العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

ظاهرة الطعن في صحيحي البخاري ومسلم

إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
59
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
سرت
المذهب الفقهي
مالكي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين وبعد،
فقد كثُر في الآونة الأخيرة الطاعنون في صحيحَي البخاريّ ومسلم، سواء على صفحات التواصل الاجتماعي، أو في بعض الفضائيات، وقد تأثّر بما يُبث في هذه الوسائل كثيرٌ من الناس، حتى أني سمعت من يقول: إنّ البخاريَّ سببٌ من أسباب نكبة الأمة!!.. وقد كان صاحب هذا القول وغيره ممن هم على شاكلته، ضحيةً من ضحايا الإعلام المضلل، ومرآةً لما تبثه بعض الفضائيات من أفكار هدفها محاربة الإسلام بشكل خاص، والطعن في الفكرة الأساسية التي يقوم عليها وهي المزج بين العقيدة والتطبيق، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان.
إن ما يلفت النظر في هذه الحملة الموجهة أنها ركزت في مواطن الشبهات في الحديث النبوي، وركزت في صحيحي البخاري ومسلم كونهما الكتابين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول أكثر من غيرهما، فإذا فُقدت الثقة في أصح كتابين بعد كتاب الله –عز وجل- من جهة السند، ففقدانها في غيرهما من كتب السنة سيكون تبعًا، بمعنى أن التشكيك في الأصح سيكفي المُشكك مؤونة التشكيك في الصحيح.
ولمّا كان الأمر لا يتعلق بالنصوص فقط، وإنما يتعلق بمنطلقات العلماء في التعامل مع تلك النصوص، وهي التي تخفى على كثيرٍ من الناس، فإنّ ما ينبغي بيانه هو أن منطلق كلِّ عالمٍ جمع شروطَ العلم في التعامل مع كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- هو الأصول الصحيحة التي كان العقل وحسن النظر سبيلين للتوصل إليهما، فقد فرضت بدهيات النظر الصحيح نفسها، وتكونت لبنات العلم الشرعي منذ عصر النبوة، وبدأت تتحدد المعالم النظرية للعلوم الشرعية بما فيها علم مصطلح الحديث الذي عني بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بدأت تتحدد بشكل طبيعي؛ تمامًا كما تحددت معالم العلوم التطبيقية، مع فارق اشتراط التجربة في الأخيرة وعدم اشتراطها في العلوم الشرعية لأنها كغيرها من العلوم النظرية تحتاج فقط إلى البرهان العقلي، فعلوم الشريعة وإن كانت تعتمد بالأساس على الوحي والإيمان به، فإنها تبدأ بالعقل والبرهان لقبول صحة نسبة النص إلى الوحي، ثم لفهم النص وتحكيمه ومن ثم تنزيله على الواقع، ومعنى هذا أن التعامل مع كتاب الله وسنة ونبيه -صلى الله عليه وسلم- يحتاج إلى تعلُّم، ويحتاج إلى قصد، وأنه ليس متروكًا لكل حاطب ليل، بل هو مشروطٌ بشروط لابد من الإتيان بها، وليس في هذا (كهنوت)، أو احتكار، أو تحجير، أو تضييق؛ بل هو المنطق الذي يؤيده النص؛ قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122]، وقال: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 49]
إنَّ ما حرّك لسان هؤلاء وغيرهم من أنصاف المتعلمين، هو الحرب التي تشنها وسائل الإعلام اليوم على مصادر الأمة في التفقه في دين الله، وما تركه علماء الأمة القدامى من نتاجٍ علميٍ في مجال علوم الشريعة الإسلامية، فشريعة الله الخاتمة، الشريعة التي أُنزلت على محمدٍ النبي -صلوات الله وسلامه عليه- لم تكن ولن تكون مجرد طقوس أو تعويذات أو ترانيم، بل هي منهاج حياةٍ للبشر الذين خلقهم الله -جل وعلا- منهاج حياةٍ لمن آمن منهم، وعليه كان لفقه النصوص الشرعية أهميةٌ كبرى في حياة المسلم، فهو الضابط لحياته سواء في عبادته لله، أو في معاملاته مع غيره من البشر، فإذا جاء من يشكك في هذا الفقه الذي رسخت قواعده، وبات علمًا قائمًا بذاته يحتوي بالإضافة إلى الثوابت على آليات التطوير، فإنه ولا شك، أي هذا المشكك، لا يخرج عن كونه إما عدوًا للدين، وإما جاهلاً يحتاج إلى إرشاد.
لقد أراد الله -جلَّ وعلا- أن تكون شريعته هي الحاكمة لحياة البشر الذين آمنوا برسالة النبي الخاتم، ولا شك في أن الخالق أدرى بمصلحة المخلوق، فإذا أرسل الخالق رسالته متضمنة منهجًا معينًا لحياة المخلوق فالعقل هنا يحكم بأن هذا المنهج هو الواجب الاتباع لأنه من جهة سيكون الأصلح، ومن جهةٍ أخرى أن في اتباعه تمامَ العبودية لله تعالى، وهذا الفهم هو مقتضى الإيمان، وخلافه مقتضى الكفر ولا شئ آخر.
إن هذا الكلام موجه إلى من يشكك في نجاعة أحكام الإسلام الواردة في كتاب الله وفي سنة نبيه المنقولة نقلاً صحيحًا عن رسول الله، أما من يشكك في أفهام بعض العلماء لكتاب الله ولسنة نبيه فلا نتهمه إذا كان قد أتى بفهمٍ يوافق صريح الكتاب وصحيح السنة، بمعنى أنه نقض اجتهادًا وجاء بآخر على نحوٍ روعيت فيه شروط الاجتهاد، وأولها: العلم بكتاب الله، والإلمام بعلومه، والإحاطة بما أُثر عن سلف الأمة من تفاسير لكتاب الله، وليس من شرطٍ أن يُلزم نفسه بها، فقد يفتح الله عليه بتفسيرٍ آخر، قال الله: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها"، وقال: "ولقد يسرنا القرآنَ للذكر فهل من مُدَّكِر"، والآيتان لا تقفان عند حدود زمانٍ أو مكان، ومن شروط الاجتهاد العلم بالسنة النبوية، صحيحها وضعيفها، وكيفية تخريج الأحاديث، وقواعد العلماء في تصحيح الحديث وتضعيفه، ومن الشروط معرفة أصول الفقه، وهي القواعد التي عن طريقها يتم استنباط الأحكام من النصوص، وهي قواعد لغوية تتعلق بالألفاظ، وقواعد شرعية استمدت من توارد النصوص في الجملة، ومن شروط الاجتهاد كذلك معرفة العربية وأساليبها لأنها لغة نصوص الوحي، ثم معرفة مقاصد الشريعة.
هذه هي شروط الاجتهاد التي تُسوغ للمجتهد أن ينقض اجتهاد غيره ويأتي باجتهادٍ جديد، وخلاف ذلك يعد ضربًا من الهراء لا يستحق حتى مجرد النظر فضلاً عن بثه عبر الفضائيات ليسمعه الآلاف بل والملايين.
وأنا لن أخوض هنا في دقائق أو تفاصيل تتعلق بالصحيحين لأن الأمر أوسع من أن يُختزل في مقالة كهذه، فالأمر يحتاج إلى حصر الشبهات، والرد على كل واحدة منها بشكلٍ وافٍ واضحٍ لا لبس فيه، حتى تتضح الصورة للجميع، وطالما أن الحرب باتت على المكشوف وفي الفضائيات العربية، وعن طريق أشخاص منتقين انتقاءً حتى من أسمائهم، فإن الردود ينبغي أن تكون على الهواء وعلى شاشات التلفاز ومن خلال الفضائيات، وأن تُسمى الأشياء بأسمائها، وأن تكون ثمة شفافية في عرض الحقائق، لأن الهدف ينبغي ألا يكون مجرد الذب عن كتاب، بل عن منظومة، فالمنظومة لا يضرها وجود بعض جوانب الضعف إذا كانت في مجملها قوية، وبيان جوانب الضعف وذكر السبب أولى من بيان جوانب القوة.
لكنني مع ذلك لي كلمة تتعلق بكتب السنة عمومًا، والكتب الصحاح الستة على وجه التخصيص، وهي أن هذه الكتب لم يجمع مادتها معصومون، بل جمع مادتها علماء تحروا الدقة، وأخلصوا النية لله، فإذا كانت ثمة أخطاء فقد قيض الله لها علماء آخرين بينوها، وصححوها، بل وثمة من استدرك على الصحيحين، وثمة من تتبع هذا الاستدراك، ولا يزال الباب مفتوحًا أمام من استجمع شروط العلم ليتحفنا بالمزيد في علوم الحديث، ووجدنا بقدر كتب السنة كتبًا في تخريج الأحاديث وبيان ضعيفها من صحيحها، وعليه فإننا أمام كتب السنة النبوية لسنا أمام أعمال منفردة، أو جهود مشتتة، بل أمام منظومة متكاملة، يخدم بعضها بعضًا، من أراد أن يتعامل معها لبيان الحق فليتعامل معها بشكل متكامل، ومن أراد الضلال والإضلال فليفعل ما يشاء لأنه لن يناله سوى الخيبة في الدنيا والخسران في الآخرة، قال تعالى في مثل أولئك المشككين: "إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ".
ومن ناحية أخرى نتساءل: لماذا وقعت أعين هؤلاء فقط على ما فيه شبهة من كتب السنة؟ لماذا لم يلتفتوا إلى هذا الكنز من التشريع في مختلف ضروب الحياة، وخاصة باب المعاملات وما فيه من العقود بمختلف أشكالها؟ وقد التفت إليه الغرب ونهلوا منه في تشريعاتهم، فالتشريع الفرنسي أو القانون المدني الفرنسي يكاد يكون صورة عن أبواب المعاملات التي دونها الفقهاء في كتبهم منذ القرن الثاني الهجري وكانت عمدتهم الأحاديث التي نقلت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- واحتوتها كتب السنن والصحاح والمسانيد والمعاجم.
أعتقد أن كل إناء بما فيه ينضح، فمن كان الإيمان ملء قلبه، فإن أنوار الإيمان ستظهر في أقواله وفي كتاباته وحتى في فلتات لسانه، ومن كانت المعصية ملء قلبه فسيبحث عن مبرر لها، فإن لم يجد ذهب ليشكك في مصادر التكليف التي خالفها، ليسكت صوت نفسه اللوامة.
وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين
د. عبد المجيد قاسم
 

عيد نهار الشمري

:: متابع ::
إنضم
14 مارس 2015
المشاركات
47
الكنية
أبو نهار
التخصص
علم مصطلح الحديث
المدينة
الجهراء
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: ظاهرة الطعن في صحيحي البخاري ومسلم

هؤلاء لا يريدون الطعن في الصحيحين

انما يريدون الدين

لكن عيبنا اننا نحسن الظن بأعداء الدين

واصبحنا لا نحسن الصاق صفات المجروحين بأهلها

كما كان يفعل سلفنا

( فلان مرجئ ) ( فلان تالف ) ( فلان كذاب ) ( فلان معتزلي )

لكي يفضحون امام العامة والخاصة

ويعتزلهم الناس


 
إنضم
9 ديسمبر 2014
المشاركات
11
الكنية
أبو عبيدة
التخصص
الشريعة الإسلامية
المدينة
بنزرت
المذهب الفقهي
مالكي
رد: ظاهرة الطعن في صحيحي البخاري ومسلم

إنها حملة ممنهجة ضد الإسلام وخاصة لدينا نحن في بلادنا تونس لأن الفئة العلمانية الضالة التي لدينا في تونس وما وراءها من وسائل إعلام مرئية وسمعية وإلكترونية كلهم أجمعوا على القيام بحملة ضروس على السنة النبوية الشريفة ومن ذلك ما فعله المدعو الطالبي منذ أيام فقط عند أحل شرب الخمر وأحل الزنا بدعوى أنه لا يوجد نص صريح يحرمهما في القرآن ويتناسون عمدا أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد حرمهما وورد عنه ذلك في الصحيحين ولكن هناك من يدعون أنهم من المثقفين وهم عاكفين ليلا نهارا على الإفتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكتبون في الكتب باللغتين الفرنسية والإنقليزية وليس باللغة العربية حتى يتم ترويجها في خارج تونس ولا يتسنى لنا نحن التونسيون الإطلاع على هذه الكتب حتى لا نقف على خطورتها والدسائس التي تحتويها.
وأوجه دعوتي إلى كل غيور على الدين أن يرد على هؤلاء الطغاة والكفار الذين سيواصلون حملتهم العالمية لتشويه كل ماله علاقة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
أعلى