العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سلسلة : طالبُ العلمِ الرّبّاني و قِيَمُ التواصل الإيجابي ( 1/7 ) حُسْنُ الظنّ بالمتكلم . . بين التضييع

إنضم
15 أكتوبر 2011
المشاركات
28
الكنية
أبو أسامة
التخصص
تفسير وعلوم القرآن
المدينة
أم البواقي
المذهب الفقهي
مالكي يميل مع الحق على لسان من ظهر
سلسلة : طالبُ العلمِ الرّبّاني و قِيَمُ التواصل الإيجابي ( 1/7 )
حُسْنُ الظنّ بالمتكلم . . بين التضييع والتمييع :
من الأصول العلمية المنهجيّة و التربويّة التي تميّز الربّانيّين من العلماء وطلبة العلم ، وتشكّل قيمةً إيجابيّةً راقية في التواصُل والنقد والحوار : إحسان الظنّ بالمتكلّم في الجملة ، وحمل كلامه الموهِم على أحسن المحامل و أجودها ما أمكن ، وهذه القيمةُ تعكسُ في الحقيقة شخصيّةً مستقبِلةً راقية ، تحوي نفْسًا كبيرةً سامية ، تخلّصت من شوائبِ الشهوات ، و تشبّعت بالصدق و الإخلاص و التجرّد ،لأنّها تعشقُ الحقيقةَ لذاتِها فهي تأخذُ بها على لسان من ظهرت . .

غير أنّهُ في المقابل : ليسَ كلُّ الناسِ يوهمون في الكلامَ ويريدُون الحق ! :
فحينَ تتعاملُ النفسُ مع الاشتباه و الإيهامِ في الكلامِ
بمطلق حُسن الظنّ ، دونَ ربطِ التبيين والتمحيص بطريقة القائل وسيرته ومذهبه المعروف المشهور ، وما اعتاده في الدعوة مما هو مشهورٌ عنه مستفيض ؛ تقعُ الفتنةُ و التدليس ، وينفتحُ على الناسِ بموجبِ ذلكَ ما لا يُحصَى من مصايدِ إبليس ، و خاصّةً أنَّ الشُّبَهَ خطّافةٌ ، ولكلّ ساقطةٍ لاقطة ! .
فالموضوعُ إذًا يحتاجُ إلى استقامةٍ بين التضييع والتمييع . .
و الفضيلةُ مرتبةٌ بين رذيلتين !
.
حَول هذا التوازُنِ يكونُ الكلامُ الذي توسّعُهُ مداخلات الأساتذة الأفاضل ، ونسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضَى .
أيها الأحباب :
المخرج إذًا في : حمل المشتبه من كلام المتكلم على الواضح من مذهبه وسيرته :
إذا صدرَ من الشخصِ كلامٌ يحتملُ حقًّا وباطلاً ، فالواجبُ على المنصفِ العفيف حملُهُ على معتادِ طريقةِ الشخص و سيرتِهِ و مذهبِه ، بهذه الطريقةِ يحصُلُ التبيين بإنصافٍ و عدل ، و هو دليلٌ على إنصافِ المستمعِ ، وإرادته الحقيقة بلا شهوةٍ أو شبهة .

أ / فإن كانت طريقةُ المتكلّمِ وسيرتهُ و ما يدعو إليه ويوالي عليه محضَ الباطل في المستفيض المشهور عنه ؛ حَكمَ المتلقّي على المشتبَهِ من كلامِهِ وفق المعهود منه ، و زال الاشتباهُ و الإيهام ، وظهرَ إرادته للباطل مع سوء التعبير ، وما ظلمَ إلاّ نفسَه .

ب / وإن كانت طريقتُهُ وسيرتُهُ و ما يدعو إليه ويوالي عليه محضَ الحقّ في المستفيضِ المشهورِ عنه ؛ حَكَمَ المتلقّي على المشتبه من كلامه وفق المعهود منه ، وزال الاشتباهُ والإيهام وظهر إرادته للحقّ مع سوء التعبير منه .
وهذه القاعدةُ في الحملِ والتبيين دلُّ عليها الشرع والعقل و كلامُ الراسخين في العلم والأدب والمنهج :
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : " والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل ويريد بها الآخر محض الحق والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه وما يدعو إليه ويناظر به " مدارج السالكين (3/521) .
فهذا تأصيلٌ واضحٌ أصيلٌ من إمامٍ راسخٍ في العلم والأدب و المنهج ، يبيّن بكلّ جلاءٍ أنَّ الاعتبار في الحكمِ على المشتبَهِ من كلامِ الناس ليس مجرّد ما تحتمله الكلمةُ في قاموس اللغة ، ولا الجنوحَ إلى أسوءِ ما تحتمله و العياذ بالله ؛ إنّما الاعتبارُ و الارتكازُ في التبيين يرجعُ إلى طريقة القائل وسيرته ومذهبه المعروف المشهور ، وما اعتاده في الدعوة مما هو مشهورٌ عنه مستفيض ، أو ما يناظرُ به إن كان من أهل الحِجاج والمناظرة ، هذا هو المعتمدُ عند العلماء الربّانيّين .

فطريقة القائل ومذهبه : منهجه الذي يتبنّاهُ ويتحاكم إليه و يوالي أهلَه ، بحيثُ صارَ بالنسبة إليه سيرةً وطريقةً مشهورة مستفيضة .
و ما يدعوا إليه ويناظر به
: اعتبار قواعد منهجه في دعوته وكتاباته ومحاضراته وما يناظر به إن كان من أهل الحِجاج والمناظرة .
والمقصودُ من كلام ابن القيّم -رحمه الله - : أنَّ الحكم على الكلمة في النهاية يُعْتَبَرُ فيه ما عُرِفَ عن الشخص المتكلم في المذهب و التطبيق والدعوة بمختلف مجالاتها ، لا ما هو حاصلٌ من موقفِ النفسِ حول الكلام المسموعِ أو المقروء منفصلاً ، فإنّ النفسَ تعتريها عوارضُ الشهوة والشبهة عند الاستماع والقراءة ، وهي عوارض - إن حصلت حال الاستماع أو القراءة - صرفت عن المعنى المقصودِ في واقع الأمر ، ولا يزول الاشتباهُ إلا بالاستقراء والتتبّع . .

و يُشبهُ كلامَ ابنِ القيّم جملةٌ لشيخِه شيخِ الإسلامِ ابن تيميّة - والحقُّ بعضُهُ من بعض - : قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :" ليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عُرِفَ أنه أراده ،لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كلّ أحد " ( مجموع الفتاوى 7 /36 ) . رحم الله شيخ الإسلام ، و ما أجلَّها من قيمة إيجابيّة لدى القارئ والمستمع ! ؛ فلا ينبغي حملُ الكلامِ المشتبَهِ على ما يحتملُهُ ذلك الكلامُ في طرحِ كلّ النّاس ؛ بل ينظُرُ الرّبّانيُّ مُرِيدُ الحقّ فيما عُرِفَ عن الشخصِ ممّا يكشفُ المُرادَ في الإيهام .
أكتفي بهذه الإضاءة المنهجيّة التربويّة ، وأفتحُ الباب لأساتذتي الكرام للتوسّع في الطرح ، و التمثيل و التوجيه . .
 

أم طارق

:: رئيسة فريق طالبات العلم ::
طاقم الإدارة
إنضم
11 أكتوبر 2008
المشاركات
7,489
الجنس
أنثى
الكنية
أم طارق
التخصص
دراسات إسلامية
الدولة
السعودية
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
سني
رد: سلسلة : طالبُ العلمِ الرّبّاني و قِيَمُ التواصل الإيجابي ( 1/7 ) حُسْنُ الظنّ بالمتكلم . . بين التضييع

بارك الله فيكم وزادكم علماً وفضلاً
موضوع مهم وشيق
ولكن ليتكم تقومون بتقسيمه إلى فقرات ليتمكن القارئ من الانتقال من فقرة لأخرى بسهولة
وجزاكم الله خيراً
 
إنضم
15 أكتوبر 2011
المشاركات
28
الكنية
أبو أسامة
التخصص
تفسير وعلوم القرآن
المدينة
أم البواقي
المذهب الفقهي
مالكي يميل مع الحق على لسان من ظهر
رد: سلسلة : طالبُ العلمِ الرّبّاني و قِيَمُ التواصل الإيجابي ( 1/7 ) حُسْنُ الظنّ بالمتكلم . . بين التضييع

شكرا جزيلاً للأستاذة الفاضلة أم طارق على النصيحة ، حياك الله وجميعَ أساتذتي الأفاضل في الملتقى :
نموذج من تطبيق العلماء الربّانيّين لهذا الأدب:
لا شكّ عند طالب العلم أنّ العقيدة الطحاوية للإمام أبي جعفر الطحاوي ( ت 321هـ ) من مصادر اعتقاد السلف الصالح ، وقد لاقت قبولاً و بركةً عند أهل العلم ، و هي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، وقد ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ لاشتمالها على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال ، لأنَّ ثَمَّةَ مواضع اُنتُقِدَت عليه .

وفي ما يلي موضعٌ اانتُقِدَ عليه ، لا حظ كيف تعامل معه العلاّمة ابن بازٍ - رحمه الله - بما يخدمُ القيمةَ التي استفتحنا بها السلسلة :

قال الإمام الطحاوي - يصف الله تعالى و يعرّف به - : [ وتَعالَى عَنِ الحدُودِ والغَاياتِ، والأرْكانِ والأعْضَاءِ والأدَواتِ ، لا تَحويهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كسَائِرِ المُبْتَدَعَات ] ( العقيدة الطحاوية بشرح ابن أبي العز - المكتب الإسلامي - ط9 - 1988م – بيروت ، لبنان – ص 218 ) .

طبعًا الإمام الطحاوي - رحمه الله - أراد الرد بهذا الكلام على المشبّهة ، كداود الجواربي وأمثاله القائلين : إن الله جسم ، وإنه أعضاء وغير ذلك ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، فاستعملَ مصطلحاتٍ نفاهَا لم يرد في كتاب الله ولا في سنّة النبي صلى الله عليه وسلم و صفُ الله بها لا نفيًا ولا إثباتًا ، والأصل في الوصفِ كما هو معلومٌ الاتباع والاعتصام ، ولذلك فقد أخطأَ الإمام الطحاوي - رحمه الله - في هذا .

الآن : تأمّل تعليق الشيخ ابن باز - رحمه الله- عليه:
قال - رحمه الله - :" . . هذا الكلام فيه إجمال قد يستغله أهل التأويل والإلحاد في أسماء الله وصفاته، وليس لهم بذلك حجة ؛ لأن مراده -رحمه الله- تنزيه البارئ سبحانه عن مشابهة المخلوقات؛ لكنه أتى بعبارة مجملة تحتاج إلى تفصيل، حتى يزول الاشتباه ، فمراده بالحدود يعني التي يعلمها البشر، فهو سبحانه لا يعلم حدوده إلا هو سبحانه؛ لأن الخلق لا يحيطون به علما كما قال عز وجل في سورة طه ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا[طه:110] ومن قال من السلف فإثبات الحد في الاستواء أو غيره فمراده حد يعلمه الله سبحانه ولا يعلمه العباد. وأما (والغَاياتِ، والأرْكانِ والأعْضَاءِ) فمراده -رحمه الله- تنزيهه عن مشابهة المخلوقات في حكمته وصفاته الذاتية من الوجه واليد والقدم ونحو ذلك ، فهو سبحانه موصوف بذلك ؛ لكن ذلك ليست صفاته مثل صفات الخلق، ولا يعلم كيفيتها إلا هو سبحانه، وأهل البدع يطلقون مثل هذه الألفاظ ؛ لينفوا بها الصفات بغير الألفاظ التي تكلم الله بها وأثبتها لنفسه ،حتى لا يفتضحوا وحتى لا يشنع عليهم أهل الحق ، والمؤلف الطحاوي -رحمه الله- لم يقصد هذا المقصد ؛ لكونه من أهل السنة المثبتين لصفات الله تعالى ، وكلامه في هذه العقيدة يفسر بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا ويفسر مشتبهه بمحكمه" ( مجموع فتاوى ابن باز 2/ 68-69 ) .

فانظر كيف أنَّ العلاّمة الشيخ بن باز حَمَلَ كلام الإمام الطحاوي على المحمل الحسن ، وعلل هذا الحَمْلَ الحَسَنَ لكلامه بأنه من أهل السنة المثبتين لصفات الله ، وأنَّ الواجبَ على المنصف العفيف أن يفسّر كلامه بعضَه ببعض ، ليصدّق بعضُهُ بعضًا ، ويُفسَّر مشتبِهُهُ بمُحكَمِه !
.

ربّ يسّر و أعِن يا معين !
 
أعلى