العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علاقة المنطق بالفقه المقارن(علم الخلاف) موضوع جدير بالنقاش

إنضم
4 نوفمبر 2010
المشاركات
8
التخصص
الدراسات الإسلامية
المدينة
مراكش
المذهب الفقهي
مالكي
علاقة المنطق بالفقه المقارن
هذا بداية بحث متواضع أرجو المشاركة فيه، وإغناؤه بالنقاش والملاحظات، ولا نعدم من يفيدنا في هذا الموضوع؛ لأن البحث لما أكمله بعد، وإنما هذه شبه مسودة بحث، فإليكم هذه الجمل المتواضعة:
المبحث الأول: تعريف مفردات العنوان

أولا: تعريف المركب:
يمكن تعريف (المقارنة) بأنها: النظر في اثنين أو أكثر مما يشترك في الطبيعة والصفات الأساسية، لإبراز مواطن الاتفاق والافتراق، وقد ينضم إلى ذلك الترجيح بوجه من وجوهه المقررة.
والدراسات المقارنة الفقهية تسمى: (علم الخلاف العالي). وعن فن الخلاف يقول الشيخ عبد القادر بدران: علم يعرف به كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبهة، وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية، وهو الجدل الذي هو قسم من أقسام المنطق، إلا أنه خص بالمقاصد الدينية.
وقد يعرف بأنه: علم يقتدر به على حفظ أي وضع وهدم أي وضع كان بقدر الإمكان. ولهذا قيل: الجدلي إما مجيب يحفظ وضعًا، أو سائل يهدم وضعًا[1]
وعرفه محمد تقي الحكيم بقوله: ": يطلق الفقه المقارن - أولا - ويراد به: جمع الآراء المختلفة في المسائل الفقهية على صعيد واحد دون اجراء موازنة بينها. ويطلق ثانيا على: جمع الآراء الفقهية المختلفة وتقييمها والموازنة بينها بالتماس أدلتها وترجيح بعضها على بعض وهو بهذا المعنى أقرب الى ما كان يسميه الباحثون من القدامى بعلم الخلاف أو علم الخلافيات كما يتضح ذلك من تعريفهم له "[2]
معجم المناهي اللفظية ومعه فوائد في الألفاظ للشيخ بكر أبو زيد - (21 / 13)
الفقه المقارن :
هذا اصلاح حقوقي وافد يُراد به : مقارنة فقه شريعة رب الأرض والسماء بالفقه الوضعي المصنوع المختلق الموضوع من آراء البشر وأفكارهم .
وهو مع هذا لا يساعد عليه الوضع اللغوي للفظ (( قارن )) إذْ المقارنة هي المصاحبة ، فليست على ما يريده منها الحقوقيون من أنها بمعنى (( فاضل )) التي تكون وازن ، إذْ الموازنة بين الأمرين : الترجيح بينهما ، أو بمعنى (( وازن )) لفظاً ومعنى . أو بمعنى (( قايس )) إذالمقايسة بين الأمرين : التقدير بينهما .
يقول الشاعر :معجم المناهي اللفظية ومعه فوائد في الألفاظ للشيخ بكر أبو زيد - (21 / 14)
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقد اشتق القدامى من مادة القرن (( الاقتران )) بمعنى الازدواج ، فقالوا : (( اقترن فلان بفلانة )) أي تزوجها ، وسمي النكاح (( القرآن )) وزان الحِصان . وأصل ذلك في لغة العرب ، أن العرب كانت تربط بين قرني الثورين بمسد تُسميه (( قرنْ )) على وزن بقر فسميا (( قرنين )) وسمى كل منهما قرين الآخر . فلتهنأ الزوجة الراقية بلسان العصر من تسميتها (( قرينة )) فصاحبها ذلكم الثور ؟ وعليه : فهذا الاصطلاح (( الفقه المقارن )) تنبغي منابذته وضعاً وشرعاً دفعاً للتوليد والمتابعة[3].
ويسمى أيضا قديما بعلم الخلاف، والخلاف لغة:
قال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: "الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة: أحدُها أن يجيءَ شيءٌ بعدَ شيءٍ يقومُ مقامَه، والثاني خِلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر"[4].
وقال أيضا: "وأمّا قولهم: اختلفَ النَّاسُ في كذا، والناس خلْفَةٌ أي مختلِفون، فمن الباب الأوّل؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يُنَحِّي قولَ صاحبه، ويُقيم نفسَه مُقام الذي نَحّاه"[5]
قال أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي"
"الخِلاف : المُضادة ، وقد خالفهُ مخالفة وخلافا[6].
واصطلاحا: عرفه ابن أمير الحاج بقوله:
"علم الخلاف فإنه علم يتوصل به إلى حفظ الأحكام المستنبطة المختلف فيها بين الأئمة أو هدمها لا إلى استنباطها
[7].
وعرفه أيضا محمد أمين المعروف بأمير بادشاه: "علم يتوصل به إلى حفظ الأحكام المستنبطة المختلف فيها أو هدمها لا إلى الاستنباط وكذلك علم الجدل فإنه علم يتوصل به إلى حفظ رأي أو هدمه أعم من أن يكون في الأحكام الشرعية أو غيرها"[8]
وعرفه القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد نكري بقوله:
"علم الخلاف: علم بكيفية بحث وطرق استدلال على المطالب لرعاية مذهب بإلزام الخصم"[9]
ويسمى أيضا بالخلافيات، وقد ألف البيهقي كتابا سماه: الخلافيات.
وبعضهم ألحق به أيضا علم الجدل قال ابن أمير الحاج:
"ومنه علم الجدل فإنه علم بقواعد يتوصل بها إلى حفظ رأي أو هدمه أعم من أن يكون في الأحكام الشرعية أو غيرها فنسبته إلى الفقه وغيره سواء فإن الجدلي إما مجيب يحفظ وضعا أو معترض يهدم وضعا نعم أكثر الفقهاء فيه من مسائل الفقه وبنوا نكاته عليها حتى توهم أن له اختصاصا به"[10]
ولمزيد من التوضيح أورد كلاما للغزالي رحمه الله يفرق فيه بين علم الخلاف وأصول الفقه فيقول:
"فإذا فهمت هذا فافهم أن أصول الفقه عبارة عن أدلة هذه الأحكام وعن معرفة وجوه دلالتها على الأحكام من حيث الجملة لا من حيث التفصيل فإن علم الخلاف من الفقه أيضا مشتمل على أدلة الأحكام ووجوه دلالتها ولكن من حيث التفصيل كدلالة حديث خاص في مسألة النكاح بلا ولي على الخصوص ودلالة آية خاصة في مسألة متروك التسمية على الخصوص
وأما الأصول فلا يتعرض فيها لإحدى المسائل ولا على طريق ضرب المثال بل يتعرض فيها لأصل الكتاب والسنة والإجماع ولشرائط صحتها وثوبتها ثم لوجوه دلالتها الجميلة إما من حيث صيغتها أو مفهوم لفظها أو مجرى لفظها أو معقول لفظها وهو القياس من غير أن يتعرض فيها لمسألة خاصة فبهذا تفارق أصول الفقه فروعه"[11]
ثانيا: أهمية معرفة الخلاف:
وقد نبه الشاطبي في موافقاته إلى أهمية معرفة مواقع الخلاف فقال:" ولذلك جعل الناس العلم معرفة الاختلاف.
فعن قتادة: "من لم يعرف الاختلاف لم يشمَّ أنفُه الفقه".
وعن هشام بن عبيد الله الرازي: "من لم يعرف اختلاف القراءة فليس بقارئ، ومن لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه".
وعن عطاء: "لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالما باختلاف الناس؛ فإنه إن لم يكن كذلك رد4 من العلم ما هو أوثق من الذي في يديه
وعن أيوب السختياني وابن عيينة: "أَجْسَرُ1 الناس على الفتيا أقلهم علمًا باختلاف العلماء". زاد أيوب: "وأمسكُ الناسِ عن الفتيا أعلمهم باختلاف العلماء"
وعن مالك: "لا تجوز الفتيا إلا لمن علم ما اختلف الناس فيه، قيل له: اختلاف أهل الرَّأي؟ قال: لا، اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم الناسخ والمنسوخ من القرآن ومن حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم"
وقال يحيى بن سلام: "لا ينبغي لمن لا يعرف الاختلاف أن يفتي، ولا يجوز لمن لا يعلم الأقاويل أن يقول هذا أحب إليَّ"
وعن سعيد بن أبي عروبة: "من لم يسمع الاختلاف، فلا تعده عالمًا"
وعن قبيصة بن عقبه: "لا يفلح من لا يعرف اختلاف الناس"
وكلام الناس هنا كثير، وحاصلة معرفة مواقع الخلاف، لا حفظ مجرد الخلاف، ومعرفة ذلك إنما تحصل بما تقدم من النظر؛ فلا بد منه لكل مجتهد، وكثيرًا ما تجد هذا للمحققين في النظر كالمازري وغيره."
[12]
المبحث الثاني: العلاقة بين المنطق والفقه المقارن

سبق تعريف كل من المنطق والفقه المقارن، وإذا تبين ذلك فما هي العلاقة التي تربط بينهما؟
يتبين من خلال البحث ومن خلال التعاريف السابقة لعلم الفقه المقارن وعلم المنطق أن العلاقة بينهما تتجلى في ثلاثة علاقات:
العلاقة الأولى: الأدلة بمعنى الحجج، وهذه العلاقة يعالجها علم أصول الفقه- وهو ليس داخلا في بحثنا – وعلم المنطق الذي هو جزء من البحث.
العلاقة الثانية: كيفية إيراد هذه الحجج، وهذا الباب يعالجه علم الجدل.
العلاقة الثالثة: الغلط في الأدلة، وهذا العلاقة يعالجها باب مثارات الغلط، وهو قسم من أقسام المنطق، كما أن الجدل قسم من أقسام المنطق أيضا، وإنما أفردته لأن العلماء أيضا أفردوا هذه الأبواب بالتأليف.
وإذا تعمقنا أكثر فإن الغلط في الأدلة ينتج عنه اختلاف الفقهاء، ولذلك يكون لا بد أيضا من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى اختلاف الفقهاء.
لكي تتضح العلاقة بين المنطق والفقه المقارن لابد من معرفة مباحث علم المنطق، وما يتطرق إليه الفقه المقارن.

[1] مجلة مجمع الفقه الإسلامي - (11 / 726).

[2] الاصول العامة للفقه المقارن ص: 13.


[3]معجم المناهي اللفظية ص: 13-14.


[4] معجم مقاييس اللغة لابن فارس - (2 / 210)


[5] معجم مقاييس اللغة لابن فارس - (2 / 213)

[6] المحكم والمحيط الأعظم - (5 / 200)

[7] التقرير والتحبير - (1 / 35)


[8] تيسير التحرير - (1 / 19)


[9] دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون - (2 / 262)


[10] التقرير والتحبير - (1 / 35)


[11] المستصفى - (1 / 5)

[12] الموافقات - (5 / 122 - 123).
 
أعلى