العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سلسلة مباحث في الإجماع والشذوذ: (3)...موقف ابن عبد البر من الإجماع وقول الجمهور والشذوذ.

إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد.
عناصر البحث:
تنتظم في مقدمة وثلاثة مباحث رئيسية وتتمة وخاتمة:
أما المقدمة : فهي في تمهيد يشير إلى مناسبة الموضوع وأهميته وخطته مع سرد عناصره.
أما المباحث الثلاثة الرئيسية فهي كما يلي:
1- موقف ابن عبد البر من الإجماع.
2- موقف ابن عبد البر من قول الجمهور.
3- موقف ابن عبد البر من الشذوذ.
أما التتمة فهي: في موقفه من التقليد.
أما الخاتمة:فسنلخص فيها بحول الله وقوته نتائج هذا البحث.
وإليك الآن تفصيل مطالب المباحث الثلاثة الرئيسية:
المبحث الأول: موقف ابن عبد البر من الإجماع:
وهو ينتظم في عشرة مطالب :
المطلب الأول: موقف ابن عبد البر من حجية الإجماع.
المطلب الثاني:موقف ابن عبد البر من إجماع الصحابة.
المطلب الثالث: موقف ابن عبد البر من انعقاد الإجماع بعد وقوع النزاع.
المطلب الرابع: موقف ابن عبد البر من تحصيل الإجماع على أقل ما قيل في المسألة أو أكثر ما قيل فيها.
المطلب الخامس: موقف ابن عبد البر من إحداث قول ثالث في المسألة.
المطلب السادس: موقف ابن عبد البر من إجماع أهل المدينة.
المطلب السابع:. اصطلاح ابن عبد البر في فقهاء أئمة الأمصار.
المطلب الثامن: استفادة ابن عبد البر من الإجماع في تفسير النص.
المطلب التاسع: موقف أهل العلم من إجماعات ابن عبد البر.
المطلب العاشر: دراسة تطبيقية في تناول ابن عبد البر لمسائل الإجماع وقول الجمهور والشذوذ، وما يروح إليه من مسالك ودروب وما يقعد عنه.
المبحث الثاني: موقف ابن عبد البر من قول الجمهور
وهو ينتظم في ثمانية مطالب:
المطلب الأول: موقفه من الاحتجاج بقول الجمهور أو بقول الأكثر.
المطلب الثاني:احتجاج ابن عبد البر بقول الجمهور وما عليه العمل مع عدم اعتباره إجماعاً.
المطلب الثالث:اصطلاح الجمهور عند ابن عبد البر، والفرق بينه وبين إطلاق الإجماع.
المطلب الرابع: اتباع ابن عبد البر لقول الجمهور وإن كان مخالفاً للقياس والنظر.
المطلب الخامس: ترك العمل بعموم الحديث لعدم تلقي الجمهور له بالقبول.
المطلب السادس: إفساد بعض الأقوال الغريبة عن طريق مقدمتين: النص وقول الجمهور.
المطلب السابع: من لا يعتد بهم ابن عبد البر في خلاف الجمهور.
المطلب الثامن:استصحاب ما أجمع عليه الجمهور إلى محل الخلاف في المسألة.
المبحث الثالث: موقف ابن عبد البر من الشذوذ.
وينتظم هذا المبحث في ستة مطالب:
المطلب الأول: موقف ابن عبد البر الإجمالي من الشذوذ.
المطلب الثاني: أنواع الشذوذ عند ابن عبد البر.
المطلب الثالث: عدم اعتداده بالشذوذ في مخالفة قول الجمهور والآثار.
المطلب الرابع: إسقاط ابن عبد البر لبعض الأقوال الساقطة التي لا تتفق والأقوال في المسألة.
المطلب الخامس: موقف ابن عبد البر من التكلف في الاستدلال لاعتبار الأقوال الضعيفة.
المطلب السادس: موقف ابن عبد البر من شذوذات أهل الظاهر.
التتمة:موقف ابن عبد البر من التقليد.
خاتمة:ذكر النتائج المستخلصة من البحث.

 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.

المطلب الأول:أنواع الشذوذ عند ابن عبد البر:
ينقسم الشذوذ عند ابن عبد البر على عدة اعتبارات:
الاعتبار الأول:
بالنظر إلى الرواية أو القول:
فالشذوذ بهذا الاعتبار له متعلقان:
1- يتعلق أحيانا بالثبوت: وبحثه في المصطلح.
2- وأحيانا بالقول: وهو محل بحثنا.
ومثال الثاني: متشخِّص في هذا البحث.
ومثال الأول:
يقول ابن عبد البر بعد أن قرر تطهير الدباغ لجلود الميتة:
"والأمر في هذا واضح وعليه فقهاء الحجاز والعراق والشام ولا أعلم فيه خلافا إلا ما قد بينا ذكره عن ابن شهاب والليث ورواية شاذة عن مالك."([1])
مثال آخر:
يقول ابن عبد البر:
" ما رواه طاووس عن ابن عباس: في أن الخلع ليس بطلاق شذوذ في الرواية...
ولطاووس مع جلالته روايتان شاذتان عن ابن عباس:
هذه إحداهما: في الخلع.
والأخرى: في الطلاق الثلاث المجتمعات أنها واحدة .
ثم نقل ابن عبد البر عن إسماعيل القاضي بسنده إلى أبي نجيح قال:
تكلم طاووس فقال: الخلع ليس بطلاق هو فراق فأنكره عليه أهل مكة فجمع ناسا منهم ابنا عباد وعكرمة بن خالد فاعتذر إليهم من هذا القول وقال إنما ابن عباس قاله .
قال القاضي: لا نعلم أحدا من أهل العلم قاله إلا من رواية طاووس . "([2])


الاعتبار الثاني:
النظر إلى الشذوذ في القول من حيث ذاته وما ينبني من الحكم عليه:
الشذوذ عند عبد البر على قسمين:
1- ما يجزم بشذوذه ومخالفته للحجة.
2- ما يكون ضعيفاً عنده وهو يشبه الشذوذ.
وكلا القسمين كثير في كلام ابن عبد البر رحمه الله:
فمن الأول قوله:
1- "وأما من أوجب قضاء الوتر بعد طلوع الشمس فقد شذ عن الجمهور وحكم للوتر بحكم الفريضة
وقد أوضحنا خطأ قوله فيما مضى من هذا الكتاب."([3])
2-"وعلى جواز أمان المرأة: جمهور علماء المسلمين أجاز ذلك الإمام أو لم يجزه على ظواهر الأخبار المذكورة في هذا الباب عن أم هانئ وعائشة وغيرهما
وممن قال ذلك: مالك وأصحابه إلا عبد الملك بن الماجشون وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
وقال عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون: لا يجوز أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام فشذ بقوله ذلك عن هذا الجمهور والله الموفق للصواب وهو المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل."([4])
3- ساق ابن عبد البر رحمه الله أقوال أهل العلم في ما يوجب الوضوء من النوم:
فـ:
"روي عن أبي موسى الأشعري ما يدل على أن النوم ليس عنده بحدث على أي حال كان حتى يحدث النائم حدثا غير النوم لأنه كان ينام ويوكل من يحرسه
وروي عن عبيدة نحو ذلك "
ثم قال:
وليس فيما ذكرنا عن الأشعري وعبيدة ما يخرق الإجماع. ([5])
وقال في التمهيد:
"وكذلك ما روي عن أبي موسى أنه كان يوكل من يحرسه إذا نام فإن لم يخرج منه حدث قام من نومه وصلى قول شاذ أيضا والناس على خلافه."([6])
الفوائد:
لم يعتبر ابن عبد البر رحمه الله قول أبي موسى الأشعري وقول عبيدة خارقاً للإجماع لشذوذ هذا القول وخلافه ما عليه الناس.
ومن الثاني [القريب من الشذوذ]:
1- يقول ابن عبد البر رحمه الله في القول بغسل الشهيد:
"القول بهذا خلاف على الجمهور وهو يشبه الشذوذ والقول بترك غسلهم أولى لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد وغيرهم."([7])
2- قوله في صيام من أصبح جنباً:
"وقد اختلفت الآثار في هذا الباب واختلف فيه العلماء أيضا وإن كان الاختلاف في ذلك كله عندي ضعيفا يشبه الشذوذ."([8])
قلت:
يبدو أنه لم يجزم بشذوذه: لأن فيه خلافاً عن أبي هريرة رضي الله عنه وجماعة من التابعين.
لكن يعكر على هذا التخريج: أنه يجزم أحياناً بالشذوذ مع تعدد المخالفين.
ومن ذلك قوله:
في من أوجب رفع الأيدي في ما يشرع فيه الرفع مع التكبير:
"كل من رأى الرفع وعمل به من العلماء لا يبطل صلاة من لم يرفع إلا الحميدي وبعض أصحاب داود ورواية عن الأوزاعي ... فلا وجه لمن جعل صلاة من لم يرفع ناقصة ولا لمن أبطلها مع اختلاف الآثار في الرفع عن النبي واختلاف الصحابة ومن بعدهم واختلاف أئمة الأمصار في ذلك
والفرائض لا تثبت إلا بما لا مدفع له ولا مطعن فيه وقول الحميدي ومن تابعه شذوذ عند الجمهور."([9])
لكن:
الخلاف في هذه المسألة متأخر، والخلاف في المسألة السابقة متقدم عن بعض الصحابة والتابعين، فلعل هذا له اعتبار عند البر في وزن الخلاف.
ويقوي هذا النظر:
أي أنه لا يصف الأقوال المقدمة لاسيما التي تنسب إلى الصحابة بالشذوذ هو أنه حكى قولا عن ابن مسعود في الفرائض ووصفه بأنه أقرب من الشذوذ وأنه لا يعلم أحدا تابعه عليه ولا قال بقوله إلا علقمة بن قيس وأبو ثور.([10])
وقد مرَّ في قول أبي هريرة بإيجاب الطيب يوم الجمعة أن ابن عبد البر حاول أن يفسره بما يتفق مع قول الجمهور، ثم اعتبر أنه لو كان على ظاهره لم يكن في قوله حجة إذ كان مخالفاً لقول الجمهور.
فنجده مع أنه رتب عليه أحكام الشذوذ إلا أنه احترز تأدباً من وصفه بالشذوذ.
وإذا صح هذا يمكن أن نستنتج مما سبق ما يلي:
يحترز ابن عبد البر عن وصف الأقوال المتقدمة بالشذوذ لاسيما ما كان عن الصحابة، وربما يعبر عن ذلك بأنه قريب من الشذوذ أو يشبهه ونحو ذلك، والله أعلم.
ولا أستبعد أن تخرم هذه النتيجة ببعض النقولات عن ابن عبد البر رحمه الله، لكن ليس هذا مما نتفانى في معرفة دقائقه وإنما يهمنا بالدرجة الأولى تحسس نَفَس هذا الإمام ومعرفة خطوطه العامة.
ومن الأمثلة التي وصفها ابن عبد البر بأنها تشبه الشذوذ، وكان الخلاف فيها متقدماً:
القول بغسل الشهداء فبعد أن حكى أن القول بعدم غسلهم:
هو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي والثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل والأوزاعي وإسحاق وداود وجماعة فقهاء الأمصار وأهل الحديث وابن علية.
أشار إلى أنه قال بغسلهم:
سعيد والحسن وتبعهم عبيد الله بن الحسن العنبري البصري وجماعة من المتأخرين.
واعتبر أن هذا القول بهذا:
خلاف على الجمهور وهو يشبه الشذوذ والقول بترك غسلهم أولى لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد وغيرهم."([11])

([1]) التمهيد (4 / 156، 157).

([2]) التمهيد (23 / 377).

([3]) الاستذكار - (2 / 123)

([4]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (21 / 190، 191)

([5]) الاستذكار - (1 / 148-151)

([6]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (18 / 247)

([7]) التمهيد (24 / 244)

([8]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (17 / 420)

([9]) الاستذكار (1/409-412)

([10]) الاستذكار (5 / 335، 236).

([11]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (24 /244- 244)
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المطلب الثاني: عدم اعتداده بالشذوذ في مخالفة الإجماع أو قول الجمهور:
"... وعليه جماعة العلماء إلا من شذ عنهم ممن هو محجوج بهم وهم حجة عليه لأنهم لا يجوز عليهم الإطباق والاجتماع على تحريف الكتاب وجهل تأويله وينفرد بغير ذلك واحد غيرهم."([1])

والأمثلة فيه كثيرة ومتنوعة في هذا البحث، وأكتفي هنا بتقرير معنى واحد وهو أن ابن عبد البر رحمه الله لا يصحح الاعتراض على الإجماع الذي يحكيه أو يحصِّله بما يذكر من الأقوال الشاذة
يقول رحمه الله:
"فإن قيل: لم ادعيت الإجماع فيمن صلى بثوب نجس عامدا أنه يعيد في الوقت وغير والوقت.
وأشهب يقول: لا يعيد العامد وغير العامد إلا في الوقت، ومنهم من يرويه عن مالك.
قيل له: ليس أشهب ولا روايته الشاذة عن مالك مما يعد خلافا فالصحابة وسائر العلماء يمنع من ادعاء إجماعهم لأن من شذ عنهم مأمور باتباعهم وهو محجوج بهم."([2])
ولما أوضح ابن عبد البر:
جهل عمر بن عبد العزيز والمغيرة بن شعبة لنزول جبريل بمواقيت الصلاة , وأنهما كانا يعتقدان ذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ليس في القرآن آية مفصحة بذلك ترفع الإشكال
وأنه لو كانت فيه آية تتلى ما جهلها عمر بن عبد العزيز ولا مثله من العلماء
عقب على ذلك بأن قرر:
أنه جاز على كثير منهم جهل كثير من السنن الواردة على ألسنة خاصة العلماء.
وأنه لا يعلم:
أحدا من الصحابة إلا وقد شذ عنه بين علم الخاصة واردة بنقل الآحاد أشياء حفظها غيره وذلك على من بعدهم أجوز والإحاطة ممتنعة على كل أحد."([3])
"ولإجماع الأمة أيضا على ذلك إلا من شذ ممن لا يعد خلافا."([4])
قال أبو عمر:
"في هذا الحديث معان من الفقه منها ما اجتمع عليه ومنها ما اختلف فيه...
وقد شذ قوم فجعلوا المائع كله كالماء ولا وجه للاشتغال بشذوذهم في ذلك ولا هم عند أهل العلم ممن يعد خلافا وسلك داود بن علي سبيلهم ...."([5])
"قال أبو عمر:
من حجة من ذهب إلى هذا - وهو معنى قول مالك - أن السنة المجتمع عليها في موتى المسلمين أنهم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم فكذلك حكم كل ميت وقتيل من المسلمين إلا أن يجتمعوا على شيء من ذلك فيكون خصوصا من الإجماع بإجماع.
وقد أجمعوا - إلا من شذ عنهم - :
بأن قتيل الكفار في المعترك إذا مات من وقته قبل أن يأكل ويشرب أنه لا يغسل ولا يصلى عليه فكان مستثنى من السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها ومن عداهم فحكمه الغسل والصلاة وبالله التوفيق."([6])


المطلب الثالث:إسقاط ابن عبد البر لبعض الأقوال الساقطة التي لا تتفق والأقوال في المسألة:
المثال الأول:
يقول رحمه الله:
ذهب قوم:
إلى أن وقت الجمعة صدر النهار وأنها صلاة عيد...
وذهب الجمهور:
إلى أن وقت الجمعة وقت الظهر وعلى هذا فقهاء الأمصار.
وأما القول الأول:
إن الجمعة تسقط بالعيد ولا تصلى ظهرا ولا جمعة فقول بين الفساد وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه لأن الله يقول {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} ولم يخص يوم عيد من غيره.
وأما الآثار المرفوعة في ذلك:
فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة وهذا محمول ثم أهل العلم على وجهين:
أحدهما: أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم ويصلون ظهرا.
والآخر: أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية ومن لا تجب عليه الجمعة.([7])
قلت:
إذن بأن صلاة الجمعة أو صلاة الظهر كلاهما تسقط بالعيد قولٌ لا يتفق مع أي أقوال المسألة، فهو خارجٌ عن الإجماع المتحصِّل من بين أقوال هؤلاء المتنازعين.
المثال الثاني:
ذكر ابن عبد البر رحمه الله :
حديثاً صحيحاً عن عثمان رضي الله بأن الغسل يوجبه التقاء الختانين.
وذكر أن هذا الحديث يدفع:
حديث زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وسأل عن ذلك عليا والزبير وطلحة وأبي بن كعب فأمروه بذلك
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
هذا حديث منكر لا يعرف من مذهب عثمان ولا من مذهب علي ولا من مذهب المهاجرين انفرد به يحيى بن أبي كثير ولم يتابع عليه وهو ثقة إلا أنه جاء بما شذ فيه وأنكر عليه.
ونكارته:
أنه محال أن يكون عثمان سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسقط الغسل من التقاء الختانين ثم يفتي بإيجاب الغسل منه
ولا أعلم أحدا قال:
بأن الغسل من التقاء الختانين منسوخ.
بل قال الجمهور:
إن الوضوء منه منسوخ بالغسل ومن قال بالوضوء منه أجازه وأجاز الغسل فلم ينكره
ثم قال ابن عبد البر:
وقد تدبرت حديث عثمان الذي انفرد به يحيى بن أبي كثير فليس فيه تصريح بمجاوزة الختان الختان وإنما فيه جامع ولم يمس وقد تكون مجامعة ولا يمس فيها الختان الختان لأنه لفظ مأخوذ من الاجتماع يكنى به عن الوطء
وإذا كان كذلك فلا خلاف حينئذ فيما قال عثمان إنه يتوضأ وجائز أن يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكون معارضا لإيجاب الغسل بشرط التقاء الختانين."([8])
قلت:
سلك ابن عبد البر رحمه الله طريقتين في الجواب عما ذكر عن عثمان رضي الله عنه من الوضوء من الجماع من غير إمناء:
الطريقة الأولى: إنكارها من جهة أنها مخالفة لرواية عثمان لحديث إيجاب الغسل من التقاء الختانين.
الطريقة الثانية: على التسليم بأنه أفتى بالوضوء مع روايته للحديث الموجِب للغسل فإن ذلك يقتضي أنه قائلٌ بأن الغسل منسوخ لأنه أحد رواة حديث إيجاب الفسل من التقاء الختانين مع أنه لم يقل أحدٌ أن الغسل منسوخ، وإنما وقع خلاف قديم بين الصحابة هل هو ناسخ أو لا.
الطريقة الثالثة: تفسير فتوى عثمان بما لا يعارض روايته لحديث الغسل، وأن المراد من جامع دون الفرج ولم يمن.

المطلب الرابع:موقف ابن عبد البر من التكلف في الاستدلال للأقوال الضعيفة:
المثال الأول:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"زعمت طائفة:
بأن في هذا الحديث دليلا على أن الماء إذا تغيرت رائحته بشيء من النجاسات ولونه لم يتغير أن الحكم للرائحة دون اللون.
فزعموا:
أن الاعتبار باللون في ذلك لا معنى له لأن دم الشهيد يوم القيامة يجيء ولونه كلون الدماء ولكن رائحته فصلت بينه وبين سائر الدماء وكان الحكم لها
فاستدلوا في زعمهم بهذا الحديث:
على أن الماء إذا تغير لونه لم يضره.
فتعقب ابن عبد البر هذا الاستدلال فقال:
وهذا لا يفهم منه معنى تسكن النفس إليه ولا في الدم معنى الماء فيقاس عليه ولا يشتغل بمثل هذا من له فهم.
وإنما اغترت هذه الطائفة:
بأن البخاري ذكر هذا الحديث في باب الماء والذي ذكره البخاري لا وجه له يعرف وليس من شأن أهل العلم اللغو به وإشكاله وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه وبذلك أخذ الميثاق عليهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه وفي كتاب البخاري أبواب لو لم تكن فيه كان أصح لمعانيه والله الموفق للصواب.
والماء لا يخلو تغيره:
1- من أن يكون بنجاسة.
2- أو بغير نجاسة.
فإن كان بنجاسة:
فقد أجمع العلماء على أنه غير طاهر ولا مطهر.
وكذلك أجمعوا أنه إذا تغير بغير نجاسة:
أنه طاهر على أصله وقال الجمهور إنه غير مطهر إلا أن يكون تغيره من تربته وحماته وما أجمعوا عليه فهو الحق الذي لا إشكال فيه ولا التباس معه.([9])
المثال الثاني:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وعنه [يعني سعيد بن المسيب] أيضا وهو قول ربيعة:
أن عليه أن يصوم اثني عشر يوما
وكان ربيعة يحتج لقوله هذا:
بأن شهر رمضان فضل على اثني عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما كان عليه اثني عشر يوما.
وكان الشافعي:
يعجب من هذا وينتقص فيه ربيعة.
ولربيعة شذوذ منها:
في المحرم يقتل جرادة أن عليه صاعا من قمح لأنه أذى الصيد ومنها فيمن طلق امرأة من نسائه الأربع وجهلها بعينها أنه لا يلزمه فيهن شيء ولا يمنع من وطئهن، وبه قال داود."([10])






([1]) الاستذكار (6 / 77).

([2]) التمهيد 22/234

([3]) الاستذكار 1/23

([4]) التمهيد (6 / 299)

([5]) التمهيد (9 / 40).

([6]) الاستذكار (5 / 121).

([7]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (10 / 270، 271)

([8]) الاستذكار (1 / 269، 270)

([9]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19 / 15، 16).

([10]) الاستذكار (3/314).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.


المطلب الخامس: موقف ابن عبد البر من الشذوذ وأهله:
هذا المطلب يشتمل على ثلاثة فروع:
الفرع الأول الموقف الإجمالي لابن عبد البر من الشذوذ.
الفرع الثاني: موقف ابن عبد البر من السالكين سبيل الشذوذ.
الفرع الثالث: موقف ابن عبد البر مما خرج مخرج الشذوذ.
-----------------------------------
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الفرع الأول الموقف الإجمالي لابن عبد البر من الشذوذ:
لابن عبد البر موقف شديد من الشذوذ وأهله:
1- حتى قال:
"لا خير في الشذوذ".([1])
2- وقال:
"لا يكون إماما من أخذ بالشاذ من العلم."
قال ذلك في معرض رده على ابن حزم الظاهري [ولم يسمِّه] في قوله بعدم قضاء الصلاة المتروكة عمداً، وهي مقتبسة من مقالة عبد الرحمن بن مهدي التي ساقها عنه بتمامها في جامع بيان العلم وفضله، فنقل عنه قوله: "لا يكون إماما في الحديث من تتبع شواذ الحديث، أو حدث بكل ما سمع، أو حدث عن كل أحد."([2])
3- ساق ابن عبد البر بسنده إلى سليمان التيمي أنه قال:
لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
ثم قال ابن عبد البر:هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا."([3])
قلت:
تحصيل ابن عبد البر رحمه الله لهذا الإجماع مشهور، قد تداوله أهل العلم وتناقلوه عنه، حتى ناقشوا من أجله دقة نقله للإجماعات، وسبق التعرض لهذا في المبحث المتعلق بموقف أهل العلم من إجماعات ابن عبد البر رحمه الله.
4- عنايته بتتبع الأقوال الشاذة في المسألة ودراستها، ومعرفة أسباب الشذوذ الواقع فيها.
§ من أسباب اهتمام ابن عبد البر بالشذوذ ما يلي:
1- سعة أنواع الإجماع التي يحتج بها.
2- احتجاجه بقول الجمهور.
3- عدم اعتداده بأي قول في المسألة:
o هو خلاف الإجماع.
o أو حتى خلاف قول الجمهور.
§ يصف ابن عبد البر رحمه الله كثيرا من الأقوال بأنها:
- خرجت مخرج الشذوذ،([4])
- أو أنها قول جماعة من المتأخرين السالكين سبيل الشذوذ.([5])
بما سبق :
يتبين لنا أن ابن عبد البر رحمه الله يصف القول بالشذوذ بأحد أمرين:
1- أنه خرج مخرج الشذوذ.[ولا يلزم أن يكون صاحبه من السالكين سبل الشذوذ، وإنما وقع منه فلتة بما يتفق مع مخرج الشذوذ، كما وقع في كثير انفرادات الصحابة والتابعين].
2- أنه قول بعض المتأخرين الذين يسلكون سبيل الشذوذ.
وهذان هما موضوعا الفرعين التاليين، لكن نجملهما في ما يلي:
o ما خرج مخرج الشذوذ:
ومن ذلك ما يلي:
· بعض انفرادات الصحابة والتابعين.
· طائفة قليلة من أهل الأمصار ممن ظهر تتابعهم على بعض الأقوال الشاذة. [كطائفة من أهل الشام، وطائفة من أهل البصرة].
· مخالفات الأفراد.
· طائفة من أهل الآثار.
· طائفة قليلة من أهل الأمصار.
o السالكين سبيل الشذوذ:
· أهل البدع.
· أهل الظاهر.[داود وأصحابه]
· جملة من أقوال الأحناف التي فارقوا فيها قول الجمهور.
· تتبعه لبعض شذوذات أهل العلم، ومن أولئك:
2. أبو سلمة بن عبد الرحمن.
3. ابن علية.
4. ربيعة.
هؤلاء باختصار هم أجناس من لا يعتد بهم ابن عبد البر في مخالفة قول الجمهور، وفي ما يلي في الفرعين التاليين تفصيل ذلك، وبالله التوفيق ومنه الإعانة والتسديد.


([1]) الاستذكار (6 / 276)

([2]) ص 819

([3])جامع بيان العلم وفضله (2 / 185)

([4]) انظر مثلاً: الاستذكار (5 / 37)

([5]) الاستذكار (2/ 338)
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الفرع الثاني: موقف ابن عبد البر من السالكين سبيل الشذوذ.
السالكين سبيل الشذوذ:
o أهل البدع.
o أهل الظاهر.[داود وأصحابه]
o جملة من أقوال الأحناف التي فارقوا فيها قول الجمهور.
o تتبعه لبعض شذوذات أهل العلم، ومن أولئك:
1. أبو سلمة بن عبد الرحمن.
2. ابن علية.
3. ربيعة.
والآن نشرع بحول الله وقوته في تفصيل ذلك:

1- [أهل البدع]:
المثال الأول:
يقول رحمه الله:
"أجمع العلماء على أن القاتل عمدا لا يرث من مقتوله إلا فرقة شذت عن الجمهور كلهم أهل بدع."[1]
المثال الثاني:
يقول رحمه الله في بعض كلامه:
"فهذا ما للجماعة أهل السنة من الأقاويل في هذا الباب.
وأما أهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة:
فإنهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة إلا الجلد."
المثال الثالث:
يقول مالك في موطئه:
كتاب الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
باب ما جاء في البتة
عن مالك أنه بلغه أن رجلا قال لعبد الله بن عباس:
إني طلقت امرأتي مائة تطليقه فماذا ترى علي؟
فقال له ابن عباس:
طلقت منك لثلاث وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا
مالك أنه بلغه أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود فقال:
إني طلقت امرأتي ثماني تطليقات؟
فقال ابن مسعود:
فماذا قيل لك؟
قال قيل لي:
إنها قد بانت مني.
فقال ابن مسعود:
صدقوا من طلق كما أمره الله فقد بين الله له ومن لبس على نفسه لبسا جعلنا لبسه ملصقا به لا تلبسوا على أنفسكم ونتحمله عنكم هو كما يقولون.
قال أبو عمر:
ليس في هذين الخبرين:
ذكر البتة.
وإنما فيهما:
وقوع الثلاثة مجتمعات غير متفرقات ولزومها.
وهو:
1- ما لا خلاف فيه بين أئمة الفتوى بالأمصار.
2- وهو المأثور عن جمهور السلف.
3- والخلاف فيه شذوذ تعلق به أهل البدع ومن لا يلتفت إلى قوله لشذوذه عن جماعة لا يجوز على مثلها التواطؤ على تحريف الكتاب والسنة.
4- إلا أنهم يحتجون فيه بابن عباس، وابن عباس قد اختلف عنه في ذلك."([2])
المثال الرابع:
قرر ابن عبد البر رحمه الله أن القول بوقوع الطلاق في الحيض:
عليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين.
وبين أن لا مخالف في ذلك:
إلا أهل البدع والضلال والجهل فإنهم يقولون:
إن الطلاق لغير سنة غير واقع ولا لازم.
وروي مثل ذلك:عن بعض التابعين.
وهو شذوذ: لم يعرج عليه أهل العلم من أهل الفقه والأثر في شيء من أمصار المسلمين:
1- لما ذكرنا.
2- ولأن ابن عمر الذي عرضت له القضية احتسب بذلك الطلاق وأفتى بذلك وهو ممن لا يدفع علمه بقصة نفسه.
3- ومن جهة النظر قد علمنا أن الطلاق ليس من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل فلا تقع إلا على حسب سنتها وإنما هو زوال عصمة فيها حق لآدمي فكيفما أوقعه وقع فإن أوقعه لسنة هدي ولم يأثم وإن أوقعه على غير ذلك أثم ولزمه ذلك.
4- ومحال أن يلزم المطيع ولا يلزم العاصي ولو لزم المطيع الموقع له إلا على سنته ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخف حالا من المطيع.
5- ولو جاز أن تكون الطلقة الواحدة في الحيض لا يعتد بها لكانت الثلاث أيضا لا يعتد بها وهذا ما لا إشكال فيه عند كل ذي فهم."([3])
المثال الخامس:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
" لطاووس مع جلالته روايتان شاذتان عن ابن عباس:
هذه إحداهما: في الخلع. [سبق بيانها في مطلب أنواع الشذوذ]
والأخرى: في الطلاق الثلاث المجتمعات أنها واحدة .
وروى عن ابن عباس جماعةٌ من أصحابه:
خلاف ما روى طاوس في طلاق الثلاث أنها لازمة في المدخول بها وغير المدخول بها أنها ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وعلى هذا:
جماعة العلماء والفقهاء بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب من أهل الفقه والحديث وهم الجماعة والحجة.
وإنما يخالف في ذلك:
أهل البدع الخشبية وغيرهم من المعتزلة والخوارج عصمنا الله برحمته."([4])


2- [موقف ابن عبد البر من شذوذات أهل الظاهر]:
لابن عبد البر موقف واضح وصريح من شذوذات أهل الظاهر، ومن سلك سبيلهم من متبعي الشذوذ كما يعبر رحمه الله، وقد علَّق ابن عبد البر على بعض ما استدركه على ابن بلدته ابن حزم الظاهري، بأنه لا يكون إماماً من أخذ بالشاذ من العلم، وخشنت عبارته مرة فقال: "وقد شذ عنهم من المتأخرين من أصحاب الظاهر من لم يستحي من خلاف جماعتهم فهو محجوج بهم ولا يلتفت إليه معهم." ([5])
وكنتُ في دراستي الأكاديمية في إلزامات ابن حزم انتخبت ابن عبد البر رحمه الله من بين أصحاب الإمام مالك لأذكر جملة من إلزاماته، كأنموذج من إلزامات أهل العلم، واقتصرت في عرض الأمثلة على إلزاماته لأهل الظاهر لخصوصية البحث في ابن حزم رحمه الله.
ولتعلقه بهذا البحث فسأورد هذا الفصل بتمامه كملحق في نهاية البحث، كل هذا بمشيئة الله.
أما ههنا فسأستعرض أمثلة أخرى في إلزامات ابن عبد البر لأهل الظاهر، وهاك جملة من الأمثلة بما فيها من الدلائل:
المثال الأول:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وقالت فرقة من أهل النظر وأهل الظاهر منهم داود في هبة المريض:
أنها من جميع ماله والحجة عليهم شذوذهم عن السلف ومخالفة الجمهور وما ذكرنا في هذا الباب من حديث سعد وعمران بن حصين."([6])
المثال الثاني:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
وقال الأوزاعي: عامة العلماء يقولون يقصر المسافر في مسيرة اليوم التام. قال: وبه نأخذ وفي هذا الباب شذوذ تركنا حكايته تعلق به داود.([7])

المثال الثالث:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وأما الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان:
فلم يختلف عنهما في إجازة حمل المصحف بعلاقته لمن ليس على طهارة.
وقولهما عندي شذوذ عن الجمهور وما أعلم أحدا تابعهما عليه إلا داود بن علي ومن تابعه:
قال داود: لا بأس أن يمس المصحف والدنانير والدراهم التي فيها اسم الله الجنب والحائض.
قال داود: ومعنى قوله عز وجل ( لا يمسه إلا المطهرون )([8]) هم الملائكة ودفع حديث عمرو بن حزم في أن لا يمس القرآن إلا طاهر بأنه مرسل غير متصل وعارضه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن ليس بنجس."
وقد بينا: وجه النقل في حديث عمرو بن حزم، وأن الجمهور عليه وهم لا يجوز عليهم تحريف تأويل ولا تلقي ما لا يصح بقبول وبما عليه الجمهور في ذلك أقول وبالله التوفيق."([9])
المثال الرابع:
"في هذا الحديث:
1- لزوم طلاق الثلاث المجتمعات.
2- وفيه أن غير المدخول بها كالمدخول بها في ذلك.
وعلى ذلك جمهور الفقهاء وجمهور العلماء:
في التسوية بين البكر وغير البكر والمدخول بها وغير المدخول بها أن الثلاث تحرمها على مطلقها حتى تنكح زوجا غيره
وقد روي عن عطاء وطاوس وجابر بن زيد:
أنهم جعلوا الثلاث في التي لم يدخل بها واحدة
ثم قال ابن عبد البر:
وقالت بذلك فرقة شذت عن الجمهور الذين اجتماعهم حجة على من خالفهم منهم داود وأهل الظاهر وقالوا:
لن يصح عن بن عباس إلا ما رواه عنه كتاب أصحابه طاووس وجابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير على حسب حديث أبي الصهباء عنهم.
· وقد مضى هذا المعنى مجودا
· وذكرنا ما عليه أهل السنة والجماعة في طلاق الثلاث المجتمعات في المدخول بها.
· وذكرنا أن الاختلاف في ذلك في غير المدخول بها من الشذوذ الذي لا يعرج عليه.
o لأن حديث طاوس عن بن عباس في قصة أبي الصهباء لم يتابع عليه طاوس.
o وأن سائر أصحاب بن عباس يروون عنه خلاف ذلك.
o وما كان بن عباس ليروي عن النبي عليه السلام شيئا ثم يخالفه إلى رأي نفسه، بل المعروف عنه أنه كان يقول أنا أقول لكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون أبو بكر وعمر قاله في فسخ الحج وغيره.
· ومن هنا قال جمهور العلماء أن حديث طاوس في قصة أبي الصهباء لا يصح معناه."([10])
المثال الخامس:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
قال جل وعز: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}([11]) فدخل في ذلك المحصنون قياسا
وكذلك قوله في الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}([12]) فدخل في ذلك العبيد قياسا عند الجمهور؛ إلا من شذ ممن لا يكاد يعد خلافا."([13])
المثال السادس:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
" استدلال مالك بأن العبد ليس على سيده في ماله زكاة فإن معنى ذلك عنده لأن أكثر أهل العلم يرون أن الزكاة على سيده فيما بيده من المال.

وطائفة من أهل الظاهر منهم داود يقولون:
إن العبد:
§ تلزمه الزكاة فيما بيده من المال.
§ وتلزمه الجمعة.
§ ويلزمه الحج إن أذن له سيده.
§ وتجوز شهادته.
وهذه الأقوال شذوذ عند الجمهور ولا خير في الشذوذ."([14])
المثال السابع:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال عثمان:
أحلتهما آية وحرمتهما آية فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك.
قال أبو عمر:
أما قوله:
أحلتهما آية وحرمتهما آية فإنه يريد تحليل الوطء بملك اليمين مطلقا في غير ما آية من كتابه.
وأما قوله:
وحرمتهما آية فإنه أراد عموم قوله عز وجل: ( وأمهات نسائكم وربائبكم )([15])، وقوله:( وأن تجمعوا بين الأختين )([16]) ولم يخص وطئا بنكاح ولا ملك يمين فلا يحل الجمع بين المرأة وابنتها ولا بين الأختين بملك اليمين.
· وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ولكن اختلف عليهم.
· ولا يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ولا بالعراق وما وراءهما من المشرق ولا بالشام ولا المغرب.
· إلا من شذ عن جماعتهم لاتباع الظاهر ونفي القياس وقد ترك من تعمد ذلك ظاهرا مجتمعا عليه.
· وجماعة الفقهاء متفقون أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح.
· وقد أجمع المسلمون: على أن معنى قول الله عز وجل: ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة)([17]) إن النكاح وملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء
· فكذلك: يجب أن يكون قياسا ونظرا الجمع بين الأختين والأمهات والربائب فكذلك هو عند الجمهور وهم الحجة المحجوج بها على من خالفهم وشذ عنهم والحمد لله."([18])
المثال الثامن:
"قال أبو عمر:
· لم يختلف العلماء أن الكافرة إذا أسلمت ثم انقضت عدتها أنه لا سبيل لزوجها إليها إذا كان لم يسلم في عدتها.
· إلا شيء روي عن إبراهيم النخعي شذ فيه عن جماعة العلماء.
· ولم يتبعه عليه أحد من الفقهاء إلا بعض أهل الظاهر فإنه قال: أكثر أصحابنا لا يفسخ النكاح لتقدم إسلام الزوجة إلا بمضي مدة يتفق الجميع على نسخه لصحة وقوعه في أصله ووجود التنازع في حقه.
· واحتج بحديث ابن عباس: بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول بعد مضي سنتين لهجرتها.
· وأظنه مال فيه: إلى قصة أبي العاص وقصة أبي العاص لا تخلو من أن يكون:
§ أبو العاص كافرا إذ رده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابنته زينب على النكاح الأول.
§ أو مسلما.
فإن كان كافرا: فهذا ما لا شك فيه أنه كان قبل نزول الفرائض، وأحكام الإسلام في النكاح إذ في القرآن والسنة والإجماع تحريم فروج المسلمات على الكفار فلا وجه ههنا للإكثار.
وإن كان مسلما: فلا يخلو من أن يكون:
1- كانت حاملا فتمادى حملها ولم تضعه حتى أسلم زوجها فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها في عدتها وهذا ما لم ينقل في خبر.
2- أو تكون قد خرجت من العدة فيكون أيضا ذلك منسوخا بالإجماع لأنهم قد أجمعوا أنه لا سبيل له إليها بعد العدة.
فكيف كان ذلك:
فخبر ابن عباس في رد أبي العاص إلى زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر متروك لا يجوز العمل به عند الجميع فاستغنى عن القول فيه
وقد يحتمل قوله على النكاح الأول:
يريد على مثل النكاح الأول من الصداق على أنه قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب إلى أبي العاص بنكاح جديد.
وكذلك يقول الشعبي على علمه بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد أبا العاص إلى ابنته زينب إلا بنكاح جديد وهذا يعضده الأصول."([19])
المثال التاسع:
"قال أبو عمر:
أما داود وأهل الظاهر:
فذهبوا إلى قطع كل سارق تلزمه الحدود إذا سرق ما يجب فيه القطع من حرز ومن غير حرز:
1- على عموم قول الله عز وجل.
2- وظاهره في السارق والسارقة.
3- وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم "القطع في ربع دينار فصاعدا" ولم يذكر الحرز.
4- وضعف داود: حديث عمرو بن شعيب، وحدث رافع بن خديج.
وشذ في ذلك:
عن جمهور الفقهاء.
كما شذ أهل البدع:
في قطع كل سارق قليلا أو كثيرا من حرز ومن غيره.
والذي عليه جمهور العلماء:
القول بهذين الحديثين على ما ذكرنا عنهم.
وكذلك لا أعلم أحدا :
قال بتضعيف القيمة غير أحمد بن حنبل وسائر العلماء يقولون بالقيمة أو المثل."([20])
المثال العاشر:
" وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين وسبيل المؤمنين فقال:
ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها لأنه غير نائم ولا ناس."([21])

3- [أقوال الأحناف التي فارقوا فيها قول الجمهور]:
لابن عبد البر رحمه الله استدراكات وافرة على أبي حنيفة وأصحابه بمخالفتهم الجمهور والأصول، وهذه أمثلة شواهد على ذلك:
المثال الأول:
يقول رحمه الله:
"قال الضحاك بن مزاحم في قوله عز وجل: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} قال: إن هي أبت أن تلاعن رجمت إن كانت ثيبا وجلدت إن كانت بكرا
وهو قول أكثر أهل العلم بتأويل القرآن وأكثر فقهاء الأمصار.
والعجب من أبي حنيفة:
يقضي بالنكول في الحقوق بين الناس ولا يرى رد اليمين ولم يقل بالنكول ههنا
والذي ذهب إليه أبو حنيفة والله أعلم:
أنه حين عز إقامة الحد عليها بدعوى زوجها ويمينه دون إقرارها أو بينة تقوم عليها ولم يقض بالنكول لأن الحدود تدرأ بالشبهات ومثل هذا كله شبهة درأ بها الحد عنها وحبسها حتى تلتعن
وهذا قول ضعيف:
1- في النظر.
مع مخالفته:
2- الجمهور.
3- والأصول.([22])
المثال الثاني:
قرر ابن عبد البر أن:
· الاعتدال في الركوع والرفع منه وفي السجود والرفع منه واجب فرضا لأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك وفعله له.
· لا خلاف بين العلماء في ذلك، وإنما اختلفوا في الطمأنينة بعد الاعتدال.
· سبب حكايته الإجماع مع ما روي من الخلاف في المسألة عن أبي حنيفة وعن بعض أصحابه المالكية، هو أنه لم يعد ما روي عن أبي حنيفة وبعض أصحابه في ترك الاعتدال خلافا لأن مخالف الجمهور والآثار محجوج بهم وبالآثار.[23]
قلت:
هذا مثال صريح في عدم اعتداد ابن عبد البر بمخالفِ الجمهور حتى ولو كان المخالف طائفة، ولو كانوا هم مدرسة الحنفية وجماعة من أصحابه المالكية.
وقد يقال: إذا اعتضد قول الجمهور بالآثار كان له من الوزن ما لا يكون لقول الجمهور بالانفراد، وهو هنا إنما جزم بالشذوذ لهؤلاء مع كثرتهم لما اعتضد قوله بالآثار.
والجواب: أن هذا صحيح في الجملة ولكن يقلل من أهميته عند ابن عبد البر أنه كان يصير إلى قول الجمهور ولو كان قولهم مخالفاً للقياس والنظر، لأن قول الجمهور – بحسب ابن عبد البر - واجب الاتباع.
المثال الثالث [حكم سؤر السنور]:
يقول أبو عمر:
"الحجة عند التنازع والاختلاف :
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه من حديث أبي قتادة في هذا الباب ما ذكرنا [يعني حديث إصغاء أبي قتادة الإناء للهرة وروايته حديث: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات]([24])
يقول ابن عبد البر:
"وعليه اعتماد الفقهاء في كل مصر: [جماعة من الصحابة والتابعين، ومالك وأصحابه والشافعي وأصحابه والليث بن سعد فيمن وافقه من أهل مصر والمغرب والأوزاعي في أهل الشام وسفيان الثوري فيمن وافقه من أهل العراق وأبي يوسف القاضي والحسن بن صالح بن حي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيدة وجماعة أصحاب الحديث.]
إلا أبا حنيفة ومن قال بقوله.
ثم نقل عن محمد بن نصر المروزي قوله:
الذي صار إليه جل أهل الفتوى من علماء الأمصار من أهل الأثر والرأي جميعا أنه لا بأس بسؤر السنور اتباعا للحديث الذي رويناه يعني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم."([25])
يقول ابن عبد البر:
ما حكاه المروزي عن أصحاب أبي حنيفة فليس كما حكاه عندنا وإنما خالفه من أصحابه أبو يوسف وحده وأما محمد وزفر والحسن بن زياد فيقولون بقوله."
المثال الرابع [نصاب البقر فيما بين الأربعين والستين "الوقص"]:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"اختلف العلماء في هذا الباب فيما زاد على الأربعين:
فذهب مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وجماعة أهل الفقه من أهل الرأي والحديث:
إلى أن لا شيء فيما زاد على الأربعين من البقر حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان إلى سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة إلى ثمانين فيكون فيها مسنتان إلى تسعين فيكون فيها ثلاث تبائع إلى مائة فيكون فيها تبيعان ومسنة ثم هكذا أبدا في ثلاثين تبيعا وفي كل أربعين مسنة
وبهذا أيضا كله قال بن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن
وقال أبو حنيفة:
ما زاد على الأربعين من البقر فبحساب ذلك
وتفسير ذلك في مذهبه:
في خمس وأربعين مسنة ومن وفى خمسين مسنة وربع وعلى هذا كل ما زاد قل أو كثر
هذه الرواية المشهورة عن أبي حنيفة
وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل أبي يوسف ومحمد والشافعي وسائر الفقهاء
وكان إبراهيم النخعي يقول :
من ثلاثين بقرة تبيعا وفي أربعين مسنة وفي خمسين مسنة وربع وفي ستين تبيعان
وكان الحكم وحماد يقولان:
إذا بلغت خمسين فبحساب ما زاد.
قال أبو عمر:
لا أقول في هذا الباب إلا ما قاله مالك ومن تابعه وهم الجمهور الذين بهم تجب الحجة على من خالفهم وشذ عنهم إلى ما فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما تقدم في هذا الباب ذكره."([26])

تتبعه لبعض شذوذات أهل العلم، ومن أولئك:
§ أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
§ إسماعيل ابن علية.
§ ربيعة الرأي.
o أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف:
خرَّج الإمام ابن عبد البر سبب شذوذات أبي سلمة بما نقل من مماراته لابن عباس رضي الله وأنه بسبب ذلك حرم علماً كثيراً.
1- يقول رحمه الله:
"لا أعلم خلافا بين العلماء قديما ولا حديثا:
بعد قول عمر الذي انصرف عنه إلى ما بلغه من السنة المذكورة في أن المرأة ترث من دية زوجها كميراثها من سائر ماله
وكذلك: سائر الورثة ذووا فرض كانوا أو عصبة.
إلا شيء:
روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن شذ فيه عن الجماعة ولا أدري عن من أخذه إلا إن كان بلغه قول عمر ولم يبلغه رجوعه عن ذلك إلى السنة...
2- ثم أورد عن أبي سلمة:
أنه كان لا يورث الأخوة للأم من الدية.
3- قال أبو عمر:
هذا مثل شذوذه في قوله إن الجنب المتيمم إذا وجد الماء ليس عليه غسل.
وهذا أيضا لم يقله أحد غيره فيما علمت فرحم الله القائل:
كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علما كثيرا.
وقد روي:
عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة منها مراسيل ومسندة أنه قال الدية لمن أحرز الميراث والدية سبيلها سبيل الميراث، اتفق على ذلك العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار فلا معنى فيه للإكثار ."([27])
4- قال أبو عمر:
"لم يختلفوا:
أن الماء إذا وجده المتيمم بعد تيممه وقبل دخوله في الصلاة أنه بحاله قبل أن يتمم وأنه لا يستبيح صلاة بذلك التيمم.
إلا شذوذ روي في ذلك:
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه يصلي بذلك التيمم."([28])

o إسماعيل ابن علية:
المثال الأول:
يقول ابن عبد البر رحمه الله في مسألة حكم التشهد الأخير والسلام:
"القول الخامس: أن ليس الجلوس منها ولا التشهد ولا السلام بواجب إنما ذلك كله سنة مسنونة هذا قول بعض البصريين وإليه ذهب ابن علية وصرح بقياس الجلسة الأخيرة على الأولى.
فخالف الجمهور وشذ إلا أنه يرى الإعادة على من ترك شيئا من ذلك كله."([29])
ذكر هذا في التمهيد، وقال في الاستذكار:
"واختلفوا في الجلسة الأخيرة هل هي فرض أيضا أم لا؟
فذهب جمهور أهل العلم وجماعة فقهاء الأمصار :
إلى أنها فرض واجب تفسد صلاة من لم يأت بها ساهيا كان أو عامدا.
إلا فرقة صغيرة منهم ابن علية:
فإنه ذهب إلى أن الجلسة الآخرة ليست بفرض واجب قياسا على الجلسة الوسطى
ثم قال ابن عبد البر بعد أن ذكر وجه احتجاجه:
والحجة في السنة لا فيما قال، والجمهور حجة على من شذ منهم لأنه لا يجوز على جميعهم جهل ما علمه الشاذ المنفرد.
على أن ابن علية:
يوجب فساد صلاة من لم يأت بأعمال الصلاة سننها وفرائضها وكل ما عمله النبي عليه السلام في الصلاة عنده ولم يختلف عنه فيه فهو واجب عنده تفسد الصلاة بتركه.
وله:
1- إغراق في القياس.
2- وشذوذ عن العلماء كثير.
3- وليس عندهم ممن يعتمد عليه والله أعلم."([30])

قلت:
هذا فيه فوائد:
1- حكم ابن عبد البر لهذا القول بالشذوذ مع أنه قد قال به بعض البصريين وابن علية.
2- أن المقصود عند ابن علية بالسنية الوجوب، وإلا فلم إعادة الصلاة؟! وإنما وقع منه مخالفة الجمهور في القول بالركنية.
3- فيه إشارة من ابن عبد البر إلى بعض أسباب موقفه من الشذوذ، فهو يأخذ على ابن علية كثرة انفراداته، وأن سبب ذلك إغراقه في القياس.
4- أن من اتصف بهذه الصفات: كثرة الشذوذ، الإغراق في القياس فحقه ألا يعتمد عليه.
المثال الثاني:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وشذ داود:
فأجاز النسيئة والتفاضل فيما عدا البر والشعير والتمر والملح من الطعام والادام:
1- لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- ولعموم قول الله عز وجل: ( وأحل الله البيع )([31]) فلم يضم إلى النسيئة المنصوصة في حديث عبادة وغيره شيئا غيرها وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر والملح.
وشذ ابن علية في ذلك أيضا فقال:
إذا اختلف النوعان كالبر بالشعير والبر بالزبيب فليس بواحد بأضعاف الآخر يدا بيد ونسيئة قياسا لكل ما يكال على ما يوزن.
قال [يعني أبا علية]:
ولما أجمعوا في الموزونات أنها جائز أن يشتري الحديد والقطن والعصفر وما يوزن من مثل ذلك كله كالذهب والفضة اثنان بواحد نقدا أو نسيئة لأنه لا يشبه الذهب والفضة شيء من الموزون فكذلك في القياس كل شيء يكال أبعد شبها من الذهب والفضة وأحرى أن يكون واحد بأضعافه بالنقد والنسيئة.

قال أبو عمر:
ما أصاب:
1- وجه القياس.
2- ولا اتبع الجمهور.
3- ولا اعتبر الآثار .
ولا أعلم له ولداود:
سلفا فيما ذهبا إليه من ذلك.
مع تضاد:
أصولهما في القياس.
إلا حديث يرويه بن جريج عن إسماعيل بن أمية وأيوب بن موسى أن نافعا أخبرهما أن ابن عمر:
باع تمرا بالغابة صاعين بصاع حنطة بالمدينة وقد روي عن ربيعة وأبي الزناد نحو ذلك."([32])
وقال في الاستذكار:
"وهذا مجتمع عليه عند العلماء:
أن الطعام بالطعام لا يجوز إلا يدا بيد مدخرا كان أو غير مدخر
إلا إسماعيل بن علية:
فإنه شذ فأجاز التفاضل والنساء في الجنسين إذا اختلفا من المكيل ومن الموزون
قياسا على إجماعهم:
في إجازة بيع الذهب أو الفضة بالرصاص والنحاس والحديد والزعفران والمسك وسائر الموزونات نساء وأجاز على هذا القياس نصا في كتبه:
بيع البر بالشعير والشعير بالتمر والتمر بالأرز وسائر ما اختلف اسمه ونوعه بما يخالفه من المكيل والموزون متفاضلا نقدا ونسيئة سواء كان مأكولا أو غير مأكول
ولم يجعل:
o الكيل والوزن علة.
o ولا الأكل والاقتيات.
وقاس:
ما اختلفوا فيه على ما أجمعوا عليه مما ذكرنا."([33])
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وذكر عن ابن جريج عن إسماعيل بن علية وأيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر:
أنه باع صاعي تمر بالغابة بصاع حنطة بالمدينة.
وإسماعيل ابن علية هذا:
· له شذوذ كثير.
· ومذاهب عند أهل السنة مهجورة.
· وليس قوله عندهم مما يعد خلافا ولا يعرج عليه
لثبوت السنة بخلافه من حديث عبادة وغيره على ما قدمنا في هذا الباب."([34])
قلت:
لم يعتبر ابن عبد البر رحمه الله قول ابن علية في هذه المسألة:
§ لشذوذه.
§ ولأنه لم يصب وجه القياس.
§ ولأنه لم يتبع قول الجمهور.
§ ولأنه لم يتبع الآثار.
§ ولا يعلم له ولداود في هذه المسألة سلفا مع تضاد أصولهما في القياس فداود ينكر القياس وابن علية يثبته.
§ أن لابن علية شذوذ كثير ، وله مذاهب عند أهل السنة مهجورة، وليس قوله مما يعد خلافا ولا يعرج عليه.

o ربيعة الرأي
نلاحظ في المثال الأخير من المبحث السابق موافقة ربيعة في الشذوذ لابن علية، وبهذه الصحبة يكون المثال الأخير من شذوذات ابن علية هو ما نستهل به شذوذات ربيعة الرأي والتي سجلها عليه ابن عبد البر رحمه الله:
المثال الثاني:
يقول رحمه الله:
"وعلى هذا الترتيب في قطع اليد ثم الرجل ثم اليد ثم الرجل على ما وصفنا مذهب جماعة فقهاء الأمصار أهل الفقه والأثر وهو عمل الصحابة والتابعين بالمدينة وغيرها
وشذ قوم عن الجمهور:
فلم يروا قطع رجل السارق.
ولم نعده خلافا فتركناهم روي ذلك عن ربيعة وبه قال أصحاب داود."
المثال الثالث:
يقول ابن عبد البر رحمه الله في مسألة قضاء رمضان:
"وعنه [يعني سعيد بن المسيب] أيضا وهو قول ربيعة:
أن عليه أن يصوم اثني عشر يوما
وكان ربيعة يحتج لقوله هذا:
بأن شهر رمضان فضل على اثني عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما كان عليه اثني عشر يوما.
وكان الشافعي:
يعجب من هذا وينتقص فيه ربيعة.
ولربيعة شذوذ:
o منها: في المحرم يقتل جرادة أن عليه صاعا من قمح لأنه أذى الصيد.
o ومنها: فيمن طلق امرأة من نسائه الأربع وجهلها بعينها أنه لا يلزمه فيهن شيء ولا يمنع من وطئهن، وبه قال داود."([35])

[1] ) الاستذكار (8 / 139)

([2]) الاستذكار (6 / 3، 74).

([3]) التمهيد (15/58-67).

([4]) التمهيد (23 / 377).

([5]) الاستذكار (8 / 133، 134).

([6]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (8 / 378)

([7]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (21 / 55)


([8]) [ الواقعة 79 ]

([9]) الاستذكار (2/472، 473).

([10]) الاستذكار (6 / 110).

([11]) [النور: 24]

([12]) [النساء: 25]

([13]) الاستذكار (6 / 109).

([14]) الاستذكار (6 / 276)

([15]) [ النساء 23 ]

([16]) [ النساء 23 ]

([17]) [ النساء 23 ]

([18]) الاستذكار (5 / 487)

([19]) التمهيد (12 /23، 24).

([20]) التمهيد (23 / 313، 314)

([21]) الاستذكار - (1 / 78).

([22]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (15 / 33، 34)

[23] ) الاستذكار (2/307).

([24]) عن حميدة بنت أبي عبيدة بن فروة عن خالتها كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أنها أخبرتها أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني انظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي قالت فقلت نعم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم أو الطوافات".

([25]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/324).

([26]) الاستذكار (3 / 189).

([27]) الاستذكار (8/133،134).

([28]) التمهيد (19 / 291).

([29]) التمهيد (10 / 214)، الاستذكار (6 / 276)

([30]) الاستذكار (1 / 524، 525).

([31]) [ البقرة 275 ]

([32]) الاستذكار (6 / 395).

([33])التمهيد (6 / 295، 296).

([34]) التمهيد (6 / 296).

([35]) الاستذكار (3/314).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الفرع الثالث: موقف ابن عبد البر مما خرج مخرج الشذوذ:
ومن ذلك ما يلي:
· بعض انفرادات الصحابة والتابعين.
· طائفة قليلة من أهل الأمصار ممن ظهر تتابعهم على بعض الأقوال الشاذة. [كطائفة من أهل الشام، وطائفة من أهل البصرة].
· مخالفات الأفراد.
· طائفة من أهل الآثار.
· طائفة قليلة من أهل الأمصار.
سبق في بداية هذا المطلب أن بينتُ أن ابن عبد البر رحمه الله يصنف الأقوال الشاذة على قسمين:
القسم الأول: ما كان صادراً من السالكين سبيل الشذوذ.
والقسم الثاني: ما خرج من مخرج الشذوذ، وإن لم يكن صادراً من أهل الشذوذ.
وعلى رأس ما يصنَّف في هذا القسم هو ما ورد عن الصحابة والتابعين في بعض ما انفردوا به، وقد سبق أيضاً أن ابن عبد البر رحمه الله كان يحترز أحياناً من وصف أقوال هؤلاء بالشذوذ تأدباً، وإن وقع منه أحياناً جزمه بشذوذهم.
ولما أشار ابن عبد البر رحمه الله في بعض كلامه:
إلى جهل عمر بن عبد العزيز والمغيرة بن شعبة لبعض سنن النبي صلى الله عليه وسلم.
بين أنه قد جاز :
على كثير منهم جهل كثير من السنن الواردة على ألسنة خاصة العلماء
وأنه لا يعلم:
أحدا من الصحابة إلا وقد شذ عنه بين علم الخاصة واردة بنقل الآحاد أشياء حفظها غيره وذلك على من بعدهم أجوز والإحاطة ممتنعة على كل أحد."([1])
وإذا جاز هذا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم أجوز، والآن نبدأ بحول الله وقوته بسوق ما خرج هذا المخرج أعني مخرج الشذوذ بما جاء على وجهه وصفته وإن لم يكن ذلك مستلزما أن يكون صاحبه من سالكي سبيل الشذوذ مما قررنا أصنافهم عن ابن عبد البر رحمه الله في المبحث السابق، والآن نشرع بحول الله وقوته في ذكر أصناف من خرج منهم الشذوذ مخرجاً وإن لم يكونوا من سالكيه سبيلا، كل ذلك بحسب تقرير ابن عبد البر رحمه الله:
1- [ما وقع من شذوذات الصحابة رضوان الله عليهم]:
§ ابن عمر رضي الله عنهما:
فإن ابن عبد البر رضي الله عنهما وصف بعض أقواله بالشذوذ، وهذه ثلاثة أمثلة من ذلك:
المثال الأول:
يقول رحمه الله:
"وأما فعل بن عمر في نضحه الماء في عينيه إذ كان يغتسل من الجنابة فشيء لم يتابع عليه لأن الذي عليه غسل ما ظهر لا ما بطن، وله رحمه الله أشياء شذ فيها حمله الورع عليها."([2])
المثال الثاني:
يقول رحمه الله:
"وأما قول ابن عمر:
يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن"
ثم ذكر فيه تفسيرين:
التفسير الأول:
التي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا ... وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي.
التفسير الثاني:
التي لم تسن التي لم تنزل أسنانها
ثم ذكر ابن عبد البر رحمه الله:
أن هذا يشبه مذهب ابن عمر لأنه كان يقول في الضحايا والبدن الثني فما فوقها ولا يجوز عنده الجدع من الضأن فما فوقها ولا غيره.


ثم قرر ابن عبد البر رحمه الله:
أن هذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم وبالله التوفيق."([3])
المثال الثالث:
يقول رحمه الله:
"وقد كان ابن عمر:
يكره نكاح الكتابيات ويحمل قوله تعالى: ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن )([4]) على كل كافرة، ويقول: لا أعلم شركا أكبر من قولهن: المسيح ابن الله وعزير ابن الله
وهذا قول:
1- شذ فيه ابن عمر عن جماعة الصحابة رضوان الله عليهم.
2- وخالف ظاهر قول الله عز وجل ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم )([5])
3- ولم يلتفت أحد من علماء الأمصار قديما وحديثا إلى قوله ذلك:
- لأن إحدى الآيتين ليست بأولى بالاستعمال من الأخرى ولا سبيل إلى نسخ إحداهما بالأخرى ما كان إلى استعمالهما سبيل فآية سورة البقرة عند العلماء في الوثنيات والمجوسيات وآية المائدة في الكتابيات، وقد تزوج عثمان بن عفان نائلة بنت الفرافصة الكلبية نصرانية وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية وتزوج حذيفة يهودية وعنده حرتان مسلمتان عربيتان، ولا أعلم خلافا في نكاح الكتابيات الحرائر بعد ما ذكرنا إذا لم تكن من نساء أهل الحرب."([6])
نستخلص من هذه الفقرة: أن ابن عبد البر رحمه الله جزم بشذوذ ابن عمر رضي الله عنهما في بعض المسائل عن جماعة الصحابة رضوان الله عليهم وعن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم، وقد بين سبب شذوذه وهو أن له أشياء شذ فيها حمله الورع عليها.
وفائدة أخرى: وهو استناد ابن عبد البر إلى الإجماع المتأخر في مسألة نكاح الكتابيات حتى نفى علمه بالخلاف في المسألة وأن قول ابن عمر هذا، لم يلتفت إليه أحد من علماء الأمصار قديما وحديثاً.
§ ابن عباس رضي الله عنهما:
المثال الأول:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"ولم يختلف عن بن عباس:
أن الطلاق بيد السيد
وتابعة على ذلك:
جابر بن زيد وفرقة
وهو عند العلماء:
شذوذ لا يعول عليه
وأظن ابن عباس:
تأول في ذلك قول الله عز وجل { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء}([7])"([8])
المثال الثاني: شذوذ ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"وأما الذهب والورق:
فلا تجب الزكاة في شيء منها إلا بعد تمام الحول أيضا
وعلى هذا:
جمهور العلماء.
والخلاف فيه:
شذوذ لا أعلمه إلا شيء روي عن ابن عباس ومعاوية أنهما قالا: من ملك النصاب من الذهب والورق وجبت عليه الزكاة في الوقت .
وهذا قول:
1-لم يعرج عليه أحد من العلماء.
2- ولا قال به أحد من أئمة الفتوى: إلا رواية عن الأوزاعي فمن باع عبده أو داره أنه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر معلوم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله.
والذي عليه جمهور العلماء:
مراعاة الحول والنصاب إلا أن اختلافهم في ضم الفوائد بعضها إلى بعض في الحول اختلاف يطول ذكره وتتشعب فروعه ولا يليق بنا في كتابنا هذا اجتلابه."([9])
المثال الثالث: شذوذ ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما، واستناده لإجماع التابعين فمَن بعدهم:
قال في الاستذكار:
"أجمع الفقهاء من التابعين فمن بعدهم:
أنه لا يجوز الورق بالورق إلا مثلا بمثل يدا بيد، وكذلك الذهب بالذهب لا يجوز إلا مثلا بمثل يدا بيد وكذلك البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر.
وقد ذكرنا:
ما شذ فيه معاوية وما شذ فيه بن عباس أيضا فيما سلف من كتابنا
والحجة:
في السنة لا فيما خالفها من الأقوال التي هي جهالة يلزم ردها إلى السنة.
وقول مالك في الطعام كله والأدام أنه لا يجوز في شيء منه النسيئة وقول جمهور علماء الأمة.
وقد ذكرنا في هذا الباب ما يدل على صواب القول في الأصناف مما يقطع عند ذوي الأفهام الاختلاف والحمد لله."([10])
§ شذوذ ابن مسعود رضي الله:
قرر ابن عبد البر أن مذهب جمهور العلماء من فقهاء الأمصار أنهم كلهم يجعلون الباقي بين الذكور والإناث من بنات الابن للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغت المقاسمة زادت بنات الابن على السدس أو لم تزد:
إلا أبا ثور:
فإنه ذهب في ذلك مذهب بن مسعود.
فشذ عن العلماء في ذلك كما شذ ابن مسعود فيها عن الصحابة.
وذلك أن ابن مسعود كان يقول في بنت وبنات ابن وبني ابن:
للبنت النصف والباقي بين ولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن تزيد المقاسمة بنات الابن على السدس فيفرض لهن السدس ويجعل الباقي لبني الابن
وبه قال أبو ثور
وقد شذ أيضا بعض المتأخرين من الفرضيين فقال:
الذكر من بني البنين يعصب من بإزائه دون من عداه من بنات الابن والجماعة على ما ذكره مالك وبالله التوفيق."([11])
في هذه المسألة فائدة: وهي أن الشذوذ عند ابن عبد البر اعتباري، فابن مسعود شذ عن الصحابة، وأبو ثور شذ عن العلماء.
وفائدة أخرى وهي: إشارة ابن عبد البر إلى شذوذ بعض المتأخرين من الفرضيين، مما يؤكد موقف ابن عبد البر من انفرادات كثير من المتأخرين الذين لم يرتض مسلكهم في الشذوذ وعدم التزام قول الجمهور الواجب الاتباع.

2- [ما وقع من شذوذات التابعين ]:
§ عطاء بن أبي رباح:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال:
أخبرني عطاء قال: ذكروا أنه يستفيد بشحوم الميتة ويدهن به السفن ولا يمس ولكن يؤخذ بعود.
فقلت: فيدهن به غير السفن؟
قال:لم أعلم.
قلت: وأين يدهن به من السفن؟
قال: ظهورها ولا يدهن بطونها.
قلت: فلا بد أن يمس ودكها بالمصباح فتناله اليد.
قال: فليغسل يده إذا مسه.
قال أبو عمر:
قول عطاء:
1- هذا شذوذ.
2- وخروج عن تأويل العلماء.
3- لا يصح به أثر.
4- ولا مدخل له في النظر.
5- لأن الله حرم الميتة تحريما مطلقا فصارت نجسة الذات محرمة العين لا يجوز الانتفاع بشيء منها إلا ما خصت السنة من الإهاب بعد الدباغ ولا فرق بين الشحم واللحم في قياس ولا أثر.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قول عطاء نصا من حديثه عن جابر وقد تقدم ذكره في هذا الباب وما أدري كيف جاز له الفتوى بخلاف ما روى." ([12])
§ حكاية ابن عبد البر لبعض شذوذات التابعين:
o "وأما اختلاف التابعين في هذا الباب فمضطرب جدا ومنه شذوذ مخالف للآثار المسندة."([13])
o "وللتابعين في هذه المسألة أقاويل:
هذه أحدها: أنه لا شيء على من ترك الميقات هذا قول عطاء والنخعي.
وقول آخر: أنه لا بد له أن يرجع إلى الميقات إذا تركه فإن لم يرجع حتى قضى حجه فلا حج له. هذا قول سعيد بن جبير.
وقول آخر: وهو أن يرجع إلى الميقات كل من تركه فإن لم يفعل حتى تم حجه رجع إلى الميقات وأهل منه بعمرة روي هذا عن الحسن البصري.
فهذه الأقاويل الثلاثة:
شذوذ ضعيفة عند فقهاء الأمصار لأنها لا أصل لها في الآثار ولا تصح في النظر."([14])

3- [مخالفات الأفراد]:
المثال الأول:
"وليس قول إبراهيم حجة عند الجمهور
ويشبه قوله في هذه المسألة قوله في المسكر."([15])
المثال الثاني:
مخالفة مجاهد بن جبر لعامة العلماء في جواز صيد سباع الطير المعلمة:
يقول ابن عبد البر رحمه الله:
"إنه لا يعلم خلافاً:
في جواز صيد سباع الطير المعلمة وأنها كالكلب المعلم سواء
إلا:
مجاهد بن جبر فإنه ذكر عنه أنه كان يكره صيد الطير ويقول إنما قال الله تعالى: ( وما علمتم من الجوارح مكلبين )([16]) فإنما هي الكلاب...
وخالفه:
عامة العلماء قديما وحديثا فأجازوا الاصطياد بالبازي والشوذنين وسائر سباع الطير المعلمة."([17])
المثال الثالث:
"فالعدة واجبة في القرآن والإحداد واجب بالسنة المجتمع عليها وقد شذ الحسن عنها وحده فهو محجوج بها."([18])
قلت: وقد مرَّ في غضون المباحث السابقة جملة أخرى من الأمثلة.

4- [المخالف من الجماعة القليلة]:
وهؤلاء على أربعة أقسام:
§ أن يكونوا طائفة متتابعة من مصر واحد.
§ أن يكونوا طائفة متتابعة على مذهب واحد.
§ أن يكونوا طائفة متفرقين.
§ طائفة من أهل الآثار.
المثال الأول [إدخال المرفقين في غسل اليد في الوضوء]:
ذكر ابن عبد البر رحمه الله:
أن إدخال المرفقين في الغسل عليه أكثر العلماء وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وأصحابه
إلا:
1- زفر فإنه اختلف عنه في ذلك.
2- وبه قال الطبري.
3- وبعض أصحاب مالك المتأخرين.
4- وبعض أصحاب داود.
وبين ابن عبد البر أن من أوجب غسلها :
حمل قوله : ( وأيديكم إلى المرافق )([19]) على أن ( إلى ) هنا بمعنى الواو أو بمعنى مع فتقدير قوله ذلك عندهم وأيديكم والمرافق أو مع المرافق.
واحتج بعضهم بقوله تعالى : ( من أنصاري إلى الله )([20]) أي مع الله.
وقوله ! ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم )([21]) أي مع أموالكم.
ونقل عن بعض أهل اللغة أنه:
لو كانت ( إلى ) بمعنى الواو وبمعنى مع لوجب غسل اليدين من أطراف الأصابع إلى أصل الكتف
ثم قال:
لا يجوز أن تخرج ( إلى ) عن معناها وذلك أنها بمعنى الغاية أبدا
وقال:
جائز أن تكون ( إلى ) هنا بمعنى الغاية وتدخل المرافق في الغسل لأن الثاني إذا كان من الأول كان ما بعد ( إلى ) داخلا فيما قبله فدخلت المرافق في الغسل لأنها من اليدين ولم يدخل الليل في الصيام بقوله ( ثم أتموا الصيام إلى الليل )([22]) لأن الليل ليس من النهار
كأنه يقول:
ما كان من الجنس دخل الحد منه في المحدود وما لم يكن من الجنس لم يدخل في المحدود منه حدة
ومن لم يوجب غسلها:
حمل ( إلى ) على الغاية كقوله ( ثم أتموا الصيام إلى الليل )
وليس بشيء:
مما قدمنا من الحجة لقول الجمهور الذين لا يجوز عليهم جهل التأويل ولا تحريفه لأن القائلين بسقوط إدخال المرفقين في غسل الذراعين قليل وقولهم في ذلك كالشذوذ ومن غسل المرفقين مع الذراعين فقد أدى فرضة بيقين واليقين في أداء الفرائض واجب.([23])
فوائد المسألة:
1- أكثر أهل العلم على إدخال المرفقين في غسل اليدين.
2- نقل عنهم أكثر من دليل على ذلك.
3- ذهب جماعة قليلة من أهل العلم وهم زفر، والطبري وبعض أصحاب مالك من المتأخرين، وبعض أصحاب داود.
4- لم يعتبر ابن عبد البر قول هؤلاء القليل مع أنهم يجاوزون الثلاثة.
5- نقل عنهم وجه قولهم.
6- لم يعتبره شيئا لمخالفتهم لقول الجمهور الذين لا يجوز عليهم جهل التأويل ولا تحريفه.
7- اعتبر أن القائلين بعدم غسل المرفقين قليل وقولهم يشبه الشذوذ.
8- أن من غسل المرفقين فقد أدى فرضه بيقين، واليقين في أداء الفرائض واجب.
المثال الثاني [نصاب البقر]:
حكى ابن عبد البر رحمه الله عن العلماء:
أن في كل ثلاثين من البقر تبيعا وفي كل أربعين مسنة
وبين أنه كذلك:
في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وفي كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر
وأنه على ذلك:
مضى جماعة الخلفاء ولم يختلف في ذلك العلماء
إلا شيء روي عن:
1- سعيد بن المسيب.
2- وأبي قلابة.
3- والزهري.
4- وقتادة.
ولو ثبت عنهم لم يلتفت إليه:
لخلاف الفقهاء له من أهل الرأي والأثر بالحجاز والعراق والشام وسائر أمصار المسلمين إلى اليوم الذي جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ما في حديث معاذ هذا وفيه ما يرد قولهم لأنهم يوجبون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين.([24])
قلت:
في هذه المسألة فوائد:
1- أن ابن عبد البر رحمه الله مشى في هذه المسألة على ما مضى عليه جماعة الخلفاء ولم يختلف فيه العلماء وهو أنه لا زكاة في أقل من ثلاثين بقرة.
2- أن هناك شيئا روي عن أربعة من التابعين أنه يجب في كل خمسة من البقرة شاة إلى ثلاثين.
3- أن هذا إن ثبت عنهم لم يلتفت إليه لخلاف الفقهاء له من أهل الرأي والأثر في سائر أمصار المسلمين إلى اليوم.
4- أن في معنى ما ثبت من الآثار ما يرد على هذا القول.
5- هذا يدل على أن احتجاج ابن عبد البر بقول الأكثر لا يتقيد بأن يكون المخالف واحداً أو اثنين كما تساق هذه المسألة في كتب الأصول، ثم يورد عليها خلاف الثلاثة.
6- لم يلتفت ابن عبد البر إلى الخلاف الواقع في هذه المسألة مع أن الخلاف واقع من أربعة من التابعين لأمور ثلاثة:
أ‌- أنه مخالف لقول عامة الفقهاء في سائر الأمصار.
ب‌- أن الناس قد أجمعوا بعد ذلك إلى اليوم على خلافه.
ت‌- أنه مخالف للثابت من النصوص.
المثال الثالث [ شذوذ أهل الآثار]:
وصف قولاً بأنه قريب من الشذوذ قد قال به طائفة من أهل الآثار:
يقول ابن عبد البر بعد أن قرر تطهير الدباغ لجلود الميتة:
"والأمر في هذا واضح وعليه فقهاء الحجاز والعراق والشام ولا أعلم فيه خلافا إلا ما قد بينا ذكره عن ابن شهاب والليث ورواية شاذة عن مالك.
وفي هذه المسألة قول ثالث قالت به طائفة من أهل الآثار وذهب إليه أحمد بن حنبل وهو في الشذوذ قريب من القول الأول وذلك أنهم ذهبوا إلى تحريم الجلد وتحريم الانتفاع به قبل الدباغ وبعده."([25])



([1]) الاستذكار 1/23

([2]) الاستذكار (1 / 268).

([3]) الاستذكار (5 / 219).

([4]) [ البقرة 221]

([5]) [ المائدة 5 ]

([6]) الاستذكار (5 / 496).

([7]) [ النحل 75 ].

([8]) الاستذكار (5 / 515).

([9]) التمهيد (20 / 155).

([10]) الاستذكار (6 / 394، 395).


([11]) الاستذكار - (5 / 328).

([12]) التمهيد (9 / 47، 48).

([13]) التمهيد (17 / 345).

([14]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (15 / 149، 150).

([15]) الاستذكار (6 / 505)

([16]) المائده 4

([17]) الاستذكار - (5 / 277)

([18]) الاستذكار (6 / 231)

([19]) [ المائدة 6 ]

([20]) [ الصف 14 ]

([21]) [ النساء 2 ]

([22]) [ البقرة 187 ]

([23]) الاستذكار (1 / 128، 129)

([24]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (2 / 275)


([25]) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (4 / 156، 157).
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
المطلب السادس: موقف ابن عبد البر من شذوذات الإمام مالك رحمه الله وأصحابه:
تجلى بحمد الله موقف ابن عبد البر رحمه الله من شذوذات أهل العلم، ولكن السؤال الذي يرد الآن: ما موقفه يا ترى من شذوذات الإمام مالك، وهو إمام المذهب الذي ينتسب إليه، لاسيما بعد تقرير ابن عبد البر رحمه الله أن الشذوذ أمرٌ لم يكد يسلم منه أحد، ولا سيما أيضا أنه قد بين أن الشذوذ قد يقع من العالم على هيئة الشذوذ، وإن لم يكن صاحبه ممن يسلك سبيله.
والجواب هو ما سنحاول – بعون الله وتوفيقه - تحديده من خلال تقليب النظر في هذه الأمثلة:
المثال الأول:
"قالت طائفة من أصحاب مالك:
إن له أن يدخل الحج على العمرة وإن كان قد طاف ما لم يركع ركعتي الطواف.
وقال بعضهم:
ذلك له بعد الطواف ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة.
وهذا كله:
شذوذ عند أهل العلم."([1])
المثال الثاني:
"اختلف العلماء في توقيت المسح على الخفين:
فقال مالك وأصحابه والليث بن سعد:
لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر يمسح ما بدا له في الحضر والسفر المقيم والمسافر في ذلك سواء:
وروي مثل ذلك:
عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري
وقد روي عن مالك:
التوقيت في المسح في رسالته إلى بعض الخلفاء وأنكر ذلك أصحابه
وروي التوقيت عن النبي عليه السلام من وجوه كثيرة
وروي عن عمر بن الخطاب التوقيت في المسح على الخفين:
من طرق قد ذكرتها في التمهيد أكثرها من حديث أهل العراق وبأسانيد حسان
وثبت ذلك:
عن علي وبن مسعود وبن عباس وسعد بن أبي وقاص على اختلاف عنه وعمار بن ياسر وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري والمغيرة بن شعبة وغيرهم
وعليه جمهور التابعين وأكثر الفقهاء:
وهو الاحتياط عندي:
1- لأن المسح ثبت بالتواتر.
2- واتفق عليه جماعة أهل السنة.
3- واطمأنت النفس إلى ذلك.
4- فلما قال أكثرهم: إنه لا يجوز المسح للمقيم أكثر من يوم وليلة خمس صلوات ولا يجوز للمسافر أكثر من خمس عشرة صلاة ثلاثة أيام ولياليها وجب على العالم أن يؤدي صلاته بيقين واليقين الغسل حتى يجمعوا على المسح ويتفق جمهورهم على ذلك ويكون الخارج عنهم في ذلك شاذا كما شذ عن جماعتهم من لم ير المسح."([2])
المثال الثالث:
"قال مالك:
لا تعاد الصلاة من يسير الدم في وقت ولا غيره وتعاد من يسير البول والغائط والمذي والمني
قال مالك:
ومن رأى في ثوبه دما يسيرا - وهو في الصلاة - مضى وفي الدم الكثير ينزعه ويستأنف الصلاة فإن رآه بعد فراغه أعاد ما دام في الوقت وكذلك البول والرجيع والمذي والمني وخرء الطير التي تأكل الجيف يعيد ما كان في الوقت من صلى ومن لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الوقت لم يعد ومن تعمد الصلاة بالنجاسة أعاد أبدا
هذا تحصيل مذهب مالك عند جماعة أصحابه:
إلا أشهب فإنه لا يعيد المتعمد عنده أيضا إلا في الوقت.
وقد شذ في قوله ذلك: عن الجمهور من السلف والخلف، وروي عن الليث بن سعد في ذلك كمذهب مالك."([3])
المثال الرابع:
"والذي عليه أهل العلم بالحجاز والعراق وأتباعهم في سائر البلدان:
أن العاقلة لا تحمل عمدا ولا اعترافا ولا صلحا من عمد كما قال ابن عباس رضي الله عنه.
وما شذ على هذا الأصل:
من مذاهب أصحابنا فواجب رده إليه."([4])
المثال الخامس:
"مذهب مالك وأصحابه:
أن القدرية يستتابون.
قيل لمالك:
كيف يستتابون؟
قال يقال لهم:
اتركوا ما أنتم ما أنتم عليه وانزعوا عنه
وقال مالك:
لا يصلى عليهم....
قال أبو عمر:
أما أن تترك الصلاة عليهم جملة إذا ماتوا فلا بل السنة المجتمع عليها أن يصلى على كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله مبتدعا كان أو مرتكبا للكبائر.
ولا أعلم أحدا:
من فقهاء الأمصار أئمة الفتوى يقول في ذلك بقول مالك
وقد ذكرنا:
أقاويل العلماء في قبول شهادتهم في كتاب الشهادات
وأن مالكا شذ عنهم في ذلك: إلا أن أحمد بن حنبل قال ما تعجبني شهادة الجهمية ولا الرافضة ولا القدرية قال إسحاق وكذلك كل صاحب بدعة
قال أبو عمر:
اتفق بن أبي ليلى وبن شبرمة وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وعثمان البتي وداود والطبري وسائر من تكلم في الفقه [إلا مالكا وطائفة من أصحابه]:
على قبول شهادة أهل البدع القدرية وغيرهم إذا كانوا عدولا ولا يستحلون الزور ولا يشهد بعضهم على تصديق بعض في خبره ويمينه كما تصنع الخطابية
قال الشافعي: وشهادة من يرى إنفاذ الوعيد في دخول النار على الذنب إن لم يتب منه أولى بالقبول من شهادة من يستخف بالذنوب
قال أبو عمر: كل من يجيز شهادتهم لا يرى استتابتهم ولا عرضهم على السيف والله أعلم."([5])
المثال السادس:
ساق ابن عبد رحمه الله:
خلاف أهل العلم في الساعات الخمس التي يشرع الرواح فيها إلى الجمعة.
فالقول الأول:
حكاه عن أكثر العلماء وهو أن الساعات تبدأ من طلوع الشمس.
والقول الثاني:
عن الإمام مالك فقد نقل عنه أن الذي يقع في قلبه أنها ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات الخمس كلها ، وهي ساعة الرواح لا من أول ساعات النهار.
وقد تعجب الإمام أحمد:
من هذا القول لأنه خلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان ابن حبيب:
ينكر قول مالك
واعتبر ابن عبد البر:
أن هذا تحامل على مالك.

وبين ابن عبد البر:
أن الذي قاله مالك:
· تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة.
· ويشهد له أيضا العمل بالمدينة عنده وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل لأنه أمر متردد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء
فمن الآثار التي يحتج بها مالك:
ما أسند عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: ( إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ...)
يقول ابن عبد البر:
ألا ترى إلى ما في هذا الحديث أنه قال يكتبون الناس الأول فالأول المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه فجعل الأول مهجرا
وهذه اللفظة:
إنما هي مأخوذة من الهاجرة والهجير وذلك وقت النهوض إلى الجمعة وليس ذلك عند طلوع الشمس لأن ذلك الوقت به هاجرة ولا هجير
وقال بعض أصحاب الشافعي:
لم يرد النبي عليه السلام بالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة الناهض إليها في الهجير والهاجرة وإنما أراد بذلك التارك لأشغاله وأعماله من طلب الدنيا للنهوض إلى الجمعة كالمهدى بدنة وذلك مأخوذ من الهجرة وهي ترك الوطن والنهوض إلى الله ومنه سمي المهاجرون.([6])
قلت:
الإمام ابن عبد البر رحمه الله في هذه المسألة دافع عن قول الإمام مالك رحمه الله مع أن الإمام مالكاً رحمه الله في مقالته هذه خالف قول أكثر أهل العلم.
وقد بين ابن عبد البر رحمه الله وجه قول الإمام مالك رحمه الله، وذلك ناحيتين اثنتين: الأثر والعمل:
أما الأثر:
فهو ما جاء في أكثر الروايات من لفظة المهجر لمن راح في الساعة الأولى وهذا لا يقال في أول النهار.
وأما العمل:
فهو ما أدرك عليه مالك الناس من أهل المدينة، وأن هذا مما يصح الاحتجاج به بالعمل لأنه متردد في كل جمعة ولا يخفى على عامة أهل العلم.
وأهم ما يمكن استخلاصه هنا :
هو أن مخالفة الإمام مالك رحمه الله لقول أكثر أهل العلم لم تكن مانعة عند ابن عبد البر من اعتبار قوله لما له من وجه معتبر من جهة الأثر ومن جهة العمل.
نتائج هذا المطلب:
1- اطرد الإمام ابن عبد البر رحمه الله في منهجه في باب الاحتجاج بالإجماع وفي اتباع قول الجمهور وفي النفرة من الشذوذ في خلال تناوله لما انفرد به الإمام مالك وأصحابه.
2- حاول ابن عبد البر رحمه الله في بعض المسائل أن يدافع عما انفرد به الإمام مالك واحتج له من جهة الأثر ومن جهة النظر ومن جهة العمل، وذلك في مسألة الرواح إلى الجمعة، ولولا اعتبار الإمام مالك في هذه المسألة بالعمل لقلت إن دفاع ابن عبد البر رحمه الله عن الإمام مالك في هذه المسألة لم يكن ملتئما مع أصوله في هذا الباب.
3- يغلب على ظني أن يكون منهج الإمام ابن عبد البر رحمه الله في هذا الباب مستمداً من طريقة الإمام مالك رحمه الله في اعتبار عمل أهل المدينة، ويكون ابن عبد البر رحمه الله قد فهم المغزى من بعض أسباب احتجاج الإمام مالك بعمل أهل المدينة، فاختط بذلك منهجه، بينما لم يكن موفقاً جماعة من متأخرة المالكية حينما أغرقوا في اعتبار العمل حتى اعتبروا عمل أمصارهم النائية محلاً وزمناً عن مهبط الوحي.




([1]) التمهيد (15 / 216).

([2]) الاستذكار (1 / 221)، التمهيد (11/150).

([3])الاستذكار (1 / 335).

([4]) الاستذكار (8 / 128).

([5]) الاستذكار (8 / 268).

([6]) الاستذكار (2 /6-9)
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
تتمة:

موقف ابن عبد البر من التقليد:
ابن عبد البر رحمه الله قد حرَّر الفرق بين التقليد والاتباع، وظهر ذلك بما يلي:
1- عقد باباً في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" عنونه بـ: "باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بين التقليد والاتباع"([1])
2- بيانه أن الله تبارك وتعالى قد ذمَّ التقليد في غير موضع من كتابه لاسيما ما جاء في ذم تقليد الآباء
الرؤساء، ولم يمنع العلماء كفر أولئك من الاحتجاج بها في إبطال التقليد لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليديين بغير حجة للمقلد، فكل واحد ملوما على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا، وإن اختلفت الآثام فيه. ([2])
3- قرر ابن عبد البر أن السلف لم يقلدوا.([3])
4- نقل عن أهل العلم أنهم لم يختلفوا في أن المقلد لا علم له.([4])
5- قرر أنه لا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد. ([5])
6- نقل إجماع العلماء أن ما لم يتبين ويستقن فليس بعلم، وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئا.([6])
7- نقل عن جماعة من الفقهاء وأهل النظر احتجاجهم على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية، وذكر أن أحسن ذلك ما كان عن المزني.([7])
8- أنه إذا تقرر بطلان التقليد فإنه يجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي:
أ‌- الكتاب. ب- السنة. ج- ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك.([8])
9- نقل نصوصاً في التحذير من زلة العالم وزيغة الحكيم وخطئه، وأنه إذا صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ لم يجز لأحد أن يفتي ويدين بقول لا يعرف وجهه.([9])
10- بين أن ذم التقليد إنما هو لغير العامة أما العامة فلم تختلف العلماء أن عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([10])؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة. ([11])
11- نقل الإجماع على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد من تقليد عالمه.
12- نقل عدم خلاف العلماء على أن العامة لا يجوز لها الفتيا, لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم.
13- نقل عن ابن خويز بنداد البصري المالكي أن:
o التقليد معناه في الشرع: الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة.
o والاتباع: ما ثبت عليه حجة.
وعنه أيضاً:
§أن كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك، فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح.
§وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله، فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع.([12])
14- نظم ابن عبد البر في التقليد وموضعه أبياتا رجا فيها جزيل الأجر لما علم أن من الناس من يسرع إليه حفظ المنظوم ويتعذر عليه المنثور، وهي في قصيدة له ذكر منها:

يا سائلي عن موضع التقليد خذ عني الجواب بفهم لب حاضر


واصغ إلى قولي ودن بنصيحتي واحفظ علي بوادري ونوادري


لا فرق بين مقلد وبهيمة تنقاد بين جنادل ودعائر


تبا لقاضٍ أو لمفتٍ لا يرى عللا ومعنى للمقال السائر


فإذا اقتديت فبالكتاب وسنة المـ ـبعوث بالدين الحنيف الطاهر


ثم الصحابة عند عدمك سنة فأولئك أهل نهى وأهل بصائر


وكذاك إجماع الذين يلونهم من تابعيهم كابرا عن كابر


إجماع أمتنا وقول نبينا مثل النصوص لذي الكتاب الزاهر


وكذا المدينة حجة إن أجمعوا متتابعين أوائلا بآواخر


وإذا الخلاف أتى فدونك فاجتهد ومع الدليل فمل بفهم وافر


وعلى الأصول فقس فروعك لا تقس فرعا بفرع كالجهول الحائر


والشر ما فيه فديتك أسوة فانظر ولا تحفل بزلة ماهر([13])

نستفيد من هذا المطلب ما يلي:
1- تنبه ابن عبد البر إلى الفرق بين التقليد والاتباع حتى عقد في بيان ذلك باباً برأسه.
2- مفارقة ابن عبد البر للتقليد حتى قال في ذمه كلاما خشناً.
3- أن الله قد ذم التقليد في كتابه.
4- صحة الاستدلال بنصوص ذم التقليد للكفار لأن المقصود ذمهم على اتباع آبائهم أو رؤسائهم بغير حجة، وهو واقعٌ في عموم المقلدة.
5- أن السلف لم يقلدوا.
6- أن أهل العلم أجمعوا أن المقلد لا علم له.
7- أن أئمة الأمصار لم يختلفوا في فساد التقليد.
8- أن أهل العلم أجمعوا على أن ما لم يتبين وما لم يستيقن فليس بعلم لأنه اتباع للظن، وهو لا يغني من الحق شيئاً.
9- أن أهل العلم والنظر احتجوا على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية، وأحسن ذلك ما جاء عن المزني.
10- أن بطلان التقليد يقتضي التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي: الكتاب والسنة وما كان في معناهما بدليل جامع يبين ذلك.
11- التحذير من زلة العالم وزيغة الحكيم.
12- ذم التقليد إنما هو لغير العامة.
13- لم يختلف العلماء أن على العامة تقليد علمائها.
14- لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا.
15- الفرق بين التقليد والاتباع هو أن التقليد هو اتباع قول لا حجة لقائله عليه وهو ممنوع، والاتباع ما ثبت عليه بحجة.
16- حثه على الاقتداء بالإجماع وإجماع أهل المدينة إذا تتابعوا أولا عن آخر.
17- أن النظر إلى الدليل إنما يكون فيما وقع فيه الخلاف.

([1]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 220).

([2]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 220)

([3]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 234).

([4]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 233).

([5]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 236)

([6]) جامع بيان العلم وفضله - (2 / 236)

([7]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 232).

([8]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 222)

([9]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 225)

([10]) [النحل: 43]

([11]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 230)

([12]) جامع بيان العلم وفضله (2 / 233)

([13]) جامع بيان العلم وفضله (2 /230، 231)
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
نتائج البحث
1- البحث يتضمن خمسة عناصر رئيسية:
§ تمهيد.
§ الإجماع.
§ الجمهور.
§ الشذوذ.
§ التقليد.
2- إيجابية استخراج الفوائد واستخلاصها من خلال القراءة التحليلية للنص.
3- الإمام ابن عبد البر الأندلسي مدرسة فقهية مستقلة.
4- استفاد من ابن عبد البر بشكل مباشر طائفتين:
1. أصحابه المالكية.
2. الأئمة المحققين من أهل العلم، وعلى رأسهم تلميذه وبلديه الظاهري: ابن حزم.

الإجماع:
5- لابن عبد البر رحمه الله موقف صريح جداً في تقرير الإجماع ومباحثه إن كان من جهة التأصيل وإن كان من جهة التطبيق، بل ذهب في الاحتياط له إلى منازلة مختصة، تميز فيها موقفه عن غيره.
6- حصر أوجه استعمال ابن عبد البر رحمه الله لدليل الإجماع يحتاج إلى استقراء دقيق لكتبه المطبوعة وبالتحديد: التمهيد، الاستذكار، جامع بيان العلم وفضله.
7- تتابع أهل العلم: - أكاد أقول عن بكرة أبيهم - على نقل الإجماع وحكايته عن حافظ المغرب أبي عمر الأندلسي، حتى صار رحمه الله معروفاً بحكاية الإجماع ومعروفاً بتحصيله من عند نفسه.
8- معرفة ابن عبد البر رحمه الله بالإجماعوحكايته وتحصيله له هو من العلم العام.
9- من أسباب تميز ابنعبد البر في هذا الباب أمران اثنان:
1. سعة إطلاعه وإشرافه على أقوال أهل العلم.
2. معرفته بالمقدِّمات التي يحصَّل بهاالإجماع.
10- عمل هذا البحث على دراسة تطبيقية في تناول ابن عبد البر لمسائل الإجماع وقول الجمهور والشذوذ، وما يروح إليها من مسالك ودروب وما يقعد عنها.
11- مَنْ لا خَبَرَ عنده بمذهب ابن عبد البر في الإجماع يصفه بالتساهل.
12- التحقيق أن عدم الدقة هو في هذه النسبة؛ لأن الانتقادات التي وجهت إلى إجماعات ابن عبد البر ليست فيمحلها؛ وذلك لسعة القواعد الأصولية التي اعتبرها ابن عبد البر، والتي تسمح لهبتحصيل مثل هذه الاجماعات مع ما يرد عليها، مثل الاحتجاج بقول الأكثر، وبأقل ما قيل وبأكثر ما قيل، وباحتجاجه به بعد حصول النزاع، وبمنع إحداث قول ثالث في المسألة.
13- يحتج ابن عبد البر رحمه الله بقول الأكثر ولا يبالي بخلاف الواحد والاثنين بل والطائفة القليلة، لكن هل هو إجماع عنده؟
14- قرر ابن عبد البر أن دلائل الإجماع من الكتاب أو السنةكثيرة.
15- إجماعالكافة من الحجج القاطعة للأعذار إذا لم يوجد هناكخلاف.
16- يترتب على رد إجماعالكافة أن يكون كمن رد نصاً من نصوص الله، فيجب استتابته عليه وإراقة دمه إن لم يتبلخروجه عما أجمع عليه المسلمون وسلوكه غير سبيلجميعهم.
17- خبر الآحاد الصحيحيوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة.
18- من أهل العلم من يقول إنه يوجب العلموالعمل جميعا.
19- ما ثبت فرضه من جهة الإجماع على قسميناثنين:
o ما يوجب العمل ويقطع العذر فإن هذا يكفردافعه، لأنه لا عذر له فيه.
o ما يوجب العمل ولا يقطع العذر فإن هذا لايكفر دافعه لأنه يكون عن جهل أو خطأ، وإن كان يعتبر شذوذا يخالف جهة اتباع سبيلالمؤمنين.
20- أقر ابن عبد البر ما نقله عن محمد بن الحسنوالشافعي أن الإجماع هو أحد جهات العلم الرئيسية التي لا يخرج العلمعنها.
21- من جهاتالعلم ما استحسنه عامة فقهاء المسلمين،وما أشبهه.
22- معرفة الإجماع من الاختلاف، والتفريقبين التنازع والائتلاف هو من علم السنن والآثار، والضرب عنهما اطراحلهما.
23- معرفة الإجماع والشذوذ هو في جملة علمالأحكام المتدلِّي من أقسام معرفة الدين الثلاثة، المتفق عليها بين أهل الإسلام،وأنه لا يوصل إلى الفقه إلا بمعرفة ذلك.
24- حفظالمدوَّن من الرأي والاستحسان هو عند العلماء آخر العلم والبيان.
25- العلماء إذا اجتمعوا على شيء من تأويل الكتاب أو حكاية سنة عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم أو اجتمع رأيهم على شيء فهو الحق لا شك فيه.
26- المسائل المجمع عليها التي بتَّ فيها أهل العلم ومضى عليها أولوا الأمر ليست هي من محال الاجتهاد، بل هي مما لا يسع فيهاإلا الاتباع.
27- إذا اجتمعت الأمة على شيء فهو الحق الذي لا شك فيه؛ لأنها لا تجتمع علىضلال.
28- جعل ابن عبد البر رحمه الله الإجماع قسيما للدليل الذي لا معارض له والذي يحصل بهالقطع بنسخ شيء من القرآن.
29- استعمال ابن عبد البر للإجماع بهذه الطريقة كثير في كلامه ومن ذلك اعتباره أن الأصل في مناسك الحج الوجوب إلا بدليل أوإجماع.
30- الإجماععند ابن عبد البر رحمه الله دليل قائم بنفسه يبنى عليه الحكم ويستثني منه، فالإجماع حاكم في بناء الحكم، وحاكم في الاستثناء منه.
31- الاجتهاد ممنوع أن يسرح في محلٍ نزل فيه الإجماع.
32- محل الاجتهاد عند ابن عبد البر هو غير المسائل التي يقع فيها إجماع، وظهر في ذلك بأمور:
1. استدلاله بالإجماع على الأحكام من غير التفات إلى نظرٍ آخر من الرأي.
2. بناؤه المسألة بحسب ما يراه من الدليل ويحتاط باستثناء ما استثناه النص أو الإجماع.([1])
33- ما اتفق عليه العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار لا معنى فيه للإكثار بالأدلة والأجوبة.
34- إجماع الصحابة حجة ثابتة وعلم صحيح لا يجوز خلافهم، ولا يجوز على جميعهم جهل التأويل
35- لإجماع الصحابة طريقان:
a. التوقيف: وهو أقوى ما يكون.
b. الاجتهاد: وهو علم وحجة لازمة.
36- إذا اختلف أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يخرج عن أقوالهم وإنما يتخير من بينها، والخروج عنها خرق للإجماع.
37- إذا اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قول واحد منهم حجة إلا بدليل يجب التسليم له من الكتاب أو السنة.
38- إذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بالمحل المعلوم من الدين والعلم لا يكون قول أحدهم حجة على صاحبه إلا بدليل يجب له التسليم فمن دونهم أولى.
39- إذا تبين أن بعض أقوال الصحابة خطأ لخلافه نص الكتاب أو نص السنة أو إجماع العلماء لم يسع أحد اتباعه.
40- محل النظر والاجتهاد يكون صالحاً إذا توفر أحد أمرين:
a. الأول: الاختلاف بين أقوال في الصحابة أو غيرهم، أما المسائل المجمع عليها فليس فيها إلا الاتباع، أما الاجتهاد والنظر فليس هذا محلها.
b. الثاني: ألا يكون القول المختار خطأ لظهور خلافه لنص الكتاب أو السنة أو الإجماع.
41- يحتج ابن عبد البر بما عليه العمل عند فقهاء الأمصار وبما استقر عليه الرأي.
42- ابن عبد البر رحمه الله يصير إلى الإجماع المتأخر وإن حصل نزاعٌ متقدم في المسألة فالإجماع المتأخر عنده يقضي وينسخ النزاع الأول في المسألة، ولا يزال في المسألة بحث، وهو هل يحتج به ابن عبد البر من أجل أنه إجماع انعقد أو لأنه قولٌ صار إليه الجمهور، واستقرت عليه كلمتهم.
43- لا يبدو لي من الجهة العملية أي أثر يذكر من جهة الاحتجاج، وإن كان قد يكون له أثر في الموقف من القول المخالف، ففرق بين قول فارق الإجماع، وبين قول خالف الحجة المختلف فيها.
44- يحصِّل ابن عبد البرالإجماع بأقل ما قيل في المسألة أو أكثر ما قيل فيها:
1. الإجماع على أقل ما قيل: كأن يختلفوا في الاستحباب والوجوب على قولين فيكون لاستحباب أقل ما قيل في المسألة وهو قدر متفق عليه.
2. أكثر ما قيل في المسألة: كاختلاف العلماء في نصاب الذهب هل هو عشرون مثقلا أو أربعون ، والأربعون أكثر ما قيل في المسألة، فالزيادة عليه خرق للإجماع.
45- إذا اختلف أهل العلم على قولين فيمنع ابن عبد البر رحمه الله من إحداث قول ثالث عليهما لأنه مسبوق بالإجماع قبله، وإذا كان ابن عبد البر رحمه الله يحتج بقول الجمهور ولو خالفهم طائفة من أهل العلم فكيف بمن يحدث قولاً ثالثا في المسألة فهذا أبعد من أن يكون مقبولا عنده، بل قد قرر أن الاجتهاد لا يكون إلا تخيراً بين الأقوال التي وقع فيها النزاع، وأن ما مضى عليه أولو الأمر ليس هو من محال الاجتهاد بحال.
46- لابن عبد البر موقف من بعض المتأخرين، ولا يعد خلافهم خلافا على المتقدمين، وأن شذوذهم لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه إذا كان خارجاً عن كلام المتقدمين، ويسميهم أحيانا بأسمائهم وأحيانا يكتفي بوصفهم بالمتأخرين وفي هذا إشارة منه إلى إعراضه عما ابتكروه من الأقوال المحدثة.
47- لابن عبد البر طريقة في الاستفادة من الإجماع: وهي استصحاب المحل الذي أجمعوا عليه إلى المحل الذي تنازعوا فيه بادعاء عدم الفرق؛ بما يفيد اشتراك الحكم المجمع عليه مع أحد أطراف النزاع مما يجعله دليلاً على صحته، فهو يلزم المخالف بما أجمع هو وإياه عليه وذلك بناء على مقدمتين:
المقدمة الأولى: أن الإجماع انعقد في ما يشبه المسألة المتنازع فيها.
المقدمة الثانية: أنه يجب تسوية الحكم المتنازع فيها بما يشبهه من الأمر المجمع عليه.
وقد صنع ابن عبد البر رحمه الله:
نفس هذه الطريقة في قول الجمهور، لاحتجاجه به واعتباره أن قولهم لا يجوز مخالفته.
48- لابن عبد البر طريقة في إنزال الإجماع
49- لابن عبدالبر رحمه الله طريقة مسلوكة واضحة المعالم في الاستفادة من الإجماع في تحديد معنى النص وذلك من خلال النظر في المحلالذي أجمعوا عليه؛ ويكون غرضه في الغالب إبطال بعض الأقوال الشاذة التي نزعت إلى التمسك بظواهر بعضالنصوص، وقد مرَّ الإشارة إلى ذلك في تقرير عمل أهل المدينة، وكلاهما يلتقي معنىًومسلكاً.
50- الإجماع على محلٍ في النص يفيد في تفييد إطلاقه.
51- لا يصار إلى ظواهر بعض النصوص إذا قام الإجماع على خلافها ولا عبرة بمنخالفها ولو كان متمسكه ظاهر النص.
52- تحديد معنى النصوتفسيره من خلال الإجماع الواقع في تفسيره سواء كان ذلك في نفس معنى هذا الحديث، أو كانفي معنىً لازم له وضروري.
53- الاستفادة من سياق رواية الحديث لمعرفةالعمل بالحديث من تركه، وأدرى الناس بالحديث راويه.
54- يعتبر ابن عبد البر أن الاحتجاج بعمل أهل المدينة هو ممايتسع فيه الخلاف.
55- عمل ابن عبد البر على نقل بعض حجج أصحابه المالكية فيالتدليل عليه.
56- عمل ابن عبد البر على نقل بعض حجج من لا يقولبه.
57- قرر ابن عبد البر حجية عمل أهل المدينة إذا كان إجماعاً عملياً موروثاً تنقله الكافة، ويستند إلى النصوص الشرعية.
58- يتأكد اعتبار ابن عبد البر لعمل أهل المدينة لسبب مضافٍ كأن يتوافق معالنص، أو أن يكون مما يتكرر، أو مما لا يخفى، مما يبعد أن يستقر العمل على خلاف ماهو الحق.
59- يقع لابن عبد البر أحياناً التعبير عن الاحتجاج بعمل أهل المدينةبالزعم، إشارة منه إلى تضعيف ذلك الاستناد لاعتبار المعين في المسألةالمحددة في إشارات منه إلى التوسع الواقع في اعتباره.
60- يعتبر ابن عبد البر أن الدليل المحتمل للتأويل لا مدخل له معالنصوص، قررذلك في معرض الجواب عن بعض من يتوسع في اعتبار عمل أهلالمدينة.
61- قرر ابن عبد البر أن احتجاج مالك في موطئه وغيره بعمل أهل المدينةإنما هو بعمل العلماء لا عمل العامة السوداء.
62- قرر ابن عبد البر أن العمل لا يكون فيما يخالف النص أو يخالف عملالخلفاء الراشدين.
63- ينكر ابن عبد البر على من اتبع المذهب مخالفة للسنة وظاهر الكتاب وعملأهل المدينة.
64- بين ابن عبد البر سبب قوة حكايات الإمام مالك لعمل أهل المدينة وهي إما أسباب متعلقة بالإمام مالك نفسه ومجالسته لعلمائهم وحرصه على اتباعهم، أولاعتبارات مختصة بالمسألة نفسها كأن تكون مما يتكرر أو مما لايخفى ونحو ذلك.
65- نقل ابن عبد المالكية عن المالكية العمل بالحديث الضعيف إذااستند إلى عمل أهل المدينة.
66- قرر ابن عبد البر أن العمل عند مالك أقوى من خبرالآحاد.
67- دافع ابن عبد البر عن بعض ما تفرد به الإمام مالك لاعتضاد قوله بالعملوالنصوص.
68- يعمل ابن عبد البر على ترجيح بعض النصوص الذي يبدو تعارضها بعمل أهل المدينةلاسيما إذا كان العمل مستفيضاً.
69- يعمل ابن عبد البر على تفسير النص بحسب عمل أهل المدينة لاسيما إذا كان مخرجهعنهم.
70- سوَّغ ابن عبد البر في بعض المسائل العملية المتكررة الاحتجاج بعملأهل المدينة، والاحتجاج بعمل أهل الكوفة، على حد سواء؛ لاستفاضته وتوارثه عند كلٍ، وأن كل ما جرىهذا المجرى فهو من اختلاف في المباح كالأذان ونحوه.
71- اطرد الإمام ابن عبد البر رحمه الله في منهجه في باب الاحتجاج بالإجماع وفي اتباع قول الجمهور وفي النفرة من الشذوذ في تناوله لما انفرد به الإمام مالك وأصحابه، وهذه صورة من صور تجرد الإمام ابن عبد البر رحمه الله.
72- حاول ابن عبد البر رحمه الله في بعض المسائل أن يدافع عما انفرد به الإمام مالك واحتج له من جهة الأثر ومن جهة النظر ومن جهة العمل، وذلك في مسألة الرواح إلى الجمعة، ولولا اعتبار الإمام مالك في هذه المسألة بالعمل لقلت إن دفاع ابن عبد البر رحمه الله عن الإمام مالك في هذه المسألة لم يكن ملتئما مع أصوله في هذا الباب.
73- يغلب على ظني أن يكون منهج الإمام ابن عبد البر رحمه الله في هذا الباب مستمداً من طريقة الإمام مالك رحمه الله في اعتبار عمل أهل المدينة، ويكون ابن عبد البر رحمه الله قد فهم المغزى من بعض أسباب احتجاج الإمام مالك بعمل أهل المدينة، فاختط بذلك منهجه، بينما لم يوفَّق جماعة من متأخرة المالكية حينما أغرقوا في اعتبار العمل حتى اعتبروا عمل أمصارهم النائية محلاً وزمناً عن مهبط الوحي.

الجمهور:
74- يفرض الأصوليون مسألةَ انعقاد الإجماع بقول الأكثر، ويذكرون في المسألة أقوالاً، وما هو العدد أو الوصف الذي لا يؤثر في حكاية الإجماع، وبعيدا عن تفاصيل هذه الأقوال فإن ابن عبد البر رحمه الله يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو الاحتجاج بقول الجمهور
75- ضابط الجمهور عند ابن عبد البر – والله أعلم - هو ما اجتمعت عليه أئمة فقهاء الأمصار، وقد لا يلتفت إلى ما انفرد به الواحد من أئمة الفتوى في بعض المسائل كأبي حنيفة في الكوفة والأوزاعي في الشام.
76- ما أجمع عليه الجمهور وعامة الفقهاء هو الحق، وهو الحجةعلى من خالفه من السلف والخلف.
77- السبب في حجية إجماع الجمهور والعامة من أهل العلم هو أنه لا يجوز الغلط عليهم في التأويل ولا الاتفاق على الباطل ولا التواطؤ عليه مع اختلاف مذاهبهم وتباين آرائهم.
78- من شذ عن ذلك فإنه لا يعد خلافهم خلافا على الجمهور بل هو محجوج بهم ومأمور بالرجوع إليهم إذ شذ عنهم.
79- مصطلح " أئمة فقهاء الأمصار": يجري كثيرا علىلسان ابن عبد البر، ولم يظهر لي نص واضح يفسر بشكل محدد مقصوده به، لكنيبدو من خلال المعنى المتبادر من إطلاق هذه اللفظة، ومن خلال تتبع بعض إطلاقات ابنعبد البر لهذا الحرف أن مقصوده منه أئمة الفتوى الذين يرجع إليهم في العلم، والذين لهمأصحاب وأتباع، وذلك في الأمصار المعروفة بالعلم كالمدينة ومكة والكوفة والبصرةوبغداد والشام ومصر والمغرب.
80- في تقييدات ابن عبد البر ما يفيد أن أئمة الفتوى بالأمصار هم أخص من مطلق الفقهاء.
81- فرَّق ابن عبد البر بين أئمة الأمصار وبين حملة الآثار وأئمتهم.
82- يطلق ابن عبد البر أحياناً على قول الجمهور بإجماع الجمهور، وهذا يدل على أن الحجة الإجماعية عنده تحصل بمجرد إجماع جمهورهم.
83- يقع من ابن عبد البر رحمه الله إطلاق إجماع الجمهور على الإجماع الحقيقي، الذي يقع في المسائل التي لا يعرف فيها خلاف.
84- يقع منه الاحتجاج بقول الجمهور، وتسميته بالإجماع، مع ما قد يقع من خلاف قديم في المسألة ولو بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حتى مع خلاف طائفة قليلة.
85- فسَّر احتجاجه بهذا الإجماع بأنه لا يجوز عليهم السهو والغلط ولا الجهل بمعنى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
86- يقع منه التعبير في المسألة الواحدة بالإجماع تارة، وبالجمهور تارة.
87- اعتماده على هذا الإجماع في بيان معنى الكتاب والسنة.
88- يصحح ابن عبد البر رحمه الله بعض الأقوال من جهة الاستدلال والنظر لكن يمنعه من اعتبارها مخالفتها لقول الجمهور، وقولهم واجب الاتباع، وقل مثل ذلك من باب أولى فيما إذا تساوت الحجج.
89- الامتناع من أخذ بعض ظواهر النصوص لمخالفته لقول الجمهور.
90- تحديد معنى الحديث بناء على فهم الجمهور.
91- تجرد ابن عبد البر في اختيار الأقوال، فلا يمنع اتباعه لقول الجمهور أن يشهد للقول الآخر بأنه المتفق مع القياس والنظر.
92- اتباع قول الجمهور فيما لم يتلقوه بالقبول مما ترك من النصوص قديما، ووجوب اتباع فهمهم الخاص به.

الشذوذ:
93- لابن عبد البر موقف شديد من الشذوذ وأهله:
1- حتى قال: "لا خير في الشذوذ".
2- وقال: "لا يكون إماما من أخذ بالشاذ من العلم."
3- وحكى الإجماع على مقولة سليمان التيمي: "لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله."
وتحصيل ابن عبد البر رحمه الله لهذا الإجماع مشهور، قد تداوله أهل العلم وتناقلوه عنه، حتى ناقشوا من أجله دقة نقله للإجماعات.
94- عدم اعتداده بالشذوذ في مخالفة الجمهور.
95- يمكن ضبط القول الشاذ عند ابن عبد البر بمخالفة قول الجمهور الذين هم حجة على من خالفهم.
96- لم يعتبر ابن عبد البر رحمه الله في بعض المسائل قول أبي موسى الأشعري وعبيدة خارقاً للإجماع لشذوذ هذا القول وخلافه ما عليه الناس.
97- يحترز ابن عبد البر عن وصف الأقوال المتقدمة بالشذوذ لاسيما ما كان عن الصحابة، وربما يعبر عن ذلك بأنه قريب من الشذوذ أو يشبهه ونحو ذلك.
98- لا قيمة للتمسك بالشذوذ عند ابن عبد البر فهو قول مهجور مرغوب عنه ومعيب.
99- من شذ عن اتفاق الجمهور وعامة العلماء فإنه لا يعد خلافه عليهم خلافا، وهو محجوج بهم ومأمور بالرجوع إليهم إذ شذ عنهم.
100- يكشف ابن عبد البر عن أسباب الوقوع في الشذوذ ومخالفة الجمهور، إما لاعتمادهم على ظاهر أثر أو إغراق في القياس، أو عدم المبالاة في الالتزام بما عليه الجمهور، أو اعتبار بعض الروايات الشاذة.
101- يجيب ابن عبد البر عن مأخذ الأقوال الشاذة تارة من جهة الأثر وتارة من جهة النظر وتارة من جهة مخالفة قول الإجماع أو الجمهور الواجب الاتباع، وتارة يجمع بين هذه كلها.
102- يتفطن ابن عبد البر كثيرا لأسباب الوقوع في الشذوذ.
103- وصف ابن عبد البر بعض الأقوال بالشذوذ مع أنه قد قال بها طائفة من أهل العلم، ويبدو أن من أسباب ذلك أن تكون هذه الطائفة قد تتابعت على هذا القول نقلا أو تقليدا أو شيوعاً، كأن يكونوا في بلدة واحدة، ولهذا نجده يصف هذه الأقوال بأنها قول طائفة من أهل البصرة أو قول طائفة من أهل الشام.
104-ابن عبد البر شديد الذم للأقوال الشاذة، ونلاحظ عليه أنه يتعقب كثيرا طائفتين لمخالفتهم لقول جمهور أهل العلم، وهما:
105- الظاهرية: وهذا من الوضوح بمكان.
106- الحنفية: وهذا أيضاً ظاهر في كلام ابن عبد البر، وإن كانوا دون الأولين.
107- فسر ابن عبد البر رحمه الله بعض ما انفرد به أبو هريرة بما يتفق مع قول الجمهور وعلى التسليم بأن كلامه على ظاهره فإنه لا يكون حجة إذ كان قوله مخالفاً لقول الجمهور، وإذا كان هذا تعامله في انفرادات بعض الصحابة فأولى به ألا يلتفت إلى تفرد غيرهم.
108- لم يلتفت ابن عبد البر إلى خلاف طائفة من أهل الشام لأمرين اثنين:
109- لشذوذها عن قول الجمهور.
110- لفساد ما ذهبوا إليه بدليل مركَّبٍ من النصوص.
111- اعتباره في بعض المسائل أنه وإن لم يكن فيها إجماع إلا أن الخلاف فيها ضعيف.
112- يحاول ابن عبد البر أن يفسر بعض ما وقع من الصحابة أو التابعين مما يشبه الشذوذ بما يتفق مع قول الجمهور، وإن كان لا يبالي إن كان الكلام على ظاهره أن يجزم بأن لا حجة في قوله إذا كان مخالفا لقول الجمهور.
113-أنواع الشذوذ عند ابن عبد البر:
ينقسم الشذوذ عند ابن عبد البر على عدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: بالنظر إلى الرواية أو القول:
فله متعلقان:
§ يتعلق أحيانا بالثبوت: وبحثه في المصطلح.
§ وأحيانا بالقول: وهو محل بحثنا.
الاعتبار الثاني: النظر إلى الشذوذ في القول من حيث ذاته وما ينبني من الحكم عليه:
وهو على قسمين:
1- ما يجزم بشذوذه ومخالفته للحجة.
2- ما يكون ضعيفاً عنده وهو يشبه الشذوذ.
وكلا القسمين كثير في كلام ابن عبد البر رحمه الله:
ويبدو أنه لا يجزم بشذوذ الثاني لبعض الأسباب كأن يكون الخلاف متعددا أو أن يكون له قوته من جهة الأثر أو النظر، أو أن فيه خلافاً لبعض المتقدمين لاسيما إذا كان عن الصحابة، أو بعض التابعين، فيتورع عن الوصف بالشذوذ، تأدبا مع مقام المخالفين
وإن كان يعكر على هذا التخريج: أنه يجزم أحياناً بالشذوذ مع تعدد المخالفين ومع وقوع المخالف من الصحابة والتابعين.
ويبدو والله أعلم: أن ما ذكرناه هو مما يزنه ابن عبد البر في الخلاف، ولكل مسألة لها وزنها الخاص بها، وكلما كان الخلاف متأخراً كلما كان أضعف، وكلما كان المخالف أقل كلما ازداد ضعفا، وقل مثل ذلك فيما إذا كان متمسكه من الأثر أو النظر ضعيفا، فيكون ضغثٌ يزيد على إبالة.
114- لا يصحح ابن عبد البر الاعتراض الواقع على الإجماع الذي يحكيه أو يحصِّله بما يذكر من الأقوال الشاذة
115- يحمل ابن عبد البر النص الذي لم يعمل به على النص المجتمع على معناه، ويبرر ذلك بأنه من استثناء السنة المجتمع عليها بالسنة المجتمع عليها.
116- لابن عبد البر اشتغال ظاهر في إسقاط الأقوال التي لا تتفق والأقوال في المسألة.
117- لابن عبد البر موقف متضح من التكلف في الاستدلال للأقوال الضعيفة.
118- لابن عبد البر اشتغال ظاهر بتتبع وإفساد الأقوال الغريبة عن طريق: الأثر والنظر واتباع قول الجمهور الواجب الاتباع.
119- لابن عبد البر عنايته بتتبع الأقوال الشاذة في المسألة ودراستها، ومعرفة أسباب الشذوذ الواقع فيها، ومن أسباب ذلك ما يلي:
o سعة أنواع الإجماع التي يحتج بها.
o احتجاجه بقول الجمهور.
o عدم اعتداده بأي قول في المسألة:
§ هو خلاف الإجماع.
§ أو حتى خلاف قول الجمهور.
120- يصف ابن عبد البر رحمه الله القول بالشذوذ بأحد أمرين:
1- أنه خرج مخرج الشذوذ.[ولا يلزم أن يكون صاحبه من السالكين سبل الشذوذ، وإنما وقع منه فلتة بما يتفق مع مخرج الشذوذ، كما وقع في كثير انفرادات الصحابة والتابعين].
2- أنه قول بعض المتأخرين الذين يسلكون سبيل الشذوذ.
o ما خرج مخرج الشذوذ:
من ذلك ما يلي:
· بعض انفرادات الصحابة والتابعين.
· طائفة قليلة من أهل الأمصار ممن ظهر تتابعهم على بعض الأقوال الشاذة. [كطائفة من أهل الشام، وطائفة من أهل البصرة].
· مخالفات الأفراد.
· طائفة من أهل الآثار.
· طائفة قليلة من أهل الأمصار.
o السالكين سبيل الشذوذ:
· أهل البدع.
· أهل الظاهر.[داود وأصحابه]
· جملة من أقوال الأحناف التي فارقوا فيها قول الجمهور.
· تتبعه لبعض شذوذات أهل العلم، ومن أولئك:
2. أبو سلمة بن عبد الرحمن.
3. ابن علية.
4. ربيعة.
هؤلاء باختصار هم أجناس من لا يعتد بهم ابن عبد البر في مخالفة قول الجمهور.
121- لابن عبد البر موقف واضح وصريح من شذوذات أهل الظاهر، ومن سلك سبيلهم من متبعي الشذوذ كما يعبر رحمه الله، وقد علَّق ابن عبد البر على بعض ما استدركه على ابن بلدته ابن حزم الظاهري، بأنه لا يكون إماماً من أخذ بالشاذ من العلم، وخشنت عبارته مرة فقال: "وقد شذ عنهم من المتأخرين من أصحاب الظاهر من لم يستحي من خلاف جماعتهم فهو محجوج بهم ولا يلتفت إليه معهم."
122- من الأسباب الرئيسية في شذوذات أهل الظاهر التي نبه عليها ابن عبد البر رحمه الله هو اتباع الظاهر ونفي القياس وقد ترك من تعمد ذلك ظاهرا مجتمعا عليه.
123- لابن عبد البر رحمه الله استدراكات وافرة على أبي حنيفة وأصحابه بمخالفتهم الجمهور والأصول.
124- خرَّج الإمام ابن عبد البر سبب شذوذات أبي سلمة بما نقل من مماراته لابن عباس رضي الله وأنه بسبب ذلك حرم علماً كثيراً.
125- نبه ابن عبد البر أن لإسماعيل بن علية إغراق في القياس، وشذوذ عن العلماء كثير، ومذاهب عند أهل السنة مهجورة، وأنه ليس عندهم ممن يعتمد عليه، ولا مما يعد قوله خلافا ولا يعرج عليه.
126- يمكن أن يستفد من كلام ابن عبد البر السابق أن من اتصف بهذه الصفات: كثرة الشذوذ، الإغراق في القياس فحقه ألا يعتمد عليه.
127- نبه ابن عبد البر في بعض المسائل أنه لا يعلم لإسماعيل بن علية ولا لداود فيها سلفا مع تضاد أصولهما في القياس فداود ينكر القياس وابن علية يثبته.
128- سجل ابن عبد البر رحمه الله على ربيعة الرأي بعض الشذوذات.
129- على رأس من يصنَّف في ما وقع فيه الشذوذ من جهة توافق المخرج لا من جهة سلوك سبيله هو ما ورد عن الصحابة والتابعين في بعض ما انفردوا به، وقد كان ابن عبد البر رحمه الله يحترز أحياناً من وصف أقوال هؤلاء بالشذوذ تأدباً، وإن وقع منه أحياناً جزمه بشذوذهم.
130- لما أشار ابن عبد البر رحمه الله في بعض كلامه: إلى جهل عمر بن عبد العزيز والمغيرة بن شعبة لبعض سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أنه قد جاز : على كثير منهم جهل كثير من السنن الواردة على ألسنة خاصة العلماء، وأنه لا يعلم: أحدا من الصحابة إلا وقد شذ عنه بين علم الخاصة واردة بنقل الآحاد أشياء حفظها غيره وذلك على من بعدهم أجوز والإحاطة ممتنعة على كل أحد.
131- إذا جاز هذا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم أجوز.
132- لابن عمر رضي الله عنه أشياء شذ فيها حمله الورع عليها.
133- سجل ابن عبد البر على ابن عباس ومعاوية بعض الشذوذات وقرر أن الحجة: في السنة لا فيما خالفها من الأقوال التي هي جهالة يلزم ردها إلى السنة.
134- يقع الشذوذ عند ابن عبد البر اعتبارياً، فابن مسعود يصف شذوذه بأنه قد شذ عن الصحابة، وأبو ثور اعتبر قوله شذوذاًَ عن العلماء، والمسألة واحدة.
135- أشار ابن عبد البر إلى شذوذ بعض المتأخرين من الفرضيين، مما يؤكد موقف ابن عبد البر من انفرادات كثير من المتأخرين الذين لم يرتض مسلكهم في الشذوذ وعدم التزامهم لقول الجمهور الواجب الاتباع.
136- [المخالف من الجماعة القليلة]:
على أربعة أقسام:
§ أن يكونوا طائفة متتابعة من مصر واحد.
§ أن يكونوا طائفة متتابعة على مذهب واحد.
§ أن يكونوا طائفة متفرقين.
§ طائفة من أهل الآثار.
137- احتجاج ابن عبد البر بقول الأكثر لا يتقيد بأن يكون المخالف واحداً أو اثنين كما تساق هذه المسألة في كتب الأصول، ثم يورد عليها خلاف الثلاثة.
138- لم يلتفت ابن عبد البر إلى الخلاف الواقع في بعض المسائل مع أن الخلاف واقع فيها ومتعدد ومتقدم لأمور ثلاثة:
أ‌- أنه مخالف لقول عامة الفقهاء في سائر الأمصار.
ب‌- أن الناس قد أجمعوا بعد ذلك إلى اليوم على خلافه.
ت‌- أنه مخالف للثابت من النصوص.
139- وصف ابن عبد البر بعض الأقوال بأنها قريب من الشذوذ قد قال به طائفة من أهل الآثار.

التقليد والاتباع:
140- تنبه ابن عبد البر إلى الفرق بين التقليد والاتباع حتى عقد في بيان ذلك باباً برأسه.
141- مفارقة ابن عبد البر للتقليد حتى قال في ذمه كلاما خشناً.
142- أن الله قد ذم التقليد في كتابه.
143- صحة الاستدلال بنصوص ذم التقليد للكفار لأن المقصود ذمهم على اتباع آبائهم أو رؤسائهم بغير حجة، وهو واقعٌ في عموم المقلدة.
144- أن السلف لم يقلدوا.
145- أن أهل العلم أجمعوا أن المقلد لا علم له.
146- أن أئمة الأمصار لم يختلفوا في فساد التقليد.
147- أن أهل العلم أجمعوا على أن ما لم يتبين وما لم يستيقن فليس بعلم لأنه اتباع للظن، وهو لا يغني من الحق شيئاً.
148- أن أهل العلم والنظر احتجوا على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية، وأحسن ذلك ما جاء عن المزني.
149- أن بطلان التقليد يقتضي التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي: الكتاب والسنة وما كان في معناهما بدليل جامع يبين ذلك.
150- التحذير من زلة العالم وزيغة الحكيم.
151- ذم التقليد إنما هو لغير العامة.
152- لم يختلف العلماء أن على العامة تقليد علمائها.
153- لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا.
154-الفرق بين التقليد والاتباع هو :
1. أن التقليد: هو اتباع قول لا حجة لقائله عليه وهو ممنوع.
2. والاتباع: ما ثبت عليه بحجة.
155- حث ابن عبد البر على الاقتداء بالإجماع وإجماع أهل المدينة إذا تتابعوا أولا عن آخر.
156- أن النظر إلى الدليل إنما يكون فيما وقع فيه الخلاف.
157- مذهب الإمام الشافعي رحمه الله هو أقل المذاهب مخالفة لقول الجمهور، وإذا كان الترجيح بالجمهور سائغاً كما هي طريقة ابن عبد البر وجماعة، وإذا كان مذهب الجمهور هو أقرب إلى الحق غالبا، فيمكن القول بناء على هاتين المقدمتين أن مذهب الشافعي هو أقرب المذاهب الأربعة إلى الحق.
158- أكثر المذاهب مخالفة لمذهب الجمهور مذهب أهل الظاهر، وبناء على صحة المقدمتين السابقتين فإن النتيجة ستكون عكسية.
159- المذهب الحنفي هو أكثر المذاهب الأربعة مخالفة لقول الجمهور.
160- المذهب الحنبلي والمالكي بالنسبة لمخالفة الجمهور قريبان فهما أقل من مخالفة الحنفية وأكثر من مخالفة الشافعية.
161- ارتفع ابن عبد البر إلى منازل مختصة بما أسبغ الله عليه من نعمة التجرد، وله في ذلك ألوان وأشكال، استوقفنا في بحثنا هذا تصريحه في بعض المسائل أن القياس والنظر في القول الآخر، وأنه إنما صار إلى قول الجمهور لأنه واجب الاتباع، وأيضاً في إنزاله أقوال الإمام مالك وأصحابه التي خرجت مخرج الشذوذ في اختطه في هذا الباب من اتجاهات ورسوم،ولم يمنعه انتسابه إلى إمام هذا المذهب ورجاله أن يحيد عن أصوله في هذا الباب، وإن كان قد وقعت مدافعة عن بعض ما انفرد به الإمام مالك، وهذا مما يحتمل، وذكر مثل هذا القليل والنادر مما يؤكد أنه على خلاف الأصل.

فوائد عن ابن عبد البر رحمه الله خارج موضوع البحث:
162- علماءالصحابة يسلَّم لهم في التأويل لمعرفتهم بما خرج عليه القول.
163- المسألة إذا كان فيها وجهان فقام الدليلعلى بطلان أحدهما تبين أن الحق في الوجه الآخر وأنه مستغن عن قيام الدليل على صحتهبقيام الدليل على بطلان ضده.
164- الفضائل لا تقاس.
165- الفرائض لا تثبت إلا بما لا مدفع له ولا مطعن فيه.
166- "لا ينبغي لعالم أن يجعل شيئا من القرآن منسوخا إلا بتدافع يمنع من استعماله وتخصيصه."([2])
167- من رأى رأيا فإنه يكون منه اجتهادا ولا يقال عنه إنه الحق
168- صرف الصحابة ظاهر النص لا يكون رأيا ولا يكون إلا عن توقيف يجب التسليم له.
169- الفرائض لا تكون إلا مؤقتة معلومة؛ فلا يصلح أن يقال بوجوب الوصية مطلقا، ثم لا يحدد وقتاً لوجوبها.
170- أن من غسل المرفقين فقد أدى فرضه بيقين، واليقين في أداء الفرائض واجب.
171- لا يصلح أن يقال بوجوب غسل الجمعة ثم يقال تصح الصلاة بدونه.
172- ابن علية يوجب فساد صلاة من لم يأت بأعمال الصلاة سننها وفرائضها وكل ما عمله النبي عليه السلام في الصلاة عنده ولم يختلف عنه فيه فهو واجب عنده تفسد الصلاة بتركه.
173- يعبر ابن عبد البر كثيرا عن الواجب بالسنية التي تصح الصلاة بدونه مع جبره، وبالفرض أو الواجب على الركنية
174- العلم على أربعة أوجه:
1- ما كان في كتاب الله الناطق وما أشبهه.
2- وما كان في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المأثورة وما أشبهها.
3- وما كان فيما أجمع عليه الصحابة رحمهم الله وما أشبهه، وكذلك ما اختلفوا فيه لا يخرج عن جميعه، فإن أوقع الاختيار فيه على قول فهو علم تقيس عليه ما أشبهه.
4- وما استحسنه عامة فقهاء المسلمين وما أشبهه، وكان نظيرا له.
181- نقل ابن عبد البر اتفاق أهل الإسلام أن الدين تكون معرفته على ثلاثة أقسام :
أولها:
معرفة خاصة الإيمان والإسلام....
والقسم الثاني:
معرفة مخرج خبر الدين وشرائعه ، وذلك:
1- معرفة النبي صلى الله عليه وسلم الذي شرع الله الدين على لسانه ويده.
2- ومعرفة أصحابه الذين أدوا ذلك عنه.
3- ومعرفة الرجال الذين حملوا ذلك وطبقاتهم إلى زمانك.
4- ومعرفة الخبر الذي يقطع العذر لتواتره وظهوره.
والقسم الثالث:
1- معرفة السنن واجبها وأدبها.
2- وعلم الأحكام ، وفي ذلك يدخل:
أ‌- خبر الخاصة العدول ومعرفته.
ب‌- ومعرفة الفريضة من النافلة.
ت‌- ومخارج الحقوق والتداعي.
ث‌- ومعرفة الإجماع من الشذوذ.
1- قالوا :ولا يوصل إلى الفقه إلا بمعرفة ذلك.

([1]) يقول في التمهيد:غسل الموتى قد ثبت بالإجماع ونقل الكافة ، فواجب غسل كل ميت إلا من أخرجه إجماع أو سنة ثابتة.

([2])الاستذكار (6/77).
 
إنضم
23 أغسطس 2008
المشاركات
13
التخصص
الفقه والأصول
المدينة
كانو
المذهب الفقهي
مالكي
نسخت هذا البحث ولم أطلع عليه، وفيما يبدو من العنوان سيكون جيدا، وجزى الله الكاتب خيرا
 
إنضم
29 أكتوبر 2007
المشاركات
9,059
الكنية
أبو فراس
التخصص
فقه
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
شكر الله لك أخي الكريم، ونفعنا جميعاً بما نتعلم، وجعله حجة لنا لا علينا
 

عمر محمد علي

:: متفاعل ::
إنضم
15 مارس 2013
المشاركات
319
التخصص
القانون
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
عاميّ
رد: سلسلة مباحث في الإجماع والشذوذ: (3)...موقف ابن عبد البر من الإجماع وقول الجمهور والشذوذ.

السلام عليكم
عندي طلب لو سمحت :
هل هناك رسالة اهتمت بجمع : المسائل المختلف على انعقاد الإجماع عليها ؟
بحيث تقتصر الرسالة على نوعين من المسائل:
الأولى: المسائل المدعى انعقاد الإجماع عليها ومدعى في نفس الوقت انعقاد الإجماع على ضدها
الثانية: المسائل المدعى انعقاد الإجماع عليها ومدعى في نفس الوقت عدم انعقاد الإجماع عليها لكونه يوجد فيها مخالف جهله المدعي بالإجماع أو أنه اعتبر قوله شاذ فلم يمنعه ذلك من الاستمرار في ادعاء الإجماع ؟

باختصار:
اتت في بالي فكرة رسالة : حكاية الإجماع على ما وقع في نزاع
ولا أعلم هل سبقني إليها غيري أم لا .

ملحوظة: علمت بموسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي ، وثلاث رسائل في إجماعات ابن عبد البر والنووي وابن تيمية

والسلام عليكم.
 
إنضم
28 يونيو 2010
المشاركات
13
التخصص
فقه
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الحنبلي
رد: سلسلة مباحث في الإجماع والشذوذ: (3)...موقف ابن عبد البر من الإجماع وقول الجمهور والشذوذ.

شكرا لك
 

محمد رمضان سنيني

:: مطـًـلع ::
إنضم
3 نوفمبر 2012
المشاركات
117
الكنية
أبو عبد البر
التخصص
أصول الفقه
المدينة
الجزائر العاصمة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: سلسلة مباحث في الإجماع والشذوذ: (3)...موقف ابن عبد البر من الإجماع وقول الجمهور والشذوذ.

كنت قد قمت بإحصاء إجماعات ابن عبد البر منذ سنة 1991 م من كتابه التمهيد ثم نصحت طالبا من طلابي بدراستها وتقديمها كرسالة ماجستير والإجابة على الإشكالية: هل حقا إجماعات ابن عبد البر لا يعتد بها، وقد نقل المقري في قواعده: حذّر الناصحون من أحاديث القاضي عبد الوهاب وإجماعات ابن عبد البر وووو، وتم إنجاز الرسالة ومناقشاتها منذ أكثر من عشر سنوات بجامعة أدرار بالجزائر
 
إنضم
29 أبريل 2016
المشاركات
15
الكنية
أبو الحسن
التخصص
أصول الفقه
المدينة
جده
المذهب الفقهي
...
رد: سلسلة مباحث في الإجماع والشذوذ: (3)...موقف ابن عبد البر من الإجماع وقول الجمهور والشذوذ.

بارك الله فيك جهد تشكر عليه ومسائل الاجماع وغيرها من مسآئل الاصول تحتاج منا لتتبع أقول أهل العلم الكبار كأمثال ابن عبد البر رحمة لنصل فيها لنتيجة مرضية في مسائل الخلاف الشهيرة كمسألة حجية قول الاكثر او قول الجمهور وأن لا نكتفي بما قرره علماء الأصول تنظيرا في كتبهم.
 
أعلى