العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

علم المناسبة

إنضم
16 نوفمبر 2009
المشاركات
59
التخصص
شريعة إسلامية
المدينة
سرت
المذهب الفقهي
مالكي
[FONT=&quot]الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد[/FONT][FONT=&quot]. [/FONT]

[FONT=&quot]فإن موضوع علم المناسبة هو إيجاد الترابط أو المناسبات بين آيات القرآن الكريم وسوره، وهو علمٌ عظيم القدر، لكنه لم يلق كبير عنايةٍ من المفسرين، كما أشار إلى ذلك الإمام الزركشي في كتابه البرهان، فقال: "واعلم أن المناسبة علمٌ شريف... وقد قلّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته، وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي، وقال في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعةٌ في الترتيبات والروابط" (الزركشي، البرهان، المكتبة العصرية، ص41). [/FONT]

[FONT=&quot]وقد صنّف الباحث: محمد فاروق الزين كتابًا بعنوان: "بيان النظم في القرآن الكريم"، أعطى في مقدمته لمحةً عن هذا العلم، ثم شرع، بحسب اجتهاده، في بيان المناسبات والترابط بين الآيات في السورة الواحدة، وبين السورة والسورة على ترتيب المصحف، وهو جهدٌ مشكور، عثرت عليه بعد كتابتي لهذه المقالة التي كنت قد عنونتها بعنوان "تدبر سورة القيامة"، ثم قمت بتعديلها لأضيف إليها هذه المقدمة المختصرة، وقمت تبعًا لذلك بتعديل العنوان كما هو الآن. [/FONT]

[FONT=&quot]وعمومًا فإن محاولة إيجاد الترابط بين الآيات فيما بينها، والسور فيما بينها، هو من باب التدبر الذي حث عليه القرآن الكريم، وهو يحتاج إلى إخلاص النية لله –عز وجل- وإلا فالأمر ليس بالهين، فهو يحتاج بجانب العلم والدراية إلى فتحٍ من الله –جل وعلا- يفتح به على عبده.[/FONT]

[FONT=&quot]وقد ثار نقاش حول الترابط بين قوله تعالى في سورة القيامة: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ[/FONT]"، وبين الآيات التي قبله والتي بعده في ذات السورة.

[FONT=&quot]واجتهاداً في إيجاد الترابط أقول: [/FONT]

[FONT=&quot]سورة القيامة تتحدث عن يوم القيامة، وعما تُحَدِّثُ به نفس الإنسان عن هذا اليوم بالذات.[/FONT]

[FONT=&quot]وقد افتُتحت السورة بالقسم المنفي: "لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ[/FONT]"، واختيرت النفس اللوامة لأنها النفس التي تركن إلى الحق لا إلى الباطل، فهي أنسب للقسم.

[FONT=&quot]والقسَم المنفي يعني أن ما هو مُقسمٌ عليه أعظم أو مساوٍ للمُقسم به في القدر، فالمقسم به يجب أن يكون أعظمَ من المقسم عليه، فمن غير المناسب –من ناحية الفهم- أن تُقسم على أمرٍ بأقل منه، كأن تقول: (والكعبة، إنّ الله موجود)، فهذا قَسَمٌ غير مناسب، والمناسب حينئذ أن تنفي كلّ قَسَمٍ لتبين للسامع أن ما ستُقسم عليه أعظمُ من أيّ شئ، فتقول: لا أقسم بالكعبة ولا بالمقدسات، فالله أعظم، إنّ الله موجود، أو تقول: والله، إن الله موجود، أو لا أقسم بالله فما أُقسم عليه هو من عظمة الله، إنّ الله قدير، كقوله تعالى: "فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ[/FONT]"، الآية (المعارج: 40).

[FONT=&quot]والسؤال هو: أين جواب القسم في السورة؟ [/FONT]

[FONT=&quot]يظهر لي أن جواب القسم في السورة؛ أول تأكيدٍ بعد القسم، وهو قوله تعالى: "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ[/FONT]"، ومثله في القرآن سورة الشمس، فجواب القسم فيها (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)، ومثاله في سورة التكوير: "فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ"، وغيرهما من الأمثلة.

[FONT=&quot]وقد ناسب القَسَمُ مرادَ الله بالسورة، لأن القرآن -الذي أقسم الله أن عليه جمعه وقرآنه وبيانه- به وحده عِلم الساعة، وبه إعلام الناس بالقيامة وأنها حق، قال تعالى: "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ[/FONT]"، وقال: "وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ". (الزخرف: 61)، وقال: "أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (النحل:1).

[FONT=&quot]وعن الترابط بين قوله تعالى: "لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ[/FONT]"، وباقي الآيات، فقد ظهر أن جواب القسم الذي أتى في أول السورة قولُه تعالى: "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ"، وأن الاتجاه العام للآيات نحو إخراج ما في النفس البشرية من ظنون وشكوك تتعلق بيوم القيامة، فقد أقسم الله به، أي بيوم القيامة، وبهذه النفس، ثم أتبع القسم بسؤال استنكاري عمّا يقع في النفس (أيحسب) والحسبان عملٌ يدور في النفس، ثم قال: "يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ" وهذا أيضاً حديث نفس، فالإنسان يومئذ لا يسأل ليعلم، فقد علم أنه لا مفر من أمر الله، فسؤاله من باب الندم والخوف، ثم قال: "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ" أي هو أعلم بنفسه، "وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ"، أي ولو وضع دون هذه الحقيقة الستور الواهية، فناسب هذا كله أن ينهى اللهُ نبيَّه –صلى الله عليه وسلم- عن تحريكه لسانه بالقرآن ليعجل به، لأن هذا كسابقه أمرٌ نفسي، لا يعلمه إلا صاحبه، فكشفه الله، وأقسم أن عليه –جل وعلا- جمع هذا القرآن الذي به علم يوم القيامة، وأن عليه جعله مقروءاً ثم عليه –تعالى- بيانه للناس، كما قال في سورة الأعراف: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ".

[FONT=&quot]وناسب كذلك أن يُستأنف الحديث بعد النهي عن الدار الآخرة التي تبدأ بيوم القيامة، فيكون الكلام في نفس الجو العام للسورة، وهو إخراج شكوك النفس البشرية وما يساورها حيال يوم القيامة، لذا نجد في الآيات التالية تعبيراتٍ تتعلق بالنفس كما في قوله تعالى: "كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ"؛[/FONT] فالحبُّ شعور نفسي، وقوله تعالى: "وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ"، أي وتتركون الآخرة، وهو تركٌ معنويٌ نفسي، ثم "تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ"، والظن أمر نفسي، "وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ"، إلى آخر هذه التعبيرات في السورة.

[FONT=&quot]وناسب أن تكون السورة التالية هي سورة الإنسان التي انتقل الحديث فيها من مرتبة النفس إلى مرتبة الجسد، فبين الله كيف خلق هذا الجسد، فقد خلقه أمشاجًا، وشق سمعه وبصره، ثم إن هذا الجسد إما أن يُنعَّم صاحبه وإما أن يُعذَّب، وكلاهما النفس والجسد هما مكوِّنُ الإنسان الذي بدأت به سورة القيامة بعد القسم؛ "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ[/FONT]"، واختتمت بالحديث عنه كذلك؛ "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى" واستُفتحت به سورة الإنسان وسُمّيت باسمه، "هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا".

[FONT=&quot]والله أعلم.[/FONT]

[FONT=&quot]د. عبد المجيد قاسم [/FONT]

[FONT=&quot]3 جمادي الثاني 1436هـ[/FONT]

[FONT=&quot]الموافق 24/ 3/ 2015م[/FONT]
 
إنضم
25 سبتمبر 2012
المشاركات
1
الكنية
أبو عمر
التخصص
فقه وأصول الفقه
المدينة
الأحمدي
المذهب الفقهي
حنبلي
رد: علم المناسبة

بارك الله فيك يا دكتور، تبيه طيب ومهم، فلا حرمت الأجر
 
أعلى