رد: ( كل تأويل أدى إلى إبطال حكم الأصل فهو ساقط ) .. ؟؟
وبقي أن يضاف إلى هذا الكلام الطيب :
أن التأويل الذي هو جائز بالاتفاق هو الذي لا يعود على النص بالإبطال، فإن التأويل الذي يحرف النص أو لا تتوافر فيه شروط صرفه عن ظاهره محصلته أنه يعود على دلالة النص بالإبطال، وإلى هذا اشار ابن القيم، واهل العلم الذين يجيزون التأويل لهم فيه شروط .
فقول الدكتور أيمن -حفظه الله-
"وأنه ينبغي التفريق بين عود التعليل على أصله بالإبطال وعوده عليه بالتأويل أو التغيير، فالأول باطل، أما الثاني فجائز باتفاق أئمة المذاهب"
جائز بشرط واحترازات، وليس هكذا باطلاق ، وإلا فمنه ماهو باطل باتفاق أيضا.
كلام أخي أبي الفضل، بارك الله فيه، صحيح لا غبار عليه. فالتأويل بالتعليل جائز من حيث الأصل إذا تحققت شروط التأويل العامة وهي:
1.احتمال اللفظ للمعنى المؤول لغة كاحتمال العام للخصوص والخاص للعموم، واحتمال الحقيقة للمجاز، واحتمال دلالة المفهوم المخالف للإلغاء وغير ذلك من صور التأويل.
2. صحة الدليل الصارف وهو هنا قرينة التعليل الذي ينبغي أن تتوفر فيه شروط التعليل الصحيح بمسالكه المعروفة
3. رجحان الظن المستفاد من الدليل الصارف على المستفاد من ظاهر اللفظ
مثال:
اجتهاد الفقهاء في الحديث "من استجمر فليستجمر بثلاثة أحجار" بعد تعليله بقصد الإنقاء: فقد أجاز الحنفية والمالكية الاستنجاء بحجر واحد إذا أنقى، ولم يجيزوا الاقتصار على ثلاثة إذا لم تنق. وأجاز الشافعية الاستنجاء بحجر واحد كذلك، ولكن إذا كانت له ثلاثة أطراف، ووافقوا الجمهور في عدم جواز الاقتصار على ثلاثة إذا لم تنق. واتفق الجميع على توسيع النص بقياس ما في معنى الأحجار عليها
وهذه التأويلات التي تستند إلى التعليل تضمنت إلغاء القيود اللفظية الموجودة في النص. (ألغت مفهومها المخالف).
مثال آخر:
اجتهاد الفقهاء في "أو لامستم النساء" علله الجمهور بأن اللمس
مظنة نزول المذي ولذلك قيدوه بالشهوة، فأخرجوا من العموم كل لمس بغير شهوة. أما الشافعية فعللوه بمظنة الشهوة فأخرجوا من العموم كل امرأة ليست من مظنة الشهوة في الراجح من قولي الشافعي رحمه الله تعالى: كالصغار والمحارم
مثال ثالث:
لا يحكمن حكم بين اثنين وهو غضبان. أدخلوا فيه كل مشوش كالاحتقان والألم الشديد وغير ذلك فأبطلوا مفهوم الصفة "وهو غضبان". وأخرجوا منه الغضب اليسير الذي لا يشوش، فخصصوا عموم الغضب (نكرة في سياق النهي). كل هذا اعتمادا على تعليل النص.
والأمثلة على تصرفات الفقهاء في النصوص على هذا النحو أكثر من أن تحصى. وهي من الكثرة بمكان عن الصحابة وأئمة السلف أيضا. والله أعلم.