقولات أبداً ظلال في الدين ، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين ...) ([54]) .
إن النظر لجزء من المركبات يؤدي إلى خلل في التصور ، وتأتي النتائج غير سليمة ، فالتمسك بصورة تطبيق النص في واقع ما ، دون النظر إلى جانبين يعد خللاً :
الخلل الأول : عدم إدراك أن النص مع الواقع شكلا الحكم الشرعي .
الخلل الثاني : أن متغيرات الواقع لها تأثير في إعادة النظر في المفاهيم ؛ لتقديم الرؤية الاجتهادية المعاصرة للمفاهيم بتعديل في أحكامها ويكون ذلك : إما بتهذيبها أو تشذيبها أو تحويرها أو تغييرها أو تطويرها أو تعديلها أو تبديلها([55]) .
القسم الثاني : المعرفات المتجددة :وآثرنا مصطلح المتجددة على مصطلح غير الثابتة ؛ لأنها لا يمكن توصيفها بذلك وان بعضها تقل نسبة الاعتماد عليه في بعض الأحيان .
وهذه المعرفات تمثل وحدات تخضع للتطورات التي يحدثها العلم ، فمعرفات القرن الثاني عشر الهجري غير معرفاته في الرابع عشر مما يقتضي ان تكون صورة الواقع أكثر وضوحاً
ويؤكد الأستاذ عمر عبيد حسنة هذه المعاني بقوله : ( لذلك نرى من لوازم الاجتهاد اليوم ، الاستيعاب المعرفي الشامل للواقع الانساني ، وهذا لا يتأتى كله من مجرد المعايشة ، والنزول إلى الساحة _ الأمر الذي لا بد منه _ وإنما النزول والتزود قبله ، بآليات فهم هذا الواقع ، من العلوم الاجتماعية التي توقفت في حياة المسلمين منذ زمن ، ذلك أن عدم الاستيعاب والتحقق بهذه الشروط اللازمة لعملية الاجتهاد ... والتغيير لا بد له من إدراك المراد الالهي أولاً ومن ثم آليات فهم المجتمع بالمستوى نفسه ، حتى يتم الانجاز )([56]) .
ويشير شيخنا في مقترحاته التجديدية للثقافة العربية لهذه المعرفات فيقول : ( يجب إدماج الدراسات الإنسانية بالدراسات الإسلامية ، وبخاصة علم النفس الحديث ؛ لتكوين الشباب المؤهل نفسياً لمواجهة التجديد)([57]).
وهذه المعرفات تارة تتعلق بالجانب الطبي وتارة بالاقتصادي وتارة بالنفسي ، وكل هذه لابد أن يكون للمجتهد نصيب منها ، أو على الأقل أن يستعين بأربابها ليوضحوا صورة الواقع لتكون الأرضية جاهزة للتنزيل ، أما أن تكون البيئة غامضة ويحاول المفتي أن ينزل الحكم عليها دون هذه المقدمات فهذا خطأ منهجي في التنزيل .
ويؤكد الإمام الغزالي الغموض في الوجود الخارجي مما يقتضي الاستعانة بالمعرفات فيقول : ( إذا بان بالنص أن التفاضل في الربويات جائز عند اختلاف الجنس محرم عند اتحاده فلا يخفى علينا مناط الحكم فإنه منقح منصوص عليه ، ولكن قد يخفى في بعض المواضع تحقيق وجود هذا المناط ؛ إذ فيه أيضاً :
طرف جلي في اختلاف الجنسية كاللحم بالإضافة إلى الفواكه ، والفواكة بالإضافة إلى الأقوات .
طرف في مقابلته جلي في اتحاد الجنس كالبر بالبر والعنب بالعنب والتمر بالتمر ، وإن اختلف البرّان في البياض والحمرة ، والعنبان في السواد والبياض ، والتمران في أن أحدهما صيحاني والآخر عجوة .
ويتوسط بينهما أوساط متشابهة كلحم الغنم والبقر وأنهما جنس واحد لاتحاد الاسم ، أو جنسان لاختلاف الأصول ؟ وكذا في الأدهان والخلول ، وكذا الخل مع العصير ، والحصرم مع العنب ، وأن اختلافهما اختلاف صنف كالمعز والضأن أو اختلاف جنس كالقثاء والقثد)([58]).
ويقول : ( وكذلك إذا بان لنا بالنص أن بيع الغرر منهي عنه ، فنعلم أن بيع الآبق والطير في الهواء والسمك في الماء : غرر ، وبيع العبد الغائب المطيع ليس بغرر ، أما بيع الحمام الغائب نهاراً اعتماداً على رجوعها بالليل : هل هو غرر ؟ وبيع الغائب : هل هو غرر ؟ وبيع المشموم دون الشم : هل هو غرر ؟ وبيع ما استُقْصِيَ وصفه : هل هو غرر ؟ فكل ذلك خفي لا مبين )([59]) .
فالصور الخارجية تقع تحت القاعدة الكلية بإحدى ثلاث :
الصورة الأولى : التطابق .
الصورة الثانية : التباين .
الصورة الثالثة التشاكك ، وهذه هي محل النظر والاجتهاد .
فتختلف وجهات النظر في الإلحاق ، ولتجاوز فوضى التأصيل([60]) والتوصيل([61]) فلا بد من الاعتماد على معايير محكمة يتم من خلالها التوصل إلى اثبات العلاقة بين القاعدة وفرعها .

المحور الثاني : بيان فلسفة علم أصول الفقه في تدبير الاختلاف بتوظيف قاعدة تحقيق المناط :
تمثل قواعد علم أصول الفقه معياراً ضابطاً وناظماً لسيرورة عملية الاستنباط ، لتكييف تنزيل أحكام الشريعة على الواقع منضبطة ومنسجمة مع كليات الشريعة وجزئياتها .
وللتعرف على المنهجية التي ضبطت عملية تنزيل الأحكام على الواقع ، لا بد من التعرف على آليات التقعيد وأدوات التنزيل التي يتم من خلالها تشخص أحكام الشريعة في الخارج
فعلم أصول الفقه يمتلك من الأدوات التأصيلية والقواعد التنظيرية التي لو فُعّلِتْ وأخذَتْ دورها ، لأُعيد التوازن إلى الحياة ، وذلك لأن بوصلة التفكير إذا ضُبِطَتْ بمساطر علم أصول الفقه فإننا سنرى الانضباط ماثلاً في الواقع .
فقد أفرز الواقع جملة من الاضطرابات الفكرية مما نتج عنها جملة من الاضطرابات العملية التي اضرت بالأمة ، فتداخلت الأمور بعضها في بعض ، إذ وجدت اضطرابات في صفوف الفقهاء إذ تصوروا الواقع بخلاف صورته فبنوا أحكاماً مغلوطة نتيجة لتصورات مقلوبة .
وتحقيق المناط له صورتان ، تستخرج منه العلة :
الأولى : تطبيق القاعدة في آحاد صورها ، وحينئذ يكون تحقيق المناط بعيداً عن القياس ، لكنه يلتزم بضوابطه .
مثال ذلك : قاعدة العدل في قوله تعالى : {إن الله يأمر بالعدل والاحسان }[62]) فتعيين ولي الأمر يُعَدّ تحقيقاً للمناط ، وذلك من خلال النظر في المرشحين وغلب على الظن بأنه يمتلك كل المؤهلات التي تؤهله لبلوغ تلك المرتبة ، فالناظر قد طبق القاعدة العامة وهي العدل في آحاد صورها وجزئياتها ، وهو تعيين أولياء الأمور ، ونصب القضاة ([63]) .
ولذلك لا بد من مراجعة كثير من الضوابط والشروط التي وضعها الفقهاء لوصف العدالة وغيرها ، فما هي صفات العدل اليوم ، فكثير من خوارم المروءة في السابق لم يعد لها أي تأثير أو حضور في واقعنا اليوم ، فخروج الرجل في السوق حاسر الرأس لم يعد له أي تأثير ؛ فاليوم النساء يخرجن حاسرات الرأس وقد كشفن عن سواعدهن ونحورهن ، فيحتاج الواقع اليوم إعادة النظر في كثير من تلك الشروط ليتناسب مع الواقع ([64]).
الثانية : وهي إثبات علة متفق عليها في الأصل في الفرع ؛ لإلحاق الفرع بالأصل ، وهذا ما أشار إليه صاحب "مراقي السعود" : بقوله :
تحقيق علة عليها ائتُلفا في الفرع تحقيق مناط أُلِفا ([65]).
مثال ذلك : علة الربا في المطعومات عند مالك هي الاقتيات والادخار ، وكان الإمام مالك (رحمه الله) بالحجاز ، وكان التين عندهم لا يقتات ولا يدّخر ، فلذلك لا يجري فيه الربا ، فلمّا ذهب تلاميذ الإمام مالك إلى الأندلس .. وجدوا أن التين يُقتات ويدّخر ، فأثبتوا العلة التي هي الاقتيات والادخار في الفرع الذي هو التين من باب تحقيق المناط ... فعملية تحقيق المناط : عبارة عن البحث عن الواقع ، وملاحظة هذا الواقع والنظر في مدى تحقق العلة في الفرع وحينئذ نطبّق عليه حكم الأصل([66])
وإذا كان الاختلاف واقع في المذهب الواحد برغم اتفاقهم على علة الأصل ، ووقوع اختلافهم في تطبيق القاعدة العامة في آحاد صورها ، فالخلاف يكون في باقي المذاهب أوسع ، وبما أن العلماء قد ارتفعوا بفقهم عن ضيق الفهم تجازوا الأمر ؛ لإدراكهم بأن الأمر لا دخل للانسان في هذا التغيير الذي يحدث بالواقع .
فهذه المعايير التي ثبتها العلماء تعد معايير يجب استثمارها وتوظيفها في كبح جماح من تسوله نفسه للقفز عن هذه المعايير ، وفي المقابل تقديم العذر للمخالف إذا كانت منطلقاته سليمة .
فلضبط عملية الاستنباط لا بد من التعرف على هذه البيئات الناظمة لقاعدة تحقيق المناط التأصيلية ، التي من خلالها يمكن أن نرى مدى انضباط الفروع بأصولها ، والجزئيات بكلياتها .
والاشكالية تنحصر بالأمور التالية :
إشكالية التأصيل : ونقصد بذلك أن القواعد الكلية والضوابط الحاكمة قد تكون متباينة في التفعيل لربط الفروع بها ، وبالتالي سنجد أن الأثر الشرعي مختلف مرتبة وحكماً .
إشكالية التفريع : ونقصد بذلك أن الفروع حين إلحاقها بالأصول قد تتباين ، وذلك لاختلاف طبيعة التساوي أو الاشتراك وقناعة كل مجتهد بالحاق كل فرع بأصله أم لا .
فالاشكالية إما بالاختلاف في تعدد الأصول التي تلحق الفروع بها ، أو عدم تحقق صورة القاعدة في الوجود الخارجي .

الخاتمة
وقد سجلت بعض النتائج

  1. ان أسباب الاختلاف بعضها يرجع إلى الفطرة البشرية ، وبعضها يرجع إلى طبيعة الأدلة وما يحف بها من أمور خارجة عنها ، وتتمثل فلسفة علم أصول الفقه بوضع قواعد حاكمة يتم من خلالها تدبير الاختلاف والوساطة العملية بين الفطرة البشرية والأدلة .
  2. ان علم أصول الفقه يمثل أحد أهم العلوم التي تضبط موازين التفكير ، ومن هنا ندعو المفكرين والمثقفين المسلمين إلى العناية به والالمام بمباحثه ؛ إذ هو ميدان فسيح في تدبير الاختلاف .
  3. إن القواعد الأصولية تحدُّ كثيراً من التأويلات الباطلة ؛ كما أنها تحجم من الأفكار المتطرفة .
  4. إن الاختلاف قد يقع في أحيان كثيرة في المذهب الواحد ؛ وذلك لأن المذهب لا يعد مغلقاً على رأي منفرد ؛ وذلك لأنا نتكلم عن بيئة منفتحة وصحية تقبل الاختلاف وهيأت قواعد لتدبيره .
  5. ينبغي للمسلمين أن يتجاوزوا عقدة الفهم الضيق بالاطلاع على بقية الأقوال والأدلة


















المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم
  2. الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ، علي بن عبد الكافي السبكي ، تحقيق : جماعة من العلماء ، ط (1) ، دار الكتب العلمية – بيروت (1404هـ)
  3. إثارات تجديدية في حقول الاصول ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه ، دار تجديد
  4. الاجتهاد النحوي في ضوء علم أصول الفقه ، الدكتور رائد عبد الله حمد السامرائي ، ط (1) ، دار الحكمة ، لندن ، (2012م)
  5. الاجتهاد النص ، الواقع ، المصلحة ، د . أحمد الريسوني ، ط (1) ، دار الفكر بيروت (1422 هـ 2003م)
  6. الاحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) ، دراسة وتقديم : الدكتور عبد السلام بلاجي ، ط (1) ، دار الأمان الرباط ، دار ابن حزم بيروت (1431هـ 2010م)
  7. أدوات النظر الاجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر ، د قطب مصطفى سانو ، ط(1) ،دار الفكر المعاصر بيروت ، (1421هـ 2000م (130)
  8. أساس القياس ، للإمام محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق : د فهد بن محمد السرحان ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، (1413هـ 1993م)
  9. أمالي الدلالات ومجالي الاختلاف، الشيخ عبد الله بن بيه ، ط (1) دار المنهاج ، جدة (1427هـ 2007)
  10. البحر المحيط ، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي ، تحقيق : محمد محمد تامر ، ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (1421هـ / 2000م)
  11. تأملات في الواقع الإسلامي ، عمر عبيد حسنة ، ط (1) ، المكتب الإسلامي ، بيروت (1990) .
  12. التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ، عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي ، تحقيق : د. محمد حسن هيتو ، ط(1) ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، (1400هـ)
  13. تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع ، العلامة عبد الله بن بيه ، دار تجديد
  14. الثمر الدانى في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبى زيد القيرواني ، للشيخ صالح عبد السميع الآبي ، المكتبة الثقافية بيروت. .
  15. حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، للعلامة محمد الطاهر بن عاشور طبعه أولى ، مطبعة النهضة نهج الجزيرة عدد(11) تونس(1341هـ)
  16. الحق الاسلامي في الاختلاف الفكري ، طه عبد الرحمن ،الدار البيضاء ، المركز الثقافي العربي
  17. دلائل الإعجاز، عبد القاهر بن عبدالرحمن بن محمد الجرجاني ،تحقيق :دمحمد التنجي ، ط(1) ، دار الكتاب العربي بيروت (1995)
  18. شرح الورقات في أصول الفقه ، عبد الكريم الخضير ، دار المنهاج
  19. صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، ط (1) الرابطة المحمدية للعلماء ، (1433هـ 2012م) .
  20. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، محمد بن أبي بكر أيوب ابن قيم الجوزية ، تحقيق : د. علي بن محمد الدخيل الله ، ط (3) ، دار العاصمة – الرياض (1418 – 1998) .
  21. فتاوى فكرية ، العلامة عبد الله بن بيه : ط (1) دار الأندلس الخضراء ، المملكة العربية السعودية ، (1420هـ 2000م) .
  22. الفروق ، أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي ، ضبطه خليل المنصور ، ط(3) ، دار الكتب العلمية ، بيروت (2009م) .
  23. الفكر الإسلامي تقويمه وتجديده ، د . محسن عبد الحميد ، ط(1) ، دار الانبار ، (1408هـ 1987م)
  24. في أصول النحو ، سعيد الأفغاني ، دمشق ، (1951م) .
  25. قضايا ساخنة ، محمد سعيد رمضان البوطي ، طبعة دار : SAGESSE D ORIENT .
  26. لا إنكار في مسائل الاجتهاد رؤية منهجية تحليلية ، أ . د . قطب مصطفى سانو ، ط (1) ، دار ابن حزم ، بيروت (1427هـ 2006م)
  27. المدخل الفقهي العام ، الشيخ مصطفى أحمد الزرقا ، ط (2) ، دار القلم دمشق (1425هـ 2004م)
  28. المستصفى في علم الأصول ، الإمام محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي ، ط(1) ، دار الكتب العلمية – بيروت (1413)
  29. المنخول من تعليقات الأصول ، حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق : محمد حسن هيتو ، دار الفكر ،(3)
  30. منطق تدبير الاختلاف من خلال أعمال طه عبد الرحمن ، حمو النقاري ، ط (1) الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت ، (2014م)
  31. المنطق وأصول الفقه ، الشيخ أحمد ولد محمد محمود، ط (1) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، (1435هـ 2014م) .
  32. المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني ، حمو النقاري ، ط (2) ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت (2013م) .
  33. الموافقات في أصول الشريعة ، الإمام أبي إسحاق الشاطبي ، تعليق : الشيخ عبد الله دراز ، المكتبة التوفيقية مصر .
  34. نشر البنود على مراقي السعود، عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي ، صندوق احياء التراث الإسلامي ، المملكة المغربية


([1]) فاطر: ٢٧

([2]) الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، محمد بن أبي بكر أيوب ابن قيم الجوزية ، تحقيق : د. علي بن محمد الدخيل الله ، ط (3) ، دار العاصمة – الرياض (1418 – 1998) ، (2/519)

([3]) لا إنكار في مسائل الاجتهاد رؤية منهجية تحليلية ، أ . د . قطب مصطفى سانو ، ط (1) ، دار ابن حزم ، بيروت (1427هـ 2006م) ، (5) .

([4]) ينظر : صناعة الفتوى وفقه الأقليات ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، ط (1) الرابطة المحمدية للعلماء ، (1433هـ 2012م) . (88) .

([5]) صحيح البخاري ، كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة ، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ، رقم الحديث (6919) ، (6/ 2676) .

([6]) الاجتهاد النص ، الواقع ، المصلحة ، د . أحمد الريسوني ، ط (1) ، دار الفكر بيروت (1422 هـ 2003م) ، (13) .

([7]) المدخل الفقهي العام ، الشيخ مصطفى أحمد الزرقا ، ط (2) ، دار القلم دمشق (1425هـ 2004م) ، (2/1017) .

([8]) المستصفى في علم الأصول ، الإمام محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق : محمد عبد السلام عبد الشافي ، ط(1) ، دار الكتب العلمية – بيروت (1413) ،( 342)

([9]) ينظر : لا انكار في مسائل الاجتهاد ، (49 ، 50) .

([10]) الفكر الإسلامي تقويمه وتجديده ، د . محسن عبد الحميد ، ط(1) ، دار الانبار ، (1408هـ 1987م) ، (35) .

([11]) الاحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ، لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) ، دراسة وتقديم : الدكتور عبد السلام بلاجي ، ط (1) ، دار الأمان الرباط ، دار ابن حزم بيروت (1431هـ 2010م) . (243 ،

([12]) إثارات تجديدية في حقول الاصول ، العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه ، دار تجديد ، 2013م ، ص (9) .

([13]) المنخول من تعليقات الأصول ، حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق : محمد حسن هيتو ، دار الفكر ،(3) .

([14]) الفروق ، أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي ، ضبطه خليل المنصور ، ط(3) ، دار الكتب العلمية ، بيروت (2009م) ، (1/6_8)

([15]) منطق تدبير الاختلاف من خلال أعمال طه عبد الرحمن ، حمو النقاري ، ط (1) الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت ، (2014م) ، (24) .

([16]) إثارات تجديدية في حقول الاصول ، (159 ، 160) .

([17]) قضايا ساخنة ، محمد سعيد رمضان البوطي ، طبعة دار : SAGESSE D ORIENT . 58 ، 59 .

([18]) ينظر : الحق الاسلامي في الاختلاف الفكري ، طه عبد الرحمن ،الدار البيضاء ، المركز الثقافي العربي ، (2005م) ، (144) ؛ وينظر : منطق تدبير الاختلاف ، (60) .

([19]) سنشير في المبحث الثاني الى الجانب العملي على هذه الفسحة .

([20]) قضايا ساخنة ، محمد سعيد رمضان البوطي ، 67 _ 69 .

([21]) قضايا ساخنة ، محمد سعيد رمضان البوطي ، 67 _ 69 .

([22]) قضايا ساخنة ، محمد سعيد رمضان البوطي ، 71 ، 72 .

([23]) قضايا ساخنة ، محمد سعيد رمضان البوطي ، 67 _ 69 .

([24]) أمالي الدلالات ومجالي الاختلاف، الشيخ عبد الله بن بيه ، ط (1) دار المنهاج ، جدة (1427هـ 2007) ، (329) .

([25]) إثارات تجديدية في حقول الاصول ، (159 ) .

([26]) المرجع نفسه .

([27]) البحر المحيط ، بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي ، تحقيق : محمد محمد تامر ، ط (1) ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان (1421هـ / 2000م) ، (1/9) .

([28]) الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ، علي بن عبد الكافي السبكي ، تحقيق : جماعة من العلماء ، ط (1) ، دار الكتب العلمية – بيروت (1404هـ) ، (1/21) .

([29]) شرح الورقات في أصول الفقه ، عبد الكريم الخضير ، دار المنهاج ، (5 ، 6) .

([30]) المنطق وأصول الفقه ، الشيخ أحمد ولد محمد محمود، ط (1) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، (1435هـ 2014م) ، (150 ) .

([31]) المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني ، حمو النقاري ، ط (2) ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت (2013م) ، (34 ، 36)

([32]) دلائل الإعجاز، عبد القاهر بن عبدالرحمن بن محمد الجرجاني ،تحقيق :دمحمد التنجي ، ط(1) ، دار الكتاب العربي بيروت (1995) ، (221)

([33]) حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، للعلامة محمد الطاهر بن عاشور طبعه أولى ، مطبعة النهضة نهج الجزيرة عدد(11) تونس(1341هـ) ، (1/130 ، 131) .

([34]) ينظر: الثمر الدانى في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبى زيد القيرواني ، للشيخ صالح عبد السميع الآبي ، المكتبة الثقافية بيروت.(1/469)

([35]) هذه الكلمة مختصرة والأصل هي (المصنف) والمقصود بها الإمام القرافي .

([36]) حاشية التوضيح والتصحيح لمشكلات كتاب التنقيح ، (1/132) .

([37]) ينظر : أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات ،(76 ، 77 ، 78) .

([38]) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول ، عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي ، تحقيق : د. محمد حسن هيتو ، ط(1) ، مؤسسة الرسالة – بيروت ، (1400هـ) ، (173) .

([39]) أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات ، (324) .

([40]) إثارات تجديدية في حقول الأصول ، (51) .

([41]) الاجتهاد النحوي في ضوء علم أصول الفقه ، الدكتور رائد عبد الله حمد السامرائي ، ط (1) ، دار الحكمة ، لندن ، (2012م) ،(20) .

([42]) في أصول النحو ، سعيد الأفغاني ، دمشق ، (1951م) ، (83) .

([43]) ينظر : الاراء التجديدية الأصولية عند الشيخ عبد الله بن بيّه ، (406) .

([44]) سورة النساء : 23 .

([45]) الاجتهاد النص ، الواقع ، المصلحة ، ص68 .

([46]) إثارات تجديدية ، (140) .

([47]) تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع ، العلامة عبد الله بن بيه ، دار تجديد ، (37) .

([48])سورة المائدة : 95 .

([49]) أساس القياس ، للإمام محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق : د فهد بن محمد السرحان ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، (1413هـ 1993م) ، (41 ، 42) .

([50]) أساس القياس ، (42) .

([51]) أدوات النظر الاجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر ، د قطب مصطفى سانو ، ط(1) ،دار الفكر المعاصر بيروت ، (1421هـ 2000م (130) .

([52]) ينظر : الآراء التجديدية الأصولية عند الشيخ عبد الله بن بيّه ، ص522 وما بعدها

([53]) تأملات في الواقع الإسلامي ، عمر عبيد حسنة ، ط (1) ، المكتب الإسلامي ، بيروت (1990) .ص 22 .

([54]) الفروق ، (1/176 ، 177) .

([55]) ينظر : إثارات تجديدية ، (153) .

([56]) تأملات في الواقع الإسلامي ، ص 22 .

([57]) فتاوى فكرية ، العلامة عبد الله بن بيه : ط (1) دار الأندلس الخضراء ، المملكة العربية السعودية ، (1420هـ 2000م) .
(107) .

([58]) أساس القياس ، (38 _ 40) .

([59]) أساس القياس ، ص 40.

([60]) نقصد بالتأصيل : استنباط العلل : وهي منهجية أصولية تقوم بضبط استنباط العلل غير المنصوصة ، التي نعبر عنها بالمستنطقة .

([61]) نقصد بالتوصيل : تنزيل العلل على محالها : وهي المنهجية الأصولية التي تقوم بربط الفروع بأصولها والجزئيات بكلياتها .

([62]) سورة النحل: ٩٠

([63]) ينظر : أمالي الدلالات ، (436) .

([64]) يقول الإمام الشاطبي عن العوائد : منها: ما يكون متبدلا في العادة من حسن إلى قبح، وبالعكس، مثل كشف الرأس، فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع، فهو لذوي المروءات قبيح في البلاد المشرقية، وغير قبيح في البلاد المغربية، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك، فيكون عند أهل المشرق قادحا في العدالة ، وعند أهل المغرب غير قادح. الموافقات في أصول الشريعة ، الإمام أبي إسحاق الشاطبي ، تعليق : الشيخ عبد الله دراز ، المكتبة التوفيقية مصر . ، (2/242) .

([65]) نشر البنود على مراقي السعود، عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي ، صندوق احياء التراث الإسلامي ، المملكة المغربية ، (2/207) .

([66]) أمالي الدلالات ، (436 ، 437) .
 
أعلى