العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كفارة اليمين

محمد متولي داود

:: متابع ::
إنضم
1 أغسطس 2018
المشاركات
23
الكنية
د/محمدداود
التخصص
القانون العام
المدينة
القاهرة
المذهب الفقهي
الحنفي
مبحث في كيفية كفارة اليمين

كفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ولا ترتيب بين واحد منها، فهو مخير بين أن يفعل أيها شاء، فإن عجز عنها ولم يستطع أن يفعل واحدا منها فإنه يصوم ثلاثة أيام، ولا يجزي الصيام إلا بعد العجز عن فعل واحد من الأمور الثلاثة، فكفارة اليمين فيها تخيير. وترتيبن فالحالف مخير بين أن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم أو يحرر رقبة، وليس مخيرا في الصيام، أما بيان كل واحد من الثلاث المذكورة وشروطها ففيه تفصيل المذاهب
(1) .الحنفية - قالوا: يشترط في الإطعام شروط: الأول: أن يعطي كل مسكين من العشرة نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو شعير أو قيمة ذلك، ودقيق البر كحبه يجزئ منه نصف صاع،ودقيق الشعير كحبه يجزئ منه الصاع، وكل جنس من الطعام منصوص عليه لا يصلح أن يكون بدلا عن جنس آخر منصوص عليه، ولو كان أكثر منه قيمة، فلو أدى نصف صاع من تمر جيد يساوي في القيمة أكثر من صاع من البر لا يجزئه، ونصف الصاع هو قدح وثلث، ومثل التمليك الإباحة بأن يغدي كل واحد من العشرة ويعيشهم.
الثاني: أن لا يعطي الكفارة كلها لمسكين واحد في يوم دفعة واحدة أو متفرقة على عشر مرات، فلو أعطاه كل ساعة نصف صاع لم يجزئه، أما إذا أعطاه كل يوم نصف صاع بحيث يعطيه القيمة في عشرة ايام فإنه يجزئه، لأن تجدد الحاجة كل يوم يجعله كمسكين آخر، فكأنه صرف القيمة لعشرة مساكين.
الثالث: يشترط أن يغدي كل مسكين من العشرة ويعشيه، أما إذا غدى واحدا وعشى واحدا آخر غيره وهكذا لم يجزئه، لأنه يكون قد فرق طعام العشرة على عشرين وهو لا يصح كما لا يصح أن يفرق طعام المسكين الواحد على مسكينين إلا إذا ألغى ما أعطاه لبعضهم وكمل للآخرين، ولو غدى مسكينا وأعطاه قيمة العضاء أجزأه.
الرابع: يشترط وجود الغداء والعشاء في يوم واحد، فلو غدى واحدا في يوم وعشاه في يوم آخر فإنه لا يجزئه، وقيل يجزئه، وعلى هذا فلو أخرج الكفارة في رمضان واستبدل الغداء بالعشاء في ليلة أخرى أجزاه.
الخامس: يشترط الإدام في خبز الشعير والذرة ليمكنه أن يشبع، بخلاف خبر البر فإنه لا يشترط فيه ذلك ولكنه يستحب فيه الإدام.
السادس: يشترط أن لا يكون في تلك العشرة طفل فطيم، وأن لا يكون فيهم واحد شبعان قبل الأكل.
وأما الكسوة فيشترط فيها أمور: أحدها أن يكون الثوب مما يصلح للأوساط. ثانيها أن يكون قويا بحيث يمكن الانتفاع به فوق ثلاثة أشهر، فلو كان قديما أو جديدا رقيقا لا ينتفع به هذه المدة فإنه لا يجزئ. ثالثها أن يستر البدن كله أو أكثره فيجزئ الملاءة والجبة والقميص والرداء والقباء والإزار إذا كان سابلا يتوشح به، ولا تجزئ العمامة ولا السراويل على الصحيح. ولا بد للمرأة من خمار مع الثوب، وإذا أعطى لفقير كسوة لا تستر أكثر بدنه كالسراويل وكانت قيمتها تساوي قيمة الإطعام "نصف صاع من بر، أو صاع من تمر كما تقدم" فإنها تجزئ. ولا يشترط أن ينوي بالكسوة الإطعام على الظاهر من المذهب أما النية فإنها شرط لصحة التكفير في ذاته، وتصح في الإطعام بالتمليك والكسوة قبل الدفع وبعده ما دامت الصدقة باقية في يد الفقير، أما الإطعام بالإباحة بأن كانوا عنده فأكلوا ثم نوى ذلك التكفير فإنه لا يجزئه، لأن الطعام لم يبق في يد الفقير في هذه الحالة. وكذلك التكفير بالعتق فإنه لا يتصور فيه النية بعد التكفير، فإذا أعتق عبده ثم نوى التكفير بعد العتق فإنه لا يجزئ، ولا يصح أنيعطي من هذه الكفارة من لا يجزئه أن يعطيه من زكاة المال إلا فقراء أهل الذمة، فإنه يصلح أن يعطيهم من هذه الكفارة، وفقراء أهل الإسلام أحب.
ويشترط لصحة الكفارة بالعتق: أن يعتق رقبة كاملة الرق، وأن تكون في ملكه. وأن يكون مقرونا بالنية كما ذكر، ولا يشترط في الرقبة الإيمان.
أما الصيام فهو أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة، فلو حاضت المرأة أثناء صومها بطلت الكفارة ويشترط لصحة الكفارة به أن يعجز عن فعل واحد من الثلاثة كما مر، ويعتبر العجز وقت الأداء لا وقت الحنث، فلو كان معه مال وقت الحنث ثم ذهب وصام، ثم رجع له الماء فإن الصيام يجزئه، لأنه كان عاجزا وقت الأداء، ويشترط أيضا أن يستمر العجز إلى الفراغ من الصوم، فلو صام المعسر يومين ثم حصل على المال قبل صيام الثالث لم يجزئه الصيام، ويعد قادرا من يملك الكفارة زائدة على الكفاف. والكفاف هو م نزل يسكنه، وثوب يلبسه ويستر عورته وقوت يومه، وإذا كان له مال وعليه دين مثله فإن قضى به دينه قبل أن يكفر صام، وإن لم يقض به دينه فقيل: يكفر بالمال، وقيل: يصوم، وللزوج أن يمنع زوجه المعسرة من الصوم.
المالكية - قالوا: يشترط في الإطعام شروط: أولا: أن يملك المسكين أو الفقير مدا وهو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين، ويقدر بالكيل بثلث قدح مصري كما تقدم في كفارة الصيام. ويشترط أن يكون من الأنواع التي تخرج في زكاة الفطر وهي تسعة: القمح، والشعير، والسلت، والزبيب، والدخن، والذرة، والأرز، والأقط "وهو لبن يابس خال من الزبد". ويندب الزيادة على المد لغير سكان المدينة، أما هم فلا يندب لهم لقلة مالهم، أو بملكهم رطلين من الخبز بالرطل البغدادي وهو أصغر من الرطل المصري قليلا، ويجزئ الخبز بلا إدام على الراجح لكن يندب الإدام. والتمر والبقل إدام، ويجزئ أيضا أن يشبعهم مرتين غداء أو عشاء أو غداءين أو عشاءين، سواء توالت المرتين أو لا، فصل بينهما بطول أو لا، وسواء أطعم العشرة مجتمعين أو متفرقين، متساوين في الأكل أو لا، واشترط بعضهم تقاربهم في الأكل.
ثانيا: يشترط في المساكين الحرية، والإسلام، وعدم لزوم نفقة على المخرج، فلا يجوز أن يدفع منها الرجل لزوجه أو ولده الفقير، ويجوز أن تدفع الزوج منها لزوجها وولدها الفقير، لأنها لا تلزمها نفقتهما.
ثالثا: يشترط أن لا يكرر الإعطاء فلا يجوز أن يطعم واحدا عشرة أمداد في عشرة أيام كما يقول الحنفية، وهذا شرط في الكسوة أيضا.
رابعا: يشترط أن لا ينقص الحصص، بل لا بد أن يعطي كل مسكين حصة كاملة، فلا يجوز أن يعطي عشرين مسكينا عشرة أمداد لكل واحد نصف مد، غلا أن يكمل لعشرة منهم ما نقص بأن يعطي لكل واحد منهم نصف مد آخر.
خامسا: يشترط أن لا تكون ملفقة من نوعين فأكثر، فلا يجوز أن يخرج بعض الكفارة طعاما والبعض الآخر كسوة، فلو أطعم خمسة وكسا خمسة لا يجزئه إلا إذا ألغى ما أعطاه لخمسة منهم، فإذا ألغى الكسوة وجب عليه أن يطعم خمسة آخرين وبالعكس: نعم يجوز التلفيق من صنف نوع واحد بأن يعطي بعضهم أمدادا والبعض الآخر أرطالا، ولا يشترط بقاء الصدقة في يد الفقير في الملفقة، بل يكملها ولو ذهب ما أخذه الفقير من يده. ومثلها المكررة وهي التي صرفت لأقل من عشرة، أما تكميل الناقصة وهي التي صرفت لأكثر من عشرة، فبعضهم يشترط أن يبقى ما أخذ الفقير بيده، ولكن الراجح عدم اشتراط ذلك، ويشترط في الكسوة أن تكون في حق الرجل ثوبا يستر جميع بدنه أو إزارا يمكن أن يشتمل به في الصلاة فلا تجزئ العمامة ولا الإزار الذي لا يمكن الاشتمال به في الصلاة، وأن تكون في حق المرأة قميصا ساترا وخمارا، ولا يشترط في الكسوة أن تكون من كسوة وسط أهل بلده، بل تكفي ولو كانت أقل من كسوة الوسد، أما الطعام فيشترط فيه أن يكون من عيش أهل البلد لا عيش المكفر على المعتمد، وإذا أراد أن يكسو صغيرا فإنه يلزم أن يعطيه ما يعطي الكبير على المعتمد، وكذلك إذا أراد أن يطعمه فإنه يعطيه ما يعطي الكبير، ولو كان يستغني به عن اللبن، فلا بد من أن يعطيه مدا أو رطلين من الخبز كالكبير وهذا هو المعتمد، ويشترط في العتق أن يعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب؛ فإذا عجز وقت الإخراج عن هذه الأمور الثلاثة: الإطعام والكسوة والكفارة، بأن لم يكن عنده ما يباع على المفلس صام ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها بل يندب.
الشافعية - قالوا: يشترط في الإطعام شروط: أولا: أن يعطي كل مسكين من العشرة مدا من الطعام "وهو رطل وثلث" أو نصف قدح مصري وثمن كيلة، والرطل المعتبر مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، ثانيا: يشترط أن يكون الطعام من قوت غالب أهل بلد حالف اليمين، سواء كفر عن نفسه أو كفر عنه غيره، وقيل: إذا كفر عنه غيره فالعبرة بقوت بلد المكفر، فلا يجزئ التمر والأقط "وهو لبن يابس أخرج زبده" ما لم يكن قوت غالب أهل البلد المبين في صدقة الفطر، وترتب في الأفضلية هكذا: البر، فالسلت "الشعير النبوي"، فالشعير فلذرة، فالأرز، فالحمص، فالعدس، فالفول، فالتمر، فالزبيب، فالأقط، فاللبن، فالجبن. وإذا اعتاد غالب أهل البلد أكل غير الأقوات المفصلة في صدقة الفطر كاللحم مثلا، فإنه لا يجزئ في الكفارة.
ثالثا: يشترط أن يعطي لكل واحد منهم مدا كاملا، فلو أعطى العشرة أمداد لأحد عشر مسكينا لم يكف. وكذا لا يكفي أن يعطي العشرة لخمسة ولا يكفي أن يعطي خمسة طعاما، وخمسة كسوة ويشترط في الكسوة أن تكون شيئا مما يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كقميص أو عمامة أو خمار "طرحة" أو كساء "حرام" أو فوطة "منشفة". فلو اشترط عشرة منها وفرقها على عشرة مساكين تكفي. فلا يكفي - الخف ولا القفاز "وهو ما يلبس في اليد" ولا النعل، ولا المنطقة، ولا القلنسوة "وهي ما يغطى به الرأس كالطاقية"، ويشترط أن يكون قويا يمكن الانتفاع به. ولا يشترط أن يكون جديدا بل يجزئ الملبوس ولو مغسولا ما لم يكن باليا ويشترط في العتق أن يكون المعتق رقبة مؤمنة سليمة من عيبيخل بعمل أو كسب، فإن عجز عن الثلاثة بأن لم يجد شيئا زائدا على ما يكفي العمر الغالب له ولمن يمونه ولو كان مالكا للنصاب، لأن النصاب قد لا يكفيه العمر الغالب له ولممونه، فإنه في هذه الحالة يكفر بالصوم وهو صيام ثلاثة أيام بشرط أن ينوي الكفارة ولا يشترط تتابعها على الأظهر.
الحنابلة - قالوا: يشترط في الإطعام أن يطعم عشرة مساكين مسلمين أحرارا ولو صغارا بأن يملكهم مدا من قمح "وهو رطل وثلث بالعراقي، والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما" أو نصف صاع من تمر، أو شعير، أو زبيب، أو اقط "وهو اللبن المجمد"، ونص الصاع بالكيل المصري: قدح، ولا يجوز أن يكعمهم خبرزا أو يطعمهم حبا معيبا "مسوسا أو قديما أو مبلولا ونحو ذلك" ويشترط أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته كزوجه وأخته الي لا يعولها غيره، ولا من هو أصل أو فرع له كما تقدم بيانه في كفارة الصوم.
ويشترط في الكسوة أن تستر العورة المشترط سترها في الصلاة، فيعطي للرجل ثوبا ولو قديما ما لم تذهب قوته؛ فإنه بلي وذهبت قوته فإنه لا ينفع. أو قميصا يصلي فيه الفرض بأن يزيد منه شيء على ستر العورة، فلا يجزئ مئزر واحد، لأن الفرض لا يصح فيه. وتجزئ السراويل ويعطي للمرأة قميصا ساترا وخمار يجزئها أن تصلي فيه. فإذا أعطاها ثوبا واحدا يستر بدنها ورأسها أجزأه.
ولا يشترط أن يتكون الكفارة من جنس واحد. فله أن يطعم بعضهم قمحا والآخر تمرا كما يجوز أن يطعم البعض ويكسو البعض الآخر.
ويشترط في العتق أن يعتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فإن عجز عن الإطعام والكسوة والعتق فصيام ثلاثة أيام متتابعة إن لم يكن عذر يسقط به التتابع كالحيض، وإنما تجب الكفارة بغير الصوم فيما زاد عن حاجته الأصلية الصالحة لمثله، كدار يحتاج لسكناها، ودابة يحتاج لركوبها وخادم يحتاج لخدمته. فإن كان له شيء يحتاج إليه كتجارة تختل إذا أخرج منها الكفارة، أو أثاث يحتاج إليه أو حلي امرأة ونحو ذلك فإنه لا يلزم ببيع شيء منه ويكفر بالصوم.
 
أعلى