العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

رسالة مختصرة في حكم الاحتفالِ والتهنئةِ بأعياد الكافرين [غير مكتمل التخريج]

إنضم
4 فبراير 2008
المشاركات
157
التخصص
دراسات عربية وإسلامية
المدينة
الجيزة
المذهب الفقهي
حنبلي
[h=3]رسالة مختصرة في حكم الاحتفالِ والتهنئةِ بأعياد الكافرين [غير مكتمل التخريج][/h]
حكم الاحتفالِ والتهنئةِ بأعياد الكافرين
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}​
الحمد لله ربِّ العالمين. غايةُ المخلصين، وملاذُ المقصرين. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} إذا أراد أن يخلق من أَبٍ دون أُمٍّ خلق، وإذا أراد أن يخلق من أُمّ دون أب خلق، وإذا أراد أن يخلق من الشَّيخينِ خلق وإذا أراد أن يخلق من العدم خلق {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
سبحانه أن يكون له شريك في ملكه، أو منازع من خلقه، سبحانه أن يكون له صاحبه أو ولد، أو مثيل أو عدد، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}*{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}


وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله. أرسله ربه للعالمين شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فأخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن الظلمات إلى النور، فربى المؤمنين، وجاهد الظالمين، حتى أتاه اليقين، فتركنا على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يَزيغ عنها إلا هالك، أو مفتون. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} وبعدُ:
ألا إن خير ما تصرف فيه الأوقات، وتحصل به اللذات، وتبذل فيه الأعمار، وتنفق فيه الأسحار العلمُ بكتاب الله العزيز الغفار، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمين المختار؛ فهما الميراث الذي وَرَّثَهُ الأنبياء من بعدهم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر. وخير زاخر. لا ينضب معينه، ولا تَخدَعُ عيونه. ولا تيبس غصونه.
فكانت رحمة الله بالأمة أن قيض لها -في كل خَلَف- عدولَه، يَشعَبُونَ فُلُولَهُ، وينسخون أفوله، يَنفون عنه تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، فلا يذبل شجره، ولا ينقطع ثمره، ولا يُقلَعُ غمامه، ولا تبُتذل أيامه.
فصار الدين بذلك بناء راسخا، وحصنا شامخا، وكتابا ناسخا، فلا خير فيما سبق إلا وقد حواه، ولا شر فيه إلا وقد نفاه، فامتاز المسلمون به امتيازا، وازدادوا بها تمسكا واعتزازا.
وقد امتن الله على هذه الأمة بأعياد جميلة، يُغمرون فيها بنفحات جليلة، فاكتملت بذلك النَّعمَةُ[SUP]([/SUP][SUP][SUP][1][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]والنِّعم، فكم لله علينا من فضل وكرم.
ولو أخذنا نعدد محاسن هذا الدين الظاهرة، ونجلي مخبّأه ومخدَّره، ولؤلؤه وجوهره ، لانقطعت دونها جياد المطي، ونشط لها لسان العيي، وهش لها الشاعر الألمعي.
ورغم تلك المآثر، وتيك الذخائر ، ارتضى بعض أبنائه أن يقتبس من أعياد كسرى وقيصر، فيشركها بأعياد الإسلام الأغر الأذفر ، الأعز الأزهر، فهشوا لها وابتهجوا، وبذكرها لهجوا.
فعبأت المداد وتحفزت للبَداد، فسللت اليراع، ومددت الرِقاع، فبارزت الراقمين، ضربا باليمين، فكان الرَّقْمُ المبين:
{حكم الاحتفالِ والتهنئةِ بأعياد الكافرين}​
وهي على صغرها، وقلة حجمها، جمة الفوائد وغاية لكل شارد. لم أَعْدُ آية واضحة، أو سنة لائحة؛ إلا اقتنصتها، وفي قرطاسي أودعتها، فاستغنيت بذلك عن كثرة الكلام.
وبالله نيل المرام وبذكره خير الختام، وعلى نبيه أتم الصلاة وأزكى السلام.



فصل
المعنى اللغوي لكلمة العيد​
بدايةً ينبغي أن نفهم معنى كلمة عيد لنتصورها جيدا؛ لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
كلمة عيد مأخوذة من "العَوْد" أي الرجوع. يقال لمن خرج من بيته ثم رجع إليه: عاد. لكن لا يوصف العود بكونه عيدا حتى يتردد في العود فيعود يوميا أو أسبوعيا أو سنويا... فهو عيد، وإلى هذا يشير الجوهري في الصحاح بقوله: " والعيدُ: ما اعْتَادَكَ من همٍّ أو غيره[SUP]([SUP][2][/SUP][/SUP]). قال الشاعر:
فالقَلْبُ يَعْتادُهُ من حُبِّها عيدُ​
وقال آخر:
أَمسى بِأَسماءَ هَذا القَلبُ مَعمودا إِذا أَقولُ صَحا يَعتادُهُ عيدا [SUP]([SUP][3][/SUP][/SUP])​
والعيدُ: واحد الأعياد، وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد، ويقال: للفرق بينه وبين أعواد الخشب[SUP]([SUP][4][/SUP][/SUP])".[SUP]([SUP][5][/SUP][/SUP])
فصل
المعنى الشرعي​
أما المعنى الشرعي للعيد فلا يختلف كثيرا عن المعنى اللغوي وإلى ذلك يشير قول النبي r "لاَ تَجْعَلُوا قَبْرِى عِيداً وَصَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِى حَيْثُ كُنْتُمْ" أي لا تجعلوا لقبري أياما ومواسم تعتادونها.
ويشير إليه أيضا هذا الأثر " عن ابن شهاب قال: قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ عَلَيْنَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا" أي نحتفل به كل حين.
من هذا المنطلق يمكن القول بأن كل ما يعتاده الفرد أو الجماعة- فرحا أو حزنا[SUP]([SUP][6][/SUP][/SUP])- كل حين فهو عيد، لذلك يقول النبي r عن يوم الجمعة " إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ"[SUP]([SUP][7][/SUP][/SUP])
ومن المقرر شرعا أن العيد عند المسلمين من جملة الدين الذي تعبدنا الله به، فعيد الأضحى عبادة حتى إن الأكل والشرب في ذلك اليوم عبادة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ"[SUP]([/SUP][SUP][SUP][8][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP].
ويومئ إليه أيضا حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُفْطِرُ عَلَى تَمَرَاتٍ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمُصَلَّى"[SUP]([SUP][9][/SUP][/SUP]). وعلى هذا التقرير ورد تحريم الصيام في يومي العيد بالإجماع.
ولما كانت الأعياد عبادة لم يجز لأحد مشاركتهم في عبادتهم أعني أعيادهم، قال الله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) }
هذا بالنسبة لغيرنا، أما بالنسبة لنا فلا يجوز أن يزاد على أعيادنا عيد أو أن ينقص منها يوم واحد؛ لقول النبي r "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"[SUP]([/SUP][SUP][SUP][10][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] أي: باطل. وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- دائما ما يقول: "وكلّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ" وإلى هذا يشير حديث أنس بن مالك: "كَانَ لأَهْلِ الجاهليةِ يومانِ في كُلّ سنةٍ يَلْعبونَ فِيهِما فَلمّا قَدِمَ النبيُّ r المدِينةَ قاَل: "كَانَ لَكمْ يوَمَانِ تَلعَبونَ فِيهِما وَقدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِما خَيْرا مِنْهُما يَومَ الفطرِ ويومَ الأضْحَى" [SUP]([/SUP][SUP][SUP][11][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]. وفي هذا الحديث جملة فوائد:
1. أنه لا يجوز للمسلمين أن يبتهجوا أو يلعبوا في أعياد الكفار كشم النسيم و رأس السنة ونحوهما حتى ولو كان اللهو مباحا بريئا لأن النبي نهاهم[SUP]([/SUP][SUP][SUP][12][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] نهيا مطلقا ولم يقل لهم العبوا وافرحوا دون أن تفعلوا حراما[SUP]([/SUP][SUP][SUP][13][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
2. قول النبي r "أبدلكم" يعني أنه لا يجتمع مع أعياد المسلمين أعياد أخرى لأن البدل لا يجتمع مع المبدل منه[SUP]([SUP][14][/SUP][/SUP])
3. عدم اعتراض الصحابة على أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- أو نهيه أو مناقشته فيه، وهذا شأن المؤمنين، قال تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}
فصل
أقوال علماء المسلمين وأئمة الدين​
من هنا نقول: اتفق العلماء الربانيون على تحريم الاحتفال بأعياد الكافرين[SUP]([SUP][15][/SUP][/SUP])وفيما يلي نذكر أقوالهم بإيجاز:
من الأحناف: قَالَ ابن نجيم رحمه الله: ( وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لَا يَجُوزُ ) أَيْ الْهَدَايَا بِاسْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ رحمه الله لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ جَاءَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ وَأَهْدَى إلَى بَعْضِ الْمُشْرِكِينَ بَيْضَةً يُرِيدُ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ وَحَبَطَ عَمَلُهُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا أَهْدَى يَوْمَ النَّيْرُوزِ إلَى مُسْلِمٍ آخَرَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ وَلَكِنْ عَلَى مَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً وَيَفْعَلُهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِكَيْ لَا يَكُونَ تَشْبِيهًا بِأُولَئِكَ الْقَوْمِ , وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } [SUP]([SUP][16][/SUP][/SUP])
ومن المالكية: قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: قوله" ( وَلَعِبِ نَيْرُوزِ ) أَيْ أَنَّ اللَّعِبَ فِي يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالنَّصَارَى وَيَقَعُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ مِنْ رَعَاعِ النَّاسِ"
ومن الشافعية: قال الهيتمي: يُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يَمْسِكُ الْحَيَّةَ وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ وَمَنْ هَنَّأَهُ بِعِيدِهِ وَمَنْ يُسَمِّي زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا[SUP]([/SUP][SUP][SUP][17][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
ومن الحنابلة: قال ابن مفلح في الفروع: وَيُحَرَّمُ شُهُودُ عِيدٍ لِيَهُودَ أَوْ نَصَارَى , لقوله تعالى { وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } نَقَلَهُ مُهَنَّا ... وَيُحَرَّمُ بَيْعُ مَا يَعْمَلُونَ بِهِ كَنِيسَةً أَوْ تِمْثَالًا وَنَحْوَهُ , قَالَ : وَكُلُّ مَا فِيهِ تَخْصِيصٌ لِعِيدِهِمْ وَتَمْيِيزٌ لَهُ فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّهُ مِنْ التَّشَبُّهِ , وَالتَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ "
أخيرا أوشح رسالتي هذه بمقال لشيخ الإسلام طيب الله ثراه: سُئِلَ رحمه الله تعالى: عَمَّنْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: مِثْلَ طَعَامِ النَّصَارَى فِي النَّيْرُوزِ . وَيَفْعَلُ سَائِرَ الْمَوَاسِمِ مِثْلَ الْغِطَاسِ , وَالْمِيلَادِ , وَخَمِيسِ الْعَدَسِ , وَسَبْتِ النُّورِ . وَمَنْ يَبِيعُهُمْ شَيْئًا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَعْيَادِهِمْ أَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؟ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ , مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ , لَا مِنْ طَعَامٍ , وَلَا لِبَاسٍ وَلَا اغْتِسَالٍ , وَلَا إيقَادِ نِيرَانٍ , وَلَا تَبْطِيلِ عَادَةٍ مِنْ مَعِيشَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ , وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ وَلِيمَةٍ , وَلَا الْإِهْدَاءُ , وَلَا الْبَيْعُ بِمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَلَا تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوهمْ مِنْ اللَّعِبِ -الَّذِي فِي الْأَعْيَادِ- وَلَا إظْهَارُ زِينَةٍ . وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا أَعْيَادَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهِمْ, بَلْ يَكُونُ يَوْمُ عِيدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ . وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ قَصْدًا , فَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ . وَأَمَّا تَخْصِيصُهُ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . بَلْ قَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى كُفْرِ مَنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ , لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ , وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ : مَنْ ذَبَحَ نَطِيحَةً يَوْمَ عِيدِهِمْ فَكَأَنَّمَا ذَبَحَ خِنْزِيرًا . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : مَنْ تَأَسَّى بِبِلَادِ الْأَعَاجِمِ , وَصَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ , وَمِهْرَجَانَهمْ , وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ , وَهُوَ كَذَلِكَ , حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد : عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ : { نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ , فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ إبِلًا بِبُوَانَةَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : هَلْ كَانَ فِيهَا مِنْ وَثَنٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَوْفِ بِنَذْرِك , فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ , وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ } " . فَلَمْ يَأْذَنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِهَذَا الرَّجُلِ أَنْ يُوفِيَ بِنَذْرِهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْوَفَاءِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا . حَتَّى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ . وَقَالَ : { لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ } " . فَإِذَا كَانَ الذَّبْحُ بِمَكَانٍ كَانَ فِيهِ عِيدُهُمْ مَعْصِيَةً . فَكَيْفَ بِمُشَارَكَتِهِمْ فِي نَفْسِ الْعِيدِ ؟
بَلْ قَدْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُومِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالصَّحَابَةُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُظْهِرُوا أَعْيَادَهُمْ فِي دَارِ الْمُسْلِمِينَ , وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَهَا سِرًّا فِي مَسَاكِنِهِمْ . فَكَيْفَ إذَا أَظْهَرَهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسُهُمْ ؟ حَتَّى قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه : " لَا تَتَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ , وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ , فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ " . وَإِذَا كَانَ الدَّاخِلُ لِفُرْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَنْهِيًّا عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ . فَكَيْفَ بِمَنْ يَفْعَلُ مَا يُسْخِطُ اللَّهَ بِهِ عَلَيْهِمْ , مِمَّا هِيَ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِمْ ؟ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ فِي قوله تعالى : { وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } . قَالُوا أَعْيَادُ الْكُفَّارِ , فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي شُهُودِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ , فَكَيْفَ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِهَا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْنَدِ , وَالسُّنَنِ : أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } وَفِي لَفْظٍ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا } . وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّشَبُّهِ بِهِمْ , وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَادَاتِ , فَكَيْفَ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ ؟
وَقَدْ كَرِهَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ - إمَّا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ , أَوْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ - أَكْلَ مَا ذَبَحُوهُ لِأَعْيَادِهِمْ وَقَرَابِينِهِمْ؛ إدْخَالًا لَهُ فِيمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ, وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ , وَكَذَلِكَ نَهَوْا عَنْ مُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى أَعْيَادِهِمْ بِإِهْدَاءٍ أَوْ مُبَايَعَةِ , وَقَالُوا : إنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا لِلنَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ , لَا لَحْمًا , وَلَا دَمًا , وَلَا ثَوْبًا , وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً , وَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ , وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ . لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } . ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى شُرْبِ الْخُمُورِ بِعَصْرِهَا , أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ . فَكَيْفَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ ؟ وَإِذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعِينَهُمْ هُوَ فَكَيْفَ إذَا كَانَ هُوَ الْفَاعِلَ لِذَلِكَ ؟ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .. ا.هـ[SUP]([/SUP][SUP][SUP][18][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]

فصل
تهنئة الكافرين بأعيادهم​
ما ذكرناه هو عن مشاركتهم أما عن التهنئة فنقول:
لقد نهينا أصلا عن مبادأتهم بالسلام، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ"[SUP]([/SUP][SUP][SUP][19][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] هذا على الرغم من أن السلام شعار المسلمين الذين أمروا بإفشائه، فكيف نحييهم بما يبهجهم ويسعدهم بكفرهم ونحييهم عليه !! إن أفضل ما نقدمه لهم هو إنقاذهم من النار بتحبيبهم في الإيمان وتبغضيهم في الكفران، والله المستعان على عمائم لا تعرف مقاصد السلم في الإسلام ، ولا تفرق بين المداراة والمداهنة، ولا بين الدعوة والمشاركة.
رَقَمه
أبو صهيب أشرف بن محمد المصري
 
أعلى