العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يُرجى القراءة بتمعّن وتدبّر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن النضوج العقلي لا يكون بمجرد التحصيل العلمي والمعرفي! فالمنطق وحده -بالرجوع إلى مبادئ فلسفية بحتة مثل "السببية"- قد يُفضي بصاحبه للإلحاد! الإدراك البشري يخضع لعاملين؛ العقل والإيمان، فآلية التفكير في حدّ ذاتها ينبغي أن تخضع لتلك الثنائية الخاصة بالإدراك.
فنجد الخلاف ينشأ بسبب خلل في هذا الإدراك..
-سبب خاص بالعقل: ويكون في عدم القدرة على النظر إلى كافة نواحي المشكلة الواحدة.
-سبب خاص بالثنائية: ويكون عند غياب الثنائية في الإدراك.
والخطأ يكون عند اختلال في إدراك هذه الثنائية أيضًا! فنجد -مثلًا- إيمانًا بلا علم، أو العكس. والحقيقة أن العلم لا يتعارض مع الدين والإيمان، ببساطة لا يمكن لهذا أن يحصل! .. المشكلة الحقيقية لا تكمن في حقائق هذا العالم، بل في طبيعة تفسيرنا لها وفقًا لكثير من العوامل الداخلية والمؤثرات الخارجية.
إلا أن جانب التحصيل العلمي والمعرفي يبقى ظاهر غالبًا في طلبة العلم! وإنما العامل النفسي -والروحي بطبيعة الحال- هو الذي يغيب عنّا في معظم الأوقات! وغيابه له مفاسد على النفوس لا تخفى، سنتعرض لبعضها في هذا الموضوع بمشيئة الله تعالى.
المنطق -بالرغم من أنه قوة حقيقية- يمكن أن يتحطم عندما يصل بالإدراك إلى حدود متطرفة! والشواهد على ذلك كثيرة، البشر منقسمون إلى صنفين، صنف يعطي الأولوية للعلم والمنطق (الحس)، وصنف يعطي الأولوية للشعور والإحساس (الحدس)، والصواب أننا بحاجة لكلا القوتين، الحسّ والحدس، المنطق والإيمان.
داخل كل إنسان توازن حساس بين المنطق والإيمان، وهذه النقطة هامة جدًّا، ويجب إدراكها بشكل واضح، التوازن الخاص بالمنطق والإيمان يبني الإدراك الفردي، إن طغت قوة الإيمان على المنطق فنحن أمام أشخاص "لا يعلمون"، فالإيمان الحقيقي لا يتحقق دون العلم، فالعلم وسيلة للوصول إلى الإيمان الصحيح.
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].
وفي المقابل إن نظرة مجردة إلى المنطق كقوة وحيدة مسيطرة على العقل تجعل المرء يستمر في طرح الأسئلة إلى مالانهاية! .. وهذا ليس منهجًا علميًّا البتّة، وهل إذا استمررنا في طرح الأسئلة سندرك كل شيء؟! إن اختلال الاتزان نحو المنطق المجرد ودفع العقل إلى إدراك ما لا يمكنه إدراكه يصل بالعقل إلى حالة انهيار ذاتي "الجنون"، فالمجنون غير قادر على الإدراك وهو بذلك غير قادر على الإيمان أيضًا.
ما يحفظ الإدراك بعيدًا عن فجوة "الجنون" هي المنطلقات الإيمانية، الإيمان يردع المنطق عن الوصول إلى المناطق التي يبدأ عندها بالانهيار، تمامًا كحالة الانهيار التي نراها في الأجهزة والحواسيب (آلات المنطق).
الإيمان دون وعي هو إيمان المقلّد، والذي يهتزّ عند أول شبهة، فأما الإيمان الصحيح فلا يتأتّى إلا بالعلم.
فالطريق الوحيد لإدراك الأشياء إدراكًا صحيحًا يتمثل بالموازنة بين الإيمان والمنطق.
إن الفرق بين الإيمان والجهالة وبين المنطق والجنون هو فارق رفيع جدًّا.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

الوعي:
(awareness/ consciousness) مصطلح مشهور في علوم كعلم النفس أو الــ psychology، وفروعه كعلم النفس العصبي أو الــ neuropsychology، يُقصد به "تلك الحالة العقلية التي يكون فيها العقل بحالة إدراك".
وله أبعاد في علوم أخرى، كعلم الأعصاب أو الــ neurology.
طِبقًا لعلم النفس؛ توجد مستويات عديدة للوعي داخل الإنسان، منفصلة لكن متراكبة، لتشكل في النهاية وعيه الخاص، المكوّن من خبراته أو مفاهيمه عن الحياة، أفكاره، معتقداته، ذكرياته... إلخ. وهذا المفهوم يظهر بوضوح في مباحث الأمراض النفسية.
وطِبقًا لعلم الأعصاب؛ فإن حالة العقل ليست مستقرة، وإنما تتفاوت بين مستويات مختلفة للوعي، فجهاز الــ EEG -مثلًا- يُسجّل لنا حالات متفاوتة، بيتا (حالة اليقظة)، ألفا (التأمل، الخشوع)، ثيتا (النوم)، دلتا (الأحلام)، جاما (مستويات روحية عالية).

درجات الوعي:
بالنظر إلى الصورة أدناه، سنتعرّف على أنواع الوعي ومراحل تطوّره..
attachment.php

الفطرة هي الوعي الصافي.
فغياب الوعي النفسي، يعني غياب الوعي الروحي والفطرة بطبيعة الحال.
هناك مفاهيم متعلّقة بالفطرة، ومرتبطة ببعضها البعض، يمكن التعرّض إليها فيما يلي بشكل مختصر.
أولًا: الحقيقة.
الصورة المتكوّنة في عقولنا حول الأشياء عمومًا هي صورة ناقصة، في الحقيقة نحن لا نرى من العالم الحقيقي سوى شريحة صغيرة، نحن لا نرى سوى قطعة صغيرة من الحقيقة الكامنة للأشياء. هذا ينطبق على آرائنا حول الأشياء، ووجهات نظرنا أيضًا.
هذا صحيح، ولكن محلّ الافتراق عن مبدأ الشكّ الفلسفي أو مبدأ اللايقين الخاص بميكانيكا الكمّ؛ هو أننا نعتقد بأن الحقيقة التي نراها في الحياة ليست كذبة، وإنما الكذبة هي أن نعتقد بأن ما نراه هو الحقيقة، فنحن نرى فقط جزءًا صغيرًا جدًّا من الحقيقة "المطلقة".
ولا يمكن أن نجزم أيضًا بأن مبدأ الشك لا يمكن أن يصل إلى المنطق، لكن يمكن أن نقول بهذا على سبيل الاحتمال، وهذه ستكون كارثة للفلاسفة الذين ينرظون للمنطق كإله لا يخطأ وكشيء ثابت وقادر على التماسك في وجه تيارات الزمن. ورغم أن حالات انهيار المنطق نادرة -وهي ما يجعل العالم مستقرًا ظاهريًّا بالنسبة لنا- إلا أن هذا لا يعني أنه كذلك في الحقيقة .. بل إن مفاهيم مثل "الحقيقة" تبدو مفاهيم فضفاضة، فكل شخص يرى جزءًا من الحقيقة الكاملة، ولا يستطيع أن يرى الأجزاء الأخرى، لأن الجزء الخاص به يُعطى معنى الوجود من خلال نقيضه! .. لذلك تنتج الآراء والتقديرات المختلفة، وهنا يظهر العجز المنطقي، فنحن عاجزون على الإدراك الكامل للمفاهيم التي حولنا، كالتي تبني العالم مثلًا.
لذلك يقول أرسطو: "قمة عقل المتعلم هي في القدرة على استيعاب الفكرة دون القبول بها".
إن الخطوة الأولى والأساسية نحو تحرير الذات هو بإدراك حقيقة هذا العالم، وهو أننا لا ندرك حقيقته، إن الإفاقة من حالة الغفلة المعرفية الجماعية التي يعيشها معظم البشر هو الأساس والطريقة الوحيدة التي قد توصلنا إلى الإدراك الصافي وحقيقة مكنون الأشياء.
يقول الحق سبحانه: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 7].
ورغم مرور أكثر من 1400 عام على آخر عملية تحرر للعقول بنور الإسلام فإن الناس بحاجة اليوم إلى التحرر مرة أخرى، التحرر من عبادة المادة، إلى عبادة الله الخالق لكل مادة.
نظرة واحدة إلى حال العالم اليوم تعطي فكرة واضحة عن طبيعة الوعي البشري، وصحيح أن متوسط أعمارنا ومستوانا المعيشي وتغذيتنا وصحتنا بالإضافة إلى معرفتنا وإدراكنا قد تحسّن بشكل كبير عمّا كان عليه قبل ألفي عام. إلا أننا لم نصل إلى تلك النقطة التي نشبع فيها كامل رغباتنا، بل دائمًا نبحث عن المزيد والمزيد، وإن كل ما يتمحور، حول فكرنا هو إشباع المزيد والمزيد منا لرغبات فنحن نتحدث عن المال، الطعام، التسلية وغيرها، وكأننا بتداول المال وجمعه وتناول الطعام وهضمه وإشغال الوقت وقتله نحيا!
هل هذه هي الحياة؟!
إن هذا العالم الماديّ مجنون! الاستمرار بالحياة على هذا المنوال هو الجنون بعينه، فجميع الحاجات التي نركّز كل -أو معظم- احتياجاتنا عليها هي في الأساس احتياجات جسدية، فكل شيء في حياتنا أصبح يتمحور حول الجسد، ورغم إدراكنا جميعًا بأننا سنموت يومًا ما وسيضمحل عندها كل ما أنفقناه على هذا الجسد إلا أن ذلك لا يغير من وتيرة هذا الاتجاه الأعمى نحو الجسد.
ونحن كبشر تمادينا في الاهتمام بهذا الجسد فاتّجهنا كليًّا نحو مادته، مادة هذا العالم، المادة المنظورة، وبهذا نحن صرفنا النظر عن عناصر وجودنا غير المادية، وأصبحنا ننظر إلى أنفسنا على أننا مجرد أجسام عضوية لا أكثر.
مراكز إدراكنا مركزة دائمًا نحو الخارج، ونحن لذلك لا نستطيع رؤية الحقيقة الداخلية لأنفسنا. ورغم أن الباطن البشري يبدو مكانًا غامضًا إلا أن طبيعة هذا الغموض راجعة في الأساس إلى خوفنا من سبر ذلك العمق.
التعرّف على الذات هو ما سيخبرنا بحقيقتنا وهدفنا، وهو ما سيساعدنا على إدراك الكون من حولنا وطبيعة العالم الخارجي.
لكن هذا لا يحصل، بل العكس .. نحن اكتسبنا طبيعة تفكيرية مادية جدًّا.
الانغماس في المادية يؤثر بقصد أو بغير قصد على توجهاتنا الفكرية، فما يوائم طبيعة تفكيرنا المادية نُقرّ بوجوده وما يتنافى معه نحرمه الحق في الوجود، وهذا ينطبق على كل صغيرة وكبيرة في وجودنا الماديّ. وربما هذه المادية تمنحنا الشعور بالأمن لفترة، ولكنها على المدى البعيد ستخسرنا معنى وجودنا وستجعل حياتنا بلا معنى!
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

ثانيًا: السعادة.
وكجميع الأشياء في هذا العالم فإننا نتحدث عن السعادة كشيء مادي أيضًا، وهي كشيء يمكن الوصول إليه بسهولة، ويجيد الناس الحديث عن هذه السعادة وكيفية الوصول إليها.
والحقيقة أن السعادة تتغير بتغير الشخص؛ فالشخص المادي (بقصد أو بدون قصد) يجد السعادة في اقتناء المادة أو معناها. أمّا الذين تقلّ لديهم هذه النزعة المادية فلا تعد تلك الأشياء جالبة للسعادة، بل تصبح نقمة عليهم أحيانًا. فالوصول إلى السعادة لا يمكن في أن البعض مخطئ والبعض مصيب فالجميع مصيب في وسائله وقد يجد الجميع السعادة في ما يتمنون الوصول إليه، وإن كان أحدهم مقتنعًا بأن اقتناء سيارة أو الفوز في مسابقة أو صدم رأسه في الحائط سيجلب له السعادة فبالتأكيد سيجدها هناك .. ومن هاهُنا بحث العلماء في مفاهيم مثل الــ (synthatic happiness) "السعادة المصطنعة" أو القناعة مثلًا، وشرح الأطباء في صناعة الأدوية المضادة للاكتئاب (depression) وغيرها من الأعراض التي تظهر عند غياب السعادة.
السؤال الحقيقي هو أي تلك السعادة هي الحقيقية؟ بالتأكيد فإن أنواع السعادة المتأتية من الطبائع الماديّة (الخارجية) لابد زائلة ولو بعد فترة من الزمن، والسعادةا لحقيقية هي القادرة على البقاء مع صاحبها إلى النهاية.
السعادة الحقيقية متأتية من الطبيعة الداخلية للبشر فهي كيان غير ماديّ، ولذلك فالمادية لا تعترف بها فكيف تتعامل مع شيء لا تعترف بوجوده! .. والطريق الحقيقي نحو السعادة يكمن في فهم طبيعتنا البشرية الحقيقية، تلك الطبيعة التي لا تتكون من مادة فقط، بل من مادة وروح وتفاعلات بينهما، وعند فهمها بشكل صحيح يمكن فهم حقيقة السعادة المطلقة.
وهناك ربط أحيانًا ما بين السعادة وما بين إشباع الرغبات الجسدية أو الرغبات العلمية والعقلية أو التنسّك والتعبّد ..
وهناك من ينقل الأمر برمّته إلى معاني فلسفية تربوية أو دينية، وهذا يضيع جوهر السعادة، وكل ما يقوم به هؤلاء هو مجرد التحدّث والتحدّث وفقط التحدث وهو أمر سهل على الجميع، والهدف الرئيسي من كل حديثهم هو رفع معنوياتك قليلًا ودعمك عاطفيًّا دون ان يخبروك عن حقيقة السعادة ولو أنهم فعلوا لما شعرت بالحزن مجددًا.
انظر مجددًا .. الأطفال سعدا بطبيعتهم، وهم بالتأكيد لا يدركون الشهوات الجسدية، ولا يدركون العلم والفلسفة وبالتأكيد لا يعرفون المفاهيم الدينية، ومع ذلك فهم سعداء! وضحكاتهم تجلب السعادة حتى إلى أتعس الناس، وهي تدفع الجميع بشكل لاواعي إلى الابتسام وكأنها عدوى من السعادة، فما مصدر هذه السعادة؟
عندما نكون أطفالًا فإن إدراكنا يكون متّصلًا بشكل مباشر بفطرتنا، وهذه الفطرة نور إلهي أودعه الله في قلوب جميع البشر، فالسعادة لا تكون إلا بإدراك هذا النور، وعندما نأتي إلى هذا العالم نكون متصلين بالفطرة بشكل كامل، ومع تقدم السن نبدأ بفقدان هذا الاتصال تدريجيًّا نحو العقل والجسد، فنحن نتخلى عن طبيعتنا الروحية لصالح طبيعتنا المادية، وعند اكتمال النضوج الجسدي والعقلي، تكون المادة والإدراك قد أحكمتا السيطرة على طبيعتنا وبالتالي نبدأ بالتأثر بالطبيعة المادية للعالم، فإذا ما أصابنا مؤثر سلبي مادي، نحزن ونتألم وإذا ما أصابنا شيئًا من المادة نفرح. وعندما نكون ماديين تمامًا فإننا نتجاهل فطرتنا بشكل تام فنصبح مستعدين للكذب والظلم والقسوة والاحتيال وللسرقة وحتى القتل لأجل المادة، وكلها أمور تخالف الفطرة، وهنا تكون الطبيعة المادية قد تغلبت على الطبيعة الفطرية.
اقرءوا ((بتدبّر)) قول الحق سبحانه: (فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الزمر: 49-52].
وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس: 12].
وقوله عز وجل: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ) [الشورى: 48].
فالسعادة الحقيقية لا تكم سوى في إدراك هذا النو الإلهى الموجود في نفوسنا جميعًا، والحقيقة الكاملة لا تكمن في الكون المرئي فقط بل في تأمل نفوسنا وأسرارها.
يقول الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) [الروم: 8].
والعديد من الآيات والأحاديث التي تحدثت على التدبّر في النفس والتأمل في الذات وإدراك طبيعتها، لأنه إن فعلنا أصبحت السيطرة على أنفسنا أسهل، وهذا أمر صعب، أقصد "جهاد النفس" وبتحقيق ذلك، وبإدراك بديع خلق مكنونات هذه النفس يدرك المرء عظمة الله، ويدرك هدفه في الحياة، ويعرف معنى السعادة الحقيقية.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

الخير والشر: إهمالنا لهذا الجانب يترتب عليه تقسيمنا للمؤثرات من حولنا إلى جيدة وسيئة، وخير وشر، وهذا تقسيم خاطئ، فكل ما يأتي من الله خير، والشر لا يُنسب إليه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (8/ 94-95).
حكم الله قائم على الحق والعدل والحكمة، المصائب والشرور لا تأتي إلا من أنفسنا، قد نتسائل كيف نكون السبب في تعاستنا بما يصيبنا وهو آتٍ من الخارج؟
إنا لسبب الأول والأخير لكل الشرور والمصائب في هذا العالم هو نقص وعينا الداخلي.
جميع الأشياء والأحداث التي تصيبنا في هذا العالم وتؤثر فينا هي أمور قضى الله حدوثها قبل وجود العالم بحد ذاته وهي أمور ضرورية لوجوده ونحن بقصور وعينا البشري وكمستقبلين لهذه الأحداث والمؤثرات نصنّفها إلى جيدة وسيئة، وكأننا نفترض بأنا لعالم كان يمكن أن يُخلق بصورة أفضل!
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165].
(فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) [النساء: 62-63].
(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [النساء: 72].
مرة ثانية أقول: المشكلة الحقيقية لا تكمن في حقائق هذا العالم، بل في طبيعة تفسيرنا لتلك المؤثرات. فنحن بإدراكنا القاصر لا نستطيع أن نرى الحكمة الإلهية في الأحداث.
التعاسة والشقاء -وما يترتب عليهما- لا تنبع إلا من قصور وعينا، فالشخص الذي سلبك حقًّا لو أيقن أن الله سحاسبه لتريّث قبل الإقدام على فعلته، وهذا ينطبق على كل من يكذب يظلم يحتال أو يقتل .. ولا نبالغ إذا قلنا أن العالم اليوم فاسد نتيجة فساد وعينا الداخلي!
فالسعادة هي -وفقط- بالارتقاء بوعينا الصافي، فنُغيّر أنفسنا ونُغيّر العالم من حولنا إلى عالم أفضل، وعندها قد نصل إلى مرتبة السلام الحقيقي.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

ثالثًا: التحرر.
إذا علمنا بأننا لن نحقق السعادة إلا بتحرير وعينا نحو الوعي الصافي، فعلينا أن نُدرك ماذا تعنى الحرية في الحقيقة.
الحرية عبارة عن استعادة السيطرة، ولها دلالات عديدة، فالسجين مثلًا يفقد السيطرة على حرية حركته لصالح الجهة التي تحتجزه، وعندما يستعيد تلكا لسيطرة مجددًا يصبح حرًّا .. فالحرية نوع من السيطرة وكلما زادت الحريات التي تمنح الفرد زادت مساحات السيطرة المخصص له.
وتطوّر مفهوم الحرية خلال الزمن، ففي الماضي كانا لتحرر من العبودية هو الفكر السائد ثم انتقل الأمر إلى الحريات الشخصية والعامة وحرية المعرفة والتحرر الفكري وغير ذلك في العصر الحديث، إلى مفهوم جديد نريد أن نصل إليه وهو تحرير أنفسنا. ويحق للشخص هنا أن يسأل كيف نحرر أنفسنا، ومما نحررها؟
أعتقد أن البشر اليوم ليسوا أحرارًا بأنفسهم، فنحن نخضع للمؤثرات الخارجية وهي التي تقرر من نكون وكيف تكون أحوالنا، وهذه العملية تتكرر معنا يوميًّا، تحرير أنفسنا يعني أن نستعيد السيطرة عليها بدلًا من أن تبقى هي أوا لمؤثرات الخارجية صاحبةا لقرار، ثم السيطرة على كل ما يعيق تقدم سيطرتنا من شهوات أو مطامع أو مفاسد.
الإنسان مكوّن من عناصر أربعة هي الجسد والعقل، النفس والروح، ونحن نأتي منا لعالم غير المرئي إلى هذا العالم ونحن لا نسيطر على أي من تلك المكونات، فالطفل لا يسيطر على جسده بشكل كامل ويترنح في المشيء، ولا يسيطر على وعيه وعقله فلا يكون مكتمل الإدراك، والنفس لا تكون قد امتزجت بعد بهذا العالم ومادته فلا يدرك الأطفال الطمع أو الحقد أو الجشع، فالأطفال يكونون مجرد أرواح طاهرة لا تدرك عقولهم المنطق أو الجدال فهم متصلون بفطرتهم اتصالًا تامًّا ما يجعلهم مؤمنين بالفطرة كسائر المخلوقات، كالشجر والحجر والسماء والأرض .. فالأطفال فطرتهم نقية ابتداءًا، وهم يتصفون بصفاتها كالسعادة والسرور، وهذا ما يجب أن يكون عليه الوجود، ولكن عندما نتقدم في العمر نبدأ في سيطرة وهمية على عناصر وجودنا وبالتالي تفقد الفطرة السيطرة تدريجيًّا نتيجة ميل الإدراك نحو الصورة الماديّة في العالم، ونؤمن بعد فترة (بوعي أو بدونه) بأشياء عديدة، فيلجأ البعض إلى المنطق للتعامل مع الأمور، ويلجأ البعض إلى الحدس والإحساس ويلجأ البعض إلى آراء وأقوال الآخرين والبعض لا يتعامل مع الأمور بل الأمور هي التي تتعامل معه فيبقى متأثرًا فقد بهذا العالم ولا يؤثر فيه. وفي خضم تلك الفوضى يفقد معظمنا السعادة بوجودنا وينساها! ..
فكل ما يحصل لنا هو ناتج عن فقد الفطرة السليمة التي هي أساس الفرحة والسعادة بأن نكون مخلوقات الله وعبيده ونتاج مشيئته، فبعد أن كان إدراكنا وفطرتنا متصلين معًا في مرحلة الطفولة فكنّا متصلين تمامًا بالسعادة الفطرية، افترقا (أي الروح والإدراك) عن بعضها ونشأت حول الروح ثلاث جدران أو بوابات هي: النفس، ثم العقل، ثم الجسد، ويتمركز الإدراك في العقل، وتقبع الروح -كمعنى أفقي- ومعها الفطرة في أعماق قلب الإنسان، وكلما ازدادت هه الجدران الثلاثة امتزاجًا بالعالم المادي الحسي زاد البعد بين الإدراك والروح، فيغلب المنطق والتحليل على الفكر إذا اتّجه نحو العقل، وكلما اقترب الإدراك إلى الجسد يزداد الجسد تخمة والعقل شكّا والنفس فسادًا، وكلّما اقترب الإدراك إلى الروح زادت قدرته على فهم المفردات الروحية وإدراك مكنوناتها والصول إلى اتصال تام بذاته .. فيصبح قادرًا على السيطرة على نفسه وعقله وجسده، وهذا جهاد النفس، بحيث لا تسيطر شهواتها ورغباتها على إدراكنا وأفعالنا بل نحن من نسيطر عليها ونوجهها.
والفطرة لا يمكن أن تقتلع من قلب المرء، ولكن يمكن أن تُحرّف أو أن تدفن حيّة داخل الجدران الثلاثة، فالسيطرة على هذه الجدران الثلاثة نحو الفطرة (المعرفة الروحية) هي الطريق نحوا لسعادةا لحقيقية والتي تتحقق بالاتصال بالمعرفة التي أودعها الله في أنفسنا.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30].
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

يقول الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف: 172-173].
جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآيات: "وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ -وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ- فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ)".
إذن فالمعرفة الفطرية تكوّنت فينا في تلك اللحظة -التي تتجاوز مفهوم الزمن بحدّ ذاته-، وعند دخولنا إلى هذا العالم وامتزاجنا بمادته بدأنا ننسى تلك المعرفة، فنحن وإن لم نذكرها إلا أنها حقيقة أخبرنا الله تعالى بها.
جاء في تفسير مجاهد: "أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: نا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا آدَمُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قوله: (وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ) [سورة المائدة آية 7]، يَعْنِي: الَّذِي وَاثَقَ بِهِ بَنِي آدَمَ فِي ظَهْرِ آدَمَ".
فالفطرة هي هذا العهد والميثاق المذكور في الآية، فهدف وجودنا الحقيقي هو استعادة تلك المعرفة وتذكرها بالمعنى العميق. هذه هي الحقيقية الكاملة والنهائية .. ونُلاحظ أن رسالة ديننا الحنيف جاءت لتذكرنا بتلك المعرفة وذلك العهد، فالحج فريضة من أركان الإسلام، تشمل الوقوف بعرفة، وهو الركن الأعظم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْحَجُّ عَرَفَةُ). وفي الحديث الذي صحّحه شيخنا الألباني وغيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِنَعْمَانَ يَعْنِي عَرَفَةَ، فَأَخَرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا, فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلا وَقَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ {173} سورة الأعراف).
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

رابعًا: مبدأ التوازن.
وهو أهمّ مفهوم.
نحن نؤمن بأن ديننا الإسلامي هو دين كامل وشامل وهو دين الفطرة، وهو يُلبي كافة احتياجات الجسد اولعقل والنفس والروح .. وأعتقد بأن اختلاف جميع الفرق والجماعات الإسلامية قائم على أمر واحد وهو أن كل فرقة أو جماعة تنظر إلى الدين من زاوية واحدة، وهُنا يظهر قصور الإدراك البشري الذي تحدّثنا عنه، فالبعض نراه يهتم بالآداب دون الأحكام، أو الزهد دون العمل، والبعض ركّز على العقل والمنطق، والبعض اعتمد فقط على النقل فقرّروا ثوابت في الدين ليست قطعية، والبعض ركّز على الرياضةا لروحية والوجدان وأهمل النص والبحث الشرعي فضاع منهم العلم.
هذا القصور هو الذي يؤدي إلى ظهور جماعات وفرق كثيرة من جميع الأديان، فالطريق الوحيد لتوحيد كل تلك الفرق والجماعات هي تجنّب هذا القصور والبحث عن الأصول الثابتة.
ومن هُنا أنصح بالإطلاع على كتاب "القانون في عقائد الفرق والمذاهب الإسلام -منهاج وحدة ومنهاج عمل-" وهو ضمن [دراسات وبحوث منهجية في سبيل التجديد لهذا الدين]، يقول عنه مؤلفه: ((هذا الكتاب ليس دعوة ساذجة للتقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية لكنه دعوة علمية مستندة إلى قواطع الوحي والعقل واللغة لتوحيد المسلمين وذلك بالعودة إلى لقبهم الأول وأصول اعتقادهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأكرمين)) . مؤلفه/ الدكتور. محمد نعيم محمد هاني ساعي (أستاذ الفقه وأصوله _ الجامعة الأمريكية المفتوحة بالولايات المتحدة الأمريكية).
المعرفة ثوابت العقيدة المتّفق عليها من المسائل المُختلف فيها، وكذا كتاب "موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي" له أيضًا، لمعرفة المسائل الفقهيّة المتّفق عليها من المُختلف فيها.
العبادات في الإسلام مقسّمة إلى عبادات جسدية كالصلاة والصوم، وبعضها عقلي كطلب العلم الشرعي، وبعضها نفسي كتزكية النفوس من الحسد والبغَ، وبعضها روحي كالدعاء والخشوع في الصلاة واستحضار عظمة الله ومراقبته.
لقد جعل الله أول ما يدعى إليه أهل الكتاب ألا يشركوا بالله شيئا وألا يتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله.
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).
وأخبر عنهم ربنا سبحانه فقال: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وفسر هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى عُنُقِى صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ: «يَا عَدِىُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ». وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِى سُورَةِ بَرَاءَةَ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ».
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع سنن اليهود والنصارى فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ -رضى الله عنه- أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» . قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ «فَمَنْ».
(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).
(وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ).
وفي سورة النحل [120-123]: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
(وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ).
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
هذا دور العلماء في الإسلام، ولا شك أن هذه أمانة عظيمة! ..
يقول الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
ويقول سبحانه: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ لاَ أَعْلَمُ. فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)".عَنْ النُّعْمَان بْنَ بَشِيرٍ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ» . متفق عليه.
قَالَ عَلِىٌّ رضي الله عنه: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. رواه البخاري.
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً. رواه مسلم.
ورسالة العالم لا تتوقّف عند العلم.
يقول الله عز وجل: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).
التزكية والحكمة إذن يلزم توفّرهما في العالم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». متفق عليه.
هذا الحال عندما يغيب العلماء العارفين بمسائل القلوب، فهذا لن يتوفّر في الظاهر والمنطق والعقائد، فالجهل بالعلوم الوجدانية استخفافًا بقدرها = ضياع للثروة العلمية الحقيقية، وضياع للعلم الحقيقي.
وحتى عندما أمسك الصوفيون بتلك العلوم زادوا عليها بعض الفلسفة والمناقشات التي أخرجت هذه العلوم من مكانها الصحيح، فانتشر الجهل والضلال وأصبحت تلك العلوم يُنظر إليها بريبة وكأنها أبواب للانحراف والابتداع والضلال، وبهذا ضاع العلم!
أنت أيها المسلم الحنيف عليك دور عظيم مستقلّ يجب أن تقوم به أنت وحدك!
الخشوع أول ما يُرفع من العلوم.
جاء في جامع الترمذي، وصححه الألباني: عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ أنه قال له: إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ ‏بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ؟ الخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا.
وفي رواية مسند ‏أحمد، وصححها الأرناؤوط بإسناد قوي من طريق جبير بن نفير عن شداد بن أوس أنه سأله: هَلْ تَدْرِي مَا رَفْعُ ‏الْعِلْمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي، قَالَ: ذَهَابُ أَوْعِيَتِهِ.
يقول الإمام الطحاوي في مشكل الآثار فقال: "وَالْخُشُوعُ الَّذِي أَرَادَ شَدَّادٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاللهُ أَعْلَمُ ـ هُوَ ‏الْإِخْبَاتُ وَالتَّوَاضُعُ وَالتَّذَلُّلُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
اليوم تستطيع أن تقرأ العديد من الكتب حول الصلاة وهي جميعها تتحدث عن أهمية الخشوع في الصلاة، لكن لا يوجد الكثير أو لا يوجد شيء حول كيفية الخشوع! .. معظمنا لا يستطيع أن يصل لحالة الخشوع الصحيحية، وحتى في صلاة الجماعة، قد يكون هذا الأصل غائبًا على الإمام نفسه! .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولو فكّرت قليلًا لأدركت أن معظم صلاتنا هي صلاة بلا خشوع، صلاة غير عاقلة، فما أن نبدأ في الصلاة حتى تبدأ الأفكار اليومية في مهاجمة تفكيرنا ومهما حاولنا التخلص منها نجد صعوبة في ذلك.
وإذا ركنّا إلى المنطق فسنقول بأن الجمهور على أن الخشوع سنة وليس واجبًا لصحة الصلاة! فالصلاة صحيحة بأركانها الظاهرة، وبهذا نضيع معنى الصلاة العميق، ولو تأمّلنا لوجدنا الأمر كذلك في بقية الأمور.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

يقول الله تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ).
يقول سبحانه: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِى بِهِنَّ بِالْجَمَاعَةِ وَالسَّمْعِ وَالطَاعَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَاءِ جَهَنَّمَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَإِنْ صَلَّى؟ قَالَ: «وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ، فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».
قال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ).
فاسم المؤمنين والمسلمين وعباد الله تعود على جماعة المسلمين عمومًا، ولو تدبّرنا لوجدنا أنه قال: "ويتبع غير سبيل المؤمنين" ولم يقل: "ويتبع غير المؤمنين".
يقول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا).
ويقول سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
فعلينا أن نعود إلى هذا الأصل، الملة الحنيفية، "الإسلام" مصطلح له أصول واضحة، وملامح دقيقة، كالطاعة، التوكّل، الإنابة، الولاء والبراء، والتحاكم إلى ما أنزل الله .. تُغنينا عن اتّخاذ مسميّات أخرى ما أنزل الله بها من سُلطان.
يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمها لله: "وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها لما لم يؤمر الله به ولا رسوله مثل أن يقال للرجل: أنت شكيلي أو قرفندي! فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأمة، لا شكيلي ولا قرفندي. والواجب على المسلم إذا سئل عن ذلك أن يقول: لا أنا شكيلي ولا قرفندي، بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله. والله تعالى قد سمّانا في القرآن المسلمين المؤمنين عباد الله، فلا نعدل عن الأسماء التي سمانا الله بها إلى أسماء أحدثها قوم وسمّوها هم وآباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان، بل حتى الأسماء التي قد يسوغ التسمي بها مثل انتساب الناس إلى إمام كالحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، أو مثل الانتساب إلى القبائل كالقيسي واليماني وإلى الأمصار كالشامي والعراقي والمصري، فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها، بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان". انتهى كلامه.
وهذا يُطبق على المسميات المنتشرة في زماننا هذا، وعلى ما نراه اليوم من أسماء يمتحن البعض الناس عليها ..
هل أنت سلفي أم إخواني؟ .. قطبي أم سروري؟ .. سلفي جهادي أم سلفي علمي؟ .. أشعري أم أثري أم ماتريدي؟ .. أزهري أم ديوبندي؟ .. قاعدي أم حمساوي؟ .. صوفي .. أم شيعي .. أم إباضي .. أم جامي .. أم حزبي .. أم تكفيري .. أم تحريري ... الخ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
عندما يغيب إدراكنا عن هذا المبدأ -ولو لفترة ضئيلة جدًّا- يحصل العكس! .. فنجد الحسد، التباغض، سوء الخلق، الظلم، الكبر والاحتقار، وغيرها من الأمور المعارضة لمعنى ((التقوى)).
عَنِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا. أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَىْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ».
وعَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ».
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

للأسف الكثير منّا اليوم يعمد إلى أحدهم ويُخرجه من جماعة المسلمين تمامًا، من غير النظر في الأصول القطعية والتثبّت من توفّر الشروط فيه، وانتفاء الموانع عنه (ومن العوارض: الجهل -ما لم يتصدّر-، التأويل -إن كان مُعتبرًا وله أصل من مجموع مناهج العلماء-، الإكراه -وفرّقوا فيه بين المُلجئ وغير الملجئ-).
لذلك فالتكفير منزلق خطير تحاشى عنه كبار الأئمة من أهل العلم والفقه، لأنه يحتاج لإنصاف بالإضافة إلى أنه يتطلب بحثًا ومعرفة عميقة، شاملة ومحيطة، وهو يسعى لتقديم إحسان الظن ابتداءًا.
يقول تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا).
وفي حديث: أَبُو ظِبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيَّ، وَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: فَقَالَ: " أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟" قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
وقد جاء بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في وصف الخوارج: "قَالَ إِنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ".
وفي رواية للبخاري أنه قال: "أخوف ما أخاف على أمتي رجل متأوّلٌ للقرآن يضعه في غير موضعه".
وفي حديث عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِمَّا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ عَلَيْهِ بَهْجَتُهُ وَكَانَ رِدْءًا لِلإِسْلامِ غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، انْسَلَخَ مِنْهُ, وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ, وَخَرَجَ عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ الْمَرْمِيُّ أَوِ الرَّامِي؟ قَالَ: (لا, بَلِ الرَّامِي).
يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "باب التكفير باب خطير أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلِموا".
ويقول الإمام مالك رحمه الله: "من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجهاً ويحتمل الإيمان من وجه نحمل أمره على الإيمان".
يقول الحق سبحانه: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ).
وهُنا نحتاج للتذكير بما أسلفناه، من التحاكم إلى قواطع الوحي واستيعاب كافة مناهج العلماء المعتبرة والتي لها وجه محتمل، ولو كنّا نخالفها!
يقول شيخنا الألباني رحمه الله: "نحن نقول دائمًا وأبدًا لا يجوز في شرع الله تبارك وتعالى تكفير طائفة أو جماعة من المسلمين بالجملة، لا يجوز هذا".
والكلام في هذا المبدأ يطول، ويطول كثيرًا، لأن فيه تفريعات قد تحتاج لموضوع آخر مستقلّ! ولكن اكتفي بهذا القدر الآن.
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

بل حتى في الجانب الفقهي ندعوا إلى فقه الخلاف وقليل منّا من يقوم بتطبيقه على الواقع الحقيقي! .. وفي الحقيقة هذا ما يُسبب انتشار ظاهرة الجمود في العقل الفقهي.
وقد كانت لي كتابة في هذا الشأن -أعني فقه الخلاف عمومًا- من حوالي عام تقريبًا ..
...
-إنَّ العلم والأخلاق في التُراثِ الفقهيّ دليلٌ على صِلَة الفقه الإسلاميّ بالخُلق والأدب..
"تلك نماذج من الاختلافات بين الشيخين، اختلفت الآراء وما اختلفت القلوب؛ لأن نياطها شدت بأسباب السماء، فما عاد لتُراب الأرض عليها سُلطان" - أدب الاختلاف في الإسلام/ د. طه جابر العلواني: ص(63).
...
لقد طغت الماديّة والفِكر المُصاحب لها على دنيا الناس، حتى أصبحنا نسمع عن الفصل بين العلم والأخلاق في بلاد الإسلام، كما فُصِلَ بين علم الفقه وبين علم الأخلاق في مجال الدراسة، باعتبار الأول ينظم العلاقة بين الأفراد والمعاملات في الدنيا، واتجاه الثاني إلى أمور النفس والقلب وتزكيتها وإصلاحها، ورحم الله الإمام ابن جزي عندما وصل بينهما في كتابه "القوانين".
في كُتب تراثنا آدابٌ للتلقي، وآداب لإلقاء السؤال، وآداب للمُخالفة، وآداب للمُفتي، وأُخرى للمُستفتي.. لم يكونوا يفصِلُونَ بين العلم والأدب -انظر في ذلك مثلًا: مقدّمات الشاطبي في الموافقات، وأدب المُفتي لابن الصلاح، وصفة الفتوى لابن حمدان الحنبلي، وغيرها كثير-، وقد ألَّفَ حافظ المغرب الإمام أبو عمر يوسف بن عبدالبر القرطبي (463 هـ) -رحمه الله- كِتابًا في هذا المعنى سمَّاهُ: "جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله"، ويظهر من قراءة سبب تأليفه ما يُومئ إلى الحال التي أشرنا إليه آنفًا.
إنَّ من أجلة مظاهر عدم التحلِّي بأدب الخلاف: التعصّب المقيت للرأي، وما يُصاحب ذلك من طعن وتجريح في المُخالف، ورُبما الافتراء عليه ونسبته إلى الجهل.
ومن مظاهره أيضًا غمط الناس فضلهم، وعدم السماح لهذا الفضل أن يذيع وينتشر حُبًّا في الانتصار والشُهرة، تعلق ذلك بالشخص، أو الجماعة، أو الحِزب.
ومن مظاهره أيضًا أن ينتصب الإنسان مُخالفًا، لا يدعوه لذلك البحث عن الحق والإخلاص لدين الله ولكلمته أن تعلو.
ومن مظاهره أن تنحصر المودّة والأخوة وما تعلّق بها من حقوق الموالاة والمُناصرة في الشخص أو الفريق الموافق في الرأي، أما من خالف ورأى غير الذي تراه فهو بمنأى عن ذلك.
ومن مظاهره أن يمنع الزواج بين المتخالفين بحُجّة التماسك الفكري للأسرة، وتقليل الخلافات في ذلك، والتعاون على خدمة الرأي والفكرة.
ومن مظاهره أن تقسم المساجد والأحياء والنوادي لكلٍّ من ذلك نصيب، ولسنا ندري ما الذي سيحدث في الأعصار التي بعدنا!
عندما أُرسل مالك -رحمه الله- ليتعلّم أوَل مرة قالت له أمه: "اذهب إلى ربيعة فخُذ منه أدبه قبل علمه"، وحفظ التلميذ النجيب الوصيّة، وطبَّقها لما صار أستاذًا يجلس إليه الطلبة، فوصف مجلسه بأنه مجلس وقار وسكينة كأن على رؤوسهم الطير، وكان يؤتَى بالسؤال فيُجيب عنه، فلا يراجع هيبة ولا يقال له: من أين؟ ولم قلت هذا؟ أو ما دليلك؟ بله أن يخطأ أو يرمى بالزيغ والانحراف؟! ولسنا نقول بعصمة أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه الأدب الجمّ الذي اختفت أنواره من مجالس الدرس اليوم!
كان علماء السلف -رحمهم الله- يقولون بلسان الحال قبل المقال: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، وشغل علماء الأصول أنفسهم بقضيّة طال حولها الخلاف: هل كل مجتهد مصيب؟ وخرجوا برأي أن الصواب واحد لا يتعدّد، ولكنَّا مُتعبِّدون بالاجتهاد من حيث هو اجتهاد، وأما نتائجه فعلمها عند الله، وإنما نعمل بما ترجَّح عندنا.
ومن القواعد المُسلَّمة في الفقه: أن لا إنكار فيما اختُلِفَ فيه، وإنما يُنكر المُجمع عليه، ولكن كثيرًا من الناس يغفلون عن هذا الأصل اليوم ويُريدون حمل الناس جميعًا على مذهبهم، فإن رأى منك خِلافًا لما يذهب، إليه تبرم وعبس وتولى كأن به شيئًا من المس.
روى أبو نُعيم الأصبهاني في الحلية -حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (6/ 356)- عن الإمام سُفيان الثوري -رحمه الله- وكان صاحب مذهب فقهي- قوله: "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلِفَ فيه، وأنت ترى غيره فلا تنهه". اهـ.
وروى الخطيب البغدادي -في الفقه والمتفقّه (2/ 135)- عنه قوله: "ما اختلف فيه الفقهاء فلا أنهى أحدًا من إخواني أن يأخذ منه". اهـ.
ونقل ابن مفلح -في الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 132)- عن الإمام أحمد قوله: "لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه، ولا يشدد عليهم". اهـ.
ويُقرّر الإمام النووي هذه الحقيقة، فيقول عند شرحه لحديث (من رأي منكم مُنكرًا فليُغيّره..): ".. ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أُجمع عليه الأئمة، وأما المُختلف فيه فلا إنكار فيه.." اهـ.
...
-إن نابتة في هذا الزمان أحدثت من سوء الأدب ما لم يكن في الأعصار الخالية..
ولولا المُبالغة لقلتُ: إنه قد استُحدِثّت أشياء كثيرة مما يُنافي الأدب والخُلق القويم بسبب مجرد الخلاف في الرأي.
إننا بتنا نسمع ونرى عيانًا من يتطاول على العلماء وروّاد الأمة في فكرها، والتعبير عن روحها وحضارتها، وينسبهم إلى الجهل والبدعة والضلال والفسق، وربما إلى الكفر أحيانًا؛ بل رأينا من يقف داعيًا متقربًا إلى الله ومحتسبًا في التحذير من التتلمذ أو القراءة لمن يُخالفه الرأي.

...
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

عند غياب هذا الوعي يظهر سوء الخلق وغيره من مفاسد وشرور النفس.
يقول ابن قدامة المقدسي -رحمه الله- في مختصر منهاج القاصدين: "اعلم أن الخلق صفة الأنبياء والصديقين، وأن الأخلاق السيئة سموم قاتلة، تنخرط بصاحبها في سلك الشيطان، وأمراض تفوت جاه الأبد، فينبغي أن نعرف العلل ثم التشمير في معالجتها".
وقد تعرّض رحمه الله لكثير من هذه الأمراض، منها أن سوء الخلق يسبب قسوة القلب.
يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].
وقد حذّر السلف من مجالسة سيئ الخُلق
قال الفضيل بن عياض: لا تخالط سيئ الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر.
وقال أيضًا: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابدٌ سيئ الخلق.
وقال الحسن: من ساء خلقه عذب نفسه.
وقال يحيى بن معاذ: سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنةٌ لا تضر معها كثرة السيئات.
قال الإمام الغزالي رحمه الله: "الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة".
وقال أيضًا: "الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس، إنها أمراض تفوت على صاحبها حياة الأبد".
وقال أيضًا: "إن حسن الخلق هو الإيمانُ، وسوء الخلق هو النفاق".
وسيئ الخلق مذكورٌ بالذكر القبيح، يمقته الله عز وجل، ويُبغضه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُبغضه الناس على اختلاف مشاربهم.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني في الآخرة أسْوَؤُكم أخلاقًا). [رواه أحمد وحسنه الألباني].
بل إن سيئ الخلق يجلب لنفسه الهم والغم والكدر، وضيق العيش، ويجلب لغيره الشقاء.
يقول سلمة بن دينار رحمه الله: "السيئُ الخلق أشقى الناس به نفسُهُ التي بين جنبيه، هي مِنه في بلاء، ثم زوجتُهُ، ثم ولدُهُ، حتى أنه ليدخل بيته، وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته، فينفرون منه فرَقًا منه، وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى إن قِطَّهُ ليفرُّ منه".
قال الشاعر:
إذا لم تتســع أخــلاق قـوم *** تضيق بهم فسيحاتُ البـــلاد
وقال غيره:
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ *** هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا *** كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا *** أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها *** فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي *** بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ *** عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ... الحديث). متّفق عليه.
وَعَنْهُ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا).
ومن علامات حُسن الخلق: احتمال الأذى -كما يقول ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين-.
عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيُّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ.
وكان إذا آذاه قومه قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
 
إنضم
30 سبتمبر 2012
المشاركات
685
التخصص
طالب جامعي
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
حنفي
رد: عندما يغيب الوعي النفسي! .. (منهج حياة)

قوة الوعي:
تأتي من التطبيق للثنائية الإدراكية، المنطق والإيمان.
لا أشك في أن هذا كان معروفًا عند المتقدمين، داخل أعماقهم، ولكن في هذا العصر المتأخر، لم يعُدّ هذا مدوّنًا ومكتوبًا، فلم يكن معلومًا! وهذا كل ما لدينا في هذا العصر المتأخر، المنطق، والتشبّث بالنقل الذي وصلنا فقط.
إن الحقيقة عندما تكون متأتّية من نفسك فإنها تكون ذات مصداقية عالية، ولا يعدها أي شيء آخر خارجي ولو كنت تثق به كثيرًا ..
والعديد منّا سيُفاجأ في مواقف معينة ويجد نفسه تنهار أو تضعف بشدة وتتزلزل معه معتقداته عند وقوع مصيبة كمناقشة أحد المتكلّمين، وهذا أمر نراه في حياتنا اليومية، ويُلقي باللوم على أشخاص بعينهم بعدم الإنصاف أو إساءة الظن وما شابه من الحديث الذي ينمّ عن ضعف الموقف الإيماني، وحالة الصدمة هذه ناتجة في الأساس عن ضعف في معرفة الذات، لولم لم يعرف ذاته وحقيقتها كيف سيبقى متماسكًا عبر الزمن! ..
إن ضعف الأساليب الخارجية نابع في الأساس عن ضعف الإدراك الذي يحاول زرع الأفكار في باطن النفس بشكل إجباري، وإذا لم تلقى الأفكار القبول من النفس فإنها تبقى هناك حتى تضعف قوة الإدراك أكثر وتنسى تلك الأفكار مع الزمن هناك داخل الأعماق، وتعود للخارج، ولذلك يفشل العديد من الأفراد في التغيّر والتخلّص من العادات القديمة أو الأفكار الخاطئة، فالتغيّر إن لم يكن نابعًا من قلبك فكل ما تفعله هو مجرد هدرٍ للوقت، فجعل الوعي أو الفطرة كشمس مضيئة في داخلك يضمن أن التغير الذي تحدثه في حياتك هو تغيير دائم ومستمر، غير متخبّط ولا متذبذب.
وجميع الرسل كانت لهم تلك الأوقات التي يخلون بأنفسهم ليحاولوا تأمل حقيقتها -عن طريق العبادة مثلًا-، فأصبحوا جميعًا سليمي الفطرة وعندها توجّهوا إلى شعوبهم ليساعدوهم في تحرير أنفسهم وليضعوا فطرتهم في مكانها الصحيح من الحياة.
أما اليوم؛ فالحكام ليسوا على أفضل حال، إن لم يكن بعضهم في أسوء حال! .. حتى وجدنا بريطانيا مؤخرًا -قبل عام 2011 تقريبًا، وعلى سبيل المثال- رفعت الدعم الحكومي لتخصصات العلوم الإنسانية كعلم النفس في الجامعات البريطانية وقللت من تمويل أبحاثها! .. لأنها لا تخدم الجانب الماديّ، أو لنكون أكثر إنصافًا ودقة: لأنها من الــ soft sciences .. وليست من الــ hard sciences التي تقوم على منهج علمي راسخ وموحد وتعتمد على الـ quantifiable empirical data وتخدم الجانب المادي.
فإذا علمت أن المؤسسات ترفع الدعم عن الجدار النفسي وترسخه على الجدار الجسدي والمادي؛ علمت لماذا أصبح حال الشعوب بهذا البؤس مع توفّر المادة الدنيوية!
معظم الناس لا يدركون حقيقة الفطرة التي أودعها الله في قلوبهم، لذلك فهم تعساء، ومهما حاولوا تغيير أنفسهم بدوافع خارجية فإن التغيير يكون مرتبط بمدى قوة تلك الدوافع، ثم ما يلبث أن يقل ويضمحل في النهاية.
أعتقد وبشكل متزايد أن بناء الذات بطريق فطرية أكثر كفاءة من العلوم الخارجية، فجزء كبير من فاعلية تلك العلوم يعتمد على مدى ثقتنا بها، أما المعرفة الفطرية فلا تعتمد على شيء من الخارج، لذلك ستكون ذات مفعول دائم ومحل ثقة.
في تلك المرحلة -فقط، وبعيدًا عن النقاشات المنطقية- سنتأكد من أن العلم الصحيح لا يتعارض مع الدين، لا نظرية التطوّر، ولا غيرها. وسنجد في النهاية أن المنطق لا يتعارض مع ذلك أيضًا.

حقول التفكير: إن القناعة بالوعي البشري وثنائية إدراك يجعلنا أكثر تفهّمًا لمسألة تنوّع الآراء والأفكار حول طبيعة المفاهيم بشكل عام، فنحن يجب أن ننظر إلى تلك الآراء والأفكار كصور عديدة لنفس الأصل، فالأمر أشبه بأن نطلب من عدد من الرسامين المبتدئين القيام برسم تفاحة، فسنحصل على الكثير من صور التفاح، ولا بد من أن توجد بين كل لوحة والأخرى بعض الفروق الشكلية حسب مهارة الرسّام أو خياله، وهذا هو الحال في العلوم، كل فرد يمكن أن يمتلك صورة مختلفة ومتميزة حول مختلف العلوم والحقائق، والصور التي نرسمها بتفكيرنا هي نماذج متعددة لنفس الأصل، قد يميل البعض إلى الفصيل والتوسّع، وقد يميل البعض إلى التبسيط، وكثيرًا ما كنّا نفكّر في مسألة ما ونظنّها للوهلة الأولى فكرة شخصية، لنجد أن آلا من الكتَّاب والمفكرين وحتى الأفراد قد سبقونا إليها ورسموها بألف شكل ولون!
على سبيل المثال، نجد الإمام ابن حجر الهيتمي يقول -كما في الفتاوى الفقهية الكبرى، الجزء الرابع، باب القضاء-: "اتَّبَعْنَا الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّا وَجَدْنَا قَوْلَهُ أَرْجَحَ، لَا أَنَّا قَلَّدْنَاهُ -أَيْ فِي كُلِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ- بَلْ وَافَقَ اجْتِهَادُنَا اجْتِهَادَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ".
فالتفكير بحدّ ذاته هو مجرّد رؤية نحو الحقيقة الكاملة، ودقّة تلك الرؤية يتعلق بدرجة الوعي أو الإدراك لحقيقة ما نراه، وإذا أردنا أن نبحث عن نماذج حول نظام الوعي سنجد عدد كبير منها ذات أسس علمية أو فلسفية أو روحية، وكل نموذج هو إثراء نحو الحقيقة الكاملة.

هذا، والله ولي التوفيق،،
 
أعلى