العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

عرض لكتاب الآداب السلطانية من تأليف: د. عز الدين العلاّم :

أبو الحارث البقمي

:: مطـًـلع ::
إنضم
16 أبريل 2009
المشاركات
102
التخصص
السياسة الشرعية والقضاء
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
تبع الدليل
الآداب السلطانية
تأليف: د. عز الدين العلاّم

الآداب السلطانية
عرض: عبدالله بن أحمد الشباط

هذه دراسة في بنية وثوابت الخطاب السياسي من تأليف الدكتور عز الدين العلام أستاذ العلوم السياسية في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الثاني في مدينة المحمدية بالمملكة المغربية.
بداية يعرف المؤلف (الآداب السلطانية) بقوله:
هي تلك الكتابات السياسية التي تزامن ظهورها الجنيني مع ما يدعوه الجميع بحدث (انقلاب الخلافة إلى ملك) وهي كتابات تقوم في أساسها على مبدأ نصيحة أولي الأمر في تسيير شؤون سلطتهم وهي نصائح أخلاقية وقواعد سلوكية وتهدف تلك النصائح إلى تقوية السلطة ودوام الملك حيث تتبع هذه الآداب منهجية تجعل منها في النهاية فكراً سياسياً لا يطمح إلى التنظير بقدر ما يعتمد التجرية وبما يلزم حدود الواقع السلطاني، كما أنها اعتمدت في صياغة تصوراتها السياسية الأخلاقية على ثلاث منظومات مرجعية كبرى هي السياسة الفارسية (الساسانية) والحِكَم اليونانية (الهلنستية) والتجربة العربية.
هذا المدخل إلى البحث ورد تحت عنوان (ثوابت الخطاب السياسي السلطاني) أما محددات الكتابة السياسية السلطانية فإن المؤلف يشير إليها كما وردت في بعض المؤلفات التي عني مؤلفوها بهذا النوع من الكتابة كجزء من التاريخ السياسي للدولة في كل دور من أدوارها: الماوردي (تسهيل النظر وتعجيل الظفر) والطرطوشي (سراج الملوك) وأبو حمو الزياني (المنهج المسلوك في سياسة الملوك) وابن رضوان (الشهب اللامعة في السياسة النافعة) والشيزري (المنهج المسلوك في سياسة الملوك) وابن الأزرق (تحرير السياسة) وكثير من المؤلفين الذين ساروا على هذا النهج... لكن يظل عبدالرحمن بن خلدون واسطة العقد بمقدمته الشهيرة التي أصبت مرجعاً لكل دارس لعلم الاجتماع السياسي الذي يتناول أسباب قيام الدول وأهم مكوناتها وعدتها وأسباب سقوطها واضمحلالها.
ويتكون الأدب السلطاني من ثلاثة عناصر هي:
1- أخلاقيات السلطان حيث الأدباء السلطانيون يتفاوتون في ذكر مجمل هذه الأخلاقيات سلباً وايجابا فهي تشكل النقطة المركزية لكل كتابة سلطانية سياسية، لأن حصر هذه الأخلاقيات داخل محور واحد يساعد على جرد عناصرها فهذه الأخلاقيات غير معزولة عن باقي المحاور التي تشملها الكتابة السلطانية.
2- الحاشية السطانية: وهي تعني كل خدام السلطان من أطباء وندماء وأعوان لا مرتبة محددة لهم، خاصة الأقرباء إلى البلاط.
3- أما مقومات الملك فهي الجند والمال والعمارة والرعية.
وعادة ما يكون النص الأدبي السلطاني مسترسلاً ومتنوعاً يسمح له بالانتقال بين مجالات معرفية متباينة. ويعتمد النص السلطاني غالبا على أحد العناصر التالية: التاريخيات والأخلاقيات والشرعيات وعلم العمران؛ إذ يجب أن يكون المشتغل بالأدب السلطاني ملما بأحد هذه العناصر أو بها كلها حتى يستطيع أن يخاطب الحكام بالمستوى اللائق بما يتناسب مع مقامهم الرفيع.
ومن مميزات السلطان أنه لا يسمى ولا يكنى في جد أو هزل ولا أنس ولا غيره ومن يفعل ذلك يعتبر جاهلاً ضعيفا خارجا من باب الأدب ولذلك يكون التمييز بين العامة والخاصة وخاصة الخاصة ويجب أن يكون للسلطان قصره أو قصوره وبيته الخاص في أحد هذه القصور كما أن لمائدته دلالة خاصة تميزها عن سائر الموائد إذ لا يكون الغرض منها سد حاجة الجوع بقدر ما تصبح رمزا سلوكيا يحول كل من تحلق حولها من طبيعته الحيوانية إلى (الثقافة الإنسانية).
أما مجلس السلطان فله أشكال متعددة فقد يكون جلوسا للخاصة أو الحاشية وقد يكون جلوس طرب ومسامرة مع الندماء وقد يكون مجلساً للمظالم... ولكل من هذه المجالس طقوس ومراسيم خاصة ولذلك يجب أن يتحلى السلطان بالحلم والتيقظ والتلطف وكتم السر والقوة والصبر والتأني والكرم والعفو.
لقد غاصت أنامل الدكتور عز الدين العلام المعطرة بحبر البحث والتقصي فيما يزيد عن مئة مرجع بين عربي وأجنبي اهتمت بموضوع الآداب السلطانية منذ ما يزيد على عشرة قرون ظلت مهملة لا يُلتفت إليها كموضوع هام في السياسة الدولية في مختلف أطوار تقدمها أو انحطاطها. وكان الباحثون والمؤلفون وكتاب السير لا يلمون بموضوع الآداب السلطانية الاجتماعية إلا حينما يعزم أحدهم على تأليف سيرة لأحد السلاطين أو الملوك أو الولاة أو أن يرغب أحدهم البحث في نشوء دولة واضمحلالها فيشير إلى ذلك الخطاب الأدبي السلطاني كأهم مظاهر الملك والسؤدد.
أما الدكتور عز الدين فقد أفرد صفحات التاريخ والأدب والسياسة ليلم شتات موضوع الأدب السلطاني ويقدمه لنا في كتاب من إصدارات (المجلس الوطني للثقافة والفنون) بدولة الكويت، مقدماً بذلك مائدة ثقافية واسعة الاتجاهات والمعطيات حيث يجد فيها الباحث في السياسة والباحث عن الطرفة والباحث عن السيرة ما يريده كل منهم... ويعدّ ما قدمه المؤلف في هذا الكتاب خدمة جليلة للتراث الثقافي الإسلامي والحضارة الإسلامية كجز من التاريخ السياسي لبعض الدول التي نشأت في ظل الإسلام ونطقت باسمه ونفذت أحكامها بشريعته وهذا الكتاب كما رآه المؤلف بتساؤله المحكم:
يبدو كما لو أن استحضار التاريخ في عبثيته بأحداثه ووقائعه وصيرورته يناقض القول بوجود بنية متحكمة في النصوص السلطانية مهما كانت تاريخيتها، فهل نكون هنا أمام تناقص مزمن بين بنية ثابتة وتاريخ متحرك؟
والجواب: ليس هناك تناقض فالنصوص الثابتة مرصودة في المراجع التي لا يرقى إلى مصداقيتها الشك. أما الحركة التاريخية فهي سائرة لا تلوي على شيء وستستمر كذلك. والعبرة أن الغربيين رغم التقدم العلمي والتكنولوجي والتطور السياسي لم ينسوا تاريخهم القديم وأمجادهم، ولا زالوا يحتفظون بكثير من مظاهر ذلك التاريخ الذي هو محل فخر واعتزاز لديهم..
وإذا كانت الصفحات السابقة من الكتاب قد تحدثت عن أساليب الأدب السلطاني وطرق التعامل مع الحكام وما لهم على الرعية من حقوق السمع والطاعة في السر والعلن فإن على السلاطين واجبات تطمح الرعية إلى تحقيقها على يد السلطان وها هو المؤلف يشير إلى بعض تلك الواجبات:
(في مقابل واجب الطاعة، وما يتفرق عنه من حقوق للسطان على رعيته، يشير الأدب السلطاني إلى ما للرعية على راعيها من حقوق. ولعل الماوردي أجمل القول فيها بتصنيفها إلى ما لا يقل عن عشرة حقوق يحددها في: تمكين الرعية من استيطان مساكنهم وادعين، والتخلية بينهم وبين مساكنهم آمنين، وكف الأذى عنهم، والعدل فيهم، وفصل الخصام بين المتنازعين وتطبيق الشرع عليهم، وإقامة حدود الله وحقوقه، وأمن السبل والمسالك، والقيام بمصالحهم مما يحتاجون إليه من ماء وقناطر. ويؤدي تحقيق هذه الحقوق إلى بلوغ (السياسة العادلة) التي تستخلص بها طاعة الرعية.
ودونما حاجة إلى ذكر حقوق (الإرعاء) كما ترد عند بعض الأدباء نشير إلى أن ما أورده الماوردي نعثر عليه متناثرا هنا وهناك، فابن طباطبا يذكر من جهته أن للرعية على ملكها "حماية البيضة وسد الثغور وتحصين الأطراف وأمن السوابل وقمع الدعار..."، كما يتحدث ابن أبي الربيع عن ضرورة فض منازعات الرعايا والنظر في شكاواهم، وتحقيق الأمن والطمأنينة...
ويركز آخرون على إعمال "العدل" والنظر في "المظالم" وتحقيق "العمارة"... ومع ذلك، فإن ما يميز حديث "الحقوق" هذا، هو الطابع العام والفضفاض الذي يكتنفه، واللغة الأخلاقية التي تلازمه، فابن رضوان يتحدث في فصول مستقلة عن "تودد الملك إلى رعيته" موجها إليه نداء حارا من أجل "إنصاف الرعية والإحسان إليها والإمساك عن أموالها، كما يتحدث عن "الرفق بالرعية" طالبا من السلطان الأناة في العقاب والتعفف عن "سفك الدماء".. وهي كلها التصورات نفسها التي يعيد ذكرها ابن هذيل في دعوته "الإحسانية" أو القلعي في حديثه عن "صيانة الرعية" أو الطرطوشي في مجمل فصوله التي خص بها موضوع الرعية.
هذه هي أهم ملامح ذلك البحث القيم، التي استطاع المؤلف الوصول إليها بعد درس وتحقيق ومطالعة لكتب التراث، ليقدمها للقارئ في صورة أقرب ما تكون لشاشة عرض مرئية، لأن القارئ وهو يتابع فصول هذا الكتاب يحس أنه يتابع المؤلف في انتقاله من مرجع إلى آخر للإلمام بمعلومة تعرض هذا العرض البسيط بلغة سهلة استطاع المؤلف صياغتها لتكون في متناول جميع القراء بمختلف تحصيلهم العلمي وانتماءاتهم السياسية.


http://haras.naseej.com/Detail.asp?InNewsItemID=208549
 
أعلى