العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح شرح شرح العضد

إنضم
29 أبريل 2008
المشاركات
31
التخصص
الشريعة
المدينة
مكة
المذهب الفقهي
الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبة ومن اتبعه إلى يوم الدين ... وبعد
فهذا ما تيسر لي من شرح وتلخيص شرح العضد المقرر علينا بما يكون من اجتهادي وإيراد لكلام شيخنا أحمد بن الشيخ عبدالله بن حميد حفظه وما وجدته في حاشية التفتازاني وغيره على شرح العضد والله أسأل أن يوفقني وإياكم لكل خير .
..
.
ذكر الشيخ ابن حميد أمورًا في البداية ينبغي العلم بها ملخصة في :

*علم الفقه ينبغي تقديمه على علم الأصول لأن الأصول أمورها كفائية خاصة بالمجتهد إلزاما عليه والمجال مفتوح للمقلد .
*العلامة : هو من جمع بين العقل والنقل .
*موضوع علم أصول الفقه : هو الدليل من حيث ثبوت الحكم به .
*من الفوائد من دراسة علم الأصول : 1_ إدراك القواعد المهمة والعامة. 2_يعذر الآخرين إذا عرف أن للشخص مرجع في حكمه . 3_ التمييز بين ما يصلح دليلا وما لا يصلح . 4_ التروي وعدم الاستعجال في الحكم على الناس. 5_ اختصار الجواب ومناسبته .
*من المهمات للأصولي : التطبيق وهو الثمرة / انطباق القاعدة على المسألة والفرع.
*مختصر ابن الحاجب كأنه مختصر لإحكام الآمدي وشهرته عجيبة قال ابن كثير هو كتاب الناس شرقًا وغربًا.
*هو المعتمد في التدريس في كثير من البلدان .
*من أهم الأعمال على المختصر: شرح رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لتاج الدين السبكي / شرح العضد للإيجي (وقيل إن شروحه وصلت إلى 200 شرح) .
*قيل إن اثنان من الناس حفظا مختصر ابن الحاجب في حياته فما بالك بما بعد ذلك.
..
بداية الشرح:

قال المختصر _ابن الحاجب _ بعد مقدمته ثم بعد مقدمة الشارح رحمهما الله :
وينحصر في
: أي وينحصر المختصر الذي ألفه في أربعة أمور سيأتي بيانها وقد يكون القصد إلى انحصار علم أصول الفقه في هذه الأربعة الأمور فيكون الضمير المستتر بعد وينحصر عائدا إليه ويحتمل الاثنين لأن كتابه المختصر عن علم الأصول .
ثم قال في المبادئ : هذه هي الأولى قال الشارح _ العضد _ " ينحصر المختصر أو العلم " أي مختصر ابن الحاجب أو علم أصول الفقه كما ذكرنا .
قال الشارح "في أمور أربعة الأول المبادئ"
أي أن أول الأمور التي يتناولها المختصر أو علم الأصول هي المبادئ وهي تمهيد لعلم الأصول ويتوقف عليها معرفة الأصول وسيذكرها بعد ذلك من تعريف الأصول _حده_ والفائدة من دراسته ومن أين يستمد مباحثه_ أي علم الأصول_ وهكذا من مقدمات في التصورات التي بها يتصور الشخص الأصول بمعرفة حده وهكذا والتصديقات كذلك وأيضا نبذة عن المنطق الذي به يعرف الشخص الألفاظ الأصولية والجدلية . قال "وهي ما لا يكون مقصودا بالذات" أي في هذا العلم والفن وهو علم الأصول وإنما هي مثل المعين الذي يعطي صورة عن هذا العلم ،وليست مقصودة بالذات في أنها من الأصول. قال "بل يتوقف عليه ذلك" أي هذه المبادئ والتصورات يتوقف عليها فهم الأصول كما قلنا بمعرفة تعريفه وحده وفائدته وهكذا .
قال "وعدها جزءًا من العلم تغليبا لا يبعد" أي جزءًا من علم الأصول تغليبًا وإلا فهي ليست من علم الأصول لكنه جعلها منها تغليبا ، للاحتياج إليها وإن قلنا أنها _أي الأمور التي ينحصر فيها _ جزء من الكتاب وهو المختصر فيصح قولنا تماما وليس تغليبا لكن من علم الأصول يكون تغليبًا.
قال "الثاني الأدلة السمعية" أي الثاني من الأمور التي ينحصر فيها الكتاب كما قلنا أو علم الأصول هي هذه الأدلة السمعية ثم قال "لأن المقصود استنباط الأحكام وإنما يكون منها لأن العقل لا مدخل له في الأحكام عندنا" أي لأجل ذلك تذكر هذه الأدلة التي منها يستنبط الحكم فهي متناولة .
قال "الثالث _ من الأمور _ الترجيح إذ الأدلة الظنية قد تتعارض فلا يمكن الاستنباط إلا بالترجيح وهو بمعرفة جهاته" أي جهات الترجيح .
قال "الرابع الاجتهاد وهو الاستنباط المقصود فلابد من معرفة أحكامه وشرائطه"
قال "واعلم أن الحصر في مثله استقرائي"
أي حصر علم أصول الفقه في مثل ما ذكر من الأمور الأربعة هو حصر استقرائي والاستقراء: ( تتبع جزيئات الكل ) ، إلا أن يكون المقصود حصر مختصره الذي ألفه وهو يعرفه فيحق له عندئذ أن يحصر ما فيه حصرا عقليا جازما فيه وسيأتي بعد نهاية هذه الجملة. قال "ومن رام حصرا عقليا فقد ركب شططا" أي تجاوز الحد فإنه لا ينحصر عقلا والحصر العقلي هو بالنفي والإثبات _وهذه الصيغة أقوى صيغ الحصر على الاطلاق ولذلك ارتضاها الله ورسوله لتستخدم في الدخول في الدين ونفي الإلهية إلا لله سبحانه وذلك ثبت بالقرآن والسنة_ فتنفي مثلا الآلهة أجمعين بأنهم ليسوا آلهة ثم تثبت الإلهية لله سبحانه وتعالى _هذا مثال للعقلي_ ؛لأن الحصر العقلي الحقيقي الذي يشمل كل الجزئيات لا يمكن إلا من أعلم العالمين الله سبحانه أو لخلقه الذين يبين لهم سبحانه دلائل الحصر الجازم فيتبعوا قول ربهم وإشاراته ويقيسوا عليها ،وإلا فإن حصرهم استقرائي مما يشاهدون ويكتشفون ؛ولذلك أورد حصرا نكرة ليبين أنه عام لكل حصر. قال "إلا أن يقصد به ضبط يقلل من الانتشار ويسهل الاستقراء" أي هذا الحصر لن يكون عقليا كما قلنا بل ((يقلل)) فقط من الانتشار وعدم الجمع بكلمات مجتمعة ومضاف بعضها إلى بعض تسهل عليك التعرف على الأجزاء وتمنع من الشتات وعندئذ يسهل لك أيها القارئ والمتعلم الاستقراء والتعرف على الجزئيات وأين تكون في الحصر الاستقرائي ولكن لا نجزم بأن كل ما ذكرناه في الاستقرائي هو منه وما لم نذكره فإنه ليس منه ،لا وإنما هذا يكون في العقلي الذي فيه الجزم بالحصر.
قال "فيقال ما يتضمنه الكتاب إما مقصود بالذات أو لا" أي أنا إذا قلنا إن المقصود بالحصر هو الكتاب المختصر فإنا نستطيع أن نستعمل الحصر العقلي الذي هو بصيغة النفي والإثبات ،فإن ما هو موجود فيه من الأمور الأربعة بالتأكيد لا تغليبًا إنه إما أن يكون مقصودا بالذات في الحصر أي أنه يقول مثلًا كتابي هذا إما أن يكون ذاته في الأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد وتوابع ذلك من طرق الاستنباط وكيفيته ونحوه ، وإما أن يكون لغير ذاته مثل المبادئ التي أشار إليها أولًا لتعين على التصور البسيط الذي يعطي فكرة لما سيغوص فيه .
قال "الثاني: المبادئ إذ لابد أن يتوقف عليه المقصود بالذات وإلا فلا حاجة إليه أصلًا" أي من قوله 1_مقصودا بالذات أو 2_غير مقصود بالذات والثاني هذا الغير مقصود بالذات هو المبادئ هو الذي لابد أن يتوقف عليه معرفة المقصود بالذات كالأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد وإلا فلا حاجة لنا أصلًا به في سرده في هذا الكتاب ولكن لأنه يتوقف عليه فهم الثلاثة التالية بعده .
قال "والأول لما كان الغرض منه استنباط الأحكام" أي الأول وهو المقصود بالذات وهي الثلاثة التالية (الأدلة السمعية والترجيح والاجتهاد) الغرض منها استنباط الأحكام وكيفية ذلك . قال "فالبحث إما عن نفس الاستنباط وهو الاجتهاد" أي الأول المقصود بالذات البحث فيه إما عن نفس الاستنباط وذاته وذلك هو الاجتهاد أو . قال "أو عما تستنبط هي منه إما باعتبار تعارضها وهو الترجيح" أي أن المقصود بالذات البحث فيه إن لم يكن في نفس الاستنباط فسيكون عما يُسْتَنْبَطُ منه ويكون أصلا للاستنباط وهذا الذي يُسْتَنْبَطُ منه إما أن يكون باعتبار تعارض أصول الاستنباط وهذا هو الترجيح . "أوْ لا وهو الأدلة" أي لا يكون باعتبار تعارض أصول الاستنباط وإنما هو ذات الأصول ومأخذ الاستنباط وهذه هي الأدلة السمعية _وهنا إشارة بسيطة إلى أن العضد رحمه الله يريد أن يبين لنا معنى الحصر العقلي فاستخدمه عدة مرات فيما إذا كان المقصود هو كتاب ابن الحاجب كما قلنا فأراد أن يرسخ لنا الحصر العقلي باستخدامه وبيان كيفية استخدامه ليظهر لنا وهو صيغة (إما أو لا )_ .
..
قال ابن الحاجب "فالمبادئ حده وفائدته واستمداده" قال الشارح "قد ذكر من مبادئ العلم ثلاثة أمور أحدها :حده ؛لأن كل طالب كثرة"
أي أنه شرع أولًا في المبادئ وهي الأولى من المحصورات الأربعة وذكر منها الحد والفائدة والاستمداد ثم جاء للحد وأراد أن يبين سبب بيان الحد والتعريف وأن ذلك مهم في بداية دراسة أصول الفقه وكل العلوم . قال " لأن كل طالب كثرة تضبطها جهة واحدة حقه أن يعرفها بتلك الجهة" أي أن كل طالب لعلم به كثرة مسائل وليس صورة واحدة منه يمكن تصورها هي فقط .لا ،بل كثيرة الأجزاء فتصورها هذا ثم هذه الكثرة تضبطها جهة واحدة معينة فحقه أن يعرفها بتلك الجهة التي هي له كأن يقول مسائل أصول الفقه من جهة كونها من الأصول هذه هي الجهة الواحدة التي ينبغي عليك معرفتها كأصولي لا كل مسائل الأصول من الجهات النحوية اللغوية المحضة مثلا أو العقدية المحضة أو المنطقية المحضة فعندها سنتعب أنفسنا ونشتت ذهننا عن إدراك هذا العلم وتعريفه . قال "إذ لو اندفع إلى طلبها قبل ضبطها" أي لو طلب التعرف عليها قبل ضبط مسائلها بالجهة الأصولية المعينة ستكون النتيجة أنه . "لم يأمن أن يفوته ما يعنيه" أي لن يأمن أن يفوته ما يهمه ويعنيه في هذا العلم بخروجه عن حدوده ،هذا أولًا ثم ثانيًا سوف . "ويضيع وقته فيما لا يعنيه" سيكون عندئذ مشتِّتًا نفسه مشتغلا بما لا يعنيه في هذا العلم . قال " ولا شك أن كل علمٍ (مسائل كثيرة تضبطها جهة واحدة) تُعَدُّ " أي هذه المسائل. "علما واحدًا يُفردُ بالتدوين والتعليم. قال :ومن تلك الجهة يؤخذ تعريفه فإن كان حقيقة مسمى اسمه ذلك كان حدًا له " أي من تلك الجهة الواحدة نأخذ تعريفه الذي إن كان حقا هو المنطبق عليه الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة أن هذا المعرف هو أصول الفقه مثلًا ،وكان الجامع لجميع أفراده وأنواعه والمانع لأفراده وأنواعه من الخروج عنه عندئذ يكون هذا حد له وتعريف له بالحد . قال "وإلا فلابد أن يستلزم تميزها فيكون رسمًا له" أي أنه إذا لم يكن كذلك سينزل إلى الدرجة الثانية وهي وصفه بصفات تميزه عن غيره وهذا هو التعريف بالرسم .
قال "فإذًا لابد لكل طالب علم أن يتصوره بحده أو برسمه" ليستوعبه و "ليكون على بصيرة في طلبه" لمعرفته "فإن مَن لمْ يتصور" العلم والفن المعيَّن "كذلك ركب متن عمياء" هذه كلمة تقال في الناقة "وخبط خبط عشواء" فلا يدري ما الذي يحاول فهمه وهل هو هذا أو هذا .
قال "وثانيهما"
ثاني المبادئ وهو لا زال في الغير مقصودة لذاتها في العلم ليبين أهمية توقف فهم العلم على هذه الثلاث . قال "فائدته ؛ليخرج عن العبث وليزداد جد طالبه فيه إذا كانت مهمة ولئلا يصرف فيه وقته إذا لم يوافق غرضه" أي أن معرفة فائدة تعلم علم من العلوم في البداية ؛ 1_تبين للعبد أنه هل سيكون طلبه عبثًا أم لا إذا عرف أنه سيستفيد هذه الاستفادة .2_ثم إنه إن عرف أن هذه الفائدة مهمة فسيزداد جده واجتهاده في طلبه.3_وإن كان له غرض من تعلم ما فإنه سيعرف هل هذا العلم الذي أذاكره وأحاول فهمه هل يوافق طلبي هذا وغرضي هذا .
قال "وثالثهما استمداده إما إجمالًا فببيان أنه من أي علم يستمد ليرجع إليه عند روم التحقيق" أي الثالث من المبادئ استمداد هذا العلم ومستمده _ثم أعاد الحصر العقلي_ فقال إما إجمالا :أي الاستمداد بالجملة وهو بيان أن هذا العلم يستمد بالإجمال من علم كذا مثلًا علم الأصول يستمد من اللغة والأحكام والمقاصد وهكذا ؛ لنرجع إلى المستمد منه عند احتياجنا إلى التحقيق إذا لم يتبين لنا فهم معنى في نفس علمنا المستمد من غيره ، فقد نفهم من المستمد منه والمصدر .
_ولكن هذا إذا قلنا الاحتياج إلى التحقيق ولكن في التفصيل الذي سيأتي في الفقرة التالية فإنا قد احتجنا حقا للتحقيق وقد نجد المطلب المفهم لنا و قد لا نجده وبيان ذلك في_ ، قوله "وإما تفصيلا فبإفادة شيء مما لابد من تصوره وتسليمه أو تحقيقه" أي وإما عند التفصيل في المسائل نستفيد بالرجوع إلى المستمد منه أمرا لابد من تصوره وإدراكه على ما هو عليه ولم نكن كذلك بدون الرجوع للمستمد منه فيحصل عندنا التصديق ونسلم به على الحقيقة . أو أنا لا نسلم إلا بعد تحقيق وطلب في نفس المستمد منه فلا نجد ما نريد حتى في المستمد منه ، ثم قال "لبناء المسائل عليه" أي في المستمد منه فيكون لنا مرجعا عند التحقيق والتأكد ويكون لأصحاب العلم المتفرع مصدرا من المصادر أعني المستمد منه مصدر للمستمِد.
..
.
قال ابن الحاجب "أما حده لقبا" قال الشارح "اللقب عَلَمٌ يشعر بمدح أو ذم"
أي تعريف اللقب هو علم والمعنى الأصلي للعلمية فيه يشعر بمدح أو ذم _ومما ينبغي معرفته أن التعريف يعرف بالإضافة في المركبات أو باللقب ،والتعريف باللقب هو تعريفه لكونه لقبا على فن من الفنون وعلم من العلوم ،والتعريف الإضافي الذي فيه تفصيل لتعريف المضاف على حدا وهو عندنا (أصول) والمضاف إليه على حدا وهو (الفقه) ثم التعريف بتركيبهما الاثنين المضاف والمضاف إليه وستأتي النوعان اللقبي أولًا ثم الإضافي_ . قال "وأصول الفقه :عَلَمٌ لهذا العِلمِ الذي يشعر بابتناء الفقه في الدين عليه" أي أن الفقه بني على أصول الفقه . قال "وهو صفة مدح" أي الابتناء والتأصيل صفة مدح للأصول لبيان شرف بناء المهم وهو الفقه على شيء فكيف بهذا الشيء الذي بني عليه المهم . قال "ثم إنه منقول من مركب إضافي فله بكل اعتبار حد" يقصد أصول الفقه ،أنه اسم علم منقول وليس اسم علم مرتجل قد وضع من أول الأمر علمًا على كذا لا لم يكن كذلك وإنما منقول من مركب ،وهذا المركب مركب إضافي كعبدالله وعبدالقادر وليس مركبًا اسناديا كـ تأبط شرًّا أو مركبًا مزجيًا كحضرموت ،ومادام مركبًا فله بكل اعتبار حد فــللمضاف حد وللمضاف إليه حد وهو ما ذكرناه قبلُ في التعريف باللقب والإضافة .
قال "أما حده لقبًا فالعلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية" وقيل حده القواعد التي يتوصل بها ... ، قال "والذي يكشف عن حقيقته أن الأحكام" لا يقصد هنا الأحكام الشرعية أو الفروع الفقهية فقط ولكن يقصد ما هو أوسع وأعم منها وهو ما بمعنى التصديقات والحكم على الواقع (وهو الحكم على شيء عموما) وهذه التصديقات الحكمية قال "قد تؤخذ لا من الشرع كالتماثل والاختلاف" أي قد لا تؤخذ من الشرع كأن تؤخذ من العقل أو الحس كأن تحكم بأن هذا مثل هذا فيأخذ حكمه _كأنه أراد القياس_ أو أن هذا مختلف عن هذا فيأخذ الحكم المضاد أو النقيض _كأنه أراد مفهوم المخالفة_ وهكذا . قال "وقد تؤخذ منه" أي الأحكام الشرعية قال "وتلك إما اعتقادية لا تتعلق بكيفية عمل ،وتسمى أصلية" أي الشرعية إما أن تكون اعتقادية في الجَنان لا أداء لعمل ولا قول فيها وهي التي تُسمى الأصلية قال "أو عملية تتعلق بها وتسمى فرعية وهذه لا تكاد تتناهى" أي أو أحكام شرعية عملية وهي الفرعية وهي تتعلق بالاعتقادية والاعتقادية بالنسبة لها كالأصل والبناء الذي تنبني الفرعية عليه ، وهذه الشرعية العملية لا تكاد تنحصر أو تنتهي أو تتناهى .
قال "فامتنع حفظها كلها لوقت الحاجة للكل" أي والبشر لا يقدرون على حفظها وضبطها كلها إلى وقت الحاجة إليها كلها بما هو كلي يجمعها ، فلم يقدروا على ذلك الجمع لكل الفروع فعندئذ قال "فنِـيطَت بأدلة كلية من عمومات وعلل تفصيلية" أي أنهم لم يقدروا على ما سبق فربطها الشارع بأدلة أكبر عامة كلية تشملها تحتها ،وهذه الكلية من عمومات مثل الأوامر واجبة الفعل ،وعلل عامة كالإسكار ؛لتربط بينها وبين مَنْ تشبهها فـتـفـصِّـل لك أحكام معينة تدخل تحتها ، وبذلك سهل علينا ضبطها بضبط هذه القواعد والكليات _ألا وهي قواعد أصول الفقه_ . قال "أي كل مسألة مسألة بدليل دليل لتستنبط منها عند الحاجة للكل" جاء هنا ليفسر كلامه السابق فقصد كل فرع بدليله فتستنبط عندئذ من الكلية كيف شئت عند الحاجة ولا تجد عناءَ من طلب جمع الفروع . قال "وإذ ليس في وسع الكل أيضًا أن ينتهض له" أي ليس في وسع كل الناس أن يقوموا بالاستنباط أو أن يدركوا الاستنباط والسبب قال "لتوقفه" أي الاستنباط "على أدوات يستغرق تحصيلها العمر" أي تحصيل أدوات الاستنباط وفهم كلام الشارع مثلًا، فما الذي يحصل عندئذ ؟ قال " وكان يفضي إلى تعطل غيره من المقاصد الدينية والدنيوية" أي سيتعطل غير الاستنباط من مقاصد دينية كبر الوالدين ، والدنيوية كالزراعة ، فما الذي حصل عند استقراء تاريخ الإسلام بالنسبة لاستنباط الأحكام يا أيها العضد ؟ قال "فخص قوم بالانتهاض له وهم المجتهدون" أي خص قوم للقيام بالاستنباط وهم المجتهدون ، قال "والباقون يقلدونهم فيه" أي غير المجتهدين يقلدونهم في الاستنباط والحكم "فدوّنوا ذلك وسمّوا العلم الحاصل لهم منها فقهًا" أي جمعوا ودونوا الاستنباط والنتائج والأحكام . والأحكام التي طلعوا بها سمَّوْهَا فقهًا ، قال "وأنهم احتاجوا في الاستنباط إلى مقدمات كلية" أي قواعد ومقدمات كبرى عند ربطها بالمقدمة الصغرى تطلع لك نتيجة الحكم في مسألة ما _مثاله (المقدمة الكبرى :أمر الشارع واجب/ والصغرى :الصلاة مأمور بها /النتيجة : الصلاة واجبة) . قال "كل مقدمة منها يبتنى عليها كثير من الأحكام ، وربما التبست" أي عليهم "ووقع فيها الخلاف فتشعبوا فيها شعبًا وتحزبوا أحزابًا ورتبوا فيها مسائل تحريرًا واحتجاجًا وجوابًا" أي حرروها بكتابتها وإثباتها واحتجوا لذلك وبذلك وأجابوا على المخالف . قال "فلم يروا إهمالها" رأيهم أنهم لا يكتفوا بهذه الكليات لأنفسهم بل يسجلوها ويحرروها على أنها مهمة لا تهمل ولتكون . "نصحًا لمن بعدهم وإعانة لهم على درْك الحق منها بسهولة فدونوها" أي فيستفيد من بعدهم منها ليدركوا الحق الذي يعتقدون بأنهم أدركوه وفي الغالب قد أدركوه لأن المصيب منهم والمخطئ مأجور بنص الحديث . قال "وسموا العلم بها أصول الفقه" أي هذه القواعد. قال "فكان حده ما ذكرنا. وفوائد القيود قد ظهرت" أي بالقيود استفدنا الاحتراز عن محترزات لنخرجها عن التعريف والحد _فــ(القواعد) تخرج لنا الجزئيات/ و(استنباط) يخرج لنا الفقه الجاهز والثمرة المستنبطة الموجودة / و(الشرعية) تخرج لنا الأحكام العقلية ونحوها / و(الفرعية) تخرج لنا الأصلية العقدية / و( الأدلة التفصيلية) تخرج لنا الأحكام التي تتفرع من الأدلة الإجمالية كالحكم المستنبط من مقصد مراعى ومهم في الشرع_.
قال "وأما حده مضافًا فلابد في معرفة المركب من معرفة مفرداته من حيث يصح تركيبها" أي أولًا :لابد في معرفة المركب من معرفة صحة تركيب مفرداته وأنها متلائمة التركيب . قال "وأصول الفقه :مفرداته الأصول ، والفقه من حيث دلالتهما على معنييهما" ثانيًا :لابد في معرفة المركب من معرفة دلالة معنى مفرداته كلٌ على حدا .فعندئذ تعرف المركب . قال "والأصل ،في اللغة :ما يبتنى عليه الشيء ،ويقال في الاصطلاح" اصطلاح الأصوليين الفقهاء _وأتى بأربعة معاني، الأول قال "للراجح ،يقال الأصل الحقيقة" أي في الكلام ، الثاني قال "وللمستصحب يقال: تعارض الأصل والطارئ" أي الأصلي الباقي على ما كان عليه والطارئ الحادث. الثالث قال "وللقاعدة الكلية يقال :لنا أصل ، وهو أن الأصل مقدم على الطارئ" أي ما تنطبق عليه القاعدة أصل فلا يتحول عنه إلى المخالف إلا بقرينة. الرابع قال "وللدليل يقال :الأصل في المسألة الكتاب والسنة" الدليل من الكتاب .. قال "وإذا أضيف إلى العلم فالمراد دليله" يقصد بالعلم هنا الفقه.
قال "والفقه العلم بالأحكام الشرعية (الفرعية عن أدلتها التفصيلية) بالاستدلال" يقصد بالاستدلال أي عن طريق الشاهد أو وجه الدلالة من الآية أو الحديث مثلًا عرفوها قال "وبهذا القيد الأخير احترزنا عما عرف من بالأدلة ضرورة" أي من دون استدلال ولا نظر ولا صحيح نظر وإنما هو حاصل معرفة لا طلبًا أو استدلالًا مثل ما قال " كعلم جبريل والرسول عليهما السلام ،ومن لم يجعله عن الأدلة" أي من لم يجعل علم جبريل والرسول عليهما السلام من طريق أدلة فهو يقصد قال "إما للتصريح بما عُلِمَ التزامًا" أي أنه حذف الأدلة ليصرح في أنه ليس معلومًا من طريق أدلة ولا توصل بصحيح نظر في ذلك وإنما هو التزامًا من الفرعية مباشرة قال "وإما لدفع الوهم" أي الوهم الحاصل من أن قولي مثلاً أدلة أنها قد تكون بلا استدلال _فأراح نفسه ولم يذكر لا أدلة ولا استدلال_ قال "وإما للبيان دون الاحتراز" أي دون احتراز عن الأدلة والاستدلال في أن ذكر أي شخص للفظة أدلة هو بحد ذاته دليل على أن هناك استدلال سواء ذكرت أنك تقصد أن الطريق بالاستدلال أم لا ؛لأن ذلك ما يتبادر إلى الذهن . قال "وباقي القيود عرفت مما تقدم" أي عرفت وعرفت محترزاتها .
قال "واعلم أن له جزءًا آخر كالصورة وهو الإضافة" أي أصول الفقه له جزء آخر غير المضاف (أصول) والمضاف إليه(الفقه) وهذا الجزء الثالث هو ذات الإضافة أي معنى الارتباط بين المضاف والمضاف إليه واختصاص المضاف بالمضاف إليه. قال "وإضافة اسم المعنى تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه باعتبار (ما دل عليه لفظ المضاف)" أي كما بينا قبل في أن القصد اسم المعنى لا الذي وقعت فيه الإضافة لا اسم العين مثل قال "تقول :مكتوب زيد والمراد اختصاصه به لمكتوبيته له" أي بمجرد الإضافة عرفنا الاختصاص ولم نحتاج إلى دليل خارجي للخصوصية والخصوصية مقيدة بالمكتوبية للإضافة . قال "بخلاف اسم العين فإنها تفيد الاختصاص مطلقًا" لا بتقييد الإضافة. قال "فإذا أصول الفقه :أدلة العلم من حيث هي أدلته ، ونُقِلَ إلى ما ذكرناه عرفًا" أي نُقِلَ إلى ما ذكرناه من أنها الأدلة وغيرها من الترجيح والاجتهاد وذلك كان عرفا باصطلاح . قال "ولو حُمِلَ الأصول على معناه اللغوي حتى يكون معناه ما يستند إليه الفقه" كما قلنا لغة هو ما يبتنى عليه أو يستند إليه . قال "لشمل الأقسام فلم يحتج إلى النقل" أي لشمل كل الأدلة والترجيح والاجتهاد وذلك لأنها تشترك في معنى بناء الفقه على الأصول بأدلة وترجيح وهكذا .
..
قال ابن الحاجب "وأورد إن كان المراد البعض" قال الشارح "أورد على حد الفقه أن المراد بالأحكام إن كان هو البعض"
أي ليس كل الأحكام الفقهية قال "لم يطرد" أي لم يكن الحد مانعًا وصار جامعًا فقط ، قال "لدخول المقلد" وذلك أنه مثل المجتهد يعلم بعض الأحكام الفقهية قال "إذا عرف بعض الأحكام كذلك لأنا لا نريد به العامي" الذي لا يعرف حتى بعض الأحكام ،لا هذا لا نقصد به المقلد وإنما المقلد بين مرتبة المجتهد والعامي فالمقلد يعرف بعض الأحكام فدخل ضمن الاجتهاد. قال "بل من لم يبلغ درجة الاجتهاد" أي هذا هو المقلد . قال "وقد يكون عالمًا" أي عالم بعلم غير الفقه كالحساب ونحوه. قال "يمكنه ذلك مع أنه ليس بفقيه إجماعًا".
قال "وإن كان هو الكل"
أي أن المراد بالأحكام الفقهية كل الأحكام.
قال "لم ينعكس" أي لم يصبح جامعًا. قال "لخروج بعض الفقهاء عنه لثبوت لا أدري عمن هو فقيه بالإجماع ،نُقِـل أن مالكًا" أي الإمام مالك ابن أنس رحمه الله قال "سئل في أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين منها :لا أدري ،والجواب" على هذا الاعتراض قال "أنا نختار أن المراد البعض" أي بعض الأحكام قال "قولكم لا يطرد لدخول المقلد فيه ممنوع" أي أن قولكم أنه غير مانع وغير مطرد لدخول المقلد قولكم هذا ممنوع وذلك أن قال "إذ المراد بالأدلة الأمارات" أي الأمارات التي تفيد الظن فلا تعطي القطع في الأحكام. قال "ولا يعلم شيئًا من الأحكام كذلك إلا مجتهد ،يجزم بوجوب العمل بموجب ظنه ،وأما المقلد فإنما يظن ظنًا ولا يفضي به إلى علم ؛لعدم وجوب العمل بالظن عليه إجماعًا." أي ظن المجتهد يعمل به أما المقلد فلا إجماعًا.
قال "أو نختار أن المراد الكل" أي كل الأحكام. قال "قولكم لا ينعكس" أي غير جامع "لثبوت لا أدري قلنا ممنوع" أي قولكم وذلك أن "لا يضر ثبوت لا أدري إذ المراد بالعلم بالجميع التهيؤ له" ومعنى التهيؤ "هو أن يكون عنده ما يكفيه في استعلامه بأن يرجع إليه فيحكم" أي عندما يرجع إلى مراجعة القواعد والأدلة سيخرج الحكم ولن يصعب عليه فعندئذ يحكم . قال "وعدم العلم في الحالة الراهنة" وقت السؤال "لا ينافيه ؛لجواز أن يكون ذلك" وهوعدم العلم "لتعارض الأدلة أو لعدم التمكن من الاجتهاد في الحال" وقت السؤال "لاستدعائه زمانًا"
..
قال ابن الحاجب "وأما فائدته" قال الشارح "فائدة أصول الفقه معرفة أحكام الله تعالى"
_وإن الأولى لو قال معرفة القدرة على التوصل لأحكام الله تعالى لكان أليق_، قال "وهي سبب الفوز بالسعادة الدينية والدنيوية" .
..
قال ابن الحاجب "وأما استمداده" قال الشارح "هذا العلم يستمد من الكلام"
علم الكلام، "ومن العربية ومن الأحكام ، أما الكلام فلتوقف الأدلة الكلية أي الإجمالية" الأدلة الإجمالية المقعِّدة للقواعد متوقِّــفة أن تكون أدلة إلا إذا كانت حججًا للأحكام فذلك مثل قال "ككون الكتاب والسنة والإجماع حجة على معرفة الباري تعالى" فهذا الإدراك محله العقل وما يستنبطه قال "ليمكن إسناد خطاب التكليف" وهو الكلام "إليه ، ويعلم لزومه" وهذا هو الغرض من ذلك "حينئذ . وتتوقف" معرفة وجود الباري سبحانه "على أدلة حدوث العالم" لا العكس وهو أن حدوث العالم دليل وجود الصانع فنقول لا وإنما العالم حادث والدليل عليه الصانع سبحانه وليس العالم بقديم قبل الله سبحانه كما يقول الفلاسفة "وأيضا أنه يتوقف" أي كون الكتاب وأنه حجة "على صدق المبلغ" أي أن المبلغ والرسول إذا كان صادقًا صار الكتاب حجة فتوقف الثاني على الأول. قال "وهو يتوقف على دلالة المعجزة" أي بيان أن المبــلِّــغ والرسول صادق متوقف على أن يأتي بمعجزة دالة على ما يدعي. قال "ودلالتها تتوقف على امتناع تأثير غير القدرة القديمة فيها" أي أن دلالة المعجزة لا إعجاز فيها وهو متوقف على امتناع تأثير قدرة للمخلوقين فيها ونفاذ القدرة القديمة الخارقة فيها التي لا يستطيعها المخلوقين . قال "ويتوقف على قاعدة خلق الأعمال وعلى إثبات العلم والإرادة" أي والعلم بذلك الامتناع الذي هو أنه لا تأثير في دلالة المعجزات إلا لقدرة قديمة خارقة متوقف هذا على قاعدة خلق الأعمال لله سبحانه وحده فهو سبحانه المؤثر والعلم والقدرة له سبحانه فهو العالم الموجد للأمر الخارق للعادة فعندئذ فهو سبحانه الواحد في العلم والقدرة والتأثير وإيجاد ذلك .
..
قال "ولا تقليد في ذلك لاختلاف العقائد فلا يحصل به علم"
أي لا تقليد في علم الكلام مثل التقليد في الفقه وذلك أن التقليد لا يفيد العلم والعلم في الكلام والعقائد لازم ضروري لاختلاف عقائد الناس فيها فهم يتناقضون في تلك المسائل فعندئذ ستجد نفسك تقلد واحدا في الحدوث وواحدا في القدم فإنك ستجد عالمين اثنين حينها .
..
قال "وأما العربية فلأن الكتاب والسنة عربيان والاستدلال بهما يتوقف على معرفة اللغة من حقيقة ومجاز وعموم وخصوص وإطلاق وتقييد ومنطوق ومفهوم وغير ذلك" كما قلنا في توقف ما سبق على ما يستلزمه في علم الكلام السابق في الجمل السابقة لهذه الجملة وهي هنا أن معرفة الكتاب والسنة متوقف على معرفة اللغة العربية وما فيها ألفاظها وسياق جملها من حقيقة ومجاز ووو...
..
قال "وأما الأحكام فالمراد تصورها ،وذلك لأن المقصود إثباتها ونفيها" فلزم من الإثبات أو النفي لها لازم وهو تصور هذه الأحكام وهذا هو فقط مدخل الأحكام إلى أنها مما يستمد منه علم الأصول استمداده وذلك أن المقصود كما نعرف من علم الأصول والثمرة هي إثبات أو نفي الحكم. قال "في الأصول إذا قلنا الأمر للوجوب" فالتصور أنه حصل هنا إلزام وسيكون هناك عقاب مثلا على الترك فتصور هذا هو المطلوب للاستمداد في الأصول ، قال "وفي الفقه إذا قلنا :الوتر واجب مثلًا" كذلك . قال "ولا يمكن بدون تصورها" هذا هو المقصد من الاستمداد .
قال "ولا يريد بالأحكام العلم بإثباتها أو نفيها لأن ذلك فائدة العلم" أي ولا يريد باستمداد الأحكام العلم بإثباتها أو نفيها لأن ذلك هو فائدة علم الأصول وليس استمداده . قال "فيتأخر حصوله عنه" ولا يكون مستمدًا وإنما متأخرًا كمثل الثمرة من العلم. قال "فلو توقف عليه العلم كان دورًا" أي لو كان استمداد علم الأصول وهو العلم بإثباتها أو نفيها فعندئذ يأتي الدور والإعادة والتكرار ؛لأنك كأنك تقول فائدته استمداده واستمداده فائدته فلن تعرف ما هو الاستمداد من الأحكام، وأيضًا لأننا لو قلنا الأصول تستمد من الأحكام وهي الفقه والفقه هذا يستمد من الأصول فعندئذ يأتي الدور. قال " وستقف على ذكره لأحكام الأحكام إثباتًا ونفيًا" أي وحتى أحكام الأحكام مثل أن الوجوب ليس إباحة والوجوب تركه يعاقب عليه سيقف على ذلك الفائدة والثمرة . قال "وهو خارج عن الأمرين" أي أن المبادئ _ونحن ما زلنا في المبادئ_ خارجة عن أن تكون الأمر الأول هنا وهو تصور الأحكام أو الثاني العلم بإثباتها أو نفيها .
..
قال ابن الحاجب "الدليل لغة المرشد" قال الشارح "لما كان استمداده من المواضع الثلاثة كان مبادئه منهما فشرع في ذكرها"
أي أنه لما كان الاستمداد من علم الكلام والعربية والأحكام الشرعية فكان الابتداء بها أليق وافضل لنعرف أصل هذا العلم ثم نعرفه ، قال "وهذه هي مبادئ الكلام" أي مبادئ كلامية لعلم أصول الفقه. "والدليل لغة: يقال للمرشد" والمرشد هو لــ وهو أولًا "وهو الناصب" وأيضا المرشد هو ثانيًا لــ "والذاكر" وأيضا ثالثًا لــ "ما يحصل به الإرشاد" 1_ والناصب هو الواضع للدليل ، 2_ والذاكر هو الذي يذكر لنا الدليل ويبين أنه دليل على الناصب الواضع ، 3_ وما يحصل به الإرشاد أي طريق الاستدلال أو الارشاد وما فيه هذه الدلالة والارشاد. قال "وهذا ما صرح به في الإحكام" أي ما صرح به الآمدي في كتابه الإحكام. قال "ولا يبعد أن يجعل للمرشد وهو للمعاني الثلاثة" وهي الناصب والذاكر وما يحصل به الارشاد. قال "فإن ما به الارشاد يقال له المرشد مجازًا. فيقال الدليل على الصانع هو الصانع" وهو الناصب على ما سبق. "أو العالِم" بكسر اللام أي من العلماء الذاكر الذي دلنا على الناصب والواضع. "أو العالَم" بفتح اللام وهو الذي حصل به الاستدلال والارشاد بقربه منا ومن نظرنا إليه فانقدح في ذهننا أن لهذا العالم صانع فصار العالم دليلًا.
قال "واصطلاحًا :أما عند الأصوليين فما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري" أي الدليل في اصطلاح الأصوليين هو الذي أمكننا عندما نظرنا فيه نظرة صحيحة سليمة لوجه الاستدلال وفهم معنى هذا الوجه وصلنا إلى المطلوب فيه على ما أخبر.
قال "وذكر الإمكان" أي وذكر ابن الحاجب بقوله (ما يمكن) ؛"لأن الدليل لا يخرج عن كونه دليلًا بعدم النظر فيه" أي بعدم النظر هو دليل ،وبالنظر فيه أيضًا هو دليل.
قال "وقيد النظر بالصحيح لأن الفاسد لا يتوصل به إليه" أي إلى الدليل والاستدلال. قال "وإن كان قد يفضي إليه اتفاقًا" أي أحيانا وبالمصادفة قد يفضي النظر الفاسد إلى الاستدلال. قال "وهذا يتناول الأمارة أي الظني منه وربما قيل إلى العلم بمطلوب خبري فلا يتناولها" أي أن التعريف السابق كله الذي أورده في اصطلاح الأصوليين هو قد يتناول الدليل والأمارة ، والأمارة كما نعرف تختلف عن الدليل بأنه بطريق ظني أما الدليل فقد قيل في تقييد تعريفه بالعلم (ليس الظن) بمطلوب خبري فعندئذ لا يتناول الأمارة وإنما يكون تعريفًا واقعًا على الدليل فقط.
"وأما عند المنطقيين" أي الدليل اصطلاحًا قال "فقولان فصاعدًا" أي قضيتان معقولتان تقدر أن تسكت إذا قلتهما وتظهر النتيجة والنتيجة قال "يكون عنه قول آخر" أي عن هاتين القضيتين فصاعدًا. قال "وهذا يتناول الأمارة" أي وقولهم هذا يتناول الأمارة والدليل لماذا؟ "؛لأنه يجمع القياس البرهاني" أي القطعي. "والظني" و "والشعري" أي الشعوري التخيلي كالحُبْ. "والسفسطي" أي الفلسفي . فمن ثم بهذه كلها تأتي النتيجة فتكون هذه أدلة .
قال "وربما قيل بدل يكون يستلزم لذاته" أي بدل تعريف المنطقيين السابق الذي قالوا فيه (قولان فصاعدًا يكون عنه قول آخر) بدل قولهم يكون قالوا يستلزم . "يستلزم لذاته قولًا آخر" ليصلوا إلى القطع لا الظن "فتخرج الأمارة" وتصبح من محترزات تعريفهم للدليل.
قال "إذ يختص بالبرهاني منه" أي صار إلى القطع كما قلنا. "فإن غيره" أي غير البرهاني "لا يستلزم لذاته شيئا" أي قولًا آخر والمعنى أن لا يكون من طريق القطع بل بالظن ،(فعندئذ يصح القول أنها هي قضايا متى ما سلمت بها يلزمك وليس ظنًا أن تعرف أو تخرج بالنتيجة) _والتسليم قرين القطع والعلم ،والظن عكس ذلك_.
قال "فإنه لا علاقة بين الظن وبين شيء لانتفائه مع بقاء سببه" أي لا علاقة بين الظن وبين شيء آخر أو نتيجة أخرى ما ،بحيث يمنع الاختلاف عنه بمجرد اِنتفاء الظن مع بقاء السبب لذلك _مثاله الغيم الكثيف الأسود أمارة للمطر فإن زال الظن بأن المطر سينزل لسبب ما كأن تنتشر مادة مثلًا تزيل الماء ،فإن هذا لا زوال فيه للغيم ولكن قد ينتفي الناتج ويبقى ما أعطانا توقع حصول هذا الناتج وأصله.
قال "وفيه بحث مذكور في الكلام" أي في علم الكلام بحث مذكور هو أن الممكنات مستندة إلى الله سبحانه هو مرجعها وأن العلم والظن يأتي بعد الدليل والأمارة بخلق الله تعالى بغير تأثير لهما بما لهما من إيجاب مثلًا .
قال "واعلم أن الحاصل أن الدليل عندنا على إثبات الصانع :هو العالَم ، وعندهم " أي عند المنطقيين هو "أن العالَم حادث وكل حادث فله صانع" فعندنا الأصوليين يعرف بكلمة واحدة بدلالتها أم عندهم فمن قضيتين.
..
.
قال ابن الحاجب "مسألة لا تثبت اللغة قياسًا" قال الشارح "قد اختلف في جواز إثبات اللغة بالقياس"
أي أن الأسماء لا تثبت بالقياس وإنما هي موضوعة كأعلام على المسميات وأشياء كل اسم على مسماه ، وليس الاسم ثابت بطريق القياس بأن تجد أصلا كالخل مثلًا هو حامض فتقول كل حامض خل وتسمي بذلك وتقيس على كل حامض لا . كذلك مثلًا الوطء اسم للزنا فلا تقيس وتسمي كل واطئ زانٍ . وهكذا.
قال " فجوزه القاضي أبو بكر وابن سريج وبعض الفقهاء" أي جوزوا التسمية بالقياس _والقاضي هنا في المختصر والشرح دائمًا هو أبو بكر الباقلاني رحمه الله علم من أعلام الأصول ومن أوائلهم والمتقدمين منهم ومن أصحاب أوائل المؤلفات في الأصول ألا وهو التقريب والإرشاد الكبير والأوسط والصغير ،وهو شافعي وقيل هو مالكي وقد كان يفتي بهما لتوسع علمه وقيادته للمذهبين في زمانه مع غيره أيضًا ،وهو أيضًا الأشعري وقيل أنه صار إلى السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة قبل وفاته وقد رد كثيرًا على الجهمية والخوارج وغيرهم وهو المتوفى في العام الثالث بعد المئة الرابعة (بعد الأربعمئة)_ ، _وابن سريج هو أحمد بن سريج البغدادي الملقب بالباز الأشهب وهو شافعي ومن أعمدة الشافعية حتى إنه مفضل عند بعضهم على المزني وهو صاحب المسألة السريجية في الطلاق المشهورة التي خالف فيها الجمهور وهو المتوفى في العام السادس بعد الثلاثمئة_.
قال "والأصح منعه" منعه من أن تقاس الأسماء على بعض في التسمية ، وممن منعه الجويني الشافعي الأشعري أبو المعالي إمام الحرمين (ت 478 هــ) ، ومنعه أيضا الغزالي (ت 505 هــ) والآمدي (ت 631 هــ) وابن الحاجب (ت 646 هــ) .
قال "ولابد من تحرير محل النزاع أولًا" أي في اختلافهم هذا . "لتوارد النفي والإثبات على محل واحد" أي جواز القياس ومنعه أو نفيه ، قال "فنقول ليس الخلاف فيما ثبت تعميمه بالنقل كالرجل والضارب" أي ليس في المسمى المعلوم معناه بالنقل وقد عرفت تسميته وإنما الخلاف في المسكوت عن تسميته وستأتي ، قال "أو الاستقراء كرفع الفاعل ونصب المفعول" إذا استقرينا مثلًا جزئيات الفاعل فيثبت لنا أن كل فاعل مرفوع فإن قولنا مرفوع أو المفعول به منصوب ليست هذه التسمية بالوضع الموضوع مسبقًا (هذا بالتأكيد لعمل العقل فيها) ،ولا هي أيضًا مع أنها بالقياس فإنها ليست مقصودة هنا عندنا في محل الخلاف الذي نتكلم فيه . فافهم ما هو محل الخلاف ، قال "وإنما الخلاف في تسمية مسكوت عنه" ولم يسم بالوضع أو النقل ، وهذا المسكوت عنه سمي "باسم إلحاقًا" أي قياسًا "له بمعين سمي بذلك الاسم لمعنى" أي لعلة "تدور معه وجودًا وعدمًا . فيرى أنه ملزوم التسمية " أي هذه العلة وهذا القياس "فأينما وجد وجب التسمية به" أي أينما وجدنا هذه لعلة منطبقة في فرع وجب علينا التسمية بذلك الاسم الأصلي الذي قسنا عليه _وهنا إشارة إلى أهمية العلة وأنها هي السبب في القياس وهي الركن الأقوى ولذلك عدها بعض العلماء ركن القياس الوحيد.
ثم انتقل إلى التمثيل فــ قال "كتسمية النبيذ خمرًا إلحاقًا له بالعُقَار" أي أن الخمر نبيذ العنب فقط فعندئذ كل نبيذ لعنب أو غيره نسميه خمرًا إلحاقًا وقياسا على العقار بضم العين وهو الخمر.
وسبب ذلك هو قال "لمعنى هو التخمير للعقل المشترك بينهما" _أي أنا وجدنا أن سبب تسمية الخمر خمرًا هو معنى التخمير الموجود في الخمر والتخمير هو التغطية والستر ووجدنا أيضًا أن ذلك موجود في كل نبيذ فعندئذ كل نبيذ خمر لوجود التغطية في النبيذ وليس في الخمر فقط_.
قال "الذي دار معه التسمية" أي في المسمى فإن وجد التخمير وجدت التسمية

قال "فما لم يوجد في ماء العنب لا يسمى خمرًا بل عصيرًا وإذا وجد فيه سمي به وإذا زال عنه لم يسمّ" _أي فالجزء الذي لا يولد تخميرًا للعقل في ماء العنب هو المسمى عصيرًا وليس خمرًا وإن كان فيه التخمير الذي يسمى به سميناه خمرًا ؛ فعندئذ ليس قولنا خمرا هو لأنا وجدنا العنب وجعلناه علمًا عليه لا لم يكن كذلك ، وإنما هو لوجود المخامرة للعقل . فعندئذ نسمي مثلًا التفاح الذي لا تخمير فيه ولا إسكار نسميه عصير التفاح وإن وجدنا التخمير والإسكار فنسميه خمرًا لوجود المخامرة للعقل ،وقد سلمنا جميعًا بهذا في نبيذ العنب فلماذا نخالف في غيره كالتفاح ونحوه_.
قال "بل خلّا" أي بل نسميه خلّا إذا صار العصير خمرًا ثم انتقل إلى حالة ثالثة بعد العصير والحمر ألا وهي التسمية ب خل .
قال "وكذلك تسمية النباش سارقًا للأخذ بالخفية" _أي مثل الخمر وقياس عصير التفاح عليه في التسمية التي قلنا في آخرها إن نبيذ التفاح خمر، مثل تسمية النباش سارق وهو ليس بسارق فلا يقام عليه حد السرقة وهذا قول في هذه المسألة وقيل بل سارق مثل السراق ، المهم الذي يعنينا هو أنه يسمى سارق لوجه الأخذ خفية كمثل السارق وكان سبب تسمية السارق سارقًا هو أنه أخذ المال خفية إذ لو كان أخذ المال بغير خفية لقلنا مثلًا هو بيع أو هبة ولكن لما كان بالخفية سميناه سارقًا فكذلك النباش يأخذ في الخفية فلنسميه سارقًا_.
قال "واللائط زانيًا للإيلاج المحرم" _أي وكذلك الواطئ لرجل هو زان لأن معنى الزنا أخذ من مثل الإدخال والحقن ، وقصده هنا في مسألة اللواط هو أن ذلك في بالتسميات فقط وليس بناء الحكم عليه وإنما فقط بقياس التسمية نقيس المسميات فقط.
قال "إلّا أن يثبت في شيء من هذه الصور" الصور كالنباش وكاللائط الواطئ فإذا ثبت لمثل هذه الصور "نقل أو استقراء فيخرج عن محل النزاع فلا يكون المثال مطابقا فلا يضر" أي أن نعلمه بنقل أو استقراء لا بقياس فيخرج كما سبق في الكلام عن ما هو ليس من محل النزاع.
قال "فإن المثال يراد للتفهيم لا للتحقيق" أي أنا جئنا بالمثال فقط لنبين ونفهم كيفية التسمية بالقياس عندهم وليس ذلك عندهم في بناء الحكم عليه بتحقيق التسمية فعلًا في المسمى.
قال "لنا أن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل وهو غير جائز" أي ودليلنا على بطلان قولهم في أن المسميات يجري فيها القياس في التسمية دليلنا هو أن معنى القياس في اللغات والمسميات هو أن وجدنا في إثبات التسميات ما لا يكون صريحًا للاسم في تسميته بل يكون له ولغيره ، وأيضًا قد يحتمل أن الذي يقصد به للتسمية هو وضع غير صريح في المسمى كأن يكون مجازًا مثلًا أو مؤول وهذا كله محتمل فيما تقيسون عليه ، فعندئذ لا يجوز قياسكم الذي تثبتون به محتمل.
قال "أما الأولى" أي المقدمة الأولى وهو أن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل، وستأتي المقدمة الثانية والنتيجة. قال "فلأنه يحتمل التصريح بمنعه كما يحتمل باعتباره" أي في المقدمة الأولى من دليلنا هو أن وجه الاحتمال وهو أن يمنع انطباق التسمية على المسمى بأن تكون مثلًا عامة له ولغيره وقد يكون معتبرا له في سياق وفي غيره لا.
قال "بدليل منعهم طرد الأدهم والأبلق والقارورة والأجدل والأخيل وغيرها مما لا يحصى" أي والدليل أنهم يسلمون بما نسلم به هو أنهم يمنعون إطراد الأدهم وهو معنى من معاني السواد فلا يقولونه في كل ما فيه سواد ،وكذلك الأبلق وهو الذي فيه معنى من معاني التخطيط بخطوط فلا يقولونه في كل أبلق مخطط بخطوط ،وهكذا القارورة وهو معنى من معاني الوعاء ،ولا الأجدل وهو معنى من معاني القوة ،ولا الأخيل وهو نوع من أنواع الصقور . والمهم هو معرفة أن_ليس كل أسود أدهم ولا كل مخطط أبلق ولا كل وعاء قارورة ولا قوي أجدل وليس الأخْيل ام لكل أنواع الصقور_ وهذا عندنا وعندهم.
قال "فعند السكوت عنهما يبقى على الاحتمال" الذي ذكرناه
قال "وأما الثانية فلأنه بمجرد احتمال وضع اللفظ للمعنى لا يصح الحكم بالوضع فإنه تحكم باطل" أي ومقدمتنا الثانية وهي أن إثبات اللغة بالمحتمل غير جائز وهي أنه بمجرد طروق الاحتمال في نفس وضع اللفظ لن نقدر على أن نجزم بأنه لمعنًى من المعاني فهذا تحكم وهوى في أنه لهذا المعنى أم لذاك أم للآخر فمن الذي يحكم في هذا وقد قلنا جميعًا أنها تشمل مثلًا المسميات الكثيرة فإطلاقها على واحد كيف يكون؟! .
(وإن النتيجة بعد المقدمة الأولى التي تقول إن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل /والمقدمة الثانية التي تقول إن إثبات اللغة بالمحتمل غير جائز = فالنتيجة هي أن القياس باللغة غير جائز).
قال "وأيضًا يجب الحكم بوضع اللفظ بغير قياس إذا قام الاحتمال وهو باطل بالاتفاق" أي وأيضًا إذا قلنا أنه يجب الحكم بالوضع للفظ بغير قياس أي من عندنا نحن وهذا كله مع الاحتمال فإن هذا أيضًا باطل بالاتفاق _ فلا نصير إلا إلى أن الوضع الأصلي للمسمى هو الاسم ولا قياس_.
قال "قالوا :أولًا دار الاسم مع المعنى وجودًا وعدمًا" أي أن هذا اعتراض أولٌ منهم. قال "فدل على أنه المعتبر لأن الدوران يفيد ظن العلية" أي أنه لما دار الاسم مع معناه وجودًا وعدمًا مثل معنى الإسكار موجود مع نبيذ التفاح _خمر التفاح عند الذين يقيسون_ وإذا لم يوجد الإسكار لم نقل نبيذ بل نقول عصيرًا فمتى ما وجد خمر التفاح وجد الإسكار ومتى ما عدم هذا الخمر عدم الإسكار ولم نجده وهكذا في غيره ، فبين الشارح أن اعتراضهم الأول هو أن هذا الدوران معه وجودا وعدما يفيد ظن التعليل للاسم بهذا المعنى كالإسكار فهو ما سمي خمرا إلا لتخميره وإسكاره فكذلك غيره فليسم مثله لاعتبار التعليل وصلاحه.
قال "فالجواب" على اعتراضهم "المعارضة على سبيل القلب بأنه دار مع المحل ككونه ماء العنب ومال الحي ووطئ في القبل فدل على أنه معتبر كما ذكرتم فالمعنى جزء العلة فلا يستلزم" أي إن كان دليلكم هو عمل العلة غالبًا في الأصل والفرع فإن دليلنا هو أنا أقمنا عليكم بأن العلة لا تعمل في الوجوه المحتملة التي ذكرناها لكم وسلمتم بها ولا يصح القياس فيها وإنما عندكم فقط في عدم الاحتمال في الأصول الموضوعة وليست المقيسة كماء العنب وخمره ومال الحي وسرقته ووطؤ القبل والزنا به فهذه الأصول كما قلنا لكم معتبرة ولكن المعنى ليس كل العلة والتعليل وقيامها على كل الأجزاء وإنما جزء فقط فلا يستلزم قولكم القياس وصحته (والدوران الذي ذكرتموه صحيح ولمنه أمارة ظنية كما قلتم وليس هو القطعي الذي يستلزم القياس وصحته).
قال "قالوا :ثانيًا ثبت القياس شرعًا فيثبت لغة" أي أن اعتراضهم الثاني هو أن القياس ثبت شرعًا فنقيس اللغة على الشرع ونجعله عاملًا في الكل _بجامع أن كلا من اللغة والشرع هي أنواع لجنس علوم وفنون نستفيد منها في ديننا ودنيانا_.
قال "إذ المعنى الموجب للثبوت فيهما واحد وهو الاشتراك في معنى يظن اعتباره بالدوران" أي أن المقصد هو أنه لما كان الدوران في التعليل بما يوجد عند وجود العلة وما ينعدم عند انعدام العلة هذا معتبر شرعًا عندنا وعندكم لقياس الفروع على الأصول شرعًا ،فإنه حتى في اللغة ما وجد فيه الدوران وهو علة وما في الدوران التعليل الذي يجري عليه القياس _فلما كان الدوران موجودا في الاثنين فإن الاعتبار كذلك موجود فيهما_.
قال "الجواب / لا نسلم أن المعنى واحد إذ المعنى في الشرع بالحقيقة هو الإجماع على ثبوته من أو ذلك مع الإجماع ولم يتحقق ههنا" أي أن المعنى في التعليل والقياس في الشرع مجمع عليه وهو القياس بين الأصول والفروع في الأحكام أو أن ذلك المعنى مع الإجماع هو دليل يستدل به وسلم بأنه دليل ومصدر للتشريع سلم بهذا نحن وأنتم ، ولم يتحقق هذا الإجماع هنا في اللغة.
قال "فإن قيل فبم أوجب الشافعي رحمه الله قطع النباش وحد النبيذ" _أي أنه إن قيل اعتراض افتراضي وهو كثير في الأصول لئلا يدع مجال للشك في أدلته_. فيقول إن قيل إن الشافعي أوجب قطع يد النباش وإقامة حد شرب الخمر على من شرب نبيذ أي من العصائر التي فيها تخمير العقل وإسكاره . "قلنا ذلك إما لتعميم السرقة والخمر بالنقل وإما لقياسهما على السارق والخمر قياسًا شرعيًا لا ؛لأنه يسمى سارقًا وخمرًا بالقياس في اللغة" فالجواب أن نقول لهم إن ذلك ليس لأنه يعمل بالقياس في اللغة وإنما لأن المنقول عندنا يبين أن النباش سارق لأن لفظ سارق فيه عموم وهذا العموم ليس من عقولنا وإنما هو منقول نقلًا لا عقلًا ، فيشمل النباش فكان معلومًا بالنقل من أن النباش سارق ، وما كان ذلك بقياس النباش على السارق لا ليس كذلك. وكذلك شارب النبيذ ألحقناه بشارب الخمر لأن المنقول عندنا في عموم وذه العموم منقول نقلًا لا عقلًا وهو أن الخمر يطلق على المسكرات وليس أن القياس هو أن الشارب للنبيذ نقيسه على الشارب للخمر لقياس اللغة .
وإما _وهذا رد ثان_ وإما لقياس النباش والنبيذ على السارق والخمر بالقياس الشرعي الذي نسلم به نحن وأنتم وليس اللغوي الذي يكون في قياس التسمية .
..
..

.
قال ابن الحاجب "مسألة :الواو للجمع" ،قال الشارح "الواو العاطفة تجمع بين أمرين في ثبوت ، نحو ضُرِبَ زيد وأُكْرِمَ عمرو" أي لو قلنا ضُرِبَ زيد أكرم عمرو ، بلا واو فلا نتصور ثبوت الاجتماع لكن بالواو ثبت ذلك. "أو في حكم ، نحو ضُرِب زيد وعمرو" أي أن حكم الضرب وقع عليهما فصارا مجتمعين في حكم. "أو في ذات نحو ضُرِبَ وأكرم زيد" أي تجمع في ذات واحدة وهي هنا نحو زيد فقط فعلمنا أن الضرب والإكرام مجتمع في ذات زيد.
قال "ولا يجب الاجتماع في الزمان وهو المعبر عنه بالمعية ولا عدم الاجتماع" أي المعية هي باجتماع المعطوف والمعطوف عليه معًا في زمان واحد تمامًا ولا يجب أيضًا بالعطف بالواو عدم الاجتماع تمامًا فقد يكون هذا وقد يكون هذا. "وكونهما في زمانين مع تأخر ما دخلت هي عليه وهو المعبر عنه بالترتيب" أي وإن كان المعطوف والمعطوف عليه في زمانين متأخر المعطوف على المعطوف عليه فهذه هي إفادة الواو للترتيب وستأتي. "بل للجمع المشترك بينهما" أي بين المعية والترتيب "المحتمل في الوجود لهما من غير تعرض في الذكر لشيء منهما" أي قد تكون الواو للمعية وحتى إن لم يدل دليل متصل بالجملة التي فيها الواو على المعية ، أو تكون هي حقًا للترتيب ولا دليل متصل على الترتيب ، وإنما هي القرينة التي تدل على ذلك أو نعرف هذا من السياق.
قال "ولا يلزم من عدم التعرض للمعية التعرض للترتيب" أي ولا يلزم أنه إذا نفى الترتيب أثبت المعية. "وقيل إنه للترتيب" في مثل المسألة السابقة. "فقوله لا لترتيب" أي قول ابن الحاجب لا لترتيب "تنبيه على الخلاف" أي تنبيه على أن هناك خلاف في المسألة والخلاف يقول بل هي الترتيب فقال ابن الحاجب لا للترتيب. "وقوله ولا معية ؛لئلا يتوهم أنه ينفي الترتيب اشتراطًا للمعية" أي نفس ما قلنا قبل وهو أنا إذا قلنا ليست للترتيب فليس ذلك اشتراط منا أنها للمعية.
"لنا النقل عن أئمة اللغة أنها كذلك نقل أبو علي الفارسي أنه مُجْمَعٌ عليه وذكر سيبويه في خمسة عشر موضعًا من كتابه" أي من أدلتنا على أنها للجمع المطلق وهي مرتبة بين المعية والترتيب وتجمع بينهما وهذا هو قول الجمهور وابن الحاجب والشارح ، قال من أدلتنا النقل عن أئمة وأعلام من أهل اللغة على أنها كذلك فهذا أبو علي الفارسي _الحسن بن أحمد النحوي القارئ صاحب الإيضاح في النحو (ت 288)_ بل وزاد أنه انعقد الاجماع عند أهل اللغة على أنها للجمع المطلق ، وسيبويه هو _إمام النحو الأول الأوحد أبو بشير عمرو بن عثمان (ت177هــ)_ من تصانيفه هذا الكتاب الذي أشار إليه الشارح العضد المسمى بكتاب سيبويه واستدل في كتابه هذا لهذا القول أنها للجمع المطلق في خمسة عشر موضعًا وفي بعض نسخ الكتاب سبعة عشر موضعًا ولا يتوهم أنه يقصد بالكتاب هنا مثلًا كتاب الله سبحانه لظن أن المواضع منه لا كل ذلك غير صحيح.
قال "واستدل عليه بأنها لو كانت للترتيب لزم محذورات منها أنه يتناقض قوله تعالى (وادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة) مع الآية الأخرى وهو قوله (وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدًا) إذ القصة واحدة والتناقض في كلامه محال" أي واستدل ابن الحاجب بأنها لو كانت للترتيب لكان يلزم منها ما هو محذورات ومن هذه المحذورات : أولًا :التناقض في كلام الله سبحانه وذلك في الآيتين اللتين ذكرها قبل فكيف يقول في قصة قد وقعت وليس لها إلا صورة واحدة في وقت معين وهي أنهم إمام أن يدخلوا الباب ثم يقولوا حطة أو أنهم فعلوا العكس إذا قلنا إن الواو للترتيب أي لترتيب الدخول بعد القول أو القول بعد الدخول ولكن لا ، فالواو هنا ليست للترتيب لأن التناقض في كلامه سبحانه متناقض بل للجمع المطلق.
"ومنها أن لا يصح تقاتل زيد وعمرو إذ لا يُتَصَوّر في فعل يعتبر في مفهومه الإضافة المقتضية للمعية ترتيب" أي ومن المحذورات : ثانيًا :لا يصح في قولك تقاتل زيد وعمرو الدلالة على الترتيب فإن التقاتل مفاعلة بين اثنين فهو فعل يفهمنا إضافة التقاتل إلى المتقاتلين كزيد وعمرو وهذه الإضافة تقتضي المعية للاثنين في آن واحد وليس يتصور فيه الترتيب .
"وأنه صحيح باتفاق" أي وهذا السابق أعني المحذور الثاني وما فيه.
"ومنها أن يكون قولنا :جاء زيد وعمرو بعده تكرارًا لاستفادة البعدية من الواو" أي ومن المحذورات :ثالثًا : أن يكون قولنا (جاء زيد وعمرو بعده) فيكون قولنا بعده تكرارًا وليس تأكيدًا صالحًا بل كان ما أراده هنا في الجملة التأكيد بــبعده ولم يحسن منه ذلك فهو تكرار ؛لأنا فهمنا من الواو أن عمرو بعد زيد فبعده كَرَّرتْ لَنا هذا المعنى فهذا دليل على أنها بإطلاق لا تدل على الترتيب لعدم إدراك الترتيب عند عدم وجود دليل عليه وسيأتي. "وقولنا جاء زيد وعمرو قبله تناقضًا وهو مجيئه بعد الواو" أي وقولنا (جاء زيد وعمرو قبله) متناقض لأن ما بعد الواو وهو عمرو هو بعد زيد فإن كان قبله صار متناقضًا مع معنى البعدية بعد الواو فالصحيح أن تقول جاء عمرو قبل زيد ولا تأتي بالواو لأنها قد تكون للبعدية ، "وقبل لقبله" ما يكون قبل الواو وتريد إيصاله للسامع فتأتي به قبل الواو وهو هنا عمرو كما في المثال السابق.
"واللازم منتف باتفاق" أي المحذورات .
قال "والجواب غاية ما ذكرتم صحة إطلاقها من غير إرادة ترتيب" أي الجواب على ما تدعون هو أنها عندما تأتي في جملة مطلقة لا قرائن لها ولم يتصل بها ما يدل على معية أو ترتيب فإنها ليست للاثنين تمامًا أي ليست للمعية ولا للترتيب ، وإن جاءنا دليل على الترتيب فبالدليل أو بالقرينة نعرف الترتيب لا عند الجملة المطلقة التي فيها الواو ، وإن جاءنا أيضا دليل أو قرينة على المعية فتفيد المعية بسبب الدليل الذي جاءنا أو القرينة لا بإطلاق الجملة المشتملة على الواو.
"ولا يلزم كونه حقيقة فيه" أي ولا يستلزم أن يكون الترتيب حقيقة في الدلالة على الترتيب إذ إنه قد يكون المعنى للمجاز.
"غايته أن يقال المجاز خلاف الأصل" أي أنا وإن قلنا المجاز وهو هنا الترتيب خلاف الأصل.
"فنقول لكن يجب المصير إليه إذا دل الدليل عليه" فلا يصار إلى المجاز بمجرد إرادة مثلًا من المتكلم لا ، وإنما بالدليل الذي يدل على اعتبار للمجاز.
"وما سنذكره من أنه للترتيب يدل عليه" أي يدل على أن الترتيب مجاز في الواو عند إطلاقها في جملة مطلقة وسيأتي بيان ذلك.
"ولا يخفى عليك أن هذه معارضة لا تنفي صحة الدليل" أي اعتراضاتنا عليهم لا تنفي صحة أدلتهم بل أدلتهم صحيحة وذلك لاشتراك الواو في المعية والترتيب والجمع المطلق ولكنا نقول إنها الجملة المطلقة للجمع المطلق. قال "نعم لو تم" أي دليلهم لو تم فماذا سيحصل؟ قال "لتوقف دليلنا للتعارض فوجب الترجيح وأنه لا يتم كما سترى" أي لو كان دليلهم تامًا صحيحا على أن الواو في الحقيقة للترتيب والمجاز في ها هو المعية أو الجمع المطلق نعم لسقط دليلنا ووجب الترجيح ولكن ذلك لم يكن وما تم ولا أفاد ذلك وإنما يأتون في مواضع فيها الدلائل على المجاز وليست حقيقية بدون دلائل ويقولن دليل على الترتيب . ثم هو سيبين أدلتهم وينقضها دليلًا دليلًا.
"قالوا : أولًا قال تعالى (اركعوا واسجدوا) ففهم منه أن السجود بعد الركوع ولولاه لجاز الأمران" أي أن من أدلتهم على أنها للترتيب قوله تعالى السابق الذي عرفنا منه أن السجود بعد الكوع إجماعًا وقالوا لولا أن تكون الواو للترتيب لجاز الركوع قبل السجود أو السجود بعد الركوع وهذا باطل لأنه ليس مفهومًا من الواو_. "والجواب لا نسلم أن الترتيب فهم منه ولعله مستفاد من غيره إذ لا يلزم من موافقة الحكم للدليل كونه منه ولا من عدم دلالته مطلقا" أي الجواب على دليلهم وبطلانه أن الواو لم نستفد منها في هذا الحكم الترتيب من ذات الواو والإتيان بها وإنما من دليل من غيره كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه لا يلزم من أن تجد حكمًا من الأحكام الشرعية موافقًا لدليل عام من القرآن مثلًا أن يكون الحكم على نفس صورة الدليل وإنما استفدنا من الدليل الحكم لا الصورة ولذلك دائما يأتي بيان الصور في السنة ، ولا من أن الدليل بإطلاقه في وجود الواو فيه دل على الترتيب وقام الترتيب بذاك الإطلاق لجملة الواو.
"قالوا : ثانيًا لما نزل (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قال عليه السلام (ابدؤوا بما بدأ الله به) ،فصرح بوجوب الابتداء بما بدأ الله به ويفهم منه ترتيب الوجوب على ابتداء الله به ولولا أنه للترتيب لما كان كذلك" ثانيًا من الأدلة عندهم على أنها للترتيب هذه الأدلة السابقة وهي واضحة في أن التصريح بالبداءة بما بدأ الله به وفهم من ترتيب الله في الآية حكم هو وجوب الترتيب على ما بدأ الله سبحانه به فدل ذلك على أنه للترتيب.
"والجواب أنه لنا لا علينا فإن الترتيب مستفاد من قوله (ابدؤوا بما بدأ الله به) ولو كان الواو للترتيب لفهموه من الآية" أي والجواب على دليلهم هذا أنه دليل لنا لا لهم فإن الترتيب عرفناه من دليل آخر لا دخل فيه للواو وهو قوله عليه السلام ابدؤوا... ولو كان لحرف الواو معنى أولي عند الاطلاق في الترتيب لفهموا هذا المعنى من الآية _أو قد يكون القصد على الصحابة الذين رافقوا النبي في ذلك فإنهم لم يفهموا الترتيب من الآية وإن قلنا فهموا الترتيب من الآية ونتيجة حالهم أنهم ، "فلم يشكوا فيه فلم يسألوا فلم يحتاجوا إلى قوله ابدؤوا فلما سألوا علمنا أنها ليست للترتيب" فلما كان منهم كل ذلك علمنا عدم وجود معنى الترتيب في حقيقة الجملة المشتملة على عطف بواو.
"قالوا ثالثًا :خطب أعرابي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال" أي الأعرابي "(من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى) فقال صلى الله عليه وسلم (بئس خطيب القوم أنت قل ومن عصى الله ورسوله) ولولا أن الواو للترتيب لما كان بين العبارتين فرق فما كان للرد والتلقين معنى" هذا الثالث من أدلة القائلين أن الواو للترتيب وحاصله ما سبق وهو واضح في أن إنكار النبي عليه السلام على الأعرابي لما جمع الله ورسوله في ضمير متصل واحد هو (هما) ولكن بالواو يفهم أن الله سبحانه في مرتبة ثم النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة وذاك دليل الترتيب ؛ وظاهر إنكار النبي عليه السلام على ما بينا من الفرق وإلا لم يكن لرد النبي عليه السلام وتلقينه للأعرابي بما هو صحيح بالترتيب بالواو أي معنى.
"والجواب : لا نسلم عدم الفرق حينئذ إذ الإفراد بالذكر فيه تعظيم ليس في القران" أي ليس في المقارنة والاقتران والجمع "مثله فرد عليه لتركه التعظيم الذي كان يحصل بالإفراد لو أفرد" أي أن الإنكار لأجل الاقتران وجمع الله سبحانه ونبيه في ضمير متصل واحد وهذا الذكر ينقص التعظيم ويظهر التساوي بين الله سبحانه ونبيه صلى الله عليه وسلم فعندئذ ينبغي أن يصار إلى التفريق والإفراد لله سبحانه ثم نبيه عليه السلام بالذكر وليس الترتيب بالواو _مجرد تفريق لا عطف بواو أو صيغة معينة_ وفي التفريق أو الإفراد بيان للتعظيم والتفريق بين الله ورسوله.
"ويدل عليه أن معصيتهما لا ترتيب فيها لأن كلًا آمر بطاعة الآخر فمعصيته معصية لهما ولأنهما تطابقا في الأوامر طُرًّا" ومعصية الله أو رسوله هي في أي حالة معصية لله ولرسوله ولا ترتيب فيها كما سيلزم إذا قلنا بقولهم إن الواو هي التي أفادت الترتيب والتعظيم وليس التفريق فالله أو رسوله آمر بطاعة الله ورسوله ومعصية الله أو رسوله هي معصية لله ورسوله فتطابق الله ورسوله في الأوامر والنواهي جميعًا _وهنا ينبغي الإشارة إلى أن العضد قد ارتكب نفس ما ارتكبه ذلك الأعرابي وهو أن جمع الله ورسوله في ضمير في قوله (معصيتهما) وغيرها أيضًا ، وقال شيخنا ابن حميد بأن النهي قد يكون في حال الخطابة فقط لا في مثل حالتنا هذه. وأقول أيضًا إن العضد قد يكون وجد صعوبة في تحاشي ذكر الله ورسوله في ضمير واحد وقد وجدت هذه الصعوبة جدا أنا ولكن قد يكون العضد أفهم معنى أكبر وأقوى بالجمع في ضمير أكبر مما لو كان لم يجمع في ضمير واحد فقد يكون هذا جائزًا ولائقًا وسائغًا في التعليم والإفهام كحالتنا ثم إني وجدت حديثًا للنبي صلى الله عليه وسلم فيه هذا المعنى (ثلاث من كن فيه وجد بهن ... الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) فعندئذ نعرف أنه لا حرج إلا في الخطب_.
قال "قالوا :رابعًا لو قال قائل لغير المدخول بها : أنت طالق وطالق وطالق وقعت واحدة ولو قال :أنت طالق ثلاثًا وقعت الثلاث وما ذلك إلا بإفادة العبارة الأولى الترتيب فتبين بالطلقة الأولى فلا يبقى المحل قابلًا للثانية والثالثة" هذا الدليل الرابع للقائلين إن الواو للترتيب وهذا قولٌ ورواية عند المالكية في هذه المسألة ، قوله وما ذلك إلا بإفادة العبارة الأولى الترتيب أي قوله طالق وطالق وطالق الواو فيها للترتيب لأنها بانت منه بالطلقة الأولى فترتبت الثانية على الأولى واعتبرت الأولى فلا تقع الثانية على المحل وهو هنا المطلقة أي فلا تقع الثانية على المطلقة قبل الدخول لأنها بانت منه فكيف يطلق مطلقته البائنة ، ولم يكن للطلقة الأولى والثانية والثالثة جمع بينهم كلهم لا ، وإنما ترتبت هذه على هذه أعني الثانية على الأولى وهكذا وذلك بسبب الواو.
قال "ولا ترتيب في العبارة الثانية فلحقها الثلاث دفعة" أي في العبارة الثانية وهي قوله (أنت طالق ثلاثًا) لا يوجد فيها ترتيب وذلك لعدم وجود الواو فتأتي الثلاث طلقات مجتمعة فتكون بائنة منه بينونة كبرى وحتى إن كان قبل الدخول فلا يتزوجها ولو بعقد ومهر جديد لا وإنما حتى تنكح زوجًا غيره.
قال "ولولا أن الواو للترتيب لما كان بينهما فرق" ولو كانت الواو تفيد الجمع لما كان في التفريق بين المسألتين معنى إذ المسألة الأولى ظاهر فيها الترتيب بالواو والثانية ظاهر فيها الجمع بدون الواو.
قال "والجواب منع وقوع الواحدة في العبارة الأولى بل يقع الثلاث وهو الصحيح من مذهب مالك رحمه الله عند المصنف" وهذا الرد بالرواية الثانية في المذهب وهو الصحيح عند ابن الحاجب ولعل العضد يتبعه وهو واضح المعنى.
قال "فإن قيل فقد قال مالك رحمه الله أنها" أي الواو "مثل ثمُّ والاتفاق على أن ثمَّ للترتيب وأنه لا يقع بها إلا واحدة" أي إن قيل بنقل هذا عن مالك أن الواو للترتيب مثل ثم فالطلاق بالواو مثل الطلاق بـثم فيقع واحدًا كما قلنا قبل من أن الترتيب يجعل الطلقة الأولى تعتبر فتكون الزوجة بانت بالأولى ، والطلقة الثانية والثالثة لا تعملان لأنها مطلقة قبل الدخول فتبين بطلقة واحدة بينونة صغرى. (المهم هنا هو الاعتراض بأن مالكًا الذي تستدلون بما روي عنه فهو يخالفكم في معنى الواو أنها للترتيب مثل ثم).
قال "قلنا إنما قال ذلك في المدخول بها ولا يعني به أن الواو مثل ثم في المعنى بل في الحكم" أي أن مالكًا ما قال هذا مطلقًا في كل واو وإنما فقط في مسألة (المدخول بها) وهي تختلف عن (غير المدخول بها) التي كنا نتكلم عنها فيما سبق لأنها لا تبين بواحدة بينونة صغرى ، لا ، وإنما تكون مطلقة ثلاث طلقات وذلك كان بالواو التي هي هنا بمعنى ثم في المدخول بها فاعتبرنا الطلقة الأولى ثم الثانية التي عقبتها بالواو ثم الثالثة كذلك فبانت المدخول بها بينونة كبرى وليست مثل السابقة التي اعتبرنا فيها الطلقة الأولى أما الثانية والثالثة فلم نعتبرها ،لا هذا لم يكن وإنما اعتبرنا الكل لجعل الواو بمعنى ثم هنا في هذه فقط _وهذا قول مالك في هذه فقط ليبين أن الواو في هذه المسألة فقط بمعنى ثم فيعلم تلاميذه مثلًا ما يقصد ولا يكثر الكلام لهم أو ليزيد لهم المعنى والتفهيم_.
قال "فيقع الثلاث ولا يُنَوّى في التأكيد تنوية أي لا يوكل إلى نيته إذا قال أردت به التأكيد إرادة أن لا يقع إلا واحدة" أي لا يسأل عن نيته في المسألة ولا تعتبر النية إذا قال أنا أردت بالواو التأكيد على ألا يقع الطلاق إلا بطلقة واحدة.
قال "لأن التأكيد يؤتى بغير الواو غالبًا والواو ظاهر في التعدد ومثله لا يعتبر فيه النية" أي أن التأكيد يكون بغير حرف الواو غالبًا وقليلًا بالواو _كجوابي لمن ينكر صلاتي مثلًا والله إني صلّيتُ وصلّيتُ وصلّيت تأكيدًا_ ، وحرف الواو ظاهر في التعداد والتنوع والمغايرة وليس الإعادة والتكرار وهذا الحرف بما يغلب عليه يعتبر وليس بما يكون في قائله من نية.
...
..
.
قال ابن الحاجب "الحكم : قيل خطاب الله" قال الشارح "قد بين الحاكِمَ وأنه هو الشرع"
أي من قبل هذه المسألة بين ابن الحاجب أن الحاكم هو الشرع عندنا لا غيره. "فشرع في أبحاث الحكم وقد لزم مما بين أن الحكم إنما هو الحكم الشرعي" وليس غيره من الأحكام العقلية أو اللغوية ونحوهما. "فأخذ يتكلم في حده وأقسامه ومسائل تتعلق بأقسامه . فهذا حده قيل :هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ، فالخطاب :توجيه الكلام نحو الغير للإفهام" شرع في تعريف الخطاب وهو يريد الآن شرح مفردات التعريف السابق كل على حدا فعرف الشارح الخطاب ،ثم قال عن الخطاب "وبإضافته إلى الله خرج خطاب من سواه" أي أنه احترز بإضافة الخطاب لله فخرج خطاب من سواه . "إذ لا حكم إلا حكمه ،والرسول والسيد إنما وجب طاعتهما بإيجاب الله إياها" أي أنه لو جاء شخص وسأل كيف تقولون أن الحكم هو خطاب الله سبحانه ونرى أن من الأحكام خطاب النبي لنا وخطاب السادة لعبيدهم وهي أحكام شرعية والمعصية فيها على العاصين للنبي عليه السلام أو السيد فيها ذنب وسيئة؟؟ فنجيب ونقول بما أجاب به العضد : إنما ذلك بإيجاب الله على الإنسان طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعة سيده إذا كان عبدًا لسيد وليس طاعة النبي أو السيد منفكة عن طاعة الله سبحانه.
قال "وقوله المتعلق بأفعال المكلفين خرج ما ليس كذلك" أي خرج كل خطاب من الله سبحانه غير متعلق بأفعال المكلفين. قال "ولو قال بفعل المكلف لكان أحسن ليتناول ما لا يعم من أحكامه" أي من أحكام الله "كخواص النبي صلى الله عليه وسلم هكذا قيل" أي أن خواص النبي من أحكام المتعلقة بأفعال المكلفين والنبي عليه السلام من المكلفين فما خرجت خواص النبي عليه السلام من دائرة أفعال المكلفين وهي لا نريدها نحن في تعريفنا حيث إنها خاصة بالنبي عليه السلام فليست لكل المكلفين _وهنا وجه الاعتراض من العضد على ابن الحاجب ، (وفي الحقيقة إنها تشمل حتى أفعال النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة هي تحت الحكم الشرعي حيث إنه مثلنا في خطاب الشارع له لأنه بشر وزيادة أنه معصوم وما تميز به من الأمور صلى الله على وسلم لا تخرجه من خطاب الشارع له ولكن هذا الخطاب يكون موجهًا لواحد هو صلى الله عليه وسلم ). وقيل أن هذا مثل قول الرجل زيد ركب الخيول ، يصح هذا القول وإن كان زيد ما ركب إلا خيلًا واحدًا يتعلم كيفية الركوب وتوابعها على واحد والله أعلم_.
قال "فورد عليه مثل قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) فإنه داخل في الحد وليس بحكم" أي دخل تحت هذا التعريف مثل قوله تعالى السابق فإنه داخل في الحد المذكور بكل قيوده وهو (خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين) يدخل تحته قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) فيصير معنى الآية بحسب التعريف السابق أن الله (خلقنا وأفعالنا) فهي من ضمن الأعمال والأعمال هي اللفظة المذكورة في الآية ، الخلاصة _أن صار ما في الآية : خطاب من الله سبحانه متعلق بأفعالنا_ ،وليس هذا السابق بحكم شرعي باتفاق عند العلماء والأصوليين بل هو مجرد خبر فكيف يصح هذا التعريف. قال "فبطل طرده" أي أن التعريف صار غير مانع وصار جامعًا فقط _كما قلنا في معنى الاطراد سابقا في مسألة دخول المقلد في حد الأصول والأحكام التي يعرفها المجتهد_. قال "فزيد عليه قيد يخصصه ويخرج عنه ما دخل فيه" أي ليصبح جامعًا مانعًا. قال "من غير أفراد المحدود" أي ليكون التعريف مخرجًا كل ما ينبغي إخراجه ويبقي فقط أفراد التعريف المرادة ليحصرها ويكون دالًا عليها فقط بالإجمال. قال "وهو قولهم بالاقتضاء أو التخيير ،فقالوا المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير" أي زادوا على التعريف السابق (بالاقتضاء أو التخيير) فصار التعريف للحكم الشرعي : خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير ،فخرج بقولنا بالاقتضاء أو التخيير ما هو مثل قوله تعالى (والله خلقكم وما تعملون) لأن الآية وشبيهاتها ليس فيها حكم متعلق بأفعالنا فيه اقتضاء أو تخيير أي ليس فيه طلب فعل أو ترك أو رفع حرج مثل الإباحة التي نحن مخيرون فيها بين الفعل والترك وهكذا.
قال "ليندفع النقض" أي الفساد في التعريف والحد أو التناقض الموجود في قولنا الحد هكذا مثلاً وهو ليس كما قلنا كأن أقول لك الحكم هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ، وإن دخل تحته ما جاء في الآية السابقة فهو ليس منه ، فأقول لك مثلًا بعدما تنتهي ما هذا التناقض كيف تقول معنى يشتمل على جزء منه ثم تقول هذا الجزء ليس منه ، فلما جئنا بقيد بالاقتضاء أو التخيير ينفع عنك هذا التناقض بأن لا يدخل ما في الآية السابقة.
قال "فإن قوله (والله خلقكم وما تعملون) ليس فيه اقتضاء ولا تخيير وإنما هو إخبار بحال له" سبحانه.
"فورد عليه كون الشيء دليلًا وسببًا وشرطًا من أحكام لا اقتضاء فيها ولا تخيير" أي أنا لما قلنا بالقيد الذي هو الاقتضاء أو التخيير جاءتنا مشكلة ومعضلة لم تأتينا هذه المشكلة ونحن صامتون ولم نزد الاقتضاء والتخيير. وهذه المشكلة هي أنه لن يدخل في التعريف بزيادة الاقتضاء أو التخيير ما هو بطريق الوضع ككون الشيء سببًا موضوعا مثلا لحكم شرعي تكليفي ونحو ذلك _فإن هذا الذي من طريق الوضع هو حكم شرعي. قال "فإنها تخرج من الحد مع أنها من أفراد المحدود" أي لم يكن الحد جامعًا فإن هناك أفرادًا لم يجمعها وهي الوضع كما قلنا. قال "فبطل عكسه" كما قلنا لم يصر جامعًا. قال "فزيد عليه ما يعممه فيدخل فيه ما خرج عنه من أفراد المحدود وهو قولهم الوضع فقالوا بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع" أي زدنا عليه ما يجعله جامعًا يعم كل أفراده الذي خرجوا بالقيد الذي زدناه قبل قليل (الاقتضاء أو التخيير) ، وهذه الزيادة المناسبة التي تجعله جامعًا حقًا هي قولهم في التعريف (أو الوضع) أي بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع.
قال "فإن الأحكام التي ورد بها النقض كلها من وضع الشارع وتحصل بجعله" أي وليس لقائل أن يقول إنها ليست من وَضعِ وجَعلِ الشارع وإنما من عقولنا مثلًا عرفنا أنها سبب أو شرط أو دليل ،لا هذا غير صحيح وإنما هي من وضع وجعل الشارع وإن لم يكن وضعه بطريقة مباشرة.
قال "وعند ذلك استقام الحد لاطراده وانعكاسه" أي صح التعريف لأنه أصبح جامعًا مانعًا لأفراده.
قال "ومنهم من لم يزد هذا القيد" كالرازي فإنه لم يزد هذا القيد الأخير وهو الوضع _والرازي هو الفخر الرازي محمد بن عمر التيمي الشافعي المذهب عمود من أعمدة علم الأصول ومتأثر بعلم الكلام صاحب كتاب المحصول في علم الأصول وهو المتوفى في العام السادس بعد المئة السادسة_ ، قال "وادعى أن هذه الأحكام لا ترد نقضًا فتارة يمنع خروجها عن الحد وتارة يمنع كونها من المحدود." أي لم يزد قيد الوضع لأنه يقول تارة إن الوضع أو الأحكام الموضوعة كجعل الشيء سببًا أو شرطًا إنها من ضمن التكليفية التي بالاقتضاء أو التخيير فلا تخرج عن الحد فلا نحتاج للزيادة بالوضع ،وتارة يقول إنها ليست من ضمن الأحكام الشرعية وسيأتي البيان.
"أما الأول" أي قوله الأول بأنها من ضمن ومن أجزاء الحد والتعريف. ":فقيل إنها لا تخرج بل خطاب الوضع يرجع إلى الاقتضاء أو التخيير" أصلًا فلماذا نزيد بقولنا أو الوضع والوضع موجود في الاقتضاء أو التخيير، "إذ معنى جعل الشيء دليلا اقتضاء العمل به" أي أن الدليل مثلًا أو السبب أو الشرط مقصود في الحكم التكليفي وليس منفكًا عنه فنقول هذا حكم وهذا حكم لا بل هو ضمنه ، (يكون عمل الواجب التكليفي مثلًا به أي بالدليل أو السبب أو الشرط) (وأيضًا بنفس الأمر الواجب الذي ننتهي إليه مثلًا أو المستحب أو المحرم) فصارا كلاهما من الاقتضاء أو التخيير ومن الأمثلة على ذلك. قال "وجعل الزنا سببًا لوجوب الجلد هو وجوب الجلد عند الزنا" نطبق الآن ما ادعاه الرازي وغيره فنقول إن الحكم التكليفي كوجوب الجلد مثلًا هو نفسه الزنا أي أنه هو الذي وُضِع سببًا لحكم الجلد فإن الجلد بسببه فهو جزء من أجزاء وجوب الجلد وهو الزنا كما أن العصا جزء من أجزاء الضرب ، في النهاية هي أمر واحد وقول واحد وهو (أوجبت عليك أن تجلد الزاني) ولا نقول وجوب الجلد هذا حكم وسببه الزنا هذا حكم ،لا. "وجعل الطهارة شرطًا لصحة البيع جواز الانتفاع بالمبيع عندها وحرمته دونها وعليه فقس" أي وكذلك الطهارة واشترطها لحكم جواز الانتفاع بالمبيع باشتراطها أو يصير الحكم حرامًا إذا لم تشترط فتعلقت الطهارة بالحكم وهو الجواز تعلقًا ضمني يجعلها ضمن الحكم ومنه ، "والحاصل أن مرادنا من الاقتضاء والتخيير أعم من الصريح والضمني وخطاب الوضع من قبيل الضمني" الضمني هو عكس وضد الصريح وقوله الاقتضاء والتخيير أعم من الصريح والضمني أي أعم من أن يكون له قسمان فقط قسم واضح يفهم منه شيء واحد ولا يلبس وقسم ضمني عكسه يكون مما هو داخل فيه وغير ظاهر . قال وخطاب الوضع من قبيل الضمني أي شبيه به فهو داخل تحت الاقتضاء والتخيير وغير مراد بالمعنى الأولي الذي يقصد به الوجوب مثلًا أو التحريم ونحوه.
قال "وأما الثاني" الثاني أي الشق الثاني من مراد الرازي وغيره لما قالوا تارة ندخله ضمن المحدود والتعريف ضمنًا لا أن نجعله شيئًا آخر ،وتارة _وهذا الثاني المقصود هنا_ لا نجعله أصلًا من المحدود والتعريف. قال "فقيل إنه ليس بحكم ونحن لا نسمي هذه الأمور أحكامًا وإن سماها غيرنا به فلا مشاحة في الاصطلاح." أي أنه بإخراجه الوضع من التعريف وعدم جعله ضمنه ليس فقط لأنه يقول إن الوضع ضمن الاقتضاء والتخيير بل قد أريد إرادة في مرة من المرات بأن هذا الوضع ليس من الأحكام أصلًا وسمه أي اسم آخر كأن تقول هذا سبب وليس السبب حكمًا وضعيًا وإنما هو سبب وهكذا ، وإن سماه غيرنا حكمًا وضعيًا ، ولا مشاحة أو ضرر أو ثمرة تجنى من الاختلاف في التسمية والاصطلاح عليها بقول واحد.
قال "واعلم أن الحد الأول للغزالي" أي أن الحد الأول وهو قوله خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين. إلى هنا فقط هذا تعريف الغزالي. قال "ويمكن الذب عنه" الدفاع عن هذا القول بأن الاعتراضات مثلًا لا ترِد عليه لماذا. قال "؛ بأن الألفاظ المستعملة في الحدود تعتبر فيها الحيثية وإن لم يصرح بها" أي ما يتعلق بالتكليف وما هو منه معتبر وإن لم يصرح به أو يذكر في التعريف. "فيصير المعنى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث أنهم مكلفون ،وقوله (والله خلقكم وما تعملون) لم يتعلق به من حيث هو فعل مكلف" أي بحيث أنه تكليف وهنا في الآية لا تكليف وإنما في الآية بيان أن هناك أفعال متعلقة بمكلفين فقط لكن ليس فيها تكليف لهم بما يعرف به التكليف أن فيه مشقة أو طلب تغير من المعتاد _(أو عنت عند من يظن أن بعض التكاليف فيها عنت وقد كذب والله) فهذا هو التكليف حقًا وأما خطابات الله سبحانه فما أكثرها كمثل الأخبار وليست بتكاليف وهذه معلومة عند أبسط العقول ،_وهذا حقيقة وجه صحيح قوي إذ كيف تريد مني أن أذكر لك كل معنى قد لا تعرفه لكل كلمة عرّفتُ بها المفردات فإني بذلك لن أتوقف عن التعريف وتعريف مفردات التعريف للاحتراز ونحوه ،وهكذا من بيانها وذكر أنواعها. فاسمع : فإنا قد نصل إلى مثل هذه النتيجة بــ : أن قد يكون هناك نوع متفرع من نوع من جنس كلمة هي معنى ثان من معاني كلمة في أصل التعريف مثلًا فكيف تطالبني أن أفهمك مثل هذه لبعدها وللفهم الأولي من الكلمات الأولى أو أن تريد مني أن احترز بذكرها عن أن أقع في عكسها مثلًا_.
قال "؛ولذلك عم المكلف وغيره". أي بعدم اعتبار الحيثية سيعم المكلف وغيره بل قد تصل إلى الحيوانات من باب التغليب في العموم الذي يريدون فتحه.
..
.
قال ابن الحاجب :"وقيل الحكم خطاب الشارع" قال الشارح :"قال الآمدي :الحكم : خطاب الشارع بفائدة شرعية فخرج خطابه بغيرها كالإخبار بالمحسوسات والمعقولات." أي أن الحكم هو ما كان خطابًا من الله سبحانه وأفاد هذا الخطاب فائدة شرعية لا خبرية أو لغوية أو عقلية ونحو ذلك من غير الفوائد الشرعية والحكمية ، مثال ذلك ما أخبر به الله سبحانه عن الأمم السابقة أو ما يدركه الإنسان بعقله كربط البعث بالخلق الأول ونحو ذلك. "قال في المنتهى إن فَسَّر أي الفائدة الشرعية بمتعلق الحكم فدور" أي أن ابن الحاجب قال في مختصره الأول السابق لهذا ، الذي اختصر هذا منه فكتاب ابن الحاجب هذا هو الاختصار الثاني ، قال :قال ابن الحاجب: إن فسر الآمدي الفائدة المقصودة في تعريفه السابق بمتعلق الحكم فهذا دور ، حيث إننا لا نتصور المتعلق حتى نتصور الحكم والحكم لا نتصوره حتى نتصور المتعلق ، فعنده الحكم هو ما فيه فائدة حكمية والفائدة هي ما كان حكمًا مفيدًا !،وكأننا قلنا إن الحكم الشرعي هو ما يفيد حكمًا شرعيًا وهكذا. "،ولو سُلِّمَ فلا دليل عليه أي في اللفظ" أي ولو سلمنا بأنه لا يوجد دور في أن الحكم شيء ومتعلقه شيء فلا دليل على هذا التفسير في اللفظ أي في التعريف. قال "وإلا ورد على طرده" أي وإلا لاعتُرِضَ على التعريف في جمع لمفرداته. ؛لأننا قلنا التعريف يجمع مفرداته ثم يمنعها من الخروج بالتقييد ومنع الانفكاك عنه. قال "الإخبار بما لا يحصى من المغيبات" أي سيكون جامعًا لما ليس منه مثل الإخبار بما لا يحصى من المغيبات أي غير الأخبار الحسية أو المعقولة أخبار أخرى في المغيبات كقوله تعالى في الروم (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) مثلًا . "فزيد : (تختص به) أي لا تحصل إلا بالاطلاع عليه ولا دور" أي زِيدَ عليه قيد ليكون أقل جمعًا لما ليس منه حتى لا يقصد به الأخبار المحسوسة ولا المعقولة ولا حتى الغيبية وليكون أمنع ،زاد عليه (تختص به) أي هذه الفائدة تحصل بالاطلاع على ذلك الخطاب فقط لا بالاطلاع على غيره فتخرج عندئذ الوهم بأن الحكم قد يشمل المغيبات ، (وبعد ذلك ليس لقائل أن يقول إن هناك دور وهو أن معرفة الحكم الذي تختص به فائدة مختصة به يتوقف على الفائدة المختصة به والفائدة المختصة به معرفتها تتوقف على معرفة الحكم الذي به تلك الفائدة المختصة به ،فكيف تقولون هذا ، أنتم بهذه الطريقة ما جعلتمونا نعرف الحكم حقًا) ، لا لا ليس لقائل أن يقول هذا الكلام الذي سبق ؛لأنك ستقول الفائدة المختصة لن نعرف حصولها إلا بما يذكر في الحكم والحكم كذلك لن نعرف حصوله إلا بالفائدة المختصة به نعم إن ما سبق صحيح في معرفة الحصول الفائدة والحكم ،ولكن هذه ليست نقطت بحثنا وإنما نحن نقول شيئًا آخر وهو أن الفائدة ليس معرفتها متوقفة على معرفة تصور هذا الحكم ومفهومه لا حصوله أصلًا ، وانظر إلى بيان العضد إذ يجلي ويوضح لك المسألة حيث قال : "؛لأن حصول الشيء غير تصوره ، وهذا حكم إنشائي إذ ليس له خارجي." أي ليس خبريًا وإنما إنشائي إذ ليس له وجود خارجي حيث إنه يُنْشِئُهُ الإنسان حاليًا في وقت حاله الذي يتكلم به فورًا وليس هو سابق قديم كالأخبار _جاء في بعض نسخ شرح العضد قوله (وهذا حكم كل إنشائي ، فيعم وقـتـئذ كلامنا هذا وكل إنشائي أيضًا.
قال "واعلم أن له أن يفسرها بتحصيل ما حصولها بالشرع دون ما هو حاصل ورد الشرع به أم لا لكنه يعلم بالشرع." أي أن له أن يفسر الفائدة بتحصيلها بالشرع من قِبل المكلف المستفيد للفائدة وليس الذي قاله المعترض من أن حصول الحكم الشرعي نفسه بالفائدة والفائدة أيضًا لا تحصل إلا بحصوله نعم هذا صحيح ، _كما مر معنا قبل_ ، ولكن ليس هذا الذي نقصده ، بل إننا قصدنا الأول وهو التحصيل وعندئذ لن يقع الحرج والدور والتوقف المذكور .وللآمدي عندئذ أن يقول إنها على التحصيل المذكور سابقًا من المكلف. _وهذا انتصار لقول الآمدي_. قال " وحينئذ يكون كما قال ،وهو مطرد ومنعكس لا غبار عليه." أي يصح ذلك والتعريف يكون مانعًا جامعًا لا غبار عليه.
_ ما بعد هذا من كلام العضد يُقرأ قراءة للفائدة حيث إنه لا فائدة كبيرة منه في نفس كلامنا وموضوعنا الأصولي لأنه في التفريق بين الخبر والإنشاء فمن أراد قراءته فسيستفيد في هذا الباب وإننا فهمنا المقصد من كلام ابن الحاجب بالشرح السابق من العضد فلا حاجة لنا للزيادة المذكورة في مباحث أخرى ثم إننا (لسنا بمكلفين بها في الامتحان)_.
..
.
قال ابن الحاجب "فإن كان طلبًا لفعل غير كف" قال الشارح "هذا تقسيم للحكم."
أي الكلام الذي سيأتي هو في تقسيم الحكم الشرعي. قال "والحكم إما طلب أو غير طلب" أي والحكم الشرعي إما تكليفي أو مباح ووضعي _إذ إن المباح حكم شرعي ليس فيه تكليف وستأتي مسألته_ ، "أما الطلب فإنما يكون لفعل" أي الحكم الشرعي التكليفي الذي فيه طلب يشمل كل الأحكام الشرعية التكليفية ما عدا الإباحة _كما سيأتي بيانه_ ،فيطلب منا أن (نفعل فيه فعلًا) هو أداء وائتمار له أو كف عنه فنترك. "؛لأنه المقدور دون عدم الفعل وسيأتي" أي الذي يُطلَبُ منا فعلٌ فيه يكون إما بالإتيان والائتمار للأمر أو الكف عن ما نهى كل ما يُطلب مقدور على أدائه أو تركه ، وبيان أن الفعل هو المقدور وعدم الفعل ليس مقدورًا عليه كل هذا سيأتي في مسألة سيعقدها وهي في أن لا تكليف إلا بفعل والمعتزلة وشيخهم أبو هاشم الجبائي يقولون أن عدم الفعل هو النهي وعندنا هنا أن عدم الفعل غير مقدور عليه وأما النهي فهو طلب فعل هو الكف بخلاف المعتزلة _وأبو هاشم الجبائي المعتزلي شيخ المعتزلة ومن أبرزهم يعرف كثيرًا بالجبائي ويعرف أحيانًا بأبي هاشم توفي ببغداد قبل وفاة ابن دريد الأديب بساعة عام 321 هــ_. قال "،والفعل إما كف وإما غير كف" بيناه قبل في أن الفعل الذي يُطلب منك إما أن يكون ،كف عن ما نهى أو عكس ذلك وهو والإتيان والائتمار للأمر وأداؤه على ما طلب. قال "وعلى التقديرين لا بد أن ينتهض الإتيان به سببًا للثواب" أي وعلى تقديري الفعل :وهو الكف أو عكسه وهو الاتيان والائتمار للأمر ينتهض أي يقوم ويكون الإتيان به سببًا لحصول الثواب بذلك الإتيان أو الكف وسواء كان في دائرة الوجوب أم الندب، قال "؛لأنه طاعة" أي الاستجابة للأمر بالتقديرين المذكورين طاعة لله سبحانه. قال "وأما تركه في جميع وقته فقد ينتهض سببًا للعقاب وقد لا ينتهض" وترك الاتيان والائتمار للأمر أو عدم الكف عن المنهي قد يكون سببًا للعقاب إذا تركه في جميع الوقت سواء كان (مؤقتًا إذا انتهى وقته) (أو غير مؤقت بالموت _والتراخي عند القائلين بالفورية في غير التوقيت مع التمكن_) مثلًا ، وهذه تجري في الواجبات. وقد لا يكون الترك سببًا للعقاب بأن تكون في المندوبات ؛لأن المندوبات فيها طلب غير جازم كما سيأتي فترك الطلب الغير جازم فيها لا عقاب عليه ، _(وأيضًا عند التأمل في مثل خمس حالات مثلًا وقد تزيد :أولًا :إذا لم يكن مؤقتًا ولم يمت _أو كان له عذر في التراخي عند من يوجب على الفور_ في الحج مثلًا فإن الترك هنا ما كان سببًا للعقاب. ثانيًا :أو أنه قد لا يكون هذا الترك هو السبب في العقاب وإنما لشرك بالله سبحانه في هذا الأمر مع أنه فعله أو عدم صحة مثلًا ونحو ذلك مما يلغي كل شيء ويجلب العقاب _والعياذ بالله_. ثالثًا :أو أنه ليس بسبب هذا الترك فقط وإنما بسبب آخر أيضًا معه كأن لا يصلي ويجاهر بترك الصلاة مثلًا فاستحق العقاب لمجموع الأمرين معًا _ونعلم أنه بالأول منهما وهو الترك للصلاة يستحق العقاب إذا انتهى وقت الصلاة لكن العقاب الذي حصل كان لمجموع الأمرين أي مع المجاهرة فلم يكن لسبب واحد ،وهذا هو المقصد وإلا فهذا المثال في شقه الأول وهو ترك الصلاة في جميع الوقت سبب للعقاب ولكن بينا أن المضاعفة مثلًا ما كانت لترك الصلاة فقط وإنما لِمَا زاد من المجاهرة ،والعقاب قد لا يتجزأ وإنما يزيد ويحسب بالجملة مع الزيادة فهو بذلك له علاقة بترك الصلاة إلا بالإضافة إلى المجاهرة وليس للترك لها فقط_. رابعًا :أو أنه ليس بسبب هذا الترك أبدًا وليس بإضافته مع سبب وإنما بسبب الأمر الآخر فقط ،استحق العقاب كأن يشرب خمرًا قبل دخول الصلاة ثم أفاق بعدها فهو ما ترك الصلاة بالعمْد ظاهرًا. خامسًا :أو أنه مخير في ثلاث أمور مثلًا فتركه للأول ليس سببًا لعقابه وإنما تركه لمجموع المخير فيها كان ذلك سببًا لعقابه كخصال الكفارة. _والله أعلم_ (ولا دخل للترك المعين وحده فقط في جميع الوقت في أن يكون سببًا للعقاب في كل هذه الأمثلة السابقة ونحوها) ،وهذا معنى قوله وقد لا ينتهض)_.
قال "فهذه أربعة أقسام" أي في الثواب ذكرنا تقديرين وفي العقاب تقديرين فمجموعها أربعة أقسام ،أو أنها أربعة أقسام في تقسيم الحكم إلى : أولًا طلب وغير طلب ،وثانيًا الطلب إلى فعل وغير فعل ،وثالثًا الفعل إلى كف وغير كف ،ورابعًا الكف وغير الكف إلى إتيان بما طلِبَ فيهما أو ترك لما طلِبَ فيهما _والله أعلم_ ، أو أن المقصد بالأربعة ما في الجملة الآتية في الأحكام الأربعة التكليفية الطلبية.
قال "فإن كان طلبًا لفعل غير كف ينتهض تركه في جميع وقته سببًا للعقاب فوجوب" إن كان طلبًا لفعل هو غير وعكس الكف وهو الاتيان والائتمار للأمر وكان تركه للفعل (إن كان مؤقتًا في جميع وقته ، أو غير مؤقت فبالموت _أو التراخي عند القائلين بالفورية في غير التوقيت مع التمكن_) فأدى ذلك إلى العقاب ، فالخلاصة أن هذا هو الوجوب وهو الذي يكون طلبًا لفعل وهذا الفعل إذا تُرِكَ في جميع الوقت يعاقب عليه العبد ، قال "وإن انتهض فعله خاصة سببًا للثواب فندب." أي إن كان في فعله فقط ثواب _وفقط هنا هي معنى قوله خاصة_ دون النظر إلى العقاب فهو ندب حيث إنه لا نظر إلى العقاب في المندوبات والمكروهات.
قال "وإن كان طلبًا للكف عن فعل ينتهض ذلك الفعل سببًا للعقاب فتحريم" أي إن كان طلبًا لفعل هو الكف وهو الانتهاء والترك لمنهي وكان فعل ذلك المنهي سببًا للعقاب ، فالخلاصة أن هذا هو التحريم وهو الذي يكون طلبًا للكف عن فعل وهذا الفعل إذا فُعِلَ يعاقب عليه العبد _وهنا تساؤل ونظرة في ألفاظ العضد حيث قال قبل في تعريف الوجوب قال (وإن كان طلبًا لفعل غير كف) فلم لم يقل هنا في التحريم (وإن كان طلبًا لفعل هو الكف) ولعله أراد أن يبين دخول الكف ضمن الأفعال حيث إن الكف قسمه قبل من ضمن الأفعال فلم يذكر الفعل عنها بجعله جنسًا للكف وغير الكف_ ، قال "وإن انتهض الكف خاصة سببًا للثواب فكراهة." أي إن كان في تركه فقط ثواب _وفقط هنا هي معنى قوله خاصة_ دون النظر إلى العقاب فهو كراهة حيث إنه لا نظر إلى العقاب في المكروهات والمندوبات.
"وأما غير الطلب :فإن كان تخييرًا بين الفعل والكف عنه فإباحة ،وإلا فوضعي." وأما غير الطلب في كلامنا السابق فإن كان فيه تخيير بين الفعل والترك فهو إباحة _وهنا تساؤل في لفظ العضد هذا أعني (الفعل والكف) فإنه قال قبل في تقسيم الفعل إلى كف وغير كف ،فلم لم يذكر ذاك ههنا أو يذكر هذا هناك وما وجدت حقيقة في هذا التغير فائدة إلا أن يكون قد أراد أن يبين أن غير الكف هو الفعل نفسه والله أعلم_. وإن لم يكن التخيير السابق فهو وضعي.
"وههنا نكتة وهي :أن الحكم كما علمت نفس خطاب الله تعالى فالإيجاب هو نفس قوله افعل" وههنا فائدة ونقطة تفيد هي متعلقة بكلامنا السابق لكنها ليست بأصل فيه وهي أن الحكم الشرعي كما سبق أنه هو ذات ونفس خطاب الله سبحانه فلفظ الإيجاب بهذه الصيغة هو نفس وذات قول القائل افعل وليس ذات الفعل مثلًا أو غير ذلك. "وليس للفعل منه صفة حقيقة." وليس للفعل وهو الوجوب من الإيجاب من الله سبحانه تعلق به سبحانه صفة حقيقية حيث إنه فعل مكلف فكيف تضيفه إلى الله بوصف حقيقي إليه سبحانه وما كان الفعل منه سبحانه وتعالى. "فإن القول ليس لمتعلقه من صفة لتعلقه بالمعدوم" فإن القول كالأوامر ليس لمتعلقه أي الفاعل له الآمر من اتصاف ووصف فيه وإنما أنه فاعل له آمر ،فبالتعميم للآمر والأمر المفعول يكون المعدوم الغير موجود متصفًا بصفة ليست فيه والموجود متصف والموجود مسلّم به لكن المعدوم لا .
بمعنى آخر أي لحصل للمعدوم اتصاف به بمجرد أنه مذكور عن شيء ومسمى به وهو مخصوص لا علاقة له به. "وهو إذا نُسِب إلى الحاكم سمي إيجابًا وإذا نسب إلى ما فيه الحكم وهو الفعل سُمِّيَ وجوبًا" هذا بيان ما أراده أنه إذا نسب إلى الحاكم بأن تفكر وتحاول تنزيله في الحاكم به وتنظر له من شق وجهة هذا الحاكم به فقط فإنك تقول إيجابًا من الله الحاكم به سبحانه وإن أردت تنزيله على نفس الفعل المفعول فإنك تقول وجوبًا بمعنى أن تقول هذا فعل وهو أمر وهذا فاعل له وهذا أمر وإلا فإن الذات واحدة وهي الوجوب المُوجَب. "وهما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار" كما قلنا أن الذات واحدة وهو الوجوب المُوجَب، لكن اختلفت نظرتنا وجهة اعتبارنا. "فلذلك تراهم يجعلون أقسام الحكم الوجوب والحرمة مرة والإيجاب والتحريم أخرى ،وتارة الوجوب والتحريم كما فعله المصنف." أي الأصوليون يقسمون باعتبارات مختلفة وهذا سائغ ولا شيء فيه وهو مجرد اختلاف في الاعتبار فقط وهو بمراعاة في جانب الفعل مثل الوجوب والحرمة أو مراعاة في جانب الفاعل وهو الإيجاب والتحريم من الحاكِم الموجِبِ المحرِّمِ وأحيانًا مراعاة جانب الفعل والفاعل كالوجوب عن الفعل والتحريم عن الفاعل.
وقد نبه المصنف" أي ابن الحاجب "على فائدتين:
إحداهما :أن ما ذكرنا"
أي ما ذكرناه في التعاريف السابقة "بناء على أن الطلب دائمًا لفعل" وغير الفعل لا يطلب كما ذكرنا قبل "ففي النهي الكف" أي عن الفعل _وهذا طلب_ "وفي غيره غيره" أي وفي غير النهي وهو الإيجاب معنى قوله غير كف "وأما من يرى أن الترك نفي الفعل وهو أن لا يفعل" المخالف الذي يقول إن النهي غير فعل ونفي الفعل وعدم الفعل "فَيَطرَحُ في الوجوب قوله غير كف لأنه كان لإخراج التحريم" أي فيترك في تعريف الوجوب وأيضًا تعريف الندب كما مر معنا سيترك أن يزيد في التعريف غير الكف لأن غير الكف المراد بها إخراج التحريم والكراهة كما قلنا فعندما يقول النهي غير فعل وعدم فعل فإنه لن يحتاج إلى القول في تعريف الوجوب غير الكف لأنه خرج أصلًا بقوله غير فعل. "معتقدًا أنه طلب فعل لكنه كف ويقول في التحريم إن كان طلبًا لنفي فعل.
الثانية :أن الواجب إذا كان وقته موسعًا فستعلم أنه لا ينتهض تركه سببًا للعقاب إلا إذا تركه في جميع الوقت ، فنبه"
أي المصنف ابن الحاجب "عليه بقوله :في جميع وقته لئلا يتوهم أنه قد يترك" في أول وقته مثلًا "ولا عقاب" لأنه يعلم ان ترك الواجب في أول وقته مثلًا لا عقاب فيه فأراد أن يخرج عن هذا كله بأن قال في جميع وقته حتى لا يأتي الوهم السابق "فلا يكون سببًا له" للعقاب "على أنه لو لم يذكره" أي لو لم يذكر قيد في جميع وقته فإنه "لم يُخِل ؛لأن انتهاض تركه سببًا في الجملة لا يوجب انتهاضه دائمًا" لم يخل المصنف في تعريفه السابق لأن ترك الواجب بالجملة هو المقصود في التعريف وليس أن تركه في وقت وفعله في وقت آخر هو المقصود وإنما تركه كله هذا عند الإطلاق ،وهذا الإطلاق في الترك إن قاله فإنه لا يتناول الوقت في الدوام مثلًا أو في وقت دون آخر فلن يقول له قائل لم لم تذكر الموسع لأن باعتبار الوقت لا مطلق الترك.
..
.
قال ابن الحاجب "الوجوب الثبوت والسقوط" قال الشارح "الوجوب في اللغة الثبوت ،قال عليه الصلاة والسلام (إذا وجب المريض فلا تبكين باكية)"
أي إذا مات "وأيضًا السقوط يقال وجبت الشمس ومنه (وجبت جنوبها). وفي الاصطلاح :ما تقدم وهو خطاب بطلب بفعل غير كف ينتهض تركه في جميع وقته سببًا للعقاب. والواجب :هو الفعل المتعلق للوجوب" كما ذكرنا من أن الواجب يختلف عن الإيجاب والإيجاب الخطاب والواجب الفعل "فهو فعل غير كف تعلق به خطاب بطلب بحيث ينتهض تركه في جميع وقته سببًا للعقاب." هذا هو التعريف الأول المسلم به الذي نرتضيه "ومنه يعلم حد الأقسام الأخر وحد متعلقاتها." أي من هذا التعريف والحد نعرف بالتغيير في الكف وعكسه نعرف الواجب والمحرم أو التغيير في العقاب والثواب نعرف الواجب عن المندوب والمحرم عن المكروه وهكذا وكلها ذكرناها. قال "وقيل" أي في تعريفه وهذا هو التعريف الثاني عند البعض أن "الواجب :ما يعاقب تاركه وهو مردود لجواز العفو" من الله عن تارك الواجب بالاستغفار والتوبة وغيرها فيمن يغفر الله سبحانه له وهو يغفر لمن يشاء. "فيخرج عنه الواجب المعفو عن تركه. "وقيل" بالضم على الهمزة وهذا هو التعريف الثالث عند البعض ":ما أُوعد بالعقاب على تركه ليندفع ذلك" أي قالوا احترازًا عما حصل في التعريف الثاني قالوا بأنه ما يتوعد بالعقاب على تركه والمقصد أنه قد يعفو أو لا يعفو ولكن الوعيد موجود. "وهو غير مندفع لأن إيعاد الله تعالى صدق ،فيستلزم العقاب على تركه ويعود ما قلنا." أي أن الذي يريدون الاحتراز عنه لن يندفع بما أضافوه وهو الوعيد ، لا. لأن الوعيد مستلزم للعقاب ووعيد الله صدق لا شك فيه وعندئذ يصبحوا مخطئين فما فيه وعيد فيه عذاب ومغفرة الله سبحانه تكون بما لا وعيد فيه بأن يتحول العبد من مذنب إلى تائب ومستغفر وقل غير هذا في التفريق بين أن يكون متوعدًا فيعذب أو أن يذنب ولا يتوعد لتوبته وخروجه عن المتوعدين بالعذاب _ فعندئذ يعود ما قلنا بأنه مردود أيضًا. "وقيل :ما يخاف العقاب على تركه." وهذا هو التعريف الرابع وهو مختلف عن الثاني والثالث. قال "وهو مردود بما يشك في وجوبه ولا يكون واجبًا في نفسه فإنه يخاف العقاب على تركه" أي أن الذي يشك في هذا الحكم هل هو واجب أم لا فإنه يخاف العقاب على تركه وهو قد لا يكون واجبًا فكيف جعلته يخاف من شيء قد يكون غير واجب وأنت تقول هو واجب. "فيبطل طرده." يصبح غير مانع حيث أدخل ما ليس منه وهو غير الواجب السابق ذكره. "وقال القاضي أبو بكر" سبقت ترجمته ":ما يذم شرعًا تاركه بوجه ما والمراد بالذم شرعًا نص الشارع به أو بدليله" أي على الذم "وذلك أنه لا وجوب إلا بالشرع ،وقال بوجه ما :ليدخل من الواجبات ما لا يذم تاركه كيفما تركه بل يذم تاركه بوجه دون وجه وهو الموسع" أي أن الموسع يذم شرعا تاركه بوجه ما وهو أول الوقت "فإنه يذم تاركه إذا تركه في جميع وقته" وهذا وأمثاله مما سيأتي هو المقصود بقوله بوجه ما "ولو تركه في بعض الوقت وفعله في بعض" حيث إن هذا ليس من الوجه المراد قال "لا يذم ، وكذا فرض الكفاية فإنه يذم تاركه إذا لم يقم به غيره في ظنه" أما إن ظن غيره قائم به أو علم ذلك فلا يذم. "وكذا المخير إذا قلنا كل واحد واجب فإنه يذم تاركه إذا ترك معه الآخر" من المخير فيهن "وأما إذا قلنا هو أحدهما مبهمًا كما يراه المصنف فيذم تاركه بأي وجه فرض" والمصنف ابن الحاجب يقول بأي وجه ولا نقول هنا بوجه ما أي في الواجب المخير لأنه مبهم فلا يستطاع أصلًا ترك واحد دون آخر إلا أن يعمل أحد المخيرات فعندئذ لن يكون تاركًا لأحد المخيرات فيصير قولنا في المخير المذموم تركه بأي وجه وأما في الموسع والكفاية قلنا بوجه ما وقد وضحنا المراد هناك أم هنا فعلى رأي المصنف لا لأنه لا يترك إلا بكل الوجوه "فلذلك لم يذكره كغيره" فما ذكره ابن الحاجب لما بين تفسير قوله بوجه فذكر فقط الموسع والكفاية وهذا واضح في المختصر لمن أراد أن يرجع له. "وبهذا القيد حافظ على عكسه" أي وبهذا القيد الذي قيده القاضي الباقلاني حافظ على جمعه وصار جامعًا لأفراده فعلًا "فلم يخرج من الحد ما هو من المحدود" أي فلم يجمع للحد ما ليس منه "أعني الموسع والكفاية لكنه أخل بطرده" فلم يصر مانعًا وإنما فقط جامع. "فدخل فيه ما ليس من المحدود" وهذه صورة من صور جمعه لأفراد ليست منه فقط ولم يصبح مانعًا "وهو أن صلاة النائم والناسي والمسافر فإنه يذم تاركه بتقدير انتفاء العذر" فقط وأما بالعذر فإنه لا يذم وهنا أدخلناه في الحد وهو ليس من المحدود "فإن قال القاضي :لا نسلم أن هذه غير واجبة بل واجبة وسقط الوجوب فيها بالعذر." إن اعترض القاضي بهذا الاعتراض فنجيبه بقول العضد "قلنا وكذلك الكفاية يقال يذم بتركه شرعًا ،أي يجب الذم لكنه يسقط وجوب الذم بفعل البعض الآخر" مثل وجوب صلاة النائم ونحوه هي واجبة لكن سقط الوجوب فيها للعذر مثلها الواجب الكفائي يجب على الجميع لكن يسقط الوجوب عن البعض بفعل البعض الآخر "وإذا اعتددت بالوجوب الساقط في الفعل" في الكفائي وهو في فعل البعض فجعلته من أفراد المحدود في التعريف "فلِمَ لا تعتد بالوجوب الساقط في الذم" ولم تجعل هذا من أفراد المحدود في التعريف "فلا يكون إلى قوله بوجه ما حاجة وكذلك الموسع" كما بينا نطبق على الموسع. "وللقاضي أن يقول :تركُ أحدنا الكفاية مترددٌ بين أن يترك غيره فيذم" الكل "وأن لا يترك فلا يذم" الكل "وهذا الترك بحاله لم يتغير وقد تغير خارجي" هذا الخارجي هو الذي تغير وهو فعل الغير أو عدم فعل الغير وترك زيد مثلًا للكفائي هو ترك منه وإنما حصل في غير تركه هذا تغير وهو ترك غيره أو لا "بخلاف ترك النائم فإن عدم النوم تقديري" لواحد هو زيد مثلًا وهو نفس النائم فيختلف فيه نفس النوم المعذور به ولا أثر خارجي من فعل غير أو عدم فعل غير كما قلنا في الكفائي "ولا يبقى حينئذ هذا الترك بحاله" فيختلفان "والمتغايران إذا أريد أحدهما لم يرد الآخر نقضًا عليه." أي على الأحد الأول.
"إذا عرفت معنى الواجب فمن أسمائه الفرض وهما مترادفان عند الجمهور وقالت الحنفية يفترقان بالظن والقطع فما ذكره إن كان ثبت بقطعي" أي بدليل قطعي فهو "ففرض كقراءة القرآن في الصلاة الثابتة بقوله" تعالى في الدليل القطعي ": (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) وإن ثبت بظني" بدليل ظني "فهو واجب نحو تعيين الفاتحة بقوله : (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وهو آحاد ونفي الفضيلة محتمل ظاهر والنزاع لفظي." لا ثمرة منه.
..
.

قال ابن الحاجب "الأداء ما فعل في وقته" قال الشارح "تقسيم آخر للحكم"
باعتبار الوقت "وهو أن الفعل قد يوصف بكونه أداء وقضاء وإعادة. فالأداء ما فعل في وقته المقدر له شرعًا أولًا" وسيبين العضد المقصد من الاحتراز بــ أولًا هذه "،فخرج ما لم يقدر له وقت كالنوافل" التي لا توقيت لها كالقرآن "أو قُدِّرَ لا شرعًا كالزكاة يعين له الإمام شهرًا" يعين الإمام على من وجبت عليه أن يخرجها خلال شهر للسعاة والجباة لها وهذا التعيين بالشهر ليس من الشارع وإنما من بشر وهو الوالي "، وما وقع في وقته المقدر له شرعًا ولكن غير الوقت الذي قدر له أولًا كصلاة الظهر فإن وقته الاول هو الظهر والثاني إذا ذكرها بعد النسيان فإذا أوقعها في الثاني لم تكن أداء" ولا قضاء وإنما إعادة لا عقاب عليها للعذر وهو النسيان وهذا هو وقتها ثانيًا. "وليس قوله أولًا متعلقًا بقوله :فعل فيكون معناه فعل أولًا" لا وإنما قصده بأولًا الوقت الأول "لتخرج الإعادة ؛ لأن الإعادة قسم من الأداء في مصطلح القوم وإن وقع في عبارات بعض المتأخرين خلافه." فبعض الشراح ألحق أولًا بالفعل حيث فعل أولًا وجعل الإعادة قسيمةً وضدًا للأداء وهذا خطأ بل هي مندرجة تحت الأداء وهذا ما يعرف من كلام ابن الحاجب ومن بعض الشارح لهذا المختصر من ظن أنه قال أولًا ليخرج الإعادة بجعلها ضدًا للأداء فرد عليهم بقوله هذا.
قال "والقضاء :ما فعل بعد وقت الأداء وهو المقدر له شرعًا أولًا استدراكًا لما سبق له وجوب مطلقًا" وليس لما سبق له وجوب على المستدرك وبهذا ندخل الحائض هنا فهي سبق لها وجوب مطلقًا إذا صلت مثلًا بعد وقت الأداء فهي قاضية الصلاة ، وهذا التعريف الأول للقضاء عند بعض العلماء "فخرج ما فعل في وقت الأداء" فليس قضاء "،وإعادة المؤداة خارج وقتها" كذلك تخرج عن القضاء "وما لم يسبق له وجوب كالنوافل" كذلك ليست قضاء لعدم وجوبها أصلًا "وقـيّـد الوجوب بقوله مطلقًا تنبيهًا على أنه لا يشترط الوجوب عليه" أي في فعل القضاء لا يشترط الوجوب على الفاعل بل لمطلق الوجوب ما دام كان هناك وجوب "ثم لا فرق بين تأخيره عن وقت الأداء سهوًا أو عمدًا مع التمكن من فعله أولًا." فكلها قضاء ما دام كان متمكنًا سواء سها أو لم يسهو فإن لم يؤدّها فأداؤه لها بعد نهاية وقتها المقدر يكون قضاء عندئذ. "أو مع عدم التمكن لمانع من الوجوب شرعًا كالحيض أو عقلًا كالنوم" فكلها ليست بأداء وإنما قضاء وإن فعلت بعد زوال المانع كالطهر من الحيض والصحوة من النوم فإن تركها بعد هذا أيضًا يكون قضاء أيضًا وليس إعادة كما قلنا عند الإعادة . لا ، هذه التي هنا ليست إعادة. قال "وقيل هو ما فعل بعد وقت الأداء استدراكًا لما سبق له وجوب على المستدرك" أي وقيل في تعريف القضاء وهذا هو التعريف الثاني للقضاء عند البعض الآخر من العلماء وهو أنه ما فعل بعد وقت الأداء أي الأول ليستدرك ما سبق له وجوب على المستدرك فقط لا مطلقًا وسيأتي البيان في التفريق الآتي. "والفرق بين التعريفين :أن فعل النائم والحائض قضاء على الأول" مطلقًا كما قلنا "إذْ سَبَقَ له وجوب في الجملة ، وليس بقضاء على الثاني إذ لم يجب على المستدرك" الأداء أصلًا فهو نائم أو هي حائض "لقيام المانع من الوجوب إلا في قولٍ فإن بعضهم قال بوجوب الصوم عليهما نظرًا إلى عموم قوله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وهو ضعيف" أي أداء فكأنه يقول تصوم وهي حائض "؛لأن جواز الترك مجمع عليه وهو ينفي الوجوب قطعًا" أي الوجوب بأدائهم على حالهم التي فيها المانع.
قال "والإعادة ما فعل في وقت الأداء ثانيًا. لخلل"
كالنسيان "وقيل لعذر" كالنوم "فالمنفرد إذا صلى ثانيةً مع الجماعة كانت إعادة على الثاني" الذي صلى قبل "؛لأن طلب الفضيلة عذر دون الأول" هذا عند من يضيفون قيد العذر ههنا "، إذ لم يكن فيها خلل.
قال "والحاصل أن الفعل لا يقدم على وقته فإن فُعِلَ فيه فأداء أو بعده فإن وجد سبب وجوبه" فقضاء
أي الخلاصة أن الفعل لا يقدم على وقته فإن فعل في الوقت المقدر له شرعًا فهو أداء وإن كان بعده فقد يكون إعادة وقد يكون قضاء ويكون قضاء إذا وجدنا في الوقت سببًا للإيجاب ثم لم يفعل. ويكون والإعادة من ضمن الأداء كما قلنا للخلل وسيذكرها في آخر هذه الجملة " وإلا فغيرهما" وإن لم يفعل في وقته أو لم يكن في وقته سبب للوجوب فليس بأداء ولا قضاء "، ومن الأداء الإعادة لخلل أو عذر" أو عذر وهذا قيد البعض.
..
.
قال ابن الحاجب "مسألة الواجب على الكفاية" قال الشارح "هذه مسائل تتعلق بالواجب هذه أُولاها"
لما انتهى من تقسيمات الأحكام جاء إلى أولها غالبًا عند العلماء وهو الواجب ومن أولى المسائل في تقسيمات الواجب أيضًا قال "وهو في الواجب على الكفاية" وعرف شيخنا ابن حميد الواجب الكفائي أنه : ما طلبه الشارع طلباً جازمًا من غير النظر بالذات إلى فاعله _أي وإنما الشارع يريد أداءه فقط ولا يريد أن يكون عينيًا على هذا أو هذا_.
.._ثم ذكر الشيخ ابن حميد أيضًا تقسيمات للواجب باعتبارات وهي :1_باعتبار الواجب عليه ينقسم إلى (فرض عين وفرض كفاية). 2_وباعتبار الواجب فيه ينقسم إلى (مؤقت وغير مؤقت) والمؤقت ينقسم إلى موسع ومضيق. 3_ وباعتبار نفس الواجب ينقسم إلى (مخير وغير مخير وهو المعين) وله تقسيم آخر في هذا الاعتبار إلى (محدد وهو ما يسقط بمضي الوقت ويثبت في الذمة كنفقة الزوجة /وغير المحدد لا يثبت في الذمة إذا لم يمض الوقت وإنما قد يسقط بفعل البعض كأن ينفق عليها إخوانها)
قال "نحو الجهاد مما يحصل الغرض منه" الغرض أي الطلب والمطلوب "بفعل البعض وحكمه أنه يجب على الجميع ويسقط بفعل البعض، وقيل :بل إنما يجب على البعض." أي على البعض الذين عملوه _وهذا القول هو قول الرازي صاحب المحصول (ت606) والبيضاوي صاحب المنهاج (ت685) وابن السبكي تاج الدين صاحب جمع الجوامع (ت771) وكل الثلاثة شافعية_.
قال "لنا" دليلنا وهو دليل الجمهور الرادّ على القائلين أن الواجب الكفائي هو واجب على البعض وهو يقول إنه واجب على الكل ويسقط بفعل بعض يؤدون الغرض واستدل بــ "أن الجميع إذا تركوه يأثمون وهو معنى الوجوب." فلو كان واجبًا على البعض كما يقول المخالف لما أثم إلا البعض إذا ما قام به أحد.
قال "احتج المخالفون بوجوهٍ ،قالوا :أولًا" من أدلتهم دليلهم هذا الأول ":يسقط بفعل البعض ولو وجب على الجميع لما سقط." أي لو كان واجبًا على الجميع لما سقط عن الذين لم يفعلوه ولكنه واجب على البعض فلذلك سقط عن الذين لم يفعلوه.
"الجواب"
على دليلهم الأول هذا هو أن "هذا استبعاد ولا مانع من سقوط الواجب على الجميع بفعل البعض إذا حصل به الغرض" أي بالبعض الغرض "كما يسقط ما في ذمة زيد بأداء عمرو عنه" فشبه الجميع بالاثنين زيد وعمرو وشبه البعض بعمرو فقال يسقط الدين مثلًا عن زيد إذا أداه عنه عمرو "،والاختلاف في طرق الإسقاط" أي طرق إسقاط الإثم "لا يوجب الاختلاف في الحقيقة" أي الثبوت عليك مثلًا بهذه الطريقة أو تلك_ فحقيقة الواجب العيني والكفائي واحدة "كالقتل للردة والقصاص" فالقتل قد يجب بسببين كمثل الردة توجب القتل وكذلك بالاقتصاص من قاتل "فإن الأول يسقط بالتوبة دون الثاني.
قال "قالوا : ثانيًا"
دليلهم الثاني ":كما يجوز الأمر بواحد مبهم اتفاقًا يجوز الأمر ببعض مبهم" شبهوه هنا بالواجب المخير الذي يجب في واحد مبهم ، فقاسوا الواجب الكفائي على المخير بجامع أن كلًا منهما واجب على مبهم وقد اتفق العلماء على وجوب الواجب المخير على مبهم من المخيرات فكذلك الكفائي واجب على بعض مبهم. قال "،فإن الذي يصلح مانعًا هو الإبهام وقد علم إلغاؤه." أي إلغاء الإبهام في المكلف به المتفق عليه في وجوب الواجب المخير فعندئذ كذلك يلغى الإبهام في نفس المكلفين قياسًا.
قال "الجواب" أن ":الفرق بأن إثم واحد غير معين لا يعقل بخلاف الإثم بواحد غير معين" أي أن الإثم على الكثير من الناس الذين لا ندري على من يقع منهم فإن هذا يختلف عن أن يترك الرجل الواحد الواجب عليه من الكفارات المبهمة مثلًا فالرجل الآثم هنا هو واحد ولكن في الكفائي لا ندري من هم الآثمون فعلى من ستنزلون البعض الآثمين؟!!_.
قال "قالوا :ثالثًا" دليلهم الثالث ":قال تعالى (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) وهو تصريح بالوجوب على طائفة غير معينة من الفرقة." أي بقوله طائفة _ والكل متفق على أن هذا الحكم واجب كفائي في تعليم الفقه ونحوه من المهمات الدينية وغيرها_.
والجواب" على دليلهم الثاني هذا هو ":أن الظاهر يؤول للدليل" الظاهر لا نؤوله إلا بدليل وقد جاء هنا الدليل الذي يؤول هذا الظاهر المذكور في الآية _والظاهر هو نفس ما ذكروا من أن الطائفة بعض وعلى قولهم هم من يجب عليهم ولكن التأويل سيذكره وقد أثبته بدليله الواضح "فيحمل على غير ظاهره" أي دليلكم هذا "جمعًا بين الأدلة" أي بين دليلكم ودليلنا "فإنه أولى من إلغاء دليل بالكلية" كما قد ألغيتم أنتم دليلنا ولكن نجن نؤول دليلكم لا نلغيه وقد جاءنا في دليلنا ما يبين صحة تأويل دليلكم "وقد دل دليلنا على الوجوب على الجميع" أي على جميع المكلفين ودليلنا نحن وأنتم متفقون عليه وهو أنا نقول أن الكل سيأثم إذا ما عملوا أو فعلوا الغرض "فيؤول هذا" دليلكم هذا الذي في الآية "بأن فعل الطائفة من الفرقة مسقط للوجوب عن الجميع." فيكون وجب على الجميع ثم سقط بفعل هذه الطائفة وليس أنه وجب على هذه الطائفة فقط _وهذا هو الراجح الصحيح الذي يسلم به العقل ومجموع النقل_
..
.
قال ابن الحاجب "مسألةٌ :الموسع :الجمهور" قال الشارح "هذه ثالثة مسائل الوجوب"
وقد وضحنا الأولى وهي التي في الواجب الكفائي وهناك ثانية ما قررت علينا وهذه الثالثة وهي باختصار في المؤقت الموسع. وهي أنه إذا كان وقت الواجب موسعًا أي زائدًا على الفعل كالظهر ونحوه ،فالجمهور على أن جميعه وقت لأدائه" وجوبًا "ففي أي جزء أوقعه" من وقته "فقد أوقعه في وقته.
وقال القاضي ومتابعوه :الواجب في كل جزء من الوقت هو إيقاع الفعل فيه أو إيقاع العزم فيه على الفعل في ثاني الحال إلا أن آخر الوقت إذا بقي منه قدر ما يسع الفعل فحينئذ يتعين الفعل."
أي أنه جعله بأمرين إما بالفعل والأداء نفسه للواجب في الوقت الموقت له أو بالعزم على الأداء في الوقت إلا أن يأتي في آخر وقت الموسع بحيث يبقى من وقته قدر لا يمكن فيه إلا أن يؤدي هذا الواجب _كأن تبقى دقائق قليلة لا يمكن فيها إلا أداء صلاة الظهر قبل أذان العصر_ قال فحينئذ يتعين الفعل ولا نظر إلا تعين العزم السابق ذكره.
"وقال قوم وقته أوله فإن اخره عنه فقضاء."
وهذا القول منسوب للشافعية وقد أنكره الشافعية والراجح أن لا ينسب لهم لبعده وعدم وجوده في أقوالهم ووجوههم.
"وقال الحنفية"
وهذا القول منسوب لبعض الحنفية وليس مذهب الحنفية وهذا مكتوب في بعض نسخ المختصر والشرح أنه قول بعض الحنفية مثل الإمام زفر خليفة أبي حنيفة (ت158هــ) ":وقته آخره فإن قدمه عليه فنفل يسقط به الفرض كتعجيل الزكاة قبل وجوبها." أي أن وقت الوجوب هو آخره وأما أوله فوقت نفل واستحباب لا يجب فيه أداء الواجب وإن فعل فيه الواجب فيسقط الوجوب ولا نقول إنه وقت استحباب فلا يجزئ.
"وقال الكرخي "
عن قول الحنفية والكرخي شيخ الحنفية المشهور المتوفى عام 340 هـــ ":هذا إذا لم يبق على صفة التكليف إلى آخر الوقت بأن يجن أو يموت" فعندئذ لا يكون ما أداه واجبًا بل مستحبًا لأنه جن او مات قبل انتهاء الوقت "وأما إذا بقي" على حاله فلم يجن أو يموت "فيعلم أن ما فعله كان واجبًا." أي إن صلى في أول الوقت مثلًا وبقي على حاله إلى نهاية الوقت فإن ما أداه في أول الوقت هو واجب ولكن الوقت وقت نفل واستحباب له كما قلنا ولا يقول أحد إنه وقت استحباب فلا يجزئ عن وجوب لأنهم قالوا استحباب يسقط به الفرض_ وهذا باختصار هو مذهب المراعاة لأنه يراعي آخر الوقت وهو أنه إذا جن أو مات قبل نهاية الوقت صار فعله أوله نافلة.
قال "لنا"
أي أدلة قولنا وهم الجمهور هنا وهذا أول أدلتهم "الأمر قيد بجميع الوقت ولا تعرض فيه للتخيير بين الفعل والعزم" ردًا على القاضي الباقلاني "ولا لتخصيصه بأول الوقت أو آخره" ردًا على الحنفية "بل الظاهر ينفيهما" أي ينفي التخيير السابق وهو قول الباقلاني وينفي التخصيص وهو قول بعض الحنفية "فيكون القول بهما تحكمًا باطلًا.
ولنا أيضًا إن كان وقته جزءًا معينًا"
ردٌ ثانٍ على بعض الحنفية "فإن كان آخر الوقت كان المصلي في غيره مقدمًا لصلاته على الوقت فلا يصح كما قبل الزوال" أي إن قلنا إن وقت الوجوب هو آخره فإن الأداء قبل وقت الوجوب الذي هو آخره هذا فقبله الذي وصفوه بقولهم نفل يكون أداء قبل الوقت على حد هذا القول والأداء قبل الوقت لا يصح كما في صلاة الظهر لا تجوز قبل الزوال. "وإن كان أوله" ردًا على القول الضعيف المنسوب للشافعية الذي قالوا فيه أن الوجوب أول الوقت وفي غير أوله يكون قضاء "كان المصلي في غيره قاضيًا فيكون بتأخيره له عن وقته عاصيًا" لأن القاضي للفرض بلا عذر بعد نهاية الوقت عاص _وقولكم هذا يجعل الذي يفعله في وقته قبل نهاية الوقت قاضيًا كما قلتم والقاضي عاص كما لو تركه إلى نهاية وقته فكيف يستوي تركه إلى نهاية وقته مع أدائه في آخر الوقت قبل نهايته_ "كما لو أخر إلى وقت العصر" بعد المغرب "وكلاهما خلاف الإجماع." وكلا القولين ونتائجها خلاف الإجماع في عدم الوجوب قبل دخول الوقت والثاني في أن المؤخر آخر الوقت مثل الذي يقضي بعد نهاية الوقت
قال "وقال القاضي" وهذا دليله وقوله قد ذكرناه وهذا دليل قوله السابق ":أنه إذا ثبت في الفعل والعزم حكم خصال الكفارة" في المخير مثلًا "وهو أنه لو أتى بأحدهما أجزأ ولو أخل بهما عصى ،وذلك معنى وجوب أحدهما فيثبت." في قولنا هذا وقولنا _أي قول الباقلاني_ أن يثبت التخيير بين العزم والفعل فإن فعل كان به وإن لم فيكون العزم واجب كما في خصال الكفارة وجب أحدها مبهمًا.
قال "الجواب أنا نقطع أن الفاعل للصلاة ممتثل"
للأمر "لكونها صلاة بخصوصها لا لكونها أحد الأمرين مبهمًا" فالأمر أمر بأداء الصلاة لا بتفريق بين أمرين وهذا التفريق مخير فيه بين العزم والفعل ."وأيضًا فلا نسلم أن الإثم بترك العزم إنما هو لكونه مخيرًا بينه وبين الصلاة حتى يكونا كخصال الكفارة بل لأن العزم على فعل كل واجب إجمالًا وتفصيلًا عند تذكّره هو من أحكام الإيمان يثبت مع ثبوته" فدائمًا يجب على المكلف العزم على فعل الواجبات "سواء دخل وقت الواجب أو لم يدخل فلو جوز ترك واجب" وهذا الواجب "بعد عشرين سنة لأثم وإن لم يدخل الوقت ولم يجب .
وقال الحنفية :لو كان واجبًا في أول الوقت لعصى بتأخيره لأنه ترك للواجب وهو الفعل في"
الوقت "الأول. الجواب :أن الملازمة" التي ذكروها في أنه لو كان واجبًا أول الوقت لعصي بتركه "ممنوعة وإنما يلزم" وتصح الملازمة التي ذكروها "لو كان الفعل أولًا واجبًا على التعيين" أي إذا عين الشارع وقتًا أولًا ثم جاء أمر جديد في آخر الوقت لصح كلامهم ولكن الوقت واحد والتقديم والتأخير فيه مثل التخيير في الواحد المبهم في الواجب المخير كخصال الكفارة مثلًا "وليس كذلك بل التأخير والتعجيل فيه جائز كخصال الكفارة. ومذهب الشافعية لما علم دليله بالجواب على دليل الحنفية لأنه عكسه تركه اختصارًا.
.
*(تنبيه) :
_أملى شيخنا ابن حميد :مذهب متأخري الحنفية كابن الهمام هو أن متعلق الوجوب هو ما يكون قبيل أداء الفعل للواجب فمتى ما أداه _قبل انتهاء الوقت طبعًا_ فإن الوقت الذي يكون قبيله هو متعلق الوجوب.
_مذهب المجد ابن تيمية أبي البركات جد شيخ الإسلام هو أن الواجب الموسع هو واجب على التخيير بالتخيير بين أوقاته الموقتة وبين أن هذا هو مذهب أصحابنا يعني الحنابلة لكنهم لم يعرفوا التعبير عنه وهو مذكور في كتاب فوائد ابن اللحام الحنبلي (ت808هـ) وهذا قريب جدًا من كلام الجمهور حيث بينه العضد في الرد الأخير على الحنفية.
_من ثمرات الخلاف في تعريفات الموسع وبيانه : من الثمرات أن الحائض إذا حاضت آخر الوقت فعند من يقول إن أول الوقت نافلة قال بأن لا صلاة عليها قضاء بعد طهرها وأما من قال واجب أوله وآخره سواء فأوجب عليها القضاء ، وكذلك المسافر إن سافر آخر الوقت هل يجوز له القصر والإتمام للنفل في أول الوقت أم يجب عليه الإتمام لوجوبه في أول الوقت.
..
.
قال ابن الحاجب "مسألةٌ :من أخر" قال الشارح "هذه رابعة مسائل الوجوب وهي : أن من أدرك وقت الفعل وظن الموت في جزءٍ ما منه"
أي من الوقت "وأخر الفعل عنه مع ظنه الموت عصى اتفاقًا ، فإن لم يمت" أي مع أنه ظان الموت "وفعله بعد ذلك الوقت" أي بعد أول الوقت وليس انتهاؤه بالكامل لأن الارح قال "في وقته المقدر له شرعًا أولًا" فهنا اختلفت الأقوال في هذا الفعل أهو أداء أم قضاء ووجه الاختلاف اختلافهم في أنه لما وجب عليه أن يؤديها في أول الوقت لأنه ظن أنه سيموت آخره قبل انتهائه فبرحمة من الله سبحانه ولطف منه مثلًا لم يمت فهل هو بهذا عاص إذا صلى في آخر الوقت المقدر لأنه ظن أنه سيموت فلماذا يؤخر أو أنه أداها في وقتها ويكون عاصيًا فقط كما اتفقوا من قبل لأنه لم يخرج وقتها ولا عبرة بظنه في الأداء والقضاء وإنما العبرة بالوقت وظنه يعتبر في العصيان فقط ولا دخل له في الأداء والقضاء _هذان قولان.
"فقال الجمهور :هو أداء لصدق حده عليه" وحد الأداء أن يفعل في وقته أوله أو آخره وهو فعله في آخره فانطبق عليه الحد وصدق عليه فهو أداء.
"وقال القاضي :إنه قضاء لأنه صار وقته شرعًا بحسب ظنه ما قبل ذلك الوقت فهذا وقع بعد وقته" فسبب بيانه أن هذه الحالة قضاء هو أن صار بظن هذا المريض مثلًا أو المحكوم عليه بالقصاص قبل نهاية الوقت صار وقت الأداء هو ما في ظنه أن يعيش إليه فهو فعله بعد وقته الذي تغير بظنه. قال "ولا خلاف معه في المعنى" الخلاف لفظي في التسمية بالأداء أو القضاء "إلا أن يريد وجوب نية القضاء ، وهو بعيد إذْ لم يقل به أحد" إلا إذا كان يريد الاختلاف مع الجمهور في أنه عليه أن ينوي القضاء عندما يصلي القضاء مثلًا وهذا الاحتمال بعيد لعدم القول به. قال "إنما النزاع في التسمية وتسميته أداء أولى لأنه فعل في وقته المقدر له شرعًا أولًا وإن عصى بالتأخير" كل هذا بيناه قبل ونشير ههنا إلى قاعدة (لا عبرة بالظن البين خطؤه). قال "كما إذا اعتقد انقضاء الوقت قبل الوقت وأخر فإنه يعصي ثم إذا ظهر خطأ اعتقاده وأوقعه في الوقت كان أداء اتفاقًا" كما بينا بأن لا علاقة بين العصيان والتسمية بأنه أداء أو قضاء إلا أن القضاء غالبًا عصيان والأداء غالبًا امتثال ضمن فيه الأجر. قال "ولا أثر للاعتقاد الذي قد بان خطؤه" كما قلنا بقاعدة (لا عبرة بالظن البين خطؤه) ،قال "فكذا ههنا ،هذا فيمن أخر مع ظن الموت وسلم. وأما عكسه وهو من أخر مع ظن السلامة ومات فجأة فالتحقيق أنه لا يعصي" كما بينا في بداية الكلام في الواجب الموسع أن انتهاء وقته لا يعصي به المؤخر "؛لأن التأخير جائز له ولا تأثيم بالجائز. ولا يقال :شرط الجواز سلامة العاقبة إذ لا يمكن العلم بها" أي بالعاقبة "فيؤدي إلى تكليف بالمحال.
وهذا بخلاف ما وقته العمر"
أي الواجب غير المؤقت كالحج فهذه الموسع المذكور ههنا الذي لا إثم بتأخيره قبل نهاية وقته ثم الموت من المكلف هذا الذي لا توقيت فيه ووقته كل العمر بخلافه "فإنه لو أخر ومات عصى وإلا لم يتحقق الوجوب" فإنه لو أخره عن أول وقته في هذا الذي توقيته مفتوح طول العمر ومات فيكون عاصيًا ، وإن لم نقل أنه عاص فأين معنى الوجوب واستحقاق العقاب على المخالف للواجب.
..
.
قال ابن الحاجب "مسألةٌ :ما لا يتم الواجب" قال الشارح "الاتفاق على أن الوجوب إذا كان مقيدًا بمقدمة لم تكن تلك المقدمة واجبة"
وليست من مسألة ما لا يتم الواجب إلا به.. وإنما هي مغايرة في قولنا ما لا يتم الوجوب إلا به فلا وجوب فيه أبدًا لأنه ليس باليد تحكم فيه مثال ذلك "كأن يقول إن ملكْتَ النصاب فزكِّ فهذا لا يكون إيجابًا لتحصيل النصاب." فلا يجب علي تحصيل النصاب لأن حكم الله سبحانه في الزكاة الوجوب ولكن متى ما حصل لي وصول للنصاب فعندئذ سيجب علي الزكاة ،كذلك صلاة الجمعة لا يجب علي أن أكمل أربعين شخصًا لأجل أن تجب علي الجمعة ولكن متى ما وجدنا أربعين شخصًا قنا عليكم الجمعة _هذا عند من يحدد عدد الجمعة بأربعين وإلا فهناك قول بالثلاثة تجب عليهم الجمعة وغيره_.
قال "إنما الكلام في الواجب المطلق هل يكون ما لا يتم ذلك الواجب إلا به أو لا واجبًا ،ومختار المصنف أن ما لا يتم الواجب إلا به إن كان مقدورًا للمكلف يتأتى الفعل بدونه عقلًا وعادة" أي أنك تقدر أن تعمل هذا العمل بدون هذه المقدمة المذكورة سابقًا ليخرج العقلي والعادي وهذا قول ابن الحاجب ولعل العضد معه وهو القول بوجوب الشرط الشرعي فقط لا العقلي والعادي _ومثال الشرط الشرعي كعموم المنصوص عليها كمثل الطهارة للصلاة / والشرط العقلي مثاله ترك الضد ليسلم ضد الضد /والشرط العادي مثل المسح على جزء من الرأس في وجوب غسل الوجه ليستوعب كل المحل وكذلك المشي إلى الصلاة ليصلي وكل هذا سنبينه_ "لكن الشارع جعله شرطًا للفعل فهو واجب وإلا فلا " وشرط شرعي منصوص مثلًا أو نحو ذلك وإن لم يكن كذلك فلا وجوب فيه "وقال الأكثرون" وهم الجمهور باشتراط الشرط الشرعي والعقلي والعادي وبيان هذا كله في قوله ":وغير ما جعله الشارع شرطً أيضًا واجب مما يلزم فعله عقلًا كترك الأضداد في الواجب وفعل ضد المحرم" كل هذا العقلي عندهم يجب للخروج بالواجب النهائي خاليًا عن أضداده وما يشوبه _وهذا الرأي هو الراجح والله أعلم_ "أو عادة كغسل جزء من الرأس لغسل الوجه كله" أي كل هذه الشروط التي تلزم بالعادة كغسل منابت الشعر أعلى الرأس لاستيفاء غسل الرأس كل هذه تجب لوجوب غسل الوجه كاملًا "،وقيل لا وجوب في الشرط وغيره بهذا يشهد لفظه في المنتهى" أي ابن الحاجب "لكن غيره إذا قال في هذه المسالة مقدورًا احتراز به عن بعض ما لا يمكن تحصيله من الآلات" التي تكون طريقًا للواجب باتفاق وهم الجمهور حيث يرون أن غير المقدور هو من باب القيام للمبتور القدمين مثلًا بخلاف ابن الحاجب. قال "وكأنه يرى ذلك مما هو قيد في الوجوب" أي كما قلنا بعدم الاعتبار في الوجوب لا الواجب السابق ذكره لأنه سيأتي في شروط الواجب بأنها مسلمة عنده أصالة فقال "لما أما" أو "لنا إما أن الشرط يجب " _وهذه (لنا إما) هي الأقرب للصحة من قول العضد_ فالمعنى أي أن الشرط عنده يجب أصلًا فلا يحتاج للتفريق بين الشرط والمشروط وحكم الشرط والمشروط "فلأنه لو لم يجب الشرط لم يكن شرطًا ، إذ بدونه يصدق أنه أتى بجميع ما أمر به فتجب صحته وأنه ينفي حقيقة الشرطية ، وأما أن غيره لا يجب" وهنا سيسرد أدلة لابن الحاجب يرد فيها على الجمهور بدأها بقوله 1_"فلأنه لو استلزم وجوبُ الواجبِ وجوبَه" أي وجوب الشرط العادي "لَزِمَ تعقّل الموجب له وإلا" وإن لم يعرف الموجب والشارع له "أدى إلى الأمر بما لا يشعر به واللازم باطل ، ؛لأنا نقطع بإيجاب الفعل مع الذهول عما يلزمه" يقصد شرطه العادي أو العقلي.
قال 2_"وأيضًا التعلق داخل في حقيقة الوجوب فكل ما تعلق به الخطاب فهو واجب" أي ما تضمنه الخطاب فهو واجب وإن لم يفصل بالذكر كما في قولي مثلًا أحضر لي ماء فإني أطلب المشي ولكن بطريقة غير مباشرة وأطلب الماء بطريقة مباشرة. قال "وما لم يتعلق به فهو غير واجب فلو وجب اللازم ولم يتعلق به خطاب طلب لما كان كذلك." أي لما كان اللازم الذي توجبوه واجبًا فعندئذ كأنه يقول (لما صحا القاعدة).
قال 3_"وأيضًا لو استلزم وجوبه" وهنا نلاحظ أن العضد حذف وجوب الواجب ويقصد بقوله هنا استلزم وجوبَه أي وجوب الشرط العادي كما قلنا قبل. قال "لامتنع التصريح بأنه غير واجب ونحن نقطع بصحة إيجاب غسل الوجه ونفي إيجاب غيره" كجزء الرأس مثلًا .
قال 4_"وأيضًا لو استلزم لعصى بتركه"
_ونلاحظ هنا أن العضد حذف الفعل والفاعل وما يعود على الشرط العادي فاكتفى بقوله لو استلزم ونحن قد علمنا مقصده أنه هو في الشرط العادي_ ويقصد أنه لا عصيان بترك العادي في مثل غسل جزء من الرأس لأجل غسل الوجه.
قال "ومعلوم أن تارك غَسِلِ جزء من الرأس إذا لم يحصل بدونه غسل الوجه إنما يعصي بترك غسل الوجه لا بترك غسل جزء من الرأس." أي أن تارك الشرط العادي إذا ترتب على تركه ترك الواجب النهائي وهو غسل الوجه فإنه يسمى عاصيًا بتركه غسل الوجه ولا نفرق ونقول بتركه غسل جزء من الرأس لا وإنما لما علمنا من الأدلة الدالة على وجوب غسل الوجه وليس جزء من الرأس منصوص ومذكور فلم علقتم به العصيان بالترك.
قال 5_"وأيضًا لو استلزم لصح قول الكعبي في نفي المباح ؛ لأن فعل الواجب وهو ترك الحرام لا يتم إلا به فيجب" أي المباح لأن فيه معنى جزء من الواجب فهو واجب. قال "وإنه باطل إجماعًا" والكعبي هذا هو عبدالله بن أحمد الكعبي البلخي المعتزلي (ت319هــ) _وهو مترجم لكعبي الحسين آخر في طبعة دار الكتب العلمية في هذا القسم وترجمتهم خاطئة وهذا الصواب_.
قال 6_ "وأيضًا لو استلزم لوجبت نية المقدمة" أي مقدمة الواجب وهي التي يسميها الأصوليون (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) قال "والتالي باطل باتفاق" أي نية المقدمة باطل إيجابها.
قال "قالوا لو لم يجب لصح الأصل دونه" أي الجمهور الذين يقولون بالشرط الشرعي والعقلي والعادي فكأنهم قالوا لو لم يجب العادي لصح الأصل دون الشرط العادي وقال هو "ولا يصح" وأدلتنا 1_"لأن المفروض الامتناع دونه" و2_"وأيضًا لو لم يجب لما كان التوصل إلى الواجب واجبًا والتوصل إلى الواجب واجب بالإجماع" مثل المشي الموصل إلى الصلاة.
قال "الجواب عنهما :أن قولك في نفي اللازمين لا يصح الأصل بدونه" يقصد بكلا الوجهين المذكورين آنفًا ، قال "والتوصل واجب إن أردت به أنه لا بد منه فمسلّم" الذي لا يمكن الوصول إلا به "لكنه غير محل النزاع ، وإن أردت به أنه مأمور به شرعًا فهو ممنوع" وهذا الذي يريده العضد وهو الذي يقوي دليله من عدم النص عليه شرعًا ، قال "وهو المدّعى" أي المدعى منكم "فأين دليله؟."
قال "فإن قال"
أي القائل بقول الجمهور إن قال دليلي "الإجماع على وجوب التوصل شرعًا ؛فإن تحصيل أسباب الواجب واجب كحز الرقبة في القتل وأسباب الحرام حرام وما ذلك إلا لأنها وسيلة" . قال "فالجواب" أي على دليله هذا "لا نسلّم الإجماع وإن سُلِّمَ فهو في الأسباب خاصة" أي وإن سُلِّمَ الإجماع فهو في الأسباب . وهنا ثمة فرق بين الشرط والسبب وحز الرقبة للذبح هو سبب وليس شرطًا والسبب أعم حيث هو ما يلزم من وجوده الوجود للمسبَّبْ ومن عدمه العدم للمسبَّبْ أما الشرط ففقط يلزم من عدمه العدم للمشروط _فالحز مثلًا إن وُجِدَ وُجِدَ الذبح وإن عُدِمَ عُدِمَ الذبح بخلاف غسل جزء من الرأس فإنه إن وُجِدَ لا يشترط أن يوجد غسل الوجه ولكن إن عُدِمَ عُدِمَ غسل الوجه.
قال "لدليل خارجي" أي بدليل خارجي هو الإجماع نفسه أو ما دل على الإجماع وفي كلتا الحالتين "لا لأنها وسيلة" كأنه يقول فلم يكن هذا دليلكم أي الإجماع وقد بين الفرق "،فلا يدل على وجوب التوصل مطلقًا."
..
.
قال ابن الحاجب "مسألةٌ :المندوب" قال الشارح "هاتان مسألتان تتعلقان بالندب :أولاهما أن المندوب هل هو مأمور به ،المحققون على أنه مأمور به خلافًا للكرخي وأبي بكر الرازي"
هذا هو الجصاص صاحب الأصول وأحكام القرآن (ت370هــ).
لنا"
من أدلتنا :1_"أنه طاعة إجماعًا والطاعة فعل المأمور به ، ولنا 2_ أيضًا اتفاق أهل اللغة أن الأمر ينقسم إلى أمر إيجاب وأمر ندب ومورد القسمة مشترك" بينهما .
"قالوا" أي المخالفون كالجصاص والكرخي أدلتهم :1_":لو كان المندوب مأمورًا به لكان تركه معصية إذ لا معنى للمعصية إلا مخالفة الأمر وترك المأمور به يحققها ، 2_ وأيضًا لو كان مأمورًا به لما صحَّ قوله عليه الصلاة والسلام (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) لأنه ندبهم إليه " فلم يأمرهم بالمندوب فعندئذ لا يعتبر المندوب مأمورًا به _وهنا تنبيه معناه أن لولا تدل على امتناع الوجود أي نفي الإثبات فهي للنفي /وأما لو فإنها تدل على امتناع الامتناع وهو نفي النفي وهو الإثبات_. قال "3_ولأن الوجوب هو الذي يتضمن المشقة دون الندب."
"الجواب"
عليهم من الجمهور والمحققين ":المعصية مخالفة أمر الإيجاب ، وقوله لأمرتهم أي أمر إيجاب كلاهما" أي أمر الإيجاب المذكور آنفًا مرتين "على سبيل المجاز ،وأنه وإن كان خلاف الأصل وجب المصير إليه بالدليل الذي ذكرنا" من أنه طاعة بالإجماع والطاعة مأمور بها وغيره من الأدلة.
..
.
قال ابن الحاجب "مسألة ٌ المندوب ليس بتكليف" قال الشارح "المندوب ليس بتكليف لأن التكليف يُشعِر بإلزامِ ما فيه كلفة ومشقة وهو منتف"
هذا الكلام الصحيح الذي ينبغي أن يقال وليس السابق في المسألة التي قبل هذه من أن المندوب غير مأمور به فكأنه وسط بين أن يكون المندوب مأمورًا وتكليفًا فنقول لا ليس بتكليف. "قال الأستاذ" _الأستاذ عند الأصوليين غالبًا ما يقصد به أبو إسحاق الإسفراييني وهو ركن الدين إبراهيم بن محمد الشافعي الأصولي المناظر القوي في الجدل الراد على الملحدين والمعتزلة (ت418هــ) فقال هذا الأستاذ_ ":هو تكليف فإن فعله لتحصيل الثواب شاق ،ورُدَّ بأنه في سعة من تركه" من ترك المندوب "؛لعدم الإلزام" به ،"وإن قال وجوب اعتقاد ندبيته تكليف" أي إن قال ليس هو ذاته التكليف وإنما اعتقاد أنه مندوب من الشارع فهذا الاعتقاد تكليف. قلنا :ذلك حكم آخر وبالجملة فالمسألة لفظية"
..
.
قال ابن الحاجب "مسألةٌ :المكروه" قال الشارح "أقول هذه مسألة فذة تتعلق بالمكروه وفيها ثلاث أبحاث"
الأوليان أنه مثل المندوب فيهما كما نص المصنف ابن الحاجب وكذلك العضد فقال ":الأول :أنه منهي عنه في الأصح والكلام فيه كما في أن المندوب مأمور به" وسبق بيانه في المندوب.
"الثاني :أنه ليس بتكليف خلافًا للأستاذ والكلام فيه أيضًا كما في المندوب"
كذلك.
"الثالث :أنه يطلق على معنيين آخرين غير ما تقدم ، أحدهما : الحرام وكثيرًا ما يقول الشافعي أنا أكره هذا"
وأيضًا كما ذكرنا في بداية الكلام على الأحكام التكليفية أن الحنفية يطلقون المكروه على المحرم ويسمونه مكروهًا كراهة تحريم. "ثانيهما :ترك الأولى ويقال ترك صلاة الضحى مكروه" وهذا عند بعض العلماء أن يطلقوا على المكروه ما يترك به الأولى ولا يفرقون بين الاثنين _ومنهم من يبين الفرق بين المكروه وخلاف الأولى كما عند المالكية وقد نص على ذلك صاحب مراقي السعود وغيره وذكر هذا عند الحنابلة والشافعية_ فأراد بعد ذلك الشارح أن يبين الرابط بين الاثنين فقال "وإن لم يرد عنه نهي" كما لم يرد نهي عن ترك صلاة الضحى "لكثرة الفضيلة فيها فكأن في تركها حط مرتبة" أي لكن لما رأينا كثرة الفضيلة فيها أدركت عقولنا أن في تركها حط مرتبة ونقصان عن منزلة رفيعة ولا دخل للعقاب فيها ولا للتكليف كذلك بها.
..
.
قال ابن الحاجب "مسألة :المباح" قال الشارح "اختلف في المباح هل هو مأمور به؟ فنفاه الجمهور"
نفوا أن يكون مأمورًا به "خلافًا للكعبي" _وقد تمت ترجمته قبل عدة جمل ، " لنا " أي دليلنا الجمهور وقد بين في هذا الدليل ثلاث مقدمات ثم نتجت عنها نتيجة والمقدمات هي 1_ "أن الأمر طلب" المقدمة الأولى ،2_ "وهو يستلزم ترجيح المأمور به على مقابله" المقدمة الثانية أن الطلب يستلزم ... ، "3_والمباح لا ترجيح فيه لتساوي طرفيه" المقدمة الثالثة ، "فلا يكون مأمورًا به" وهذه هي النتيجة .
"احتج الكعبي بأن كل مباح ترك حرام فإن السكوت ترك للقذف"
مثلًا "والسكون" عدم الحركة "ترك للقتل ،وكل ترك حرام" كالقذف والقتل "واجب" النتيجة "فالمباح واجب ، وبهذا يتم دليله.
فقوله"
أي قول المصنف ابن الحاجب حيث يبين معنى كلام الكعبي هنا وهو "وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كأنه جواب لسؤال ، وهو أنه ليس ترك الحرام نفس فعل المباح غايته أنه لا يحصل إلا به" كأن نسأل سؤالًا نحن الجمهور وهو أن ترك الحرام ليس من فعل المباح فلم ألحقته بالمباح؟ فجاء ابن الحاجب بالجواب منه اختصارًا بدون سؤال وهو ما ذكره العضد حيث قال "فأجاب بأنه لا يضرنا فإنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وبه يتم دليلنا. وأُلْزِمَ بأن هذا الدليل والدعوى في مصادمة الإجماع فلا يُسْمَعُ" لا الدليل ولا الدعوى "وذلك للإجماع على أن الفعل ينقسم إلى مباح وواجب ولا شيء من المباح بواجب.
فأجاب :بأن دليلنا قطعي فيجب تَأوّلُ الإجماع بذات الفعل"
مباحًا "من غير نظر إلى ما يستلزمه من ترك الحرام جمعًا بين الأدلة" بين الإجماع ودليله الذي من باب مال لا يتم ... قال "ولا يمتنع كون الشيء مباحًا لذاته واجبًا لما يستلزمه كما يكون الشيء واجبًا حرامًا باعتبارين" الوجوب والتحريم.
"وقد أجيب عن دليله"
جوابه هذا الذي في قوله بالتأويل "بجوابين :الأول :لا نسلم أنه لا يتم الواجب إلا به وذلك أنه غير معين" أي مثلًا أن السكوت الممثل به المذكور آنفًا لم يتعين وإنما يستطيع ترك القذف بكلام آخر مثلًا أو بالسفر وغيره كثيير، فلم عينته ثم بنيت على هذا التعيين بأن ما لا يتم الواجب... قال العضد غير معين "لذلك لإمكان الترك بغيره" كما قلنا فيمكن ترك القذف بالسكوت وبغيره فلم عينت السكوت ثم أوجبته قال الشارح "وهو ضعيف" أي وردنا هذا ضعيف "؛لأن فيه تسليم أن الواجب أحدها لا بعينه" ووجه الضعف في ردنا هذا عليه هو أنا سلمنا له بأنه واجب ولكن قلنا له لماذا عينته بواحد فيستطيع أن يقول هو واجب في أحد أنواع الترك مبهمًا لا بعينه فعندئذ لن نستطيع الرد عليه بهذا الدليل قال "فما يعمل فهو واجب قطعًا .غاية ما في الباب أنه واجب مخير لا معين" ونحن نريد أن نخرجه عن الوجوب حتى لا يقول لنا ما لا يتم الواجب إلا به ... قال "وهو لم يدع إلا أصل الوجوب" فيعترض علينا بما ذكرنا.
الثاني : أنه يلزمك"
يا أيها الكعبي على حد قولك "أن تكون الصلاة حرامًا إذا ترك بها واجب ؛ لأنه سبب الحرام وسبب الحرام حرام" لأن الصلاة سبب الحرام هنا مثال ذلك كترك جزء من العمل المتفق عليه بأجرة بسبب الصلاة فهل تصير الصلاة هذه هنا حرامًا "وهو أيضًا ضعيف" أي وردنا هذا الثاني أيضًا ضعيف لماذا ؟ قال "فإن له أن يلتزمه باعتبار الجهتين" جهة الوجوب وجهة التحريم "كما تقدم" كما تقدم لما ذكر العضد مسألة الصلاة في الدار المغصوبة وهي لم تمر معنا لكن موجودة في أصل كتاب العضد.
والجواب الحق الذي لا مخلص منه إلا به :منع كون ما لا يتم الواجب إلا به من ضروراته العادية والعقلية واجبًا كما تقدم "
لما طرحنا مسألة مقدمة الواجب وهي ما لا يتم الواجب إلا به خلصنا بقول ابن الحاجب من اعتبار الشرط الشرعي فقط المنصوص عليه ونحوه من الموضحات شرعًا. ثم قال الأستاذ :الإباحة تكليف" كما قال في المندوب والمكروه "ولا يخفى بعده" بل هو أبعد من أن نتكلم فيه كما تكلمنا فيه عند الندب والكراهة فإن يكن الندب ليس تكليفًا فالإباحة من باب أولى "أو هو يحمل على أنه يتضمن تكليفًا وجوب اعتقاد إباحته" كما ذكر في آخر المندوب وهو احتمال من العضد.
..
.
قال ابن الحاجب "المباح ليس بجنس للواجب" قال الشارح "ظن قوم أن المباح جنس للواجب وهو باطل ، بل هما نوعان داخلان تحت جنس الحكم"
أي الحكم الشرعي كما بينا.
لنا أن المباح لو كان جنسًا للواجب لاستلزم النوع وهو الواجب التخيير لأنه من حقيقة الجنس"
فإن فيه معنى التخيير القريب من الإباحة ومعنى الوجوب الموجود في الأمر بواحد مبهم من خصال الكفارة مثلًا ، وهذا متفق على عدم تنزيل حكم الإباحة فيه. "والنوع مستلزم لجنسه ضرورة" يعني أن كل نوع يستلزم أنه مندرج تحت جنسه ضرورة ، "واللازم ظاهرٌ بطلانه" في حالتنا هذه.
"قالوا"
المخالفون الذين وصفهم بقوم :"المأذون في فعله" المباح "حاصل فيهما وهو" أي وهذا الإذن "تمام حقيقة المباح وجزء حقيقة الوجوب لاختصاصه بقيد زائد وهو أنه غير مأذون في تركه ولا معنى للجنس إلا ذلك" فيصير داخل تحت جنس الواجب بما أنه جزء من حقيقة الواجب.
الجواب :لا نسلم أن ذلك حقيقة المباح بل ذلك جنسه ،وفصله"
الوصف المانع من أن يندرج تحت جنس الواجب "أنه مأذون في تركه ،وبه يمتاز" المباح "عن الواجب فلا يصدق عليه."
..
..
... إلى هنا نهاية الشرح
ثم ننتقل إلى المسائل التي أملانا إياها الشيخ ابن حميد حفظه الله ..
.
1_ نص الإمام مالك _رحمه الله على أن وقت بعث السعاة لجلب الزكاة هو إذا طلعت الثريا النجم المعروف لأنه غالب خروج الثمر ومجيء أهل البادية _ وهذه المسألة مرت معنا في الوقت المقدر لا شرعًا_

2_ س/ متى يتعين فرض الكفاية فيتحول إلى واجب عيني؟
أ_ إذا غلب على ظنه أن غيره لن يقوم به.
ب_ إذا كان يحسنه ويتقنه ولا يوجد من يتقنه.
ج_ إذا شرع في هذا الفرض الكفائي وبدأ فيه.
د_ إذا اضطر القوم كدخول العدو.
...3_ س/ ما هو الأفضل فاعل فرض الكفاية أم العيني؟
فاعل فرض الكفاية أفضل لأنه أسقط الإثم عنه وعن غيره.

...4_ س/ ما هو الآكد فعل فرض الكفاية أم العيني؟
فرض العين آكد لأنه أولى بالعمل لقوله تعالى (وما تقرب إلي عبدي بأحب إلي مما افترضته) وخالف الجويني هنا.
...5_ س/ فرض الكفاية هل يكفي في سقوطه الظن أم اليقين؟
يكفي الظن بأنه فعل لأنه يصعب جدًا التيقن.

...6_ س/هل يؤجر الذين لم يقوموا بفرض الكفاية كما أنهم لا يأثمون؟
الأصوليون يقولون لا يؤجرون ما عملوا شيئا بخلاف من عمل.
...7_ س/ هل العبرة بالأذان في الفطر في رمضا وغيره أم بالغروب؟
العبرة بالغروب _رأي الشيخ_

...8_ هل يبقى فرض الكفاية فرضا على الكفاية إذا فعل أول مرة أم يصير نافلة؟
مثل صلاة الجنازة تصبح نافلة لمن يأتي بعد الصلاة الأولى والمسألة هذه اختلف فيها.
...9_ (الحنفية يسمون الواجب الموسع ظرف / والمضيق معيار)
...10_ (ما لا يتم المأمور به فهو مأمور به ) سواء كان مستحب أو واجب أو نذر.
...11_ الصيام لا يتبعض فمن نذر أن يصوم نصف يوم فعليه كله لأن الصيام لا يتم إلا بالكل.
...12_ س/ إذا أصبح المندوب أو السنة شعارًا للمبتدعة هل نتركه؟
لا نتركه أبدًا.
...13_ س/ هل للعالم أن يترك السنة إذا خشي أن يعتقد العامة وجوبها؟
نقول له ذلك لما ورد عن النبي في التراويح تركها ولكن قيل بأنه تركها خشية أن يفرضها الله عليهم وليس أن يعتقد العامة وجوبها / وقد روي عن القرافي:أن أهل مصر اعتقدوا فجر الجمعة ثلاث ركعات لوجود السجدة الفاصلة في الركعة الأولى.

...14_ س/هل يجوز الانفكاك عن السنة والمندوب بعد الشروع فيه؟
أما الحج والعمرة فبالإجماع لا يجوز الانفكاك عنها إذا بدأت لقوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة) /وأما في غير الحج والعمرة فقال الجمهور نعم يجب الإتمام بالشروع لقوله صلى الله عليه وسلم للذي سأل عن ما يجب عليه فعدد عليه ما يجب ثم قال هل علي غيرها فقال النبي ( لا إلا أن تتطوع) وخالف الحنابلة الجمهور وقالوا أن هذا الاستثناء منفصل.
...15/ س/الزائد على القدر الواجب في الركوع هل هو مستحب أم واجب؟
الراجح أنه واجب لأنه يتبع الأصل وهو الاطمئنان وإن قلنا أنه مستحب فلا يكون اللاحق في الركوع الطويل الزائد عن المشروع لا يكون لاحقًا لأنه دخل في مستحب.

...16_ السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على الدوام أو إذا تكرر سببها كان داوم عليها وهذا للمالكية.
...17_ س/ هل يشترط أن تكون السنة ظاهرة؟
لا لأن ركعتي الفجر لم يظهرها النبي صلى الله عليه وسلم .

...18_ *المندوب يشمل السنة والنافلة /ومن العلماء من يقول لا فرق بين المندوب والمستحب والسنة والسنة ما داوم عليها النبي عليه السلام / من المندوبات ما هو مندوب بالجزء لكنه مطلوب بالكل مثل صيام عاشوراء والقرآن لا يترك من الكل .
*المكروه لا يطلبه الشارع أبدا وخالف الحنفية بأنه قد يطلبه مثل صلاة النافلة في وقت النهي.
*إذا أطلقت الكراهة فإنها تحمل عند الجمهور على الكراهة التنزيهيةوأماعند الحنفية فلللتحريم.
...19_س/المباح قد يكون مطلوب الفعل أو مطلوب الترك هل يصح هذا؟
البيع ملًا مطلوب الكل فلا يجوز توقفه في الدنيا لضرورته ولكنه على الأفراد مباح.
 
أعلى