العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
أحيي الإخوة الفضلاء على مشاركاتهم القيمة الراقية في ملتقى الأقضية والأحكام التي حثتني على، تسجيل هذه المداخلة هنالك، و إفرادها في هذا الملتقى لأنه أليق بها. والرجاء إجراء رابط أو كلمات دلالية للإفادة من تلكم المداخلات والبناء عليها تجنبا للتكرار !

السببية فكرة واسعة لها عناصر أخرى، أكتفي بذكر نقطة محددة منها للوصول إلى نتيجة، تتعلق
بـ"ضابط أو معيار التفرقة بين المباشر والمتسبب"؛ لأهميتهـا.

لا يختلف الفقـه الإسلامي عن فقـه القانون المدني بالنسبة لغموض فكرة السببية، حيث حدّد رابطة الإفضاء؛ بأن تكون إمّا على سبيل المباشرة أو السببية، فلا ضمان في غيرهما.


إذ سجل البعض[1] بأن ضابط التمييز بين المباشرة والتسبب؛ الذي يستند إلى قوة رابطة السببية، يعترضه بعض الصعوبات.
فتحقق رابطة السببية بين الفعلِ-مباشرةً كان أو تسبباً- وبين الضررِ، تستوجب الضمان بالمساواة، فلكلٍّ من المباشر والمتسبب علاق
ـةٌ بالنتيجة الضارة.

ويُرجع الفقه الإسلامي التمييز بين المباشرة والتسبب من حيث شروط الضمان إلى أحد القواعد الأصولية التي تميز بين العلة والسبب، وتقضي بأن العلّة باعتبارها وصفاً مؤثراً بذاته في الحكم، متصلاً به، فلا تحتاج إلى أمرٍ زائدٍ يضاف إليها لثبوت الحكم، فيدور معها المعلول وجوداً وعدماً، أما السبب فهو طريق إلى الحكم بدون تأثير، إذ لا بد فيه أن يتوسط بينه وبين الحكم علة؛ لذلك لا يضاف إليه الحكم إلا بزيادة وصفٍ يجعله صالحاً للعلة أو في حكم العلة وهو التعدي.[2]

أما القول بأنه لكون رابطة الإفضاء أو السببية في حالة "المباشرة" تكون مباشرة؛ لعدم وجود ما يفصل بين فعل المباشر والضرر، فيجب الضمان مطلقاً، ولكونها في حالة التسبب غير مباشرة؛ لوجود فاصل بين الفعل والضرر، فلا يقوم الضمان إلا بشروط أخرى؛ هذا القول بعيدٌ عن الصحة، و لا مستند له، بل مخالف لقواعد ومنطق الضمان، فالفاصل بين فعل المتسبب والضرر، إما أن يترتب عليه هدم رابطة السببية بين الفعل والضرر، وهنا لن تقوم المسؤولية مطلقاً، وإما أن لا يترتب على هذا الفاصل أي أثرٍ من حيث إسناد الضرر إلى المتسبب، وفي هذه الحال يكون وضعُه وضعَ المباشر، ولا تكون هناك حاجةٌ لاشتراط أمرٍ آخر.

وإن عدم دقة التمييز يفضي إلى نتائج غريبة ومتناقضة، وهذا ما نلمحه في اضطراب تكييفات الفقهاء في النوازل والمسائل.[3]
تعليـق:
هذا الرأي له وجاهته وحظه من النظر الشرعي، فاشتراط التعدي في التسبب ذريعةٌ إلى ضياع حقوق الناس، وقواعد الشرع -فيما نعلم- قاضيةٌ بضمان ما يُصيب الغيرَ من ضررٍ مطلقاً؛ سواء كانت عن محض تسببٍ ليس فيه معنى التعدي، أو تسبباً ينطوي على معنى التعدي.

وبناءً عليه، يمكن القول بأن من سقط في حفرةٍ حفرها شخصٌ ما في ملكه، فلا ضمان على الحافر؛ ليس بسبب أنه غير متعدي، ولكن لأن الساقط مباشرٌ. فإن غطّى الحافرُ الحفرةَ؛ بحيث لم يرها الساقط، أو حفرها في الطريق العام، يكون ضامناً؛ لأنه متسببٌ، حتى لو لم يقصد من وراء ذلك الأذى بغيره. وبهذا نقترب من المسؤولية الموضوعية التي عُرِف بها الفقه لإسلامي، ونبتعد عن المسؤولية الشخصية أو الخطئية؛ التي عرف بها الفقه القانوني قبل أن يتجه- في عدة محاولات؛ مثل التأمينات الإجبارية- صوبَ المسؤولية الموضوعية أو الشيئية.


[1] انظر: د.عادل جبري حبيب، المفهوم القانوني لرابطة السببية وانعكاساته في توزيع عبء المسؤولية المدنية- دراسة مقارنة بأحكام الفقه الإسلامي، ص 237.
[2]: راجع: د.محمد صلاح الدين حلمي، أساس المسؤولية التقصيرية في الشريعة الإسلامية والقانون المدني ص246، و د. إبراهيم أبو الليل، المسؤولية المدنية بين التقييد والإطلاق، دراسة تحليلية للأنظمة القانونية المعاصرة، اللاتينية-الإسلامية- الأنجلو أمريكية مع طرح فكرة التعدي كأساس للمسؤولية المدنية، ص228.
[3]: ذكر البعض أن التشريعات الحديثة تنبذ هذه التفرقة، ومن أخذ بها مثل التشريعين العراقي أو الكويتي جعلها في حدود ضيقة.

 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

موضوع السببية أو الإفضاء باعتباره أحد أركان التبعة أو المسؤولية على اختلاف أنواعها
له تشعبات وذيول ومظاهر كثيرة على قدر كبير من الأهمية
حيث يتداخل فيه الطرح القانوني مع الطرح الفلسفي

 
إنضم
2 مايو 2014
المشاركات
14
الكنية
أبو رهف
التخصص
شريعة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
رد: غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

الدكتور محمدموسى -رحمه الله- عالج هذه المسألة في كتابه المدخل إلى الفقه الإسلامي، ويتميزطرح الدكتورعن غيره كونه جمع بين علمي الفلسفة والقانون والفقه
 
إنضم
18 أبريل 2017
المشاركات
36
الكنية
مصعب
التخصص
فقه مالكي واصوله
المدينة
وادي ارهيو غليزان
المذهب الفقهي
مالكي
رد: غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

فليس هو غموض الى درجة يترتب عنها تداخل لا يمكن الفصل فيه بين المسؤول عن الضرر، بل هو نسبي في نظر من حاول المقارنة بين القانون و الفقه، وعليه فيمكن ايقاع الطلاق الثلاث بين المسألة المطروحة و الغموض المتخوف منه ، وذلك بالنظر لمآل الفعل المترتب سواء من المتسبب او المباشر، بمعنى عدم التشبث بالمسألة من الجهة النظرية بل الانتقال مباشرة للفعل الضار الناتج عن التعدي سواء بالمباشرة او التسبب، وبذلك يمكن كسر ذلك التقوقع الناتج عن الصراع من خلال المقارنة بين الفقه والقانون.
 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

الغموض لا يكتنف الشريعة الغراء وإنما يعتري الفقهاء قديمهم وحديثهم.
لقد أبدع الفاروق عمر رضي الله عنه حينما حكم بقتل الجماعة بالواحد عند اشتراكهم في القتل وفق نظرةمقاصدية محكمة وهذا إعمال لنظرية تكافؤ الأسباب في الفقه القانون المدني الحديث. وعند غيره يسقط القصاص ويصار إلى الدية؛ لأنهم يعملون بنظرية السبب المنتج أو الفعال.
وبناء على النظرية الأخيرة تثار عدة تساؤلات في حالات يكون التسبب أقوى من المباشرة أو يوجد عدة أسباب متصلة لكن لا يعلم أيها أفضى إلى النتيجة. بل لقد ذهب البعض اعتمادا على ما ورد في مجلة الأحكام العدلية إلى اشتراط العمد فضلا عن التعدي أو الخطأ.
ولا شك أن الأدنى للصواب حسب كثير من العلماء والباحثين المعاصرين هو القول بتضمين من تسبب بأي صورة كانت متى ما وجد الضرر ولا نحتاج إلى إثبات التعدي بل هو مفترض كي لا تضيع حقوق الناس من دماء وأموال معصومة. لا بأس بعد ذلك إذا بحثنا في نسبة مساهمة كل شريك في الضمان.
وفقنا الله وإياكم لمعرفة دينه. وعذرا لعدم استخدام كل علامات الترقيم من فواصل ونحوها لكتابة المداخلة من الجهاز المحمول.
 
التعديل الأخير:
إنضم
2 مايو 2014
المشاركات
14
الكنية
أبو رهف
التخصص
شريعة
المدينة
الرياض
المذهب الفقهي
المذهب الحنبلي
رد: غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

إشكالية السببيه في الفقه أنه تداخلت مع علم الكلام في نفس الموضوع ، ولا يخفى تأثر مناهج الفقهاء بعلم الكلام بواسطة أصول الفقه وهو ما أشار إليه د. محمد يوسف موسى
 
إنضم
21 ديسمبر 2010
المشاركات
396
الإقامة
وهران- الجزائر
الجنس
ذكر
التخصص
الشريعة والقانون
الدولة
الجزائر
المدينة
سعيدة
المذهب الفقهي
مالكي
رد: غموض فكرة السببية في الفقه الإسلامي

حتى لو لم ترتبط مناهج الفقهاء بعلم الكلام ما كان الخلاف ليرتفع.
وقد وقع الخلاف في ذلك بين الصحابة رضي الله عنهم في مسائل عديدة منها القول بتضمين الخليفة عمر وعدمه بخصوص المرأة التي أجهضت بعد استدعائها هل يسند إليه الضرر في الظاهر مع انقطاع رابطة الإفضاء وبذلك يكون الضمان من بيت المال؛ لأن القيام بالواجب لا يتقيد بالسلامةاو يناط به الضرر؛ لأنه تم بسببه لما عرف عنه من شدة. وبالتالي يكون الضمان من ماله الخاص. وكان هذا قول علي فمال عمر إلى رأيه رضي الله عنهم وأرضاهم.
 
التعديل الأخير:
أعلى