العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شرح كتاب الطهارة من (عمدة الفقه) للإمام الموفق ابن قُدامة

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
شرح مقدمة المصنِّف

ابتدأ رحمه الله تعالى بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم) اقتداءً بالكتاب العزيز وبسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتُبه إلى الملوك وأشباههم، و(الباء) فيها تعني المصاحَبة أو الاستعانة، و(الاسم) مشتق من "السمو" وهو العلو، أو من "السِّمَة" وهي العلامة، ولفظ الجلالة (الله) عَلَمٌ على الرب سبحانه وتعالى، وهو اسم لم يُسَمَّ به غيره، (الرحمن الرحيم) اسمان مشتقان من الرحمة، وأسماؤه تعالى كلها حسنى. فالرحمن: ذو الرحمة الواسعة، والرحيم: مُوصِل رحمته إلى مَن شاء من عباده. وقوله: (بسم الله) جار ومجرور متعلِّق بمحذوف تقديره: باسم الله أَكْتُب، أو أُؤَلِّف ونحوه.
ثم قال: (الحمد لله) الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية على جهة التعظيم، و(اللام) للاختصاص، وقوله: (أهلِ الحمدِ ومستحقِّه) بَدَلٌ مجرورٌ من لفظ الجلالة، (حمداً يفضُل على كل حمد كفضل الله على خَلْقِه) أي: حمداً يزيد على كل حَمْدٍ غَيرِهِ زيادةً ظاهرة. ( وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ قائمٍ لله بحقه ) وهي أعظم شهادة، وقد شهد الله تعالى بها وأشهدَ ملائكته وأولي العلم قائماً بالقسط، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، ( وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه غير مرتابٍ في صدقه ) فهو عبدٌ لا يُعبَد، ورسولٌ لا يُكذَّب، بل يُطاع ويُتَّبَع. ( صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ما جاد سحابٌ بوَدْقِه، وما رَعَدَ بعدَ بَرْقِه ) جمع بين الصلاة والسلام على رسول الله عملاً بقول الله تعالى: (( إنَّ الله وملائكته يُصَلُّون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً ))، وروى البخاري معلَّقاً مجزوماً به عن أبي العالية أنه قال: صلاة الله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
وصلى وسلم على آله، واختُلِف في المراد بهم على أقوال، من أقواها: أنهم ذريته وأزواجه صلى الله عليه وسلم، وصلى وسلم على صحبِه، وهم الذين لَقُوه مؤمنين به وماتوا على الإسلام. وجمع بين الآل والصحب لفضل كلٍّ، ولم يقتصر على الآل مخالفةً للروافض، ولم يقتصر على الصحب مخالفةً للنواصب.
وقوله: ( ما جاد سحابٌ بوَدْقِه، وما رَعَدَ بعدَ بَرْقِه ) أي: صلاة وسلاماً يتكرران كلما هطل مطر، أو أرعد رعد.
( أما بعدُ ) هذه كلمة يؤتى بها للفصل بين مقدِّمة ومقصود، وقد جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنِّف: ( فهذا كتابٌ في الفقه اختصرتُه حسب الإمكان ) والفقه هنا يقصد به العِلم المعروف اصطلاحاً، وهو معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. والاختصارُ أن يقِل اللفظُ ويكثر معناه. (واقتصرتُ فيه على قولٍ واحد ليكون عُمدةً لقارئه، فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات) وهذا الأصل في طلبة العلم المبتدئين، أن يُعْنَوا بمختصَرٍ في كل فن يدرسونه، ولا ينتقلوا عنه إلى آخر أَوعب حتى يضبطوه على شيخ عارف بصير؛ فمن رام العلم جُملة ذهب عنه جملة، وقد اختار الإمام الموفَّق رحمه الله تعالى في كل مسألة يوردها قولاً في مذهب الإمام أحمد رحمه الله يعتمد عليه القارئ، وربما كان ذلك القولُ المختارُ خلافَ مشهورِ المذهب أحياناً كما سيأتي.
-والرواية: أحد أقوالِ الإمام أحمد المرويةِ عنه نصاً في حكم مسألة ولو تنبيهاً .
-والوَجْه: ما يخرّجه أصحابُ الإمام المجتهدون من حكمٍ على مسألةٍ وفق أُصول الإمام وقواعده أو إيمائه أو دليله أو تعليله؛ فتنسب إلى المذهب مع أنه لم ينص عليها ولا تكلم بها .
ثم ذكر الموفق رحمه الله تعالى سبب تصنيفه هذا الكتاب بقوله: ( سألني بعضُ إخواني تلخيصَه ليقرب على المتعلمين، ويسهُلَ حفظُه على الطالِبين، فأجبته إلى ذلك معتمداً على الله سبحانه في إخلاص القصد لوجهه الكريم ) فالاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه مما يُعان به العبد كما قال الله تعالى: (( وَمَن يتوكلْ على اللهِ فهو حَسْبُهُ )) أي كافِيهِ، وإخلاص القصد لله سبحانه شرطٌ لصحة الأعمال، ومن أجلِّها طلب العلم وتعليمه، وقد صحت الأخبار بالوعيد الشديد لمن قصد بذلك طلباً للشهرة والسمعة، نسأل الله السلامة والعافية. فعلى من وفقه الله تعالى لسلوك هذا الطريق أن يقْدُرَ المقام قَدْرَه، وأن يحرص غاية الحرص على تصحيح نيته وتصفيتها من كل شائبة. قال: ( وأودعتُه أحاديث صحيحة تبركاً بها واعتماداً عليها، وجعلتها من الصحاح لأستغنيَ عن نسبتها إليها ) ويقصد بالصحاح هنا كتب السُّنَّة الستة فيما يظهر، وفي هذا تساهل كما قال أئمة الحديث؛ إذ لا يصح إطلاق لفظ الصحاح على سنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن النسائي وسنن ابن ماجه، لأنها حَوَت -مع الصحيح- الحسنَ والضعيف.


قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في ألفيته:
ومن عليها أطلق الصحيحا *** فقد أتى تساهلاً صريحـا


نسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، إنـه جوادٌ كريم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
ابتدأ المصنف بالكلام على العبادات؛ لأن العبادات هي أول ما يطالب به العبد, ثم لأنها تلزم أكثر المسلمين بخلاف المعاملات التي لا يحتاج إلى تعلُّم أحكامها غير المتعامل بها.
وبدأ بالطهارة كغالب المصنفين في الفقه؛ لأن النصوص الشرعية قَدَّمَت الصلاةَ على غيرها من العبادات -وذلك بعد التوحيد-، ولماّ كانت الصلاة تشترط لها الطهارة، قدموا الشرط على المشروط، والكلام على الوسيلة مقدَّم على الكلام عن المقصد.

س: لِـمَ ابتدأ المصنف في الكلام على الطهارة بـ( باب أحكام المياه ) ؟
ج: لأن المياه هي الأصل في التطهير.

قال المصنف رحمه الله تعالى: (خُلِق الماء طهوراً) أي: أنه طاهر في نفسه مطهِّر لغيره؛ لحديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً : (إن الماء طَهورٌ لا ينجِّسه شيء)أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي. فالأصل أن الماء طهور لا ينجُس إلا إذا طرأ ما ينقله عن هذا الأصل.

وقوله: (يطهِّر من الأحداث والنجاسات) ذاك أن الطهارة قسمان: طهارة من حَدَث، وطهارة من خَبَث.
فالحَدَثُ : وصفٌ قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة .
والخَبَثُ : النجاسة، وهي عين مستقذرة شرعاً تمنع صحةَ الصلاة.
فالطهارة هي : [ رفع الحدث , و إزالة الخبث ]
*فائدة : الحدث أمر معنوي؛ لذا يعبَّر معه بالرفع، أما الخبث فأمر حسي؛ لذا يعبر معه بالإزالة.

الماء الطهور: هو الباقي على أصل خلقته حقيقةً أو حُكمًا (1).
ومن أمثلته: مياه الأمطار والآبار والعيون والبحار.

وقول المصنف: ( ولا تحصُل الطهارةُ بمائعٍ غيره )
يفيد أمرين:
الأول : أنه لا يطهِّر من الأحداث إلا الماء الطهور, ولا تحصل الطهارة من الحَدَث بمائع غيره.
الثاني : أنه لا يطهِّر من النجاسات إلا الماء الطهور، وهو مشهور المذهب وقول الجمهور.
لكن, هناك رواية عن الإمام أحمد بحصول الطهارة من النجاسات بكل مائع طاهر، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.

مسألة :
1- أجمع الفقهاء على أن الماء الكثير -الذي يشق نزحه وإذا حرك طرفه لم يتحرك الطرف الآخر - طهور لا ينجس إلا بالتغير.
2- أجمعوا - أيضاً - أن الماء إذا خالطته نجاسة فغيرت لونه أو طعمه أو ريحه نجس.

* لكنّ الإشكال في الماء القليل الذي خالطته نجاسة فلم تغيره (لم تغير لونه أو طعمه أو ريحه) هل ينجس بمجرد ملاقاته النجاسة، أم أنه لا ينجس لعدم التغير ؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد : أن الماء القليل -وهو ما كان دون القلتين- إذا خالطته نجاسة فهو نجس وإن لم يتغير. والدليل : حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخَبَث)الخمسة، وفي رواية: ( لم ينجُس ). ومفهومُه أنه إذا لم يبلغ القلتين يتنجس.

س: ما مقدار القلتين ؟
ج: قال المصنف: (والقُلَّتان ما قاربَ مائة وثمانية أرطال بالدمشقي)
وهما في الأوعية المكعبة: ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً، أي ستون سنتيمتراً طولاً وعرضاً وارتفاعاً.
وفي المدورة: ذراع واحد، مع عمق ذراعين ونصف الذراع.
وهما بالصاع : ثلاثة وتسعون صاعاً وثلاثة أرباع الصاع.

تنبيه: اعتبار القلتين تقريب على المعتمد في المذهب، لا تحديد، فلو نقص قليلاً عن القلتين فهو في حكم الكثير.

وفي رواية عن الإمام أحمد: أن الماء - قل أو كثر- لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة وفاقاً للمالكية, واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الأقرب؛ لأن دلالة المفهوم في حديث القلتين ضعيفة لا تقوى على دلالة منطوق حديث أبي سعيد (2)، ويكون معناه بيان أن ما بلغ القلتين يدفع عن نفسه النجاسة فلا يتغير شيءٌ من أوصافه بوقوع النجاسة فيه لكثرته، وما كان دون ذلك فلم يتعرض له الحديث؛ إذ أنه لِقِلَّتِه قد تؤثر فيه النجاسة وتغيِّره (3). والله تعالى أعلم.

مسألة : الماء الجاري لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ولو كان قليلاً إلا إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ لحديث أبي سعيد. قالوا : لأن الماء الجاري له قوة يدفع بها التغير عن نفسه فإنه يدفع بعضه بعضاً. وهذه رواية في المذهب اختارها الموفق ابن قدامة.
ومشهورُ المذهب: أن الجاري كالراكد.

أقسام المياه :
الماء ثلاثـة أقسام : طهـور، وطاهـر، ونجـس.
هذا على المشهور عند الحنابلة، وهو مذهب الجمهور.

واختلف العلماء في القسم الثاني، فأثبت الجمهورُ وجودَ قسمٍ للماء طاهرٍ في نفسه ولكنه لا يصلح للتطهير، واستدلوا بما يلي:
1-حديث أبي هريرة أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء , فإن توضأنا به عطشنا, أفنتوضأ به ؟ قال : ( هو الطهور ماؤه، الحِل ميتته ) الخمسة، وصححه نجوم الأرض من أهل الحديث.
قالوا : بما أنه من المعلوم أن ماء البحر ليس بنجس , فالصحابة مترددون بين كونه يطهِّر(طهوراً) أو لا يطهّر(طاهراً).. وهو المثبَت. فدل ذلك على أنه قد استقر في أذهانهم وجود ماء طاهر غير طهور.
2-حديث النهي عن الاغتسال في الماء الراكد, وحديث النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثاً عند الاستيقاظ من نوم الليل.
ووجه الاستدلال : أن هذه المياه مع كونها ليست نجسة فقد ورد النهي عن التطهر منها, فكونه يوجد ماءٌ ليس بنجس ولا يمكن التطهر منه فهو الطاهر إذاً.
3-من النظر : أن الماء لا يخلو إما أن يجوز الوضوء به أو لا، فإن جاز فهو الطهور، وإن لم يَجُز فلا يخلو إما أن يجوز شربه واستعماله أو لا، فإن جاز فهو الطاهر، وإلا فهو النجس.

- وهناك رواية عن أحمد, واختارها شيخ الإسلام أن الماء قسمان : طهور, ونجس . وقال: إثبات قسم طاهر غير مطهر لا أصل له في الكتاب والسنة .
وردوا قول الجمهور: بأن حديث أبي سعيد أثبت طهورية الماء وأنه لا ينجسه شيء, فالماء إذاً باقٍ على طهوريته لا يخرج منها إلا بإجماع, وهذا لا يكون إلا بتغيره بنجاسة. واستدلوا بما رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم من قصعة بها أثر العجين مع ميمونة رضي الله عنها.
وأما ما استدل به الجمهور من استقرار وجود قسم للماء طاهر غير مطهر في أذهان الصحابة فغير مسلَّم، وأحاديث النهي المذكورة لم تتعرض لذكر طهورية الماء ولا لنجاسته، وأما دليل النظر فإنه يعكِّر عليه أن الماء المغصوب مثلاً لا يجوز شربه ولا التطهر به مع أنه ماءٌ طهورٌ. والله تعالى أعلم.

س: ما هو الماء الطاهر عند الحنابلة؟
ج: هو على نوعين رئيسين:
أحدهما: كل ماء طُبِخ فيه شيء طاهر أو خالطه فغلب على اسمه، كالمرق وماء الورد والزعفران.
والثـاني: كل ماء -دون القلتين- استُعمِل في رفع حدث.
ومما استدلوا به على أن الماء المنفصل عن أعضاء رافع الحَدَث طاهر غيرُ مطهِّر حديثُ أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يغتسلْ أحدكم في الماء الدائم وهو جُنُب) مسلم. ولولا أن رفع الجنابة يفيد سلب الماء طهوريته لم ينهَ عنه.
وعند أحمد رواية بأنه طهور لا يكره , واختارها شيخ الإسلام وغيره من أكابر الحنابلة (4).

قال المصنف: ( وإذا شك في طهارةِ شيءٍ أو نجاسته بنى علي اليقين )
قال شيخ الإسلام في "شرح العمدة"(1/83): (فإن تيقن طهارته ثم شك هل تنجس أم لا بنى على ما تيقنه من طهارته، وكذلك إذا تيقن النجاسة، وكذلك البدن والثوب والأرض وجميع الأعيان، وهذه قاعدة مهمة في الشرع وهي استصحاب الحال المعلومة واطراح الشك).

قال المصنف: ( وإن خفي موضع النجاسة من الثوب غسل ما يتيقن به غسلها) وإزالتها؛ فإن تيقن مثلاً أن النجاسة قد أصابت أحدَ كُمَّي الثوب، ولم يتبين له أيهما المتنجس؛ فإن عليه غسلهما كليهما ليحصل له اليقين أن النجاسة قد أزيلت.

قال: ( وإن اشتبه ماء طهور بنجس ولم يجد غيرهما تيمم وتركهما ) لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة، وهذا إنما يكون إذا لم يتمكن من تطهير النجس بالطهور.
( وإن اشتبه طهور بطاهر توضأ من كل واحد منهما ), إن شاء توضأ من كل واحد منهما وضوءاً كاملاً، وإن شاء غسل كل عضو بأخذ غرفة من هذا وغرفة من هذا؛ ليحصل اليقين أنه قد توضأ بالطهور.

قال: ( وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة صلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة ) فإن كان له على سبيل المثال أربعةُ أثواب أحدها نجس، لكنه لم يستطع تمييزه؛ فإنه يصلي في ثوبين منها ليحصل له اليقين أنه صلى في ثوبٍ طاهرٍ صلاة. هذا هو المذهب، والصوابُ: أن يتحرى بالنظر في القرائن. هذا إن لم يكن عنده ثوب طاهر بيقين. والله أعلم.

•النجاسة أنواع :
نجاسة الكلب من ريقٍ أو عَرَقٍ أو بولٍ أو رَوثٍ أو دمٍ أو غيرها: تُغسَل سبعاً أولاهن بالتراب.
لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا وَلَغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )متفق عليه، ولمسلم: ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) (5).
ـ وألحقوا بالكلب الخنزير , قالوا : لأنه شر من الكلب وأخبث، وقد نص القرآن على رجسيته.
والصحيح: أنه لا يلحق بالكلب؛ إذ لو كان الحكم يشمله لبينه الشارع ونص عليه؛ لوجوده زمن التشريع.

النجاسة على الأرض: يكفي أن يُصَب عليها الماء صبة واحدة تُذهِب عين النجاسة وأثرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي : ( صُبُّوا على بوله ذَنوباً من ماء ) متفق عليه.

سائر النجاسات على غير الأرض : ذكر المصنف أنها تُغسل ثلاثاً مُنقِية، وهذا من اختياراته في المذهب؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يَغمِس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ) مسلم. فإذا وجب تثليث غسل اليد بوهم النجاسة، فإنه لا بد من التثليث لإزالة حقيقة النجاسة. والمشهور عند الحنابلة: أنه لا بد من سبع غسلات إلحاقاً بنجاسة الكلب، مع استدلالهم بأثر ضعيف لا أصل له: أن ابن عمر قال: أُمِرنا بغسل الأنجاس سبعاً.
والأظهر والله أعلم: أنه لا يشترط لذلك عدد، وهي رواية في المذهب ، بل يجزئ مكاثرتها بالماء بحيث تزول عين النجاسة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أصاب إحداكن دم الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصلِّ فيه ) البخاري. وأما القول بالتثليث؛ فإن الحديث الذي استدلوا به جاء في صحيح البخاري بدون ذكر التثليث، ثم إن هذا الغَسل ليس بواجب على الصحيح خلافاً لمشهور الحنابلة؛ لأن الأمر به في الحديث معلَّل بوهم النجاسة، ولا يجب غسل ما كان متوهم التنجس، ولأنه داخلٌ في باب الآداب.

بول الغلام ( دون الجارية ) الذي لم يأكل الطعام: يكفي فيه النَّضْح(6) ؛ لحديث أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال في ثوبه , فدعا بماء فنضخه ولم يغسله . متفق عليه.

نجاسة المَذْي (7): يكفي فيها النضْح، ويعفى عن يسيره؛ لمشقة التحرز منه -على ما اختاره المصنف وهو اختيار ابن تيمية أيضاً، ومعتمدُ المذهب: وجوب غسله، وعدم العفو عن شيء منه، كالبول. فعن علي قال: كنتُ رجلاً مذّاءً فاستحييتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرتُ المقداد فسأله، فقال: (يغسِل ذَكَره ويتوضأ) متفق عليه.

ويعفى عن يسير الدم , فإن الدم نجس عند جماهير الأمة، بل حُكِي الإجماع عليه (8).
ويسير الدم: هو مالا يفحُش في النفس، وفي رواية: ما لا يفحش عند أوساط الناس؛ فلا عبرة بالمتبذلين كالقُصَّاب ولا المتقززين كالموسوسين ومَن تنفر نفوسهم من قطرة دم.

قال المصنف: ( ومنيُّ الآدمي وبولُ ما يؤكَل لحمه طاهر )
فالمني من الآدمي طاهر، ولو قلنا بنجاسته لاستلزم ذلك نجاسة الآدمي، ومما يعضد القول بطهارته ما رواه مسلم وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه. (قلت): ولو كان نَجِسًا لَمَا أَجْزَأَ فَرْكُه.

و بول وروث ما يؤكل لحمه طاهر، ومن الأدلة على ذلك:
• تجويز الصلاة في مرابض الغنم ولا يَسلَمُ المصلي فيها غالباً من مباشرة أبوالها وأرواثها .
• أمر النبي صلى الله عليه وسلم العُرَنِيِّين بالشرب من أبوال إبل الصدقة وألبانها، ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما يصيبهم منها، ولم يبين لهم أدنى بيان يقضي بنجاستها، فتبقَى على الأصل.
• طواف النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة راكباً على البعير, وذلك مظنة أن يلوِّث المسجد حال الطواف, وكان الأعرابي يُدخِل بعيره المسجد ولا يُنهَى، فدل على طهارة ذلك .

-----
( 1 ) ونقصد بقولنا (حكمًا): أنه حصل له تغير، لكنه لم يسلبه طهوريته. مثل : الماء الذي تغير بمخالِطٍ طاهر يشق صون الماء عنه كطحلب.
( 2 ) ويسمى هذا المفهوم: مفهوم المخالفة، وهو حُجَّة إلا إذا كان السياق يأباه، وقد احتج به الجمهور إلا في أحوال معدودة، فلتُراجَع.
( 3 ) وفرّق الحنابلة -في رواية بالمذهب- بين بول الآدمي وعذرته المائعة وبين سائر النجاسات؛ معتبرين ما وقعت فيه عذرة الآدمي أو بوله من المياه نجساً سواء كان قليلاً أو كثيراً إلا إذا كان يشق نزحه فلا ينجس إلا بالتغير. مستدلين بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)متفق عليه، وهو خاص في البول، ومثله العذرة، لكنه يشمل القليل والكثير.. وحملوا خبر القُلَّتين على بقية النجاسات. ولكنَّ المعتمَد في المذهب ما أثبتناه أعلاه. انظر الإنصاف(1/60)، وكشاف القناع(1/40).
( 4 ) وهو الأظهر؛ لأن ما غلب على اسمه مخالِطٌ، وهو النوع الأول، قد انتقل عن مسمى الماء إلى غيره فلا يكون حينئذ من أقسام المياه، وأما حديث أبي هريرة فالنهي فيه لئلا يقذِّرَ الماءَ الدائم، والأصل بقاء ما كان على ما كان.
( 5 ) الولوغ: أن يشرب بطرف لسانه، وقيل: بل أن يُدخِل لسانه في الماء شرب أم لم يشرب.
( 6 ) والنضح : غمر المحل بالماء وإن لم يَسِل منه شيء.
( 7 ) المذي بالتخفيف والتشديد: هو سائل أبيض رقيق يخرج من القُبُل عند اشتداد الشهوة بفِكر أو نظر أو ضم أو تقبيل أو مداعبة، ويخرج بلا دفق، ولا يعقبه فتور، وقد لا يحس بخروجه، أما المني فهو الماء الدافق الخارج من القُبُل، والذي تشتد الشهوة عند خروجه، ويفتر البدن بعده. وهو أبيض غليظ من الرجُل وله رائحة كطلع النخل أو العجين، وأصفر رقيق من المرأة ورائحته كبيض منتن.
( 8 ) والإجماع دليل قائم بذاته، ولا يُعرَف خلاف صريح ثابت عن قائله في ذلك إلا بعد المائة الثانية عشرة، واستدل بعض المتأخرين على طهارته بما لا دليل فيه لمكان الضرورة، وغير ذلك.
 
التعديل الأخير:
إنضم
22 يونيو 2008
المشاركات
1,566
التخصص
الحديث وعلومه
المدينة
أبوظبي
المذهب الفقهي
الحنبلي ابتداءا
هذه بواكير بركة وإشراقة خير .. واصل وصلك الله بطاعته فإنا متابعون ..
ومن أراد حق الاستفادة من هذا الشرح فليحفظ مسائله ..
ونظمها تراه في المرفقات ..
 

المرفقات

  • نظم تيسير فقه العمدة.rar
    263.4 KB · المشاهدات: 2
إنضم
21 أغسطس 2009
المشاركات
213
التخصص
طويلب علم مبتديء
المدينة
الثغر الإسكندري
المذهب الفقهي
شافعي
أحسن الله إليكم شيخنا ونفعنا بعلمكم
وإني أحبكم في الله كثيرا
فلكم مني خالص التحية والتقدير
 
إنضم
4 أبريل 2010
المشاركات
4
التخصص
لغة إنجليزية
المدينة
الشرقية
المذهب الفقهي
حنبلي
جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب أبا بكر ، وأسأل الله عز وجل أن يرفع قدرك وأن ينفع بك وأن يرزقك جنته سبحانه وتعالى ولا تنسانا من صالح دعائكم . أخوكم أبو سفيــــــــــان.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب (الآنيـة)

تعريف الآنية: جمع إناء وهو الوعاء. وجمع الآنية: الأواني .

قاعدة :
( الأصل في الأشياء الإباحة ) .
قال الله تعالى : (( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً )), وقال تعالى : (( قل مَن حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق )), وقال تعالى : (( وقد فصَّل لكم ما حَرَّمَ عليكم )) .

= فيباح استعمال كل إناء طاهر إلا ما ورد النص بتحريمه, وهو [ إناء الذهب و الفضة ] .
ودليل تحريم الأكل والشرب فيهما حديث حذيفة مرفوعاً : ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب ولا الفضة ولا تأكلوا في صحافها, فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ) متفق عليه.
وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق عليه.

* لاحظ أن الحديث نص على الأكل والشرب. فما الحكم في سائر الاستعمالات -سوى الأكل والشرب- كالتطهر والتطيب والاكتحال واتخاذ الأقلام ونحوه ذلك ؟

مذهب جماهير أهل العلم أن التحريم يشمل جميع وجوه الاستعمالات
وقالوا : إن النص خرج مخرج الغالب, أو أنه تنبيه بالأعلى على الأدنى؛ فالأكل والشرب يحتاج إليهما أكثر من غيرهما, ومع ذلك حرمهما فيها , فكان غيرهما محرماً من باب أولى (1).
وقالوا أيضاً : إن العلة من تحريم الأكل والشرب فيهما, موجودة في الاستعمال أيضاً، وآخِر حديث حذيفة مُشعِرٌ بذلك؛ لذا قال الشيخ الموفق:
( لا يجوز استعمال آنية الذهب والفضة في طهارة ولا غيرها ).

*مسألة :
التحريم لاستعمال آنية الذهب والفضة يشمل الرجال والنساء؛ لعموم الأخبار وعدم المخصص.

* مسألة :
كل ما حَرُم استعماله مطلقاً حَرُم اتخاذه على هيئة الاستعمال.
س: ما الفرق بين " الاستعمال " و " الاتخاذ " ؟
ج: الاستعمال يعني التلبس بالانتفاع بالشيء , أما الاتخاذ فهو مجرد الاقتناء دون الانتفاع كزينة أو غير ذلك .

تنبيه :
يدخل في آنية الذهب والفضة ما كان مموَّهاً أو مطعَّماً أو مطلياً بهما أو بأحدهما, وكذلك المضبَّب إلا ما ورد النص بجوازه , وهو : [ الضبة اليسيرة (2) من الفضة لحاجة ].
فيخرِج ما كان لزينة، وتخرُج الضبة من الذهب، كما قال القائل:
وضَبَّةُ العَسْجَدِ حَرِّم مطلقا *** كـذا الإمامُ النوويُّ حَقَّقا

فعن أنس أن قَدَح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر, فاتخذ مكان الشَّعْب سلسلة من فضة. البخاري


وقول المصنف: ( ويجوز استعمال سائر الآنية الطاهرة ) أي: ولو كانت ثمينة على المشهور.

مسألة : ما حكم آنية الكفار وثيابهم ؟
المشهور من مذهب الحنابلة : أنه يباح استعمالها ما لم تعلم نجاستها ..
- وهناك رواية في المذهب : أنه يجب غسل أواني من لا تحل ذبيحته من المشركين كالمجوس, بخلاف أواني أهل الكتاب فلا يجب غسلها ما لم تعلم نجاستها، وهو ما ذكره الموفق هنا .

ودليل الإباحة :
- ما جاء في الصحيحين من حديث عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شربوا من مزادة مشركة.
- وما جاء من أكل النبي صلى الله عليه وسلم في آنية اليهود .
- ولأن الأصل في أواني المشركين الطهارة والإباحة حتى يدل الدليل على نجاستها أو منعها .

أما حديث أبي ثعلبة الخُشَني وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا بأرض قوم أهل كتاب , أفنأكل في آنيتهم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها, وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها ) متفق عليه.
فالجواب عنه من أحد وجهين :
الأول : أن النهي محمول على الكراهية لا التحريم .
الثاني : أن ذلك خاص بقوم يستعملون النجاسات في أوانيهم كما ورد في بعض روايات للحديث، فيكون ما استعملوه نجساً بخلاف ما لم يستعملوه .

قال المصنف : ( وصوف الميتة وشعرها طاهر )
يُفهَم من هذا أنها خارجة عن أصل, وهو تحريم ونجاسة الميتة, ويدخل في ذلك عظمها، وفاقاً للجمهور؛ لأنه من أجزائها وتحله الحياة : (( قال من يحيي العظام وهي رميم ))، ودليل حياتها : أنها تحس وتتألم. واختار شيخ الإسلام طهارة عظمها وفاقاً للأحناف، والمذهبُ الأول.

أما الصوف والشعر والوبر, فالمشهور من المذهب أنه طاهر من الحيوان الطاهر حال حياته,
أما إذا كان الحيوان نجساً حال حياته فنجسة. وقد قال تعالى: (( ومن أصوافِها وأوبارِها وأشعارِها أثاثاً ومتاعاً إلى حين )) ولم تفرِّق الآية بين المذكاة والميتة, فدل على إباحتها وطهارتها في الجميع، كما أن الفرق بينها وبين أعضاء الميتة ظاهر؛ فإنها لو قُطِعَت منها حال حياتها فإنها طاهرة إجماعاً بخلاف ما لو قُطِع عضوٌ منها حال الحياة فحكمه حكمُ الميتة، فدل ذلك على أنها تخالف حكم الميتة في التحريم. والله تعالى أعلم.

مسألة :
ما حكم الآنية المتخذة من جلود الميتات ؟
المذهب : أن اتخاذها لا يجوز وأنها نجسة ولو دُبِغت تلك الجلود, وهناك رواية في المذهب – قيل : إنها آخر الروايات عن الإمام وهي التي رجع إليها – وهو مذهب الجمهور واختيار شيخ الإسلام: أن جلد الميتة يطهر بالدباغ (3) .
- ودليل مشهور المذهب : حديث عبد الله بن عُكَيم قال : أتانا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وأنا غلام ( أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَب )أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم.

وقد أجاب الجمهور عن الحديث بعدة أجوبة , أشهرها :
1- ضعف حديث عبدالله بن عكيم هذا؛ فقد أُعِلَّ بالإرسال والاضطراب والجهالة.
2- لو صح الحديث, فإن معنى الإهاب: الجلد قبل أن يُدبغ كما قال جمعٌ من أئمة اللغة، أما بعد الدبغ فيجوز الانتفاع به.
ويؤيد قول الجمهور, والرواية الموافقة لهم عن أحمد:
حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا دُبِغ الإهاب فقد طَهُر ) مسلم. فهو الراجح إن شاء الله تعالى.

*مسألة :
هل يشمل ذلك كل الجلود، حتى جلود السباع وجلد الكلب والخنزير؟
دل حديث ابن عباس على أن جلد الميتة نجس وأن الدباغ يطهره، وبقي النظر في هذا العموم: هل جاء ما يُخصِّصه؟!.
والأظهر في ذلك: أن الدباغ إنما يطهِّر جلد ما كان طاهراً حال حياته، وأما ما كان نجساً حال حياته فلا يطهِّره الدباغ، وهي رواية في المذهب رجحها شيخ الإسلام في أحد قوليه (4).

قال المصنف: ( كل ميتة نجسة إلا الآدمي ) فإنه لا ينجس بالموت. وقوله : ( وحيوان الماء الذي لا يعيش إلا فيه )
أي فإنه طاهر حلال؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن البحر: ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )الأربعة.

مسألة : ما لا نفس له سائلة -أي: ما ليس له دم من شأنه أن يسيل- من الحشرات طاهر (كالذباب والبعوض والقمل والبراغيث) ما لم يكن متولداً من النجاسات؛
لأن النبي
salah.gif
أمر بغمس الذباب في الإناء إذا وقع فيه. البخاري.

فالأصل في الميتة أنها نجسة، إلا ما استثناه، وهو: ميتة الآدمي، وميتة البحر، وميتة ما لا نفس له سائلة من الحشرات.
-----
( 1 ) ونظير ذلك قول الله تعالى: (( لا تأكلوا الربا ))، ولا قائل بقصر النهي على الأكل دون غيره، وقوله صلى الله عليه وسلم : (فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) مُشعِرٌ بالمنع منها مطلقاً، والعلة واحدة في جميع وجوه الاستعمال.
( 2 ) عُرفـاً، على القول الصحيح.
( 3 ) الدباغ: معالجة جلد الحيوان بمادة ليزول ما به من رطوبات ونتـن.
( 4 ) قلت: ويعضد هذا أن الحياة إذا لم تكن سبباً لطهارة الحيوان، فالدباغ من باب أولى، والنجاسة اللازمة لا تزول بالمعالجة. والله أعلم.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب ( قضاء الحاجة )

ويسمى باب الاستنجاء والاستجمار، وباب الاستطابة، وباب آداب التخلي.
والاستنجاء: إزالة خارجٍ من سبيلٍ بماء.

قال المصنف : ( يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله، أعوذ بالله من الخُبث والخبائث )
فرّق بعض العلماء بين لفظتي ( يستحب ) و( يُسَن ) بأن المستحب ما ثبت بتعليل ولم يثبت بنص .
لكنه هنا جعلهما مترادفين، وهو صنيع كثير من أهل العلم، فمراده بالاستحباب هنا: السنة. وثمرة السنة: أن يثاب فاعلها امتثالاً ولا يعاقب تاركها.
كما قيل: والسنةُ المثابُ من قد فَعَلَهْ *** ولم يعاقَبِ امرؤٌ قد أهملهْ .
قال النووي في شرح مسلم: ( والخَلاء والكَنِيف والمِرْحاض كلها موضع قضاء الحاجة ).

وقوله : (بِسْمِ اللَّهِ) لحديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( سَتْر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الكنيف أن يقول : بسم الله ) أحمد والترمذي وابن ماجه، وحسنه بعض أهل العلم بشواهده.

( اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث ) هكذا جاء في الصحيحين من حديث أنس بهذا اللفظ .. وأما اللفظ الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى بتمامه فملفَّق من عدة أحاديث.
- والخُبْث (بتسكين الباء): الشر والفعل الخبيث، فتكون الخبائث : أهل الشر من الشياطين وغيرهم (1).
- وأما الخُبُث (بضم الباء): ذكران الشياطين، فتكون الخبائث: إناثهم.

قوله : ( ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم ) من حديث ضعيف عند ابن ماجه.
- وإذا خرج قال : ( غُفْرانك ) صحيح، وهذا من حديث عائشة رضي الله عنها عند أبي داود الترمذي وابن ماجه..أما قول: ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) فمستنده حديث ضعيف عند ابن ماجه.

فإن قيل: ما سِرُّ استغفار النبي صلى الله عليه وسلم بعد قضاء حاجته وخروجه من الخلاء ؟
فالجواب أنه قد قيل في ذلك: إنه لما كان صلى الله عليه وسلم يذكر ربه على كل أحيانه وانقطع عن الذكر في تلك الفترة لقضاء الحاجة: استغفر الله مما حصل من نقص يراه من نفسه.
وقيل : إنه لما خرج الثقل الحسي عنه تذكر الثقل المعنوي ( الذنوب ) فاستغفر.
وقيل : هو استغفار من التقصير في شكر نعمة الطعام والشراب وتيسير خروجهما.
وقيل : لأن الخلاء مظنة الغفلة والوسواس فاستحب الاستغفار عقيبه.

( ويقدم رجله اليسرى في الدخول للخلاء ، واليمنى في الخروج )
والقاعدة : أن ما كان من باب باب إزالة الأذى ونحوه فيبدأ فيه باليسرى، وأما البُداءة باليمنى ففيما سوى ذلك.

مسألة : يكره أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى ، ويكره أن يذكر الله تعالى أثناء قضاء الحاجة(2)، وهذا من باب التأدب فقط وهو أدبٌ حَسَن.. وإلا فإنه لم يصح حديث صريح في كراهة ذلك. أما المصحف فيحرم أن يدخله الخلاء.

مسألة : الاعتماد حال الجلوس لقضاء الحاجة على الرجل اليسرى استحبه بعض الفقهاء ، وعللوا بأن ذلك الاعتماد يسهِّل خروج الخارج.. لكنّ حديثه الذي عند البيهقي وابن أبي شيبة ضعيف.

مسألة : ويسن الابتعاد عن الناس؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ويجب أن يستر عورته عنهم؛ لأن ذلك من حفظ الفرج. فعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة ) الحديث .. مسلم. قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" : ( ستر العورة عن العيون واجب بالإجماع ).

مسألة : (ويرتاد لبوله موضعاً رخواً)؛ حتى يأمن رشاش البول، وقد جاء التحذير من عدم الاستبراء من البول والترهيب من ذلك.

مسألة : يكره أن يبول في ثقب أو شَقٍّ؛ لما في ذلك من التعرض لأذى بعض الهوام، وقد يفزعه شيء فيتلوث بالنجاسة.
- وقد قيل : إنها – أي الشقوق – مساكن الجن، وذكروا قصة سعد بن عبادة عند الطبراني والحاكم، وقتل الجن إياه. وقد ضعفها جماعة وحسنها آخرون.

مسألة : حكم التخلي في طريق الناس أو ظلهم النافع أو تحت شجرة مثمرة : يحرم ذلك، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: ( اتقوا اللعّانين ) قالوا : وما اللعّانان يا رسول الله ؟ قال : (الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم) مسلم . وفي المذهب رواية أخرى بالكراهة.

قال رحمه الله: ( ولا يستقبل شمساً ولا قمراً ).
ولا يصح الحديث الوارد في النهي عن استقبالهما، وما ذكروه من تعليلات لذلك فيها نظر.
فالصحيح عدم كراهة استقبالهما حال قضاء الحاجة قال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" ( 2/205) : ( لم ينقَل عنه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك كلمةٌ واحدة ).

مسألة : حكم استقبال القبلة أو استدبارها حال قضاء الحاجة :- وفيه أقوال العلماء:
- فالمذهب : أنه حرام في الفضاء ، جائز في البنيان - وهو قول الجمهور .
- وفي رواية : أنه حرام مطلقاً - وهو اختيار ابن تيمية، وفاقاً للحنفية.

الأدلة : عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ، ولكن شرِّقوا أو غربوا ) (3) قال أبو أيوب : فقدِمنا الشام فوجدنا مراحيض بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله .متفق عليه . وهناك أحاديث أُخَر قد وردت في النهي عن ذلك ولم تفرق بين البنيان والصحراء .. إلا أنه قد جاء عن ابن عمر أنه قال : رقيت يوماً على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة. متفق عليه.
فلهذا قال الجمهور بالتفريق في الحكم بين الصحراء والبنيان جمعاً بين الأحاديث.

أما من قال بالتحريم مطلقاً ، فقد أجاب عن حديث ابن عمر بأجوبة، منها :
1- أن حديث ابن عمر فعلي، وأحاديث النهي المطلقة قولية: [ والقول مقدم على الفعل عند تعذر الجمع ]؛ لأن الفعل يعتريه ما يعتريه من احتمال العذر أو النسيان أو كونه خاصاً به صلى الله عليه وسلم. فلا يقوى على الدليل القولي الموجه لعامة الأمة وليس فيه استثناء.
2- أنه يحتمل النسخ، فقد يكون قبل النهي .
ومن العلماء من جمع بين الأحاديث بأن الاستقبال والاستدبار للقبلة حال قضاء الحاجة مكروه وليس محرماً؛ ففِعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك من باب بيان الجواز وعدم التحريم .. فيكون النهي -عندهم- لكراهة التنزيه فقط، وفيه نظر؛ إذ أن فعله صلى الله عليه وسلم هنا ليس فيه قصدُ بيانٍ لاستتاره عن الناس، والأصل عدم اطلاع أحد على ذلك الفعل. والله أعلم.

قال المصنف: ( وإذا انقطع البول مسح من أصل ذكره إلى رأسه ثم ينـتره ثلاثاً )
ونتـر الذَّكَر: هو اجتذابه بشدة لاستخراج بقية البول فيه، والصحيح: عدم مشروعية ذلك، فإنه لا يصح فيه حديث وهو من التكلف الذي قد يورث السلس، ويكفيه أن يمكث قليلاً بعد البول حتى ينقطع أثره ثم يستنجي. إلا إن احتاج إلى ذلك لعلةٍ به فيلزمه ليستبرئ من البول.

قال المصنف : ( ولا يمس ذكره بيمينه ، ولا يتمسح بها )
أي : أن ذلك مكروه؛ لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا بال أحدُكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه ) الحديث.. متفق عليه .
ولحديث سلمان مع اليهودي، وذَكَر فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الاستنجاء باليمين.
وهل النهي عن مس الذكر باليمين حال البول فقط، أو هو نهي مطلق ؟ قولان لأهل العلم رحمهم الله، والمعتمد في المذهب: الثاني؛ لأنه إذا نهي عن مسه حال احتياجه لذلك، فغيرها من باب أولى .

قال : ( ثم يستجمر وتراً ) استحباباً؛ فيقطع استجماره على وتر بعد حصول الإنقاء الواجب(4) ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ومن استجمر فليوتر ) متفق عليه.
فلو أنقى بثلاث كفاه ذلك ولم تستحب له الزيادة، وإن أنقى بأربع – قلنا : زد خامسةً لتتحصل الإيتار المستحب .
إلا أن أقل الإيتار الواجب ثلاث هنا، فلا بد من ثلاثة أحجار أو ثلاث مسحات منقية على الأقل؛ لحديث سلمان : ونهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار..

مسألة : قال المصنف رحمه الله: ( فإن اقتصر على الاستجمار أجزأه، وإنما يجزئ الاستجمار إذا لم يتَعَـدَّ الخارجُ موضع العادة ) فإن تعدى الخارج موضع العادة بأن انتشر البول على فخذه مثلاً أو أصاب الغائطُ الصفحتين لزمه الاستنجاء بالماء للمتعدي فقط؛ لأن الاستجمار رخصة، والرخصة لا تتعدى محلها.

فعلى هذا يقال : إن إزالة الخارج على ثلاث مراتب:
1- أن يكون بالحجارة ، ثم يتبعها بالماء – وهو أفضلها على الصحيح.
2- أن يكون بالماء فقط – وهو أفضل من الثالثة التالية .
3- أن يقتصر على الحجارة .

*شروط ما يستجمر به :
• أن يكون طاهراً.
• أن يكون منقياً.
• أن يكون مباحاً.
• أن يكون غير محترم.
- ولا يجزئ الاستجمار بروث ولا عظم لما في صحيح مسلم من حديث سلمان : لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي برَجِيعٍ أو عظم؛ ولأنهما زاد إخواننا من الجن كما جاء في الصحيح، ويضاف إلى ذلك نجاسة روث ما لا يؤكل لحمُه فقد جاء ابن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم بروثة ليستجمر بها فألقاها وقال: ( هذا رِكْس ) البخاري. وفي صحيح ابن خزيمة أنها روثة حمار.. وقد قدَّمنا اشتراط طهارة ما يُستجمَر به.

* فائدة مهمة :
الراجح : أن الاستنجاء لا يلزم، بل ولا يشرع، إلا من خارج نجس ملوِّث. فلا يستنجى من الريح، وحكى النووي الإجماع على عدم وجوب الاستنجاء منه، بل صرح جماعة من الفقهاء بأنه بدعة، وكرهه آخرون. وكذلك الاستنجاء من الحصاة أو البعرة الجافة إذا خرجت من المخرج ليس بواجب. وأما المذهب؛ فقد قال الشيخ الموفق في "المُقنِع": ( ويجب الاستنجاء من كل خارجٍ إلا الريح ).
-----
( 1 ) وعلى التسكين أكثر روايات الأحاديث.
( 2 ) إلا الدراهم، فقد نص أحمد على أنه لا بأس بذلك.
( 3 ) قوله : ( شرقوا أو غربوا ) خاص بأهل المدينة ومن كان في حكمهم.
( 4 ) الإنقاء في الاستنجاء: خشونة المحل كما كان، وفي الاستجمار: أن يبقى أثر لا يمكِن إزالته إلا بالماء.
 
التعديل الأخير:

هشام بن محمد البسام

:: مشرف سابق ::
إنضم
22 مايو 2009
المشاركات
1,011
الكنية
أبو محمد
التخصص
شريعة
المدينة
الدمام
المذهب الفقهي
حنبلي
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم

شرح مفيد ممتع، أعانكم الله على إتمامه.
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
الإخوة الأحبة: زايد، أبو يوسف، أبو سفيان، الشيخ هشام
جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب ( الوضوء )

• تعريف الوضوء :
لغةً : اسم مصدر من الوضاءة بمعنى الحسن والنظافة.
وشرعاً : استعمال الماء الطهور في أعضاء مخصوصة بصفة مخصوصة تعبداً لله تعالى.

ومشروعيته: بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .
قال الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ )).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) .

*فضله : ورد أن الله تعالى يمحو به الخطايا، ويرفع به الدرجات، ويكون نوراً لأصحابه يوم القيامة، وهو شطر الإيمان، ومجلبة لمغفرة الرحمن .

مسألة : النية شرط لصحة الوضوء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )؛ فـ(لا يصح الوضوء ولا غيره من العبادات إلا أن ينويه) .. فلو نوى بوضوئه رفع حدثه الأصغر، أو الطهارة لما لا يباح إلا بها كصلاةٍ ومسِّ مصحف، أو نوى الطهارة لِما تُسَن له الطهارة كنوم، أو نوى تجديداً مسنوناً ناسياً حَدَثَه صح ذلك الوضوء وارتفع به حدثُه على الراجح.

*فروض الوضوء :
الفرض لغةً: له معانٍ منها الحز والقطع.
وثمرته : أن يثاب فاعله ويعاقب تاركه عمداً .

س : ما الفرق بين ( الفرض أو الركن ) و( الشرط ) ؟
ج : 1- الشرط خارج عن العبادة، والفرض داخلها ومن ماهيتها .
2- الشرط يُستَصْحَب فيها إلى انقضائها، والفرض ينقضي ويأتي بعده غيره (له حيز محدد من العبادة).

* وفروض الوضوء ستة :
1- غسل الوجه : وهو ما تحصل به المواجهة، وحد المصنف حدوده فقال: (ثم يغسل وجهه ثلاثًا من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا)، ولا عبرة بالأنزع ولا الأفرع(1)، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق عند الحنابلة في المشهور خلافاً للجمهور القائلين بسنيتهما(2) ..ففي حديث أبي هريرة مرفوعاً: ( إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر ) متفق عليه.

2- غسل اليدين مع المرفقين.
3- مسح جميع الرأس (3).
وصفة المسح المسنون: أن يبتدئ بيديه من مقدَّم رأسه إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدَّمه، ولا يكرره.

*مسألة : هل الأذنان من الرأس ؟
فيها أربعة أقوال:
الأول: أنهما من الرأس؛ لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله
salah.gif
: ( الأذنان من الرأس ) أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، والصواب أنه موقوف ولا يصح مرفوعاً.

الثاني: أنهما من الوجه؛ لحديث: ( سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ) .
الثالث: أنهما كعضو مستقل وليسا تابِعَين للرأس ولا للوجه.
الرابع: أن ظاهرهما من الرأس، وباطنهما من الوجه.
والمذهب الأول، وعليه: يكون مسح الأذنين فرضاً. واختار الشيخ الموفق أن مسحهما مسنونٌ غير مفروض، وهي رواية أخرى في المذهب.

4- غسل الرجلين مع الكعبين : وفي الحديث : ( ويل للأعقاب من النار ) متفق عليه .
أما المسح فلا يجزئ إلا على خف أو جورب.

فإن قيل: كيف نجيب عن خفض (( وأرجلِكم )) في بعض القراءات المتواترة ؟
فالجواب على أصح الأقوال يكون بأحد وجهين :
الأول : أنها من باب الخفض بالمجاورة كقوله تعالى : (( إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أليمٍ )) ، ولا يوصف اليوم بكونه أليماً، وإنما هو وصف للعذاب.
الثاني : أنها دالة على المسح على الخفين ومشروعيته، وفيه نظر.

5- الترتيب : لأن الله جل وعلا في آية الوضوء ذكر الممسوح بين المغسولات، والعرب لا تقطع النظير عن نظيره إلا لفائدة (4) ، ولا فائدة هنا غير الترتيب. كما أن الفعل الراتب المستديم المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الترتيب بين أعضاء الوضوء، ولحديث : ( أبدأ بما بدأ الله به ) .
*مسألة : لو نسي الترتيب بين أعضاء الوضوء، فهل يسقط عنه؟
الصحيح : عدم سقوطه بالجهل والنسيان، كالترتيب بين أفعال الصلاة، وهو المذهب.

6- الموالاة : وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى يجف الذي قبله حالَ اعتدالِ الزمان. ولا يضر إن جفَّ لاشتغاله بواجبٍ أو سُنَّـةٍ كإزالة وسخ لأجل الطهارة أو كمالها، ولا يضر التفريقُ اليسيرُ إجماعاً.
ودليل فرضية الموالاة: حديث عمر أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع فأحسِن وضوءك)، فرجع ثم صلى. مسـلم وغيره، وعند أحمد: فرجع فتوضأ ثم صلى.
وعن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لُمْعَةٌ قَدر الدرهم لم يُصِبها الماء فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء. أحمد وأبو داود وابن ماجه وزادا: " والصلاة ". وجوَّد إسنادَه الإمامُ أحمد وغيره، وله شواهد.
ولو كانت الموالاة غير مفروضة لكفاه أن يغسل الموضع الذي لم يصبه الماء، ولَمَا أمره النبي
salah.gif
بإعادة الوضوء.

ومما يُستَأنَس به في المسألة: مداومةُ النبي
salah.gif
عليها في وضوئه، وعدم إخلاله بها ولو مرة، مع ما تقرر من أن فعله
salah.gif
بيانٌ لآية الوضوء.


واختار شيخ الإسلام ابن تيمية سقوط فرضيتها إذا كان تركُها لعذر كعدم تمام الماء أو اغتصابه منه بعد أن حَصَّلَه، وحَمَلَ الأمر بالإعادة على ما إذا كان المتوضئ مفرِّطاً، وذكر أنه الأشبه بأصول الشريعة وبأصول أحمد وغيره، وهو المشهور من مذهب مالك.

قول المصنف : ( والمسنون : التسمية ) هذا من اختيارات الإمام الموفق لبعض روايات أو أقوال المذهب. والمشهور: وجوب التسمية في الوضوء، وهو من المفردات؛ لحديث أبو هريرة مرفوعاً: ( لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وفي الحديث اختلاف من حيث تصحيحه وتضعيفه، فقواه الحاكم والمنذري وابن حجر والعراقي وابن كثير وابن الصلاح، والألباني وغيرهم.
وما اختاره الإمام الموفق هو قول الجمهور، وهو الصواب إن شاء الله؛ لأن الحديث لو صح فإن قوله: (لا وضوء) يحمل على نفي الكمال لا نفي الصحة، بقرينة أن واصفي وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التسمية، وحق الواجب أن لا يُترك.. قالوا: ولم تذكر التسمية في آية الوضوء، ولعدم ورود حديث صحيح صريح في إيجابها، والله أعلم. وقد نُقِل أن روايات المذهب قد استقرت على أنه لا بأس بتركها.

وقوله : ( وغسل الكفين ) سنة إجماعاً.
وقوله : ( والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً ) لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صَبِرة: ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) الخمسة.
والمضمضة: أن يدير الماء في فمه، والاستنشاق: أن يجتذب الماء بنفَس إلى الأنف.
والإتيان بهما فرض على المعتمد في المذهب، والمبالغة فيهما سنة إلا حال الصيام. قال في "العُدّة شرح العمدة": (وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفَس إلى أقصى الأنف، وفي المضمضة، وهي إدارة الماء في أقصى الفم).
والأشهر نقلاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوصل بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة؛ فيجعل جزءاً من الماء في فمه والمتبقي لأنفه.

( وتخليل اللحية والأصابع ) أي: إن كانت اللحية كثيفة سُنَّ تخليلها، وإلا وجب غسلها .
وقوله : ( ومسح الأذنين ) ظاهرهما وباطنهما . والقول بسنيته من اختيارات الموفق رحمه الله تعالى كما سبق بيانه، وقياسُ المذهب وجوبُه.
وقوله : ( وغسل الميامن قبل المياسر ) لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه -صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه التيمُّن في تنعُّلِه وترجُّلِه وطهوره وفي شأنه كله.
فمن قدّم المياسر فقد خالف السنة وفاته الفضل، وصح وضوؤه؛ لأن آية الوضوء جعلت اليدين بمثابة العضو الواحد ولم تقدم إحداهما على الأخرى، وكذا الرجلين.
وقوله : ( والغَسل ثلاثاً ثلاثاً ) فالمفروض مرة لأعضاء الوضوء، وما زاد فمستحب، والتثليث أفضل.
وقوله : ( وتكره الزيادة عليها ) أي على الثلاث، وعند جماعة من أهل العلم أنها تحرم؛ لحديث : (فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
( والإسراف في الماء ) لأن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ بالمُد.

تنبيه : قال المصنف: ( ثم يرفع نظره إلى السماء فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )
أما الذِّكر فقد روى عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء )مسلم. وأما زيادة رفع البصر إلى السماء فمنكرة لا تصح.

أحكام السواك :
والتسوك سنة، ويتأكد في ثلاثة مواطن ذكرها المصنف:
1- عند تغير الفم.
2- عند القيام من النوم.
3- عند الصلاة.
ويضاف إليها المواطن الآتية: عند دخول المنزل، وعند البدء بتلاوة القرآن، وعند الوضوء.
- وفي الحديث: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) الشافعي وأحمد والنسائي وابن خزيمة وغيرهم، وعلقه البخاري مجزوماً به في صحيحه، وصححه الألباني.
- وفي الحديث الآخر: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )متفق عليه.

قال المصنف : ( ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال ) .
- فالمشهور من المذهب: أنه لا يستحب السواك للصائم بعد الزوال، ودليلهم على ذلك :
1- ما روي عن خباب مرفوعاً: ( إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي ) الطبراني والدارقطني وضعفه، ورواه الطبراني والدارقطني والبيهقي موقوفاً على علي رضي الله عنه.
2- أن خُلوف فم الصائم أثر عبادة وهو أطيب عند الله من ريح المسك، فلا ينبغي إزالته، كدم الشهيد وشعث الحاج.

والصحيح الذي مال إليه كثير من محققي الحنابلة أن السواك مسنون كل وقت حتى للصائم بعد الزوال وأجابوا بما يلي :
أولاً : الحديث الذي استُدِل به ضعيف لا تقوم به حجة.
ثانياً : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )، وصلاةُ الظهر والعصر بعد الزوال ولم يأتِ مخصص لهما أو مخرِج عن هذا العموم.
ثالثاً : أن السواك لا يعارض كون خلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ فهو لا يقطع رائحة هذا الخلوف إذ أنها تتصاعد من الجوف.
-----
( 1 ) النَّزَعُ انْحِسارُ مقدَّم شعَر الرأْسِ عن جانبي الجَبْهةِ؛ فالأنزع: من انْحَسَرَ مُقَدَّمُ شَعْرِهِ، والفرَع:كثرة الشّعر وطوله على الرأس؛ فالأفرع هُوَ الَّذِي قَدِ انْحَدَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ فِي جَبْهَتِهِ.
( 2 ) واحتج الجمهور بقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (توضأ كما أمرك الله) فأحاله على الآية الكريمة، والأظهر أنه لا حجة فيه؛ فهو قطعة من حديث المسيء صلاته في إحدى رواياته، ومعلوم أن بعض الواجبات والأركان المجمَع عليها لم يأتِ لها ذكرٌ فيه كالتشهد والتسليم، فلا يصح أن يُجعَل صارفاً للأوامر بإطلاق. والله تعالى أعلم.
( 3 ) هذا مذهب الحنابلة، والمالكية أيضاً: أن مسح جميع الرأس فرض. وفي رواية في المذهب: يكفي مسح بعضه وفاقاً للشافعية.
قال الشيخ عبدالله ابن بَيَّه: (والنزاع في المسألة هو نزاع يتعلق بموضع الباء، وهو بين النحاة أصلاً :
فذهب إلى أن الباء تأتي للتبعيض ابن مالك والقَتَبِيّ والفارسي والأصمعي ، مستشهدين بقوله تعالى : (( عَيْنَاً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ )) أي : منها ، ويقول أبي ذؤيب الهذلي : شربـن بماء البحـر ثم ترفعـت *** متى لجج خضـر لهن نئـيج
وقول عنترة العبسي :
شربت بماء الدُّحرضين فأصبحت *** زوراء تنفرُ من حياض الديلم
وقول الآخر : شُربَ النزيف ببرد ماء الحشرج.
قلت : لم أجدها تحتمل التبعيض في غير محل النزاع – إلاّ في مفعول شرب، وهذا يضعف مذهب الشافعي وغيره .
أما القائلون بزيادة الباء فهم : أبو عبيدة والبصريون كما يظهر من كلام الزمخشري وهو بصري ، حيث لم يحك خلافاً في زيادتها قبل المفعول في السعة ، وكذلك شارحه ابن يعيش.
وما زعم ابن عصفور في "الضرائر" أنها لا تُزاد إلاّ في الضرورة مردود بعشرات الشواهد التي تدل على زيادة الباء في ستة مواضع ، وهي : المبتدأ ، والخبر ، والحال المنفي عاملها ، والنفس ، والعين المؤكد بهما ، والمفعول به ما بين آيةٍ وبيت شعرٍ يشهد لزيادتها قبل المفعول، جمعتها من كتب شتى منها : (( ولاَ تُلْقُوا بِأيْديكُم )) ، (( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ ))، (( وَلَقَدْ زَيَّنَا السَّماءَ الدُّنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاها رُجُومَاً لِلشَياطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ وَللّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئسَ المَصِيرُ )) ، (( ألَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللهَ يَرَى ))، ((وَهُزّي إلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )) ، (( فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّمَاءِ ))، وقول حسّان : تسقي الضجيع ببارد بسام ، وقول الشاعر :
هُنَّ الحرائر لا رباتُ أحمرة *** سود المحاجر لا يقرأن بالسورِ .
وهذا يرجح مذهب مالك ويدل على حاجة الفقيه للغة) أ.هـ من "أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات".
( قلت ): لا يظهر لي أن ما ذكره الشيخ -وفقه الله- كافٍ في رد حجة القائلين بجواز الاكتفاء بمسح بعض الرأس، فثبوت كونها للتبعيض في بعض شواهد العربية قوي لا سيما أنه قد قال بذلك أئمة يحتفى بهم. ولكنّ ترجيح القول بوجوب الاستيعاب ومسح جميع الرأس يتقوى باعتبار السنة الفعلية مبينةً لمجمَل القرآن في قوله تعالى: (( وامسحوا برؤوسكم )). والله أعلم.
( 4 ) وكذا الانتقال من عضو قريب إلى بعيد ثم الرجوع للقريب.
 
التعديل الأخير:
إنضم
21 أغسطس 2009
المشاركات
213
التخصص
طويلب علم مبتديء
المدينة
الثغر الإسكندري
المذهب الفقهي
شافعي
أحسن الله إليكم شيخنا
لكن كيف الجواب على الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعلى العمامة ؟
وكذلك بعض الآثار المنسوبة إلى بعض الصحابة في الاكتفاء بمسح بعض الرأس وهذا لم أمر به من قبل ولكني سمعته من أحد المشايخ
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
أحسنت أخي الكريم

اختلف العلماء في المجزئ من مسح الرأس في الوضوء على أحد عشر قولاً..

والحديث في صحيح مسلم وغيره عن المغيرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته ومسح على الخفين والعمامة.

والجواب عنه عند من يقول بوجوب تعميم الرأس بالمسح: أن يقال بأنه لما مسح -صلى الله عليه وسلم- بعض الرأس وكمل على العمامة أجزأ، ولا حجة في ذلك على عدم وجوب تعميم الرأس بالمسح، كالقول في المسح على الخف المغطي للقدم لا يعني عدم وجوب غسل الرِّجل. والله أعلم.
 
إنضم
21 أغسطس 2009
المشاركات
213
التخصص
طويلب علم مبتديء
المدينة
الثغر الإسكندري
المذهب الفقهي
شافعي
جزاكم الله خيرا شيخنا
ولكنهم يقولون أن من غسل قدمه لا يصح أن يلبس الخف ويمسح عليه مباشرة بعد لبسه
لأنه يجمع في ذلك بين الأصل الذي هو الغسل والفرع الذي هو المسح
وكذلك في مسح النبي صلى الله عليه وسلم لمقدم رأسه وعلى العمامة
فلو قلنا أن النبي مسح على العمامة لأن فيه رخصة فكيف يجمع بينه - أى المسح - وبين مسح بعض الرأس
ولكن المسألة تمر لو قلنا بأن مسح بعض الرأس مجزئ
أرجو أن تعلموني
 

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
أصحح المثال الذي ذكرتَه -بورك فيك- بالاعتراض بأنه كيف يجوز الجمع بين بعض الفرض والمسح على العمامة؟ كمن تبدو بعض قدمه، فلا يجوز أن يجمع بين غسل ما ظهر منها والمسح على الخف.

والجواب عن هذا -أخي الكريم- أننا ننازع في الأصل، فلو بدا بعض القدم في الخف فإننا نرجح جواز المسح على القول الراجح المختار، ولا نسلِّم بأن ما ظهر منها فرضه الغسل، وبهذا لا يمكن الاعتراض بهذا الوجه على ما رجحنا، والله أعلم.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب ( المسح على الخفين )

*المسح : إمرار اليد المبلولة على الموضع.
*الخُفّ : ما يُلبس في الرِّجل من جلد ليستر القدمين.
قول المصنف : ( يجوز المسح على الخفين ) عند الجمهور حضراً و سفراً، وقد تواترت أدلة المسح عليها تواتراً معنوياً .

ومما تواتر حديثُ مَن كَذَبْ ... ومَن بنى لله بيتاً واحتَسَبْ
ورؤيةٌ شفاعــةٌ والحوضُ ... ومسحُ خفينِ وهذي بعضُ
والأحاديث كثيرة جداً في هذا الباب، فهو من الرُّخَص ومن يسر الشريعة .

وقوله : ( وما أشبههما من الجوارب الصفيقة والجراميق التي تجاوز الكعبين ) وقد ورد في المسح على الجوارب أحاديث مرفوعة متكلم فيها، ولكنَّ هناك آثاراً عديدة عن عدد من الصحابة ثابتة عنهم في ذلك، وجواز المسح على الجورب هو مذهب الحنابلة، وهو الراجح.
* والجَوْرَب : ما كان على صورة الخُف من غير الجلد - من صوف أو كتان أو قطن ونحوها- ويلبس في الرِّجل.
والجراميق جمع جُرْموق، وهو الخف القصير الذي يُلبَس فوق الخف وقايةً له.

ويخرج بقوله "الصفيقة" ما كان خفيفاً أو رقيقاً من الجوارب بحيث ترى منه البشرة، فلا يجوز أن يمسح عليها.

* مسألة : أيهما أفضل: المسح على الخفين أم غَسل الرجلين ؟
عند الحنابلة : أن المسح أفضل .. وفي رواية : أن الغسل أفضل كقول الجمهور. واختار شيخ الإسلام أنه إذا كان لابساً للخفين فالأفضل المسح فلا يتكلف نزعهما ليغسل، وإذا كانت القدمان مكشوفتين فالأفضل غسلهما.

* شروط المسح على الخفين :-
1- أن يكون الخف طاهراً؛ فلا يمسح على نجس العين كالمصنوع من جلد خنزير. وأما الخف المتنجس فلا يصلي به إلا لضرورة؛ لأنه حامل نجاسة، وله أن يمسح عليه ليستبيح مس مصحف على المذهب.

2- أن يكون مباحاً؛ فلا يمسح على محرم لكسبه كالمغصوب، ولا على محرم لذاته كالحرير لرَجُل.

3- أن يكون ساتراً لمحل الفرض، وهي القدم من رؤوس الأصابع وحتى الكعب؛ فإن كان فيه خرق أو فتق يبدو منه شيء من القدم فلا يمسح عليه، أو كان قصيراً أو شفافاً فكذلك. قالوا : لأن المسح على المخرق فيه جميع بين البدل والمُبْدَل.

4- أن يثبت الخف بنفسه فلا يجوز المسح على ما يسقط أو على ما يحتاج لربط أو شد حتى يثبت.
- والأقوى من جهة النظر: أن هذا الشرط والذي قبله ليسا معتبرين، ولعل دليلهم فيه ما يعرف بالوجود؛ إذ الخف المعهود زمن التشريع هو ما كان على هذا الوصف.

5- إمكان متابعة المشي عليه.
والقول باشتراطه – عندي – قويٌّ متجهٌ؛ لأن المسح للمسافر ثلاثة أيام لا يمكن إلا على ما كان كذلك، فلا يصح قياس ما يسمى بـ"الشرّاب" على الخفاف والجوارب، لا سيما أن المسح على الخفين والجوارب من الرخص. والله أعلم.

6- أن يكون المسح في المدة المأذون له شرعاً أن يمسح فيها وهي: يوم وليلة للمقيم، وثلاثة بلياليهن للمسافر.. وقد ثبت هذا التأقيت من حديث علي وصفوان بن عسّال وعوف بن مالك وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وتحسَب هذه المدة من الحدث إلى أن يأتي مثل الوقت الذي أحدث فيه من اليوم التالي؛ لأن المسح عبادة مؤقتة فيكون ابتداء وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة.. وفي رواية في المذهب: أنها تحسب من المسح بعد الحدث؛ لظاهر الأحاديث، ورجحها جمعٌ من المحققين (1).

7- أن يكون المسح في الطهارة الصغرى.
أما المحدِث حدثاً أكبر فليس له أن يمسح عليهما؛ لدلالة السنة الصريحة على ذلك.

8- أن يلبس الخفين بعد كمال الطهارة؛ لما روى المغيرة قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويتُ لأنزع خفيه، فقال: ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين )متفق عليه.

قوله : ( ومتى مسح ثم انقضت المدة أو خلع قبلها بطلت طهارته ) أي: إذا خلع الخف بعد مسحه عليه وقبل انتهاء مدة المسح، فإن طهارته تبطل، وعليه أن يستأنف الطهارة، وهذا مبني على قولهم بفرضية الموالاة، وقيل: بل مبني على أن المسح يرفع الحدث، وأن الحدث لا يتبعض في النقض؛ فإذا خلع عاد الحدث وسرى إلى باقي الأعضاء. وذهب شيخ الإسلام إلى أن انقضاء المدة وخلع الخف لا يبطِلان وضوء الماسح، إلا أن يُحدِث (2) .. ولكنَّ قولَ المذهب في هذه المسألة أظهر؛ لأنه لا معنى للمسح على الخف أو استدامة حكمه عند انكشاف القدم، فلو صلى على تلك الحال فكأنه لم يمسح أصلاً، وهذا هو الشأن في عامة الرُّخَص. والله تعالى أعلم.

مسألة : المسح على العمامة ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويجوز لرَجُلِ الاقتصار عليه دون مسح جزء من الرأس.
واشترط على المذهب أن تكون العمامة ذات ذؤابة، والأظهر عدم اشتراط ذلك؛ إذ لا فرق مؤثراً بين ذات الذؤابة و الصمَّاء.
ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه، كمقدم الرأس وجوانبه والأذنين.

مسألة : المسح على الجبيرة
والجبيرة: أعواد من خشب ونحوه تُربَط على الكسر أو الجرح وما شابههما.
وفيه حديث صاحب الشجة (3)، ومع ضعفه فإن أصول الشريعة والقياس الصحيح يشهدان لمشروعية المسح على الجبائر، ويعتضد هذا بما صح من فعل ابن عمر أنه كان يمسح على الجبائر.

س : ما الفروق بين المسح على الجبيرة والمسح على بقية الحوائل ؟
ج : أشهر الفروق بينهما:
الجبيــرة
1- أن المسح عليها عزيمـة.
2- يمسح عليها في الطهارتين الصغرى والكبرى.
3- يجب المسح على جميعها.
4- أن المسح عليها غير متأقت، فيستمر إلى أن يحلها أو يبرأ ما تحتها.
5- أنه لا يشترط تقدم طهارة على وضعها في الراجح، خلافاً لمشهور المذهب. وعلى المذهب أنه يتيمم إن لم يلبسها على طهارة وخاف الضرر بنزعها، وليس له أن يمسح عليها.

الخُف وبقية الحوائل
1- أنه رخصـة.
2- يكون في الطهارة الصغرى دون الكبرى.
3- لا يمسح إلا على مواضع معينة كأعلى الخف.
4- متأقت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
5- أنه يشترط تقدم الطهارة على لبسها.

*يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه، ويكره تكرار المسح عليه.
وهل يَمسَحُ الخفين معاً في آن واحد، أو يبدأ بالأيمن قبل الأيسر؟
قولان لأهل العلم :
أحدهما : تمسح اليمنى ثم اليسرى، قياساً على غسل الرجلين.
والثاني : تمسحان معاً؛ لأنهما ممسوحان كالأذنين .
والأرجح الأول؛ لاستقلال القدمين، بخلاف الأذنين فإنهما تابعتان للرأس في الصورة، ولأن المسح بدل عن الغسل، والبدل له حكم المُبْدَل. والله أعلم.

*فائدة: مذهب الحنابلة في باب المسح هو أيسر المذاهب الأربعة في الجملة؛ فالمسح على الجوارب والعمائم وخُمُر النساء جائز في المشهور من مذهبهم، خلافاً للجمهور.
-----
( 1 ) قال ابن المنذر رحمه الله تعالى في "الأوسط"(2/96): (وتفسير قول من قال : يمسح من الحدث إلى الحدث أن يلبس الرجل خفيه على طهارة ، ثم يحدث عند زوال الشمس ، ولا يمسح على خفيه إلا من آخر وقت الظهر ، فله أن يمسح على خفيه إلى أن تزول الشمس من غد ، وإذا زالت الشمس من غد وجب خلع الخف ، ولم يكن له أن يمسح إذا كان مقيما أكثر من ذلك ، ومن حجة من قال هذا القول: أن المسح رخصة ، فلما أحدث هذا فأبيح له المسح ولم يمسح وترك ما أبيح له إلى أن جاء الوقت الذي أحدث فيه فقد تم الوقت الذي أبيح له فيه المسح ، وجب خلع الخف ، وفي القول الثاني له أن يمسح إلى الوقت الذي مسح ، وهو آخر وقت الظهر على ظاهر الحديث).

( 2 ) عند الجمهور أن طهارته لا تبطل، على اختلاف بينهم.. فالأحناف والشافعية يقولون: يجب عليه غسل قدميه فقط، وهو رواية عند الحنابلة على القول بعدم فرضية الموالاة. وذهب ابن حزم وابن تيمية: أن طهارته الأولى ما دامت صحيحة، فلا تبطل بخلع الخف، ولا شيء عليه. وقد اعترض ابن حزم على الفقهاء بعدة اعتراضات في كتابه "المحلى" ولكنها عند التحقيق لا تصلح معارضاً لقول الجمهور، وأما ما رواه ابن أبي شيبة من أن علياً رضي الله عنه توضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى، فيجاب عنه بأنه تدخله احتمالات منها: أنه ربما توضأ وضوءاً كاملاً بأنْ غسل الرجلين ثم مسح على النعلين، أو أنه أمرَّ اليدين على النعلين حال غسل الرجلين، وعلى فرض انتفاء هذه الاحتمالات فيكون هذا اجتهاداً منه رضي الله عنه، ولا يقال إنها سنةُ خليفة راشد أُمِرنا باتباعها؛ لأن سنة الخلفاء الراشدين هي ما ظهر عنهم واشتهر وجمعوا الناس عليه، وحصل الاتفاق عليه منهم.والعجيب أن بعض من يستدل بهذا هنا لا يجيز المسح على النعلين .فالنظر الصحيح يقتضي ما ذكرنا؛ إذ المسح قائم مقام الغَسل. والله أعلم.

( 3 ) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : «خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا حَجَر فشجَّه في رأسه ، فاحتلم ، فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رُخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قَدِمْنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأُخْبِر بذلك، قال : ( قتلوه، قتلهم الله ، ألا سألوا إذْ لم يعلموا ، فإنما شفاء العيِّ السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويَعْصِر - أو يَعصِبَ ، شك موسى - على جَرحه خِرْقة ، ثم يمسح عليها ، ويغسل سائر جسده ) أخرجه أبو داود والدارقطني وتكلم فيه. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب ( نواقض الوضوء )

النواقض : جمع ناقض وقيل: جمع ناقضة.
والنقض هو الفك بعد الإبرام، ومنه : (( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا )) .
- ونواقض الوضوء : مفسداته، أي: التي إذا طرأت عليه أفسدته.

قال المصنف : وهي سبعة :
1- الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيراً، معتاداً كان كالبول أو غير معتاد كالدم والحصى .. (والسبيلان) : القبل والدبر .
*تنبيه : حتى لو كان الخارج طاهراً كالريح فهو ناقض للوضوء عند الجمهور.
- ومن الخارج من السبيلين ما يلي :
أ‌- البول والغائط : قال تعالى : (( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ))، وفي حديث صفوان بن عسَّال : ( ولكن من غائط وبول )، ونقل غير واحد الإجماع على كونهما ناقضين للوضوء .
ب‌- المني والمذي والودي : وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لعلي في شأن المذي: ( اغسل ذكرك وتوضأ ) متفق عليه ، وقال : ( فيه الوضوء ). وهو مقيس على ما سبق ، وقد نقل جمع من العلماء الإجماع على نقضها للوضوء .
ج‌- الريح : فقد شُكِي للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال : ( لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) متفق عليه .وقد فسر أبو هريرة الحدثَ بالريح عندما سئل عن معنى الحدث في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) متفق عليه ، وأجمع أهل العلم على نقضه للوضوء .
د- دم الاستحاضة : وهو دم فساد – لا دم حيض – يخرج من عرق في قُبل المرأة.
وقد جاء أن فاطمة بنت أبي حُبَيش كانت تُستَحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما ذلك دم عِرق، فتوضئي لكل صلاة ).

2- الخارج النجس من غير السبيلين إذا فحش : كخروج الدم والقيء على المنصوص عليه عن الإمام أحمد، وهما نجسان عند الجماهير؛ فإذا كان هذا الخارج كثيراً، [والكثير : ما يفحش في النفس كلٌّ بحسبه، وعنه : ما فحش في نفوس أوساط الناس].

وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن الخارج من غيرهما بولاً أو غائطاً، فإذا خرج البول أو الغائط من غير السبيلين فهو ناقض مطلقاً على المذهب، قليلاً كان أو كثيراً؛ للعمومات.

واستُدِل للنقض بالأدلة الآتية :
1- حديث فاطمة السابق، وفيه: ( إنما ذلك دمُ عِرق ) قالوا : فعلَّل للنقض بكونه دم عرق، فيدخل فيه سائر ما يخرج من دماء العروق.
2- عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ . أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الحافظ وغيره.
3- القياس على الخارج النجس من السبيلين .

واختار ابن تيمية عدم النقض بخروج الخارج النجس من غير السبيلين، وهو الراجح من أقوال أهل العلم، ويستدل لهذا بما يلي:
1- البراءة الأصلية، وعدم ثبوت نص صريح صحيح يوجب الوضوء من ذلك .
2- آثار عن الصحابة في عدم توضؤهم من ذلك. قال البغوي : (هو قول أكثر الصحابة والتابعين).

ويجاب عن حديث فاطمة بأن دلالته غير صريحة على ما قالوا، وعن حديث أبي الدرداء بأنه قد ضعفه جماعة، وعلى القول بتصحيحه فلا دليل على الإيجاب؛ لأنه مجرد فعل. وإذا ثبت تطهر العبد بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي. ويميل ابن تيمية إلى استحباب الوضوء في هذه الحال دون إيجابه.

3- زوال العقل أو تغطيته بنوم أو إغماء أو سُكر أو جنون. فالمذهب : أن ذلك ناقض إلا النوم اليسير عرفاً من جالس أو قائم؛ لما روى أنس : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. أبو داود وغيره.
واستثنوا القاعد والقائم لاشتراكهما في انضمام محل الحدث، وأما نوم المضطجع والمتكئ فناقضٌ يسيراً كان أو كثيراً.

ودليل النقض: ما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن صفوان بن عَسَّال قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفراً أو مسافرين أن لا ننزع خِفافَنا ثلاثةَ أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم )الحديث، وأحاديث أُخَر.
قالوا : ولأن النوم مظنة خروج الحدث فأقيم مقامه..والأقرب: أنه إن كان يزول معه الإدراك فهو الناقض دون غيره أيَّاً كانت حالُ النائم. والله أعلم.
وزوال العقل بغير النوم ناقضٌ ولو كان يسيراً، وقيل: إنه إجماع .

4- مس فرج أصلي – بباطن كفه أو ظاهرها عند الحنابلة – من غير حائل.
ودليل النقض : حديث بُسْرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ )الخمسة، وعند أحمد والطبراني في "الصغير" بسند حسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء)، وهو قول الجمهور.
ومال شيخ الإسلام إلى استحبابه دون الإيجاب إذا لم تصحبه شهوة، وهي رواية عن أحمد، وهذا من الجمع بين حديث بسرة وحديث طلق بن علي أن النبي سُئِل عن الرجل يمس فرجه وهو في الصلاة، قال : (وهل هو إلا بَضْعة منك) الخمسة.

*وقد يجاب عن حديث طلق من أوجهٍ عدة، أشهرها :
1- أنه في المس بحائل بلا مباشرة.
2- أنه منسوخ.
3- أنه في المس بدون شهوة .
4- أن إسناده ضعيف، فقد ضعفه أبو زُرعة وأبو حاتم والشافعي وأحمد وغيرهم.
فيترجح بقاء الأمر في حديث بسرة على الأصل، وهو دلالته على الوجوب؛ للاحتمال الوارد على حديث طلق بأن السؤال الوارد فيه إنما كان عن المس بحائل بدليل قوله: "وهو في الصلاة"، وهو وجيه جداً. والله أعلم.

ولا ينقض مس العانة، ولا الأنثيين، ولا الرَّفغين، ولا ما بين الأليين، ولا الشّفْرَين من المرأة .
ولا ينتقض وضوء الملموسِ فرجُه بمجرد اللمس على المشهور من المذهب.

5- لمس المرأة بشهوة من غير حائل. قال تعالى: (( أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ )). والأصل فيه : الجس باليد، لكن جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما غمز عائشة رضي الله عنها عند سجوده، وأن يدها وقعت على قدميه مرة وهو يصلي. ففرقوا باشتراط اللذة عند اللمس؛ جمعاً بين الأحاديث، ولأنه مظنة الحدث كالنوم.
هذا هو مشهور المذهب، وعن أحمد رواية، اختارها شيخ الإسلام: أن مس المرأة لا ينقض مطلقاً؛ لأن المسلمين ما زالوا يمسون نساءهم من زمنه صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه الأمر بالوضوء من ذلك مطلقاً، وتُحمَل الآية على أن المراد بالملامسة فيها :الجماع، وقد فسرها بذلك حبر الأمة ابن عباس صلى الله عليه وسلم، ولذلك نظائرُ عدة في القرآن العظيم .

6- أكل لحم الإبل قليلاً كان أو كثيراً، نيئاً أو مطبوخاً. وقد صح فيه حديثان : حديث البراء بن عازب، وحديث جابر بن سمرة .
وأشهر الوجهين في المذهب: أن ما سوى اللحم كالكرش والكبد والطحال والسنام والجلد لا ينقض الوضوء.
( قلت ) : الاحتياط : الوضوء من أكل أي أجزاء الجزور؛ لأن الله تعالى لمّا حرم أكل لحم الخنزير مُنِع من أكل أجزائه، ولم يقل أحد بجواز الأكل من كبده أو كرشه ونحوها.

أما مرق الإبل؛ فالوجه المعتمد في المذهب: أن شربه لا ينقض الوضوء، وكذا اللبن في الرواية المعتمدة بالمذهب، ؛ لأن الحديث إنما ورد في اللحم، ولأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العُرَنِيين باللحاق بإبل الصدقة والشرب من أبوالها وألبانها، ولو كان ذلك ناقضاً لأوضحه وبينه .. وقد تقرر في علم الأصول: أن تأخير البيان عن وقته إذا دعت الحاجة إليه لا يجوز وقوعه.

7- الردة عن الإسلام. لقوله تعالى: (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )) ، وقيل : إن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت؛ لقوله تعالى: (( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )) الآية.

مسألة : من تيقن الطهارة وشك في الحدث أو العكس فهو على ما تيقن .. فـاليقين لا يزول بالشك.

فترجح مما سبق أن النواقض خمسة: الخارج من السبيلين، وزوال العقل أو تغطيته بنوم أو إغماء أو سُكر أو جنون، ومس فرج أصلي من غير حائل، وأكل لحم الإبل، والردة عن الإسلام. وأن هذه النواقض على قسمين: أحداث كالخارج من السبيلين، وأسبابٌ(مظنات للحدث) كزوال العقل.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب ( الغُسل من الجَنَابة )​

• الغُسـل : اسم مصدر من ( الاغتسال ) وهو استعمال الماء الطهور في جميع بدنه على وجه مخصوص .
• الجنابـة : لفظة تطلق في اللغة على التباعد، وعلى المني.
ويمكن أن تُعرَّف في الشرع بأنها: الوصف القائم بالبدن، الناشئ عن وطء أو إنزال.
والغسل من الجنابة واجب إجماعاً؛ لقول الله تعالى: (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا )) .

( والموجب له ) :
1- خروج المني من مخرجه، وله حالان :
أ- أن يخرج حال اليقظة، فيشترط لإيجابه الاغتسال أن يكون دفقاً بلذة؛ فأما خروجه بسبب مرض أو برد مثلاً من غير شهوة فلا يوجب الغسل .
ب- أن يخرج حال النوم، فيوجب الغسل مطلقاً.

وعلى المذهب: أنه لو انتقل المني من ظهره ولم يخرج بأن أمسك ذكره فإنه يجب الغسل، وهو من مفرداتهم؛ لأن ذلك داخل في معنى الجنابة إذ إن الماء قد باعد محله، والراجح عدم الوجوب.

* مسائل :
• إذا احتلم ولم يَرَ منياً: فلا غسل عليه .
• إذا رأى المني في ثوبه ولم يعلم زمن خروجه: أعاد الصلوات منذ آخر نومة نامها .

2- التقاء الختانين قدر تغييب الحشفة في الفرج ( ولو لم يُنزل ).
والدليل : حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذ جلس بين شُعَبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ) مسلم .
والمذهب، بل قول الجمهور أنه يقاس على ذلك تغييبها في أي فرج أصلي قُبُلاً كان أو دُبُراً.

- فاقتصر المصنف على ذكر موجبات الغسل من الجنابة، ونضيف هنا بقية موجبات الغسل لشدة الحاجة إليها، وهي ما يلي:

3- إسلام الكافر، ويشمل الكافر الأصلي، والكافر المرتد .
والدليل: أمْر النبي صلى الله عليه وسلم قيسَ بن عاصم حين أسلم أن يغتسل بماء وسدر. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وأُعِل بالانقطاع.
وأمر ثمامة بن أثال به أيضاً. رواه أحمد والبيهقي وغيرهما وفيه مقال، وفي الصحيحين أنه اغتسل وليس فيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك.
وقيل : هو سنة لا واجب؛ لأنه لم ينقل أنه أمر به كل من أسلم. والمذهب الأول.

4- الموت – غير شهيد المعركة والمقتول ظلماً – فيجب على الأحياء تغسيل الميت؛ فقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: (اغسِلْنَها بالسِّدْر وتراً) الحديث. متفق عليه.

5- الحيض. قال تعالى: (( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ )) .

6- النفاس؛ لأن للحيض حكم النفاس والعكس، وحكي إجماعاً . ويشترط لصحة الغسل انقطاع الدم فيهما.

مسألة : ( ولا يجب نقض الشعر في غسل الجنابة إذا روّى أصوله ) لكنه يجب في الغسل من الحيض وهو من مفردات المذهب .. والرواية الأخرى في المذهب: عدم وجوب نقضه. وهو قول الجمهور واختيار الموفق كما يدل عليه كلامه في " المغني"، وحملوا الأمر به في حديث عائشة رضي الله عنها على الاستحباب، وهو الأظهر.

مسألة : ( وإذا نوى بغسله الطهارتين أجزأ عنهما ) لأنهما من جنس واحد، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لو نوى الأكبر وحده دون الأصغر أجزأ عنهما.

مسألة : ( وكذلك لو تيمم للحدثين والنجاسة على بدنه أجزأ عن جميعها ) أي: عن الحدثين الأكبر والأصغر وعن النجاسة على بدنه دون ما كان منها على ثوبه.
والصحيح :عدم مشروعية التيمم للنجاسة، وهو قول الجمهور، واختيار شيخ الإسلام.

* مسألة : الأغسال المسنونة هي : الجمعة، والعيدان، والإحرام، وعند دخول مكة، وغُسل من غَسَّل ميتاً، والإفاقة بعد الإغماء والجنون، وغُسل المستحاضة لكل صلاة. هذا ما ثبت. والله أعلم.
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب ( التيمم )

التيمم لغة : القصد ، ومنه : (( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ )).
وشرعاً : مسح الوجه واليدين بتراب ونحوه على وجه مخصوص تعبداً لله تعالى .

مشروعيته : بالكتاب والسنة والإجماع .
قال الله تعالى: (( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ))
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أُعطِيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ) وذكر منها: ( وجُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) متفق عليه .
وحكى غيرُ واحد من أهل العلم الإجماعَ على مشروعية التيمم .

والتيمم مما خص الله تعالى به هذه الأمة، وهو من اليسر الذي جاءت به الشريعة المطهرة : (( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ولكن يريد ليُطَهِّرَكُم))، وهو مشروع في الحضر والسفر إذا توافرت شروطه.

* مسائل :
1- أجمع المسلمون على جواز التيمم بالتراب المنبت الطاهر الذي هو غير منقول ولا مغصوب
واختلفوا فيما عدا ذلك؛ وسنستعرض المسألة قريباً إن شاء الله .

2- أجمعوا كذلك على مشروعية التيمم عن الحدث الأصغر، والجماهير على مشروعيته عن الحدث الأكبر أيضاً إلا أقوالاً نادرة مروية عن بعض السلف، وقيل إنهم قد رجعوا عنها.
ويؤيد قول الجماهير حديث عمار بن ياسر أنه قال : أجنبت فلم أصب الماء ، فتمحكت في الصعيد وصليت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ( إنما كان يكفيك هكذا، وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه ) متفق عليه . وكذلك حديث عمران بن الحصين في الصحيحين(1).

قال المصنف : ( وصفته أن يضرب بيديه الأرض على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بهما وجهه وكفيه ) فيكفيه في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين بدليل حديث عمار المتقدم، وهو المذهب، بل قول عامة أهل الحديث، وهو الراجح في المسألة خلافاً لمن أوجب ضربتين قياساً على الوضوء.

* لكن ما المراد باليد هنا، إذ يقول الله تعالى : (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ؟ أهي التي تغسل في الوضوء -إلى المرفقين، أم هي اليد التي تقطع في حد السرقة- إلى الكوعين ؟
المذهب : أنها إلى الكوعين.
-لأن لفظة اليد إذا أطلقت لم يُرَد بها إلا الكفان.. كما في قوله تعالى: (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديَهما )).
-ولأنه جاء التصريح بأنهما الكفان في رواية حديث عمار في الصحيحين.
وأما ما ورد من فعل ابن عمر من مسحه في التيمم إلى المرفقين فلم يثبت رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والموقوف لا يُعارَض به مرفوع صحيح. والله أعلم.

قال المصنف: ( وله شروط أربعة : (أحدها) العجز عن استعمال الماء )
لقول الله تعالى: (( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً )). وعدم وجود الماء هنا قد يكون حقيقة، وقد يكون عدماً حكمياً بأن يعجز عن استعماله كأن يخاف الضرر بذلك.

( (والثاني) دخول الوقت؛ فلا يتيمم لفريضة قبل وقتها ) وهذا مبني على أن التيمم مُبِيح، وليس رافعاً للحدث؛ لظاهر الآية: (( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ))، فأوجب الوضوء عند القيام للصلاة، وبما أن التيمم بدل عنه فإنه يأخذ حكمه. وإنما خرج الوضوء من ذلك لدلالة الشرع عليه فبقي التيمم على أصله.. ولحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته ).

والقول الأقوى فيما يظهر لي، والذي تجتمع به النصوص (2): أن التيمم يرفع الحدث رفعاً مؤقتاً؛ لأنه لو قلنا أنه مبيح لا رافعٌ حدثه، فكيف صحت صلاته ولمّا يرتفع حدثه؟! ولو قلنا: هو رافع للحدث بالكليَّة، فكيف نلزم الجُنُب بالغسل عند وجود الماء ونحوه؟! والله تعالى أعلم.
وقول المصنف: ( (الثالث) النية، فإن تَيَمَّمَ لِنافلةٍ لم يُصَلِّ بها فرضاً، وإن تيمم لفريضة فله فعلها وفعل ما شاء من الفرائض والنوافل حتى يخرج وقتها ) وهذا مبني أيضاً على اعتبارهم التيمم غير رافع للحدث، وأنه يبيح فعل النافلة فقط لو نواها وحدها، فلا يستبيح ما هو أعلى. وإن نوى التيمم لفريضة استباحها واستباح ما كان مثلها أو دونها.

مسألة : يشترط أن يكون التيمم بتراب؛ لحديث : ( وجعلت تربتها لنا طهوراً )، وهذا هو مشهور المذهب . والراجح : أنه يجوز التيمم بكل ما كان على وجه الأرض منها، فله أن يتيمم بتراب أو رمل أو سباخ أو طين أو نورة ؛ لقول الله تعالى: (( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ))، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

مسألة : يشترط أن يكون له غبار على مشهور المذهب؛ بدليل قوله تعالى : (( فامسحوا بوجوهكم وأيدِيكم منـه )) ، قالوا: ولفظة (مِن) تفيد التبعيض، وما لا غبار له لا يعلق منه شيء باليد ليمسح به، فلم يتحقق المسح ببعض الصعيد، ويجاب بأن: (من) هنا لابتداء الغاية.

مسألة : يبطل التيمم بثلاثة أمور :
1- مبطلات الوضوء ( نواقضه ) .
2- خروج الوقت-بناءً على قولهم: إن التيمم مبيح لا رافع للحدث، وكذا دخول الوقت.
3- القدرة على استعمال الماء ولو كان في الصلاة .

س : هل يسن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار ؟

الصواب إن شاء الله : أنه يرجح تأخيره وتأخير الصلاة إلى آخر الوقت في حالين :
1- إذا تيقن أنه سيوجد – وقيل : يجب التأخير هنا.
2- إذا غلب على ظنه أنه سيوجد .

ويرجح تقديمه وتقديم الصلاة أول الوقت إذا تيقن عدم وجوده، أو غلب ذلك على ظنه، أو شك في ذلك فلم يترجح لديه شيء من الأمرين .
------
( 1 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل مع القوم ، فقال : ما منعك أن تصلي ؟! فقال : أصابتني جنابة ولا ماء، فقال : (عليك بالصعيد فإنه يكفيك). وعند الحنابلة : جواز التيمم أيضاً للنجاسة على بدنه إذا عجز عن غسلها لخوف الضرر أو عدم الماء وهو من مفردات المذهب. واختار شيخ الإسلام وغيره من المحققين عدم جواز التيمم للنجاسة أصلاً.

( 2 ) وهو رواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام، وانظر كلام العلّامة محمد الأمين الجكني الشنقيطي رحمه الله تعالى في "أضواء البيان".
 
التعديل الأخير:

أبوبكر بن سالم باجنيد

:: مشرف سابق ::
إنضم
13 يوليو 2009
المشاركات
2,540
التخصص
علوم
المدينة
جدة
المذهب الفقهي
الحنبلي
باب (الحيض)

الحيض لغة : السيلان.
وشرعاً : دم طبيعة وجِبِلّة يرخيه قعر رحم المرأة في أوقات معلومة.

قال المصنف : ( ويمنع عشرة أشياء )
1، 2 – فعل الصلاة، ووجوبها : فلا يحل لحائض أن تصلي فرضاً ولا نفلاً، وليس عليها قضاء ما كان من صلوات حال الحيض إجماعاً.
3- فعل الصيام : فلا يحل لها أن تصوم فرضاً ولا نفلاً، ويفسد صومها به، فإذا طهرت فإنها تقضي ما كان عليها من صوم حال الحيض إجماعاً.. فالوجوب في ذمتها.
4- الطواف : فلا يحل لها الطواف بالبيت؛ لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ) متفق عليه، وفي لفظ لمسلم : ( حتى تغتسلي ).
5،6- قراءة القرآن، ومس المصحف : أما مس المصحف فيحرم عليها عند الأئمة الأربعة؛ لأنها محدِثة، وقد جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : ( أن لا يمسَّ القرآن إلا طاهر ) (1) . وأما منع مجرد القراءة دون مس؛ فلأن حدثها أكبر فتكون كالجنُب عند جمهور العلماء، ولحديث ابن عمر مرفوعاً : ( لا يقرأ الحائض والجنب شيئاً من القرآن )أبو داود والترمذي وابن ماجه..
وعن الإمام أحمد رواية اختارها شيخ الإسلام : أنه يجوز لها القراءة حال الحيض، ونصرها ابن القيم على اعتبار أن قياس الحائض على الجنُب لا يصح لثلاثة أوجه: (أحدها): أن الجنب يمكنه التطهر متى شاء فليس معذوراً بالقراءة حال الجنابة، بخلاف الحائض. (ثانيها): أن الحائض يشرع لها الإحرام والوقوف بعرفة ونحوه مع الحيض بخلاف الجنب. (ثالثها): أنها يشرع لها أن تشهد العيد مع المسلمين وتعتزل المصلى، بخلاف الجنب. وأما حديث ابن عمر فلا يصح (2).
7- اللبث في المسجد : فيحرم عليها المكث فيه عند الأئمة الأربعة قياساً على الجُنُب، ولحديث: ( إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب ) أبو داود وابن خزيمة، وحسنه ابن القطان وغيره، وضعفه آخرون.
ويؤيده ما رواه أبو هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال: ( يا عائشة ناوليني الثوب ) فقالت: إني حائض، فقال: ( إن حيضتكِ ليست في يدك ) فناولته. مسلم.
ويباح لها ذلك للحاجة.
8- الوطء في فرج الحائض : لقول الله تعالى : (( فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطْهُرن فإذا تَطَهَّرن فأتوهن من حيث أمركم الله ))، وعند مسلم وغيره من حديث أنس مرفوعاً: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ).
مسألة : لو وطئ حائضاً في الفرج وجبت عليه كفارته في ظاهر المذهب، وعليها مثله إن كانت مطاوعة؛ لحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: ( يتصدق بدينار أو نصف دينار )أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد.
ومشهور المذهب : أنه يخيَّر بين التكفير بدينار أو نصفه لظاهر الحديث، وفي رواية في المذهب : أنه إن كان في إقبال الدم فدينار، وإن كان في إدباره فنصف دينار، وفي رواية : إن كان الدم أسود فدينار، وإن كان أصفر فنصفه، وفي رواية في المذهب أيضاً : أنه لا شيء عليه سوى الاستغفار والتوبة كمذهب الجمهور؛ معلِّلين بأن الحديث مضطرب.
9- سُنة الطلاق : فلا يحل له أن يطلقها حال حيضها، كما لا يحل له ذلك في طُهر جامعها فيه، ويسمى طلاقاً بدعياً، ويقع عند الجمهور. قال تعالى : (( يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء فطلقوهن لِعِدَّتهن )).
10- الاعتداد بالأشهُر : فإذا طُلِّقت المرأة فإنها تعتد بالحِيَض في مشهور المذهب ما لم تكن صغيرة لم تبلغ سن المحيض أو آيِسَة فإنها عندئذ تعتد بالأشهر؛ لقوله تعالى : (( والمطلَّقات يتربصن بأنفسهن ثلاثـة قُـروء ))، وقوله : (( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يَحِضن )) .

قال المصنف : ( ويوجِب الغُسل والبلوغ والاعتداد به )
فلا تصح لها صلاة، ولا يحل لزوجها أن يطأها إلا إذا اغتسلت بعد انقطاع دمها، ويُعرَف انقطاعه بالجفاف أو رؤية القصة البيضاء. كما أن الحيض علامة على بلوغ المرأة سن التكليف.
وقد سبق الكلام على الاعتداد به قريباً؛ إذ لا اعتداد بغيره لمن كانت ممن يحيض.
-----
( 1 ) وقد تلقاه العلماء المتقدمون بالقبول وعملوا به في عدد من الأحكام، وشهد له الإمام الزهري وغيره بالصحـة.
( 2 ) قال الحافظ في "الفتح" : ( ضعيف من جميع طرقه ).
 
التعديل الأخير:
أعلى