العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

كيف يعتمد أهل الظاهر قاعدة فقهية

إنضم
25 يونيو 2008
المشاركات
1,762
الإقامة
ألمانيا
الجنس
ذكر
التخصص
أصول الفقه
الدولة
ألمانيا
المدينة
مونستر
المذهب الفقهي
لا مذهب بعينه
بسم الله الرحمن الرحيم​

يقتضي المنهج العلمي في كل فن من الفنون , ميزانا ينظر إلى الأمور بواسطته للحكم على صحتها أو خطئها ..
وعلم القواعد الفقهية ليس بدعا من الفنون , بل لابد له من منهج يضبط تأصيلاته وقواعده وقد سلكت كل مدرسة منهجا لتأصيل الوقاعد الفقهية من أراد الإطلاع على طرف منه فيراجع مشكورا كتاب "نظرية التقعيد الفقهي" للدكتور محمد الروكي...
أما عن منهج أهل الظاهر في علم القواعد الفقهية فأحاول أن اشير إليه فاتحا الموضوع لأهل العلم في الملتقى المبارك لإخراج ما عندهم من درر ونفائس...
في صلب المسألة عندنا قضيتين :
قضية طرق التقعيد للقواعد.
قضية اصول التقعيد للقواعد.


1- طرق التقعيد :

لا نستطيع الكلام على هذا المبحث إذا لم نعرف معنى القاعدة الفقهية:
فهي لغة : الأساس .
واصطلاحا : قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها.
وقال أهل القياس : بل أكثرية لا كلية لأن بعض الجزئيات قد تشذ عن الأصل العام ولكل قاعدة استثناء إلا النادر..
وإنه وإن كان شيخنا ابن تميم يذهب إلى أن معظم ما يصطلح عليه قواعد ما هو إلا ضوابط لوجود مستثنيات , فإنه لا يترتب كبير خلاف –على ما أتصور- في هذه المسألة...
وللتقعيد طريقان :
-الإستنباط.
-الإستقراء.

أما الإستنباط:

فهو في اصل الوضع الإستخراج , وفي الإصطلاح كما قال ابن حزم رحمه الله :"إخراج الشئ المغيب من شئ آخر كان فيه"
وقال الجرجاني :"استخراج المعاني من النصوص بفرط الذهن وقوة القريحة".
فحسب التعريفين لا بد لصحة الإستنباط من شرطين :
أن يكون النظر في النصوص.
أن يكون هذا المستخرج متضمنا في النص.
وإن أهل القياس لم يرتضوا الحدين لكونهما لا يخدم مذاهبهم :
فإنهم يستنبطون بمقتضى القياس والراي..ولا حظ لهما من النص , كما أن كثيرا مما استنبطوه لا يوجد في النص بل هو ظن من المستنبط وتأويل قد علمنا حرمته ما لم يقم عليه دليل من ظاهر نص أو صحيح إجماع...وهم قد قالوا العلة روح النص , والعلة لم يخبرهم بها أحد بل ربما عللوا بما يضحك بدويا يعيش في أقصى مدينة القنيطرة في المغرب.
فقالوا نتوسع في الحد: فقالوا لا نقتصر على النص بل نضيف ما رجع إلى النص ويقصدون القياس وغيره...ولهم عادة في اللعب على الألفاظ.
فقالوا أصول الإستنباط تشمل : منقول النص ومعقوله , قلنا لهم : بل منقوله ومعقوله الراجع النص بأن يكون منصوصا على جملة معناه وإلا فهو باطل , اترى أن النبي قد حرم القول بالقياس فكيف تنسب إلى النص "معقولات" نهي عن اعتبارها..فاللهم سلم!!
إن الإستنباط الصحيح يكون باستخراج المعنى المنصوص على لفظه واعتباره , كقوله عليه السلام "إنما الأعمال بالنيات" فهذه قاعدة قد نص النبي على المعنى بالألفاظ ...فوجب العمل بها والحكم باطرادها لأنه عليه السلام لم يخصص والعموم حجة مالم يرد مخصص...
أو يكون منصوصا على جملة معناه كقوله تعالى " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فدلت هذه الآية على أن ما فاق الوسع مطروح, لأن أصل التشريع يحتمله كل البشر فهو ليس مشقة لكن قد يعرض –بما نشاهده بحواسنا- من عوارض تمنع القيام بالتكليفات ...فسقطت بحمده تعالى, بالمعنى المنصوص ولم يحوجنا تعالى لرأي ولا قياس...

وأما الإستقراء:

فقد قال ابن حزم في التقريب : إن معنى هذا اللفظ هو ان تتبع بفكرك اشياء موجودات يجمعها نوع واحد وجنس واحد ويحكم فيها بحكم واحد.
وبعبارة أخرى : تتبع جزئيات للوصول إلى حكم كلي.
ومن جديد لم يعجب أهل القياس هذا الحد لأنه يعتمد القطع وهو مناف لأصلهم في اعتبار الظن الذي جملوه ب"الغالب" ...فقالوا : يكفينا الناقص ...وهو عبارة عن تصفح لأكثر الجزئيات بحيث يحصل "الإطئمنان" في أن غيرها مثلها في الحكم...
وهذه المرة وافق الرازي أهل الظاهر فقال أن هذا الناقص لا يفيد إلا الظن والإحتمال قائم على مخالفة بعض الجزئيات غير المبحوث فيها لتلك التي بحث فيها...
لنا : في القواعد الفقهية إذا كان الإستقراء تاما وأعيد : تاما فيا أهلا...
وإلا فلا ...وأهل القياس قالوا بل الإستقراء الناقص حجة في بناء القاعدة , فاختلفنا...والأمر لله من قبل ومن بعد ..لكن الحق إلى جانبنا بحمد الله فإن قلت : تحكما قلت لك : بل استدلالا , ألا ترى إلى قوله تعالى : "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقي" قال أهل العلم باللغة –وهو الراغب- البرهان أوكد الأدلة وهو الذي يقتضي الصدق دائما لا محالة....
فنسألكم : هل استقرائكم أفاد ظنا أم قطعا ؟ وهل أمرتنا الآية بالبرهان المفيد للقطع أم الدليل أو الأمارة المفيدة للظن "الغالب" ..
قال ابن حزم رحمه الله :" ولعمري لو قدرنا على تقصي تلك الاشخاص أولها عن آخرها حتى نحيط علما بأنه لم يشذ عنا منها واحدة فوجدنا هذه الصفة عامة لجميعها لوجب أن نقتضي بعمومها لها، وكذلك لو وجدنا الاحكام منصوصة على كل شيء فيه تلك الصفة لقطعنا به أنها لازمة لكل ما فيه تلك الصفة، واما ونحن لا نقدر على استيعاب ذلك ولا نجده أيضاً في الحكم منصوصا على كل ما فيه تلك الصفة فهذا تكهن من المتحكم به وتخرص وتسهل في الكذب وقضاء بغير علم" (راجع-بلا أمر- التقريب لحد المنطق ص 164 أو 161 حسب الطبعات)
وهكذا أكون انتهيت من طرق التقعيد وبقي التأصيل؟ وننتظر من الجماعة أجوبة ؟...
اصول التقعيد الفقهي :
قال أهل القياس : اصول تقعيداتنا أربعة :
بالنص .. فوافقناهم.
بالقياس ..فأنكرنا عليهم.
بالإستدلال فوافقناهم بتحفظ.
بالترجيح ..ولا نحكم حتى نرى ما يقصدون .


..
..


1- التقعيد بالنص :

النص – كما يقول المحقق المجدد ابن حزم- :"هو الظاهر وهو اللفظ الوارد في الكتاب والسنة".
والتقعيد بالنص هو مما لا نختلف فيه مع أهل القياس , فإن عددا من النصوص هي قاعدة في حد ذاتها :قوله عليه السلام في حديث "إنما الأعمال بالنيات" فهذا الحديث قاعدة بنفسه , وقد توصل بعض المعاصرين إلى ضرورة استبدال اللفظ المشهور : "الأمور بمقاصدها" ب"الأعمال بالنيات" وهذا ما سيكون في موسوعة القواعد التي ستصدر قريبا عن المجمع الفقهي الذي يضم الدكتور الريسوني ...
وحديث : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" أصل في الإتباع وتجنب إحداث شرع لم يكن...
وقوله تعالى "ولا تزر وازرة وزر أخرى" قال أبو حيان الظاهري في البحر المحيط شارحا للآية :" يؤاخذ كل واحد منكم ولا منهم بحساب صاحبه أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم ولا هم بحسابك" وهذه قاعدة فقهية جليلة , اتفقت الأمة الإسلامية على العمل بها واعتبارها
وقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" فالأصل الزامية العقود إلا ما استثناه الشرع بنص آخر..
وقوله تعالى "ويحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث" هذه قاعدة جامعة مانعة لما يستجد من مأكولات ومشروبات وتوابعها من سجائروو فما كان طيبا مفيدا فحلال وإلا فالحرمة حكمه والسجائر من هذا الباب ...لمن كان له قلب وابتعد عن العناد.
وقوله تعالى "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" قاعدة ضابطة للعلاقات الأسرية.....
وقوله تعالى :"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" اصل في الترخص عند تعذر القدرة على فعل المطلوبات...
وقوله تعالى:" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" اصل لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات....
إلى غير ذلك من الايات والأحاديث الكثير الكثيرة .....

2- التقعيد بالقياس :

قال الشيخ :"إن الفقيه إذا استوعب نظرية القياس , واهتدى إلى معرفة أركانه وشروطه ومسالك العلة...فإنه يتكون لديه فكر قياسي ومنهاج قياسي يصوغ على أساسهما وفي ضوئهما قواعد فقهية "(هو محمد الروكي في نظرية التقعيد الفقهي)

قلت له : ما تعلمته من المشايخ أن القياس أصلا متنازع فيه فأثبت لي حجيته أوافقك , جد مخرجا لقوله عليه السلام : تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم" ولا تقل لي : قد قصد عليه السلام القياس المعارض لنص فإنني اقول لك : أنت توافقني في ان العموم يبقى عاما حتى يقوم الدليل على التخصيص , فأنا أسأل عن دليلك هذا ؟ -ومن حقي أن أسأل فلي عقل أفكر به- ...
فإن قلت لي قد قاس عليه السلام قلت لك : لم يقس , فإن قلت : بل أهل العلم قالوا إنه قد قاس , اقول لك : واهل العلم قالوا لم يقس , فإن قلت : ما العمل معك ؟ اقول : نرى حجج الطائفتين ...وقد كتب شيخنا ابن تميم الظاهري مقالا تجده مثبتا في قسم الأصول بعنوان "اإعتبار في إبطال القياس من الأخبار " ففيه الغنية.. وبذلك المقال الطويل أفحمت استاذة اصول الفقه حتى احمر وجهها واعترفت بقوة حجج الظاهرية بحمد الله والفضل الأكبر له أولا ثم الأصغر لشيخنا...(طبعا لن تنف القياس فربما طردت من الوظيفة).
ثم قال الشيخ الروكي :"بل إن عملية التقعيد الفقهي هي بنفسها عملية قياسية مادامت قائمة في اساسها على الجمع بين المتشابه و المتناظر من الفروع الفقهية"
قلت : ليس الأمر كما قال الشيخ بل المسألة عبارة عن الحكم لجزئي بنفس حكم الكلي المندرج تحته لفظا أو معنى.
فقوله تعالى :"حرمت عليكم الخبائث" فالخمر والسجائر والنرجيلة خبائث فهي حرام .ولا دخل للقياس هنا .
على ان هنا مسألة أخرى : قد نجمع بين شيئين من حيث المشاكلة والمماثلة فإن القياس لغة يأتي بمعنى تقدير الشئ على مثاله" و"المقارنة بين شيئين" لكن المشكلة عندنا هي في المعنى الإصطلاحي الذي يجعل من مشاكلة طبيعية بين أمرين قاضية بالمشاكلة الحكمية (الشرعية) فإن هذا مما لايستقيم , لإنني لو حكمت على أمرين أنهما متشابهين لم يلزم من ذلك ان لهما حكم شرعيا واحدا , فإن هذا من باب الإلزام والله تعالى لا يلزمه أحد, فالحكم الشرعي له ان يجمع بين متماثلين أو أن لا يجمع بينهما ...كما أن اعتدال طبائع الأشياء في أنفسها-كما قال الإمام ابو الحسن القصاب-غير لازم بأن يكون لها حكم شرعي واحد فالأمر راجع إلى الله تعالى لا غلى طبيعة الشيئين...
كما أنهم يقولون للقياس حكم الإطراد , فمتى وجدت علة الحكم في شئ حكم له بنفس الحكم دائما وفي كل الأمور...وهذا يوقعهم في مصيبة معارضة بعض النصوص لزاما –ولذلك قال أبو حنيفة "لا تأخذوا بأقيسة زفر" لأنه كان يطرد قياساته ولا خبرة له بالآثار- فإن أرادوا حل مشكلتهم وقالوا نستثني فروعا ونلحقها بقواعد اخر ,...
قلنا : قد اختل الأساس العقلي لحكمكم ؟ فإنكم نتقولون الجمع بين المتشابهات حكم عقلي فطري فكيف تستثنون : آالشرع يخالف الفطر؟
أم أنكم أخطأتم في قياسكم هذا ؟
طبعا عندنا وعندهم الشرع لا يخالف الفطر السليمة فدل هذا على ان الحكم الشرعي ليس معلقا بالمشابهة بين شيئين وغنما بأمر آخر خاص بالرب سبحانه لم يطلع عقولنا القاصرة عن الإحاطة بحكمة الرب عليه...
وإن قالوا أخطانا : فكيف علقتم أحكاما دينية بما يخطئ ويظهر تناقضه؟

ثم إنهم يخطؤون أخطاء فادحة أثناء التمثيل , فمن ذلك أنهم مثلوا للتقعيد بالقياس بقاعدة : "ما يحرم استعماله يحرم اتخاذه " فقالوا : قد حرم رسول الله الإنتفاع بآنية الذهب والفضة فيحرم اتخاذها واقتناؤها ثم افترقوا في الإستلال فربما قال البعض تحرم قياسا على الإستعمال وآخرون قالوا تحرم إلحاقا لجزئية بنظيرها, وليس من باب قياس التعليل..
قلنا : بل تحريم اتخاذها ثابت بعبارة النص ولا حاجة لتكثير الكلام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" هو لهم في الدنيا وهو لكم في الآخرة"
قال ابن حزم رحمه الله عقبه ايراده لهذا الأثر:" فإن قيل: إنما نهى, عن الأكل فيها والشرب. قلنا: هذان الخبران نهي عام عنهما جملة" .
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال : "لا تتوضؤا في آنية الذهب والفضة " لما حرم إلا الوضوء فيهما ولو قال : لا تأكلوا فيهما" لما حرم إلا الأكل فيهما ولو قال :" لا تستعملوا الذهب والفضة" لما حرم إلا الإستعمال أما الشراء فلا دخل له في هذه المسألة , فظهر أن هذه القاعدة لا تصح اصلا .وما وقعوا في هذا الذي وقعوا فيه إلا بأخذهم بالقياسات والآراء...ونسأل الله لهم المغفرة .

فبطل بحمد الله التقعيد بالقياس والحمد لله...

2- التقعيد بالإستدلال:

قال ابن حزم في معنى الإستدلال :"طلب الدليل من قبل معارف العقل ونتائجه أو من قبل إنسان يعلم" ولن يكتمل المفهوم الواضح من هذا الكلام إلا إذا علمت أن معنى العلم عند الإمام-مختصرا- هو" تيقن الشئ على ما هو عليه بطرق :البرهان الضروري |أو أول البديهة والحس أو ما نتج على أول الحس والبديهة أو نصوص الكتاب والسنة"
وعند أهل القياس للإستدلال معاني فربما جاء بمعنى الكتاب والسنة والقياس بأنواعه : اقتراني وعكسي.. وربما جاء بمعنى الإستصلاح كالحال مع الجويني أو بما ليس قرآنا ولا سنة ولا قياسا..
فيستدلون بالإستصحاب واقل ما قيل وشرع من قبلنا وقول الصحابي –رضي الله عنهم جميعا-...

وقد علم أن القياس والإستصلاح –بالمعنى المعروف عندهم-وشرع من قبلنا وقول الصحابي إن لم يكن متضمنا للدليل ...فليس حجة عند أهل الظاهر فما بني على شئ من هذا فهو باطل ...
أما الكتاب والسنة والإستصحاب وأقل ما قيل فحجة. والإستصلاح على تفصيل.

1-أما القواعد المأخوذة من الكتاب والسنة فسبقت الإشارة غلى بعض الأمثلة .

2-وأما الإستصحاب : ففلسفته العامة : الأصل بقاء ما كان ولا يتغير إلا بيقين ...ولذلك تندرج تحت التقعيد به قاعدة : الأصل براءة الذمة وتحتها فروع كثيرة ...فإذا اتهم فلان بالقتل ولم يقم على ذلك دليل نستصحب الأصل وهو : البراءة.
والعكس كذلك : إذا شغلت الذمة بيقين لاتفرغ إلا بيقين...
وقاعدة الحق لا يسقط بالتقادم...
وقاعدة : ما ثبت بزمان ما لا يتغير حتى يقوم دليل على النقلة...
وقد استدل ابن حزم رحمه الله بالإستصحاب في إثبات قواعد فقهية , قال الباحث صقر السفياني في رسالته للماجستير "القواعد الفقهية عند ابن حزم" : ولقد استدل به الإمام في أكثر من قاعدة، ومن ذلك قاعدة: ليس وجوب الضم ان بمبيح للضامن ما حرم الله عليه، وعلل ذلك بقوله: لأن الأصل في الأموال الحرمة ولا تباح لأحد إلا بنص ولا نص هنا فنستصحب الأصل في الأموال"

3- الإستصلاح : ومنه سد الذريعة وفتحها...وضابط المسألة عند اهل الظاهر هو اليقين ...ولها شقين:
الأول: فلو علمنا أن مسألة ما ستؤدي إلى الحرام يقينا حرمت , اما وان المسألة مشكوك فيها فنقول : كل من كان سيقع في الحرام بسبب هذه المسألة فهي حرام في حقه ولا نعمم الحكم...ولذلك فقول القرافي :"اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح".
لايصح إذا فهمناها وفق قواعد أهل القياس , أما على أصول أهل الظاهر فلا شئ فيها. والله أعلم.
ويتفرع عن هذا "الدليل" حسب أهل القياس قواعد من بينها :
-"ما أدى إلى حرام فهو حرام" والقول في هذه القاعدة هو نفس القول في سد الذرائع فميزان المسألة : هل هذا الإضاء ظني أم قطعي؟.
-وأما قاعدة "من تعجل الشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه" أو "من قصد إبطال قصد الشارع عوقب بإبطال قصده"وهي فرع عما سبق , ويمثلون لها بما يلي :" إذار ارتدت زوجة لكي تطلق من زوجها وبعدما طلقت تابت فليس لها أن تتزوج بغير هذا الزوج , معاقبة لها بنقيض ما أرادته...فلا أدري متعلق القوم من جهة الأدلة , فإنني لم أجد من استدل للقاعدة لا مصطفى الزرقا ولا السيوطي والروكي ...
ثم إنني لما أكملت هذا المقال كنت أقرأ الرسالة التي أحلت إليها سابقا فوجدت الإمام قد آزر ما قلت به فازددت يقينا بحمد الله وهذا قول الباحث في مبحث :"نقد الإمام ابن حزم لبعض القواعد":
وهذه القاعدة معلومة ومشهورة، من فروعها: حرمان القاتل لمورثه من الميراث؛ لأنه
استعجل الميراث قبل أوانه فعوقب بحرمانه، ومنها من تزوج امرأة في عدا حرمت عليه على
التأبيد.
ولقد نقد الإمام هذه القاعدة بما يلي:
- أن هذه العلة مفتقرة إلى ما يصححها؛ لأنها دعوى.
- ومن أين لكم أن من استعجل شيئا قبل أوانه حرم عليه في الأبد؟ وأي نص جاء هذا ؟
أو أي عقل دل عليه؟
- ثم لو صح لهم أن القاتل يمنع من الميراث فمن أين لهم أن ذلك لتعجيله إياه قبل وقته؟
ثم قال: وكل هذا كذب وظن فاسد وتخرص بالباطل.
- ويلزمهم القول بهذه القاعدة: أن يقولوا فيمن غصب مال مورثه أن يحرم عليه في
الأبد، لأنه استعجله قبل وقته.
وأن يقولوا في امرأة سافرت في عد هذا أن يحرم عليها السفر أبدا.
.( ومن تطيب في إحرامه أن يحرم عليه الطيب أبدا.."
فإذا كان الأمر كما وصفت – والله أعلم- فالقاعدة وامثلتها باطلة إذ هي شرع من دون نص , وما كان كذلك فهو باطل لقوله تعالى :" وما آتاكم الرسول فخذوه" فلم يعلق الأخذ بقياس ولا رأي...
الثاني : ما شهدت له نصوص الشرع العامة المتظافرة فهو حجة , ولذلك نحن نقول –وبعض أهل القياس كالريسوني- لا توجد مصلحة لم ينص عليها الشرع وأخبرني شيخنا ابن تميم الظاهري أن قوله تعالى :" وتعاونوا على البروالتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " من هذا الباب فكل ما أدى إلى خير فلا شئ في فعله وكل ما أدى إلى وزره فمحرم فعله , وكل ما رجع إلى تيسير حياة الناس وتنظيمها وحماية الأموال والأرواح فلا شئ فيه مالم يعارض نصا...
أما ما يقوله بعض أهل القياس –وهم المالكية وكثير من الحنابلة- من أن التقعيد بهذا الأصل إنما يكون باستقراء مقاصد الشريعة ومآلاتها –مما لم يصل لدرجة القطع التام- والتقعيد بالإستدلال المرسل وقياس المعنى... فلا يصح أبدا ولا يصح أن نبني عليه أحكاما لا تستند إلى دليل, هذا ما اتفق عليه أهل الظاهر والشافعية ومن وافقهم من أهل الحديث ..

4- التقعيد بالترجيح :

قال ابن فارس رحمه الله في معجم مقاييس اللغة :" (رجح) الراء والجيم والحاء أصل واحد، يدل على رزانة وزيادة"
وفي الإصطلاح "ترجيح أحد الدليلين والعمل به " باعتباره أقوى مما سواه مما يمكن ا نيستدل به في المسألة...
كأن يكون في المسألة حديث مرسل وآخر مرفوع فالعمل بالمرفوع واجب ...
أما إن كان في المسألة دليلان يرى فيهم االفقيه تعارضا :
فقال أهل القياس في قاعدة مشهورة عندهم : "إذا اجتمع الحرام والحلال غلب الحرام" واصل هذه القاعدة كما يقول بعضهم حديث لا يصح : "ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال" قال ابن السبكي : غير أن القاعدة في نفسها صحيحة.

لنا : هذا أصل باطل باطل بل القاعدة عندنا وقد صغتها من كلام ابن حزم رحمه الله (الإحكام 2/ 177): "ليس الحاظر بأوكد من المبيح والفصل للبرهان"
وقال في أول كلامه في "فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص": قال علي إذا تعارض الحديثان أو الآيتان أو الآية والحديث فيما يظن من لا يعلم ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها".

وعلل أهل القياس مذهبهم في تغليب التحريم بما نقله السيوطي عن بعض أهل العلم :" وإنما كان التحريم أحب لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم وذلك أولى من عكسه"
ومثلوا بما روي عن عثمان رضي الله عنه لما سئل عن الجمع بين أختين بملك اليمين فقال : "أحلتهما آية وحرمتهما آية , والتحريم أحب إلينا"
فالتي أباحت "أو ما ملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين" والتي حرمت"وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف" قال الشيخ الروكي : " والفقهاء يرجحون هنا ىية الحرمة على آية الحل لأنها أحوط ولأن الصحابة والسلف كانوا على عدم الجمع.
وقد تكلم الإمام ابن حزم رحمه الله على المسألة في المحلى ج6ص 521 أو مسألة رقم 1857.
وذكر أن هناك من رأى جواز الجمع خلافا لما قاله الروكي وهما عكرمة وابن عباس وداود الأصفهاني .
ورجح ابن حزم التحريم ودليله أن قوله تعالى (إلا ما ملكت أيمانكم) مجمع على أنه مخصوص لأن الغلام مثلا ملك اليمين وهو متفق على تحريمه , ثم نظرنا في قوله تعالى (وأن تجمعوا بين الأختين) فلا إجماع على تخصيصها ولا نص , فوجب تخصيص ما أجمع على أنه مخصص وهي الآية الأولى بالثانية .والله أعلم.
وقال رحمه الله في الإحكام :" ومما خص من القرآن بالقرآن قوله تعالى إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فاستثنى تعالى الأزواج وملك اليمين من جملة ما حظر من إطلاق الفروج ثم خص تعالى الجمع بين الأختين وبين الأم والابنة والربيبة الزانية والحريمة بالقرابة والشركة بالقرآن"
فالقصد أن هذا النوع من الترجيح باطل أصلا فكيف نجعله من قواعد التأصيل للقواعد الفقهية؟ وقد استدل بعض أهل القياس على جواز هذا الترجيح بأنه فعل السلف , وهذا لا يصح وقد ذكرت قول من أجاز الوطء بملك اليمين مع تعارض الدليلين!!



الخلاصة :

أولا-لقبول القاعدة لا بد وأن تستند إلى شاهدين عدلين :

1- الكتاب والسنة والإجماع والإستصحاب.
2- القطع واليقين.
3- البرهان.

فأما الشرط الأول فلقوله تعالى : " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" وأما القياس فحرام بنص الوحي.
وأما الشرط الثاني : فلقوله تعالى : " وما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا" والنكرة في سياق النفي تفيد الإستغراق فمن خص نوعا من أنوا عالظنون كلف الدليل ولا سبيل له إليه.
وأما الشرط الثالث فراجع إلى الثاني .

والحمد لله رب العالمين و وارحب بالملاحظات بأرحب صدر.
 

شهاب الدين الإدريسي

:: عضو مؤسس ::
إنضم
20 سبتمبر 2008
المشاركات
376
التخصص
التفسير وعلوم القرآن
المدينة
مكناس
المذهب الفقهي
مالكي
يا أخ أبا عبد الرحمان، انبهك أولا إلى أني لم أفقد صوابي ولله الحمد، إنما دائما أجد من بعض أهل الظاهر غمزا ولمزا كما يحدث الآن ... وهو شيء خطير تجده عند من ابتدأ بأمور الجدل ..
ولا أعرف ما هي تحديدات النقاش العلمي عندك، فهل لو نبهتك إلى دقائق مقالتك سيخرج عن العلمي ويدخل في اللا علمي ؟؟ فمثلا لو تدارسنا حديثا تمسكت بتصحيحه سيكون مضيعة للوقت ؟؟

المسألة في الأصل لا تستحق أن تتحدث بثنائية الحق والباطل وتستشهد بالحديث، وكتابة المقالات بلسان المتحدي والإفحام والإلزام. (وأنا أتحدث تعميما)

فغرضي من بعض التعليقات هو بيان ما وقع من هذه الآفات، ولا أهتم بمسائل المناظرة، لأن المذهب الظاهري قد خبرته من خلال مؤلفات عدة ومع ذلك أحترم اجتهادات أئمته وإن كنتُ أرى بأن الصواب معي بل حتى أمسك لساني وقلمي عنه حتى لا يذهب الوقت في الرد على فلان أو إفحام علان .. .. هذه الحلقة مفقودة عند معظم الظاهرية على الشبكة فلا أرى إلا تلك الثنائية وهو شيء منفر صراحة.

فهو مرض سار في كل المذاهب , ومن المالكية من احتكر مطلق الحق وكاد أن يكفر الظاهرية إن لم يكفرهم!

وإن كان ساريا فليس هذا مبررا للتمادي فيه، وقد عرف عند المالكية "أننا لسنا مماليك لمالك" كما في كل المذاهب الأخرى، لهذا فحري التخلص من الشوائب التي قد تعلق .. واحترام المذاهب الفقهية جميعا لأنها لا تخرج من ربقة أهل السنة ولا من ملة الإسلام... وما كان اللين في شيء إلا زانه.
 
أعلى