العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سلسلة العلماء [0095]: هدية الطالب أو ولي أمره للمعلم

إنضم
2 يناير 2015
المشاركات
1,457
الجنس
ذكر
التخصص
حاسب آلي
الدولة
مصر
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
شافعي
سلسلة العلماء [0095]: هدية الطالب أو ولي أمره للمعلم

الإخوة الكرام .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ننشر فيما يلي المادة التالية حول "هدية الطالب أو ولي أمره للمعلم"، نقلاُ عن فتوى بموقع (الإسلام سؤال وجواب) برقم (296184) حيث جاء فيها:

السؤال
أنا أستاذ في المدرسة الابتدائية، وذات مرة قدم إلي أب لتلميذ يدرس عندي، وأهداني محفظة فقبلتها، فهل هذا يدخل في هدايا العمال؟ فإن كان كذلك فماذا أفعل؟ وكيف أتحلل منها ؟ مع العلم أني أتحرج كثيرا لو أردها له، وهي عندي منذ سنتين، وقد استعملتها كثيرا، وأيضا تلاميذي أحيانا يعطونني قلما أو حلوى فهل تدخل في هذا أيضا ؟

الجواب

الحمد لله.

المعلم يرافق تلامذته وطلابه زمنا طويلا قد يصل إلى عدة سنوات ، وهذا أمر من شأنه أن يولد صداقات ، ومزيد أخوة بين المعلم وطلابه وأوليائهم؛ وبعضهم ربما كانت تربطه بهم علاقات سابقة.

فلذا تقديم الهدايا للمعلمين في المدارس يتجاذبه أصلان:

أصل مشروعية التهادي بين المسلمين واستحبابه كما هو معلوم.

وبين أصل تحريم هدايا العمال والموظفين.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ رواه ابو داود (2943) وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2 / 230).

وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: " اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا .

ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ رواه البخاري (6979)، ومسلم (1832).

ولضبط المشروع من غير المشروع من هذه الهدايا يجب الرجوع والنظر إلى أمرين مجتمعين:

الأمر الأول: يجب النظر إلى مقصد صاحب الهدية، ولا يكتفى بمجرد اسمها هدية لا رشوة؛ لأن العبرة في شرعنا بالمقاصد والمعاني، وليس بمجرد الأسامي.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد؛ كان حكمها واحدا، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا، وكذلك الأعمال، ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار " انتهى من"اعلام الموقعين" (4 / 552).

فلهذا إذا ظهر شيء من حال أو قرينة تشير إلى أن المهدي يقصد بهديته التقرب إلى المعلم ليعطي مزيد اهتمام بولده؛ فهذه هدية محرمة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" فوجه الدلالة أن الهدية هي عطية يبتغي بها وجه المعطي وكرامته ، فلم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظاهر الإعطاء ، قولا وفعلا ، ولكن نظر إلى قصد المعطِين ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال .

فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية ، لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته ؛ وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته ، إما ليكرمهم فيها ، أو ليخفف عنهم، أو يقدمهم على غيرهم ، أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته أو نفعه لأجل ولايته " انتهى من"الفتاوى الكبرى" (6 / 157).

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى:

" والظاهر: أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة؛ لأن المهدي إذا لم يكن معتادا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض، وهو إما التقوي به على باطله، أو التوصل بهديته له إلى حقه، والكل حرام " انتهى من"نيل الأوطار" (15 / 441).

الأمر الثاني: ربما يكون قصد المهدي حسنا لا ريبة فيه؛ لكن العادة أن مثل هذه الهدية تميل قلب المهدي إليه وتوقعه في المحاباة ومعاملة صاحب الهدية معاملة تميزه عن الباقي؛ ففي هذه الحال لا يجوز قبول هذه الهدية وإن كان أصلها مشروعا بسبب ما تجر إليه من الفساد عادة، والشرع جاء بسدّ أبواب الفساد.

قال الشاطبي رحمه الله تعالى:

" الأدلة الشرعية والاستقراء التام : أن المآلات معتبرة في أصل المشروعية ...

وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز، إلى عمل غير جائز فالأصل على المشروعية، لكن مآله غير مشروع... " انتهى من "الموافقات" (5 / 179 – 182).

فمثلا الهدية حال سير الدراسة مما قد يؤدي قبولها إلى محاباة الطالب، فهذا ينهى عن قبولها؛ لكن بعد نهاية الدراسة وظهور الدرجات بحيث لا يدرس صاحب الهدية عند هذا المعلم مرة أخرى، فهذه هدية لا مفسدة من قبولها، وصاحبها لا مقصد له سيئ منها، فيشرع قبولها.

فالحاصل؛ أن هذه المحفظة التي أهديت إليك؛ إن كان صاحبها أهداها إليك في حال سير الدراسة، ولم يسبق بينكما تهاد؛ فهي هدية غير مشروعة؛ فيجب التوبة من قبولها، وترجعها إلى صاحبها، فإن تعذر، فعليك أن تتخلص منها بأن تعطيها لمن هو في حاجة إليها من فقراء المسلمين، أو تتصدق بقيمتها إن كانت مستعملة أو مستهلكة.

قال النووي رحمه الله تعالى:

" ما يقبضه العامل ونحوه باسم الهدية يرده إلى مهديه فإن تعذر فإلى بيت المال " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (12 / 219).

وأما إذا أهديت إليك على وجه الأخوة ، وعلى حال ليست مظنة إلى محاباة ابن صاحب الهدية؛ كأن أهديت إليك بعد نهاية دراسته عندك، وكذا إذا كانت عادته أنه يهدي إليك من قبل التحاق ابنه بالدراسة عندك ، ففي هذه الحال لا بأس بهذه الهدية، وقد مضى بيان هذا في جواب السؤال رقم : (229549).

والله أعلم.

والله ولي التوفيق.

موقع روح الإسلام

 
أعلى