رد: فليدركني أحدكم!
رفع الله أقداركم جميعا لكن يسر الله لي مقابلة أستاذ من أساتذتي وعاجلته بالسؤال فأجاب بأن الفرق منهجي لا عملي - إجمالا - وهو أن من كيف المعاملة بالبيع هم الجمهور الذين يرون الحقوق أموالا، والذين كيفوها بأنها تنازل بعوض هم الحنفية ومن تابعهم من المعاصرين الذين لا يعدون الحقوق أموالا، فلا يصح إجراء عقد البيع عليها، غير أن التنازل لا يتوقف عليه قبول الآخر ويُردُّ بالرد، فسألته أن الأمر في زماننا أعقد، فالمعاملة أصبحت عقدا ، فأجاب بأن الأمر كذلك، ولذا فلم يعد هناك كبير تفرقة.
وهذا منزع الخلاف لا غير.
ولكن يبقى الإشكال قائما لأن الحنابلة كذلك يمنعون البيع ويجيزون التنازل بعوض, وهم ليس كالحنفية في مسألة مالية المنافع والحقوق, لأنهم يعدون الحقوق أموالا
وإليكم مسألة من الفقه الحنبلي فيها يحرمون البيع ويجيزون التنازل بعوض:
بناء على قاعدة فقهية مشهورة عند الفقهاء وقد ذكرها ابن القيم في
بدائع الفوائد (1/ 3) فقال: "تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع شيء آخر فالأول يملك به الانتفاع والمعاوضة والثاني يملك به الانتفاع دون المعاوضة"
فإنه لا يجوز المعاوضة على حق الانتفاع
ومن أمثلة ذلك أن من سبق إلى مكان في المسجد فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة فلا يجوز له المعاوضة
ونجد الحنابلة يمنعون البيع ويجيزون التنازل بعوض فما هو رأي الإخوة الفضلاء في توجيه كلامهم.
جاء في شرح منتهى الإرادات للبهوتي (2/ 368): "(أو آثر شخصا بمكانه في الجمعة) ، فالمؤثَر بفتح المثلثة أحق به (وليس له) أي: لمن قلنا إنه أحق بشيء من ذلك السابق (بيعه) ; لأنه لم يملكه كحق الشفعة قبل الأخذ، وكمن سبق إلى مباح
لكن النزول عنه بعوض لا على وجه البيع جائز كما ذكره ابن نصر الله قياسا على الخلع"
وجاء في حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات (3/ 281): "قوله: (وليس له) أي: لمن قلنا: إنه أحق بشيء مما سبق. قوله: (بيعه) أي: لعدم الملك. قال منصور البهوتي: ولعل هذا لا ينافي ما ذكره ابن نصر الله؛
لأن العوض ليس خاصاً في البيع"
قال الذكتور
عبدالرحمن بن عبدالله السند في بحثه: الضوابط الشرعية في المعاوضة على الحقوق والالتزامات وتطبيقاتها المعاصرة: "قد يقال: لا يظهر فرقٌ ظاهر،
من حيث النتيجة، بين (بيع الحق) و (التنازل عن الحق بعوض).
وقد وقفت على ما قد يؤيد هذا من كلام الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، فقد ذكر في الشرح الممتع (8/458) في آخر باب الربا والصرف، مسألة بيع الأخوات الذهب بينهن، وقرر أنه ربا، إذا كان بين الذهب تفاضل، ثم أورد اعتراض وأجاب عنه، فقال: (فإن قالوا: تنازل، قلنا: التنازل لا يجوز إذا أدى إلى فعل محرم، وهذا يؤدي إلى فعل محرم، وإذا كانت تريد أن تتنازل عن الحلي لأختها مجاناً لا مانع، لكن بعوض والتفاضل بينهما ممنوع، ولا ينفع كلمة (تنازل)؛ فالحقائق إذا سميت بغير اسمها لا تتغير).
أسوق هذا بحثاً وتنظيراً، ولم أجرؤ على الانفصال عنه برأي، منح الله الجميع الفقه في الدين"