العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

قصص الملائكة

إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلمَ تسليما كثيرا.


do.php
غلاف قصص الملائكة.jpeg


أما بعد
فقد كان من خبر هذا الكتاب أنني حين شرعت في الطلب قديما كنت أقرأ مع بعض الإخوان كتاب الإيمان لمحمد نعيم ياسين فلما وصلنا إلى مبحث الإيمان بالملائكة ذكر أنه يجب الإيمان بالملائكة الذين وردت أسماؤهم في الكتاب أو السنة بالتفصيل.
فكان قوله: "يجب ... بالتفصيل" شديد الوقع على نفسي وسألت كيف السبيل إلى ذلك؟ أعني إلى معرفة كل الملائكة الذين ذكروا في الكتاب والسنة بالتفصيل،
فكانت كل الأجوبة لا تشفي غليلي.
فسألت هل يوجد كتاب جامع في هذا الأمر؟ أعني كتاب أُفْرِدَ للحديث عن الملائكة تفصيلا،
فكان الجواب: لا يوجد،
وكم تمنيت أن لو وُجِدَ مثل هذا الكتاب لِيَتِمَّ إيماننا بهذا الركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالملائكة على وجهه.
ثم مضى نحو عقد من الزمان وإذا بأخي محمد يرغب إليَّ أن أضع كتابا عن الملائكة فأثار ما كان في نفسي قديما،
وقلت في نفسي: إنها أمنية قديمة ولكني لست أهلا لها،
ثم بعد أيام أعاد طلبه هذا،
وظل مدة من الزمان يسألني ذلك
وقال: إن التأليف الآن قد كثر جدا فإن لم تبدأ في صنع هذا الكتاب صنعه غيرُك،
فكنت أتمنى أن يصنعه غيري: لصعوبته، وعدم وجود تأليف سابق فيما كنت أظن، وقلة المراجع بين يدي، إلا إنني كنت أتمنى أن أصنعه أنا ولكنها كانت أمنية بعيدة إذ كنت أعلم أنني لست لها أهلا.
فلما زاد إلحاح أخي محمد على هذا الأمر وانشرح صدري له عزمت على البدء في جمع مادته ولكن لم يكن عندنا من الكتب ما يُمَكِّنُنا من ذلك،
فعزمتُ في صيف عام 1997م على البدء بما تيسر لدي فشرعت في قراءة صحيح البخاري وكان عندي الطبعة اليونينية غير كاملة، وبعض أجزاء من صحيح مسلم طبعة دار التحرير وعلى هامشها تعليقات مأخوذة من شرح الإمام النووي فبدأت باستخراج ما فيهما من الأحاديث عن الملائكة وفي أثناء ذلك إذا بأخي محمد يشتري سنن الدارمي فأخذته فقرأته كله واستخرجت ما فيه وهو قليل جدا، ثم جاءني بسنن الدارقطني فقرأتها كلها واستخرجت ما فيها،
ومشيت هكذا لا يقع تحت يدي كتاب إلا قرأته كله لاسيما إذا كان من كتب السنة
فقرأت صحيح سنن النسائي للإمام الألباني كله وبعض ضعيف النسائي
وسنن ابن ماجه تحقيق عبد الباقي قرأتها كلها أو بعضها لا أذكر الآن،
وأكثر سنن أبي داود
وبعض سنن الترمذي، والشمائل له
والزهد لابن المبارك
والزهد لأحمد
وتلبيس إبليس لابن الجوزي
والنهاية في الفتن والملاحم لابن كثير
والصحيح من التذكرة للقرطبي
وتنبيه الغافلين للسمرقندي
وكل ما وقع تحت يدي في هذا الوقت قرأته كله أو جله حتى اجتمعت لدي مادةٌ كثيرة عن الملائكة،
وفي أثناء ذلك جمعت كل أو أكثر الآيات التي تتحدث عن الملائكة
ثم وقفت وقفة هامة لتنظيم هذه المادة وترتيبها
فلما قمت بذلك وجدت أن ما اجتمع لدي عن ميكائيل يمكن تنظيمه بحيث يكون موضوعا كاملا فكتبت قصة ميكائيل كلها كما ستراها هنا إن شاء الله تعالى،
ثم سِرْتُ في باقي القصص على نهجها مِنْ ذكر الاسم والعمل المكلف به وأعوانه ...الخ
وقد استغرقتْ كتابةُ مسودةِ الكتاب نحو سنتين ونصف،
كنت في أكثرها بعيدا عن كتبي إذ كنت ما زلت طالبا في الجامعة وأسكن في المدينة الجامعية وأعود للبيت كل خميس وجمعة ففيهما كنت أنتهز الفرصة للكتابة
ولما انتهيت من مسودته في شتاء سنة 2000م لم أكن خَرَّجْتُ أحاديثه بل نقلت أحكام العلماء التي قابلتني فقط كأحكام ابن كثير وابن الجوزي وغيرهما، وذلك لعدم وجود الكتب بين يدي،
فلما يَسَّر الله تعالى لي الحصول على بعض كتب التراجم كالتقريب والتهذيب لابن حجر والجرح والتعديل وسؤالات الحاكم وغيرها شرعت في تخريج كل أحاديثه مرة أخرى معتمدا على ما وقفت عليه من أسانيد إذ لم تكن الشاملة قد ظهرت بل لم يكن عندي حاسوبا
وكان هذا من أفضل ما استفدته إذ لم أكن أعتمد على سرعة استخراج طرق الحديث بضغطة زر
بل كان بمراجعة كثيرة مني والبحث بنفسي عن مواطن الحديث وفي الأماكن التي يمكن أن يوجد فيها كأن يكون مثلا في كتاب الرقائق أو التفسير ونحو ذلك
فربما قرأت الباب كله إن لم أكن قرأته قبل ذلك وربما أعدت قراءته أكثر من مرة،
وكنت أنظر في تخريجات المحققين ولا أعتمد عليها إذ كانوا –أحيانا- يخطئون في الإحالة فكنت أرجع إلى كل الأماكن التي يحيلون عليها للاطمئنان بنفسي على صحة هذه الإحالات،
وكان أمرًا شاقًّا جدا، ولكن ما أكثر ما أفدت من ذلك ولله الحمد.
ثم لما انتهيت من ذلك أخذني أحد الأصدقاء –جزاه الله خيرا- إلى فضيلة الشيخ مصطفى العدوي لينظر في الكتاب وكان ذلك في عام 2004م ولكن لم يتيسر ذلك ولكن قابلت بعض تلامذة الشيخ فراجع معي كثيرا من أحاديثه وناقشني مناقشات جادة نافعة جزاه الله خيرا ونصحني نصائح أفدت منها كثيرا ومنها أن أحذف الضعيف فحذفت أكثره فكان نحو ثلث الكتاب حتى هممت بأن أصنع ضعيف قصص الملائكة.
ثم عرضه أخي محمد على بعض دور النشر فأراد أحدهم شراءَه بثمن بخس دراهم معدودة تقل عن ثمن مسند الإمام أحمد طبعة شاكر! وعجبا والله لهؤلاء الناشرين!
ولكني ولله الحمد لم أكن فيه من الزاهدين
فأخذته واحتفظت به سنوات كثيرة ثم عرضته مرة أخرى بعد نحو عشر سنوات على بعض دور النشر في السعودية فوافقت إحدى الدور على نشره وطلبوا مني أن أعمل له (فَسْح إعلام = تصريح نشر) فكلفني ما كلفني حتى إذا انتهيت منه، إذا بهم يقولون: إن الدار لن تستطيع نشره الآن!!
وهكذا ظل حبيس المكتب حتى وجدت هذه الدار التي تولت طباعته...
فأرسلت لصاحبها الكتاب فأخذه،
وثمنَ طباعته فأكله،
فلا تسل عما وراء ذلك،
وإنما أقول ذلك مصرحا به تبرئة للذمة لئلا ينخدع بهذه الدار أحد، لا رغبة في غيبة أحد،
ويكفي أن تعلم أن صاحب هذه الدار بعد أن أخذ الكتاب وثمنه ماطلني كثيرا في مجرد الرد على الجوال؛ إذ لم يكن هناك وسيلة للاتصال بيننا إلا الجوال، وأنا في بلد وهو في بلدة أخرى، لكنه لما علم أني أعمل طبيبا في السعودية كانت هاتان الخصلتان (طبيب + في السعودية) كافيتين عنده لأن يأخذ الكتاب لنفسه! إذ هو خالٍ عنهما؛ فليس طبيبا كما أنه لا يعمل في السعودية. وبناء على ذلك فهو أولى بهذا الكتاب مني،
فكان أن قام بإغلاق هاتفه عني إذ كان يعلم أني لا أستطيع الوصول إليه إلا من خلاله،
ثم لم يكتف بذلك بل قام بعمل (حظر) لرقمي فلا يصل إليه،

ثم في مثل هذه الأيام من العام الماضي وصلت إليه في الإجازة وذهبت إليه حيث هو ووقعت معه عقدا (على ورق فقط طبعا)
فلما عرف أنني سافرت (رجعت ريمة لعادتها القديمة)،
وتبرئة للذمة أيضا أقول إنني تحصلت منه على نحو خمسين نسخة من الكتاب وكان الاتفاق أن يرسلها لي في السعودية وقد أعطيته ثمنها بل أكثر من ثمنها زيادة على ثمن الكتاب، ولكن ...
ولأن جميع الحقوق محفوظة للمؤلف! كما كتب هو على غلاف الكتاب الداخلي،
وأيضا فقد مضى على طبع الكتاب نحو سنتين إلا قليلا، فقد استخرت الله تعالى في كتابته في المنتديات رغبة فيما عنده من ثواب وطمعا أن يغفر لي ما خالط عملي هذا من قلة الإخلاص أو عدمه، وما شَابَهُ من سوء القصد والعمل،
وأسأله سبحانه أن يغفر لي وللمسلمين ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما هو –سبحانه- أعلم به منا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وألا يتوفنا جميعا إلا وهو راض عنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه
هذا وأُذَكِّرُ إخواني بأن هذا أول عمل حديثي لي وبعض الأحكام الموجودة فيه لا أرضاها الآن ولكن ليس لدي الوقت الكافي لمراجعتها فأنا أكتب الكتاب كما طُبِعَ وكما كتبته قديما فما كان فيه من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
التعديل الأخير:
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[باب]
[ذكر قصة منكر ونكير عليهما السلام]
اسمهما:
الموكل بسؤال القبر من الملائكة ملكان اسم أحدهما: "المُنْكَر"، واسم الآخر "النكير".

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ
فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا
ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ
ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ
فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ
فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ

وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لَا أَدْرِي
فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ

فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ الْتَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ؛ فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ
."

ويطلق عليهما أيضا فتانا القبر:
فعَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ."

وفى لفظ عند الترمذى : مَرَّ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ وَقَدْ شَقَّ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ
قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ يَا ابْنَ السِّمْطِ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: بَلَى
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ وَرُبَّمَا قَالَ: خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ."

وفى لفظ عند أحمد: "وَوُقِيَ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ."

سبب تسميتهما بذلك:
قال الإمام القرطبى: إنما سميا فَتَّانَي القبر لأن فى سؤالهما انتهارا وفى خلقهما صعوبة
ألا ترى أنهما سميا منكرا ونكيرا
فإنما سميا بذلك لأن خَلْقَهما لا يشبه خلق الآدميين ولا خلق الملائكة ولا خلق الطير ولا خلق البهائم ولا خلق الهوام،
بل هما خلق بديع وليس فى خلقتهما أُنس للناظرين إليهما،
جعلهما الله تكرمة للمؤمن يثبته وينصره وهتكا لستر المنافق فى البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب. قاله أبو عبد الله الترمذى.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
اعتراض وجوابه:​

ذهب جمهور المعتزلة إلى أنه لا يجوز تسمية ملائكة الله – عز وجل – بمنكر ونكير.
قالوا: إن "المنكر" ليس اسما ولا وصفا للملَك وإنما هو ما يبدو من تلجلجه عند السؤال،
وإن معنى "النكير" هو تقريع الملكين للميت وانتهارهما له.

والجواب:​
أن هذا مخالف لما ثبت فى الأحاديث الصحيحة من تسميتهما بذلك.
قال الإمام ابن القيم: قال أحمد بن القاسم: قلت: يا أبا عبد الله (1) نُقِرُّ بمنكر ونكير وما يُروَى فى عذاب القبر؟
فقال: سبحان الله ! نعم نقر بذلك ونقوله.
قلت: هذه اللفظة: نقول: "منكر ونكير" أو نقول ملكين؟
قال: منكر ونكير.
قلت: يقولون: ليس فى الحديث منكر ونكير.
قال: هو هكذا – يعنى منكر ونكير. (2)

_______________________

(1) هو الإمام أحمد بن حنبل
(2) الروح لابن القيم: ص72.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]



[ذكر وصفهما وصفاتهما]



1- أسودان أزرقان كما تقدم فى الحديث: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ..."[1]

2- شديدا الانتهار كما فى حديث البراء بن عازب المشهور: "ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه و يجلسانه"[2]

3- أن فى خُلُقِهما صعوبة ولذلك سمى أحدهما المنكر والآخر النكير كما سبق.

4- أنهما يسألان كل من مات إلا المستثنى من عذاب القبر.

5- أنهما يعلمان جواب المسئول كما فى حديث أبى هريرة السابق: "فَيَقُولَانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا...
وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ.
"[3]

6- أن سؤالهما هذا فتنة للناس فى قبورهم ولذا سميا "فَتَانَا القبر"

7- أنهما يثيران الأرض بأنيابهما ويلحفان أو يلجفان[4] الأرض بشفاههما

8- أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف

9- معهما مرزبة لو اجتمع عليها مَنْ بين الخافقين لم يقلوها يشتعل منها القبر على الكافر والمنافق نارا

وقد وردت هذه الصفات فى بعض ألفاظ حديث البراء بن عازب.
قال الحافظ المنذرى فى"الترغيب والترهيب"[5] بعد أن ذكر حديث البراء بن عازب المشهور وتكلم على صحته: وقد رواه عيسى بن المسيب عن عدى بن ثابت عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه اسم الملكين فقال فى ذكر المؤمن: "فيرد إلى مضجعه فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويلجفان الأرض بشفاههما فيجلسانه ثم يقال له: يا هذا من ربك؟..." فذكره


وقال فى ذكر الكافر: "... فيأتيه منكر ونكير يثيران الأرض بأنيابهما ويلجفان الأرض بشفاههما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيجلسانه ثم يقال: ياهذا من ربك؟ فيقول: لا أدرى. فيُنادَى من جانب: لا دريتَ ويضربانه بمرزبة لو اجتمع عليها مَنْ بين الخافقين لم يقلوها ثم يشتعل منها قبره نارا..."[6]



والحاصل أنك أمام مخلوقين غريبين عجيبين من مخلوقات الله – عز وجل –
جعلهما الله فتنة للناس فى قبورهم
لا يشبهان فى خِلقتهما شيئا مما أَلِفَتْهُ النفوس من خلقة الإنس أو الطير أو الوحش
وإنما يأخذك الفزع ويتملكك الرعب إذا رأيتهما
فكيف وأنت وحيد فى قبرك وجاءك هذان الملكان الكريمان – عليهما السلام – فى هيئة منكرة:
- أسودان شديدا السواد
- أزرقان
- غزيرا الشعر
- أعينهما ينبعث منهما بريق يخطف الأبصار
- أنيابهما شديدة صلبة يثيران الأرض بها كما يثير المحراث الأرض
- ويغطيان الأرض ويحفرانها بشفاههما​
فإذا هَالَكَ ذلك إذا بك تجد معهما مرزبة من حديد لو اجتمع عليها من بين الخافقين لم يستطيعوا حملها
فإذا هالَكَ ذلك انتهراك بشدة وصعوبة وبصوت مرعب مخيف كأنه الرعد القاصف
وأنت مع هذا وحيد لا ناصر لك ولا معين ولا مغيث ولا ملجأ ولا مهرب، إلا أن يثبتك الله – عز وجل –
وعلى هذا فمهما كان معك من عقل فلن يسعفك ولن ينجيك إلا أن يثبتك الله – عز وجل -: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]


__________________________

[1] صحيح لغيره: تقدم قريبا

[2] صحيح: تقدم فى قصة ملك الموت

[3] صحيح لغيره: تقدم

[4] يلحفان الأرض بشفاههما أو يلجفانها: إن كان بالحاء المهملة ( يلحفان ) فالمعنى أنهما يغطيان الأرض بشفاههما ويثيرانها بأنيابهما كما يثير المحراثُ الأرض. أما إن كان بالجيم المعجمة ( يلجفان ) وهو الأقرب فمعناه يحفران الأرض بشفاههما ويحرثانها بأنيابهما.

[5] الترغيب والترهيب: 4 / 241 حديث رقم ( 5185)

[6] تقدم فى قصة ملك الموت
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]


[ذكر عمل منكر ونكير عليهما السلام]

فتنة الناس وسؤالهم فى قبورهم. وقد تقدم من الأحاديث ما يدل على ذلك.
وتبشير المؤمن بعد إجابته بأنه كان على اليقين ثم يريانه مقعده من الجنة وما أعده الله له فيه ومقعده من النار وما أذهبه الله عنه.
وأما الكافر أو المنافق فيُبَكِّتَانه وينتهرانه ويقولان له بعد الجواب: على الشك كنتَ وعليه مت وعليه تبعث ثم يريانه مقعده من الجنة وما صرفه الله عنه فيزداد حسرة، ومقعده من النار وما ينتظره منها.


فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ يَهُودِيَّةٌ فَاسْتَطْعَمَتْ عَلَى بَابِي
فَقَالَتْ: أَطْعِمُونِي أَعَاذَكُمْ اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ.
قَالَتْ: فَلَمْ أَزَلْ أَحْبِسُهَا حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تَقُولُ هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ؟
قَالَ: "وَمَا تَقُولُ؟"
قُلْتُ: تَقُولُ: أَعَاذَكُمْ اللَّهُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَمِنْ فِتْنَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا فِتْنَةُ الدَّجَّالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ وَسَأُحَذِّرُكُمُوهُ تَحْذِيرًا لَمْ يُحَذِّرْهُ نَبِيٌّ أُمَّتَهُ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ.
فَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي تُفْتَنُونَ وَعَنِّي تُسْأَلُونَ:
فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ[1] ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟
فَيَقُولُ فِي الْإِسْلَامِ
فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ؟[2]
فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَدَّقْنَاهُ
فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -
ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا وَيُقَالُ عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا فَيُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟
فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي
فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ؟
فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلًا فَقُلْتُ كَمَا قَالُوا
فَتُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ الْجَنَّةِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكَ
ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا كُنْتَ عَلَى الشَّكِّ وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُعَذَّبُ
."[3]



وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقَالَ: "مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ؟"
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ."
قَالُوا وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
فَإِنِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ
فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ
فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا
فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي
فَيُقَالُ لَهُ اسْكُنْ
وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي
فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ[4] وَلَا تَلَيْتَ[5]
فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ
فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ
."[6]



وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِنَازَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَإِذَا الْإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
فَيَقُولُ: صَدَقْتَ
ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ: اسْكُنْ.
وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ
وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا
فَيَقُولُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَلَا اهْتَدَيْتَ
ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا
وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ
ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ."


فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27][7]


_____________________________________

[1] قوله: "غير مشعوف": قال المنذرى ( الترغيب والترهيب: 4 / 237): هو بشين معجمة بعدها عين مهملة وآخره فاء. قال أهل اللغة: الشعف: هو الفزع حتى يذهب بالقلب.

[2] قوله: "ما هذا الرجل الذى كان فيكم" إنما يقولان ذلك من غير تفخيم ولا تعظيم ليتميز الصادق فى الإيمان من المرتاب فيجيب الأول كما فى الحديث ويقول الثانى: لا أدرى فيشقى شقاء الأبد.

[3] صحيح: رواه أحمد (25143)، وصححه المنذرى فى الترغيب والترهيب حديث رقم (5184)

[4] لا دريتَ: دعاء عليه، والمعنى: لا كنت داريا فلا توفق فى هذا الموقف ولا تنتفع بما كنت تسمع أو تقرأ.

[5] ولا تليت: أى قرأتَ، أصلها تلوت بالواو، أى لم تدر ولم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك. وقيل: تليتَ: أى تبعت من حَقَّق الأمر على وجهه.

[6] صحيح: رواه البخارى (1338، 1374) ومسلم (2870) وأبوداود (3231، 4751، 4752) وهو لفظه، والنسائى (2048 ،2049 ،2050 ) وأحمد (13447)

[7] صحيح لغيره: رواه أحمد (11000)
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

[وجوب الإيمان بسؤال القبر وعذابه ونعيمه]

الإيمان بفتنة القبر وسؤال الملكين واجب، والتصديق به لازم
فنؤمن بما جاءت به الأخبار وصحت بل وتواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك
وأن العبد:
- يحيا فى قبره،
- وترد إليه روحه
- ويرد إليه عقله كما كان فى الدنيا بكيفية يعلمها الله
- ويأتيه الملكان فيجلسانه ويسألانه
- ثم يُنَعَّم أو يعذب​
والله على كل شئ قدير.


قال الإمام ابن القيم: وقال حنبل: قلت لأبى عبد الله[1] فى عذاب القبر.
فقال: هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها كلها جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به،
إذا لم نقر بما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره. قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]
قلت له: وعذاب القبر حق؟
قال: حق، يعذبون فى القبور.
قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: نؤمن بعذاب القبر وبمنكر ونكير وأن العبد يسأل فى قبره فـ: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] فى القبر.


وقال أحمد بن القاسم: قلت: يا أبا عبد الله، نقر بمنكر ونكير وما يروى فى عذاب القبر؟
فقال: سبحان الله ! نعم نقر بذلك ونقوله.
قلت: هذه اللفظة نقول منكر ونكير.
قال: هو هكذا. يعنى: أنهما منكر ونكير ا.هـ[2]

وقال شارح الطحاوية: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وسؤال الملكين؛ فيجب اعتقادُ ثبوت ذلك والإيمان به ولا يُتَكَلَّمُ فى كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته بكونه لا عهد له به فى هذه الدار.[3]


____________________________________
[1] أبو عبد الله هو الإمام أحمد بن حنبل

[2] الروح لابن القيم: 72

[3] شرح العقيدة الطحاوية: 398
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]


[ذكر من أنكر سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه]​


- أنكر المشركون والملاحدة والفلاسفة ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة من المسلمين عذابَ القبر ونعيمه وسؤاله، وقالوا: ليس لذلك حقيقة.

- ذهب أبو الهذيل إلى أنه من خرج عن سمة الإيمان فإنه يعذب بين النفختين والمسألة فى القبر إنما تقع فى ذلك الوقت وهو قول للمريسى.

- أنكر الجبائى وابنُه والبلخى وبعض المعتزلة تسمية الملكين منكرا ونكيرا، وقالوا: لا يجوز تسمية الملائكة بمنكر ونكير، وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجه إذا سئل، والنكير تقريع الملكين له.

- ذهب الجبائى أيضا وابنه والبلخى إلى إثبات عذاب القبر ولكنهم نفوه عن المؤمنين وأثبتوه لأصحاب التخليد من الكفار والفساق على أصولهم.

- أنكر ضرار بن عمرو وبشر العربى ويحيى بن كامل، سؤالَ القبر مطلقا وأكثر متأخرى المعتزلة على هذا الرأى وهو قول للمريسى.

- عزا أبو المعين النسفى إنكارَ عذاب القبر إلى المعتزلة والجهمية والنجارية أتباع الحسين بن محمد النجار، وقد عدها أبو الحسن الأشعرى من فرق المرجئة.

- وعزا ابن حزم والأشعرى إنكار عذاب القبر إلى الخوارج.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

[الدليل على سؤال القبر وفتنته من القرآن الكريم]
من ذلك:

1- قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]

فقد نزلت هذه الآية فى عذاب القبر فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا وَزَادَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ."[1]



وأما التثبيت فى الدنيا فهو قول لا إله إلا الله أو تثبيتهم بالخير والعمل الصالح.

2- قال الإمام البيهقى فى كتاب (إثبات عذاب القبر)[2]: باب: الدليل على أنه تعاد روحه فى جسده ثم يُسأل فيثاب المؤمن ويعاقب الكافر .
ثم ذكر قوله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169 – 170]

قال: وقال فى الكفار: {يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [غافر: 10 – 11]

ثم ذكر بعض الآثار وحديث البراء بن عازب المشهور.

3- وقال أيضا: باب: الدليل على أنه بعد السؤال يعرض على مقعده بالغداة والعشى: قال الله جل ثناؤه: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 45 – 46]
قال مجاهد: يعنى بقوله: {يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ما كانت الدنيا.[3]


4- قال: باب: ما يكون على المنافقين من العذاب فى القبر قبل العذاب فى النار:
قال الله جل ثناؤه: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101]

قال قتادة: فى قوله: {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} قال: عذاب فى القبر وعذاب فى النار.[4]


5- قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طـه: 124]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرِهِ لَفِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَيُرْحَبُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُنَوِّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ
أَتَدْرُونَ فِيمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123-124]
أتدرونَ ما المعيشةُ الضَّنْكَةُ
؟"
قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،
قَالَ: "عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ،
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا
أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ؟
سَبْعُونَ حَيَّةً لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبَعُ رؤُوسٍ يَلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
."[5]


6- قال تعالى: { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يــس: 26-28]
فهذا العبد الصالح قتله قومه فلما لقى الله قال له ادخل الجنة فلما دخلها ورأى ما فيها من النعيم تمنى أن يعلم قومه ما هو فيه من النعيم بسبب إيمانه وصبره فيؤمنوا.
فهذا دليل على نعيم القبر إذ إنه مات فدخل الجنة.




______________________________

[1] صحيح: رواه البخارى (1369، 4699) وهو لفظه ومسلم (2871)

[2] إثبات عذاب القبر للإمام البيهقى: 50

[3] السابق: 54

[4] السابق: 56

[5] حسن: رواه ابن حبان (3112 / إحسان / ألبانى ) وهو لفظه، وأبو يعلى (6644) والبيهقى فى إثبات عذاب القبر رقم (68).
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

[ذكر أن الميت يرد إليه عقله وقت السؤال]

بوب الإمام ابن حبان فى صحيحه (7 / 384) بقوله: ذِكْرُ الإخبار بأن الناس يُسألون فى قبورهم وعقولهم ثابتة معهم،
لا أنهم يُسألون وعقولهم ترغب عنهم.
ثم ذكر الحديث الآتى:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ فَتَّانَ الْقُبُورِ،
فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمْ الْيَوْمَ."
فَقَالَ عُمَرُ: بِفِيهِ الْحَجَرُ."[1]
=======================

فإن قيل: إذا كان الميت يرد إليه عقله فلِمَ لا يجيب الكافر بما ينجيه؟

والجواب من وجوه:

أحدها: أن الكافر يقوم فزعا مشعوفا، والشعف – كما تقدم – هو الفزع حتى يذهب بالقلب والعقل.

ثانيها: رؤية الملكين على صورتهما المذكورة فى الأحاديث فيزداد خوفه جدا ولا يستطيع الكذب فى حالته هذه.
وقد فطن الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين – لذلك؛
فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلَّا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27]


ثالثها: أنه يقوم مُجْهَدا شديدَ التعب يقول من شدة تعبه: هاه هاه،
وقد قال العلماء: إن قول المسئول: "هاه هاه" هى حكاية صوت المبهور من تعب أو جرى أو حمل ثقيل.


رابعها: أن الملَك مع كل هذا ينتهره بشدة.


خامسها: أن الله يضل الظالمين، ويثبت المؤمنين؛
فمهما كان مع الإنسان من عقل وأضله الله فلن يهتدى أبدا،
ومهما قل حظه من العقل ثم هداه الله وثبته ثَبَتَ واهتدى لا محالة.

والله الموفق ومنه الهداية والرشاد.



_________________________________

[1] حسن لغيره: رواه أحمد (6614) وابن حبان (3105/ إحسان / الألبانى )
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]



[هل سؤال القبر مختص بهذه الأمة؟ ]



اختلف العلماء فى ذلك على ثلاثة أقوال:



الأول: أنه خاص بهذه الأمة.

وممن ذهب إلى ذلك أبو عبد الله الترمذى الحكيم فقد قال فى كتابه نوادر الأصول: وإنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة لأن الأمم قبلها كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا كفت الرسل فاعتزلت وعوجلوا بالعذاب.

فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بعثه بالرحمة وأمانا للخلق فقال: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فأمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في الإسلام من دخل لمهابة السيف ثم يرسخ في قلبه فأمهلوا

فمن ههنا ظهر أمر النفاق

فكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان

فكانوا بين المسلمين في ستر

فلما ماتوا قيض لهم فتانا القبر ليستخرجا سترهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب فـ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27][1]







الثانى: أن السؤال لهذه الأمة ولغيرها: وهو قول جمهور علماء المسلمين

وممن ذهب إليه الإمام القرطبى، وأبو محمد عبد الحق الإشبيلى وابن القيم وغيرهم.







الثالث: التوقف:

وإليه ذهب ابن عبد البر فى كتابه التمهيد فقال: الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة فى القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام ممن حقن دمه... وفى حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها."[2]

ومنهم من يرويه: "تسأل" وعلى هذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك وهذا أمر لا يقطع عليه. والله أعلم.[3]







أدلة من زعم أن هذه الأمة خصت بذلك:



استدل أصحاب هذا الرأى ببعض الأحاديث منها:



1- قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأمة تبتلى فى قبورها."[4]



2- قوله صلى الله عليه وسلم: "قد أوحى إلى أنكم تفتنون فى القبور."[5]



فهذا ظاهر فى الاختصاص بهذه الأمة.



3- قول الملكين: "فما تقول فى هذا الرجل الذى بعث فيكم."[6]



4- قوله صلى الله عليه وسلم: "فأما فتنة القبر فبى تفتنون وعنى تسألون."

وفيه: "فيقال ما هذا الرجل الذى كان فيكم؟

فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند الله – عز وجل – فصدقناه
..."الحديث[7]

فهذا وما قبله خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.



وأجاب من زعم أن السؤال لا يختص بهذه الأمة:

بأن ما ذكر فى الحديث لا يدل على اختصاص السؤال بهذه الأمة دون سائر الأمم فإن لفظ الأمة فى الحديث إما أن يراد به أمة الناس كما قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} [الأنعام: 38]

وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة.



وإن كان المراد أمته صلى الله عليه وسلم الذين بعث فيهم لم يكن فيه ما ينفى سؤال غيرهم من الأمم

بل قد يكون ذكرهم إخبارا بأنهم مسئولون فى قبورهم وأن ذلك لا يختص بمن قبلهم لفضل رسول هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم.

وكذلك الأحاديث الأخرى فهى إخبارمنه صلى الله عليه وسلم لأمته بما تمتحن به فى قبورها.



الترجيح بين هذه الأقوال:



أقول: لعل أصح هذه الأقوال وأحقها بالاتباع قول من قال إن سؤال القبر لا يختص بهذه الأمة بل هو عام لكل الأمم.



فعنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ شَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ؟

قَالَتْ: فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: "إِنَّمَا تُفْتَنُ يَهُودُ"

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ."

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.[8]



فإذا كان السؤال خاصا بهذه الأمة فكيف عرفت هذه اليهودية فتنة القبر ولم تعرفه السيدة عائشة رضي الله عنهـا بل لم يُوحَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تفتن فى قبورها إلا بعد ليالٍ؟



ومثل هذا الحديث أيضا الحديث الذى رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَخْدُمُهَا فَلاَ تَصْنَعُ عَائِشَةُ إِلَيْهَا شَيْئا مِنَ الْمَعْرُوفِ إِلاَّ قَالَتْ لَهَا الْيَهُودِيَّةُ: وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ.

قَالَتْ: فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَىَّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِلْقَبْرِ عَذَابٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟

قَالَ: « لاَ، وَعَمَّ ذَاكَ ».

قَالَتْ: هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ لاَ نَصْنَعُ إِلَيْهَا مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئا إِلاَّ قَالَتْ: وَقَاكِ اللَّهُ عَذَابَ الْقَبْرِ.

قَالَ: « كَذَبَتْ يَهُودُ وَهُمْ عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ – كُذُبٌ، لاَ عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ »

قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَاكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ

فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ نِصْفَ النَّهَارِ مُشْتَمِلا بِثَوْبِهِ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ وَهُوَ يُنَادِى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: « أَيُّهَا النَّاسُ أَظَلَّتْكُمُ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَضَحِكْتُمْ قَلِيلا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ ».[9]





فهذا كالذى قبله فيه أن عائشة رضي الله عنها لم تكن تعلم أن هذه الأُمَّةَ تفتن وتعذب فى قبورها،

ولم يكن أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئٌ فنفَى صراحة أن يكون عذابٌ قبل يوم القيامة

ثم لما أوحى إليه به خرج فأخبر الناس.

فكيف لمثل هذه اليهودية أن تعرف فتنة القبر دون أن تعرفه السيدة عائشة رضي الله عنهاـا إلا أن تكون فتنة القبر معروفة عندهم فى الديانة اليهودية.



قال ابن القيم: والظاهر – والله أعلم – أن كل نبى مع أمته كذلك وأنهم معذبون فى قبورهم بعد السؤال لهم وإقامة الحجة عليهم كما يعذبون فى الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة.[10]



والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.













[1] نوادر الأصول: 3 / 227



[2] صحيح: رواه مسلم (2867)



[3] التمهيد لابن عبد البر: 22 / 252



[4] صحيح: رواه مسلم كما تقدم ووردت هذه الجملة أيضا عند أحمد كما تقدم رقم (152)



[5] صحيح: رواه البخارى (86، 184، 922، 1053، 1054، 1061، 1235، 1373، 2519، 2520، 7287) ومسلم (905)



[6] صحيح: ورد فى حديث البراء بن عازب وغيره فى الصحيحين وفى غيرهما



[7] صحيح: تقدم



[8] صحيح: رواه مسلم (584)



[9] صحيح: رواه أحمد (24574) وقال الحافظ فى الفتح ( 3 / 281 ): رواه أحمد بإسناد على شرط البخارى.



[10] الروح لا بن القيم: 110

 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

[التوفيق بين ما ظاهره التعارض من هذه الأحاديث]

تقدم في بعض الروايات:
أن عائشة رضي الله عنهـا لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن فتنة عذاب القبر
قال: "فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعنى تسألون.."
فهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان على علم بذلك.


وجاء فى الرواية الأخرى: فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "إنما تفتن يهود."

وأصرح من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عذاب دون يوم القيامة."

فظاهر أن بين هذه الروايات مخالَفَةً؛ إذ إنه صلى الله عليه وسلم أنكر على اليهودية في الروايتين الأخيرتين وأقرها في الأولى.

وقد أجاب الإمام النووي تبعا للإمام الطحاوي وغيره بأنهما قصتان فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قول اليهودية في القصة الأولى
ثم أُعْلَمَ بذلك ولم يُعْلِمْ عائشةَ
فجاءت اليهودية مرة فذكرت لها ذلك فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول فأعلمها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الوحي نزل بإثباته.[1]





[1] انظر مسلم بشرح النووى ( 3 / 5 / 71 ) وفتح البارى ( 3 / 281 )
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

[السؤال في القبر يكون للمسلمين والمنافقين والكافرين]

اعلم أن السؤال في القبر يكون للمؤمنين والمنافقين والكافرين وإلى هذا ذهب جمهور علماء المسلمين.

وخالف في ذلك ابن عبد البر حيث قال[1]: الآثار الثابتة تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام من حقن دمه بظاهر الشهادة.

وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام، والله أعلم، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ويرتاب المبطلون.


قال أبو محمد عبد الحق: واعلم أن عذاب القبر ليس مختصا بالكافرين ولا موقوفا على المنافقين بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله وما استوجبه من خطيئته وزَلَـلِـهِ.

وقال الإمام القرطبي[2]: إن الأحاديث التي ذكرناها من قبل تدل على أن الكافر يسأله الملكان ويختبرانه بالسؤال ويضرب بمطارق من حديد. والله أعلم.

قلت: وقد تقدم الدليل على إثبات سؤال القبر من الكتاب والسنة
وذكرنا من الأحاديث الثابتة ما يدل على أن الكافر يسأل ويعذب في قبره فمن ذلك:
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلًا لِبَنِي النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا فَفَزِعَ فَقَالَ: "مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ؟"
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ: "تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ"
قَالُوا وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
فَإِنِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللَّهَ.
فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.
فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا.
فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
فَيَقُولُ دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي.
فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ.
وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟
فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي.
فَيُقَالُ لَهُ: لَا دَرَيْتَ[3] وَلَا تَلَيْتَ.[4]
فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟
فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.
فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ
."[5]

وقول أبى عمر ابن عبد البر – رحمه الله تعالى –: وأما الكافر الجاحد فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه.
فيقال له: ليس كذلك بل هو من جملة المسئولين وأولى بالسؤال من غيره.

وقد أخبر الله في كتابه أنه يسأل الكافر يوم القيامة: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]
وقال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6]
وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92 - 93]
فإذا كان الكافر يسأل يوم القيامة فما المانع من سؤاله في القبر؟
خاصة وقد ثبت بما تقدم من الأحاديث الصحيحة سؤالهم؛
فليس لما ذكره أبو عمر – رحمه الله تعالى – وجه.
والله أعلم.



[1] التمهيد لابن عبد البر: 22 / 252

[2] التذكرة: 127

[3] لا دريتَ: دعاء عليه والمعنى لا كنت داريا فلا توفق في هذا الموقف ولا تنتفع بما كنت تسمع أو تقرأ.

[4] ولا تليت: أي قرأتَ أصلها تلوت بالواو، أي لم تدر ولم تتل القرآن فلم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك.
وقيل تليتَ: أي تبعت من حَقَّق الأمر على وجهه.

[5] صحيح: تقدم
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

[هل يُسْأَلُ الأطفال فى قبورهم]
اختلف العلماء فى هذه المسألة على قولين:
أحدهما: أنهم يسألون فى قبورهم كالبالغين.
قالوا: إن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون.

وممن ذهب إلى هذا الرأى الإمام القرطبى فى التذكرة(1).

أدلتهم: قالوا: هذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار ومنها:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمَنْفُوسِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ(2).

وفى لفظ عن سعيد بن المسيب قال: رأيت أبا هريرة يُصَلِّي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط فيقول: اللهم أعذه من عذاب القبر.

قال السيوطي: قال الباجي: يحتمل أن يكون أبو هريرة اعتقده لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أن عذاب القبر أمر عام في الصغير والكبير وأن الفتنة فيه لا تسقط عن الصغير لعدم التكليف في الدنيا(3). ا.هـ

قالوا: وقد دل على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة وحكاه الأشعري عن أهل الحديث والسنة. قالوا: فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور.

ثانيهما: أن السؤال يختص بمن كان مكلفا بخلاف الأطفال.
وبه جزم الجلال السيوطي وغيره.
قالوا: كيف يقال للطفل الذي لا تمييز له بوجه ما: ما كنت تقول في هذا الرجل الذى بعث فيكم؟!
ولو رُدَّ إليه عقله في القبر فإنه لا يسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال.
وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة؛ فإن ذلك امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت، فمن أطاعه نجا، ومن عصاه دخل النار.
قالوا: وأما حديث أبى هريرة فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعا؛ فإن الله لا يعذب أحدا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذى يحصل للميت بسبب غيره وإن لم يكن عقوبة على عمله هذا، كقوله صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب" فالعذاب أعم من العقوبة، ولا ريب أن فى القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسرى أثره إلى الطفل فيتألم به فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه ذلك العذاب.

أقول: حديثنا عن سؤال القبر وفتنته وليس عن عذاب القبر غير أنه مَنْ لا يُسْأَلُ في قبره لا يعذب.
وأما الترجيح فالظاهر أن الأدلة مع الرأي الأول.
والله أعلم.


____________________________________
(1) التذكرة: 111.
(2) صحيح موقوفا: رواه مالك في الموطأ (1 / 227 / تنوير الحوالك ) والبيهقي في الكبرى ( 6793 ) وعبد الرزاق في المصنف ( 6610 ) و هناد بن السرى في الزهد ( 351 )
(3) تنوير الحوالك شرح على موطأ مالك: 1 / 227 - 228.
 
التعديل الأخير:
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

كيف يسأل الملكان جميع الموتى في وقت واحد مع اختلاف الأماكن وتباعد القبور؟

قلت: هذا ليس بأعجب من حال ملك الموت وقبضه جميع أرواح من حانت وفاته في وقت واحد وفى أماكن مختلفة بعضها بالمشرق وبعضها بالمغرب وقد تقدم الجواب عن ذلك فراجعه هناك.

وأجاب القرطبي عن ذلك بقوله: ما جرى ذكره في الخبر من عِظَمِ جثتيهما فيخاطبان الخلق الكثير الذين في الجهة الواحدة منهم في المرة الواحدة مخاطبة واحدة يخيل لكل واحد أن المخاطب هو دون سواه ويمنع الله سمعه من مخاطبة الموتى لهما ويسمع هو مخاطبتهما أن لو كانوا معه في قبر واحد وقد تقدم أن عذاب القبر يسمعه كل شيء إلا الثقلين، والله - سبحانه وتعالى - يسمع من يشاء وهو على كل شيء قدير.[1]


وذهب السيوطي والحليمي إلى احتمال تعدد الملائكة المعدة لذلك.
قال الحليمي: والذى يشبه أن يكون ملائكة السؤال جماعة كثيرة ويسمى بعضهم منكرا وبعضهم نكيرا فيبعث إلى كل ميت اثنان منهم. والله أعلم.


قلت: بل الظاهر أنهما اثنان فقط كما أن ملك الموت واحد فقط وليس متعددا لكل ميت ملك فهذا لم يقل به أحد فكذلك الحال مع فتانَىْ القبر: منكرٍ ونكير،
والله أعلم.



_____________________

[1] التذكرة: 114
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]

جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَيُقعِدَانِهِ..."[1]


وفى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وَالْآخَرُ النَّكِيرُ..."[2]

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تدل على أن السائل في القبر ملكان اثنان هما منكر ونكير.

ولكن جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "... إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ..."
وفيه: "... وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ..."[3]

فقد ذكر في هذا الحديث أن السائل ملك واحد وليس ملكان كما في الأحاديث السابقة.

والجواب على ذلك من وجهين:

أحدهما: أن الملكين يأتيانه جميعا ويكون السائل أحدهما فيكون الراوي قد اقتصر على ذكر الملك السائل فقط؛ فإن الراوي لم ينف وجود الملك الآخر ولم يقل إنه لا يأتيه إلى قبره إلا ملك واحد.

ثانيهما: أن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس:
- فمن الناس من يأتيه الملكان ويسألانه جميعا لتكون الفتنة في حقه أشد وأعظم،
- ومنهم من يأتيه ملك واحد فيكون ذلك أخف عليه في السؤال وأقل في المراجعة والعتاب، وذلك لما عمله من صالح الأعمال.

- وكذلك الأمر بالنسبة للكافر فإن الكفر دركات فليس من ادعى الألوهية كمثل من كان يصل رحمه ويعفو عمن ظلمه،
وإن كانا جميعا كافرين مستحقين التخليد في النار ولكن ليس عذاب هذا كعذاب ذلك.

وكذلك لا يمتنع أن تكون فتنة القبر أشد في حق الأول وأخف في حق الثاني. فتأمل.
والله أعلم.



__________________________

[1] صحيح: تقدم تخريجه وانظر اللؤلؤ والمرجان (1824)

[2] صحيح لغيره: تقدم تخريجه

[3] صحيح: تقدم تخريجه
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]
اختلفت الأحاديث في كيفية السؤال والجوب:
فمن الناس من يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عنها كلها.
قال ابن عباس: يسألون عن الشهادتين.
وقال عكرمة: يسألون عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.

والجواب على ذلك أن نقول:
كما ذكر في الفصل قبله من أنه يجوز أن يكون بعض الرواة اقتصر على ذكر بعض السؤال، وذَكَرَهُ غيرُه كاملا فيكون الإنسان مسئولا عن الجميع.

ووجه آخر: وهو أنه يجوز أن يختلف السؤال باختلاف أحوال الناس: فمنهم يسأل عن بعض اعتقاداته ومنهم من يسأل عنها كلها.
والله أعلم.
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
[فصل]​
هل السؤال للروح والبدن
؟ أو لأحدهما؟

فيها ثلاثة أقوال:

أحدها: أن السؤال للبدن بلا روح.
وقد ذهب إليه ابن جرير وجماعة من الكرامية وقد أنكر الجمهور ذلك.

ثانيها: أن السؤال للروح بلا بدن.
وهو قول ابن هبيرة وابن حزم.

قال ابن تيمية: وكلاهما غلط، والأحاديث الصحيحة ترده؛ ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص.

ثالثها: أن السؤال للروح والبدن جميعا.
وهو قول أهل السنة والحديث
والأحاديث الصحيحة تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال كما في حديث البراء المشهور وقد تقدم.

وقال ابن القيم: وهذا عود غير التعلق الذى كان في الدنيا بالبدن، وهو نوع آخر غير تعلقها به حال النوم، وغير تعلقها به وهى فى مقرها، بل هو عود خاص للمسائله.[1]

وقال أيضا: والروح لا تزال متعلقة ببدنها وإن بلى وتمزق. والروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام:

أحدها: تعلقها به فى بطن الأم جنينا.

الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى الحياة.

الثالث: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.

الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا؛ فإنه قد ورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه. وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.

الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع التعلق ؛ إذ هو تعلق لا يقبل معه البدن موتا ولا نوما ولا فسادا.[2]


__________________________
[1] الروح: 63

[2] السابق: 54
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى

[فصل]

سؤال القبر لكل من مات قُبِرَ أم لم يُقْبَر

اعلم -رحمك الله- أن كل من مات جاءه الملكان يسألانه إلا المستثنى من ذلك
سواء قبر الميت؟ أم لم يقبر؟
وسواء أكلته السباع؟ أم حُرِّقَ وذُرِّى في الرياح؟
والله على كل شيء قدير.

فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً: يَعْنِي: "أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا فَلَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟
قَالُوا خَيْرَ أَبٍ
قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا وَإِنْ يَقْدِرْ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ
فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِى فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا
".
فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا
ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ
فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُنْ
فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ.
قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟

قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ.
قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا."
وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا."
فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ.

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ. وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ. فَسَّرَهُ قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ.[1]

وقد جاء هذا الحديث عن عدد من الصحابة منهم:
1- أبو هريرة عند البخاري ومسلم وغيرهما،
2- وحذيفة بن اليمان عند البخاري والنسائي وأحمد،
3- ومعاوية بن حيدة عند أحمد،
4- وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده عند الطبراني في الكبير،
5، 6- وحذيفة وأبو بكر الصديق عند الطحاوي في مشكل الآثار.
وفى هذه الروايات زيادات كثيرة منها:
- أن هذا الرجل كان من بنى إسرائيل

- وأنه كان نباشا للقبور

- وأنه لم يعمل حسنة قط وفى رواية خيرا قط إلا التوحيد،

- وأنه قال لبنيه: لَتَفْعَلُنَّ ما آمركم به أو لَأُوَلِّيَنَّ ميراثي غيركم،

- وفى لفظ: فوالله لا أدع عند رجل منكم مالا هو مني إلا أخذته، أو لتفعلن ما آمركم به.

- وأنه أمر بنيه أن يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر.

- وفى رواية أنه قال: انْظُرُوا إِذَا أَنَا مُتُّ أَنْ تُحَرِّقُونِي حَتَّى تَدَعُونِي حُمَمًا ثُمَّ اهْرُسُونِي بِالْمِهْرَاسِ وَأَدَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ حِذَاءَ رُكْبَتَيْهِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَفَعَلُوا وَاللَّهِ" وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ هَكَذَا.
"ثُمَّ اذْرُونِي فِي يَوْمٍ رَاحٍ لَعَلِّي أَضِلُّ اللَّهَ تَعَالَى". كَذَا قَالَ عَفَّانُ
قَالَ أَبِي وَقَالَ مُهَنَّا أَبُو شِبْلٍ عَنْ حَمَّادٍ: "أَضِلُّ اللَّهَ"
فَفَعَلُوا وَاللَّهِ ذَاكَ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ تَعَالَى...

- وفى رواية: "فقال الله - تعالى - لكل شيء أخذ منه شيئا: أَدَّ ما أخذتَ منه، فإذا هو قائم، فقال الله: ما حملك على الذي صنعت؟"

_______________________

[1] صحيح: رواه البخاري (3478، 6481، 7508) وهو لفظه ومسلم (2757).
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
فوائد وتنبيهات:

الأولى: قوله: "لئن قدر عليّ ربي" اختلف العلماء في تأويله:

قال ابن عبد البر: هو من القَدَر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة كقوله تعالى: {فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87]
وقيل: قدر هنا بمعنى ضيق كقوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]
قلت: وكلا التأويلين خطأ.
[1]

قال الإمام النووي[2]: وقد جاء في هذا الحديث في غير مسلم "فلعلى أضل الله" أى أغيب عنه وهذا يدل على أن قوله: "لئن قدر الله" على ظاهره.

وقال الحافظ
[3]: وأظهر الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول، ولم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه.
قال: وأبعد الأقوال قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر.

الثانية: قوله: "لعلى أضل الله."
معناه لعلى أفوته. يقال: ضل الشيء إذا فات وذهب وهو كقوله: {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} [طـه: 52]

الثالثة: قال الخطابي: قد يستشكل هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟
والجواب: أنه لم ينكر البعث؛ فإنه ما أوصى بما أوصى به إلا خوفا من البعث والحساب.
وقد يقال: إنه أنكر القدرة على البعث لمن هذا حاله؛ فيكفر أيضا.
والجواب: أن قوله: "لئن قدر الله" لا يلزم منه نفى القدرة وذلك لأنه ما نفى القدرة على ممكن، فمن نفى القدرة على ممكن كفر، بخلاف من نفى القدرة على مستحيل، وقد فرض هذا الرجلُ غير المستحيل مستحيلا فيما لم يثبت عنده أنه ممكن من الدين بالضرورة.

وأجاب الخطابي وغيره: بأنه إنما جهل صفة من صفات الله تعالى وهي صفة القدرة. وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة:

- فذهب بعضهم إلى أنه يكفر بهذا الجهل. وممن ذهب إلى ذلك ابن جرير الطبري وأبو الحسن الأشعري في أول أمره.

- وذهب آخرون إلى أنه لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن سمة الإيمان بخلاف جاحد الصفة فإنه كافر اتفاقا. وإلى هذا الرأي رجع أبو الحسن الأشعري، وعليه استقر قوله.

وقال ابن قتيبة: قد يغلط في بعض الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك. وقالت هذه الطائفة: لو سئل الناس عن الصفات لوجد العالم بها قليلا.


وقد تقدم أن أظهر الأقوال أنه قال ما قال في حال شدة الخوف الذى ذهب بعقله فقال ما قال كما غلط الآخر الذى قال: ربى أنت عبدى وأنا ربك ولم يكفر بذلك.
[4]

قال الإمام الطحاوي: فتأملنا ما في هذا الحديث من وصية هذا الموصي بنيه:
- بإحراقهم إياه بالنار

- وبطحنهم إياه حتى يكون مثل الكحل

- وبتذريهم إياه في البحر في الريح
ومن قوله لهم بعد ذلك: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا فوجدنا ذلك محتملا أن يكون كان من شريعة ذلك القرن الذي كان ذلك الموصي منه القربة بمثل هذا إلى ربهم - جل وعز - خوف عذابه إياهم في الآخرة ورجاء رحمته إياهم فيها بتعجيلهم لأنفسهم ذلك في الدنيا كما يفعل من أمتنا من يوصي منهم بوضع خده إلى الأرض في لحده رجاء رحمة الله - عز وجل - إياه بذلك
فقال قائل: وكيف جاز لك أن تحمل تأويل هذا الحديث على ما تأولته عليه في ذلك من وصية ذلك الموصي ما ينفي عنه الإيمان بالله تعالى؛ لأن فيه: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا. ومَنْ نَفَى عن الله تعالى القدرة في حال من الأحوال كان بذلك كافرا؟

وكان جوابنا له في ذلك: أن الذي كان من ذلك الموصي من قوله لبنيه: فوالله لا يقدر عليَ رب العالمين. ليس على نفي القدرة عليه في حال من الأحوال
ولو كان ذلك كذلك لكان كافرا ولما جاز أن يغفر الله له ولا أن يدخله جنته لأن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به
ولكن قوله: فوالله لا يقدر عليَ رب العالمين أبدا. هو عندنا - والله أعلم - على التضييق أي: لا يضيق الله علي أبدا فيعذبني بتضييقه علىّ لما قد قدمت في الدنيا من عذابي نفسي الذي أوصيتكم به فيها
والدليل على ما ذكرنا قول الله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ...} إلى قوله: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أى: فضيق عليه رزقه
وقوله تعالى في نبيه ذي النون وهو يونس - عليه السلام -: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} في معنى أن لن نضيق عليه
وقوله تعالى: {يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له}

فكان البسط هو التوسعة وكان قوله: {ويقدر} هو التضييق
فكان مثل ذلك قول ذلك الموصي: فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدا أى: لا يضيق علىّ أبدا لما قد فعلته بنفسي رجاء رحمته وطلب غفرانه ثقة منه به ومعرفة منه برحمته وعفوه وصفحه بأقل من ذلك الفعل.
[5]

ثم ذكر ألفاظ الحديث الأخرى
ثم قال في الجواب عن قوله: "لعلى أضل الله" وقوله: "فإن يقدر الله علىَّ": لم نجد هذا في شيء مما قد روي في هذا الباب إلا في هذا الحديث
وهذا الحديث فإنما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل واحد وهو معاوية بن حيدة جد بهز
وقد خالفه في ذلك عن النبي عليه السلام أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو مسعود وأبو سعيد وسلمان وأبو هريرة
وإنما جعلنا ما روى حذيفة في ذلك غير ما روى أبو بكر فيه وإن كان حديث حذيفة الذي رواه عنه والان
[6] هو عن أبي بكر عن النبي عليه السلام لأن حذيفة في حديث ربعي[7] قد قال فيه إنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدلنا ذلك أن الذي حمله مع سماعه إياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعه إياه من أبي بكر عن رسول الله عليه السلام إنما كان لمعنى زاده عليه أبو بكر فأخذه عنه لزيادته التي فيه عليه
وستة أولى بالحفظ من واحد
غير أن قوما أخرجوا لحديث معاوية بن حيدة معنى وهو أنهم جعلوا قوله: لعلي أضل الله. جهلا منه بلطيف قدرة الله تعالى مع إيمانه به جل وعز فجعلوه بخشيته عقوبتَه مؤمنا وبطمعه أن يضله جاهلا فكان الغفران من الله تعالى له بإيمانه ولم يؤاخذه بجهله الذي لم يخرجه من الإيمان به إلى الكفر به تعالى
وقد يحتمل أن يكون الذي سمعه الستة الأولون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاوية بن حيدة هو اللفظ الذي ذكره الستة الأولون
ولا يجوز أن يكون ذلك إلا كذلك لأنهم حدثوا به عنه في أزمنة مختلفة بألفاظ مؤتلفة فلم يكن ذلك إلا بحفظهم إياه عن رسول الله عليه السلام بتلك الألفاظ
وسمعه معاوية بن حيدة منه كذلك فوقع بقلبه أن المعنى الذي أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إن يقدر الله علي. أراد به القدرة فكان ضدها عنده أن يضله وهو أن يفوته ولم يكن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقدرة ذلك وإنما هو التضييق
وكان الذي أتى فيه معاوية هو هذا المعنى وكان ما حدث به الستة الأولون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من ذلك لا سيما ومنهم الصدِّيق الذي هو أحد الاثنين اللذين أمر رسول الله عليه السلام بالاقتداء بهما بعده وبالله التوفيق.
[8]


_____________________________
[1] تنوير الحوالك للسيوطي: 1 / 238

[2] مسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63

[3] فتح الباري: 6 / 631

[4] انظر فتح الباري: 6 / 631، ومسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63، وحاشية السندي على النسائي: 2 / 566، والأسماء والصفات للبيهقي: 500.

[5] شرح مشكل الآثار: 2 / 28 - 29

[6] والان: هو والان بن بيهس أو ابن قرفة العدوى، وثقه ابن معين وابن حبان.

[7] ربعي: هو ربعي بن حراش التابعي الجليل.

[8] شرح مشكل الآثار للإمام الطحاوي: 2 / 37 - 38
 
إنضم
5 يونيو 2010
المشاركات
1,454
الجنس
ذكر
الكنية
أبو معاذ
التخصص
طبيب
الدولة
السعودية - مصر
المدينة
السعودية - مصر
المذهب الفقهي
شافعى
الرابعة: ذكر الإمام ابن شهاب الزهري هذا الحديث ثم ذكر حديث المرأة التي دخلت النار وعذبت بسبب هرة حبستها حتى ماتت جوعا ثم قال: لئلا يتكل رجل ولا ييأس رجل.

قال الإمام النووي[1]: معناه أن ابن شهاب لما ذكر الحديث الأول خاف أن سامعه يتكل على ما فيه من سعة الرحمة وعظم الرجاء فضم إليه حديث الهرة الذي فيه التخويف ضد ذلك ليجتمع الخوف والرجاء وهذا معنى قوله: "لئلا يتكل ولا ييأس"

وهكذا معظم آيات القرآن العزيز يجتمع فيها الخوف والرجاء
وكذا قال العلماء: يستحب للواعظ أن يجمع في موعظته بين الخوف والرجاء لئلا يقنط أحد ولا يتكل.
قالوا: وليكن التخويف أكثر لأن النفوس إليه أحوج لميلها إلى الرجاء والراحة والاتكال وإهمال بعض الأعمال.


الخامسة: قال ابن عقيل: وهذا جميعه إخبار عما سيقع له يوم القيامة وليس كما قال بعضهم إنه خاطب روحه؛ فإن ذلك لا يناسب قوله: "فجمعه الله"؛ لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث.[2]


أقول: قد وقع التصريح بذلك عند أحمد من حذيفة بن اليمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة برجل قد قال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني... وفيه: "فيجمعه الله –تبارك وتعالى– يوم القيامة فيقول له: لم فعلت؟ ... الحديث.[3]

ومن حديث حُذَيْفَةَ عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قال أَصْبَحَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فذكر حَدِيثًا طَوِيلا من حديث يَوْمِ الْقِيَامَةِ
ثُمَّ ذَكَرَ فيه شَفَاعَةَ الشُّهَدَاءِ
قال: "ثُمَّ يقول اللَّهُ: أنا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ اُنْظُرُوا في النَّارِ هل فيها من أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ
فَيَجِدُونَ في النَّارِ رَجُلا
فَيُقَالُ له: هل عَمِلْت خَيْرًا قَطُّ؟
فيقول: لا، غير أَنِّي كُنْت أَمَرْت وَلَدِي إذَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ ثُمَّ اطْحَنُونِي حتى إذَا كنت مِثْلَ الْكُحْلِ فَاذْهَبُوا بِي إلَى الْبَحْرِ فَاذْرُونِي في الرِّيحِ فَوَاَللَّهِ لاَ يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا فَيُعَاقِبَنِي إذْ عَاقَبْت نَفْسِي في الدُّنْيَا عليه.
قال اللَّهُ تَعَالَى له: لِمَ فَعَلْت هذا؟
قال: من مَخَافَتِك
فيقول: اُنْظُرْ مَلِكًا بِأَعْظَمِ مُلْكٍ فإن لَك مثله وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ."[4]


قلت: إذا كان هذا إنما يقع يوم القيامة فقط كما ذكر ابن عقيل، ونقله عنه الحافظ وسكت عليه، وأيده لفظ الحديث السابق فليس مما نحن فيه.

________________________________

[1] مسلم بشرح النووي: 9 / 17 / 63 - 64

[2] فتح الباري: 6 / 631

[3] رواه أحمد (23523)

[4] حسن: رواه ابن حبان (2589، 2590 / موارد) وحسنه الشيخ الألباني والطحاوي في شرح مشكل الآثار: (556) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده جيد.
 
أعلى