العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

صراحةً هـل تمنيت أن تكون صاحب الــقــبــر؟

ك.العربي

:: مخالف لميثاق التسجيل ::
إنضم
20 أبريل 2008
المشاركات
7
(ذو البجادين)
في شدة الحر , وغبار الصحراء , والعطش الذي يقطع النفوس , وقلة المؤيد , وعداوة القوم , خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم , مع صديقه الصدّيق أبي بكر مهاجراً من مكة إلى يثرب أو المدينة, وفي طريقهما رآهما عبد العزى وكان فتى صغيراً فعرفهما , عرف أن هذا محمد بن عبد الله الذي عادى قومه من أجل دينه , وذاك هو صديقه الصدّيق أبا بكر بن قحافة
استأذن عبد العزى أباه أن يدلهما على الطريق , فنهره أبوه ومنعه فلزم الصمت .
ودعني أجول معك بين الروايات فأقص جملة من هنا وأصلها بجملة من هناك , فأجمع لك حكاية عبد العزى شبه كاملة . عبد العزى الفتى الذي رق قلبه حينما رأى النبي مهاجراً فأراد أن يدله الطريق , كيف سارت بهذا الفتى أمور الحياة , ثم كيف كانت نهايته.
قالوا : أنه بعد موت أبيه ( عبد نهم ) نعم كان اسمه عبد نهم , كفله عمه ورعاه كأحد أبنائه , لم يقصر عمه في رعايته مع أن أباه لم يورث مالاً , ولا متاعاً , فأعطاه عمه المال حتى صارت له غنم وإبل ورقيق , ولكن كان هناك شئ راقد بقاع قلب عبد العزى , كانت نفسه تهفو وتتوق لهذا الرجل الذي رآه بطريقه مهاجراً إلى المدينة , كان يتشوق لسماع هذا الشئ الذي يتلوه من تبع محمداً .
ظلت هذه الأمنية تراود عبد العزى مرات ومرات , بين الحين والحين , وكلما وقع نظره على أصنامهم عرف أنها باطل , ولكن كيف بعمه الذي كفله ورعاه ورباه وآواه .
ظل عبد العزى ينتظر أن يدخل الإسلام قلب عمه فيتبعه ولا يكن بينهما خلاف , ولكن مرت الشهور تلو الشهور بل السنة تلو السنة ولم يسلم عمه , حتى جاء عام الفتح , وكان رجوع رسول الله من مكة إلى المدينة , فلم يستطع عبد العزى صبراً , وغلبته مشاعره ورغبته في الإسلام , وشملته رغبة الإيمان .
كان عبد العزى ممن يحفظون الجميل , فكان يقدر جميل عمه معه حين رعاه فلا يجحد فضل عمه , وهكذا دائماً هم أهل القلوب النقية , ولكن رغبته في الإسلام كانت تدفعه للمصارحة , فقرر أن يصارح الجميع بما سيفعله وأن يعلن لهم أنه سيتبع دين محمد , فلا وقت للتخفي أو الانتظار .
انطلق عبد العزى إلى عمه الذي كفله ورعاه وقال له : يا عم لقد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمداً فأذن لي في الإسلام .
ولكن عمه غضب غضباً شديداً وقال : والله لئن اتبعت محمداً لا أترك بيدك شيئاً كنت أعطيتك إلا نزعته منك حتى ثوبيك.
لم يتردد عبد العزى ولم يفكر فيما سيفقده من نعيم العيش إن استرد عمه كل تلك النعم , فلقد كانت رغبته بالإسلام أقوى من كل إغراء وكان عزمه على إتباع النبي أكبر من كل مال وثروة .
قال عبد العزى وقد فقد الأمل في إسلام عمه : أنا والله متبع محمداً ومسلم , وتارك عبادة الحجر والوثن , وهذا ما بيدي فخذه.
بدأ العم في استرداد كل ما كان بيد عبد العزى , فاسترد الإبل واسترد الغنم واسترد الرقيق بل استرد كل شئ , ثم التفت إلى عبد العزى فوجده في ثياب حسنة فطلبها منه , ولم يتردد عبد العزى بل خلع الثياب وردها على عمه حتى أصبح عارياً تماماً .
كانت أم عبد العزى كأي أم مشفقة على وليدها تظن في إتباعه محمداً ضرراً به , ولكنها لما رأت عزمه وتصميمه لم تجد بداً من تركه يفعل ما يراه صواباً .
ولكن كيف سيذهب لمحمد وهو عار هكذا ؟ لم تجد الأم سوى (بجاد) أي كساء مخطط من صوف غليظ خشن , أعطته ولدها ليستتر به , فشقه نصفين , جعل نصفه إزاراً يستر به أسفل جسده , ونصفه يتشح به ليستر أعلى جسده , ثم انطلق لا يلوى على أحد لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم .
وصل عبد العزى إلى مسجد النبي فاضطجع فيه حتى أُذن لصلاة الفجر , وكان من عادة رسول الله أن يلتفت بعد صلاة الفجر يتصفح الناس , فرآه , فقال له : من أنت ؟
قال : أنا عبد العزى وانتسب للنبي (أي ذكر له نسبه.
رأى النبي هيئته وعلم من هو , ورأى البجاد الذي يتدثر به , فقال له : أنت عبد الله ذو البجادين , وكان النبي يغير أسماء الصحابة التي تعني شركاً أو عبودية لغير الله ثم قال له : انزل قريباً مني والتزم بابي.
والتزم عبد الله باب النبي ( وسنناديه من الآن بعبد الله كما سماه النبي ) وأصبح من أضياف رسول الله , يسمع الوحي غضاً من رسول الله , ويحفظ قدر جهده آيات من التنزيل , حتى قالوا أنه قرأ (أي حفظ ) قرآناً كثيراً , وظل النبي يحيطه برعايته حتى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بني سلمة أن يزوجوه فزوجوه , واستقرت الحياة بعبد الله ذي البجادين .
وتمر الأيام ويعد المسلمون العدة لغزوة تبوك , ويخرج النبي ليلاً لبعض حاجته فيسمع من يقرأ القرآن بصوت مرتفع – وقالوا أن ذا البجادين كان صييتاً أي حسن الصوت – فنظر النبي من هذا الذي يقرأ بصوت عال فإذا هو عبد الله ذو البجادين يقوم الليل.اعترض بعض الصحابة على ما يفعله ذي البجادين حتى أن عمر بن الخطاب وكانت به شدة قال : يا رسول الله ألا تسمع إلى هذا الأعرابي يرفع صوته بالقرآن ؟
فرد سلمة بن الأكوع قائلاً : عسى أن يكون مرائياً ؟
فنهاهما النبي ونهرهما , وبين لهما أنهم لم يؤمروا بالتفتيش عن القلوب , والبحث عن مكنونات النفوس , والنظر فيما وراء أفعال العباد , ثم شهد له النبي شهادة يفخر بها كل مسلم بل يتمناها كل مسلم , قال : دعه يا عمر فإنه خرج مهاجراً إلى الله ورسوله.
حقق النبي في ذي البجادين قوله صلى الله عليه وسلم ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ) شهد له النبي بصدق الهجرة وصدق النية ثم وصفه بصفة من صفات الأنبياء وأولياء الله فقال : دعه عنك فإنه أحد الأواهين ( والأواه هو الرجل كثير ذكر الله بالقرآن يرفع صوته بالدعاء .
كان الاستعداد للغزوة يجري على قدم وساق , والجميع منشغل بالتجهيز للغزوة , وكأنما كان صاحبنا ذي البجادين يستشعر قصر عمره ودنو أجله , لهذا تقدم للنبي وطلب طلباً واحداً لم يطلب غيره , كانت رغبة راودته وألحت على خاطره فقال للنبي : أدع لي بالشهادة .
فربط النبي لحاء شجرة على ذراع عبد الله ثم قال : اللهم إني أحرم دمه على الكفار ظن ذو البجادين أن النبي يدعو له بالسلامة من القتل والنجاة من المعركة فقال : ليس هذا ما أردت .
فقال النبي : إنك إذا خرجت غازياً في سبيل الله , فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد , أو وقصتك ( أي رفستك ) دابتك فأنت شهيد , لا تبال بأية كان.
بين له النبي أن نيته هي الأصل في الشهادة , فإن مت في الغزو أي ميتة فأنت شهيد .
تحرك الجيش حتى وصلوا إلى تبوك فنزلوا بها وأقاموا أياماً , وكأن النبي كان على علم بدنو أجل ذي البجادين فبشره بالشهادة , وكأنه صلى الله عليه وسلم كان على علم بإخلاص نية ذي البجادين للشهادة في سبيل الله فبشره بها , وكأنه صلى الله عليه وسلك كان يعلم أن ذا البجادين لن يحضر الغزوة ولكنه سيموت شهيداً بنيته .
ونفذ قدر الله فعندما أرخى الليل ستوره على جيش المسلمين بتبوك فاضت روح عبد الله ذي البجادين إلى بارئها .
رأى عبد الله بن مسعود ناراً بناحية العسكر , حينما استيقظ في جوف الليل , فذهب يستطلع الأمر , فوجد بلالاً يحمل شعلة من نار قريباً من حفرة قبر مفتوح , والنبي واقف بالحفرة , وإذا بأبي بكر وعمر يحملان جسد ذي البجادين , والنبي يقول لهما : أدنيا إليّ أخاكما .
تناوله النبي من بين أيديهم من ناحية القبلة , ثم وضعه بيديه الشريفتين في القبر , ثم خرج وترك لهما إكمال الدفن , فلما فرغا من دفنه , استقبل النبي القبلة رافعا يديه ثم كبر عليه أربعاً ثم قال : رحمك الله لقد كنت أواباً , قاري للقرآن .
( اللهم إني قد أمسيت عنه راضياً فارض عنه ) ، دعوة من النبي , ورضي من النبي , سبقها شهادة من النبي بصدق الهجرة وشهادة من النبي بأنه أواه.
كانت مشاعر الغبطة تتردد في قلب عبد الله بن مسعود حينما سمع دعوة النبي فقال : يا ليتني كنت صاحب اللحد , والله لوددت لو كنت مكانه , ولقد أسلمت قبله بخمس عشر سنة .
وهكذا مات ذو البجادين {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} .
 

د. عبدالحميد بن صالح الكراني

:: المشرف العام ::
طاقم الإدارة
إنضم
23 أكتوبر 2007
المشاركات
8,136
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أسامة
التخصص
فقـــه
الدولة
السعودية
المدينة
مكة المكرمة
المذهب الفقهي
الدراسة: الحنبلي، الاشتغال: الفقه المقارن
الله أكبر ...
كم فيها من موعظة ...
جزاك الله خيراً على إتحافك المتوالي ...
 
أعلى