العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

إنضم
21 مارس 2009
المشاركات
97
الكنية
أبو فهر
التخصص
متفنن
المدينة
المنصورة
المذهب الفقهي
لا أتقيد بمذهب
لطرح وجهات النظر ونقد المقال بالعلم والعدل والحلم ..

سنصدع بالحق
د .حاتم بن عارف الشريف - عضو مجلس الشورى



لقد كانت قلة قليلة منا ( معشرَ المتخصصين في العلوم الشرعية ) ربما تحدّثَ بعضُنا على خجلٍ وبصوت منخفضٍ عن قضايا ملحّةٍ كثيرة (في قضايا المرأة وغيرها) ، كانت لنا فيها وجهاتُ نظرٍ مخالِفَةٍ لتوجُّهِ الإفتاء الرسمي في المملكة . وكنا نترفّقُ في عَرْضنا لاجتهاداتنا وفي اعتراضنا على فتاواهم ؛ طمعًا في قبولها والاستفادة منها . وكنا في مقابل ذلك الترفُّقِ نتقبّلُ من بعض المشايخ وطلبة العلم حُزْمةً من التصنيفات الجائرة لنا وللتُّهَمِ الجزاف التي كانت تُطلق علينا , وأرجو أن لا نترك ذالك الترفُّـقَ ولا هذا التقبُّـلَ .
ولكننا استمررنا بالتلطُّفِ في المخالفة إلى حدِّ العجز عن الإصلاح ، وإلى حد ضعف التأثير ، وكنا نبرر هذا العجز والضعف بعدة أمور ، نال كلَّ واحدٍ منا نصيبٌ منها ، وهي :
1- إما مجاملة للمشايخ والتيار المتوقّفِ عند اجتهاداتهم فقط وتطييبًا لخاطرهم على حساب الإصلاح الديني ! وهذه معصية لا يجوز أن تستمر ؛ لأن مصلحة الدين تستوجب عدم فعل ذلك .
2- وإما رضوخًا لفكرةِ أنه لا داعي للفَتِّ في عضد المؤسسة الدينية الرسمية ، وذلك من باب تقديمِ دَرْءِ مفسدةٍ أكبر بأخفّ . ولكن أثبتت الأيام أن تقدير أصحاب هذا التبرير للمفاسد والمصالح كان منكوسًا.
3- وإما من باب تحميل المؤسسة الدينية الرسمية مسؤوليةَ الإصلاح والتأثير , ولو برأيٍ فقهيٍّ مرجوحٍ صادرٍ منها (فالاجتماعُ على الرأي المرجوح خير من التفرق على الرأي الراجح) , ولو مع مبالغةٍ من المؤسسة الدينية الرسمية في استخدام قاعدة سدّ الذرائع (الصحيحة في أصلها) , ولو مع ضعف إدراك بعض أعضائها لحاجات المرحلة ,ولو... ! ولكن توالت خسائرنا الإصلاحية ؛ لأننا بذلك قد حمّلنا المؤسسةَ الدينية الرسمية فوق طاقتها , بسبب المبالغة في تقدير حجم التأثير المتوقَّعِ لها . ولذلك تجاوزها القرارُ السياسي , الذي لا يمكنه إلا أن يواكب الـحَدَثَ وأن يتعايش مع الواقع , إن أمكنه ذلك بالمؤسسة الدينية (وهذا ما يتمناه) , أو بدونها (وهذا ما لا يتمناه ) .
4- وإما أَخْذًا منا بنصائح الناصحين والمحبين , بتأخير بعض الآراء إلى وقتها المناسب . ولكننا أخطأنا في قبول تلك النصائح غير الموفَّقة , والتي لا تحدد الزمنَ المناسب أبدًا, ولا تريد أن تحدده ؛ لأنها لا تريد إلا الاستمرار في الصمت . وقد تبينَ مؤخرًا أن الوقت المناسب إن لم يكن قد تجاوَزَنا , فهذا هو أوانُه المؤكّد والحاسم .
فهل آن أوانُ الصدع بالحق , والإعلان عن اجتهاداتنا الفقهية بالصوت المرتفع , وبالصوت المرتفع وحده .
وهل آن الأوان لِنُشِيْعَ بين الناس أن الإصلاح الديني ليس محصورًا في المؤسسة الدينية الرسمية وحدها , بل قد يكون تَحَقُّقُ الإصلاح الديني في اجتهاداتٍ آتيةٍ من خارج المؤسسة الدينية الرسمية ؛ لأن تلك الاجتهادات الآتية من خارجها قد تكون هي الأرجح , أوهي الأصلح لزمننا .
لا أشك في أن هذين السؤالين التقريريين جوابهما هو : نعم , لقد آن الأوان , أو نرجو أن نستطيع إدراك أوانه الذي قد فات .
ولكي يكون هذا المقال بدايةَ الإصلاح , أودُّ ذِكْرَ بعض ملاحظاتي على المؤسسة الدينية الرسمية , ببيان بعض سياساتها المرجوحة شرعيا في اجتهادي :
أولا :المبالغة في سد الذرائع , بسبب خوفٍ على المجتمع ,وهو ما يُسمّيه البعض وصايةً عليه : بأننا لو فتحنا للمجتمع المجال تجاوَزَ الحدَّ المسموح إلى غير المسموح , ولذلك يجب (حسب اجتهادهم) وَضْعُ حدٍّ احتياطي من الممنوعات , لكي لا يصل الناس للحد الحقيقي . وهذا المنطلق الفقهي (وهو أصل سد الذرائع) ليس مطلقا بغير شروط , بل لا بد من توفر شروطٍ لصحته , ولا أجد هذه الشروط متوفرة في العديد من الفتاوى والاجتهادات .
ثانيا :مصادرة الاختلاف السائغ , والتشنيع عليه ؛ بحجة أنه غير سائغ وشاذ وبدعوى مخالفته للإجماع (دون اتضاح الرؤية لضوابط تَشْذِيذِ قول واطِّراحِه) , أو بحجة أن القائلَ به من متتبعي رُخَصِ الفقهاء (ومن تتبع رخص الفقهاء تزندق) , أو بحجة أنها قولٌ مرجوحٌ , ولا يهم أن يكون راجحًا عند فقيه آخر .
ثالثا : بعض تلك السياسات مرجعها إلى خلط التقاليد والأعراف بالدين (مثل معضلة: عباية الرأس أو الكتفين) , واتّهمْنا من يخالفُنا فيها بشتى التهم , كالتغريب أو قلة الغَيرة (الدياثة) , وغير ذلك من التهم .
ولقد كنت أذكر خلافي لذلك كله بصوت يعلو قليلا وينخفض كثيرا ؛ لا خوفًا من ضغوض التهميش , الذي لا يمكن في زمن الفضاء المفتوح والشبكة الدولية المتاحة لكل أحد . ولا وجلاً من بَغْيِ هجومٍ متوَّقع يقصد الإسقاطَ وتشويهَ السمعة بشتى الوسائل : من تجهيلٍ وتبديع , إلى غير ذلك من صنوف الفجور في الخصومة . وإنما كان الصوت ينخفض كثيرًا : مراعاةً مني للمصلحة العامة المتمثلة في الحرص على وحدة الصف , أو تسامحًا مع الرأي القائل بأن المخالفين قادرون على تدارك الأخطاء إن وقعت , وأن جبهة الممانعة قوية , فلا داعي لإضعافها من الداخل . ويبدو أنني أخطأت في ذلك كله , وأنه ما كان لصوت الإصلاح أن ينخفض , وأن السكوت كان خطيئة لا تجوز.
فمثلا : كنتُ قد كتبتُ فتوى مُطَـوَّلةً فصّلتُ فيها الكلام عن الاختلاط بين الذكور والإناث , وبينتُ أن الاختلاط منه ما هو جائز ومنه ما هو محرم , وبينت فيه أن كثيرا من الناس فيه بين إفراطٍ وتفريط . ولا أعلم طرحًا شرعيا سابقا لذلك الطرح فَصَّلَ في شأنِ الاختلاط ذلك التفصيل . ومع أن تلك الفتوى كانت من قبيل الصوت المنخفض في الإصلاح , وهي تدعو لانضباطٍ شرعي مؤصَّلٍ في موضوع الاختلاط ؛ إلا أنها لم تحظَ بقبولٍ واسع لدى المخالفين من الشرعيين , الذين ما زالوا يغالطون ( في شأن الاختلاط ) الأدلةَ الشرعية ، ويتجاهلون الحاجةَ الملحة لإعادة النظر في عاداتنا التي مزجناها بالدين . فكانت تلك الفتوى مصدرَ امتعاظٍ عند شريحة كبيرة فيما ظهر لي , وتجاهلٍ أكبر من شريحة أكبر . حتى جاء الوقتُ الحاضر , فأصبح بعضُ من كان ينكر تلك الفتوى يتبجح الآن بالتفصيل الذي مضى لي على ذكره زمان , ووجد فيها بعضُ المتجاهلين لها سابقا مخرجًا من أزمةٍ وحلاًّ لمشكلةٍ . ولو أنهم راجعوا أنفسهم قبل هذا , وأدركوا متغيرات العصر , لعرفوا أن موقفهم السابق من ذلك الرأي كان خطأ شرعيا سيؤدي إلى خطأ شرعي في الاتجاه الآخر.
وفي قضية تأنيث المحلات النسائية : كنت أصرح بدعمي لهذا المشروع بضوابط , لكن الصوت العام كان هو الرفض والممانعة ,كالعادة , دون محاولة تَفَهُّمٍ لأهمية قبوله بضوابط.
وفي قضية الطائفية : تكلمتُ بصوت مرتفع , في الفضائيات , وفي أكثر من مقال , منها مقالٌ مطول نشرتْه بعضُ المواقع الشبكية , ثم طُبع ونُشر مجانا (بدعم من بعض المحسنين الفضلاء) . فكنتُ أحذًّرُ من خطر الطائفية , وأبين أنها الورقةَ الرابحةَ بيد المتربص الخارجي , وأن الاعتدال غائبٌ في شأنها عن الساحة الشرعية من الجوانب كلها (من جانب السنة ومن جانب الشيعة أيضا وغيرهم) . وما زال الرفض والممانعة مستمرَّينِ حتى خرج تقرير لجنة حقوق الإنسان السعودية يطالب بإعطاء الشيعة حقوقهم . فأرجو أن لا تستمر الممانعة , إلى أن تقع الفتنة الطائفية , أو إلى أن تتجاوز الأقليةُ الشيعية حقوقَها إلى ما ليس من حقوقها .
وفي مجال التكفير : كنت قد نشرتُ فتوى صريحة أقـيِّمُ فيها دعوةَ الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله) , حسب زمنها , وبما لا أعرف طريقةً هي أقوى منها في الدفاع عنها, وأَدْعَى لبقاء أثرها الطيب ؛ لأنها الإنصاف والعدل . ولأجعل هذه الفتوى مني مدخلا لمراجعاتٍ سلفيةٍ سُنية لتراثنا البشري غير المعصوم في مسائل التكفير والتي لي ولغيري فيها اجتهاداتٌ عديدةٌ نخالف المشهور بيننا فيها اليوم , نشرتُ أحدهَا في كتابي (الولاء والبراء) وفي مقدمة (التعامل مع المبتدع) , ومازلت أصرِّحُ بفتاواي فيها لكل سائل, وأناقش كل معترض . ولا أذكر هذا ؛ إلا لكي لا أُطالبَ بالدليل على ما أقول وبأمثلة لما أدّعيه.
وقد قُوبلت تلك المراجعات بهجوم متوقَّع , لا يهمني الآن منه ؛ إلا التذكير بواجب إعادة الحسابات , والمبالغة في محاسبة النفس , فمصلحةُ الدين فوق حظوظ النفس .
فمتى سنعلم أن الإصلاح الديني الحقيقي هو الانتصار الحقيقي لمكانة المؤسسة الدينية الرسمية , وفي استمرار أثرها المبارك ؛ سواء جاء الإصلاح منها أو من خارجها ؛ لأن مكانة المؤسسة الدينية الرسمية ليس سلطانا يقوم بالقوة , وإنما تقوم مكانتها بإصلاحٍ لشؤون الدين والدنيا , ويحقق للأمة (قيادةً وشعبا) مبتغاها في سعادة الدارين وفي العز والمجد والنصر والتمكين .
ويجب أن نتذكر : أن فضيلة الصدع بالحق لا تنحصر في الصدع به أمام الحاكم , بل من الصدع بالحق أيضا الصدعُ بالحق أمام العلماء والتيار الديني السائد , بغرض الإصلاح , ومن المؤهل للإصلاح .اهـ
 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
مقال جديد للشيخ

فاصدع بما تؤمر​
(دروس من صدعه صلى الله عليه وسلم بالحق)​
لقد أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الجليل الثقيل : فقال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [font=&quot]–[/font] إنا كفيناك المستهزئين)) . فقام صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب العظيم من واجبات الدعوة الرسالية , وهو (الصدع بالحق) , والذي يختلف عن مجرد (ذِكْرِ الحق) الذي قد يكون سرًّا . مما يبيّن أحد أهمّ الفروق بين (الصدع بالحق) و(ذكره) .
كما أن كل من له أدنى ذائقةٍ عربيةٍ يعرف أن هناك فرقًا بين هذين أمرين , وهما : (ذكر الحق) , و(الصدع به) . ولا يخفى أن الثاني هو الذي جاء في هذا الأمر الإلهي لنبيه صلى الله عليه وسلم .
ولكي أوضح الفرق اللغوي بين هذين التركيبين , فإني أقول : الصدع لغةً في الأمور المادية هو الشَّقُّ في الأجسام الصلبة (كصدع الزجاجة) , ولذلك فهو كذلك في الأمور المعنوية : فلا يُقال صَدَعَ إلا بمعنى شَقَّ الشيءَ الملتئمَ الصُّلْبَ . والملتئم : قد يكون ركاما من الأفكار المتوارثة التي يُسقط عنها التقادُمُ استحقاقَ المحاكمة البرهانية العقلية , حتى يأتي الصدع بالحق فيُسقط قدسية التقادم عنها , ويسمح للعقول بمحاكمتها . وقد يكون ذلك الملتئم مكوّناتٍ لتصورات مجتمعية أو مبادئ عقائديّة , كما مع مشركي العرب , فيأتي الصدع : صدمةً تدعو لتحريك العقول إلى مناقشة ذلك الركام ودراسة تلك المكونات .
وبهذا يتبيّن الفرق اللغوي بين (الصدع بالحق) و(ذكر الحق) , وأن الصدع لا يكون صدعا حتى يكون فيه من القوة ما يفرّقه عن مجرد الذِّكر , ويكون قادرا على إحداث تلك الصدمة التي تشق خندقا بين التفكير وأغشيةِ التقليد والإلْفِ والتسليم الأعمى .
ومن هنا : سوف نقف مع موقف نبوي من مواقف البطولة والشجاعة والثقة بالله تعالى , إنه موقف من مواقف الصدع بالحق المفصلية في تاريخ البشرية :
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم في قريش مُـعْلِـنًا على الصَّفَا , فَجَعَلَ يُنَادِي : يا بَنِي فِهْرٍ , يا بَنِي عَدِيٍّ , لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ؛ حتى اجْتَمَعُوا . فقال صلى الله عليه وسلم :(( أَرَأَيتَـكم لو أَخْبَرتُكُم أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي , تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عليكم , أَكُنْتُم مُـصَدِّقِـيَّ ؟ قالوا : نعم , ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلا صِدْقًا . فقال صلى الله عليه وسلم : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ !! فقال أبو لَـهَبٍ : تَـبًّا لك سَائِرَ اليومِ ! أَلِـهذا جَمَعْتَنَا ؟! فَنَزَلَتْ ((تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَتَبَّ - ما أَغْنَى عنه مَالُهُ وما كَسَبَ)) .
لقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف بالحق , والذي تُؤخذ منه دروس عدة , سنحاول استنطاقَ بعضها من هذا الـحَدَث الجليل:
الدرس الأول : أن الصدع بالحق لابد لكي يكون صدعا أن يجمع شروطا مهمة , وهي :
1-[font=&quot] [/font]أن يخلو من التطويل الذي يعارض كونه صدمة سريعة تؤدي مقصودها في إيقاظ سُبات التفكير في العقول .
2-[font=&quot] [/font]أن لا تضيّعه المجاملات التي تخفِّفُ صدمتَه المقصودةَ أصالةً , فلا يصح غالبًا في سياق هذه الصدمة المقصودة أن تتضمّن مثلا : القواسمَ المشتركة , أو تعديد المحاسن الحقيقية الموجودة فعلا لدى المقصودين بالصدمة ؛ لأن ذكر ذلك لن يحقق تلك الصدمة المقصودة . هذا .. مع أن ذِكْرَ القواسم المشتركة وتلك المحاسن الموجودة سوف يظهر بعد ذلك في الخطاب الإصلاحي . كقوله صلى الله عليه وسلم [font=&quot]–[/font] بعد ذلك - : ((إنما بُعثت لأتمم المكارم)) , أي : أتمم المكارم الموجودة عند عرب الجاهلية وغيرهم .
3-[font=&quot] [/font] أن يكون صريحا ومباشرًا إلى آخر حدٍّ يحقق ذلك المقصود .
وعلى هذا : فانتقاد الصدع بالحق بأنه كان حماسيا أو قاسيا ؛ لمجرد أنه التزم بشروط كونه صدعا , انتقادٌ خاطئ ؛ لأن هذا الانتقاد لا يريد في الحقيقة صدعًا بالحق , وإنما يريد ذِكرًا للحق , وبين (الصدع بالحق) و(ذِكْرِ الحق) من العموم والخصوص والفرقِ ما بيّناه سابقا .
الدرس الثاني : لقد قدّمَ صَدْعَه صلى الله عليه وسلم بتذكيرهم بصفته التي تقتضي قبول خبره , وهي أنه صادق أمين . فسألهم عما لو كان قد أخبرهم خبرا لا يُوجد في قرائن الأحوال ما يدل على صدقه ؛ إلا مجرد إخباره , هل كانوا سيصدقونه ؟ فقالوا : نعم ؛ لأنهم كانوا يعترفون له بالصدق والأمانة . ليمهّد لهم بذلك قبولَ خبره الجديد , والذي لم يشاهدوا له شيئًا يدل على صدقه حتى الآن ؛ إلا مجرد إخباره . فكان تذكيره صلى الله عليه وسلم بصدقه لا لغرض التفاخر , ولكن بغرض التذكير بموجبات قبول خبره . نعم .. هو جعلهم هم من يعترف له بذلك ؛ لأنه لم يكن بعد قد جابههم بالخلاف , وإلا فإنهم بعد تصريحه بخلافهم جابهوه بالتكذيب والوصف بالجنون وكل أنواع النقائص التي يمكنهم وصفه بها ؛ إلا قليلا منهم من غير أهل البهت والمكابرة .
الدرس الثالث : أن الصدع بالحق ليس هو خطة الإصلاح , ولا هو مشروعه الكامل , ولكنه بوّابةُ الإصلاح , وهو بيانه الافتتاحي القصير .
وأن الصدع بالحق ليس هو التغيير ذاته , لكنه دعوة للتغيير .
إنه يأتي على هيئة إعلان (إعلان فقط) عن حقبة جديدة , وليس هو الحقبة نفسها , لكنه عنوان من عناوينها العريضة , وقد يكون أكبر عناوينها . فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما صدع في هذه القصة بالحق , اكتفى بقوله : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) , ولم يوضح معالم خطته الإصلاحية في هذا الصدع , ولم يذكر بناءه الإصلاحي التي أمضى في إنشائه وإتمامه بعد ذلك الصدع ثلاثةً وعشرين عاما , هي سنوات البعثة المحمدية المباركة . بل لقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الصادعة : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) !!
الدرس الرابع: أن أسهل طريقة وأقدم خطة لمهاجمة الصدع بالحق : هي الاستخفاف به , ومحاولة الالتفاف على مقصوده في إثارة العقول للتفكير وفي دفعها دفعا إلى المناقشة والتمحيص , من خلال وصفها بأنها دعوة تافهة , ليست سوى فُقّاعاتِ إصلاحٍ خاوية .
ألا ترى كيف قابل أبو لهب صَدْعَ النبي صلى الله عليه وسلم بالحق بقوله : (( : تَبًّا لك سَائِرَ الْيَوْمِ ! ألهذا جَمَعْتَنَا ؟!)) . فهو يقول : أجمعتَنا لمجرد أن تقول لنا : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) ؟!! أين هي الخطة الإصلاحية ؟! أين هي البراهين الدالة على صحة الدعوى ؟! لماذا لم تحدثنا عن أمورنا المصيرية : تجاراتنا ورحلة الشتاء والصيف وأحلافنا مع القبائل وحروب الفرس والروم على حدود أراضينا وعن مشكلة الشرق الأوسط والأدنى والشمال والجنوب؟!! لماذا لم تذكر لنا كيف نواجه مشكلة المياه العالمية ؟!! ... إنها قائمة طويلة من المشكلات , كان ينبغي على هذا المصلح (وهو قائد المصلحين صلى الله عليه وسلم) أن يُضمِّنها صدعَه بالحق من أول لحظة !! ولذلك فكان عليه أن يتلو علينا القرآن كاملا من أول يوم , وأن يفسره لنا بوحي السنة ساعة صدعه بالحق ؛ لأن القرآن الكريم والسنة الشريفة هما المتضمّنان لخطته الإصلاحية التي عرفناها من خلال متابعتنا لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم .
هذه هي الخطة اللهبية التي كاد بها أبو لهب الصدعَ النبوي بالحق !! وهذا الكيد لم يكن ليمرَّ دون دفاعٍ رباني . فلقد استحق أبو لهب بجدارةٍ كاملةٍ أن يُنزل الله تعالى جوابًا عليه , هي سورة كاملة , تصف جهوده وجهود زوجه في الصد عن الحق الذي صدع به النبي صلى الله عليه وسلم , فهنيئًا لأبي لهب دورَه البارز في محاربة الصدع النبوي بالحق , بتلك الحجة اللهبية التي استحق بها نارا ذات لهب !!
الدرس الخامس : أنه من النتائج المتوقعة من أي صدع بالحق : علو صوت المستهزئين , ولذلك قال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [font=&quot]–[/font] إنا كفيناك المستهزئين)) . فلن يصدع مصلحٌ بالحق إلا وتعالت عقبه مباشرة أصواتُ السخرية . فهي سنة من سنن الإصلاح , وتاريخ المصلحين الذي يكرر نفسه .
ففي بعض الأحيان تكون من علامات الصدق في الإصلاح علاماتٌ قد يظنها البعض دليلا على عدم الصدق , مثل ذلك السؤال الذي سأله هرقل لأبي سفيان , عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَأَشْرَافُ الناس يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟)) , فردّ أبو سفيان , ولعله كان يظن جوابه سيكون ضد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم , قائلا : ((بَلْ ضُعَفَاؤُهُم)) . غير أن المدقق سيعلم : أن السخرية هي الأسلوب الأمثل للهجوم على الصدع بالحق , من أجل إبطال مفعوله القوي في إيقاظ التفكير ؛ لأن السخرية دعوة إلى تخدير العقول (دون تعقل) لتعود إلى سباتها الذي كانت فيه , والذي جاء الصدع بالحق ليوقظها منه , لكي تتحرك نحو النقد والتمحيص . إذن فليس هناك وسيلة لإعادة العقول إلى سجن التقليد والتبعية , وإلى جُبّ التقاليد والعادات , وإلى قيود الإلف والمسلّمات الموهومة ؛ إلا أن نلغي التفكير في دعوة الصدع بالحق بالسخرية منها ؛ وكأنها شيءٌ لا يستحقُّ التفكيرَ أصلا !!
الدرس السادس : لا يخفى على متأمل كم هو مقدار الأثر الكبير للإلف والقناعات القديمة الراسخة بالتقليد والتوارث والضغط المجتمعي على قدرة العقل في رؤية وإدراك الآراء والأفكار والحقائق التي تنقدها وتُبطلها , فضلا عن فهم هذه الآراء والأفكار والحقائق , فضلا عن مناقشتها ودراستها . إنه من الطبيعي إذن أن تكون أول ردّة فعل تجاه الصدع بالحق هي عدم الفهم , ومن الطبيعي أن تكون النتيجة الأولية للصدع بالحق ظاهرُها خسارةٌ كبيرة ؛ لأن الناس لن يكونوا قادرين على استيعاب صدمته . فإذا قدّر الله تعالى لتلك الدعوة بالنجاح , فستبدأ في استقطاب العقول الأكثر قدرة على التحرّر , تدريجيا , حتى تستوي تلك الدعوة على سوقها وتؤتي ثمارها .
وهذا هو ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في صدعه بالحق : فالغالبية العظمى لم يفهموا دعوته من أول يوم , وسخروا منها , وكان عمُّه أبو لهب أوّلَـهم . فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع , ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه , ولا خطأٍ في توقيته ؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق , ولأن سوءَ الفهم نتيجةٌ متوقَّعَةٌ له , وينبغي أن يكون ذلك واضحا عند الصادع بالحق قبل قيامه بواجبه ؛ وإلا فسوف يُصاب بصدمة كبيرة , تُفقده الثقة بنفسه وبقدرته على البلاغ .
هذه بعض دروس صَدْعِه صلى الله عليه وسلم بالحق , سوف يقتبس من حكمتها من أراد السير على طريق المصلحين على هدى وبصيرة .
9/11/1430

الشريف حاتم بن عارف العوني​

 
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
مقال جديد للشيخ

فاصدع بما تؤمر​
(دروس من صدعه صلى الله عليه وسلم بالحق)​
لقد أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الجليل الثقيل : فقال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [font=&quot]–[/font] إنا كفيناك المستهزئين)) . فقام صلى الله عليه وسلم بهذا الواجب العظيم من واجبات الدعوة الرسالية , وهو (الصدع بالحق) , والذي يختلف عن مجرد (ذِكْرِ الحق) الذي قد يكون سرًّا . مما يبيّن أحد أهمّ الفروق بين (الصدع بالحق) و(ذكره) .
كما أن كل من له أدنى ذائقةٍ عربيةٍ يعرف أن هناك فرقًا بين هذين أمرين , وهما : (ذكر الحق) , و(الصدع به) . ولا يخفى أن الثاني هو الذي جاء في هذا الأمر الإلهي لنبيه صلى الله عليه وسلم .
ولكي أوضح الفرق اللغوي بين هذين التركيبين , فإني أقول : الصدع لغةً في الأمور المادية هو الشَّقُّ في الأجسام الصلبة (كصدع الزجاجة) , ولذلك فهو كذلك في الأمور المعنوية : فلا يُقال صَدَعَ إلا بمعنى شَقَّ الشيءَ الملتئمَ الصُّلْبَ . والملتئم : قد يكون ركاما من الأفكار المتوارثة التي يُسقط عنها التقادُمُ استحقاقَ المحاكمة البرهانية العقلية , حتى يأتي الصدع بالحق فيُسقط قدسية التقادم عنها , ويسمح للعقول بمحاكمتها . وقد يكون ذلك الملتئم مكوّناتٍ لتصورات مجتمعية أو مبادئ عقائديّة , كما مع مشركي العرب , فيأتي الصدع : صدمةً تدعو لتحريك العقول إلى مناقشة ذلك الركام ودراسة تلك المكونات .
وبهذا يتبيّن الفرق اللغوي بين (الصدع بالحق) و(ذكر الحق) , وأن الصدع لا يكون صدعا حتى يكون فيه من القوة ما يفرّقه عن مجرد الذِّكر , ويكون قادرا على إحداث تلك الصدمة التي تشق خندقا بين التفكير وأغشيةِ التقليد والإلْفِ والتسليم الأعمى .
ومن هنا : سوف نقف مع موقف نبوي من مواقف البطولة والشجاعة والثقة بالله تعالى , إنه موقف من مواقف الصدع بالحق المفصلية في تاريخ البشرية :
لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم في قريش مُـعْلِـنًا على الصَّفَا , فَجَعَلَ يُنَادِي : يا بَنِي فِهْرٍ , يا بَنِي عَدِيٍّ , لِبُطُونِ قُرَيْشٍ ؛ حتى اجْتَمَعُوا . فقال صلى الله عليه وسلم :(( أَرَأَيتَـكم لو أَخْبَرتُكُم أَنَّ خَيْلًا بِالوَادِي , تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عليكم , أَكُنْتُم مُـصَدِّقِـيَّ ؟ قالوا : نعم , ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلا صِدْقًا . فقال صلى الله عليه وسلم : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ !! فقال أبو لَـهَبٍ : تَـبًّا لك سَائِرَ اليومِ ! أَلِـهذا جَمَعْتَنَا ؟! فَنَزَلَتْ ((تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ وَتَبَّ - ما أَغْنَى عنه مَالُهُ وما كَسَبَ)) .
لقد صدع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف بالحق , والذي تُؤخذ منه دروس عدة , سنحاول استنطاقَ بعضها من هذا الـحَدَث الجليل:
الدرس الأول : أن الصدع بالحق لابد لكي يكون صدعا أن يجمع شروطا مهمة , وهي :
1-[font=&quot] [/font]أن يخلو من التطويل الذي يعارض كونه صدمة سريعة تؤدي مقصودها في إيقاظ سُبات التفكير في العقول .
2-[font=&quot] [/font]أن لا تضيّعه المجاملات التي تخفِّفُ صدمتَه المقصودةَ أصالةً , فلا يصح غالبًا في سياق هذه الصدمة المقصودة أن تتضمّن مثلا : القواسمَ المشتركة , أو تعديد المحاسن الحقيقية الموجودة فعلا لدى المقصودين بالصدمة ؛ لأن ذكر ذلك لن يحقق تلك الصدمة المقصودة . هذا .. مع أن ذِكْرَ القواسم المشتركة وتلك المحاسن الموجودة سوف يظهر بعد ذلك في الخطاب الإصلاحي . كقوله صلى الله عليه وسلم [font=&quot]–[/font] بعد ذلك - : ((إنما بُعثت لأتمم المكارم)) , أي : أتمم المكارم الموجودة عند عرب الجاهلية وغيرهم .
3-[font=&quot] [/font] أن يكون صريحا ومباشرًا إلى آخر حدٍّ يحقق ذلك المقصود .
وعلى هذا : فانتقاد الصدع بالحق بأنه كان حماسيا أو قاسيا ؛ لمجرد أنه التزم بشروط كونه صدعا , انتقادٌ خاطئ ؛ لأن هذا الانتقاد لا يريد في الحقيقة صدعًا بالحق , وإنما يريد ذِكرًا للحق , وبين (الصدع بالحق) و(ذِكْرِ الحق) من العموم والخصوص والفرقِ ما بيّناه سابقا .
الدرس الثاني : لقد قدّمَ صَدْعَه صلى الله عليه وسلم بتذكيرهم بصفته التي تقتضي قبول خبره , وهي أنه صادق أمين . فسألهم عما لو كان قد أخبرهم خبرا لا يُوجد في قرائن الأحوال ما يدل على صدقه ؛ إلا مجرد إخباره , هل كانوا سيصدقونه ؟ فقالوا : نعم ؛ لأنهم كانوا يعترفون له بالصدق والأمانة . ليمهّد لهم بذلك قبولَ خبره الجديد , والذي لم يشاهدوا له شيئًا يدل على صدقه حتى الآن ؛ إلا مجرد إخباره . فكان تذكيره صلى الله عليه وسلم بصدقه لا لغرض التفاخر , ولكن بغرض التذكير بموجبات قبول خبره . نعم .. هو جعلهم هم من يعترف له بذلك ؛ لأنه لم يكن بعد قد جابههم بالخلاف , وإلا فإنهم بعد تصريحه بخلافهم جابهوه بالتكذيب والوصف بالجنون وكل أنواع النقائص التي يمكنهم وصفه بها ؛ إلا قليلا منهم من غير أهل البهت والمكابرة .
الدرس الثالث : أن الصدع بالحق ليس هو خطة الإصلاح , ولا هو مشروعه الكامل , ولكنه بوّابةُ الإصلاح , وهو بيانه الافتتاحي القصير .
وأن الصدع بالحق ليس هو التغيير ذاته , لكنه دعوة للتغيير .
إنه يأتي على هيئة إعلان (إعلان فقط) عن حقبة جديدة , وليس هو الحقبة نفسها , لكنه عنوان من عناوينها العريضة , وقد يكون أكبر عناوينها . فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما صدع في هذه القصة بالحق , اكتفى بقوله : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) , ولم يوضح معالم خطته الإصلاحية في هذا الصدع , ولم يذكر بناءه الإصلاحي التي أمضى في إنشائه وإتمامه بعد ذلك الصدع ثلاثةً وعشرين عاما , هي سنوات البعثة المحمدية المباركة . بل لقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة الصادعة : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) !!
الدرس الرابع: أن أسهل طريقة وأقدم خطة لمهاجمة الصدع بالحق : هي الاستخفاف به , ومحاولة الالتفاف على مقصوده في إثارة العقول للتفكير وفي دفعها دفعا إلى المناقشة والتمحيص , من خلال وصفها بأنها دعوة تافهة , ليست سوى فُقّاعاتِ إصلاحٍ خاوية .
ألا ترى كيف قابل أبو لهب صَدْعَ النبي صلى الله عليه وسلم بالحق بقوله : (( : تَبًّا لك سَائِرَ الْيَوْمِ ! ألهذا جَمَعْتَنَا ؟!)) . فهو يقول : أجمعتَنا لمجرد أن تقول لنا : ((إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)) ؟!! أين هي الخطة الإصلاحية ؟! أين هي البراهين الدالة على صحة الدعوى ؟! لماذا لم تحدثنا عن أمورنا المصيرية : تجاراتنا ورحلة الشتاء والصيف وأحلافنا مع القبائل وحروب الفرس والروم على حدود أراضينا وعن مشكلة الشرق الأوسط والأدنى والشمال والجنوب؟!! لماذا لم تذكر لنا كيف نواجه مشكلة المياه العالمية ؟!! ... إنها قائمة طويلة من المشكلات , كان ينبغي على هذا المصلح (وهو قائد المصلحين صلى الله عليه وسلم) أن يُضمِّنها صدعَه بالحق من أول لحظة !! ولذلك فكان عليه أن يتلو علينا القرآن كاملا من أول يوم , وأن يفسره لنا بوحي السنة ساعة صدعه بالحق ؛ لأن القرآن الكريم والسنة الشريفة هما المتضمّنان لخطته الإصلاحية التي عرفناها من خلال متابعتنا لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم .
هذه هي الخطة اللهبية التي كاد بها أبو لهب الصدعَ النبوي بالحق !! وهذا الكيد لم يكن ليمرَّ دون دفاعٍ رباني . فلقد استحق أبو لهب بجدارةٍ كاملةٍ أن يُنزل الله تعالى جوابًا عليه , هي سورة كاملة , تصف جهوده وجهود زوجه في الصد عن الحق الذي صدع به النبي صلى الله عليه وسلم , فهنيئًا لأبي لهب دورَه البارز في محاربة الصدع النبوي بالحق , بتلك الحجة اللهبية التي استحق بها نارا ذات لهب !!
الدرس الخامس : أنه من النتائج المتوقعة من أي صدع بالحق : علو صوت المستهزئين , ولذلك قال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [font=&quot]–[/font] إنا كفيناك المستهزئين)) . فلن يصدع مصلحٌ بالحق إلا وتعالت عقبه مباشرة أصواتُ السخرية . فهي سنة من سنن الإصلاح , وتاريخ المصلحين الذي يكرر نفسه .
ففي بعض الأحيان تكون من علامات الصدق في الإصلاح علاماتٌ قد يظنها البعض دليلا على عدم الصدق , مثل ذلك السؤال الذي سأله هرقل لأبي سفيان , عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((فَأَشْرَافُ الناس يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟)) , فردّ أبو سفيان , ولعله كان يظن جوابه سيكون ضد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم , قائلا : ((بَلْ ضُعَفَاؤُهُم)) . غير أن المدقق سيعلم : أن السخرية هي الأسلوب الأمثل للهجوم على الصدع بالحق , من أجل إبطال مفعوله القوي في إيقاظ التفكير ؛ لأن السخرية دعوة إلى تخدير العقول (دون تعقل) لتعود إلى سباتها الذي كانت فيه , والذي جاء الصدع بالحق ليوقظها منه , لكي تتحرك نحو النقد والتمحيص . إذن فليس هناك وسيلة لإعادة العقول إلى سجن التقليد والتبعية , وإلى جُبّ التقاليد والعادات , وإلى قيود الإلف والمسلّمات الموهومة ؛ إلا أن نلغي التفكير في دعوة الصدع بالحق بالسخرية منها ؛ وكأنها شيءٌ لا يستحقُّ التفكيرَ أصلا !!
الدرس السادس : لا يخفى على متأمل كم هو مقدار الأثر الكبير للإلف والقناعات القديمة الراسخة بالتقليد والتوارث والضغط المجتمعي على قدرة العقل في رؤية وإدراك الآراء والأفكار والحقائق التي تنقدها وتُبطلها , فضلا عن فهم هذه الآراء والأفكار والحقائق , فضلا عن مناقشتها ودراستها . إنه من الطبيعي إذن أن تكون أول ردّة فعل تجاه الصدع بالحق هي عدم الفهم , ومن الطبيعي أن تكون النتيجة الأولية للصدع بالحق ظاهرُها خسارةٌ كبيرة ؛ لأن الناس لن يكونوا قادرين على استيعاب صدمته . فإذا قدّر الله تعالى لتلك الدعوة بالنجاح , فستبدأ في استقطاب العقول الأكثر قدرة على التحرّر , تدريجيا , حتى تستوي تلك الدعوة على سوقها وتؤتي ثمارها .
وهذا هو ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في صدعه بالحق : فالغالبية العظمى لم يفهموا دعوته من أول يوم , وسخروا منها , وكان عمُّه أبو لهب أوّلَـهم . فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع , ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه , ولا خطأٍ في توقيته ؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق , ولأن سوءَ الفهم نتيجةٌ متوقَّعَةٌ له , وينبغي أن يكون ذلك واضحا عند الصادع بالحق قبل قيامه بواجبه ؛ وإلا فسوف يُصاب بصدمة كبيرة , تُفقده الثقة بنفسه وبقدرته على البلاغ .
هذه بعض دروس صَدْعِه صلى الله عليه وسلم بالحق , سوف يقتبس من حكمتها من أراد السير على طريق المصلحين على هدى وبصيرة .
9/11/1430

الشريف حاتم بن عارف العوني​

 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
رابط الصفحة لايفتح
 

خالد محمد المرسي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 ديسمبر 2007
المشاركات
101
التخصص
لم يحن وقته
المدينة
الاسكندرية
المذهب الفقهي
حيث مادار الدليل بفهم المتنورين
hأرجو احضار نص الحوار هنا
لأن لاالصفحة ولا الجريدة من جوجل بتفتح
 

ناصر علي العلي

:: متخصص ::
إنضم
1 ديسمبر 2008
المشاركات
34
الجنس
ذكر
التخصص
أصول
الدولة
البلاد
المدينة
بلد الله
المذهب الفقهي
متبع
كفى صدعا للحق يا شيخ حاتم !!

كفى صدعا للحق يا شيخ حاتم !!

بسم الله الرحمن الرحيم



كفى صدْعًا للحق يا شيخ حاتم !!


بقلم / ناصر العلي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فهذه جملة من الملاحظات المنهجية على مقال الشيخ حاتم " فاصدع بما تؤمر(دروس من صدعه صلى الله عليه وسلم بالحق)" المؤرخ بتاريخ 9/11/1430هـ، والذي جاء تكريساً وتأكيداً لمقاله الأول "سنصدع بالحق" المؤرخ بتاريخ 1/11/1430هـ.
(1) إن من معاني الصدع - كما ذكر أهل اللغة وذكر الشيخ بعضه- الشق والتفريق والقطع والفصل.
لكن هناك معانٍ أخر ذكرها أهل اللغة والتفسير وبخصوص قول الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر}، منها: أَظْهِرْهُ وبيِّنه وأعلِنْه واجهرْ به وتكلمْ به وصرّحْ به، وامضِ لما تؤمر...إلخ. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: [صَدَع بالحقِّ، إِذا تكلَّمَ به جهاراً. قال سبحانه لنبيِّه عليه السلام: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}]. وقال القرطبي في تفسيره: [قوله تعالى: (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أي بالذي تؤمر به، أي: بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم]، وقال محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره: [قوله تعالى: فاصدع بما تؤمر. أي : فاجهر به وأظهره، من قولهم: صدع بالحجة; إذا تكلم بها جهارا، كقولك: صرح بها. وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أمر به علنا في غير خفاء ولا مواربة. وأوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة...].
والملاحظة المنهجية هنا:
لماذا أغضى الشيخ حاتم عن هذه المعاني لكلمة "الصدع"، فإنه يأتي أيضاً بمعنى "ذكر الحق" والتصريح به جهاراً؟، لماذا حرص على إجلاء أصل معنى "الصدع"، وأنه الشق والتفريق والقوة والصدمة ...إلخ ؟
لعلّ واحدا من الأسباب الظاهرة - من خلال هذين المقالين - إصرار الشيخ حاتم على انتهاج لغة القوة والقسوة وعلو الصوت والمصادمة للمشايخ والعلماء والتيار الديني السائد.
فإذا كان الصدع - عند الشيخ حاتم - فيه معنى: القوة والشق والصدمة. وأن الأمر المصدوع (موضوع الصدع) هو: قدسية التقادم، والتصورات المجتمعية، والمبادئ العقدية كمشركي العرب، وركام الأفكار المتوارثة، وأغشية التقليد والإلْف والتسليم الأعمى، وقيود المسلَّمات الموهومة، فهل هذه المعاني (الصدع والمصدوع) لائقة في حق علماء المؤسسة الدينية الرسمية، والتيار الديني السائد؟
وإذا كانت ذائقية الشيخ العربية أوحت له بهذه المعاني القاسية تجاه إخوانه، فلماذا لم تسعفه ذائقيته الإسلامية وأخوة الدين بالمعاني الأخر لكلمة "الصدع"؟!.
(2) ربط الشيخ حاتم بين آية سورة الحجر {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}، وبين موقف النبي صلى الله عليه وسلّم على الصفا حينما نادى في قبائل قريش ليعلن دعوته جهاراً بالتوحيد.
والملاحظة المنهجية هنا:
أن جلَّ علماء التفسير وأسباب النزول وأهل السير إنما ذكروا أن آية الشعراء {وأنذر عشيرتك الأقربين} هي التي دفعت النبي صلى الله عليه وسلم بالوقوف على الصفا، ونقل الدعوة من مرحلة السرية إلى مرحلة الجهرية. وهكذا جاءت الرواية الصحيحة في كتب الحديث، كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين}، ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: "يا صباحاه!" ... الحديث.
أما آية { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} فقد ذكر كثيرٌ من المفسرين – كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير وغيرهم:أن خمسة نفر كانوا رؤساء المستهزئين من قريش لما تمادَوا في الشرّ، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل اللَّه تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.وذكر القصة البيهقي في سننه الكبرى وصححها الذهبي في المهذب في اختصار سنن البيهقي.
نعم لقد أورد الطبري رواية في تفسيره بسنده، ونقلها عنه آخرون: أن موسى بن عبيدة روى عن أخيه عبد الله ابن عبيدة أنه قال: مازال النبيّ صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فخرج هو وأصحابه. لكن موسى بن عبيدة ضعيف كما في التقريب لابن حجر. ثم على تقدير صحة الرواية، ليس فيها أنه بدأ بالصدع بالحق على الصفا بموجب هذه الآية، بل بدأ بموجب آية: {وأنذر عشيرتك الأقربين}.
(3) لب مقال الشيخ حاتم وفكرته الرئيسة دارت حول معنى الصدع وقد أجبتُ عنه، وحول موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي قريش وصدعه بالحق. ودروس الشيخ التي استقاها من هذا الموقف النبوي صلى الله عليه وسلم تَشِيْ بتنزيل هذه الحادثة على موقف الشيخ مع مخالفيه. ويمكن اشتمام رائحة هذا التنزيل للحادثة في طيّات عباراته، كقوله: "فهي سنة من سنن الإصلاح, وتاريخ المصلحين الذي يكرر نفسه"، وعبارة: " فانتقاد الصدع بالحق بأنهكان حماسيا أو قاسيا ؛ لمجرد أنه التزم بشروط كونه صدعا, انتقادٌ خاطئ؛ لأن هذاالانتقاد لا يريد في الحقيقة صدعًا بالحق, وإنما يريد ذِكرًا للحق"، وعبارة: " فلم يكن عدمُ فهمهم دليلاعلى خطأ ذلك الصدع , ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه , ولا خطأٍ في توقيته ؛ لأن سوءالفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق"، وعبارة: " هذه بعض دروس صَدْعِه صلى الله عليه وسلم بالحق, سوف يقتبس من حكمتها من أراد السير على طريق المصلحين على هدى وبصيرة" وغيرها من العبارات.
والملاحظة المنهجية هنا:
أن تنزيل موقف النبي صلى الله عليه وسلم في صدعه بالحق على الصفا مع المشركين بموقف الشيخ حاتم - عفا الله عنا عنه - مع مخالفيه تصرف غير سائغ ولا لائق. وأرجو ألا يفهم من مقاله هذ "فاصدع بما تؤمر" أنه في موقفٍ كموقف النبي صلى الله عليه وسلم والمرسلين، وأن موقف الرادّين على مقاله "سنصدع بالحق" أنهم في موقف كموقف أبي لهب والمشركين.
إن هذا التطويع للحادثة على هذا النحو مصيبة كبرى ومفسدة عظمى، فليس صحيحا أن يكيِّف الشيخ مقاله السابق "سنصدع بالحق" بانطباق مواصفات الصدع بالحق على مقاله؛ حتى يضفي عليه مسحة شرعية، ليتقبله الناس. وليس مستساغاً لحالتنا هذه أن يخلع الشيخ على نفسه صفات الصادق الأمين المصلح البطل الشجاع، وأن يكون الرادّون عليه بمواصفات المشركين المكابرين الساخرين المستخفين المستهزئين الجاهلين اللَّهَبِيِّين ( أصحاب الحجة اللهبية).
نعم ،كان من الممكن جدًّا أن يصدع الشيخ حاتم في وجوه المتعصبة والمقلدة العميان للأشخاص بلا دليلٍ صالح أو مسوّغٍ جائز، أمَّا أن يكون الصدع متّجهاً نحو علماء المؤسسة المشهود لهم بالخير والعلم والفضل فهذا أمر غريب!!.
لقد أذكرني هذا الموقف بموقف من إذا أراد أن ينعى على متعصبة المذاهب تقليدهم الأعمى للأئمة الأربعة، راح يُوَجِّهُ صدعه بالحق في وجوه الأئمة أنفسهم، ويكيل الاتهامات عليهم، مع أن اللائمة ليست على الأئمة، إذ نصوص أقوالهم صريحة في النهي عن تقليدهم من غير أن يُعرف دليلهم!! (سأل الجدارُ المسمارَ: لِمَ تشُقُّني؟ قال المسمار: سلْ من يدُقُّني!!).
فلماذا صدع الشيخ حاتم في وجوه المشايخ العلماء الفضلاء التابعين للمؤسسة الرسمية كابن باز وابن عثيمين والفوزان وابن غديان واللحيدان والقائمة تطول؟ هل وجد منهم ما يستدعي صدعهم وصدمهم وشقَّهم؟
هل كانوا – معاذ الله – كحال مشركي العرب، أو من ذوي الأعراف الفاسدة البالية أو من ذوي العقول المتحجرة غير الفاقهة؟! إن هذا لشيء عجاب.
(4) إن شروط الصدع بالحق كما استوحاها الشيخ حاتم من حادثة الصفا: أن يكون قصيراً، صريحا (قاسياً)، بلا مجاملة أو ذكر قواسم مشتركة.
والملاحظة هي:
على فرض التسليم بهذه الشروط المستنبطة، هل امتثال هذه الشروط مع المؤسسة الدينية والتيار الديني السائد هو الأهدى والأجدى والأحكم والأسلم؟!.
إن الخلافات والمؤاخذات التي أثارها الشيخ حاتم بغية إصلاح المؤسسة الدينية -كما يظنّ- تستوجب منه طول النفس والصبر، والحوار والتشاور، وتقدير الطرف الآخر (العلماء)، والبحث عن القواسم المشتركة لتتم عملية التغيير إلى الأصلح، وإلا فلن يتمّ شيءٌ مما أمّله الشيخ بمجرد "قلْ كلمتك وامشِ"، وبــ"فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين".
(5) لقد قدّم النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وهو يصدع بالحق على المشركين على أنه الصادق الأمين تمهيداً لقبول خبره الجديد، وأقرُّوا له بذلك، كما ذكر الشيخ في مقاله.
والسؤال هنا:
بِمَ قدّم الشيخ نفسه للعلماء وللأمة؟. هل ما قدَّمه من أطروحات فكرية أو اجتهادات فقهية ستكون محل القبول والتسليم من الطرف الآخر؟.
أم أنه سيظلّ يعيش – والأعمار بيد الله – سنواتٍ عديدةً مُعلنًا بالصدع بالحق واقفاً على بوابة الإصلاح؟.
ويتضح هذا بالملاحظة التالية.
(6) إن الصدع بالحق – كما يعتقد الشيخ – مجرد إعلان عن حقبة جديدة وليس الحقبةَ نفسَها، إنما هو دعوة للتغيير وليس التغيير ذاته، إنما هو بوابة الإصلاح وليس خطة الإصلاح.
والصواب الذي أعتقده: أن الصدع بالحق هو الإصلاح ذاته والتغيير نفسه والحقبة الجديدة بعينها. فإن النبي صلى الله عليه وسلم ظلّ يدعو قومه ثلاث سنين سِرًّا، حتى نزل قول الله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، فبدأ صدعه وجهره بالحق على الصفا، وبقي صادعا بالحق في كل منتدى بدعوة التوحيد، فإن التوحيد هو الإصلاح نفسه، ولن يستقيم أو يصح أيّ مشروع إصلاحي إلا به. وهكذا ظلَّ رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عشر سنين في مكة حتى هاجر إلى المدينة.
أكان يقدّم النبي صلى الله عليه وسلم طيلة هذه المدة إعلانات عن دعوة التوحيد، ويقف على بوابات الإصلاح، ويدعو إلى التغيير لا التغيير نفسه؟!
إن المعهود من الناس عندما يتنافس المرشحون في الانتخابات أن يطالبوهم بالخطط والمشاريع الإصلاحية، وإلا سقطوا إذا كان الأمر لا يعدو كونه مجرد دعايات وإعلانات.
ثم لو كان الأمر مجرد إعلانٍ وبوابةٍ لَمَا واجهته قريش ونابذته العداء منذ اللحظة الأولى لصدعه بالحق. ويتضح هذا بالملاحظة التالية.
(7) إن الشيخ خلط بين فترتي الدعوة في سريتها وجهرها، وذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يوضح معالم خطته الإصلاحية في هذا الصدع, وأنه لم يذكر بناءه الإصلاحي الذي أمضى فيه بعد ذلك الصدع ثلاثةً وعشرين عاما، هي سنوات البعثة المحمدية المباركة، بل لقد اكتفى بهذه الرسالة الصادعة: "إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ". وذكر في آخر مقاله بأن الغالبية العظمى لم يفهموا دعوة النبي صلى الله عليه من أول يوم, وكان عمُّه أبو لهب أوّلَـهم. فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع, ولا دليلا على خطأٍ في أسلوبه, ولا خطأٍ في توقيته؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق.
أقول: سبحان الله العظيم! إني أتعجب من فهم الشيخ وتناقضه في هذه الفقرة. وأبتدئ بتصحيح خطأٍ - لعله سبق قلم - ألا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمضى عشرين سنة بعد الصدع والجهر بالدعوة، وليس ثلاثةً وعشرين عاما. ثم يا تُرى إلى ماذا كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم قبل الصدع بالحق إبان دعوته السريّة ثلاث سنوات؟ ألم تكن هي دعوة التوحيد: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}. {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}؟.
وهل يجوز أن يوصف أفصح من نطق بالضاد بلسان عربيٍّ مبين أنه لم يوضح معالم خطته في هذا الصدع؟، وهنا يجيء التناقض، إذ كيف يُثَرَّب على أبي لهبٍ والغالبية العظمى عدمُ فهمهم دعوة النبي صلى الله عليه من أول يوم, إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضح معالم خطته؟. إنهم إذا لم يفهموا الدعوة حقًّا لم تقم عليهم الحجة الرسالية!، ومع ذلك تبت يدا أبي لهب وتب. والنبي صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة ونصح الأمة بكل معالم خطته الإصلاحية المعلومة المفهومة السهلة التي كان يفهمها الأعرابي البسيط، والمرأة، والصبي، والعبد، والحر، والملك الأعجمي، والسيّد القرشي {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.
إن الذي أوقع الشيخ حاتم في هذه الورطات هي محاولته ليّ ذراع حادثة صدع النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ليتوافق مع حيثيات مقاله: "سنصدع بالحق". فلا حول ولا قوة إلا بالله.
(8) كنتُ أتوقع - كما توقع غيري - أن يخفض الشيخ حاتم صوته، ويخفف لهجته تجاه إخوانه بل مشايخه العلماء لاسيما بعد أن صدع إخوانه بالحق أيضاً محذرين الشيخ من الورطات التي تورّط فيها، فإذا به يزداد حِدّةً وضراوة وصدعا وصدما. لماذا افتعال معركة في غير ميدانها الصحيح؟!
(9) كان من الممكن جدًّا أن يكون للمقال رونقه وبهاؤه لو أنه جاء قبل مقاله السابق:"سنصدع بالحق"، وسنفهم حينئذٍ من مقاله مباشرةً بلا عناء - انطلاقا من الموقف النبوي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي لهب ومشركي قريش - أن الصدع بالحق يتحتم أن يكون في وجوه المشركين والمنافقين والبدعيين (الصوفية والرافضة والزيدية) والمجاهرين بالفسق، والعلمانيين والليبراليين ... إلخ. فهؤلاء المنحرفون المهاجمون للتوحيد والسنة والشريعة والمستَخِفِّون بها هم الأخطر والأجدر بالردع والصدع والصدم والكدم، حينئذٍ يتحقق الائتساء والإقتداء بموقف النبي صلى الله عليه وسلم في صدعه!!
(10) ذكَّرنا الشيخ حاتم - رضي الله عنه - بهدي النبي صلى الله في صدعه بالحق مع المشركين والكافرين المحاربين للدعوة، فهل له أن يذكرنا - رحمه الله - بمواقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأتباعه، بل مع الأعراب الجفاة، بل مع بعض الكفار؟
ألم يكن صلى الله عليه وسلم رؤوفا حليما معهم؟ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}.وقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
مرة أخرى نذكر أخانا الشيخ حاتماً بضرورة مراجعة موقفه، والاهتداء بآيات الوحي الحكيم وهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في كيفية التعامل مع أهل العلم والذكر من أهل السنة والجماعة.
قال تعالى{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}، وقال سبحانه:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }وقال صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)) رواه الإمام أحمد وغيره. والله أعلم
 
إنضم
28 فبراير 2009
المشاركات
10
التخصص
فقه
المدينة
القصيم
المذهب الفقهي
حنبلي
لا يوجد هناك باطل حتى يصدع بالحق

لا يوجد هناك باطل حتى يصدع بالحق

لما قرأت عنوان مقال الشيخ الفاضل حاتم الشريف فكنت أفكر في أي حق سيصدع فيه ، فإذا هو يتكلم بكلام فيه عموم كبير حتى صور الوضع أن علماء المؤسسة الدينية الرسمية كما يسميهم كانوا قد حجروا على الجميع أي قول غير قولهم ..وأحب من فضيلة الدكتور التنبة إلى الآتي :
1 ـ ربما هذا ما كان يدور في خاطر الشيخ حاتم لكن تعميم هذا لكل طلبة العلم فيه مجازفة لا تخفى أرفع مقام الشيخ عن هذا لأنه من القول بلا علم ، فهل عمل استفتاءات أو قام باستقراء لذلك حتى يرى دقة كلامه من عدمه في كل الجامعات والأقسام الشرعية وطلبة العلم كي يعلم من يوافق المؤسسة الدينية الرسمية ممن يخالفها .
2 ـ أيضا عمم القضايا فالقضايا بعضها ربما يترجح رأي المؤسسة الدينية كما يسميهم ، وربما يترجح غيره فالمسألة فيها سعة بشرط أن يكون عن علم وبصيرة ، وبحث للحق بأدلته المعتبرة .
3 ـ يمكن للشيخ الشريف أو غيره مناقشة أي قضية وفق النصوص الشرعية والمصالح المعتبرة ويرجح ما يراه مترجحا بالأدلة الشرعية ، وإذا خالفت المؤسسة الدينية إجماعا أو نصوصا صريحة فيمكن بيانه ، وأما إذا لم يخالفوا فاللمفتى أن يرجح ما يترجح لديه بناء على الواقع والمصالح التي يراها ،كما يمكن للشيخ الشريف أو غيره أن يعرض رأيه الذي ترجح لديه ويدافع عنه إذا كان يرى الحق في ذلك ، دون تلك المقدمات الطويلة التي ليس أي قيمة عملية فهي مبطنة باتهامين : ضعف العلم وضعف النظر للعلماء .
ولي طلب من الشيخ أو غيره أن ينظر قبل أن يكتب في المسائل التي له عليه ملاحظات ويبحثها علميا متجردا ويسأل غيره في الرأي الذي وصل إليه ، ويتأنى كثيرا ، ويحكم عقله بعد ما ظهر لديه ، فقد يعذر العلماء باختيار رأي من الآراء ، وكم من المسائل رأي الإنسان فيها بادئ الرأي غير ما رجحه العلماء فلما تأنى ظهر له أن نظرهم كان فيه قوة أو أقل شيء أنه لم يكن ضعيفا .أسأل الله أن يوفق الشيخ وغيره من العلماء لبيان الحق دون خوف أو وجل ، واسأل الله لنا جميعا الخلاص من الهوى ومحبة الذات والنفس ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 
إنضم
28 يوليو 2009
المشاركات
85
الكنية
أبو يحيى الحنبلى
التخصص
كلية الآداب (قسمE)
المدينة
المنصوره
المذهب الفقهي
حنبلى
واضح أن الشيخ يعالج جزئية معينة في هيئة كبار العلماء وهي "تسويغ الخلاف السائغ"، لا علاج المؤسسة نفسها، وهذا يفسر الحيدة الواضحة في كلام الشيخ من الاقتصار على مكونات الهيئة ، والإعراض عن الكلام عن التكوين نفسه.
هذا أمر، أمر آخر لم يوفق الشيخ في ذكر الأمثلة المناسبة، فمثلاً المثال الذي ذكره في جوابه لأبي فهر في حادثة كتاب الدبيان مناسب، ولكن اقتصار الشيخ في مقاله على ذكر الأمثلة التي خالفهم فيها أضرت أكثر مما نفعت؛ لأن قوله وقولهم كله مما يحتمله الخلاف ولا يعرف أنهم صادروا قوله.
هناك أمثلة عديدة كان أولى بالشيخ أن يتناولها لولا أنه حصر المشكلة بين شخصه وبين شخص الهيئة.
ألخص الملاحظات السابقة في ثلاث نقاط:
- علاج جزئية معينة في الهيئة وهي "تسويغ الخلاف السائغ".
- الحيدة عن العلاج الجذري للمؤسسة نفسها لتعلقاتها السياسية.
- قصر المشكلة بين شخصه وشخص الهيئة مما رتب ذكر أمثلة ضعيفة الارتباط.


بارك الله لك فى أدبك وعلمك ورجاحة عقلك

أسأل الله أن يرزقنى من فضله

يعجبنى جدا من يتكلم فى صلب العلم بدون حيده وسفسطه وتعميم للأمور حتى يغرق هو أولا فيها قبل غيره.


اتسعت الدندنه حول مصطلح (فقه الواقع )و (الاصلاح ) حتى تكلم فيها من لا يفقه واقع نفسه _وأعوذ بالله ان ان أكون منهم_ وتجد كل من قرأ كتابين فى فن يتكلم وكأنه ملك ناصية العلم و الفهم ويؤصل قواعد وطرق ومن خالفها فالويل له ويصبح قصير النظر_ ضيق الأفق _مقلد _غائب الشعور عن واقعه وعالمه الخارجى.
ولكن..........
(فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض)

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم.

(كثير من الناس يريدون اصلاح العالم ولكن قليل منهم يريدون اصلاح أنفسهم )

أعوذ بالله أن يكون حظى من دينى مجرد كلام وآراااااااااااااااااااااااء

وفقكم الله
 
إنضم
10 أبريل 2010
المشاركات
7
الكنية
أبوأيمن السوسي
التخصص
شريعة
المدينة
أكادير
المذهب الفقهي
مالكي
رد: سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

جزاكم الله خيرا أجمعين أبتعين أبصعين أكتعين
و بارك فيكم
 
إنضم
14 أكتوبر 2017
المشاركات
12
الكنية
أبوحمزة
التخصص
قراءات وعلوم قرآن
المدينة
الاسماعيلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

احسنت احسن الله اليك
 
إنضم
14 أكتوبر 2017
المشاركات
12
الكنية
أبوحمزة
التخصص
قراءات وعلوم قرآن
المدينة
الاسماعيلية
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

نعم جزاكم الله خيرا
 
إنضم
22 سبتمبر 2012
المشاركات
26
الكنية
أبو سفر
التخصص
السنة النبوية وعلومها
المدينة
الانبار
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

الموضوع قديم لكن رأيته الآن:
1- طرحه لا يناسب الوقت من حيث الهجمة الشرسة ليس على العلماء بل على كل الأصعدة وتغريب المجتمعات المسلمة.
2- الصدع بالحق كما هو معلوم ينظر إلى حاله ومآله ثم الفائدة المرجوة.
3- إن كان الشيخ الشريف العوني يتبنى ما تبناه العلماء الذين صدع عليهم ثم رأى من خالفهم أصوب فهو اجتهاد منه لا يحمله غيره ولا يسمى صدعًا. وإن كان غير موافق لهم البتة من قديم فكان الأولى أن يصدع في ذاك الوقت.
 
إنضم
25 يوليو 2017
المشاركات
56
الكنية
أبو عمر
التخصص
دراسات اسلامية
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
أهل السنة والجماعة
رد: سنصدع بالحق ..الشريف حاتم العوني..

كلام غلط... وكانه لا يرى امامه ... المفروض يعرف اليوم غلط ما قاله بالأمس ... او ان المقال قديم ... او انه المكابرة ولا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ... هل الدين فيه اصلاح كلام باطل ... الدين له زمان يتغير... ما هذا الكلام ... كل دعوى تنسب لنفسها الصلاح ... باطلة كيف ينشر هذا الكلام ... اصلاح اليس هو الدين من زمن الرسول وتركنا على المحجة الى يوم القيامة ولا نبي بعدة ولا اصلاح غير ما تركنا عليه ... ان كان عباءة الكتف حرام فهي حرام اليوم والواجب على الراس او يقول جائز على الكتف بالدليل .... يتركه من كلمة اصلاح ويتكلم بالدليل ويترك تزكية النفس ... يطلع لنا كل واحد يقول عندي اصلاح من هو هذا؟ ... وما عنده الا الغلط ما يجوز نشر المواضيع العامة لتزكية الأشخاص على حساب الدين ولمز وغيبة العلماء الكبار ... يطرح أقواله ويتناقش مش كلام على استحياء ... اخذفوا (المقال) افضل والله اعلم..
 
أعلى