العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

حصري ضعف خرّيجي كلّيات الدّراسات الشّرعية: أهمّ الأسباب، والحلولُ الممكنة، في ضوء أدبيّات التعليم في تراثنا التربوي

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
ضعف خرّيجي كلّيات الدّراسات الشّرعية: أهمّ الأسباب، والحلولُ الممكنة، في ضوء أدبيّات التعليم في تراثنا التربوي

د. أيمن صالح​

هذه مقدمة البحث أدناه ، والبحث كاملا تجدونه على هذا الرابط:
ضعف_خرّيجي_كلّيات_الدّراسات_الشرعية.pdf

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، وعلى آله، وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنَّ تقدُّمَ الأمم ورقيَّها إنَّما هو بصلاح صناعة التعليم فيها، وتخلُّفَها وانحطاطَها إنَّما هو بفساد هذه الصِّناعة. وقد بلغ من أهميّة التعليم والتعلُّم أنْ جعل الله، تعالى، ذلك ممَّا اختصَّ به آدم، عليه السلام، وأظهر به مَزيته على الملأ الأعلى من الملائكة المقرّبين، فقال، سبحانه: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. [البقرة: 31]. ومن الدلائل، أيضا، على عِظَم أهميّة التعلُّم والتّعليم، أنْ أشار إليهما، سبحانه وتعالى، في أوَّل آياتٍ أنزلها من كتابه فقال، عَزّ من قائل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. [العلق: 1-5]. فذكر «القراءة» التي هي من أهمّ وسائل تلقّي العلم وكسبه، وذكر «القلم» كنايةً عن «الكتابة» التي هي من أهمّ وسائل نقل العلم وتقييده وتعليمه. وبهاتين الوسيلتين: «القراءة» و«الكتابة»، استطاع الإنسان أن يعلم ما لم يكن يعلمه من قبل، فلله الحمد على نِعَمه.
وأشرفُ العلوم، وأعظمُها، عند أتباع الرسل كافّة، علومُ الدّين؛ لأنّها تؤهِّل صاحبَها ليقوم في نفسه، وفي قومه، مقامَ الأنبياء، صلوات ربّي عليهم، الذين «لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، وإنَّما ورَّثُوا العلم، فمن أَخذ به أخذ بحظٍّ وافر»([1]).
ولا يضير هذه العلوم أنْ أصبحت سوقُها كاسدةً في هذه الأعصار؛ لقلّة الراغب فيها وكثرة المدبر عنها، من العامّة والخاصّة، فهي لم تُوضع للاحتراف أصلاً، ولا ليُتوصّل بها إلى أعراض الدنيا وزينتها، بل وُضعت سبباً لمن أراد أن يفهم عن الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، ويعمل بما فَهِم، طَمَعاً فيما عند الله، تعالى، والفوز برضاه.
ولقد مُنيت صناعة التعليم الدّيني في هذه الأمّة بنَكَساتٍ وتراجعات، فأصابها ما أصاب الدّين عموماً بمرور الزمن من خُفوت جذوته في قلوب الناس. وضَعْف تأثيره في مناحي حياتهم، وهذا ما دعا أبا حامد الغزالي (ت: 505هـ)، رحمه الله، في زمنه، إلى تأليف كتابه الذي سمّاه «إحياء علوم الدين» ناعياً فيه على علماء عصره انحرافَهم بعلوم الدّين عن مقاصدها وغاياتها، وعدمَ تحقُّقِهم بكثير من شروطها وآدابها، وغفلتَهم عن روحها وأسرارها، راسماً لهم طريق العلم والعمل فيها.
وإذا انتقد الغزالي، رحمه الله، ضَعف العَمل بالعلم في عصره واصفاً علماء عصره لذلك بـ «المترسِّمين بالعِلم»، لا العلماء؛ لأنّ مقاصد أكثرهم في طلب العلم لم تكن شريفة، ولا أعمالهم كانت منيفة، فإنّه، مع ذلك، لم يشكّك في قدراتهم العلمية، ولا في أهليتهم للفتوى والإرشاد والوعظ والتعليم.
وأمّا في عصرنا هذا فقد اتّسع الخرق على الراقع، وفُقِد العلم والعمل معاً، وغاب الشكل والمضمون على حدٍّ سواء، ولم يبق من الشَّكل إلا الرُّتب والمناصب والألقاب؛ فمظاهر الضّعف في التأهيل العِلمي والعَملي في معظم خريجي معاهد الدراسات الشّرعية لا سيّما الرسمي منها، لا تخفى حتى على أعشى النظر. فلا هم - إلا ما نَدر - أتقياءُ بررة، ولا هم علماء مهرة، حتى من أنهى منهم دراسته العليا من ماجستير ودكتوراه. ومن شذَّ منهم فكان بعد تخرُّجه متأهّلاً عِلمياً وعَمَلياً فإنّه لا يعزو كبير الفضل في ذلك، بعد الله تعالى، إلى جامعته وكُلّيته، بل إلى جهودٍ خاصّة قام بها خارج إطار الدّراسة النّظامية.
وهذا الضّعف في الخرّيجين من الوضوح بمكان حتى إنّه لا ينكره أكثرُ القائمين على كلّيات التعليم الشرعي أنفسهم. والعاقل منهم من سلَّم بالواقع فصار يتواضع في أهداف مؤسّسته، ورسالتها، فيصرِّح بالقول: إنّا لا نخرّج علماء، بل موظّفين لسدّ حاجات المجتمع من أئمةٍ وخطباء ومدرّسين، ويتواضع آخرون بطريقة أخرى، فيقولون: نحن إنّما نعطي مفاتيح العلم، والباقي هو ما لا بدّ للطالب أن ينهض به على عاتقه. ولم يَصْدُقوا في قولهم: «مفاتيح العلم» لأنَّ مناهجهم، في أكثرها، لا تنشئ مَلَكاتٍ ولا تربِّي مهارات، بل تُحمِّل الطلاب نُتَفاً من المحفوظات. وأمّلوا باطلاً، ورَجوا سراباً، إذ توقَّعوا من الطالب أن ينهض بالعلم على عاتقه، لضعف آلته أولاً، ولأنّهم لم يغرسوا فيه، بالقول والعمل، الحرصَ على طلبه، والرغبة فيه، وإيثاره على ما سواه، ثانياً، ولأنّهم - ثالثاً - لم ينزعوا منه، قصدَ التوسُّل به إلى الشهادة والوظيفة، ومن طلب العلم لهذا الغرض قلَّ أن يفلح إلا أن يتداركه الله برحمة منه فيعقل غاية العلم الدّيني وثماره المقصودة وطرق تحصيله.
قال الدكتور محمد مندور (1363هـ/1944م)، رحمه الله، في مقال له بعنوان أُمّيّة المتعلّمين: «لأميّة المتعلِّمين ثلاثة مظاهر: الانتهاء من التعليم الدراسي بفائدة ضئيلة، وعدم تنمية كلِّ صاحب فنٍّ لمعلوماته الفنّية بعد التخرُّج، وأخيراً ضعف الثقافة العامّة عند مُعظم المتعلِّمين، بل وإهمالها أحياناً إهمالاً تامّاً»([2]). قلتُ: وهذا كلُّه موجود في خرِّيجينا، ولله الحمد، إلا ما رحم ربي. وقد طوّفتُ في التدريس في عدّة أقطار من أقطار المسلمين من أقصى المشرق إلى المغرب، فكان هذا حال أكثر من رأيت حاشا أفذاذاً وأفراداً هنا وهناك لا يجاوزون أصابع اليد، اختارتهم يد العناية، وأسعفتهم القريحة، وصاحبهم التوفيق. وهم رغم ذلك، ورغم حرصهم، وإخلاص كثيرٍ منهم، حيارى في مناهج الطّلب، وكثرة الكتب، مشتتو العزم، كثيرو التنقُّل، قليلو النَّصير.
فإذا كان هذا حال الأفذاذ منهم، على ندورهم، فما بالك بمن هو دونهم، وهم السّواد الأعظم، مِمَّن جُرُّوا إلى علوم الدّين بالسَّلاسل، أو لم تسعفهم القريحة ولا جَودة الفهم والنَّشاط، لتحصيل ما يؤهِّلهم للالتحاق ببرامج العلوم الدنيوية، لكثرة المنافس عليها، والمقبل إليها، فقِنعوا بما لا قاصد له ولا راغب فيه من التخصُّصات الدينيّة، التي هي في ذيل البرامج في أكثر الجامعات النِّظامية، حتى إنَّه لا يلتحق بها في الأعمّ الأعظم إلا «النَّطيحة» و«المتردية» و«ما أكل السَّبُع»، ممَّن لم يجدوا باباً مفتوحاً لقبولهم إلا بابها.
ولو عُدْنا بالزمن إلى الوراء قليلاً لوجدنا أنّ الفقه، والعلوم الدينية كَمَلاً، مرّت في العصور المتأخّرة بتراجع وانحطاط شديدين، أطبق على ذلك الكاتبون في تاريخ الفقه والعلوم الشرعية، فقد انحسر الإبداع، وانعدم الاجتهاد، وضاق الفهم، وساد التعصُّب، وعمّ الجمود، واستوى التقليد الأعمى على عرش العقول، فضَعُف التَّحصيل، وقلَّ في المترسِّمين بالعلم التأصيل، وكثُر عندهم النَّقلُ والقال والقيل. وهذا ما صوّر جانباً منه الشيخُ العطّار (ت: 1250هـ)، رحمه الله، حين قال مُتأسِّفاً:
«من تأمّل...تراجم الأئمّة الأعلام...وفيما انتهى إليه الحال في زمنٍ وقعنا فيه، عَلِم أن نسبتنا إليهم كنسبة عامّة زمانهم [إليهم]؛ فإنّ قُصارى أمرنا النّقلُ عنهم بدون أن نخترع شيئاً من عند أنفسنا، وليتنا وصلنا إلى هذه المرتبة، بل اقتصرنا على النّظر في كتب محصورة ألّفها المتأخِّرون المستمِدّون من كلامهم، نكرّرها طول العُمُر، ولا تطمح نفوسنا إلى النّظر في غيرها، حتى كأنّ العلم انحصر في هذه الكتب، فلزم من ذلك أنّه إذا ورد علينا سؤالٌ من غوامض علم الكلام تخلّصنا عنه بأنّ هذا كلام الفلاسفة، ولا ننظر فيه، أو مسألةٌ أصولية قلنا: لم نرها في جمع الجوامع فلا أصل لها، أو نكتةٌ أدبيَّة قلنا: هذا من علوم أهل البطالة، وهكذا...، فصار العُذر أقبحَ من الذنب.
وإذا اجتمع جماعةٌ منّا في مجلسٍ فالمخاطباتُ مخاطباتُ العامّة، والحديثُ حديثهم، فإذا جرى في المجلس نكتةٌ أدبيّة ربّما لا نتفطّن لها، وإن تفطّنّا لها بَالغنا في إنكارها والإغماض عن قائلها إن كان مساوياً، وإيذائِه بشناعة القول إن كان أدنى، ونسبناه إلى عدم الحِشمة وقلّة الأدب. وأمّا إذا وقعت مسألةٌ غامضة من أيّ علمٍ كان، عند ذلك تقومُ القيامة، وتكثر المقالة، ويتكدّر المجلس، وتمتلئ القلوب بالشّحناء، وتُغمِض العيون على القذى، فالمرموق بنظر العامّة، الموسوم بما يُسمّى العلم: إمّا أن يتستّر بالسُّكوت حتى يُقال: إنّ الشيخ مستغرقٌ، أو يهذو بما تمجُّه الأسماع، وتنفر عنه الطِّباع...فحالنا الآن كما قال ابن الجوزي في مجلس وعظه ببغداد:
ما في الديار أخو وَجْدٍ نطارِحُه ... حديثَ نجدٍ ولا خِلٌّ نجاريه»([3]).
وبعد العطّار بقرنٍ من الزمان تقريباً بلغ فساد التعليم وضعف الخرّيجين ذِروتَه، حتى قال الشيخ بدر الدين الحلبي (1324هـ/1906م)، رحمه الله: «وظيفة التعليم أصبحت عقيمة، بما اعترى جسمها من الأدواء، فما تكاد تنتج شيئاً، ولو أردنا أن نحصي عدد النّاجحين من أولئك المستعدّين لتعلّم العلوم الدينية نجاحاً نسبياً، لم يكونوا أكثر من واحد في كلّ مائة، ولو طلبنا الناجحين حقيقةً الذين يمكنهم القيام بوظيفة التعليم لم يكونوا أكثر من واحد في الألف إن كَثُر عددهم»([4]).
فهل هذا الزمن الذي نحن فيه الآن خيرٌ من زمن العطّار (ت: 1250هـ)، وزمن بدر الدين الحلبي (1324هـ/1906م) ؟! .........

تابع في المشاركة التالية


([1]) أبو داود، السنن، (3/ 317). وابن ماجه، السنن، (1/ 81). وصحّحه الألباني، وحسّنه الأرناؤوط.

([2]) مندور: محمد، أمّيّة المتعلمين، مجلة الرسالة، العدد 588، بتاريخ: 9/10/1944م.

([3]) العطّار: حسن بن محمد بن محمود الشافعي، حاشية العطّار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، (2/ 247).

([4]) الحلبي: بدر الدين محمد بن مصطفى النعساني، التعليم والإرشاد، ص11.
 
إنضم
26 مارس 2015
المشاركات
4
الكنية
أبو عبادة
التخصص
محاسبة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
الشافعي
رد: ضعف خرّيجي كلّيات الدّراسات الشّرعية: أهمّ الأسباب، والحلولُ الممكنة، في ضوء أدبيّات التعليم في تراثنا التربوي

شيخنا الفاضل الدكتور أيمن .. جزاكم الله خيرا على هذا البحث.
وأقترح أن يضاف على ما تفضلتم به ، ضعف مناهج التدريس ما قبل الجامعة.
 

د. أيمن علي صالح

:: متخصص ::
إنضم
13 فبراير 2010
المشاركات
1,023
الكنية
أبو علي
التخصص
الفقه وأصوله
المدينة
عمان
المذهب الفقهي
الشافعي - بشكل عام
رد: ضعف خرّيجي كلّيات الدّراسات الشّرعية: أهمّ الأسباب، والحلولُ الممكنة، في ضوء أدبيّات التعليم في تراثنا التربوي

شيخنا الفاضل الدكتور أيمن .. جزاكم الله خيرا على هذا البحث.
وأقترح أن يضاف على ما تفضلتم به ، ضعف مناهج التدريس ما قبل الجامعة.
وجزاكم خيرا أخي بسام
لاشك فيما قلتم.
 
أعلى