العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

شروط الصوم ومفاسده

محمد متولي داود

:: متابع ::
إنضم
1 أغسطس 2018
المشاركات
23
الكنية
د/محمدداود
التخصص
القانون العام
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
آراء المذاهب في شروط الصوم ومفاسده:
الحنفية قالوا: شروط الصوم عندهم ثلاثة أنواع: شروط وجوب، وشروط وجوب الأداء، وشروط صحة الأداء.
أما شروط الوجوب، فهي أربعة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والعلم بالوجوب لمن أسلم بدار الحرب، أو الكون بدار الإسلام، ومن جن رمضان كله لم يقضه، وإن أفاق المجنون في بعضه قضى ما مضى، أما من أغمي عليه في رمضان كله قضاه، ومن أغمي عليه في أثناء يوم في رمضان لم يقضه لوجود الصوم فيه وهو الإمساك المقرون بالنية، وقضى ما بعده.
وأما شروط وجوب الأداء، فهي اثنان: الصحة من مرض وحيض ونفاس، فلا يجب الأداء على المريض، والإقامة، فلا يجب الأداء على مسافر، ولكن يجب عليهما القضاء.
وأما شروط صحة الأداء، فهي ثلاثة: النية فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية، والخلو عن ما نع الحيض والنفاس، فلا يصح أداء الصوم منهما، وعليهما القضاء، والخلو عما يفسد الصوم بطروء مفسد عليه.
المالكية قالوا شروط الصوم أنواع ثلاثة: شروط وجوب، وشروط صحة، وشروط وجوب وصحة معا، ومجموعها سبعة: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والطهارة من دم الحيض والنفاس، والصحة، والإقامة، والنية.
ويلاحظ أن النية شرط على الراجح كما في حاشية الدسوقي، واعتبرها الدردير في الشرح الصغير ركنا، وما قد يذكر من أن النية ركن فهو تسامح. أما شروط الوجوب فهي ثلاثة: البلوغ، والصحة، والإقامة، فلا يجب الصوم على صبي ولو كان مراهقا، ولكن يجوز صيامه، ولا يندب، ولا يجب على الولي أمره به، ولا يجب على المريض أو العاجز ومنه المكره، ولا على المسافر ويجب عليهما القضاء.
وأما شروط الصحة: فهي اثنان: الإسلام، فلا يصح من الكافر، وإن كان واجبا عليه، ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر، والزمان القابل للصوم، فلا يصح في يوم العيد.
وأما شروط الوجوب والصحة معا فهي ثلاثة:
الأول ـ الطهارة من دم الحيض والنفاس: فلا يجب عليهما، ولا يصح منهما، وعليهما القضاء بعد زوال المانع. ويجب عليهما المباشرة في الأداء بمجرد الطهارة.
والثاني ـ العقل: لأن من زال عقله غير مخاطب بالصوم في حال العقل، فلا يجب على المجنون والمغمى عليه، ولا يصح منهما. أما القضاء فيجب على المجنون مطلقا في المشهور إذا أفاق من جنونه، وعلى المغمى عليه إن استمر إغماؤه يوما فأكثر، أو أغمي عليه معظم اليوم، ولا يجب عليه إن أغمي عليه يسيرا بعد الفجر بأن دام نصف اليوم فأقل. والسكران كالمغمى عليه في وجوب القضاء، إلا أنه يلزمه الإمساك بقية يومه.
وأما النائم: فلا يجب عليه قضاء ما فاته مطلقا، متى بيت النية أول الشهر.
والثالث ـ النية: فهي شرط صحة الصوم على الراجح الأظهر؛ لأن النية القصد إلى الشيء، ومعلوم أن القصد للشيء خارج عن ماهية الشيء، وتكفي نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه كرمضان وكفارته وكفارة قتل أو ظهار إذا لم ينقطع تتابعه بنحو مرض أو سفر، وندبت كل ليلة فيما تكفي فيه النية الواحدة.
والخلاصة: أن الصوم يسقط وجوبه عن اثني عشر: الصبي، والمجنون، والحائض، والنفساء، والمغمى عليه، والمسافر، والصحيح الضعيف البنية العاجز عن القيام به، والمتعطش، والمريض، والحامل، والمرضع، والشيخ الكبير.
الشافعية قالوا: شروط الصوم لديهم نوعان: شروط وجوب وشروط صحة. أما شروط الوجوب فأربعة هي ما يأتي:
1 - الإسلام: فلا يجب على الكافر الأصلي وجوب مطالبة في الدنيا كالصلاة، وإنما يعاقب في الآخرة على تركه، ويجب على المرتد وجوب مطالبة أي قضاء ما فاته بعد إسلامه.
2 - البلوغ: فلا يجب على الصبي لا أداء ولا قضاء، ويؤمر به لسبع، ويضرب على تركه لعشر.
3 - العقل: فلا يجب على المجنون لا أداء ولا قضاء إلا إذا زال عقله بتعديه، فيلزمه قضاؤه. ومثله السكران المتعدي بسكره يلزمه القضاء، أما غير المتعدي بسكره، كما في حالة الغلط، فلا يطالب بقضاء زمن السكر.
4 - الإطاقة: فلا يجب على العاجز بنحو هرم أو مرض لا يرجى برؤه، ولا على حائض لعجزها شرعا. وضابط المرض: هو ما يبيح التيمم وهو ما يصعب معه الصوم أو يناله به ضرر شديد.
وأما شروط الصحة فأربعة أيضا، هي ما يأتي:
1 - الإسلام حال الصيام: فلا يصح من كافر أصلي أو مرتد.
2 - التمييز: أو العقل في جميع النهار: فلا يصح صوم الطفل غير المميز، والمجنون، لفقدان النية، ويصح من صبي مميز. ولا يصح من سكران أو مغمى عليه، لكن لا يضر في الأظهر السكر والإغماء إن أفاق لحظة في النهار. وكذلك لا يضر النوم المستغرق لجميع النهار على الصحيح، لبقاء أهلية الخطاب.
3 - النقاء عن الحيض والنفاس في جميع النهار: فلا يصح صوم الحائض والنفساء بالإجماع، ولو طرأ في أثناء النهار حيض أو نفاس أو ردة أو جنون، بطل الصوم.
4 - كون الوقت قابلا للصوم: فلا يصح صوم العيدين، ولا أيام التشريق، وكذلك لا يصح صوم يوم الشك، ولا النصف الأخير من شعبان إلا لورد بأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم معين كالاثنين، فصادف ما بعد النصف أو يوم الشك، وإلا إذا صام فيهما لنذر أو قضاء أو كفارة أو وصل ما بعد النصف بما قبله.
وأما النية: فهي ركن، وتشترط لكل يوم، ويجب التبييت في الفرض دون النفل، فتجزئه نيته قبل الزوال، ويجب التعيين أيضا، ولا تجب نية الفرضية في الفرض.
وكذلك الإمساك عن الجماع عمدا وعن الاستمتاع وعن الاستقاءة وعن دخول عين جوفا ركن أيضا، كما سأبين في مبطلات الصوم.
الحنابلة قالوا: شروط الصوم عندهم نوعان: شروط وجوب، وشروط صحة. أما شروط الوجوب فهي أربعة:
1 - الإسلام: فلا يجب الصوم على كافر ولو مرتدا، لأنه عبادة بدنية تفتقر إلى النية، فكان من شرطه الإسلام كالصلاة، ولا يصح منه أيضا، فلو ارتد في يوم وهو صائم فيه، بطل صومه، لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر:65/ 39] فإن عاد إلى الإسلام قضى ذلك اليوم.
2 - البلوغ: فلا يجب الصوم على صبي ولو كان مراهقا، لحديث «رفع القلم عن ثلاث». ويجب على ولي المميز أمره به إذا أطاقه، وضربه عليه إذا تركه، ليعتاده كالصلاة.
3 - العقل: فلا يجب الصوم على مجنون، للحديث السابق «رفع القلم عن ثلاث» ولا يصح منه، لعدم إمكان النية منه. ولا يجب على الصبي غير المميز، ويصح من المميز كالصلاة. ومن جن في أثناء اليوم، لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت، ولإدراكه جزءا من وقته كالصلاة.
أما إذا جن يوما كاملا فأكثر، فلا يجب عليه قضاؤه، بخلاف المغمى عليه، فإنه يجب عليه القضاء، ولو طال زمن الإغماء، لأنه مرض غير رافع للتكليف، ويصح الصوم ممن جن أو أغمي عليه إذا أفاق جزءا من النهار، حيث نوى ليلا، وكذا يصح ممن نام كل النهار، فمن نام جميع النهار، صح صومه، لأنه معتاد ولا يزيل الإحساس بالكلية، ويجب القضاء على السكران، سواء أكان متعديا بسكره أم لا.
4 - القدرة على الصوم: فلا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، لأنه عاجز عنه، فلا يكلف به، لقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة:286/ 2].
وأما المرض الذي يرجى برؤه فيوجب أداء الصوم إذا برأ منه، وقضاء ما فاته من رمضان.
وأما شروط الصحة فهي أربعة أيضا1 - النية: أي النية المعينة لما يصومه من الليل لكل يوم واجب، ولا تسقط بسهو أو غيره، ولا يضر لو أتى بعدها ليلا بأكل أو شرب أو جماع ونحوه، ولا تجب نية الفرضية في الفرض، ولا الوجوب في الواجب، لأن التعيين يجزئ عن ذلك، وتصح النية نهارا في النفل ولو بعد الزوال إذا كان ممسكا عن المفطر من طلوع الفجر.
2 - الطهارة من الحيض والنفاس، فلا يصح صوم الحائض والنفساء ويحرم فعله، ويجب عليهما الأداء بمجرد انقطاع الدم ليلا، والقضاء لما فاتهما.
3 - الإسلام: فلا يصح من الكافر ولو كان مرتدا.
4 - العقل أي التمييز: فلا يصح من غير المميز وهو الذي لم يبلغ سبع سنين.
خلاصة المكروهات في المذاهب:
قال الحنفية: يكره للصائم سبعة أمور:
1 - ذوق شيء ومضغه بلا عذر، لما فيه من تعريض الصوم للفساد.
2 - مضغ العلك غير المصحوب بسكر (2)؛ لأنه يتهم بالإفطار بمضغه، سواء المرأة والرجل.
3 و 4 - القبلة، والمس والمعانقة والمباشرة الفاحشة، إن لم يأمن فيها على نفسه الإنزال أو الجماع، في ظاهر الرواية، لما في ذلك من تعريض الصوم للفساد بعاقبة الفعل. ويكره التقبيل الفاحش بمضغ شفتها. وإن أمن المفسد لا بأس.
5 - 6 - جمع الريق في الفم قصدا، ثم ابتلاعه، تحاشيا له عن الشبهة.
7 - ما ظن أنه يضعفه كالفصد والحجامة.
ولا يكره للصائم تسعة أمور:
1، 2 - القبلة والمباشرة مع الأمن من الإنزال والوقاع، لما روت عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبل ويباشر، وهو صائم .
3، 4 - دهن الشارب بالطيب، والكحل.
5، 6 - الحجامة والفصد إذا لم يضعفه كل منهما عن الصوم.
7 - السواك آخر النهار، بل هو سنة في أول النهار وآخره، ولو كان رطبا أو مبلولا بالماء.
8 - المضمضة والاستنشاق لغير وضوء.
9 - الاغتسال والالتفاف بثوب مبتل للتبرد، على المفتي به.

وقال المالكية:
يكره للصائم ما يأتي:
1 - إدخال الفم كل رطب له طعم وإن مجه، وذوق شيء له طعم كملح وعسل وخل، لينظر حاله، ولو لصانعه، مخافة أن يسبق لحلقه شيء منه.
2 - مضغ علك كلبان وتمرة لطفل، فإن سبقه شيء منهما لحلقه فيجب القضاء.
3 - الدخول على المرأة والنظر إليها، ومقدمة جماع ولو فكرا أو نظرا؛ لأنه ربما أداه للفطر بالمذي أو المني، وهذا إن علمت السلامة من ذلك، وإلا حرم.
4 - تطيب نهارا وشم الطيب نهارا.
5 - الوصال في الصوم.
6 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
7 - مداواة نخر الأسنان نهارا إلا لخوف ضرر في تأخيره لليل بحدوث مرض أو زيادته أو شدة تألم. فإن ابتلع من الدواء شيئا قهرا، قضى اليوم.
8 - الإكثار من النوم بالنهار.
9 - فضول القول والعمل.
10 - الحجامة.
وقال الشافعية:
تكره الحجامة والفصد، والقبلة وتحرم إن خشي فيها الإنزال، ويكره ذوق الطعام، والعلك، ودخول الحمام، والتلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم كشم الريحان ولمسه، والنظر إليه، لما في ذلك من الترفه الذي لا يناسب حكمة الصوم. والأصح أن كراهة القبلة إن حركت شهوته تحريمية.
ويكره أيضا السواك بعد الزوال إلى الغروب، للخبر الصحيح المتقدم: «لخلوف فم الصائم يوم القيامة أفضل عند الله من ريح المسك» أي التغير، واختص بما بعد الزوال؛ لأن التغير ينشأ غالبا قبله من أثر الطعام وبعده من أثر العبادة. ومعنى أطيبيته عند الله تعالى: ثناؤه تعالى عليه، ورضاه به. وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق، مخافة وصول شيء إلى الحلق.
وقال الحنابلة (2): يكره للصائم ما يأتي:
1 - أن يجمع ريقه ويبتلعه، لأنه قد اختلف في الفطر به، فإن فعله قصدا لم يفطر، لأنه يصل إلى جوفه من معدنه. وإن أخرجه لما بين شفتيه أو انفصل عن فمه، ثم ابتلعه، أفطر؛ لأنه فارق معدنه، مع إمكان التحرز منه في العادة. ولا بأس بابتلاع الصائم ريقه بحسب المعتاد، بغير خلاف؛ لأنه لا يمكن التحرز منه كغبار الطريق. ويحرم على الصائم بلع نخامة، ويفطر بها إذا بلعها، سواء أكانت من جوفه أم صدره أم دماغه، بعد أن تصل إلى فمه، لأنها من غير الفم كالقيء.
2 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق، لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما» وقد تقدم في الوضوء. ولا يفطر بالمضمضة والاستنشاق المعتادين بلا خلاف، سواء كان في الطهارة أو غيرها.
3 - ذوق طعام بلا حاجة؛ لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه، فيفطره، فإن وجد طعم المذوق في حلقه، أفطر لإطلاق الكراهة.
4 - مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء؛ لأنه يجمع الريق، ويجلو الفم، ويورث العطش، فإن وجد طعمه في حلقه أفطر، لوصول شيء أجنبي يمكن التحرز منه. ويحرم مضغ ما يتحلل منه أجزاء من علك وغيره، ولو لم يبتلع ريقه إقامة للمظنة مقام المئنة.
5 - القبلة لمن تحرك شهوته فقط، لقول عائشة السابق: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل، وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه» والإرب: الشهوة والحاجة.
«ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها شابا ورخص لشيخ» .
وإن ظن الإنزال مع القبلة لفرط شهوته، حرم بغير خلاف. ولا تكره القبلة، ولا مقدمات الوطء كلها من اللمس وتكرار النظر ممن لا تحرك شهوته.
6 - ترك الصائم بقية طعام بين أسنانه، خشية أن يجري ريقه بشيء منه إلى جوفه.
7 - شم ما لا يأمن أن تجذبه أنفاسه إلى حلقه، كسحيق مسك، وكافور ودهن وبخور وعنبر ونحوها.
ولا بأس أن يغتسل الصائم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة ثم يصوم (1)، ولا بأس بالسواك للصائم، قال عامر بن ربيعة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم.
ما يفسد الصوم عند الحنفية:
هو أربعة وعشرون شيئا تقريبا:
1 - الأكل أو الشرب أو الجماع ناسيا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» (1) وفي لفظ: «من أفطر يوما من رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة» والجماع في معناهما، فإن تذكر نزع فورا، فإن مكث بعده، فسد صومه. ولو نزع خشية طلوع الفجر، فأمنى بعد الفجر والنزع، ليس عليه شيء، وإن حرك نفسه ولم ينزع، أو نزع ثم أولج، لزمته الكفارة.
ويجب تذكير الناسي القادر على الصوم ليترك الأكل، ويكره عدم تذكيره، والأولى عدم تذكير العاجز الذي لا قوة له لطفا به.
2 - إنزال المني بنظر أو فكر، وإن أدام النظر والفكر؛ لأنه لم يوجد منه صورة الجماع ولا معناه، وهو الإنزال عن مباشرة وإن كان آثما، وفعل المرأتين (السحاق) بلا إنزال منهما لا يفسد الصوم، لكن الفاعل يأثم، ولا يلزم من الحرمة فيما ذكر الإفطار. وكذا لا يفطر بالاحتلام نهارا.
3 - القطرة أو الاكتحال في العين، ولو وجد الصائم الطعم أو الأثر في حلقه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان، وهو صائم.
4 - الحجامة: لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم.
5 - السواك ولو كان مبلولا بالماء؛ لأنه سنة.
6 - المضمضة والاستنشاق، ولو فعلهما لغير الوضوء، لكن لا يبالغ فيهما لئلا يدخل شيء إلى الجوف.
7 - الاغتسال أو السباحة، أو التلفف بثوب مبتل، للتبرد لدفع الحر، وإدخال عود إلى الأذن.
8 - الاغتياب، ونية الفطر، ولم يفطر.
9 - دخول الدخان، أو الغبار ولو غبار الطاحون، أو الذباب، أو أثر طعم الأدوية إلى الحلق، بلا صنع الصائم أي رغما عنه وهو ذاكر الصوم؛ لأنه لا يمكن الاحتراز أو الامتناع عنها.
لكن لو تبخر ببخور، فآواه إلى نفسه، واشتم دخانه، ذاكرا لصومه، أفطر، لإمكان التحرز عنه. ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه، والمسك، لوجود الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه، وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله.
10 - خلع الضرس، ما لم يبتلع شيئا من الدم أو الدواء، فيفطر.
11 - صب ماء أو دهن أو حقنة في الإحليل (مجرى البول في قبل الرجل)، أو دخول ماء في الأذن بسبب خوض نهر، أو إدخال العود في الأذن وإخراج درن الصماخ؛ لأن الإحليل ليس بمنفذ مفتوح، ودخول الماء في الأذن للضرورة، ولعدم وصول المفطر إلى الدماغ بإدخال العود للأذن، والأولى ترك ذلك كله.
12 - ابتلاع النخامة، واستنشاق المخاط عمدا وابتلاعه، لنزوله من الدماغ، لكن الأولى رميه لقذارته، وخروجا من خلاف من أفسد الصوم بابتلاعه.
13 - القيء قسرا عنه، أو عودته قهرا ولو كان ملء الفم، في الصحيح، والاستقاءة عمدا بما هو أقل من ملء الفم على الصحيح، لكن لو أعاد ما قاء أو قدر حمصة
منه، وكان أصل القيء ملء الفم، أفطر باتفاق الحنفية ولا كفارة، على المختار، وإن عاد قسرا، لم يفطر، سواء أكان القيء العائد قليلا أم كثيرا.
والخلاصة: أن القيء عامدا ملء الفم أو إعادة القيء مفطر يوجب القضاء فقط دون الكفارة، أما القيء قهرا أو عودة القيء بنفسه أو القيء أقل من ملء الفم فلا يفطر.
14 - أكل ما بين الأسنان، وكان دون الحمصة، لأنه تبع لريقة. أو مضغ مثل سمسمة من خارج فمه، حتى تلاشت ولم يجد لها طعما في حلقه، لعدم ابتلاع شيء.
15 – إذا أصبح جنبا، ولو استمر يوما بالجنابة؛ لأن الجنابة لا تؤثر في صحة الصوم للزومها الصوم للضرورة، كما تقدم سابقا، وإن كان الغسل فرضا للصلاة، لقوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة:6/ 5] ولأنه من آداب الإسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب».
16 - الحقن في العضل أو تحت الجلد أو في الوريد، والأولى عند الإمكان تأخيرها إلى المساء، أما الحقن الشرجية فتفطر.
17 - شم الروائح العطرية كالورد أو الزهر والمسك أو الطيب.
ما يفسد الصوم عند الماكية
ما يفسد الصيام نوعان: أحدهما ـ يوجب القضاء فقط، والثاني ـ يوجب القضاء والكفارة.
الأول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط: هو ما يأتي:
1 - الإفطار متعمدا في صيام فرض غير رمضان، كقضاء رمضان، والكفارات والنذر غير المعين، وصوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي.
أما النذر المعين، كما لو نذر صوم يوم معين، أو أيام معينة، أو شهر معين، فإن أفطر فيه لعذر مانع من صحته كحيض ونفاس وإغماء وجنون، أو لعذر مانع من أدائه كمرض واقع، أو شدة ضرر أو زيادته أو تأخر برئه، فلا يقضى لفوات وقته، وإن زال عذره وبقي منه شيء، وجب صومه.
2 - الإفطار متعمدا في صيام فرض رمضان إذا لم تتوافر شروط الكفارة، كالإفطار لعذر مبيح كالمرض والسفر، أو لعذر يرفع الإثم كالنسيان والخطأ والإكراه، والإفطار بسبب خروج المذي، أو خروج المني بنظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة نظر وكانت عادته الإنزال عند الاستراحة. وفي الجملة: كل فرض أفطر فيه يجب عليه قضاؤه إلا النذر المعين لعذر.
3 - الإفطار متعمدا في صوم التطوع؛ لأن الشروع في النفل ملزم عندهم، كما تقدم. فإن أفطر فيه ناسيا أو بعذر مبيح، فلا قضاء عليه.
والخلاصة: إن من أفطر عامدا في جميع أنواع الصيام، فعليه القضاء، ولا يكفر إلا في رمضان، ومن أفطر في جميعها ناسيا، فعليه القضاء دون الكفارة، إلا في التطوع فلا قضاء ولا كفارة.
أما المفطرات فهي خمسة:
1 - الجماع الذي يوجب الغسل.
2 - إخراج المني أو المذي بالتقبيل أو المباشرة أو النظر أو الفكر المستديمين.
3 - الاستقاءة (تعمد القيء) سواء ملأ الفم أم لا، بخلاف ما إذا غلبه القيء إلا إذا رجع شيء منه ولو غلبة، فيفسد صومه.
4 - وصول مائع إلى الحلق من فم أو أنف أو أذن، عمدا أو سهوا أو خطأ أو غلبة كماء المضمضة أو السواك، وفي حكم المائع: البخور وبخار القدر إذا استنشقهما، فوصلا إلى حلقه، والدخان المعروف، والإكتحال نهارا ودهن الشعر نهارا إذا وجد طعمهما في الحلق، فإن تحقق عدم وصول الكحل والدهن للحلق فل شيء عليه، كأن حدث ذلك ليلا.
5 - وصول أي شيء إلى المعدة، سواء أكان مائعا أم غيره من فم أو أنف أو أذن أو عين أو مسام رأس، إذا كان وصوله عمدا أو خطأ أو سهوا أو غلبة. أما الحقنة في الإحليل (وهو ثقبة الذكر) فلا تفسد الصوم، وكذا نبش الأذن بنحو عود لا شيء فيه، ولا يضر ابتلاع ما بين الأسنان من طعام ولو عمدا فلا يفطر.
وهكذا: كل ما وصل للمعدة من منفذ عال سواء أكان مائعا أم غير مائع موجب للقضاء، سواء أكان ذلك المنفذ واسعا أم ضيقا، بخلاف ما يصل للمعدة من منفذ سافل، فإنه يشترط كونه واسعا كالدبر وقبل المرأة والثقبة. لا كإحليل رجل وجائفة: وهي الخرق الصغير جدا الواصل للبطن، وصل للمعدة أو لا، ويشترط كونه مائعا لا جامدا، فوصول المائع للمعدة مفسد مطلقا، سواء أكان المنفذ عاليا أم من الأسفل، ووصول الجامد لها لا يفسد إلا إذا كان المنفذ عاليا.
ويجب القضاء على من أفطر في صوم الفرض مطلقا، أي سواء حدث الفطر عمدا أو سهوا أو غلبة أو إكراها، وسواء أكان الفطر حراما أم جائزا أم واجبا كمن أفطر خوف هلاك، وسواء وجبت الكفارة أم لا، أو كان الفرض أصليا أم نذرا.
الثاني ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معا بالفطر في رمضان فقط دون غيره: هو ما يأتي:
1 - الجماع عمدا: أي إدخال الحشفة في فرج مطيق ولو بهيمة، وإن لم ينزل المني، إذا انتهك حرمة رمضان بأن كان غير مبال بها بأن تعمدها اختيارا بلا تأويل قريب، احترازا من الناسي والجاهل والمتأول، وذلك سواء أتى زوجته أو أجنبية، فإن طاوعته المرأة فعليه الكفارة وعليها، وإن وطئها نائمة أو مكرهة كفر عنه وعنها، وإن جامع ناسيا أو مكرها أو متأولا، فلا كفارة عليه.
2 - إخراج المني أو المذي يقظة مع لذة معتادة بتقبيل أو مباشرة فيما دون الفرج، أو بنظر أو تفكر عند الاستدامة أو كانت عادته الإنزال عند الاستدامة، أو كانت عادته الإمناء بمجرد النظر، فمن قبل فأمنى فقد أفطر اتفاقا، وإن أمذى فيفطر عند مالك وأحمد دون غيرهما.
ولا كفارة على الراجح إذا أمنى بتعمد النظر أو الفكر، ولم تكن عادته الإنزال بهما، أو أمنى بمجرد الفكر أو النظر من غير استدامة لهما .
(الحاصل: أنه إذا أمنى بمجرد الفكر أو النظر من غير استدامة لهما، فلا كفارة قطعا، وإن استدامهما حتى أنزل، فإن كانت عادته الإنزال بهما عند الاستدامة، فالكفارة قطعا، وإن كانت عادته عدم الإنزال بهما عند الاستدامة، فخالف عادته وأمنى، فلا كفارة على المختار)
3 - الأكل والشر ب عمدا، ومثلهما بلع كل ما يصل إلى الحلق من الفم خاصة، ولو لم يغذ كنحو حصاة وصلت الجوف، وتعمد القيء وابتلاع شيء منه ولو غلبة، وتعمد الاستياك بجوزاء (الجوزاء: قشر يتخذ من أصول شجر الجوزاء، يستعمله بعض نساء أهل المغرب). نهارا وابتلاعه ولو غلبة، وذلك قياسا على الجماع والإنزال، لانتهاك حرمة شهر رمضان. ولا تجب الكفارة بالإفطار ناسيا، ولا بما يصل إلى الجوف من غير الفم كالأنف والأذن؛ لأن الكفارة معللة بالانتهاك الذي هو أخص من العمد.
4 - تجب الكفارة بالإصباح بنية الفطر، ولو نوى الصيام بعده على الأصح، وبفرض النية أي رفعها نهارا على الأصح.
5 - تعمد الفطر لغير عذر، ثم مرض أو سافر، أو حاضت المرأة، فتجب الكفارة على المشهور.
ولا تجب الكفارة إلا بالشروط السبعة الآتية المفهومة مما سبق بيانه وهي:
أولا ـ أن يكون الفطر في أداء رمضان، فلا تجب الكفارة في غيره، كقضاء رمضان وصوم منذور، وصوم كفارة أو نفل.
ثانيا ـ أن يتعمد الفطر: فلا كفارة على ناس، أو مخطئ، أو معذور بعذر كمرض أو سفر.
ثالثا ـ أن يكون مختارا: فلا كفارة على مستكره، أو مفطر غلبة.
رابعا ـ أن يكون عالما بحرمة الفطر، فلا كفارة على جاهلها، كحديث عهد بالإسلام، ظن أن الصوم لا يحرم معه الجماع، فجامع، فلا كفارة عليه. ولا كفارة على من جهل حلول رمضان، كمن أفطر يوم الشك قبل ثبوت الهلال.
خامسا ـ أن ينتهك حرمة شهر رمضان أي لا يبالي بها: فلا كفارة على متأول تأويلا قريبا: وهو المستند في فطره لأمر موجود، مثل أن يفطر ناسيا أو مكرها، ثم أكل أو شرب عمدا، ظانا عدم وجوب الإمساك عليه، فلا كفارة عليه لاستناده لأمر موجود سابقا وهو الفطر نسيانا أو بإكراه. ومثل من أفطر بسبب سفر أقل من مسافة القصر، ظانا أن الفطر مباح له، لظاهر قوله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر، فعدة من أيام أخر} [البقرة:184/ 2 - 185] ونحو من تعمد الفطر يوم الثلاثين من رمضان منتهكا للحرمة، ثم تبين أنه يوم العيد، وكذلك الحائض تفطر متعمدة، ثم تعلم أنها حاضت قبل فطرها، فلا كفارة عليها على المعتمد.
أما المتأول تأويلا بعيدا كمن اعتاد الحمى أو الحيض في يوم معين، فبيت نية الفطر، ولم يحدث العارض، فعليه الكفارة. ومثله من اغتاب ظانا بطلان صومه فأفطر متعمدا، فعليه الكفارة.
سادسا ـ أن يكون الواصل من الفم: فلو وصل شيء من الأذن أو العين فلا كفارة، وإن وجب القضاء، كما أبنت.
سابعا ـ أن يكون الوصول للمعدة: فلو وصل شيء إلى حلق الصائم، ورده، فلا كفارة عليه.
ما لا يفسد الصوم:
لا يفسد الصوم بأحوال قد يتوهم فيها وهي:
1 - من غلبه القيء، ولم يرجع منه شيء لحلقه، أو غلبه الذباب أو البعوض، أوغبار الطريق، أو غبار الدقيق لصانعه وهو الطحان والناخل والمغربل والحامل ونحوه في أثناء مزاولة المهنة كحافر القبر وناقل التراب لغرض، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه، ولضرورة الصنعة. أما غير الصانع فعليه القضاء.
2 - الحقنة في الإحليل أي ثقبة الذكر، ولو بمائع، لأنه لا يصل عادة للمعدة.
3 - دهن الجائفة بالدواء: أي دهن الجرح في البطن أو الجنب الواصل للجوف، لأنه لا يصل لمحل الأكل والشرب، وإلا لمات من ساعته.
4 - نزع المأكول أو المشروب أو الفرج عند طلوع الفجر، فإن ظن النازع إباحة الفطر، فأفطر، فلا كفارة عليه، لأن فطره بتأويل قريب.
5 - من غلبه المني أو المذي بمجرد النظر أو الفكر أي غير المستديم.
6 - من ابتلع ريقه، أو ما بين أسنانه من بقايا الطعام، إلا إذا كان كثيرا عرفا.
7 - المضمضة للعطش، والإصباح بالجنابة، والسواك في كل النهار لمقتض شرعي من وضوء وصلاة وقراءة وذكر الله تعالى.
8 - الحجامة لا تفطر، ولكنها تكره.
ما يفسد الصوم عند الشافعية:
ما يفسد الصوم نوعان: نوع يوجب القضاء فقط، ونوع يوجب القضاء والكفارة.
الأول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط:
يفسد الصوم ويجب القضاء فقط دون الكفارة بالأمور الآتية، ويجب الإمساك بقية النهار على من أفطر بغير عذر؛ لأنه أفطر بغير عذر.
1 - وصول شيء مادي (عين) إلى الجوف وإن قل كسمسمة، أو لم يؤكل عادة كحصاة أو تراب، من منفذ مفتوح كالفم والأنف والأذن والقبل (الإحليل) والدبر وجرح الدماغ، إذا كان عمدا؛ لأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، وهذا ما أمسك، فمن أكل أو شرب ناسيا، أو مكرها، أو جاهلا بأن ذلك مفطر بسبب قرب عهده بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، لم يفطر، سواء أكان المأكول قليلا أم كثيرا، لعدم توافر العمد. وعدم الفطر بالإكراه هو الأظهر. ولو وصل جوفه ذباب أو بعوضة، أو غبار الطريق، ولو تعمد فتح فمه حتى دخل التراب جوفه، أو غربلة الدقيق، أو وصول الأثر كوصول الريح بالشم إلى دماغه، لم يفطر، لعدم توافر القصد، ولما فيه من المشقة الشديدة، ولأنه معفو عن التراب في حال تعمد فتح الفم. لكن لو استخدم مريض الربو بخاخة الهواء عند ضيق النفس، فإنه يفطر؛ لأن ما يعفى عن جنسه كالتراب والهواء مقصور على حالة الابتلاء العام، فإن كان الشيء خاصا، كتعمد ابتلاع رائحة شواء لحم، فيفطر، لسهولة الاحتراز عنه. ومثل ذلك تناول حب تصلب الشرايين عند الإحساس بالضيق.
ولا يفطر ببلع ريقه الطاهر الخالص من معدنه (وهو الفم جميعه الذي فيه قراره ومنه ينبع) ولو بعد جمعه ثم ابتلاعه في الأصح وإن أخرجه على لسانه لعسر الاحتراز عنه، ولأنه في حال جمعه لم يخرج عن معدنه، فهو كابتلاعه متفرقا من معدنه. فإن خرج الريق عن فمه ثم رده وابتلعه؛ أو بل خيطا بريقه، ورده إلى فمه، وعليه رطوبة تنفصل، وابتلعها؛ أو ابتلع ريقه مخلوطا بغيره، أو متنجسا، أفطر في الحالات الثلاث، أما الأولى فلخروجه عن معدنه فصار كالأعيان الخارجة، وأما الثانية فلأنه لا ضرورة إليه، وأما الثالثة فلأنه أجنبي عن الريق.
وكذلك لا يفطر بابتلاع ما بقي من الطعام بين الأسنان من غير قصد إن عجز عن تمييزه ومجه، لأنه معذور فيه غير مقصر، فإن قدر على تمييزه ومجه وابتلعه ولو قليلا دون الحمصة، فإنه يفطر، فيفطر بجري الريق بما بين الأسنان لقدرته على مجه، ويفطر - كما سيأتي - بالنخامة أيضا وهي التي تنزل من الرأس أو الجوف، ووصلت إلى حد الظاهر من الفم، فأجراها هو، أما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها فلا يفطر للعذر، كما لا يفطر إذا لم تصل إلى حد الظاهر، كأن نزلت من دماغه إلى حلقه، وهي في حد الباطن، ثم إلى جوفه، وإن قدر على مجها، لأنها نزلت من جوف إلى جوف.
ويفطر بتناول الدخان المعروف ونحوه كالتمباك والنشوق، وبوصول شيء إلى باطن الدماغ، والبطن، والأمعاء، والمثانة، وبالحقنة في الإحليل (مخرج البول من الذكر، واللبن من الثدي)، وبالتقطير في باطن الأذن، وبإدخال عود ونحوه لباطن الأذن؛ لأن كل ذلك جوف، وقد وصل إليه من منفذ مفتوح.
ولا يضر وصول الدهن إلى الجوف بتسرب المسام (وهي ثقب البدن) ولا الاكتحال وإن وجد طعم الكحل في حلقه؛ لأن الواصل إليه ليس من منفذ وإنما من المسام، وقد روى البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم «كان يكتحل بالإثمد وهو صائم» فلا يكره الاكتحال للصائم.
2 - ابتلاع النخامة: وهي ما ينزل من الرأس أو الجوف، أما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها، فلا يفطر، وإن تركها مع القدرة على لفظها، فوصلت الجوف، أفطر في الأصح لتقصيره، كما تقدم بيانه أيضا.
3 - سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق المشروع إلى جوفه، في حال المبالغة في ذلك؛ لأن الصائم منهي عن المبالغة. فإن لم يبالغ فلا يفطر، لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره.
وإن سبق الماء غير المشروع إلى جوفه، كما في حال التبرد، أو العبث، أو فيا لمرة الرابعة من المضمضة أو الاستنشاق، أفطر؛ لأنه غير مأمور بذلك، بل منهي عنه في الرابعة.
4 - الاستقاءة أي تعمد القيء، حتى لو تيقن على الصحيح أنه لم يرجع شيء إلى جوفه، لأن المفطر عينها، لظاهر خبر ابن حبان وغيره: «من ذرعه القيء (1)( أي غلب عليه وهو صائم) فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض» هذا إذا كان عالما بالتحريم عامدا مختارا لذلك، فإن كان جاهلا لقرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، أو ناسيا أو مكرها، فإنه لا يفطر.
5 - الاستمناء (وهو إخراج المني بغير جماع، محرما كأن أخرجه بيده، أو غير محرم كإخراجه بيد زوجته)، وخروج المني بلمس وقبلة ومضاجعة بلا حائل؛ لأنه إنزال بمباشرة.
ولا يفطر بإنزال المني بفكر (وهو إعمال الخاطر في الشيء)، أو نظر بشهوة، أو بضم امرأة بحائل بشهوة؛ إذ لا مباشرة، فأشبه الاحتلام، مع أنه يحرم تكريرها وإن لم ينزل.
6 - أن يتبين الغلط بالأكل نهارا بسبب طلوع الفجر، أو لعدم غروب الشمس، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه.
ويحل الإفطار آخر النهار بالاجتهاد بسبب قراءة ورد أو غيره كوقت الصلاة، والاحتياط ألا يأكل آخر النهار إلا بيقين، ويجوز الأكل آخر الليل إذا ظن بقاء الليل أوشك؛ لأن الأصل بقاء الليل. ولو طلع الفجر، وفي فمه طعام، فلفظه، صح صومه، وكذا يصح لو كان مجامعا فنزع في الحال، فإن مكث بطل الصوم.
7 - يفطر بطروء الجنون والردة والحيض والنفاس، لمنافاة ذلك مع شروط صحة الصوم من العقل والإسلام والطهارة من الدماء الطارئة، أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة، وقد سئل عن نقصان دينها: «أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟».
الثاني - ما يوجب القضاء والكفارة والتعزير:
يجب القضاء والكفارة مع التعزير وإمساك بقية اليوم، بشيء واحد، وهو الجماع الذي يفسد صوم يوم من رمضان بشروط أربعة عشر وهي:
1 - أن يكون ناويا للصوم ليلا: فلو ترك النية لم يصح صومه، ويجب عليه الإمساك.
2، 3، 4 - أن يكون متعمدا مختارا، عالما بالتحريم: فلا كفارة على ناس أو مكره، أو جاهل التحريم بسب قرب إسلامه.
5 - أن يحدث الجماع في نهار رمضان: فلا كفارة على جماع مفسد غير رمضان من نفل أو نذر أو قضاء، أو كفارة، والجماع في نهار رمضان حرام لقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} ... {فالآن باشروهن} ـ إلى قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة:187/ 2].
6 - أن يفسد الصوم بالجماع وحده: فإن أكل ثم جامع، لا كفارة عليه، ولا كفارة بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء باليد، والمباشرة فيما دون الفرج المفضية إلى الإنزال .
7- أن يكون آثما بهذا الجماع: فلا كفارة على صبي، ولا على صائم مسافر أو مريض جامع بنية الترخص أو بغيرها في الأصح، لإباحة الفطر له، ولا على من زنى ناسيا للصوم؛ لأنه ناس، ولا على مسافر أفطر بالزنا مترخصا بالفطر؛ لأن الفطر جائز له.
8 - أن يكون معتقدا صحة صومه: فلا كفارة على من جامع عامدا بعد الأكل ناسيا وظن أنه أفطر بالأكل، لأنه يعتقد أنه غير صائم، وإن كان الأصح بطلان صومه بهذا الجماع.
9 - ألا يكون مخطئا: فلا كفارة على من جامع ظانا وقت الجماع بقاء الليل، أو دخول المغرب، فتبين أنه جامع نهارا، لانتفاء الإثم.
10 - ألا يجن أو يموت بعد الوطء في أثناء النهار الذي جامع فيه قبل الغروب: فلا كفارة على من جن أو مات حينئذ لعدم الأهلية، فحدوث الجنون أو الموت يسقط الكفارة قطعا، لأنه تبين بطروء ذلك أنه لم يكن في صوم، لمنافاته له، أي أن صوم هذا اليوم خرج عن كونه مستحقا، فلم يجب بالوطء فيه كفارة، كصوم المسافر، أو كما لو قامت البينة أنه من شوال.
11 - أن يكون الوطء منسوبا إليه: فلو علته امرأة وأنزل بالإدخال، فلا كفارة عليه، إلا إن أغراها بذلك.
12 - أن يكون الجماع بإدخال الحشفة، أو قدرها من مقطوعها، فلا كفارة على من لم يتحقق منه الإيلاج بالقدر المذكور، ولكن يجب عليه الإمساك.
13 - أن يتم الجماع في فرج ولو دبرا، أو ميتة أو بهيمة: فلا كفارة على من وطئ في غير فرج. ووطء المرأة في الدبر، واللواط، كالوطء في الفرج.
14 - أن يكون واطئا لا موطوءا: فلا كفارة على المفعول به مطلقا وإنما الكفارة على الفاعل، وتلزم المرأة بالقضاء فقط.
وحدوث السفر أو المرض أو الإغماء أو الردة بعد الجماع لا يسقط الكفارة، لتحقق هتك حرمة الصوم قبل ذلك؛ لأن المرض والسفر لا ينافيان الصوم، فيتحقق هتك حرمته، وأما طروء الردة فلا يبيح الفطر.
ويجب قضاء اليوم الذي أفسده (يوم الإفساد) على الصحيح مع الكفارة.
وتتعدد الكفارة بتعدد الفساد، فمن جامع في يومين لزمه كفارتان؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة، فلا تتداخل كفارتاهما، كحجتين جامع فيهما، ولو جامع في جميع أيام رمضان لزمه كفارات بعددها.
وتلزم الكفارة من انفرد برؤية الهلال، وجامع في يومه.
ما لا يفسد الصوم عند الشافعية:
لا يفسد الصوم بوصول شيء إلى الجوف بنسيان أو إكراه أو جهل يعذر به شرعا، ولا بما عجز عن مجه كالنخامة وما بين الأسنان من الطعام، ولا بما يشق الاحتراز عنه كغبار الطريق وغربلة الدقيق والذباب والبعوض.
ولا يفسد الصوم أيضا بالفصد، إذ لا خلاف فيه، ولا بالحجامة؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم» ، لكنها تكره إلا لحاجة.
ولا يفسد بالاكتحال ولكنه خلاف الأولى على الراجح، ولا بالتقبيل ولكنه يكره لمن حركت القبلة شهوته، ولا بالمعانقة والمباشرة، ولا بالإنزال بفكر ونظر بشهوة، ولا بمضغ العلك (اللبان غير المشوب بشيء) أو ذوق الطعام، ولكنهما يكرهان إلا لحاجة، ولا بالسواك، ولكنه يكره بعد الزوال إلا لسبب يقتضيه كأكل بصل نسيانا، ولا بالتمتع بالشهوات من المبصرات والمشمومات والمسموعات، ولكنه يكره.
آراء الفقهاء في مفسدات الصوم ومالا يفسد
الحنابلة (1): إفساد الصوم إما أن يوجب القضاء أو القضاء والكفارة.
الأول ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط: هو ما يأتي:
1 - دخول شيء مادي من منفذ إلى الجوف أو الدماغ عمدا واختيارا، مع تذكر الصوم، ولو جهل التحريم، سواء أكان مغذيا كالأكل والشرب أم غير مغذ كالحصاة وابتلاع النخامة والسعوط (النشوق) والدواء أو الدهن الذي يصل إلى الحلق أو الدماغ، والحقنة في الدبر، وابتلاع الدخان قصدا، لأنه واصل إلى جوفه باختياره، فأشبه الأكل. فلا يفطر بوصول شيء غير قاصد الفعل، أو ناسيا أو نائما أو مكرها، لحديث: «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وحديث «من نسي وهو صائم ... ».
2 - الاكتحال بكحل يتحقق معه وصوله إلى الحلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم» ، ولأن العين منفذ، لكنه غير معتاد، كالواصل من الأنف. فإن لم يتحقق وصوله إلى حلقه، فلا فطر، لعدم تحقق ما ينافي الصوم.
3 - الاستقاءة أي استدعاء القيء عمدا، فقاء طعاما أو مرارا، أو بلغما أو دما أو غيره، ولو قل، لحديث أبي هريرة المرفوع: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض»
4 - الحجامة: يفطر بها الحاجم والمحجوم إذا ظهر دم، وإلا لم يفطر، لحديث «أفطر الحاجم والمحجوم» وقالوا: إن حديث الجمهور القاضي بعدم الإفطار بالحجامة منسوخ بهذا الحديث، بدليل ما روى ابن عباس أنه قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاحة بقرن وناب، وهو محرم صائم، فوجد لذلك ضعفا شديدا، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحجم الصائم.
5 - التقبيل والاستمناء واللمس والمباشرة دون الفرج فأمنى، أو أمذى، وتكرار النظر فأمنى لا إن أمذى، إذ فعل ذلك عامدا، وهو ذاكر لصومه: يوجب القضاء بلا كفارة إذا كان صوما واجبا، لما روى أبو داود عن عمر: أنه قال: «هششت، فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، إني فعلت أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، قال: أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به، قال: فمه» فشبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الفطر، فإن القبلة إذا كان معها نزول، أفطر وإلا فلا، فلا فطر بدون إنزال، لقول عائشة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه».
والإفطار بتكرار النظر والإمناء، لأنه إنزال بفعل يلتذ به، ويمكن التحرز منه فأشبه الإنزال باللمس. أما عدم الإفطار بتكرار النظر والإمذاء، فلأنه لا نص فيه، والقياس على إنزال المني، لمخالفته إياه في الأحكام.
6 - الردة مطلقا، لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر:65/ 39].
7 - الموت يفسد صوم اليوم الذي مات فيه الصائم في صوم النذر والكفارة، فيطعم من تركته مسكين.
8 - تبين الغلط في الأكل نهارا: فإن أكل أو شرب شاكا في غروب الشمس أفطر وقضى؛ لأن الأصل بقاء النهار، أو أكل أو شرب ظانا بقاء النهار مالم يتحقق أنه كان بعد الغروب؛ لأن الله تعالى أمر بإتمام الصوم إلى الليل، ولم يتمه، أو أكل ظانا أنه ليل، فبان نهارا؛ لأن الله تعالى أمر بإتمام الصوم، ولم يتمه. ويقضي أيضا لو أكل ونحوه ناسيا فظن أنه أفطر، فأكل ونحوه عمدا.
ولا يقضي إن أكل ونحوه ظانا غروب الشمس، ودام شكه، ولم يتبين له الحال؛ لأن الأصل براءته، أو إن أكل وبان أن أكله كان ليلا؛ لأنه أتم صومه.
الثاني ـ ما يوجب القضاء والكفارة معا :
وهو شيء واحد وهو الجماع في نهار رمضان، بلا عذر سابق كمن به مرض، في فرج: قبل أو دبر من آدمي أو غيره كبهيمة، من حي أو ميت، أنزل أم لا.
إذا كان عامدا أو ساهيا، أو مخطئا، أو جاهلا، أو مختارا أو مكرها، سواء أكره في حال اليقظة أم في حال النوم، لحديث أبي هريرة المتفق عليه في إيجاب الكفارة على المجامع، وأما كون الساهي أو الناسي كالعامد في ظاهر المذهب والمكره كالمختار، النائم كالمستيقظ، فلأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل الأعرابي، ولو اختلف الحكم بذلك لاستفصله؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والسؤال معاد في الجواب، كأنه قال: إذا واقعت في صوم رمضان فكفر، ولأنه عبادة يحرم الوطء فيه، فاستوى عمده وغيره كالحج. وأما كونه لا فرق بين أن ينزل أو لا، فلأنه في مظنة الإنزال، وأما الكفارة في حالة الإكراه: فلأن الإكراه على الوطء لا يمكن؛ لأنه لا يطأ حتى ينتشر، ولا ينتشر إلا عن شهوة، فكان كغير المكره.
وأما كونه لا فرق بين كون الفرج قبلا أو دبرا، من ذكر أو أنثى، فلأنه أفسد صوم رمضان بجماع في الفرج، فأوجب الكفارة. وأما الوطء في فرج البهيمة فلأنه وطء في فرج موجب للغسل مفسد للصوم، فأشبه وطء الآدمية، ويفسد صوم المرأة كالرجل بالجماع، لأنه نوع من المفطرات، فاستوى فيه الرجل والمرأة كالأكل، وتلزمها الكفارة إذا جومعت بغير عذر؛ لأنها هتكت حرمة صوم رمضان بالجماع، فتلزمها الكفارة كالرجل. ولا تلزمها الكفارة مع العذر، كنوم أو إكراه، أو نسيان، أو جهل؛ لأنها معذورة، ويفسد صومها بذلك، فيلزمها القضاء.
لكن لو استدخلت صائمة ذكر نائم أو صبي أو مجنون، بطل صومها للجماع، فيجب عليها القضاء والكفارة، إن كان في نهار رمضان.
وإن تساحقت امرأتان وإن أنزلا، أو أنزل مجبوب بالسحاق، فسد الصوم: لأنه إذا فسد الصوم باللمس مع الإنزال، ففيما ذكر بطريق الأولى، ولا كفارة عليهما ولا على المجبوب في الأصح؛ لأن ذلك ليس بمنصوص، ولا في معنى المنصوص عليه، فيبقى على الأصل.
وإن جامع في يومين من رمضان واحد، ولم يكفر لليوم الأول، فعليه كفارتان؛ لأن كل يوم عبادة، وكالحجتين، وكيومين من رمضانين، وأما إن جامع ثم جامع في يوم واحد قبل التكفير، فعليه كفارة واحدة بغير خلاف. وإن جامع ثم كفر، ثم جامع في يومه، فعليه كفارة ثانية، لأنه وطء محرم، وقد تكرر فتتكرر هي كالحج.
وتلزم الكفارة إذا وطئ كل من لزمه الإمساك، كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر، أو نسي النية، أو أكل عامدا، ثم جامع، لهتكه حرمة الزمن به، ولأنها تجب على المستديم للوطء.
وإذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام الجماع، فعليه القضاء والكفارة، لأنه ترك صوم رمضان بجماع، أثم به لحرمة الصوم، فوجبت به الكفارة، كما لو وطئ بعد طلوع الفجر.
وإن نزع في الحال مع أول طلوع الفجر، فعليه القضاء والكفارة، فالنزع جماع، فلوطلع عليه الفجر وهو مجامع، فنزع في الحال، مع أول طلوع الفجر الثاني، فعليه القضاء والكفارة؛ لأنه يلتذ بالنزع، كما يلتذ بالإيلاج.
ولو جامع يعتقد بقاء الليل، فبان نهارا وأن الفجر كان قد طلع، وجب عليه القضاء والكفارة؛ لأنه لا فرق بين العامد والمخطئ، كما بينا. ولو جامع في أول النهار، ثم مرض أو جن، أو كانت امرأة فحاضت أو نفست في أثناء النهار، لم تسقط الكفارة؛ لأنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة، فلم يسقطها كالسفر، ولأنه أفسد صوما واجبا في رمضان بجماع تام، فاستقرت الكفارة عليه، كما لولم يطرأ عذر.
وإن جامع دون الفرج عمدا، فأنزل ولو مذيا، فسد الصوم، ولا كفارة، لأنه ليس بجماع، وإن لم ينزل لم يفسد صومه، كاللمس والقبلة.
ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان، باتفاق أكثر العلماء، لأنه جامع في غير رمضان، فلم تلزمه كفارة، كما لو جامع في صيام الكفارة، ويفارق القضاء الأداء، لأنه متعين بزمان محترم، فالجماع فيه هتك له، بخلاف القضاء.
ومن به شبق يخاف أن ينشق ذكره أو أنثياه أو مثانته، جامع وقضى ولا يكفر للضرورة مثل أكل الميتة للمضطر، وإن اندفعت شهوته بغير الجماع كالاستمناء بيده أو يد زوجته ونحوه كالمفاخذة، لم يجز له الوطء، كا لصائل يندفع بالأسهل، لا ينتقل إلى غيره.
وحكم المريض الذي ينتفع بالجماع في مرضه حكم من خاف تشقق فرجه في جواز الوطء.
وفي حال الضرورة إلى وطء حائض وصائمة بالغ، يكون وطء الصائمة أولى من وطء الحائض؛ لأن تحريم وطء الحائض بنص القرآن. وإن لم تكن الزوجة بالغا، وجب اجتناب الحائض، للاستغناء عنه بلا محذور، فيطأ الصغيرة وكذا المجنونة.
وإن تعذر قضاء ذي الشبق لدوام شبقه، فهو ككبير عجز عن الصوم، فيطعم لكل يوم مسكينا، ولا قضاء إلا مع عذر معتاد كمرض أو سفر.
مالا يفسد الصوم:
لا يفطر الصائم بما يأتي:
1 - بما لا يمكن الاحتراز عنه: كابتلاع الريق وغبار الطريق وغربلة الدقيق والتقطير في إحليل ولو وصل مثانته، لعدم المنفذ، وكذا إن جمع الريق ثم ابتلعه قصدا، لم يفطر؛ لأنه يصل إلى جوفه من معدنه (أي فمه)، فإن خرج ريقه إلى ثوبه، أو بين أصابعه، أو بين شفتيه، ثم عاد فابتلعه، أو بلع ريق غيره، أفطر؛ لأنه ابتلعه من غير فمه، فأشبه ما لو بلع غيره. ولا يفطر ببصق النخامة بلا قصد من مخرج الحاء المهملة، فإن ابتلعها أفطر.
2 - بالمضمضة والاستنشاق بغير خلاف، سواء أكان في الطهارة أم غيرها وسواء بالغ أم زاد عن الثلاث، بدليل حديث عمر السابق في القبلة، وقياسها على المضمضة، لكن تكره المضمضة عبثا ولحر أو عطش.
3 - بمضغ العلك: وهو الذي لا يتحلل منه أجزاء، وإنما الذي يصلب ويقوى كلما مضغه، ولكن يكره مضغه ولا يحرم؛ لأنه يجمع الريق، ويورث العطش.
4 - بالقبلة واللمس والمفاخذة ونحوها بدون إنزال: فإن أنزل فسد صومه، ولا كفارة عليه؛ لأنه ليس بجماع.
5 - الإمذاء بتكرار النظر، لأنه لا نص فيه، والإمناء بغير تكرار النظر، لعدم إمكان التحرز من النظرة الأولى، وتكرار النظر بغير إنزال. ولا يفطر إن فكر فأمنى أو أمذى، لقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به».
كما لا يفطر إن حصل الإنزال بفكر غالب أي غير اختياري، بأن لم يتسبب فيه، أو احتلم أو أنزل لغير شهوة، كالذي يخرج منه المني لمرض أو لسقطة من موضع عال، أو خروجا منه لهيجان شهوة من غير أن يمس ذكره بيد، أو أمنى نهارا من وطء ليل، لأنه لم يتسبب إليه في النهار، أو أمنى ليلا من مباشرته نهارا.
6 - الفصد والشرط، وإخراج الدم برعاف، وجرح الصائم نفسه أو جرحه غيره بإذنه ولم يصل إلى جوفه شيء من آلة الجرح، ولو كان الجرح بدل الحجامة، لأنه لا نص فيه، والقياس لا يقتضيه.
7 - دخول شيء إلى الجوف غير قاصد الفعل: بأن فعل ذلك ناسيا أو مكرها أو نائما، لأنه لا قصد للنائم، وللحديث المتقدم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه». ويجب على من رأى الصائم إعلامه إذا أراد الأكل أو الشرب ناسيا أو جاهلا، كإعلام نائم إذا ضاق وقت الصلاة.
8 - الشك في طلوع الفجر: من أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع الفجر، ودام شكه؛ لأن الأصل بقاء الليل، فيكون زمانه الشك منه، ولظاهر الآية: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة:187/ 2]. لكن يفطر وعليه القضاء إن أكل ظانا أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع، أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب، لأنه يمكن التحرز منه.
9 - غلبة القيء: فمن ذرعه القيء (1)(1) ذرعه القيء أي خرج منه بغير اختياره فلا شيء عليه، بخلاف من استقاء فعليه القضاء.
10 - السواك كل النهار وعدم الاغتسال من الجنابة، لكن يستحب الغسل ليلا قبل طلوع الفجر الثاني لكل من لزمه الغسل من جنابة وحائض ونفساء انقطع دمها، وكافر أسلم، خروجا من الخلاف.
11 - الكحل إن لم يجد طعمه في الحلق، وتلطيخ باطن القدم بالحناء، مع وجود طعمه بالحلق.
12 - إدخال المرأة أصبعها أو غيرها في فرجها ولو مبتلة.
وخلاصة آراء المذاهب في أهم المواضع السابقة: أن الجماع في نهار رمضان موجب للقضاء والكفارة والإمساك بقية النهار، وكذلك الأكل والشرب عمدا عند الحنفية والمالكية خلافا لغيرهم قياسا على الجماع، بجامع انتهاك حرمة الشهر.
ويفطر الصائم بالاتفاق بالقيء عمدا أو بتناول أي شيء مادي يصل إلى الجوف عمدا، سواء أكان مغذيا أم غير مغذ، ولا يفطر بالفصد اتفاقا كما لا يفطر عند الجمهور بالأكل ونحوه ناسيا، ويفطر عند المالكية، ولا يفطر بالأكل مكرها عند الشافعية والحنابلة، ويفطر عند المالكية والحنفية، ولا يفطر عند الحنابلة بغلبة ماء المضمضة ويفطر بها عند المالكية، وأما عند الشافعية فيفطر في حالة المبالغة أو العبث والتبرد أو الزيادة على الثلاث.
ولا يفطر بالاكتحال عند الشافعية والحنفية، ويفطر به عند المالكية والحنابلة، إن وجد طعم الكحل في الحلق. ولا يفطر عند الجمهور بالحقنة في الإحليل، ويفطر بها عند الشافعية. ولا يفطر عند الجمهور بنبش الأذن بعود أو إدخاله فيها، ويفطر به عند الشافعية.
ولا يفطر بالحجامة عند الجمهور وإنما تكره، ويفطر بها عند الحنابلة. ولا يفطر بإنزال المذي عند الحنفية والشافعية، ويفطر به عند المالكية والحنابلة في حال التقبيل أو المباشرة فيما دون الفرج، أما في حال تكرار النظر فلا يفطر به عند الحنابلة، ويفطر في رأي المالكية به أو بالتفكر عند الاستدامة، أو الاعتياد.
وتتداخل الكفارة فلا تجب إلا واحدة بتكرر الإفطار في أيام عند الحنفية، وتتعدد الكفارة بتعدد الإفطار في أيام مختلفة عند الشافعية والحنابلة والمالكية (الجمهور).


 
أعلى