العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

زكاة الدين

صالح سعد العنزي

:: متابع ::
إنضم
8 يناير 2017
المشاركات
12
الكنية
أبو عبدالرحمن
التخصص
فقه
المدينة
الكويت
المذهب الفقهي
حنبلي
زكاة الدين والتطبيقات المعاصرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا الكريم , وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد: فهذه وريقات يسيره أجمع فيها من كلام أهل العلم والفضل ما يتعلق في زكاة الدين وتطبيقاته المعاصرة , فالله أسـأل أن ييسر ويبارك ويوفق , وقد رتبته على حسب الخطة التالية :
تمهيد وفيه مطلبان :
المطلب الأول : التعريف بالدين لغة واصطلاحاً.
المطلب الثاني: أقسام الدين.
المبحث الأول : أثر الدين في زكاة مال الدائن.
المبحث الثاني : أثر الدين في زكاة مال المدين.
المبحث الثالث : تطبيقات معاصرة لزكاة الدين , وفيه أربعة مطالب :
المطلب الأول: الديون الإسكانية
المطلب الثاني: الديون الاستثمارية.
المطلب الثالث: الديون المترتبة على شراء السيارات.
المطلب الرابع: جمعيات الموظفين أو العوائل أو الأصدقاء.


التمهيد وفيه مطلبان :
المطلب الأول : التعريف بالدين لغة واصطلاحاً :
أولا – الدين لغة : وقال ابن فارس: " الدال والياء والنون أصل واحد، إليه يرجع فروعه كلها، وهو جنس من الانقياد والذل، فالدين: الطاعة...ومن هذا الباب الدين، يقال: داينت فلانا: إذا عاملته دينا، إما أخذا وإما إعطاء...ويقال: دِنتُ وأدنت: إذا أخذت بدين، وأدنت: أقرضت وأعطيت دينا".[1]
وفي المصباح المنير: "الدين لغة: هو القرض، وثمن المبيع، فالصداق، والغصب، ونحوه، ليس بدين لغة، بل شرعا على التشبيه؛ لثبوته واستقراره في الذمة".[2]
ثانياً – الدين اصطلاحاً :
اختلف الفقهاء في استعمال كلمة الدين على قولين[3] :
الأول – أن الدين هو ما ثبت في الذمة بدلاً عن شير آخر , وهذا الذي عليه جمهور الحنفية , ولهذا عرفه بعضهم بقوله : " الدين عبارة عما يثبت من مال في معاوضة أو اتلاف أو قرض " , وبناء على هذا تخرج من حقيقة الدين الزكاة , فهي وإن ثبتت في الذمة إلا أنه ليس لها مقابل اقتضى ثبوتها.
الثاني – مطلق الحق اللازم في الذمة , سواء كان حقا ماليا أو غير مالي , وسواء كان من حقوق الله , أو من حقوق العباد , فيشمل كل ما ثبت في الذمة من أموال أو حقوق أي كان سبب وجوبها , فيدخل في ذلك ما ثبت في الذمة من صلاة , وزكاة وصوم , ونذر وغير ذلك من الحقوق , وهذا الذي عليه جمهور الفقهاء , فيكون الدين عند الجمهور أعم منه عند الحنفية.

المطلب الثاني :أقسام الدين :
يقسم الدين باعتبارات متعددة , ويتفرع عن كل اعتبار أقسام , وسأذكر في هذا المطلب الأقسام التي لها تعلق مباشر في موضوع البحث , وهي كالتالي :
· باعتبار وقت الأداء تنقسم إلى قسمين[4] :
1. دين حال : هو الدين الذي يستحق الوفاء به في الحال، مثل: رأس مال السَّلم, أو الدين المؤجل الذي انتهى أجله.
2. دين مؤجل : هو الدين الذي لا يستحق الوفاء به إلا عند حلول أجله، وقد يسدد مرة واحدة، كما قد يسدد على أقساط.
· باعتبار قدرة الدائن على الحصول عليه ينقسم إلى[5] :
1. دين مرجو الأداء : هو الدين المقدور عليه، ويأمل الدائن في الحصول عليه , وذلك لكون المدين مليئًا مُقِرًّا به، باذلاً له، أو جاحدًا, ولكن لصاحبه عليه بينة، وهذا الدين قد يكون حالا، أو مؤجلاً.
2. دين غير مرجو الأداء : الدين الذي لا يرجى قضاؤه، ويئس صاحبه من الحصول عليه؛ وذلك لإعسار المدين , أو جحوده مع عدم البينة، أو لأي سبب آخر.

المبحث الأول : أثر الدين في زكاة مال الدائن:[6]
يتخلص هذا المبحث في مسألة طرقها الفقهاء قديماً وهي : هل يجب على الدائن أن يضم الدين الذي له إلى أمواله فيزكيه مع أمواله ؟ , أو لا تلزمه زكاته ؟ , ويختلف هذا الحكم بحسب الاعتبارات والأمور المحتفة بالدين نفسه من حيث الحلول والتأجيل , والأمور المحتفة بالمدين من كونه يستطيع الأداء وعدمه , فالدين إما أن يكون حالاً أو مؤجلاً , فإن كان حالاً فلا يخلو من حالين إما أن يكون مليء باذل , أو على غير مليء باذل.
فالقسم الأول أن يعتبر الدين حالاً , وهذا لا يخلو من حالتين :
· الحالة الأولى : أن يكون الدين على مليء باذل معترف به , فقد اختلف العلماء في حكم زكاته على أقوال عدة أهمها :
1. تجب الزكاة فيه وإن لم يقبضه , وهو مذهب الشافعي , ورواية عن الإمام أحمد , واستدلوا :
§ قياس دين المليء الباذل المعترف به على الوديعة , فكما يجب على صاحب الوديعة اخراج زكاتها مع كونها ليست في يده , فكذا صاحب الدين المرجو الأداء , ونوقش : بأنه قياس مع الفارق , لأن الوديعة بمنزلة ما في اليد , فالمستودع نائب عن المالك في الحفظ , ويده كيد المالك , بخلاف المستدين , فيده يد ضمان , ويجب عليه سداد الدين مطلقاً.
§ إن الدين على مليء باذل معترف به , فلا مانع من قبضه , بل يستطيع قبضه في أي وقت , فلا أثر لكونه في يد غير مالكه , فتجب زكاته كل ما مر الحول عليه.
2. تجب الزكاة فيه بعد قبضه لما مضى من السنين , وهو المعتمد عند الحنابلة , واستدوا :
§ الآثار المروية عن علي بن أبي طالب , وابن عمر , وعائشة رضي الله عنهم , في عدم وجوب الزكاة في الدين حتى يقبض , ونوقش : بأن أقوال الصحابة من الأدلة المختلف فيها بين أهل العلم في حجية الاستدلال بها , وإن سلمنا بالأخذ والاحتجاج بها فإن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضا مختلفون في هذه المسألة.
§ إن الزكاة مبنية على المواساة , وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به , ونوقش : بأن اعتبار المواساة في حق الغني ليس بأولى من اعتبارها في حق الفقير , حيث سيؤدي هذا القول إلى تأخير وصول الزكاة إليه , مع حاجته إليها.
3. وجوب الزكاة فيه بعد قبضه لسنة واحدة , وهو مذهب المالكية , ورواية عن الحنابلة , واستدلوا :
§ أنه يعتبر لوجوب الزكاة إمكان الأداء , والدين لا يمكن أداؤه قبل قبضه , وإنما يمكن ذلك بعد القبض , فتجب زكاة السنة التي قبض فيها , ونوقش : بعدم التسليم فلا يعتبر في وجوبها إمكانية الأداء , وعلى التسليم فإننا إذا لم نعتبر للدين حولاً قبل قبضه لعدم إمكانية الأداء فإن الحول إنما يبتدأ بعد القبض , فلا تجب زكاته إلا بعد حولان حول على قبضه.
4. عدم وجوب الزكاة فيه , وهو مذهب الظاهرية , ورواية عند الحنابلة , واستدوا :
§ أن الدين مال غير نام فلم تجب زكاته كعروض القنية. ونوقش : بأنه قياس مع الفارق , وذلك أن الدين مال مملوك قابل للنماء إذا قبض , لا سيما إذا كان عند مليء باذل معترف , بخلاف أموال القنية فهي معدة للاستعمال والفناء.
§ أن الدين في حكم المعدوم , إذ لصاحبه عند الغريم عدد في الذمة , وصفة فقط , وليس عنده عين مال أصلاً , ونوقش : بأنه لا يسلم أن الدين في حكم المعدوم بل هو في حكم الموجود إذا كان على مليء معترف باذل.
· الترجيح : يترجح القول الأول : وهو وجوب الزكاة في الدين المرجو إذا بلغ نصابا , وحال عليه الحول , وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة , ولما صح من أثار الصحابة , وهي وإن سلمنا بعدم الاحتجاج بها إلا أنها مرجحة , لاسيما أنه أمكن حمل ما يخالفها على الدين المظنون - الغير مرجو -.
· الحالة الثانية : أن يكون الدين على غير مليء باذل – أي ديناً مظنوناً - , كالمعسر والمماطل والجاحد , فقد اختلف فيه أهل العلم على أقوال من أهمها ما يلي :
1. لا زكاة في الدين المظنون , وهو قول عند المالكية , والشافعية , ورواية عند الحنابلة , ومذهب الظاهرية , واختاره شيخ الإسلام , واستدلوا :
§ قول علي رضي الله عنه " لا زكاة في الدين الضمار[7] " أورده الزيلعي في نصب الراية وقال غريب.
§ أن الدين الضمار مال غير مقدور على الانتفاع به , فأشبه مال المكاتب فلا تجب الزكاة فيه.
2. وجوب الزكاة فيه لما مضى من السنين بعد قبضها , وهو قول عند المالكية , والشافعية , والمعتمد عند الحنابلة , واستدلوا :
§ قول علي رضي الله عنه في الدين المظنون : إن كان صادقاً فليزكه إذا قبضه لما مضى , وكذا روى عن ابن عباس رضي الله عنهما نحو ذلك , رواه أبو عبيد في الأموال , ونوقش : بأنها آثار قد عورضت بآثار أخرى في عدم وجوب زكاة الدين الضمار كما تقدم.
§ أن الدين المظنون مال مملوك يجوز التصرف فيه , فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء , ونوقش : أنه قياس مع الفارق , فالدين على مليء يمكن الانتفاع به واستنماؤه , بخلاف الدين على معسر أو جاحد أو مماطل.
3. وجوب الزكاة فيه إذا قبضه لعام واحد , فيما إذا كان الدين عن عوض , فإن كان عن غير عوض فلا زكاة فيه , وهو مذهب المالكية.
· الترجيح : الذي يترجح والله أعلم هو القول الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة , وإن عمل بالقوال الثالث كان أحوطا له فيه دينه.

والقسم الثاني إذا كان الدين مؤجلاً , فقد اختلف أهل العلم فيه على أقوال أهمها :
1. عدم وجوب الزكاة في الدين المؤجل , وهو وجه عند الشافعية , ورواية عند الحنابلة , ومذهب الظاهرية , ورجحه ابن تيمية , واستدلوا :
§ استدلوا بأدلة عدم وجوب الزكاة في الدين الحال على مليء , وقد تقدمت مع الإجابة عنها.
§ أن الدين المؤجل لا يمكن قبضه فأشبه الدين على معسر , لعدم استقرار الملك بالقبض , ونوقش : بأنه استدلال بمختلف فيه , وهو زكاة الدين على معسر , ثم إنه على التسليم بعدم وجوب الزكاة في الدين على معسر , فلا يسلم القياس للفارق بينهما , فالدين المؤجل قد علم أجل قبضه , بخلاف الدين على معسر فإنه لا يعلم متى يقبض , كما أن الدين المؤجل يكون برضا الدائن واختياره بخلاف الدين على معسر , فالقياس مع الفارق.
2. وجوب الزكاة في الدين المؤجل إذا قبضه لما مضى من السنين , وهو الأصح عند الشافعية , وهي الرواية المعتمدة عند الحنابلة, وقد أفتت بهذا القول اللجنة الدائمة للبحوث والافتاء , واستدلوا :
§ أدلة وجوب زكاة الدين على المعسر.
§ أن البراءة تصح من المؤجل , ولولا أنه مملوك لم تصح البراءة منه , وبناء عليه تجب الزكاة فيه.
· الترجيح : الذي يترجح والله أعلم هو القول الثاني , لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة والترجيح.

المبحث الثاني : أثر الدين في زكاة مال المدين :
يتلخص هذا المبحق في مسألة طرقها الفقهاء قديماً وهي : هل إذا كان الدين ينقص النصاب يسقط وجوب الزكاة في مال المدين ؟ , اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال :
1. الدين يمنع وجوب الزكاة مطلقاً , في الأموال الظاهرة والباطنة , حالاً كان الدين أو مؤجلاً , سواء كان لله أو للعباد , سواء كان من جنس المال الذي تجب فيه الزكاة أو لا , وهو القديم للشافعي , والراوية الأصح عند الحنابلة , وقد اشترط بعض الشافعية والحنابلة حلول الدين لمنع الزكاة , واستدلوا :
§ ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه " , ونوقش : بأن الحديث لا يثبت مسنداً.
§ أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة على الأغنياء وأمرهم بأدائها للفقراء , كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم "[8] , والمدين محتاج لقضاء دينه كحاجة الفقير إلى الزكاة , فلم يتحقق فيه وصف الغنى الموجب للزكاة , فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى "[9] , بل يتحقق فيه وصف الفقر المجيز أخذ الزكاة , لكونه من الغارمين.
2. الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقاً , وهو الأظهر عند الشافعية , ورواية عند الحنابلة , واستدلوا :
§ عموم الأدلة الموجبة للزكاة في المال , كقوله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها...). , ونوقش : بأن هذا العموم مخصوص بأدلة منع الدين للزكاة , وقد تقدمت.
§ لا دليل من كتاب أو سنة أو إجماع يدل على اسقاط الزكاة عن المال المشغول بالدين , ونوقش بأنه قد جاء الدليل من السنة , كما جاء النظر المعتبر بإسقاط الزكاة عن المال المشغول بدين.
3. الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة دون الظاهرة , إذا كان له مطالب من العباد , كدين القرض والسلم والنفقة , حالاً كان أو مؤجلاً , وهو مذهب المالكية , وقول عند الشافعية , ورواية عند الحنابلة , واستدلوا بما استدل به أصحاب القول الأول , واستثنوا الأموال الظاهرة من منع الدين إيجاب الزكاة فيها , وعللوا ذلك بما يلي :
§ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة والخراص , لأخذ الزكاة من المواشي والحبوب والثمار , ولم يكونوا يسألون أصحابها عن الدين , وهذا يدل على أن الدين لا يمنع الزكاة فيها , ونوقش : أن الأصل انتفاء الدين وبراءة الذمة.
§ أن تعلق أطماع الفقراء بالأموال الظاهرة أكثر فتكون الزكاة فيها أوكد , ونوقش : أن هذا التعليل لا يقاوم عموم الأدلة السابقة , وأن الدين يمنع وجوب الزكاة في سائر الأموال , لا سيما أن البطون والظهور في المال أمر نسبي.
· الترجيح : يترجح والله أعلم أن الدين يمنع الزكاة بالشروط التالية :
1. أن يكون الدين حالاً , فلا يستطيع المدين أداؤه , فلا يمنع المؤجل وجوب الزكاة في مال المدين , وهو قول بعض الحنفية , والمالكية , والشافعية , والحنابلة , لأن تمام الملك ينتفي بالحلول , وذلك لاستحقاق المطالب للدين , ولا ترد هذه العلة مع الإلزام بالأجل , إلا على القسط المستحق , ويبقى ما عداه في ملك المدين التام.
2. ألا يكون عند المدين عروض قنية – أصول ثابتة – مما لا يحتاجه حاجة أصلية , وذلك كعروض القنية التي تباع لوفاء دينه عند افلاسه.
3. أن لا يكون المدين مليئاً مماطلاً , فإن كان كذلك فإن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة عليه.


المبحث الثالث : تطبيقات معاصرة لزكاة الدين , وفيه أربعة مطالب[10] :
المطلب الأول: الديون الإسكانية:
أ- قرض بنك الائتمان الكويتي:
بنك الائتمان الكويتي هو مؤسسة عامة ذات شخصية معنوية مستقلة تحت إشراف وزير الدولة لشؤون الإسكان ، تقرض المواطنين مبالغ محدودة مساعدةً في بناء المنازل، ويسددها المقترض على أقساط شهرية ميسرة.
فهل يخصم المدين من زكاته بمقدار دين البنك الائتماني ؟
بناءً على ما تقدم من الخلاف في هذه المسألة: الذي يظهر أنه لا يخصم إلا القسط الحال من هذا الدين على ما تقدم من أن المؤثر هو الديون العاجلة لا الآجلة.
فالقِسط السنوي الحالُّ هو الذي يخصم من الدين فقط.
ويشترط لذلك شرط آخر، وهو ألا يبالغ في البناء بزيادات وإسراف زائد عن الحاجة الأصلية لتأمين السكن، على ما تقدم في شروط حسم الدين من الزكاة.
فما نشاهد اليوم من المبالغات العظيمة في السكن من حيث أدواتُ البناء المختلفة، والأثاث وغيرهما، هذا كله لا يحسم من الزكاة.
بل تجعل هذه الأمور الزائدة مقابلة للدين ولا يُحسَم من الزكاة شيء .
تنبيه:
إذا كان القسط يحل في شهر ذي الحجة، والحول يتم في رمضان، فهنا يعتبر الدين مؤجلاً؛ لأنه لا يحل إلا بعد ثلاثة أشهر، ويحتمل هنا أن نقول: إن هذا الدَّين يحل مع الزكاة في سنة واحدة، ويُغتفَر هذا الفرق 3 أشهر لكونه يسيرًا.
ويحتمل أن يقال: إن الدَّين مؤجَّل لم يحِلَّ إلى الآن، ولم يطالب به المدين، فالأصل عدم حسمه من الزكاة , وهذا الثاني هو الأقرب، والله أعلم.
ب- القروض الأخرى:
وأقصد بها القروض التي يأخذها الإنسان من الأشخاص أو البنوك لتمويل بناء المساكن الخاصة.
وهذه تأخذ الحكم المذكور في قرض البنك الائتماني على ما سبق تفصيله من حيث الحلول والتأجيل، ومن حيث بناء مسكن يقضي الحاجة الأصلية للإنسان بلا زيادات ومبالغات وإسراف، والله أعلم.
المطلب الثاني: الديون الاستثمارية:
ويقصد بها الديون التي تؤخذ لتمويل مشروعات تجارية بقصد التكسب وتنمية الأموال.
ومعلوم أن هذه الاستثمارات قد تكون في السلع، أو المباني، أو الشركات، أو المواشي، أو غيرها، وحُكْم هذه الديون فيه تفصيل:
إن كان استدان ليبدأ بعمل تجاري، يُقصَد منه الإنفاق على نفسه، بلا مبالغة ولا زيادة، فهذا يخصم من الزكاة مقدار الدين؛ لأنه ممن استدان للحاجة الأصلية التي يحتاجها للنفقة الواجبة عليه.
وإن كان استدان لزيادة التوسع في تجارته، أو للبدء بمشروع تجاري من باب زيادة الدخل مع وجود ما يكفي حاجته الأصلية، أو للبدء بمشروع تجاري ضخم كبير لا يحتاج لمثله لسد حاجته الأصلية، فهذا لا يخصم الدين من الزكاة؛ لأن ما يشتريه بالمبلغ المقترض، كله من باب الزيادة التي تُجعل مقابل الدين.
ولا بد مع ذلك من اعتبار الشروط المذكورة في حسم الدين من الزكاة .
المطلب الثالث: الديون المترتبة على شراء السيارات:
وخصصتها بالكلام لشدة انتشارها في زماننا، وكثرة المتعاملين بها.
والكلام فيها يشبه الكلام في المسألة السابقة.
فإذا كان اقترض لشراء سيارة يحتاجها حاجة ماسة، فتكون بذلك مما لا يستغنى عنه من الحاجة الأصلية بثمن معتدل عرفًا، فهذا يجوز له أن يحسمَ مقدارَ الدَّين من الزكاة، إذا توفرت الشروط المذكورة في المبحث الثالث .
أما إذا اشترى سيارة مرتفعة الثمن، أو اشترى سيارة أخرى مع سيارته، أو اشترى لأبنائه من غير حاجة، بأن تكفي سيارته حاجة منزله، فهذا لا يجوز له أن يحسم مقدار الدين من الزكاة؛ لأنه في هذه الحال تكون السيارة من الكماليات التي يستطيع أن يستغني عنها.
المطلب الرابع: جمعيات الموظفين أو العوائل أو الأصدقاء:
انتشرت في وقتنا هذا الجمعيات التي تكون بين مجموعة، تربطهم رابطة القرابة، أو العمل، أو الصداقة.
وتقوم فكرتها الأساسية على دفع أقساط ثابتة من الشركاء، ومن ثم لكل واحد منهم الحق في اقتراض مبلغ محدد من هذه الجمعية على أن يتم السداد بأقساط شهرية، غالبًا ما تكون مخفضة.
ولهذه الجمعيات تفصيلات كثيرة، يعنينا منها في هذا البحث، إذا اقترض أحد الأعضاء من هذه الجمعية فإنه سيكون مدينًا للجمعية، فهل يحسم مقدار هذا الدين من أمواله الزكوية؟
حسَب ما تقدم من فقه هذه المسألة، فإن المدين يحسِم من أمواله الزكوية القسطَ الحالَّ من هذا الدَّين فقط، دون باقي الأقساط المؤجلة.
وعلى القول الثاني يحسم من أمواله الزكوية جميع مبلغ الدين الحالِّ منه والمؤجَّل.


[1] انظر : معجم مقاييس اللغة , ابن فارس 2\320.

[2] انظر : المصباح المنير , لأحمد الفيومي , صـ78.

[3] انظر : زكاة الدين المعاصرة دراسة تأصيلية تطبيقية , د. عبدالله العايضي , صـ30.

[4] انظر : زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة , د. أحمد الخليل , صـ15.

[5] انظر : المرجع السابق.

[6] هذا المبحث مستفاد من كتاب نوازل الزكاة دراسة فقهية تأصيلية لمستجدات الزكاة , د. عبدالله بن منصور الغفيلي صـ200 وما بعدها.

[7] المال الضمار : هو المال الغائب الذي لا يرجى عوده.

[8] رواه البخاري , كتاب الزكاة , باب وجوب الزكاة , حديث رقم : 1395 , وراه مسلم في كتاب الإيمان , باب الدعاء إلى الشهادين وشرائع الإسلام , حديث رقم 19.

[9] رواه البخاري تعليقاً كتاب الوصايا , باب تأويل قوله تعالى ( من بعد وصية...) , ورواه أحمد في مسنده 2\230.

[10] هذا المبحث مستفاد من كتاب زكاة المدين وتطبيقاته المعاصرة , د. أحمد الخليل .
 
إنضم
10 يناير 2018
المشاركات
39
التخصص
ثقافة إسلامية
المدينة
كليفتون بارك
المذهب الفقهي
شافعي
رد: زكاة الدين

ما معنى وجوب الزكاة فيه لما مضى من السنين؟ الرجاء التوضيح بمثال.
 
أعلى