وهو المقيس عليه.قال المصنف:" الأصل: وهو محل الحكم المشبه به، وقيل: دليله، وقيل: حكمه". *- معنى الأصل: اختلف العلماء في معنى الأصل لا في ركنيته على ثلاثة أقوال: 1- ذهب الفقهاء ومنهم الآمدي وابن الحاجب إلى أن الأصل هو محل الحكم المشبه به، لافتقار الحكم والنص إليه ضرورة من غير عكس، فإن المحل غير مفتقر إلى النص ولا إلى الحكم. 2- ذهب بعض المتكلمين إلى أن الأصل هو دليل الحكم. 3- ذهب بعض العلماء ومنهم الإمام الرازي إلى أن الأصل هو حكم المحل. ثمرة الخلاف: مثلا قياس النبيذ على الخمر. فيكون الأصل تبعا لهذه الأقوال كما في الجدول:
محل الحكم
دليل الحكم
الحكم
القول 1
الخمر
*******************
*****
القول 2
*****
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)
*******
القول 3
*****
******************************
التحريم
قال الزركشي:"الجميع ممكن، إلا أن مساعدة الفقهاء أولى لئلا يحتاج إلى تغيير مصطلحهم وهم الخائضون في عمدة القياس"، والخلاف في هذه المسألة لفظي على ما قاله العلماء كابن برهان والآمدي والزركشي وابن قاضي الجبل والمحلي والبناني، وذلك:"لأن حكم الخمر إذا كام مبنيا على الخمر من حيث إنها محل له فهي أصل له، وهو أصل لحكم النبيذ لكونه مبنيا عليه، وأصل الأصل أصل، فيكون الخمر أيضا أصلا لحكم النبيذ وأصل الأصل أصل، وكذلك إذا كان حكم الخمر مبنيا على النص من حيث إنه مستفاد منه فيكون النص مبنيا لحكم النبيذ أصلا له، وهو أصل وأصل الأصل أصل، فيكون النص أيضا أصلا لحكم النبيذ، والحاصل رجوع الخلاف إلى ما هو أصل بالذات أو بالعَرَض". .* ما لا يشترط تحققه في الأصل عند الجمهور؟ *- ليس من شرط الأصل قيام دليل يدل على جواز القياس عليه بنوعه ، أو بشخصه[SUP]([/SUP][SUP][SUP][1][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP] وعلى هذا فكل حكم انقدح فيه معنى مخيل غلب على الظن اتباعه والقياس عليه، وهذا خلاف ما ذهب إليه عثمان البتي. *- ليس من شرط الأصل الاتفاق على وجود العلة فيه، فيجوز القياس على أصل اختلف في وجود العلة فيه خلافا لبشر المريسي، وقد رد الغزالي على المريسي فقال:"وهذا كلام مختل لا أصل له، فإن الصحابة لما قاسوا لفظ الحرام على الظهار أو الطلاق أو اليمين، لم يقم دليل عندهم على وجوب تعليله أو جوازه"، وقال أبو اسحاق الشيرازي:"إن أراد – يقصد المريسي – بالاتفاق إجماع الأمة أدى إلى إبطال القياس، لأن نفاة القياس من جملتهم، وإن أراد إجماع بعض القياسيين فهم بعض الأمة وليس قولهم بدليل".
************************************** [1] ـ الفرق بين النوع والشخص في كلام المصنف، هو أن النوع اسم دال على أشياء كثيرة متفقة في حقيقتها وماهيتها وتختلف من شخص إلى آخر، بينما الشخص هو فرد من النوع، ومثال ذلك البيع فهو اسم دال على عقود كثيرة يصدق عليها اسم البيع فهو بذلك نوع، ولذلك قد تقاس مسائل البيوع على بعضها دون دليل على الجواز، ومثال الشخص: كقياس قول الرجل لامرأته: أنت حرام على قوله: أنت طالق فيصح قياس المرأة الخلية من زوج على أنت طالق في لزوم الطلاق.
رد: شرح أركان القياس من جمع الجوامع - السنة النهائية شهادة العالِمية - مؤسسة مسجد الحسن الثاني
رد: شرح أركان القياس من جمع الجوامع - السنة النهائية شهادة العالِمية - مؤسسة مسجد الحسن الثاني
الركن الثاني: حكم الأصل
*- شروط حكم الأصل: 1- ألا يكون ثابتا بالقياس:
وهذا مذهب الجمهور من الحنفية وهو اختيار الغزالي والرازي والآمدي وابن قدامة والشيرازي والكرخي خلافا لبعض المعتزلة ومنهم أبو عبد الله البصري، وبعض الحنابلة ومنهم أبو محمد البغدادي وابن عقيل وأبو الخطاب. والمراد بالأصل هنا محل الحكم، وموجب هذا الشرط عند الجمهور هو أنه إذا تحقق القياس الأول واتحدت علته مع القياس الثاني كان هذا الأخير لغوا للاستغناء عنه بقياس الفرع فيه على الأصل في القياس الأول.وأما إذا اختلفت العلل وانعدم التساوي فلا قياس، يقول الإمام التلمساني رحمه الله:"وأما إن كانت العلة بين الوسط وأحد الطرفين غير العلة بين الوسط والطرف الآخر، فإن الوصف الجامع بين الأصلين غير موجود في الفرع، ولا يصح إلحاقه بالأصل الوسط، والوصف الجامع بين الفرعين ليس هو العلة في الفرع الوسط، فلا يكون علة في الفرع المقيس". مثال اتحاد العلة وكون القياس الثاني لغوا:
الأصل
الفرع
الحكم
الجامع
القياس 1
النية في الصلاة
النية في الغسل
ركنية النية
العبادة
القياس 2
النية في الغسل
النية في الوضوء
ركنية النية
العبادة
الأصوليون يرون أن العلة الجامعة بين الوسط وأحد الطرفين إن كانت بعينها موجودة في الطرف الآخر فذكر الوسط لغو، وكان ينبغي قياس الوضوء على الصلاة، وجعل الغسل هنا أصلا لغو، وركن الدليل لا يجوز أن يكون لغوا كما قال الإمام التلمساني في المفتاح. مثال اختلاف العلل وعدم وقوع القياس الثاني:
.
الأصل
الفرع
الحكم
الجامع
القياس 1
الرتق
الجذام
فسخ النكاح والبيع
العيب
القياس 2
الجب والعنة
الرتق
فسخ النكاح والبيع
فوات الاستمتاع
***الرتق هو انسداد محل الوطء من فرج المرأة، والجب هو ذهاب ذكر الرجل أو قطع معظمه، والعنة عدم قدرة الرجل على الجماع، والجذام مرض جلدي مشوه.قد يستدل الشافعي على أن الجذام يفسخ به نكاح المرأة قياسا على الرتق بجامع أن كليهما عيب، ويعترض عليه المعترض بعدم التسليم أن الرتق يفسخ النكاح، فيستدل الشافعي على الرتق بقياسه على فسخ نكاح المجبوب والعنين بجامع فوات الاستمتاع، فيجيبه المعترض بأن هذا قياس لا يقع، وذلك لاختلاف الجامع بين الأصل والفرع الذي قصد إثبات الحكم به، إذ العلة في الجذام كونه عيبا ينفسخ به البيع، والعلة في الرتق هي فوات الاستمتاع وهو غير موجود في الجذام فبطل القياس. ولجمهور المالكية - خلافا لابن الحاجب وابن جزي والتلمساني - مذهب خاص في هذا الأمر، فهم يجوزون أن يكون حكم الأصل فرعا عن أصل آخر، يقول الإمام ابن رشد الجد رحمه الله:"فإذا علم الحكم في الفرع صار أصلا، وجاز القياس عليه بعلة أخرى مستنبطة منه، وإنما سمي فرعا ما دام مترددا بين الأصلين لم يثبت له الحكم بعد. وكذلك إذا قيس على ذلك الفرع بعد أن ثبت أصلا بثبوت الحكم فيه فرع آخر بعلة مستنبطة منه أيضا، فثبت الحكم فيه صار أصلا وجاز القياس عليه إلى ما لا نهاية له". **وقول المصنف:" وقيل: والإجماع..."، إشارة إلى أن البعض اشترط ألا يكون دليل القياس هو الإجماع إلا أن يعلم الشرط الذي استند إليه الإجماع ليستند إليه القياس. 2- ألا يكون غير متعبد فيه بالقطع: وهذا شرط اشترطه الغزالي، ومعناه ألا يكون حكم الأصل من اليقينيات كالعقائد التي يكلف الإنسان باعتقادها اعتقادا جازما، لأن العقائد يطلب فيها اليقين، والقياس لا يفيده، ولا يتوهم أن هناك تعارضا بين ما قرره المصنف من جواز القياس في العقليات، لأن العقليات أعم من القطعيات، وهذا الشرط مخصص لعموم العقليات الواردة في كلام المصنف رحمه الله، كما يقول العلامة البناني. 3- أن يكون شرعيا: أي يجب أن يكون حكم الأصل شرعيا لا لغويا ولا عقليا، وهو ما اشترطه الغزالي والرازي والآمدي من الشافعية وابن الحاجب من المالكية، والسرخسي والبزدوي وابن الهمام من الحنفية، لأن الشرعي لا يستلحقه إلا شرعي ما دمنا في سياق الشرعيات، وهذا الشرط موافق لمذهب من يرى أن القياس لا يقع في العقليات واللغويات. 4- ألا يكون فرعا عن أصل آخر: وهذا إذا لم يظهر للوسط على تقدير كونه فرعا فائدة، فإن ظهرت فائدته جاز كونه فرعا، وهذا مذهب الجمهور من الشافعية والمختار عند الحنفية، وبه قال أبو يعلى وأبو الخطاب وابن قدامة وابن مفلح وابن النجار من الحنابلة، وابن الحاجب من المالكية، وذهب بعض الحنابلة والمعتزلة إلى أن هذا شرط مطلقا سواء ظهرت للوسط فائدة أو لم تظهر. ومعنى ما ذهب إليه الجمهور عند عدم ظهور فائدة الوسط ما ذكر عند الحديث عن الشرط الأول.*- مثال ظهور فائدة الوسط:
الأصل
الفرع
الحكم
الجامع
القياس 1
الزبيب
التفاح
الربوية
الطعم
القياس 2
التمر
الزبيب
الربوية
الطعم والكيل
القياس 3
الأرز
التمر
الربوية
الطعم والكيل والقوت
القياس 4
البر
الأرز
الربوية
الطعم والكيل والقوت الغالب
القياس المقصود
البر
التفاح
الربوية
الطعم
المقرر أن القياس يقضي بأن التفاح ربوي بعلة الطعم إلحاقا له بالبر، لكنه قياس لا يسلم من المعارضة من كون الطعم علة في هذا القياس، لذلك لزم التدرج في هذا القياس بذكر الوسط فيه وهو ما بين التفاح والبر لضمان سلامة علية الطعم من الاعتراض، فالأصل الحقيقي هو البر وما عداه صوري، وأسقطت باقي العلل وأثبتت علية الطعم، وعلى هذا فليس قياس التفاح على الزبيب وما بعده بمقصود في حد ذاته لإثبات حكم لهذه الفروع، وإنما القصد ذكر العلل التي يتوهم ربوية البر لها على التدريج ليتمكن قبل المنع من إسقاطها. 5- ألا يكون معدولا به عن سنن القياس: سنن القياس هو أن يعقل المعنى في الحكم ويوجد في محل آخر يمكن تعديته إليه، وهذا الشرط معناه ألا يكون على خلاف قاعدة من قواعد الشرع كجعل النبي عليه السلام شهادة خزيمة بن ثابت رضي الله عنه بشهادة رجلين، وكغير معقول المعنى من أحكام الشريعة كأعداد الصلوات والركعات ومقادير الحدود والكفارات، وكمعقول المعنى لكن لم يتعد إلى موضع آخر كضرب الدية على العاقلة وإيجاب الغرة في الجنين، فهذه كلها أمور لا يقاس عليها لأنها لا تجري على سننه لتعذر التعدية فيها إلى غيرها. 6- ألا يكون دليل حكم الأصل شاملا لحكم الفرع: فشمول حكم الأصل للفرع يغني عن وقوع القياس للاستغناء بالدليل فلا يكون لعملية الإلحاق معنى، فالدليل يفي بالأمرين معا وهما سواء في الحكم وليس أحدهما بأولى بالأصالة من الآخر، فلا يحتج مثلا بربوية الذرة بقياسها على البر بجامع الطعم، لأن قول النبي عليه السلام:"الطعام بالطعام، مثلا بمثل..." شامل للبر والذرة، أو الاحتجاج لحرمة النبيذ بقياسه على الخمر بجامع الإسكار لكون قوله عليه السلام:"كل مسكر حرام" يشمل الخمر والنبيذ المسكر. 7- أن يكون حكم الأصل متفقا عليه: وذلك حتى لا يمنع الخصم الاستدلال بالحكم فيحتاج القائس إلى تكلف إثباته فينتقل من مسألة إلى أخرى غير مسألة إثبات الفرع، وإن كان المصنف أثبت شرط الاتفاق، لكنه أشار إلى الخلاف فيه، أي: هل يشترط الاتفاق عليه بين الأمة، أم يكتفى بالاتفاق عليه بين الخصمين فقط؟، فالذي رأى أن اتفاق الأمة يمنع اعتراض المخالف اشترط اتفاق الأمة، لكن المصنف صحح الاتفاق بين الخصمين فقط، لأنه لو شرطنا اتفاق الأمة لأدى ذلك إلى خلو كثير من الوقائع عن أحكام الشريعة، وهذا الشرط ينفي فقط منع حكم الأصل، أما علته فمنعها ممكن. ويلحق بهذا أمور: - أولها: أن يتفق الخصمان على الحكم لكن لكل واحد منهما علته، وهذا هو ما يسمى بمركب الأصل، فالمستدل يعين علة في الأصل يعديها إلى فرع، ويعين المعترض علة أخرى ويختلفان في تركيب الحكم على العلة في الأصل، فكل من الخصمين يثبت الحكم لكن كل واحد منهما بقياس. - ثانيها: أن يتفق الخصمان على حكم الأصل، ولكن المعترض يدعي عدم وجود العلة التي يدعيها المستدل فيه، وهذا يسمى بمركب الوصف، وذلك لاختلافهم في نفس الوصف الجامع هل له وجود في الأصل أم لا؟
.مثال مركب الأصل:
الأصل
الفرع
الحكم
الجامع
قياس الحنفي
حلي الصبية
حلي البالغة
عدم وجوب الزكاة
كونه مال صبية
قياس الشافعي والمالكي
حلي الصبية
حلي البالغة
عدم وجوب الزكاة
كونه حليا مباحا
مثال مركب الوصف:
الأصل
الفرع
الحكم
الجامع
الشافعي والحنبلي
من قال: فلانة التي أتزوجها طالق
من قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق
عدم وقوع الطلاق
تعليق الطلاق قبل ملك محله
الحنفي والمالكي
يعترضان على القياس بأن علة الشافعي والحنبلي هي التعليق، وصيغة الأصل ليس فيها ما يفيد التعليق، بل هي تفيد تنجيز طلاق أجنبية لا يتنجز عليها الطلاق، فهما يتفقان على حكم الأصل، لكن ينفيان وجود العلة التي بنى عليها الشافعي والحنبلي قياس الفرع على الأصل.