سعيد سالم سعيد
:: متابع ::
- إنضم
- 8 فبراير 2009
- المشاركات
- 13
- التخصص
- الفقه وأصوله
- المدينة
- الشارقة
- المذهب الفقهي
- حنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والضلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد ..
من المعلوم أن علم السياسة الشرعية جزء من علم الفقه، لذلك فإنه ولا بد أن يشاركه في مصادر التشريع الذي ينبني عليها .
ويمكن أن يقال : تختلف الأنظار في تحديد علاقة علم السياسة الشرعية بمصادر التشريع الإسلامي نظرا لاختلاف الكتَّاب في تحديد مجال علم السياسة الشرعية، هل يقتصر على ما لم يرد به نص، أن يشمل ما ورد فيه النص من حيث التطبيق.
والصحيح الذي يظهر لي –والله أعلم- أن علم السياسة الشرعية لا يقتصر على ما لم يرد به النص الشرعي، بل يتعدى ذلك إلى ما ورد فيه النص، ليبين طريقة التطبيق ومجاله وموانعه، كما هو مشهور من فعل الصحابة رضوان الله عليهم في الاجتهاد في تطبيق ما ورد النص بخصوصه، كوقف سهم المؤلفة قلوبهم وإيقاف حد السرقة في المجاعة ونحو ذلك.
ومصادر التشريع تنقسم –كما هو معلوم – إلى قسمين:
الأول : المصادر الأصلية ، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس .
أولا : الكتاب والسنة .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )
قال تعالى : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا )
فقد دلت هذه الآيات على وجوب الرد إلى الكتاب والسنة عند التنازع أو حصول ما يتعلق بالأمن العام .
وبما أن جميع مجالات السياسة الشرعية مطروقة في القرآن والسنة فالواجب الرجوع إليهما أولا قبل النظر في المصادر الفرعية .
ثانيا : الإجماع .
الناظر في الفقه الإسلامي وخصوصا ما يتعلق بمجالات السياسة الشرعية يرى وجود الإجماع أو نقل الاتفاق على كثير من المسائل، مما يدل على الصلة الوثيقة بين علم السياسة الشرعية والإجماع كمصدر من مصادر التشريع.
ولعل من أشهر المواقف التي وقعت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة موقف يتعلق بالسياسة الشرعية، وفصل فيه بالاجماع، وهو تولية الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي عاصم الشيباني في كتابه السنة : واتفق المسلمون على بيعته وعلموا أن الصلاح فيها " السنة 2/646 ، وقال أبو الحسن الأشعري: وقد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإبانة عن أصول الديانة ص 252 .
قال ابن حزم : اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة .."
الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/72 .
ومن الإجماع المنقول في باب السياسة الشرعية الإجماع على فضل الولايات متى ما تولاها من هو أهلها وحكم بين الناس بالعدل.
قال عز الدين بن عبد السلام: وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام "
قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/121
كذلك نقل الإجماع في مسائل تتعلق بشروط الإمامة ، قال ابن حزم: وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة ولا إمامة صبي لم يبلغ إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ والحمل في بطن أمه "
الفصل في الملل والنحل 4/89 .
أقول العبرة بقول أهل الإسلام ولا يعتد بقول غيرهم من أهل الملل الأخرى .
ومن مسائل السياسة الشرعية التي نقل الإجماع على كثير من تفصيلاتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الجويني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالإجماع "
الإرشاد إلى قواعد الأدلة في أصول الاعتقاد ص 368 )
وأنه على الكفاية : قال النووي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية بإجماع الأمة " روضة الطالبين 10/218
ومن مسائل السياسة الشرعية التي نقل فيها الإجماع مسألة أخذ الإمام زكاة المال من الناس وعقوبة المتخلف، قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن للإمام المطالبة بالزكاة وأن من أقر بها بوجوبها أو قامت عليه بها بينة كان للإمام أخذها منه "
والإجماع على قتال مانعي الزكاة مستفيض مشهور .
ينظر : موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي – مسائل الإجماع في الأحكام السلطانية- د .فهد بن صالح بن محمد اللحيدان . دار الفضيلة .
ثالثا : القياس
محل القياس كل مسألة لا نص فيها، ولذلك قيل : لا قياس مع النص .
وقد قررنا أن مجال السياسة الشرعية يشمل ما لا نص فيه فالقياس له علاقة بعلم السياسة الشرعية .
القسم الثاني : المصادر الفرعية .
أولا : المصالح المرسلة .
من يتتبع اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم يجد أنهم لا يتوانون عن ترتيب الأحكام وفق المصالح، وكان لاتساع الدولة الإسلامية أثر كبير في اعتبار المصلحة كأساس في العمل بالسياسة الشرعية .
وللمصالح المرسلة أثر في إنشاء الأحكام المتعلقة بالسياسة الشرعية .
ومن ذلك :
1 - جمع القرآن الكريم زمن أبي بكر رضي الله عنه ، إذ قال زيد لعمر رضي الله عنهما لما أشار بجمع القرآن: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : هذا والله خير"
2 – تضمين الصناع، ووجه المصلحة أن الناس لهم حاجة للصناع والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ فلو لم يثبت تضمينهم لضاعت أموال الناس بدعوى الهلاك والضياع .
3 - إيقاع الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة عقوبة، لما رأى تساهل الناس فيه.
4 – مصادرة نصف أموال الولاة الذي يتهمون باختلاط أموالهم الخاصة بأموالهم المكتسبة بجاه الولاية .
كذلك للمصالح المرسلة أثر في تغيير أحكام السياسة الشرعية ، فمن ذلك ما ورد عن عثمان رضي الله عنه أنه أمر بالتقاط ضوال الإبل وبيعها فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها قال : مَا لَكَ وَلَهَا ، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا ، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا .."
ومبنى الحكم على المصلحة لما رأى الناس قد دب إليهم الفساد وامتدت أيديهم إلى الحرام فعدّل الحكم .
ويدخل في هذا الباب تغير العقوبات التعزيرية والأحكام التي تقتضيها السياسة الشرعية الوقتية .
قال ابن القيم: " وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ سِيَاسَةٌ جُزْئِيَّةٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، فَظَنَّهَا مَنْ ظَنَّهَا شَرَائِعَ عَامَّةً لَازِمَةً لِلْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلِكُلٍّ عُذْرٌ وَأَجْرٌ وَمَنْ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ، وَهَذِهِ السِّيَاسَةُ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ وَأَضْعَافُهَا هِيَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَلَكِنْ: هَلْ هِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ، أَمْ مِنْ السِّيَاسَاتِ الْجُزْئِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَصَالِحِ، فَتَتَقَيَّدُ بِهَا زَمَانًا وَمَكَانًا؟ وَمِنْ ذَلِكَ: جَمْعُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَطْلَقَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِرَاءَةَ بِهَا، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً. فَلَمَّا خَافَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقُرْآنِ، وَرَأَوْا أَنَّ جَمْعَهُمْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ أَسْلَمُ، وَأَبْعَدُ مِنْ وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ: فَعَلُوا ذَلِكَ، وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِهِ. وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ لِلنَّاسِ عِدَّةُ طُرُقٍ إلَى الْبَيْتِ، وَكَانَ سُلُوكُهُمْ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ يُوقِعُهُمْ فِي التَّفَرُّقِ وَالتَّشَتُّتِ، وَيُطْمِعُ فِيهِمْ الْعَدُوَّ، فَرَأَى الْإِمَامُ جَمْعَهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَتَرْكَ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ: جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالٌ لِكَوْنِ تِلْكَ الطُّرُقِ مُوصِلَةً إلَى الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ سُلُوكِهَا لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ "
ينظر السياسة الحكمة 1 /47 .
وللحديث بقية
الحمد لله رب العالمين، والضلاة والسلام على محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد ..
من المعلوم أن علم السياسة الشرعية جزء من علم الفقه، لذلك فإنه ولا بد أن يشاركه في مصادر التشريع الذي ينبني عليها .
ويمكن أن يقال : تختلف الأنظار في تحديد علاقة علم السياسة الشرعية بمصادر التشريع الإسلامي نظرا لاختلاف الكتَّاب في تحديد مجال علم السياسة الشرعية، هل يقتصر على ما لم يرد به نص، أن يشمل ما ورد فيه النص من حيث التطبيق.
والصحيح الذي يظهر لي –والله أعلم- أن علم السياسة الشرعية لا يقتصر على ما لم يرد به النص الشرعي، بل يتعدى ذلك إلى ما ورد فيه النص، ليبين طريقة التطبيق ومجاله وموانعه، كما هو مشهور من فعل الصحابة رضوان الله عليهم في الاجتهاد في تطبيق ما ورد النص بخصوصه، كوقف سهم المؤلفة قلوبهم وإيقاف حد السرقة في المجاعة ونحو ذلك.
ومصادر التشريع تنقسم –كما هو معلوم – إلى قسمين:
الأول : المصادر الأصلية ، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس .
أولا : الكتاب والسنة .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا )
قال تعالى : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا )
فقد دلت هذه الآيات على وجوب الرد إلى الكتاب والسنة عند التنازع أو حصول ما يتعلق بالأمن العام .
وبما أن جميع مجالات السياسة الشرعية مطروقة في القرآن والسنة فالواجب الرجوع إليهما أولا قبل النظر في المصادر الفرعية .
ثانيا : الإجماع .
الناظر في الفقه الإسلامي وخصوصا ما يتعلق بمجالات السياسة الشرعية يرى وجود الإجماع أو نقل الاتفاق على كثير من المسائل، مما يدل على الصلة الوثيقة بين علم السياسة الشرعية والإجماع كمصدر من مصادر التشريع.
ولعل من أشهر المواقف التي وقعت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة موقف يتعلق بالسياسة الشرعية، وفصل فيه بالاجماع، وهو تولية الخليفة من بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي عاصم الشيباني في كتابه السنة : واتفق المسلمون على بيعته وعلموا أن الصلاح فيها " السنة 2/646 ، وقال أبو الحسن الأشعري: وقد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإبانة عن أصول الديانة ص 252 .
قال ابن حزم : اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة .."
الفصل في الملل والأهواء والنحل 4/72 .
ومن الإجماع المنقول في باب السياسة الشرعية الإجماع على فضل الولايات متى ما تولاها من هو أهلها وحكم بين الناس بالعدل.
قال عز الدين بن عبد السلام: وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام "
قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/121
كذلك نقل الإجماع في مسائل تتعلق بشروط الإمامة ، قال ابن حزم: وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة المرأة ولا إمامة صبي لم يبلغ إلا الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ والحمل في بطن أمه "
الفصل في الملل والنحل 4/89 .
أقول العبرة بقول أهل الإسلام ولا يعتد بقول غيرهم من أهل الملل الأخرى .
ومن مسائل السياسة الشرعية التي نقل الإجماع على كثير من تفصيلاتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الجويني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالإجماع "
الإرشاد إلى قواعد الأدلة في أصول الاعتقاد ص 368 )
وأنه على الكفاية : قال النووي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية بإجماع الأمة " روضة الطالبين 10/218
ومن مسائل السياسة الشرعية التي نقل فيها الإجماع مسألة أخذ الإمام زكاة المال من الناس وعقوبة المتخلف، قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أن للإمام المطالبة بالزكاة وأن من أقر بها بوجوبها أو قامت عليه بها بينة كان للإمام أخذها منه "
والإجماع على قتال مانعي الزكاة مستفيض مشهور .
ينظر : موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي – مسائل الإجماع في الأحكام السلطانية- د .فهد بن صالح بن محمد اللحيدان . دار الفضيلة .
ثالثا : القياس
محل القياس كل مسألة لا نص فيها، ولذلك قيل : لا قياس مع النص .
وقد قررنا أن مجال السياسة الشرعية يشمل ما لا نص فيه فالقياس له علاقة بعلم السياسة الشرعية .
القسم الثاني : المصادر الفرعية .
أولا : المصالح المرسلة .
من يتتبع اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم يجد أنهم لا يتوانون عن ترتيب الأحكام وفق المصالح، وكان لاتساع الدولة الإسلامية أثر كبير في اعتبار المصلحة كأساس في العمل بالسياسة الشرعية .
وللمصالح المرسلة أثر في إنشاء الأحكام المتعلقة بالسياسة الشرعية .
ومن ذلك :
1 - جمع القرآن الكريم زمن أبي بكر رضي الله عنه ، إذ قال زيد لعمر رضي الله عنهما لما أشار بجمع القرآن: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : هذا والله خير"
2 – تضمين الصناع، ووجه المصلحة أن الناس لهم حاجة للصناع والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ فلو لم يثبت تضمينهم لضاعت أموال الناس بدعوى الهلاك والضياع .
3 - إيقاع الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة عقوبة، لما رأى تساهل الناس فيه.
4 – مصادرة نصف أموال الولاة الذي يتهمون باختلاط أموالهم الخاصة بأموالهم المكتسبة بجاه الولاية .
كذلك للمصالح المرسلة أثر في تغيير أحكام السياسة الشرعية ، فمن ذلك ما ورد عن عثمان رضي الله عنه أنه أمر بالتقاط ضوال الإبل وبيعها فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عنها قال : مَا لَكَ وَلَهَا ، مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا ، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا .."
ومبنى الحكم على المصلحة لما رأى الناس قد دب إليهم الفساد وامتدت أيديهم إلى الحرام فعدّل الحكم .
ويدخل في هذا الباب تغير العقوبات التعزيرية والأحكام التي تقتضيها السياسة الشرعية الوقتية .
قال ابن القيم: " وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ سِيَاسَةٌ جُزْئِيَّةٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ، فَظَنَّهَا مَنْ ظَنَّهَا شَرَائِعَ عَامَّةً لَازِمَةً لِلْأُمَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَلِكُلٍّ عُذْرٌ وَأَجْرٌ وَمَنْ اجْتَهَدَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ، وَهَذِهِ السِّيَاسَةُ الَّتِي سَاسُوا بِهَا الْأُمَّةَ وَأَضْعَافُهَا هِيَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَلَكِنْ: هَلْ هِيَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمِنَةِ، أَمْ مِنْ السِّيَاسَاتِ الْجُزْئِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَصَالِحِ، فَتَتَقَيَّدُ بِهَا زَمَانًا وَمَكَانًا؟ وَمِنْ ذَلِكَ: جَمْعُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَطْلَقَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِرَاءَةَ بِهَا، لَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً. فَلَمَّا خَافَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقُرْآنِ، وَرَأَوْا أَنَّ جَمْعَهُمْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ أَسْلَمُ، وَأَبْعَدُ مِنْ وُقُوعِ الِاخْتِلَافِ: فَعَلُوا ذَلِكَ، وَمَنَعُوا النَّاسَ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِهِ. وَهَذَا كَمَا لَوْ كَانَ لِلنَّاسِ عِدَّةُ طُرُقٍ إلَى الْبَيْتِ، وَكَانَ سُلُوكُهُمْ فِي تِلْكَ الطُّرُقِ يُوقِعُهُمْ فِي التَّفَرُّقِ وَالتَّشَتُّتِ، وَيُطْمِعُ فِيهِمْ الْعَدُوَّ، فَرَأَى الْإِمَامُ جَمْعَهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَتَرْكَ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ: جَازَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إبْطَالٌ لِكَوْنِ تِلْكَ الطُّرُقِ مُوصِلَةً إلَى الْمَقْصُودِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ سُلُوكِهَا لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ "
ينظر السياسة الحكمة 1 /47 .
وللحديث بقية