العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سلسلة المصادر الأصولية على طريقة المتكلمين بقلم / محمد بن حسين الجيزاني

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
سلسلة المصادر الأصولية
على طريقة المتكلمين

بقلم/ محمد بن حسين الجيزاني



(1)

بعد أن صنَّف الإمام الشافعي (204هـ) كتاب الرسالة ـ وهو أول كتاب في أصول الفقه ـ اقتصرت معظم جهود الأصوليين بعده؛ كابن سريج (306هـ) والصيرفي (330هـ) وابن القطان (359هـ) على شرح الرسالة أو الاقتباس منها أو الرد على المخالفين إلى أن جاء القاضيان: القاضي الباقلاني (403هـ) والقاضي عبد الجبار (415هـ) فكان لهذين العلمين الأثر الكبير في المؤلفات الأصولية فيما بعد .

(2)

فالقاضي الباقلاني له كتاب التقريب والارشاد، وقد تتلمذ إمام الحرمين الجويني (478هـ)، على كتب الباقلاني، وللجويني في أصول الفقه ثلاثة كتب:
أولها: متن مختصر، وهو الذي عُرف بالورقات، وقد شاع تدريس هذا المتن وتقريبه للمبتدئين، وظهرت عناية الأصوليين به؛ فمن شروحه: شرح الجلال المحلي(864هـ)، وعليه حاشية للدمياطي (1117هـ)، وحاشية النفحات للخطيب الجاوي ( 1326هـ)، وشرح تاج الدين الفركاح الشافعي (690هـ) وهو من تلاميذ العز بن عبد السلام (660هـ) ، ومن شيوخ شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، والمارديني (871هـ) في الأنجم الزاهرات، وابن إمام الكاملية (874هـ) ولتلميذه: ابن قاوان الكيلاني (889هـ) كتاب التحقيقات في شرح الورقات، الذي ذكر أنه استمده من أربعة: كلام العضد على ابن الحاجب، وكلام السعد التفتازاني على شرح العضد، والتحرير لشيخه ابن الهمام (861هـ)، والتلويح للسعد، وهو شرح لكتاب: التوضيح على متن التنقيح، كلاهما لصدر الشريعة المحبوبي الحنفي (747هـ)، وكتاب قرة العين للحطاب (954هـ)، وأراد به أن يكون شرحا للورقات ولشرح الجلال المحلي عليه؛ إذ المحلي شيخ شيوخه، وغاية المأمول للرملي (957هـ) وقد أخذ عن زكريا الأنصاري صاحب غاية الوصول في شرح لب الأصول، ولازمه، ومن تلاميذه: ابن قاسم العبادي (994هـ) الذي له شرحان على متن الورقات: الشرح الكبير، ثم لـخَّص منه: الشرح الصغير .
وقد نظم متن الورقات العمريطي (988هـ) في تسهيل الطرقات، وممن شرح هذا النظم: عبد الحميد قدس (1335هـ) في: لطائف الإشارات، ومحمد العثيمين (1421هـ) .
ونظمه أيضا: محمد المغربي (1340هـ) في تسعة وتسعين بيتا (99) وسماه: سلم الوصول إلى الضروري من علم الأصول، ثم شرحه في: النصح المبذول لقراء سلم الوصول .
وثانيها: كتاب التلخيص، وقد أخذه من كتاب التقريب والإرشاد للباقلاني؛ حيث بنى عليه .
وثالثها وهو آخرها: كتاب البرهان، حيث أكثر فيه من النقل عن الباقلاني، وقد وضعه على أسلوب غريب لم يقتد فيه بأحد، وسماه التاج السبكي لغز الأمة، لما فيه من مصاعب الأمور، وممن شرح البرهان اثنان من المالكية: المازري (536هـ) في كشف إيضاح المحصول من برهان الأصول، والأبياري (616هـ) في التحقيق والبيان في شرح البرهان .

(3)

وأما القاضي عبد الجبار فله كتاب العمد، وقد تتلمذ عليه أبو الحسين البصري (436هـ)، الذي قام بشرح العمد، ثم ألف كتاب المعتمد، وذكر فيه زيادات على الشرح، كما سجل فيه آراء شيخه من الدرس .
وقد استفاد القاضي أبو يعلى (458هـ) في معظم كتابه العدة من المعتمد ومن أصول الجصاص، وقد كان للقاضي أبي يعلى تلميذان: أولهما: أبو الخطاب (510هـ) وله كتاب التمهيد الذي رجع فيه كثيرا إلى كتاب المعتمد، وثانيهما: أبو الوفاء ابن عقيل (512هـ) صاحب كتاب الواضح في أصول الفقه، وقد ضمنه فصولا في صناعة الجدل، ومن تلاميذ ابن عقيل: ابن بَرهان (518هـ) كان حنبليا ثم انتقل إلى مذهب الشافعي، ولذا أطلق عليه ابن الجوزي ابن تركان، وقد لازم الغزاليَّ وخلفه في تدريس الإحياء، وله كتاب الوصول إلى الأصول الذي يتفق كثيرا مع كتاب المنخول لشيخه الغزالي، ومع كتاب البرهان للجويني، وقد كان لابن برهان أثر واضح في كتاب المسودة، الذي سمي بذلك لأن ثلاثة من آل تيمية تتابع على تأليفه دون إكماله فتركوه مسودة، وهم: عبد السلام مجد الدين بن تيمية (652ﻫ) ثم ابنه شهاب الدين عبد الحليم (682ﻫ) ثم حفيده شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية (728هـ) ثم قيض الله لهذه المسودات أحد تلاميذ شيخ الإسلام ـ وهو أحمد بن محمد الحراني (745ﻫ) ـ فجمعها ورتبها وبيضها وميَّز بعضها عن بعض: فما كان لشيخه قال فيه: "قال شيخنا"، وما كان لوالد شيخه قال فيه: "قال والد شيخنا"، وما كان لصاحب الأصل مجد الدين تركه مهملاً .

(4)

وأما أبو حامد الغزالي (505هـ) فقد ساغ له النظر فيما كتبه شيخه الجويني وما كتبه الباقلاني، وما كتبه القاضي عبد الجبار وتلميذه أبو الحسين فأحسن الاستفادة منها، وأجاد في صياغة مادتها العلمية وأتقن ترتيبها وتبويبها، فصنف أجلَّ كتب المتكلمين الأصولية وواسطة عقدها، ألا وهو: المستصفى، وقد جعله الغزالي وسطا بين الإيجاز والإطناب؛ حيث انتقاه من كتابيه: المنخول وتهذيب الأصول، وبهذا الكتاب نضجت قضايا علم أصول الفقه واكتملت مسائله، وهو مغن عما قبله، عمدة لمن أتى بعده .
ومن هنا فقد قال ابن خلدون: (وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون: كتاب البرهان لإمام الحرمين، والمستصفى للغزالي، وهما من الأشعرية. وكتاب العهد لعبد الجبار، وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري، وهما من المعتزلة. وكانت الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه) .
ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء الأربعة: القاضي الباقلاني؛ إذ هو أسبقهم، ولأن الجويني والغزالي قد اعتمدا عليه كثيرا في مصنفاتهم الأصولية .
وقد كان لهؤلاء الخمسة اليد الطولى في تأسيس طريقة المتكلمين وبسطها، وكان الغزالي خاتمتهم واجتمعت لديه زبدة كلامهم .
وممن اختصر كتاب المستصفى اثنان من المالكية:
أولهما: أبو الوليد ابن رشد الحفيد (595هـ) في كتابه المسمى بالضروري في علم الأصول، وثانيهما: ابن رشيق (632هـ) في لباب المحصول في علم الأصول .
ويعد كتاب روضة الناظر لابن قدامة الحنبلي (620هـ) تهذيبا للمستصفى، وقد كان كتاب الروضة محل قبول عند الحنابلة على وجه الخصوص:
فقد بنى صفي الدين الحنبلي (739هـ) على الروضة كتابه قواعد الأصول ومعاقد الفصول الذي اختصره من كتابه تحقيق الأمل، وقد قام بشرح قواعد الأصول من المعاصرين: الشيخ عبد الله الفوزان في كتابه تيسير الوصول .
وممن قام بتلخيص الروضة شمس الدين البعلي (709هـ)، ثم تلميذه الطوفي (716هـ) حيث اختصر الروضة ـ في عشرة أيام ـ على طريقة ابن الحاجب، وذلك في كتاب متقن غاية الإتقان، وهو الذي عُرف بالبلبل، ثم قام بشرحه في كتاب شرح مختصر الروضة، وعلى هذا الشرح اعتمد علاء الدين الكناني العسقلاني الحنبلي (777هـ) في شرحه لمختصر الطوفي، وذلك في كتابه: سواد الناظر وشقائق الروض الناظر، وقد استمد ابن بدران الحنبلي (1346هـ) من شرح الطوفي غالب حاشيته على الروضة، التي سمّاها: نزهة الخاطر العاطر، وقد استفاد الأمين الشنقيطي (1393هـ) في مذكرته على الروضة ـ غالبا ـ من هذه الحاشية ومن مراقي السعود .
وقد هذّب كتاب الروضة من المعاصرين الشيخ عبد القادر شيبة الحمد في: إمتاع العقول، كما كُتبت على الروضة شروح عدة لجمع من المعاصرين .

(5)

ويحسن التنبيه في هذا المقام إلى مؤلفات أصولية للشافعية، صُنفت قبيل المستصفى أو بعده بقليل، فمن ذلك:
كتاب الفقيه والمتفقه للحافظ المحدث الخطيب البغدادي (463هـ)، ويعتبر هذا الكتاب أصول فقه المحدثين، وقد بناه ـ في الغالب ـ على كتابين: الرسالة للشافعي والتبصرة للشيرازي (476هـ)، وهو فقيه الشافعية صاحب المهذب، وقد ألف في أصول الفقه بعد التبصرة كتاب اللمع ثم قام بشرحه .
ومنها: كتاب قواطع الأدلة للسمعاني (489هـ)، وفيه انتصار واضح لمذهب الشافعي، وانتقاد ظاهر للمتكلمين والحنفية على وجه العموم، وفيه على وجه الخصوص تتبع وردٌّ على كتاب تقويم الأدلة للدبوسي الحنفي (430هـ) .
ومنها: كتاب التنقيحات للسهروردي (587هـ) .

(6)

ثم جاء بعد الغزالي فحلان من المتكلمين لخصا تلك الكتب الأربعة التي تُعتبر أركان علم الأصول، وهما الفخر الرازي والسيف الآمدي:
أما الفخر الرازي (606هـ) فألف كتاب المحصول؛ لخص فيه كتابين: المستصفى والمعتمد، وقد ظهر على الرازي التركيز على جانب الاستدلال والمعارضات؛ ليصبح كتاب المحصول مدرسة مستقلة، وقد لقي عناية كبرى من الأصوليين، فمن ذلك:
مختصران للأرمويين؛ أولهما: الحاصل من المحصول لتلميذ الفخر تاج الدين الأرموي (653هـ)، وعليه اعتمد البيضاوي في منهاجه، وثانيهما: التحصيل من المحصول لسراج الدين الأرموي (682هـ) .
ولأبي عبد الله محمد بن عبّاد الأصفهاني (688هـ) ـ وهو تلميذ تاج الدين الأرموي ـ الكاشف عن المحصول، لكنه مات ولم يكمله، وقد اجتهد فيه كل الاجتهاد أن يجيب عما أُورد على المحصول، وعلى وجه الخصوص ما أورده كل من: نجم الدين النقشواني (651هـ) في التلخيص، وسراج الدين الأرموي في التحصيل، والتبريزي (621هـ) في تنقيح المحصول، وحيث إن الأصفهاني قد وقف على شرح القرافي للمحصول فقد أودع كتابه الكثير من محاسنه، بل أوردها على أحسن أسلوب وأجود تقرير .
وللقرافي المالكي (684هـ) ثلاثة كتب على المحصول:
شرح مطول، سماه نفائس الأصول، واختصار له، وهو تنقيح الفصول في اختصار المحصول، وله على هذا المختصر شرح متوسط، وهو شرح تنقيح الفصول، وقد أضاف عليه ـ لبيان مذهب الإمام مالك ـ كتبا ثلاثة: الأول: كتاب الإفادة للقاضي عبد الوهاب(422هـ) صاحب الملخص، والثاني: كتاب الإشارة للباجي (474هـ) صاحب إحكام الفصول، والثالث: كلام ابن القصار؛ إذ ليس له كتاب في أصول الفقه سوى مقدمته الأصولية لكتاب عيون المسائل .
وقد استفاد من شرح التنقيح ابن جزي في كتابه تقريب الوصول إلى علم الأصول، وعلى التنقيح شرح مختصر لابن حلولو (898هـ)، وشرح آخر للرجراجي الشوشاوي (899هـ) سماه: رفع النقاب عن تنقيح الشهاب، وحاشية لمحمد حمودة بن جعيط (1337هـ) اسمها: منهج التوضيح والتصحيح لحل غوامض التنقيح، وللقاسمي (1332هـ) اختصار لمتن التنقيح، وذلك ضمن كتاب عُرف باسم متون أصولية مهمة في المذاهب الأربعة؛ حيث اختار فيه لكل مذهب متنا مختصرا، وقد قام بنشره والتعليق عليه .
وللفخر الرازي كتاب المعالم الذي شرحه ابن التلمساني (644هـ) .
ثم جاء سيف الدين الآمدي (631هـ) الذي ألف كتابه المحكم: الإحكام في أصول الأحكام؛ لخص فيه المستصفى والمعتمد، مع رجوعه إلى المحصول للرازي، وقد مال فيه الآمدي إلى جانب تحرير الأقوال وتحقيق المذاهب ونقد الحدود؛ ليصبح كتاب الإحكام مدرسة مستقلة .
وقد قام كل من الرازي والآمدي باختصار كتابه، وذلك في المنتخب للرازي، ومنتهى السول للآمدي، والعجيب أن الآمدي ألف الإحكام والمنتهى وعمره يناهز الثمانين .
ومن الطريف أن اسم هذين الكتابين جاء موافقا لكتابين سابقين، أولهما: المحصول لابن العربي المالكي (543هـ) حيث أخذ معظمه من شيخه الغزالي في كتابه المنخول من تعليقات الأصول، والغزالي في كتابه هذا التزم تعليقات شيخه إمام الحرمين واقتصر عليها في الغالب، وثانيهما: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم الظاهري (456هـ) الذي قام فيما بعد بتقريبه في كتابه الصغير: النبذ .
وقد قام صفي الدين الهندي (715هـ) ـ وهو تلميذ سراج الدين الأرموي ـ بالجمع بين كتابي المحصول والإحكام في نهاية الوصول، ثم اختصر النهاية في الفائق .

(7)

ثم جاء إمامان: الأول: ابن الحاجب (646هـ) ـ تلميذ الآمدي وصاحبه ـ الذي قام باختصار الإحكام في كتاب منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ويسمى بالمختصر الكبير، ثم اختصر المنتهى في كتاب مختصر المنتهى، وهو الذي شاع وذاع .
والثاني: البيضاوي (685هـ) الذي قام باختصار الحاصل للأرموي ـ وهو مختصر من المحصول ـ في مختصره المشهور: منهاج الأصول .
ثم تكاثرت شروح الأصوليين وتعليقاتهم على هذين المختصرين، أعني: مختصر المنتهى لابن الحاجب، والمنهاج للبيضاوي .

(8)

أما مختصر ابن الحاجب فقد شرحه العضد الإيجي (756هـ)، وعليه حاشية لسعد الدين التفتازاني الحنفي (793هـ)، وحاشية أخرى للسيد الشريف الجرجاني (816هـ)، وشرحه أبو الثناء شمس الدين الأصفهاني (749هـ ) في بيان المختصر، وإلى هذين الشرحين ـ غالبا ـ يرجع الرهونيالمالكي (773هـ) في شرحه المسمى: تحفة المسؤول مع عنايته بتحرير مذهب الإمام مالك، وشرحه أيضا: البابرتي الحنفي (786هـ) في كتابه: الردود والنقود، وقد أخذه من بيان المختصر لشيخه الأصفهاني، وسعى فيه إلى نصرة مذهب إمامه أبي حنيفة، والرد على ثلاثة من مخالفيه: الآمدي وابن الحاجب والبيضاوي، وللبابرتي كتاب التقرير، وهو شرحٌ لأصول البزدوي .
وكتاب البابرتي هذا غير كتاب النقود والردود لشمس الدين الكرماني (786هـ) تلميذ العضد الإيجي، الذي شرح فيه مختصر ابن الحاجب، وذكر فيه أن خير الكتب مختصر المنتهى، وخير شروحه شرح أستاذه عضد الدين، وقد سمي بذلك لأنه اختار النقل من شروحه السبعة المشهورة، فالتزم استيعابها، وهي المنسوبة إلى أكابر الفضلاء: قطب الدين الشيرازي وركن الدين الموصلي وجمال الدين الحلي وزين الدين الخنجي وشمس الدين الأصفهاني وبدر الدين التستري وشمس الدين الخطيبي، ولذلك سماه السبعة السيارة، وذكر أنه أردفها بسبعة أخرى، لكن بغير استيعاب، فجاء شرحا حافلا .
وقد استفاد شمس الدين ابن مفلح (763هـ) كثيرا من مختصر ابن الحاجب، وذلك في كتابه: أصول الفقه، ثم اختصره ابن اللحام البعلي (803هـ) في كتابه المختصر، ثم شرح هذا المختصر أبو بكر الجراعي (883هـ)، وأيضا فإن علاء الدين المرداوي (885هـ) استمد غالب مختصره المسمى: تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول من ابن الحاجب وأصول ابن مفلح، ثم قام بشرحه في: كتاب التحبير شرح التحرير، كما سيأتي .

(9)

وأما منهاج البيضاوي فممن شرحه: تلميذه فخر الدين الجاربردي (746هـ) في كتابه: السراج الوهاج، ثم جاء الأسنوي (772هـ) فزاد على المنهاج في كتابه: زوائد الأصول على منهاج الأصول، وقام أيضا بشرح المنهاج في نهاية السول، وقد هذَّب شرح الأسنوي من المعاصرين محمد أبو النور زهير في كتابه أصول الفقه، وللمطيعي الحنفي (1354هـ) مفتي الديار المصرية حاشية على كتاب الأسنوي سماها: سلم الوصول لشرح نهاية السول، وممن شرح المنهاج الجزري (716هـ) في معراج الوصول، والبدخشي الحنفي (772هـ) في كتابه المسمى مناهج العقول .
وللزين العراقي (806هـ) نظم للمنهاج سماه: النجم الوهاج، وقد شرحه ابنه ولي الدين العراقي (826هـ) صاحب الغيث الهامع في شرح جمع الجوامع الآتي بيانه .

(10)

وقد وقع للتاج السبكي (771هـ) شرحان نفيسان لهذين المختصرين: رفع الحاجب عن ابن الحاجب، والإبهاج في شرح المنهاج، وهو إكمال للشرح الذي ابتدأه والده تقي الدين على المنهاج، ثم ألف التاج متنا مختصرا بديعا عجيبا، جمعه من مائة مصنف تقريبا، وهو جمع الجوامع، ثم صنف منع الموانع في الرد على اعتراضات الأصوليين واستشكالاتهم على جمع الجوامع .
وقد كانت للأصوليين عناية جليلة بجمع الجوامع شرحا واختصارا ونظما:
فقد شرحه الزركشي (794هـ) في تشنيف المسامع، ومن هذا الشرح أخذ ولي الدين العراقي شرحه: الغيث الهامع في شرح جمع الجوامع .
ولابن قاسم العبادي شرح سماه: (الآيات البينات على اندفاع أو فساد ما وقفت عليه مما أُورد على جمع الجوامع وشرحه للمحقق المحلي من الاعتراضات)
ومن أقرب شروح جمع الجوامع: البدر الطالع للجلال المحلي، وعلى هذا الشرح حاشية للبناني (1198هـ)، وأخرى للعطار (1250هـ) اقتفى فيها شرح ابن قاسم العبادي (880هـ)وأكثر من الاعتراض على البناني، وتقريرات للشربيني (1326هـ)، وأخرى للمالكي (1367هـ) .
وممن اختصر جمع الجوامع: زكريا الأنصاري (926هـ) في لب الأصول، ثم شرح هذا المختصر في غاية الوصول .
وممن نظم جمع الجوامع: الأشموني (900هـ) في البدر اللامع، والسيوطي (911هـ) في الكوكب الساطع، ثم إنه قام بشرحه، وشرحه أيضا ابن حلولو في الضياء اللامع، وشرحه من المعاصرين: محمد الحسن الخديم في سلم المطالع لدرك الكوكب الساطع، ومحمد آدم الأثيوبي في الجليس الصالح النافع، وكلاهما اعتمد على شرح المحلي على جمع الجوامع وشرح السيوطي لنظمه .
ونظمه أيضا: العلوي الشنقيطي (1233هـ) في مراقي السعود، ثم شرحه في كتاب نشر البنود، وشرحه أيضا: المرابط الشنقيطي (1325هـ) في كتاب سماه: مراقي السعود إلى مراقي السعود، والولاتي (1330هـ) في فتح الودود شرح مراقي السعود، وللشيخ محمد الأمين الشنقيطي شرح أملاه على بعض أصحابه، لكنه لم يتمه ـ إذ بقي منه ما يقارب الخمس ـ فأكمله بعض طلابه ونشره باسم: نثر الورود .
وبهذه المختصرات الثلاثة أعني ـ ابن الحاجب والبيضاوي وابن السبكي ـ اجتمعت أطراف علم الأصول ـ على طريقة المتكلمين ـ وتمت مسائله .

(11)

ثم جاء بدر الدين الزركشي وألف كتابه المديد البحر المحيط، الذي يعد مجمعا فريدا لم يسبق إلى مثله؛ حيث رجع فيه إلى مئات المصنفات الأصولية، وجمع فيه أطراف هذا العلم ودقائق مسائله وشوارده .
ثم جاء بعد الزركشي تلميذه البرماوي (831هـ) الذي نظم ألفيته المسماة: النبذة الألفية في الأصول الفقهية، ثم شرحها في كتابه: الفوائد السنية في شرح الألفية، وقد أخذ أكثره من البحر المحيط، وقد اعتمد المرداوي كثيرا على شرح هذه المنظومة في كتابه التحبير شرح التحرير، الذي شرح فيه كتابه المختصر: التحرير، الذي استمد غالبه من أصول ابن مفلح وابن الحاجب .
ثم قام الفتوحي (972هـ) باختصار التحرير، ثم شرح مختصر التحرير، وذلك في كتاب: المختبر المبتكر شرح المختصر، وهو الكتاب الذي عُرف باسم شرح الكوكب المنير .
ومن تلاميذ البرماوي: ابن إمام الكاملية (874هـ) الذي وضع شرحا مطولا على منهاج البيضاوي في كتاب سماه: تيسير الوصول إلى منهاج الأصول، ثم قام باختصار هذا الشرح على طريقة متوسطة، وهو الذي بين أيدي الناس .
والشوكاني (1255هـ) في كتابه إرشاد الفحول إنما رجع إلى البحر المحيط ونهل منه، ثم قام صديق حسن خان (1307هـ) ـ وهو تلميذ للشوكاني على كتبه ـ باختصار إرشاد الفحول في حصول المأمول .

(12)

وبعد فهذه ورقة في تاريخ أصول الفقه، اقتصرت فيها على سرد تاريخي موجز لأبرز المؤلفات الأصولية على طريقة المتكلمين خاصة .
وهي طريقة مشهورة في الكتابة والتأليف في علم أصول الفقه، ذات منهج مستقل في عرض القواعد الأصولية وتقريرها، ويقابلها طريقة الفقهاء أو الحنفية .
وسميت بطريقة المتكلمين؛ لأن أكثر من سلكها وصنَّف فيها إنما هم المتكلمون، وهم الذين لهم قدم راسخة في علم الكلام، من المعتزلة والأشاعرة، وهذا أمر واقع، ما له من دافع .
وربما سميت بطريقة الشافعية؛ لأن أكثر الذين صنّفوا على هذه الطريقة إنما هم أعلام المذهب الشافعي .
وقد تضمن هذا السرد تسمية ما يزيد على مائة وأربعين (140) كتابا، مع الإشارة إلى علاقة بعضها ببعض ما أمكن .
وجلُّ هذه الكتب من المطبوع، ومنها ما هو مفقود، وهو قليل .
ومنها: الوجيز والوسيط والبسيط .
ومنها: ما هو أصل، ومنها ما هو شرح أو حاشية أو اختصار أو نظم .
ومنها: المتقدم السابق، والمتأخر اللاحق، ومنها ما هو معاصر .
ومعظمها للشافعية، وبعضها للمالكية والحنابلة، وقليل منها للحنفية؛ حيث إن للحنفية طريقة خاصة في التأليف في أصول الفقه، عُرفت باسمهم، وبيان ذلك يحتاج إلى ورقة أخرى، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلَّم على سيدنا ونبينا وعلى آله وصحبه أجمعين .
طيبة الطيبة
يوم عاشوراء 1428 هـ
 
التعديل الأخير:

معتوق

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
30
التخصص
أصول فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
هل كتاب (المعتمد) لأبي الحسين البصري يعتبر شرح لكتاب (العمد ) للقاضي عبد الجبار ؟؟؟
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
جزاكم الله خيرا ، نفع بكم
 

أحمد بن فخري الرفاعي

:: مشرف سابق ::
إنضم
12 يناير 2008
المشاركات
1,432
الكنية
أبو عبد الله
التخصص
باحث اسلامي
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
شافعي
هل كتاب (المعتمد) لأبي الحسين البصري يعتبر شرح لكتاب (العمد ) للقاضي عبد الجبار ؟؟؟

كلاهما لأبي احسن الحسين البصري . والله أعلم
 
إنضم
4 أبريل 2008
المشاركات
23
الكنية
أبو عبد العزيز المدني
التخصص
الفقه
المدينة
المدينة المنورة
المذهب الفقهي
الحنبلي


بارك الله فيك أخي / فؤاد

وجزى الله شيخي / محمد الجيزاني خير الجزاء على جهوده .
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,134
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
أبوعبد العزيز;5580 قال:
بارك الله فيك أخي / فؤاد

وجزى الله شيخي / محمد الجيزاني خير الجزاء على جهوده .

وفيك بارك الله؛ وجزاك الله خيراً لمشاركتك معنا ...
وبلغ الشيخ مني السلام أعذبه وأوفاه؛ وأرقه وأحلاه ...
ويا حبذا تشريفه لنا؛ وإطلالته معنا ولو عن كثب ...
 
التعديل الأخير:

معتوق

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
11 مارس 2008
المشاركات
30
التخصص
أصول فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
سلسلة المصادر الأصولية
على طريقة المتكلمين

بقلم/ محمد بن حسين الجيزاني



(1)



وأما القاضي عبد الجبار فله كتاب العمد، وقد تتلمذ عليه أبو الحسين البصري (436هـ)، الذي قام بشرح العمد، ثم ألف كتاب المعتمد، وذكر فيه زيادات على الشرح، كما سجل فيه آراء شيخه من الدرس .
ومن هنا فقد قال ابن خلدون: (وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون: كتاب البرهان لإمام الحرمين، والمستصفى للغزالي، وهما من الأشعرية. وكتاب العهد لعبد الجبار، وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري، وهما من المعتزلة. وكانت الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه) .
ذكر الدكتور أن أبا الحسين البصري قام بشرح (العمد) ثم الف كتاب المعتمد ...
وقال ابن خلدون : وكتاب العهد لعبد الجبار وشرحه المعتمد ..
فكلام الدكتور يوحي بأن كتاب المعتد ليس شرحا للعمد وكلام ابن خلدون ينص على أنه شرح للعمد فكيف الجمع بينهما ؟؟
 
أعلى